تعزية بالنائب هاشم علم الدين/ فادي الحاج



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى(وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالو انا لله وانا اليه راجعون(
لقد آلمنا نبأ وفاة عضو تكتل "لبنان أولا" نائب المنية هاشم علم الدين ، وفجعنا كما فجعكم، فعند الله نحتسبه، وإنا لله وإنا إليه راجعون ابناء المنية والضنية الكرام, اهالي واقرباء الفقيد, ابناء الوطن لبنان، أحسن الله عزاءكم وعظم الله أجركم، إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبروا ولتحتسبوا. نرجو الله أن يغفر له، وأن يرحمه، وأن يسكنه فسيح جناته. وألهمكم واهله وإخواته الصبر والسلوان. تلقينا نبأ وفاة فقيدكم المغفور له بإذن الله, نائب المنية الضنية هاشم علم الدين ببالغ الأسى والحزن وبقلوب مؤمنه بقضاء الله وقدره، نشاطركم آلامكم وأحزانكم بهذا المصاب الجلل ونتقدم لكم بتعازينا القلبية الحارة، وبمشاعر المواساة والتعاطف الأخوية المخلصة، وأن يخلفكم في مصابكم خيرا كما نسأله تعالى أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، وينعم عليه بعفوه ورضوانه. صبرا والله المستعان على ما يصيبنا من ابتلاء وهو اختبار للمؤمنين الصالحين ولا اعتراض على حكمه وقضائه, اثابكم الله وجزاكم خير الجزاء. اللهم امين...
آخر مرة اعتلى فيها منصة البرلمان كانت الاثنين 22 شباط الماضي عندما عقدت الهيئة العامة للمجلس جلستها الاولى في دورة 2010. حينها، تبادل الصحافيون نظرات الاستغراب لسماع صوته خافتا، وقد خرجت منه أنّات المرض، من دون اي صراخ. وعندما فتشوا عن صاحب هذا الصوت المثقل بالآلام، وجدوا انه ذاب بوضوح داخل بذلته الرسمية. الا انه كان مصرا على ايصال رسالته على خلفية احتجاج كهربائي: "ثمة حفنة قليلة وغير مسؤولة استمرت في قطع الطريق في المنية -عكار مما أساء الى المنطقة وأضر بمصالح الناس ولا سيما اولئك الذين يمرون على الطريق الدولية الى سوريا".النائب هاشم علم الدين سقط امس عن 70 عاماً في يد منجل الموت وقد انهزم امام المرض الذي صارعه طويلا. كان الرابع في سلالة علم الدين التي مرت في ساحة النجمة، مع العلم ان اول كواكب هؤلاء النواب مر في الآستانة. فعثمان عبد القادر علم الدين (1855-1936) الذي ولد في طرابلس، كان تلقى علومه في المساجد وأتقن اللغة التركية، منصرفا الى ممارسة التجارة قبل ان يعينه الجنرال الفرنسي غورو عضوا عن طرابلس في اللجنة الادارية للبنان الكبير بموجب القرار رقم 370 في 2 تشرين الاول 1920. ولم يتأخر نور الدين عبد القادر علم الدين في احتلال المنصب البرلماني عام 1922 في المجلس التمثيلي الاول بعدما كان رئيسا لبلدية الميناء على مدى 30 سنة. تماما كعثمان، كان يجيد التركية والفرنسية والعربية، انما ابرز محطاته في المجتمع الطرابلسي بانت عندما اسس في فترة الحرب ميتما في عاصمة الشمال ضم اكثر من 500 يتيم انفق عليهم من ماله الخاص. وتميز بأن نال اوسمة السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، والاستحقاق اللبناني، وجوقة الشرف من الحكومة الفرنسية قبل ان توافيه المنية عام 1957. وأكمل محمد مصطفى علم الدين رفع شعلة العائلة في البرلمان بعدما تلقى علومه الاولية في مدارس عدة في طرابلس وانصرف الى الاهتمام بالزراعة والتجارة تماما كولده هاشم. فانتخب نائبا عن طرابلس في دورتي 1960 و1964 عاملا في لجان الدفاع الوطني والزراعة والعمل والشؤون الاجتماعية. وعُرف بسعيه الى تحقيق انجازات انمائية لمنطقته منها تأمين الكهرباء للضنية وشق الطرق وتعبيدها بالاسفلت ومد شبكات مياه الشفة من عيون السمك وتوزيعها في المنية وببنين ودير عمار وتأمين الاتصالات التلفونية نصف الآلية، كما عُرف بميوله الشهابية وهو العضو في الكتلة النيابية للرئيس الراحل رشيد كرامي، ورزق بـ28 ولدا، هاشم هو رابعهم قبل ان يلقى حتفه في 8 شباط 1995. وأكمل الراحل عن "تيار المستقبل" وكتلة "لبنان اولا" والمنية ولبنان والوطن العربي الذي آمن بعمقه وواجب الانتماء اليه دائما، المسيرة، وقد اراد، على ما يبدو، ان يقلد والده مهنياً.

تزوج من السيدة ليديافا سيلفا التي التقاها في بلغاريا حيث درس الهندسة الزراعية سنة 1979 وتخرّج حاملاَ شهادة الدكتوراه من اكاديمية العلوم الزراعية في صوفيا، واعطيا الحياة لابنة وحيدة هي آلانا صوفيا. كان متعدد الثقافات في تحصيله العلمي. فانتقل من المدرسة الانجيلية في طرابلس بعدما انهى علومه الابتدائية والتكميلية، الى مصر حيث نال شهادة التوجيهية عام 1964. وكانت جامعة وهران في الجزائر محطته في التعليم بين الاعوام 1980 و1989. وتماما كوالده، حل في المجلس مرتين في دورتي 2005 و2009، وأكمل عمله في لجنة الزراعة والسياحة ولم يكل من استقبال شكاوى ناخبيه في مكتبه في الطبقة الثانية في البرلمان. بقي حتى النهاية مدافعا عن قناعاته: "الحل ليس عبر طاولة الحوار بل عبر صفاء النيّات واحترام الوطن والسعي لما فيه خيره ومصلحته وعدم الانجرار خلف الطروحات والمشاريع الحزبية ولا الارتهان للغير".. "هناك أهمية وضرورة للوقوف إلى جانب رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة سعد الحريري للوصول بلبنان إلى شاطئ الأمان"، "يجب ان تكون المنية والضنية كما كانت دائما وفيّة للرئيس الشهيد رفيق الحريري ومؤيدة مسيرة دولة الرئيس سعد الحريري".

امس، طوت الحياة غصنا من أرزة المجلس، فخرج منه هاشم علم الدين الى حياة جديدة. غيب الموت عضو تكتل "لبنان أولا" نائب المنية هاشم علم الدين بعد صراع مع المرض و إثر وعكة صحية حادة. عصر اليوم الخميس 29-نيسان 2010 نائب المنية الضنية. إنالله وإنا إليه راجعون، أذكركم أخواني واخواتي أنه ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول :إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مُصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا آجره الله تعالى في مصيبته وأخلف له خيراً منها, وأسأل الله تعالى أن يلهمكم الصبر والسلوان ويغفر لميتكم ويجعل درجته في عليين.

تركي عامر بين الآلة والإبداع/ نور عامر


لا أحد من الأدباء إلا ويطمح أن يكون مقروؤه ملفتا ، وفي هذه المسألة استطاع الشاعر المبدع تركي عامر أن يحصد نجاحا جيدا ، فقد قدّم من فنه وعصارة فكره المئات من النماذج الشعرية ، وعلى مدار سنوات طوال . حقيقة قلّما حظيتُ بندوة أدبية شارك فيها تركي إلا وكان محط إهتمام الجمهور ، بحداثة أشعاره ، وطريقة إلقائه المميزة تحث على الإصغاء والإعجاب . وهذه إحدى المقومات اللازمة للقصيدة المسموعة والمقروءة ، أن تشد الإنتباه وتحرك الشعور ، وإلا ما معنى أن نصاب بالضجر ؛ فتسقط القصيدة تلقائيا بدون نقد وبدون تفاصيل .
ليست كل أشعار تركي تنسحب عليها صفة الإبداع ، وهذا حال الشعراء على مر الزمن ليسوا دائما بمنأى عن الأرض اليباب . ومع ذلك لا أزعم أنني التقيت بقصيدة لتركي قد سقطت ، إنما هو شيطان الشعر يترنح هنا أو هناك ، كما في قصيدة " فسد الصيام " كمثال ، يقصد صيام العرب عن التوحد والنضال . وقد امتلأت أوراقنا بمثل هذا الطرح ؛ إذا لا جديد ! .
بينما ـــ كمثال أيضا ـــ وثب شيطان الشعر وثبة رائعة في قصيدة " رأيت الروح " ألفاظ حرة طليقة نتفاعل معها ذهنا وحسا ،القاها في مناسبة ثقافية في الجليل .
أمّا النقطة التي تشغلني في هذا السياق ، إحساس يراودني في بعض أشعار تركي ، وكأنني أسمع رجلا آليا يتحدث إليّ ، وليس كيانا تحركه العاطفة والروح ، وقد أطل عليّ هذا " الرجل " آخر مرّة من كوّة " أبالسة السماء " ، وهي قصيدة طويلة لتركي ، أطول من معلقة زهير ، أربعة وسبعون بيتا من البحر الوافر ، وهي مكرسة للغة العربية ، وما في اللغة من ثراء وجوهر. وإن كان من صفات المعلقة طول الأبيات وتعدد الأغراض ، فقصيدة تركي تتمتع بالطول والوحدة العضوية ، لذلك يجوز أن نسمّيها نصف معلقة ، ويمكن أن نخرج عن القانون ــ راغبين ــ ونعتبرها معلقة .
هذه المعلقة من ناحية لغوية وعروض سليمة بامتياز ، وهذا هو الجزء الإبداعي فيها ، باعتبار أن من شروط الإبداع إجادة اللغة ، أمّا باقي الأجزاء باستثناء بعض الأبيات فهي شبه جافة خالية من الإحساس ؛ حتى لتخال وكأن آلة معدنية ترن في دماغك وتأمرك بالقبول ! . ولا تجد سبيلا للرفض لأننا بحاجة لمن يهتم باللغة ، في مناخ تفشي الأخطاء أدبا وإعلاما . بيد أنني تمنيت لو أجد في هذه القصيدة طفرة تغني عن جيوش الكلام ، كما فعل حافظ إبراهيم في رائعته عن اللغة .
" أنا البحر في أحشائه الدّر كامن فهل ساءلوا الغواص عن صدفاته "
فاروق شوشة كان يستخدم هذا البيت في مستهل برنامجه الإذاعي " لغتنا الجميلة " .
هذا البيت لوحده يختزل ربما كل ما قيل في اللغة ، وهو لجماله وعمقه وتأثيره في النفس ، يحفز على الحفظ ، ويتلذذ به سماعا حتى من لا يعرف اللغة . لي صديق في العقبه " عمر بدير " يملك قاربا بسيطا للصيد ، وقد كتب هذا البيت على قاربه بيد خطّاط ، علما أن ذلك الصديق ثقافته محدودة ولا يعرف ما يعنيه البيت .
هذا هو السر الذي يكمن في الشعر ؛ لذلك نرى شعرا يعيش ويفرّخ ، وشعرا يعتمد في بقائه على الحظ !
ومع ذلك ليست ملاحظاتي انتقاصا لقصيدة تركي عامر ، إنما هي الموضوعية في النقد تستدعي توضيح ما للشاعر وما عليه . وانني أقدر الجهد الذي بذله في هذه القصيدة التي تحقق ولا شك فائدة في إطار تعاملنا مع اللغة .

ناقد وقاص – الجليل
nour-3amer@live.com

دولة الإمارات من دون نفوذ الولي الفقيه/ السيد محمد علي الحسيني

الحديث عن العلاقة بين دولة الامارات العربية المتحدة و إيران(في عهدي الشاه و الولي الفقيه)، سيقود و بصورة تلقائية الى موضوع الجزر العربية الثلاثة(أبو موسى و طنب الصغرى و طنب الکبرى)، والتي إحتلها نظام الشاه عام 1971، في ظل ظروف و اوضاع دولية حساسة و بالغة التعقيد إبان مرحلة الحرب الباردة بين القطبين الرأسمالي و الشيوعي.

ولئن سعت دولة الامارات العربية المتحدة و من خلال سياستها الحکيمة منذ أيام المغفور له سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وحتى اليوم، الى إتباع نمط وأسلوب هادئ ورزين يساعد على سيادة منطق الحوار و التفاهم المؤديين في أغلب الاحوال نحو مفترق السلام، لکن الشاه الراحل و من بعده نظام ولاية الفقيه، لم يدفعهم هذا المنطق الحکيم لمراجعة أنفسهم وسياستهم التوسعية العدوانية وانما بقوا يعمهون بغيهم ولم يأبهوا إطلاقا لهذا الاسلوب الانساني الحضاري السامي، وظلوا على دأبهم وراء سعي باطل من أجل تزييف الحقائق وقلبها، حيث ان نظام الشاه قد قدم تبريرات واهية لإقدامه على عملية الاحتلال منها أراجيف واهية سعى من خلالها لطمس الحقائق التأريخية و الجغرافية و تشويهها وتحريفها وصولا الى إبتلاع أرض عربية لم تکن يوما ما تابعة لهم، وقد مشى نظام ولاية الفقيه على نفس هذه الخطى الضالة وسعى ويسعى لتکريسها کأمر واقع، خصوصا عندما يزعمون بأن سوء العلاقات الايرانية ـ الاماراتية يعود اساسا الى مايسمونه(سوء فهم)من جانب الاماراتيين، وهي مزاعم توغل في السماجة و السطحية لأن الاماراتيين يطالبون بإسترجاع أرض أماراتية محتلة بغير حق من جانب إيران.

وقد وصلت الصلافة بالنظام الايراني الى الحد الذي يقول فيه الناطق بإسم وزارة الخارجية الايرانية(رامين مهمان برست) بأن مايقال بحق الجزر لايتطابق مع واقع الحال ولايحظى بأهمها جزر إيرانية، وهذا التأکيد الرسمي الواضح، جاء بمثابة ترجمة عملية لما قامت به السلطات الايرانية في عهدي الشاه و ولاية الفقيه من اجرائات غير قانونية تمثلت في تهجير سکان الجزر الاصليين من العرب و احلال آخرين(غير عرب)محلهم بالاضافة الى مشاريع عمرانية الهدف الاساسي من ورائها محو الهوية و الطابع العربي للجزر، وقطعا بأن تصريح هذا المسؤول الايراني لم يکن يتيما وانما سبقته العديد من التصريحات الاخرى التي صبت جميعها بهذا الاتجاه، والحق، ان نظام ولاية الفقيه الايراني لم يکتف بهذه التصريحات والمواقف السلبية الصادرة منه بشأن قضية الجزر المحتلة وانما تعدى ذلك الى إتباع سياسة عدوانية و غير سليمة قائمة اساسا على الابتزاز من خلال السعي للتدخل في الشأن الداخلي لدولة الأمارات العربية المتحدة من خلال السعي لتنظيم و توجيه و تضليل فئات من الشيعة العرب هناك بسياق يخدم المصالح الخاصة للنظام و يضر أيما ضرر بالاوضاع في الامارات، وان غاية و هدف الملالي من وراء ذلك کان أساسا لخدمة تکريس احتلالهم للجزر الثلاث واستخدام تدخلهم في الشأن الداخلي کورقة ضغط لإبتزاز دولة الامارات ،وهو ماأدى الى إمتعاض الدول العربية بشکل عام و دولة الامارات العربية المتحدة بشکل خاص، حيث خرجت هذه الدولة الفتية التي أثبتت حضورا إقتصاديا و عمرانيا و حضاريا رائعا و مميزا لها على مختلف الاصعدة عن صمتها و موقفها السابق أعربت عن موقف عروبي أصيل يختلج في أعماق کل عربي عندما صرح وزير الخارجية الاماراتي الشيخ عبدالله زايد آل نهيان بأن قضية الجزر الثلاث التي تحتلها إيران تشکل عاملا سلبيا في العلاقة بين البلدين وان احتلال أي أرض عربية هو احتلال وليس سوء فهم.

الموقف الاماراتي هذا، جاء کإنعکاس واقعي و منطقي لمسار و مجريات الاحداث و الامور المتعلقة بملف الجزر العربية المحتلة وهو في نفس الوقت يعتبر رد ضروري و لامناص منه بوجه النظام الايراني الذي يبدو انه قد اساء فهم نبل الاخلاق العربية من حيث احترام حقوق الجيرة و فسرها بشکل غير مناسب تماما، وان هذا التصريح الاماراتي هو في واقع الامر رسالة ذات مضمون واضح للنظام الايراني على أمل أن يفهمونه بالشکل الصحيح وهو قد جاء أيضا کرد أمثل لإنهاء أي نفوذ عدواني للنظام الايراني في هذه الدولة الصاعدة.

اننا کمرجعية سياسية للشيعة اولينا أهمية خاصة لقضية الجزر العربية المحتلة وأکدنا مرارا و تکرارا على عروبة هذه الجزر وضرورة عودتها الى أصحابها الشرعيين المتمثلين بدولة الامارات العربية المتحدة، ولفتنا نظر النظام الايراني دوما الى أهمية إتباع سياسة منطقية تنهي عملية الاحتلال للجزر و تفتح بذلك صفحة جديدة من العلاقات مع الدول العربية بشکل عام و الامارات العربية بشکل خاص، بيد ان نظام ولاية الفقيه الذي بني اساسا على مبدأ الارهاب و العنف و تشويه وتزييف الحقائق، لا ولم ولن يتمکن إطلاقا من القيام بهکذا مبادرة إيجابية، واننا نساند و ندعم بقوة موقف وزير الخارجية الاماراتي الشيخ عبدالله زايد آل نهيان حول الجزر و ندعو الامة العربية بشکل عام و الدول العربية بشکل خاص الى دعم هذا الموقف الشجاع و الوقوف خلفه حتى بلوغ هدفه النهائي بإرجاع الجزر الثلاث الى حضن وطنها الاصلي الامارات العربية المتحدة.

*المرجع السياسي للشيعة العرب. www.arabicmajlis.org

في ذكرى عيد العمال العالمي/ راسم عبيدات

.......بمرور مئة وأربعة عشر عاماً على ثورة عمال شيكاغو ضد طغم الظلم الرأسمالية الاحتكارية،لم تستطع الطبقة العاملة باتحاداتها وقياداتها النقابية وأحزابها العمالية حتى الآن،أن تحقق أهدافها في بناء مجتمعات قائمة على العدالة الاجتماعية وخالية من التناقضات والصراعات الطبقية،بل ما نشهده زيادة في تغول وتوحش رأس المال وارتفاع حدة ووتائر الصراعات والتناقضات الطبقية،كما ان الاستغلال والاضطهاد الطبقي يتسع وتزداد مداياته،والاحتكارات انتقلت من إطارها المحلي والقومي إلى الإطار فوق القومي والعالمي،ونشهد حالة من بيع وتدمير القطاعات العامة لصالح الشركات الاحتكارية،وسن القانون والتشريعات التي تسحب وتنقض على حقوق ومنجزات حققها العمال بنضالاتهم وتضحياتهم عبر مسيرة طويلة من الكفاح والنضال عمدت بالشهداء والجرحى والمعتقلين،وبما يثبت أن الرأسمال في سبيل مصالحه وأهدافه لا يدوس فقط على حقوق العمال وكراماتهم،بل ويدوس على العمال أنفسهم ولا يقيم أي معنى أو قيمة لحياة البشر في هذا الجانب،ويجري التعامل معهم كأي شكل من أشكال البضائع.

وعند الحديث عن طبقتنا العاملة الفلسطينية ومدى ما تتعرض له من اضطهاد واستغلال قومي وطبقي وضعف الحوامل التنظيمية المعبرة والمدافعة عن حقوقها ومكتسباتها وغياب التنظيم النقابي الحقيقي والعنوان والمرجعية المنصهرة والمنخرطة مع هموم ونضالات الطبقة العاملة،وكذلك ما تعانيه من قمع واضطهاد يصل حد الإذلال وامتهان الكرامة من قبل حكومة الاحتلال،والحديث هنا ذو شجون يدمي القلب ويدمع العيون،حيث يضطر الكثير من عمالنا في سبيل لقمة العيش أن يسكتوا عن الكثير من التجاوزات والإهانات والممارسات من قمع واضطهاد واستغلال وسلب حقوق وتدني أجور،وليت الأمر يقف عند هذا الحد،بل كثير من المؤسسات المسماة وطنية تستغل حاجة العمال بعدم توفر فرص عمل لهم في السوق المحلية،وقدرتها على عمل تصاريح لهم للدخول الى القدس أو الخط الأخضر لتجبرهم على دفع رسوم خدمات ومبالغ شهرية عن التصريح المعمول،هذا التصريح لا يشكل ضمانة للعمال من أجل العمل،بل هو تصريح عبور فقط قد يوفق العامل في إيجاد عمل عليه وقد يعود بخفي حنين أو يجري اعتقاله إذا ما ضبطته أجهزة الأمن الإسرائيلية وفرق تفتيشها،والعامل الذي لا يستطيع العمل داخل الخط الأخضر بسبب إجراءات إسرائيل وممارستها،يجري استغلال حاجته للعمل أبشع استغلال في السوق المحلي حيث ضعف تطبيق القوانين والأنظمة والتشريعات الخاصة بحماية العاملين،من حيث عدد ساعات العمل وعدم وجود حد أدنى للأجور والحماية من البطالة والفقر،وإمعاناً في استغلال حاجة العمال للعمل ترى الكثير من المؤسسات،وحتى لا يترتب عليها أية التزامات لجهة حقوق العمال من عطل أسبوعية وإجازات سنوية وحوافز ومكآفأت وتقاعد وضمان صحي واجتماعي وغيرها،تلجأ الى تشغيل العمال بعقود مؤقتة أو مياومه أو العمل بالقطعة ..الخ،أما عند الحديث عن المرأة العاملة فترى اضطهادا مركباً ومضاعفاً،حيث التميز في أجور العمل وعدد ساعات العمل وطبيعة العمل والحقوق الأخرى من إجازة أمومة ورعاية الأطفال وحقها في إرضاع طفلها في الساعات الدوام وغيرها من الانتهاكات الأخرى المرعبة والمخيفة.

وعلى صعيد العمل في مؤسسات الاحتلال ومصانعه وقطاعاته المختلفة،فعدا أن الاحتلال قطع أوصال الوطن جغرافياً الى معازل وأحاطه بالمستوطنات وجدار الفصل العنصري،فالعمال من أجل ان يلتحق بموقع عمله داخل الخط الخضر أو القدس،عليه أن يخرج من ساعات الفجر الأولى،وأن يهيأ نفسه لجولات من التفتيش والإذلال على تلك الحواجز فعدا ساعات الانتظار الطويلة والمرور من بوابات الكترونية والتفتيشات اليدوية والالكترونية للجسد والأغراض،فعلى العمال أن يمر من عدة بوابات"معاطات" تشبه "معاطات" الدجاج،ودخوله ووصوله لمكان عمله رهن بمزاج الضباط المسؤول عن الحاجز،والذي قد يغلق الحاجز ويعيد العمال من حيث أتوا أو أنه إذا ما تصدى له عامل محتجاً على مثل هذا التصرف أو غيره من الممارسات غير الإنسانية واللائقة، فإنه يقوم بتمزيق تصريح العامل ومصادرته وحرمانه من الدخول إلى القدس والخط الأخضر،وكثيراً من عمالنا الذين يدخلون الى القدس والخط الأخضر بدون تصاريح عمل عدا عن تشغيلهم في ظروف وشروط عمل غاية في القسوة والاستغلال من تدني الأجرة وطول ساعات العمل والحق في الإجازة والأتعاب والعلاج الطبي والضمان الاجتماعي،فهم في الكثير من الأحيان يتعرضون الى النصب والاحتيال وعدم دفع الأجرة لهم من قبل مشغليهم الإسرائيليين الذين يهددونهم بإبلاغ أجهزة الأمن والشرطة عن أن وجودهم في العمل"غير شرعي وقانوني"،ولعل الجميع يذكر قبل فرض الحصار على قطاع غزة كيف أن أجهزة الأمن الإسرائيلية كانت تساوم عمالنا المضطرين للعمل داخل الخط الأخضر والقدس على انتمائهم ولقمة عيشهم،من خلال الضغط عليهم من أجل التعامل معهم مقابل منحهم تصاريح للعمل،وكأن عمال غزة لا يكفيهم حالة الحصار والجوع والفقر وعدم توفر فرص العمل،حتى تقدم الحكومة المقالة في سبيل مصالحها الخاصة على زيادة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية عليهم من خلال رفع أسعار السلع الأساسية وفرض المزيد من الضرائب عليهم،وهذه الحكومة تدرك جيداً أن صعوبة الواقع والظرف من حصار وبطالة وفقر دفع بالكثير من عمالنا للعمل في ظروف غاية في القسوة والصعوبة والمخاطر العالية،كما هو الحال في العمل في أنفاق الموت وما ينتج عنها من إصابات خطرة وحالات وفيات كثرة.

في ظل كل هذه الظروف نجد أن التعبيرات النقابية للعمال من اتحادات نقابية ونقابات،تنشط قبل أسبوع من عيد العمال لكي تقوم بعمل سلسلة من الأنشطة والفعاليات من مهرجانات ومسيرات وإحتفالات ولقاءات إعلامية وإصدار بيانات لكي تؤكد على دورها وحضورها،وهذه الأنشطة والاحتفالات والمهرجانات والبيانات التي تعود عليها عمالنا من مختلف الكتل النقابية بمختلف ألوان طيفها السياسي،يدركون أنها مجرد شعارات "وهوبرات" إعلامية"فيها الكثير من الوعود ويغيب عنها التنفيذ والفعل فلا انتخابات ديمقراطية وحقيقية تجري في هيئات الإتحاد ومؤسساته ونقاباته ولا وحدة تحققت على أسس ديمقراطية بين عناوينها ومرجعياتها المختلفة،ولا سنت وطبقت التشريعات والقوانين التي تحمي وتصون حقوق العامل وكرامته،فلا وجود لقانون الحد الأدنى من الأجور ولا تشريعات الصحة والسلامة الملزمة،ولا مؤسسات ومصانع توفر فرص عمل للعمال،ولا آليات وخطط تنموية حقيقية تحد من البطالة والفقر التي لا تقل عن 30 % في الضفة الغربية،ولترتفع في القطاع الى 50%.

ومن هنا نجد ضرورة التأكيد على مهمتين أساسيتين:- النضال الدؤوب والمستمر لربط دعم الاستثمار والقطاع الخاص بدعم العمل والعمال وحماية حقوقهم من خلال وضع سياسات وآليات حقيقية لمعالجة البطالة والفقر وانتهاج سياسة متوازنة في توزيع مصادر الدخل وتأسيس صندوق للحماية والتكافل الاجتماعي ووضع حد أدنى للأجور،وإنصاف للعاملين عبر تطبيق عادل ومتساو للأنظمة والقوانين.

ضرورة العمل على إعادة صياغة وبناء الحركة النقابية وفق أسس وثوابت وطنية وديمقراطية تبدأ بتأكيد الهوية الوطنية للحركة النقابية وتمسكها بأهداف وثوابت شعبنا الوطنية ودورها المتقدم في مناهضة كل أشكال التطبيع والمساهمة الفعالة في حملات مقاطعة دولة الاحتلال العنصرية وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها،مروراً بالتأكيد على بناء الاتحادات والنقابات العمالية على أسس الديمقراطية والمساءلة والمحاسبة وضمان مشاركة القواعد العمالية في إدارة وقيادة العمل النقابي بعيداً عن عقلية الاستئثار والمحاصصة والتفرد وغيرها.

حوار مع جائزة أفنان القاسم 2009 لأسوأ كاتب حوليات محمد حسنين هيكل

قدم للحوار: د. أفنان القاسم

أجرى الحوار: د. أفنان القاسم

كاتب الحوليات هو المدون للأخبار، ومحمد حسنين هيكل في سلسلة كتبه "المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل" يقوم بدور المدون، إلا أن قلمه السيال يتواضع هذه المرة، فيترك المجال للموثق، ولا يجعلك تغرق في محيطات اللطم اللفظي، ولكنه في توثيقه هذا يؤكد ولا يفند، يعرض ولا يكشف، يوصل ولا يزعزع، إنها طريقته ذاتها منذ بداياته ومقاله الأسبوعي في الأهرام، يقول كل شيء من أجل ألا يقول شيئا، وكل شيء يمر كمنظّر لعبد الناصر، للناصرية، وبالتالي كممهد للهزيمة التي تمت وحتى آخر لحظة على أساس أنها انتصار ما بعده انتصار. محمد حسنين هيكل بحضوره كان ولم يزل –فهو يدخل اليوم كل بيت من شاشة الجزيرة- أخطر من الحضور الإسرائيلي في ضمير الفرد العربي، لأنه يغوص في الوعي بوصفه حاثا ومحرضا بناء على خطأ إيديولوجي ومعرفي ودلالي، فالهرم الفكري الذي له يقوم على أطروحات كلها زائفة أو مزيفة للواقع وللتاريخ وشائهة أو مشوهة للحقيقة وللعلاقات التي فيها وما بينها، لأنها كلها تنهل من سيميائية قومية قومجية الأمة فيها كتلة متراصة من الحديد الخام والإيمان نسخة سلبية ثابتة والصراع صراع الكل للكل الكل العربي والكل الصهيوني وقد شمل هذا الكل كل الأمريكان وكل الإنجليز وكل سكان عطارد والمريخ دون أن تكون هناك إشارة واحدة إلى فروق طبقية وفكرية وحتى مزاجية أو أخرى إلى حكام متسلطين انهزموا وأفراد مستضعفين هُزّموا، يكفي أن نقرأ عنوان كتابه "المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل" لنقف على نهج التعميم والتفخيم والتفخيخ الذي يتّبعه اتباع أي كاتب من كتاب الخطاب السائد، لأنهم الحكام العرب وليس العرب الذين فاوضوا ولأنهم القادة الصهاينة الذين فاوضوا وليس الإسرائيليين تحت كناية إسرائيل. هذا الفكر القومي القومجي الذي انهزم والذي لم يزل يراهن على أمة تنهض من الرماد وعلى تعويذة تقيم الوحدة من المحيط إلى الخليج بين شعوب لا يجمعها أدنى جامع لا اللغات ولا المصائر ولا الأماني التي لا توجد إلا في رأس محمد حسنين هيكل ومن لف لفه من الطوباويين، ويجمعها البؤس والاستغلال والظلم وأحلام الإطاحة بأنظمة رثة هي هنا في خدمة النظام الأمريكي الرأسمالي العالمي تماما مثلما هي إسرائيل في خدمته، كل حسب طريقته، ومن يعتقد بقوة إسرائيل وعنتريتها وعنجهيتها أو بلوبيها هو واهم لا ريب لأن ما يجري على الأرض بخصوص النظام الإسرائيلي والأنظمة العربية لهو تنفيد للمشروع الأمريكي في السيطرة على الثروات والإنسان وتحقيق لمصالح الدولار فقط لا غير...


التقينا الدكتور محمد حسنين هيكل في المطعم العربي –عربي واعتقدنا عن خطأ أن هذا ليس صدفة لمنظّر العروبة- الذي كان يأكل فيه الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتيران…

* لماذا هذا المطعم دكتور هيكل؟

. لأني أريد أن آكل من طبق الكسكسي الشهي الذي كان يحبه الرئيس ميتيران وسماه صاحب المطعم بكسكسي الرئيس.

* أليس هذا بسبب رغبتك في إهدائه كتابك التي لم تتحقق قبل موته مثلما أهداك كتابه؟

. وهذا أيضا، رمزيا وكأني أهديته كتابي الذي أحمله في حقيبتي منذ سنين (يخرجه) خذه هو لك بشرط أن تقرأه، يهمني أن يقرأ كتبي الرؤساء والعباقرة.

* أشكرك على رشقي بحبر العبقرية، ولكني عبقري برشوة أم بدون رشوة؟

. بالاتنين (يضحك) كان عبد الناصر يقول للسادات عندما يأتي ليسمع ما أقوله من فلسفة وتنظير له "اتركنا شويه بقى يا محمد" فيرد عليه السادات "أنوه محمد فينا؟" كان لاصقا كالصمغ وغيورا كما كان يغير كهنة رمسيس من قرب أحدهم من رمسيس فيما بينهم.

* وما العلاقة دكتور هيكل بالعبقري برشوة والعبقري بدون رشوة؟

. العلاقة هي أنا (يضحك).

* ماذا فعلت كتبك في الغرب وأنت خطابك القومي لا يلفت هنا انتباه أحد؟

. لم تفعل شيئا وهذا شيء مهم جدا ويمثل نجاحا كبيرا.

* مثل نجاح كتبك ومقالاتك في مصر والعالم العربي.

. (بعد أن يأكل ثلاث ملاعق كسكسي أو أربعة بسرعة هائلة) الحقيقة أنني كاتب مهم لهذا السبب، ولأنني لن أصبح أبدا إدوارد سعيد آخر أو شيخ عبد الباسط عبد الصمد آخر، أنا في الأنتروبولوجيا وحدي وفي التجويد وحدي ولو كتبت الرواية لتفوقت على نجيب محفوظ لأنني وحدي حتى في ميدان الخيال، لهذا أنا وحدوي تحت معنى العزلة التي تحمله مفردة وحدة ومعنى اتحاد العرب من المحيط إلى الخليج (يضحك) عرب إيه ووحدة إيه وبطيخ إيه إسأل ماركس عن الحقيقة تجدها عنده.

* ولكن دكتور هيكل كنت أظن...

. أنا مش قلت لك إني وحدي على الرغم من أنني أضع التجربة الشيوعية في الاتحاد السوفياتي سابقا جنبا إلى جنب التجربة النازية في ألمانيا الهتلرية سابقا، معلش عدم المؤاخذة، فأنا وحدي... آه يا وحدي، غناها لي محمود درويش الله يرحمه، ده كان شيوعي وحده هو الآخر.

* والجزيرة دكتور هيكل؟

. ( يكون على وشك ابتلاع ملعقته فيسعل) الجزيرة مالها؟ ديه تجربة من تجارب وحدي الناجحة جدا جدا جدا بغض النظر عن كونها من تأسيس الموساد، ما إحنا كده بنحارب الموساد من جواه وبننتصر لأول مرة في تاريخ العرب منذ جمال عبد الناصر على إسرائيل... بالرمز طبعا.

* شكرا لك دكتور هيكل.

. شكرا لك، وما تنامش لما تقرأ الكتاب بتاعي، ده ميتيران فضل الموت على ألا يقرأه.
ramus105@yahoo.fr
www.parisjerusalem.net

الصراع على "هُويّة الصراع" في المنطقة العربية/ صبحي غندور

الخطر الأكبر الذي يواجه العرب حالياً هو انشغال شعوب المنطقة بصراعاتها الداخلية. فمن رحْم هذه الأزمات، في بلدان مثل العراق والصومال والسودان واليمن وفلسطين ولبنان، تتوالد مخاطر سياسية وأمنية عديدة أبرزها الآن مخاطر الصراعات الطائفية والمذهبية والإثنية، إضافةً إلى الصراعات السياسية والتنافس على السلطة.

ومع هذه الأزمات، المفتعَل بعضها من قوى دولية وإقليمية، تتصاعد الحملة الإسرائيلية لجعل الملف الإيراني هو "الصراع البديل" عن "الصراع العربي/الإسرائيلي" المتواصل منذ عقود، وفي ظلِّ المشروع الإسرائيلي الهادف إلى تقسيم البلاد العربية، بحيث تكون الدولة اليهودية في المنطقة هي الأقوى وهي المهيمنة على الدويلات المتصارعة.

وعلى جوار حدود الأرض العربية، تنمو مشاريع إقليمية تستفيد من خطايا السياسة الأميركية ومن غياب المرجعية العربية ذات المشروع الضامن لمصالح الأمّة العربية.

فالصراع على "هُويّة الصراع" في المنطقة العربية هو جوهر المشكلة السائدة الآن، وهو صراع دولي/إقليمي في إطاره العام الجاري حالياً، لكن يريد البعض تحويله أيضاً في أكثر من مكان إلى صراعات طائفية ومذهبية.

إنّ ضعف المناعة في الجسد العربي هو ما جعل هذا الجسم قابلاً لاستقبال حالات الأوبئة التي تعشّش الآن في خلاياه، وأخطرها وباء الانقسام الطائفي والمذهبي.

ولو لم يكن حال الأمّة العربية بهذا المستوى من الوهن والانقسام، لما كان ممكناً أصلاً استباحة بلاد العرب من الجهات الأربع كلّها.

***

هناك ثلاثية متلازمة تقوم عليها الحياة العربية لأكثر من قرنٍ من الزمن، والثلاثية هذه هي "الوطنية والعروبة والدين". فمنذ مطلع القرن الماضي، وعقب سقوط الدولة العثمانية، رسم البريطانيون والفرنسيون خريطة جديدة للمنطقة العربية قامت في محصّلتها دول وحكومات، ثم تبلور هذا الواقع مع النصف الثاني من القرن العشرين بصورة أوطان لها خصوصياتها الكاملة، يعيش العرب فيها وينتمون إليها كهويّة قانونية.

لم يكن القصد البريطاني والفرنسي من رسم الحدود بين أجزاء الأرض العربية مجرّد توزيع غنائم بين الإمبراطوريتين الأوروبيتين آنذاك، بدلالة أنّ البلدان العربية التي خضعت لهيمنة أيٍّ منهما تعرّضت هي نفسها للتجزئة، لكن الهدف الأول من ذلك كان إحلال هويّات محلّية بديلاً عن الهويّة العربية المشتركة، وإضعافاً لكلّ جزء بانقسامه عن الجزء العربي الآخر.



ورافقت هذه الحقبة الزمنية من النصف الأول من القرن العشرين، محاولات فرض التغريب الثقافي بأشكال مختلفة على عموم البلدان العربية والسعي لزرع التناقضات بين الهويات الوطنية المستحدثة وبين الهويات الأصيلة فيها كالعروبة الثقافية والإسلام الحضاري، ثم أيضاً بين العروبة والإسلام في أطر الصراعات الفكرية والسياسية.

وقد تميّزت الحقبة الزمنية اللاحقة، أي النصف الثاني من القرن العشرين، بطروحات فكرية وبحركات سياسية يغذّي بعضها أحياناً المفاهيم الخاطئة عن الوطنية والعروبة والإسلام، أو لا تجد في فكرها الآحادي الجانب أيَّ متّسع للهويّات الأخرى التي تقوم عليها الأمَّة العربية. ففي هذه الأمّة الآن مزيج مركّب من هوياّت قانونية وطنية وثقافية عربية وحضارية دينية. وهذا واقع حال ملزِم لكل أبناء البلدان العربية حتى لو رفضوا فكرياً الانتماء لكلّ هذه الهويّات أو بعضها.

ربّما العرب اليوم هم أحوج ما يكونون لاستيعاب هذا المزيج من ثلاثية الهوية. فالبلدان العربية تعيش جميعها الآن مخاطر التهديد لوحدتها الوطنية كمحصّلة للمفاهيم والممارسات الخاطئة لكلٍّ من الوطنية والعروبة والدين. وقد عانى العديد من البلدان العربية وما يزال من أزمات تمييز بين المواطنين، أو نتيجة ضعف بناء الدولة الوطنية ممّا أضعف الولاء الوطني لدى الناس وجعلهم يبحثون عن أطر فئوية بديلة لمفهوم المواطنة الواحدة المشتركة.

أيضاً، اعتقد بعض العرب، خاصّةً ممّن هم في مواقع الحكم، أنّ إضعاف الهوية الثقافية العربية أو الانتماء للعروبة بشكل عام، سيؤدّي إلى تعزيز الولاء الوطني، لكنْ كان ذلك كمن أراد إضعاف التيّارات السياسية الدينية من خلال الابتعاد عن الدين نفسه، عوضاً عن الطرح السليم للعروبة والدين، وبإفساح المجال أيضاً لحرّية التعبير السياسي والفكري لكلّ التيّارات.

إنّ الفهم الصحيح والممارسة السليمة لكلٍّ من "ثلاثيات الهوية" في المنطقة العربية (الوطنية والعروبة والدين) يتطلّب نبذاً لأسلوب العنف بين أبناء المجتمع الواحد مهما كانت الظروف والأسباب، وما يستدعيه ذلك من توفّر أجواء سليمة للحوار الوطني الداخلي، وللتنسيق والتضامن المنشود بين الدول العربية.

إن الدين يدعو إلى التوحّد ونبذ الفرقة. إنّ العروبة تعني التكامل ورفض الانقسام. إن الوطنية هي تجسيد لمعنى المواطنة والوحدة الوطنية. فأين نحن من ذلك كلّه؟

إنّ ضّعف الولاء الوطني يُصحَّح من خلال المساواة بين المواطنين في الحقوق السّياسية والاجتماعيّة، وبالمساواة أمام القانون في المجتمع الواحد.

كذلك هو الأمر بالنسبة للهويّة العربية حيث من الضروري التمييز بينها وبين ممارسات سياسية سيّئة جرت من قبل حكومات أو منظمات أساءت للعروبة أولاً وإن كانت تحمل شعاراتها. فالعروبة هي هويّة ثقافية جامعة تستوجب تنسيقاً وتضامناً وتكاملاً بين العرب يوحّد طاقتهم ويصون أوطانهم ومجتمعاتهم.

أيضاً، إنّ غياب الفهم الصّحيح للدّين وللفقه المذهبي وللعلاقة مع الآخر أيّاً كان، هو المناخ المناسب لأي صراع طائفي أو مذهبي يُحوّل ما هو إيجابي قائم على الاختلاف والتّعدّد إلى عنف دموي يُناقض جوهر الرّسالات السّماويّة، لكن يحقق غايات الطامحين للسيطرة على الأرض العربية.!

فالعرب يدفعون الآن ثمن خطايا كبيرة حدثت خلال العقود الثلاث الماضية في المنطقة، فضلاً عن أنّهم الآن بلا بوصلة مرشدة لحركتهم السياسية.

والتعامل مع تزايد نفوذ قوى الجوار الإقليمي لا يجب أن يحجب أولوية المخاطر الأخرى المتمثّلة بالاحتلال الأجنبي والإسرائيلي، بل تستدعي هذه التحديات كلّها تصحيح التوازنات في المنطقة من خلال قيام تضامن عربي شامل وسليم يضع الأسس المتينة للعلاقات بين الدول العربية، وبينها وبين سائر دول الجوار.

إنّ كثيرين من أبناء الأمّة يتشكّكون الآن من هُويّتهم العربية وممّا هو مشترك بين بلدان هذه الأمّة، دون إدراكٍ منهم أنّ ما هو قائم من وضع سلبي لا يعبّر أصلاً عن العروبة نفسها. فالحديث هو عن "أمَّة عربية" بينما هي أوطان وحكومات متعدّدة، وأحياناً متصارعة، بينما المتعاملون مع هذه الأمّة العربية من قوًى إقليمية ودولية هم أمم موحّدة بكل معاني التوحّد أو التكامل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعسكري. فلو أنّ حال هذه القوى كان شبيهاً بحال العرب الآن، لما استطاعت أصلاً أن تشكّل تحدّياً أو خطراً على غيرها.

كاتب الندامة.. إرهابى بمفهوم جديد/ مجدى نجيب وهبة


** كنا نعرف المتطرف من جلبابه ولحيته الطويلة وسلوكه الخشن القاسى وإعوجاج لسانه وتطرف سلوكه وفكره ، ولكن يبدو إنهم أصبحوا موضة قديمة ، فقد ظهر جيل كامل من الإرهابيين بمفهوم جديد وسلوك ومظهر جديد ، وهم أخطر بكثير من الجيل الأول من الإرهابيين الذى بدأ بالهجوم على عقائد المسيحيين فى مصر وذلك رغبة فى حماية عقائد المسلمين من خلال الهجوم على العقائد الأخرى وتشريكها وتكفيرها والإستخفاف بها والإفتراء عليها ، وقد بدأت هذه الموجات من متولى الشعراوى ومحمد الغزالى والشيخ كشك وعمر عبد الرحمن وصلاح إسماعيل وإستمرت حتى ظهور جيل جديد أمثال يوسف القرضاوى ويوسف البدرى ومحمد عمارة وزغلول النجار وعمر عبد الكافى ومحمد سليم العوا وفهمى هويدى وأبو إسلام أحمد ثم يوسف زيدان وغيرهم الكثير .
** والأخير هو مؤلف رواية تحمل فكره الشيطانى أطلق عليها إسم "عزازيل" أى إبليس فى "اليهودية والعبرية" كما ذكر فى روايته وهى حاصلة على جائزة العار للطعن فى المسيحية "البوكر العربية" وهى نسخة مكررة من جوائز البوكر البريطانية للأدب ، ويبدو أن اللعب على المشاعر الدينية وتغذيتها ضد الأخر إستهوت زيدان فصال وجال وزعم إنه متخصص فى التراث العربى وهدد كل من يقف فى طريقه ، ولجأ إلى المحاكم لإرهاب البعض بزعم إنه كاتب عبقرى لا يجب الإقتراب منه أو محاولة شم رائحته ؟!!! .
** أما القصة المزعومة فهى تحكى عن رؤية الكاتب من خلال شخصية وهمية أطلق عليها "راهب مصرى يدعى هيبا" قرر أن يكتب ما مر به من أحداث ، بينما يقوم الأخير بوصف الأباء الكهنة والرهبان الذين إعتنقوا الدين المسيحى بالسفاحين .. عيونهم مثل الذئاب يتصايحون بنشوة الظفر والإرتواء بينما أيديهم ملطخة بالدماء ، وهم يرفعون أيديهم مهللين بالترنيمة الشهيرة "المجد ليسوع المسيح .. والموت لأعداء الرب" ، ثم يتصور "كاتب الندامة" أن حوار قد دار بين الراهب "هيبا" و "نسطور" حيث قال له الأخير : "المسيح ياهيبا مولود من بشر والبشر لا يلد الألهة ، كيف نقول أن السيدة العذراء ولدت رباً ونسجد لطفل عمره شهور لأن المجوس سجدوا له" ... ويستمر الكاتب كما يزعم فى تصور شخصيات من خلال روايته للتجريح فى العقيدة المسيحية والكنيسة الأرثوذكسية وعمود الدين البابا كيرلس ، وقوبلت روايته بإستهجان من الأقباط والكنيسة الأرثوذكسية وسط عاصفة من التصفيق من بعض الشواذ والمختلين عقليا ، ووجدت بعض الفضائيات والقنوات الإعلامية فرصة لإستضافة "صديق الشيطان" للحوار عن روايته المعجزة ، وفى حواره الأخير مع جريدة اليوم السابع جرى خلاله بعض المداخلات من الجمهور وكالعادة صال وجال فى إعلام مملوك للتطرف ، بل وتجاوز حدود الأدب حينما قال أن ما يدرسه المسيحيين بمدارس الأحد ليس إلا مجموعى من الأوهام والضلالات مشيراً إلى غلبة الأساطير على العقل المسيحى وهو ما جعلهم يصدقون أن الله قد هبط من السماء لينقذ البشرية فى الأرض ، ثم جلس يتفاخر بإصدار بعض كتيباته "اللاهوت العربى" ثم كتابه فى الرد على نيافة المطران "الأنبا بيشوى" فى كتاب بعنوان "بهتان البهتان فيما يتوهمه المطران" ، وإذا كان زيدان ضليعاً فى الطعن فى العقيدة المسيحية ، لذا فنحن لا يهمنا مؤلفاته ولكن ما يستحق الرد عليه بعد سقوط القناع الزائف هو ما كشف عن وجهه الإرهابى والقبيح حيث ردد فى حواره المتطرف بجريدة اليوم السابع أو اليوم العاشر أن ما يدرسه المسيحيين بمدارس الأحد ليس إلا مجموعة من الأوهام والضلالات ، وإذا كان يوسف زيدان ضليعاً فى البقدونس أو الجرجير أو أصول الفجل كما يزعم هل يتشرف بإفادتنا بما ورد ببعض الكتب عن سيرة الخلفاء الراشدين الأربعة وكيف كانت طريقة كل منهم للوصول إلى الحكم :
• قال البدوى لأبى بكر : " لو أخطأت لقومناك بسيوفنا ؟!! ، ورغم إنه قبل منه ذلك إلا أنه قوم الجزيرة كلها بسيفه فقتل أهلها شر قتلا ، قتل من إعترضوا على خلافته وشككوا فى شرعية حكمه وصحة بيعته وقتل كل من قرر ترك الإسلام إلى دين قومة ، كما أمر برمى الجميع من شواهق الجبال وتنكيسهم فى الأبار وحرقهم فى النار وأخذ الأطفال والنساء والثروات غنيمة للمسلمين المحالفين لحكم أبى بكر وهو ما دونته كتب "السير والأخبار الإسلامية" .
• والخليفة الثانى هو من تولى أمر شعوب بأكملها ومات مقتولا بيد واحد ممن تعرضوا للقهر فى خلافته .
• أما الخليفة الثالث فكان واضحاً من البداية فى التمييز وعدم العدل خاصة فى العطاء فكان أن قتله أقاربه وصحابته فكسروا أضلاعه بعد موته عندما نزوا عليه بأقدامهم ورفض المسلمون دفنه فى مقابرهم فدفن فى حوش كوكب مدفن اليهود .
• أما عن الخليفة العادل عمر بن الخطاب فقد طلب من إبن المستبعدين أو إبن الأسفلين أن يأخذ بثأره من إبن الأكرمين ؟!! ... فبأى الخلفاء الراشدين سيقتدى بهم المسلمين وبأى طريقة سيتم إختيار الخليفة ، فهل يجهل كاتب الندامة سيرة هؤلاء ؟!!.
** أما دولة النبى أو دولة الراشدين فكانت عبارة عن إئتلافاً قبلياً يصعب علمياً أن نطلق معه كلمة دولة ، لأنه لا يملك أيا من مقومات الدولة ، فهناك فرق بين الحكم الديمقراطى ودولة الرسول والراشدين ، فى الوقت الذى يسعى فيه الإخوان للمطالبة بإقامة نظام إسلامى ونطرح على كاتب الندامة سؤالاً هو كيف يتم حكم الدولة بالكتاب والسنة وهما غير مدونين وغير معلومين من الأمة ، ناهيك عن واضعى الأحاديث وأصحاب الفتاوى التى تصب فى صالح السلطان والحاكم ، وهو ما أكده حديث "أبو بكر الصديق" : " نحن معاشر الأنبياء لا نورث" رداً على فاطمة بنت النبى عندما طلبت ميراثها وفوجئت بهذا المعنى ، ونحن هنا نتساءل إذا أين حقوق الرعية وواجباتها حتى لا تخالف القانون ؟!!! ، فهناك حديث يدينك وحديث أخر يجرمك وفتوى تهدر دمك ، وهكذا لا يوجد قانون ، فالمتعارف عليه أن القانون هو ما يحدد الجرم بل هو ما يخلق جرما لأنه يحرم أفعالا لا يمكن تميزها إن لم يجد قانونا يحرمها .
** لقد دخل الصحابة قتالا قتلوا فيه بعضهم بعض بالألوف من كربلاء وحتى واقعة الحرة المخزية وحتى ضرب الكعبة بالمنجنيق وحرقها ، وهو ما يؤكده الخوارج فى معركة الجمل ، لذلك لم تعش دولة الراشدين أكثر من سبعين عاما وسقطت وإكتظت بأخبار الفظائع الدموية لأنها لم تكن دولة مؤسسات إنما إئتلاف قبلى لم يتمتع بعد بمؤهلات الدولة المؤسسية .
** إنها صورة لبعض الأحداث الدموية وهى ليست قصص من نسج خيالنا كما كتب كاتب الندامة روايته المسماة "عزازيل" ، ولكنها حروب وأحداث مدونة فى الكتب والتراث الإسلامى ... فهل يكفوا كتاب الندامة وأمثالهم على التجريح فى العقيدة المسيحية ، ويحترم كلا منا مشاعر الأخر فكلا منا له حرية ما يعتقد فيه .
** لذلك فنحن فى إنتظار ما سوف يسفر عنه البلاغ الذى تقدم به المستشار نجيب جبرائيل والأستاذ ممدوح نخلة والأستاذ ممدوح رمزى وإحدى عشر منظمة قبطية للنائب العام ضد د. يوسف زيدان لإزدارء المسيحية وتهكمه على العقيدة والتحريض على إشعال نار الفتنة الطائفية .

رئيس مجلس إدارة جريدة النهر الخالد
Email : elnahr_elkhaled2009@yahoo.com


القرآن وحقوق العمال/ سعيد علم الدين

في البداية لا بد من توضيح كلمة حق لقطع الطريق على البعض. الذين يمطون بالحقيقة حسب الطلب ويقصرون، ويجدلونها في الفم كالعلكة وبها يثرثرون، ويطلعون منها ولا ينزلون، ويخرجون عنها ويدخلون. لماذا؟
لكي يبرروا وبأي وسيلة صحة ما يريدون، فيمتقع وجه الحق خوفا على جوهره مما يفعلون.
فحق العمال ليست كلمة عشوائية فوضوية يتم ليَّ رقبتها كما يفعل بعض الكتبة من اصحاب الحق الشمولي المطلق. حيث يتم بيع الناس:
وعظا جميلا طناناً رناناً بالأطنان، وغيوما زرقاء على مد عينك والنظر، وسمك في البحر. لا لا فكلمة حق التي نقصدها هي:
دقيقة جدا دستورية، محددة، يشرعها القانون ويجب على الدولة ان تسهر على تنفيذ بنودها، وتعاقب من يعمل عكسها او يحاول التهرب من تطبيقها.
ومن هنا عندما نقول حقوق العمال نعني نظاما مكتوبا بفقرات قانونية دقيقة وواضحة المعاني تعطي العامل حقوقا في حالات المرض والنقاهة والاستراحة والعطلة والاجازة، وتحميه من الطرد او القهر او الضرب او الاستغلال او التعسف او الاستعباد.
كيف لا وعلى اكتاف العمال البسطاء تأسست الحضارات، وانطلقت المجتمعات، ونهضت الأمم، وتوسعت الدول، ولولا عمل ومجهود وتعب العامل، لما استطاع الجندي في المعركة ان يحصل على الدعم المادي ويصمد ويقاتل، ولما استطاع القائد او الامبراطور او السلطان او الخليفة او الرئيس ان يدخل التاريخ من بابه الواسع.
ومن عرق العمال الغزير المتدفق من الأجساد على التراب استصلحت الاراضي الزراعية، وجُرَّتِ المياه وحفرت الآبار، فنبت الخضار، واثمرت الأشجار ودجنت المواشي، فشبع الناس الخبز واللحم والثمار وازدهر الاقتصاد وعم الرخاء وتكاثرت الشعوب وتبادلت البضائع والصادرات وتوسعت الامبراطوريات.
والعجيب ان هذة الطبقة الكادحة العاملة، والمهمة الفاعلة، والتي تمثل الشريحة الاوسع في المجتمع كانت دائما مسحوقة خلال التاريخ ومستغلة ابشع استغلال ومستعبدة الى درجة الرق تحت نظر رجال الدين الأفاضل.
حتى ان كل الاديان دون استثناء والتي تدعي الهبوط على جناح الغيمة الزرقاء من السماء، خذلتها، ولم تلتفت لمعاناتها، ولم تلحظ حقوقا لها في كتبها، ليس هذا فحسب، بل وتحالفت دائما السلطة الدينية مع الاقطاعيين والاغنياء من البكوات والاغوات والنبلاء واصحاب الرساميل، ومع الاقوياء كالامراء والملوك والسلاطين على تطويع العمال والفلاحين ابناء الدرجة السفلى وعلى وقع ترتيل الآيات. تصديقا للقول القرآني:
"وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ" الانعام 165.
فهذه الآية هي تعبير واضح عن فكر بشري بدائي لم يخذل العمال والمستضعفين في الأرض فقط، بل وبرر بالإنزال الإلهي درجتهم الدنيا وتحكم ابناء الدرجات العليا بهم. المطلوب القول هنا:
يا ايها الناس كلكم متساوون بالحقوق والواجبات امام القانون.
ويعود الفضل الى انكلترا في بعث فكرة حقوق العمال الى الظهور لأول مرة في التاريخ البشري. حيث قامت فيها في القرون الوسطى عدة ثورات تطالب بحقوق للعمال. وفي عام 1833، مرر قانون ينص على أن أي طفل تحت سن التاسعة لا يحق له العمل، والأطفال ما بين سني 9-13 لا يفترض أن تتجاوز ساعات عملهم 12 ساعة يوميا.
الا ان بدأت مع قيام الحقبة الصناعية في اوروبا المطالبة بقيام نقابات عمالية وسن قوانين تحمي العامل من تعسف رب العمل له. وظهر هنا المفكر التاريخي كارل ماركس كابرز المناصرين لحقوق العمال ودعم مطالبهم العادلة في وجه جشع الطبقة الرأسمالية.
والعجيب هنا ان القرآن الذي يدعي انه فيه كل شيء ولم يغفل لا عن شاردة ولا عن واردة، كيف انه غفل عن هذا الموضوع الانساني المهم جدا لقيام دولة العدالة الاسلامية.
ولم يأت القرآن والذي هو دستور الدولة الاسلامية العتيدة النازلة على جناح الغيمة الزرقاء على ذكر كلمة عمال مرة واحدة.
فكيف اذن سيتم التشريع لهم من خلاله؟
ام نقتبس هنا من قوانين الغرب العمالية ونؤسلمها بالضربة القاضية!
من السهل ان يحلم الحالمون بدولة اسلامية دستورها القرآن. أي دين ودولة. وعند التطبيق يدمرون الدولة ويشوهون الدين.
ومن السهل ان يرفع الإخوان شعار الاسلام هو الحل.
ولكن ما هو الحل، وفي كل التجارب الفاشلة؟
هو لا حقوق عمال ولا نهضة للمجتمع، وانما تخلف وجمود بفرض النقاب والحجاب، وتقييد حرية الناس وتكميم افواههم والتدخل في خصوصياتهم، وقتل الابداع ومحاربة الفكر، وقطع يد السارق ومنع الخمرة وانشاء فرق الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تسير في الشوارع كجيوش العاطلين عن العمل في قمع العمال.
اما حقوق العمال فليس لها أي مستقبل في الشريعة الغراء
وهكذا وجدناها كيف تعززت حقوق العمال وازدهرت تجارة المخدرات والاستغلال في دولة طالبان وغيرها من الدول التي ارادت تطبيق الشريعة كالسودان والصومال وايران وباكستان.
من السهل ان نقول ان الاسلام كفل حقوق العامل واذا بحثنا عن بنود هذه الحقوق فلن نجد لها اثرا في القرآن والفكر الاسلامي عامة، الا ما اقتبسوه من الغرب في العصر الحديث ويلصقوه بالاسلام.
ولهذا من السهل الممتنع الحصول ان نعلن على الملأ انه صالح لكل زمان ومكان، وعند الامتحان لا يكرم المواطن، بل يستعبد باسم الدين ويهان!

الاسير رزق صلاح: بطل في زمن النسيان/ مأمون شحادة



من معاناة الاسرى الفلسطينيين :

للارض ابطال من وراء الستار ...حين صرخت الارض لبوا النداء... قالوا عار علينا ان تهان الارض ونحن نيام... كيف لنا ان نحيا وكرامتنا تهان... تركوا البيت والاهل والابناء، وقالوا اذا ضاع الوطن ما فائدة الحياة ... فالحياة بدون الحرية والكرامة ليس لها طعم ولا عنوان .
رزق صلاح*، بطل مناضل احتضنته مدينة الخضر في محافظة بيت لحم، وهي كغيرها من المدن الفلسطينية التي قدمت الشهداء والجرحى والمعتقلين، فمنذ نعومة اظفاره عرف بهدوئه وضحكته البهية، ما جعله يتربى على تلك الخصال التي اهلته لخوض كينونة النضال، حيث كان وخلال مجريات الانتفاضة الفلسطينية الاولى ناشطاً فاعلاً، ينفذ اعماله النضالية ضد الاحتلال سراً، حتى تم اعتقاله من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي عام 1993، فكان صدمة للجميع (لِما عرف عن رزق من هدوء) وخاصة حينما حكم بالمؤبد مدى الحياة، تاركاً وراءه ولدين وزوجة، واماً واباً قهرهم المرض والبكاء، حتى اتت سكرة الموت فاستثقل السجان الظالم "لحظة وداعٍ" يحتضن بها ابويه وهم يوارون الثرى .
حيرة، وحزن، واشتياق لرؤية اخيها، هكذا بدت ملامح امنة علي خضر صلاح( اخت الاسير رزق صلاح "ابو احمد") مقدمتها اثناء الحوار الذي اجريته معها لتحدثنا عن المعاناة التي تعانيها اسرة اسيرنا، فقد لاحظت ان عيناها على اهبة الاستعداد لكي تهطل مطراً، لوعة وحسرة على اخيها رزق .
سؤال : سيدة امنة صلاح، حديثنا عن الانطباعات التي اخذت تؤثر على عائلة مناضلنا رزق، وما هي الاثار السلبية التي خيمت عليهم ؟
امنة صلاح : ان لوعة الفراق تشبه الى حد كبير لوعة انسلاخ الروح عن الجسد، بما معناه "الموت"، فاعتقال اخي رزق اثر على كل العائلة، وخصوصاً عائلته الصغيرة ؟
سؤال : نود ان تحديثنا عن عائلته الصغيرة، والمكونة من احمد ورمزي وزوجته جهاد(ام احمد) ؟
امنة صلاح : في البداية اود الحديث عن ابنه احمد، حيث كان لحظة اعتقال ابيه ابن الثلاثة اعوام، وكان متعلق بوالده لدرجة لا يتصورها احد، فأسألته المتكررة والمتلعثمة ببراءة الطفولة قد كبرت بمرور سنتين على اعتقال ابيه، فكانت امه تتلقى تلك الاسئلة والدموع تنهمر من عينيها: ابي.. ابي، اريد ابي ؟ اين ذهب ابي؟ متى سيأتي؟ اشتقت اليه كثيراً، فقد وعدني بان يشتري لي لعباً وملابس جديدة، من سيحملني على ظهره ويداعبني؟ قولي لي يا امي ؟!؟! من الذي اخذ ابي؟ هل ستطول غيبته؟ اشتقت الى النوم في حضنه، واكتافه التي تحملني، قولي لي يا امي متى سيعود؟ .
وطالت الايام وكبر احمد وبدأ يمل من الاسئلة وطول الانتظار، وادرك ان غيبة والده ستطول الى ان يشاء الله بالفرج، وها هو شاب في مقتبل العشرين ربيعاً، حائر في هذه الدنيا، يبكي بدون دموع،،، حينما تراوده الذاكرة بمنظر يعبر عن الابوة واولاد يلهون ويلعبون ويشكون لوالدهم، يبدأ الحنين يحاصر احمد، وكأن غصة في قلبه تقطر دماً.
سؤال : ماذا عن ابنه رمزي، هل كانت انطباعاته مشابهة لاحمد ؟
امنة صلاح : رمزي لم يدرك معنى الابوة وحنان الاب، حيث كان عمره "سنة" لحظة اعتقال ابيه، تفتحت عيناه التي لم تكتحل برؤية والده حراً طليقاً، ولكن بمرور السنين اخذت تجتاحه هالة من التراكمات، التي تحتاج الى شاطئ من الاجابات، "فحواها" اسئلة عابرة يوجهها لامه: اين بابا ؟ ليش ما في الي بابا ؟ وين راح ؟ ... عجباً، فالماضي يشبه الحاضر والسنوات تمضي، ورمزي يكبر مترافقاً مع تلك السنوات العصيبة، فهو الان طالب في الجامعة و لم يعرف والده الا من خلف القضبان، حينها ادرك الحقيقة وقبل بها، فاخذ يزين اوراق كراساته الجامعية بحروف مضيئة تحمل اسم ابيه، ما يعني انه يحاوره ما بين كراسته وعقله الباطني.
سؤال : المرأة نصف المجتمع، والرجل هو النصف الاخر، فكيف استطاعت زوجة اخيك ان تجمع النصفين في آن واحد لحظة اعتقال زوجها ؟
أمنة صلاح : زوجة اخي " ام احمد" تلك الصبية الصغيرة، التي لم تتجاوز العشرين ربيعاً لحظة اعتقال زوجها، ففي البداية انهارت، وتعبت، وتحطمت نفسياً ومعنوياً لهول مصابها الجلل، لكن سرعان ما نهضت كالمارد، متحدية الظروف القاسية بصبر وحنكة، فابت الا ان تكمل المسيرة، لكي تكون انموذجاً لاولادها ( احمد ورمزي)، ونبراساً ينير عتمة السجن الذي يقبع فيه زوجها، فكانت اماً مثالية وقدوة وحضناً حنوناً لاولادها، ولم تنس يوماً "الحلم" الذي كانت تحلم به هي وزوجها بان يكون لهما بيتاً تجتمع فيه تلك الاسرة الصغيرة، حتى تحقق ذلك الحلم مترافقاً مع مسيرتها التعليمية، مجسدة في هذا الزمان معادلة انسانية، عواملها التحدي والصبر، ولوعة الفراق لزوجها، فمن خلال تلك المعادلة الصبورة، تستحق ام احمد او بالاصح الدكتورة جهاد صلاح، كل الاحترام والتقدير على هذا الانموذج الرائع، والذي يمثل عنواناً اصيلاً كتب بجودة فلسطينية وبصبر نبينا ايوب .
فجهاد صلاح التي عقدت العزيمة، وفق بوصلة لا تشير الا الى معنى الاخلاص والوفاء، ونحن نتذكر حينما قال لها زوجها من وراء القضبان لحظة اصدار الحكم عليه بالمؤبد مدى الحياة : "اخيرك ولا اريد ان اظلمك معي، فحكمي طويل، والله اعلم ان كنا سنلتقي مرة اخرى في بيت واحد"، ولكن تلك الزوجة الصبورة، المتمسكة بزوجها، كان ردها مزلزلاً في قاعة المحكمة وهي شامخة الرأس والجبين : "انت حكمت بالمؤبد وانا محكوم معك اذهب ولا تندم فان لم نلتق في الدنيا سنلتقي في الاخرة" .
سؤال : ماذا عن امك، الحضن الحنون الدافئ، حدثينا عنها، فنحن نعرف انها ذاقت لوعة الحزن وطول المسافات حسرة بفراق رزق ؟
آمنة صلاح : امي تلك المرأة الحنونة، فقد كانت لا تعرف طعم النوم، حينما يقترب موعد زيارتها لابنها، وكأنها تريد ان تسابق الريح لتكحل ناظريها برؤيته " اطمئناناً وحنيناً"، وحين كانت تعود من الزيارة تبكي هي ومن حولها الماً وحسرة، فرزق كان يخصها بالرسائل المعطرة بعبق الحنين ومسافات الطريق المروسة باشعار درويش " احن الى خبز امي وقهوة امي ولمسة امي وتكبر في الطفولة يوماً على صدر امي واعشق عمري لاني اذا مت اخجل من دمع امي"، لكن المرض كان اسرع من مسافات الطريق وتغلب على جسدها النحيل ولم تستطع زيارة قرة عينها الا على كرسي متحرك، فكان المشهد ثقيلاً ومؤلماً على رزق، الذي اعتاد رؤية والدته بقوامها وجسدها النحيل، وللوهلة احتضنته بقوة ولهفة وكأنه اللقاء الاخير ما بين لهفة الشوق وحرمان السنين، وبعدها باشهر قليلة توفيت وهي تردد " بدي اشوف رزق وبعدها اموت مش مهم" .
ولكن السؤال الذي يقف امامنا اليوم، وهو موجه من امنة صلاح، هل اصبح اسيرنا رزق "ابو احمد" بطل في زمن النسيان ؟، ام ان عراب الذاكرة الخجولة خجول ولا يقوى على قول الحقيقة الا من خلال تعمد النسيان !! ..... السؤال مفتوح للجميع
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
*رزق علي خضر صلاح، اسير فلسطيني من مدينة الخضر في محافظة بيت لحم، تم اعتقاله من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي عام 1993، وحكم عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة .

كتابة على حائط جلجثة الأقباط/ عـادل عطيـة


هوذا مصر صارت أرض الموت ..
هبة نهر الدم ،
يواصل جريانه من منابع شرايين الأقباط المذبوحة ،
والمسفوحة ..
على مرتفعات إيمانهم العنيد !
يروي عطش الذئاب المترصّدة ،
في الثياب ..
يلوّن قوائم معابدها الهمجية ..
.. علامات .
يراها الشيطان الساكن في وسطهم ؛
راضياً ..
مرضيا ..
وترتفع في نشوة البطش : تكبيرات الانتصار الوحشية !
هوذا مصر صارت جنة الطواغيت على أرضها المسبيّة ..
يمضغون ازاهير الشر ،
وينسون الإنسانية ..
ثقافتهم النحر ،
وميراثهم : جماجم بشرية ..
وفي مكتباتهم المطلة على البحر الأحمر ..
كتاب وحيد ، عنوانه : "الموتى" ..
مفتوح على متنيّه ..
يكتبه بالزيف ،
وبالسيف :
فراعين الوهابية ..
هاهي ذا الصفحة الأخيرة من سفر المراثي الوطنية ..
فلنسابق كلماتها ؛
فأنتم على موعد مع سفر الرؤيا البهية ..
مكتوب على صفحته الأولى :
.. حدث غداً .
وغداً ..
سيأتي قريباً من هو أعظم من موسى المنتشل من الماء ..
سيأتي الذي عُمد في نهر الأردن : بشراً سوياً ..
حاملاً من جنبه المطعون ماء ..
ودماً ذكياً ..
ليرشهما على : "أرضنا السوداء" ..
لتنبثق من طينها في أسابيع آلامكم المنسية :
ألف "وردة صليب" حمراء..
.. علامة عهد ،
وفداء .
وسينبعث نور القبر المقدس على أرضها ،
وينيرها ..
ويعيد لها الرب وعده المبارك : " مبارك شعبي مصر " !

لمن أكتب؟/ د. فايز أبو شمالة


كل عاقل أمسك بالقلم، وخط الحرف جنب الحرف، سأل نفسه: لمن أكتب؟ هل نكتب كي نعاود قراءة ما كتبنا، ونعجب من أنفسنا، ونريح أعصابنا؟ أم نكتب ليقرأ غيرنا، ويتعرف على رأينا، وموقفنا؟ ومن هو غيرنا هذا؟ أهو القائد السياسي صاحب القرار، أم المختلف معنا في الآراء السياسية؟ من هو هذا الآخر الذي نسعى لنصل إليه، ونوصل إليه أفكرنا؟
ما أكثر مجالات الكتابة! ولكل كتابة عين تلتقطها، وعقل يحللها، ووجدان يخزن مضمونها، فالكتابة الأدبية مثلاً لها من يعشقها، ويتشوق لحروفها، ولها مستقبلوها، والكتابة السياسية لها أيضاً من يتابعها. فهل الكتابة السياسية موجهة للعدو أم للصديق؟ وهل هي كتابة تفسيرية للأحداث، أم كتابة تحليلية؟ كتابة ترسم أفقاً للمستقبل، أم تغرق في مراجعة الماضي؟ كتابة تؤثر على القرار السياسي في مجتمع عربي لا دخل فيه للرأي العام، أم تؤثر في الرأي العام ذاته، وتشكل حصانة واعية من العقول القادرة على التآلف حول فكرة؟
أزعم أنني لا أكتب لقادة السلطة الفلسطينية في رام الله، ولا يعنيني كثيراً إن قرؤوا ما كتبت، أم لم يقرؤوا، ولا يعنيني كثيراً قادة حماس في غزة، انتبهوا لما أكتب أم لم ينتبهوا، رغم ثقتي أن مقالي تقرأه السلطة في رام الله، كما تقرأه حركة حماس في غزة، ومع ذلك فأنا لا أكتب للمسئولين، ولا أكتب إلى أولئك الذين تحجروا على قوالب فكرية مستوردة، وباتوا عبيد الاغتراب، وإنما أكتب للإنسان العربي العادي، الذي صار يفتش في المواقع، ويتابع ما يسجل من آراء تحليلية للأحداث. لهذا الإنسان أكتب، وأتعمد إيصال موقفي السياسي، وتجربتي، ولا انتظر شكر أحد، ولن يعيقني ذم أحد، لأن هدفي هو الإسهام في تأسيس الوعي العام، وتشجيع جيل وطني منتمٍ، لا يخشى الأعداء. وأثق أن من سلالة هذا الإنسان سينبت القرار العربي بعد سنوات، وسيكون الوطن الممتد على مساحة الكرامة.
قبل أكثر من عشرين عاماً، قال لي مسئول أحد التنظيمات الفلسطينية في سجن نفحة الصحراوي: لماذا تريد ترك تنظيمنا؟ ما هو عيبنا؟ بماذا نحن مقصرون معك؟ نقدم إليك امتيازات واستثناءات لا يحظى فيه سجين آخر؟ فما الذي يزعجك شخصياً من تنظيمنا؟ أبق ضمن تنظيمنا، وتمنَّ علينا، وتذكر أن حقوقاً مالية ستضيع عليك لو تركتنا، وأن هنالك حقوقاً مالية تصل إلى أسرتك شهرياً من تنظيمنا، ستتوقف لو تركتنا، فكر في الأمر؛ قالها المسئول التنظيمي وهو في غاية الصدق، والاقتناع بأهمية بقائي ولو اسماً ضمن صفوف التنظيم. وأضاف: ابق، وعندما نخرج من السجن، أعدك أننا سنترك التنظيم سوياً.
قلت لصديقي الذي يعمل حالياً في وظيفة مهمة مع مؤسسة دولية: عندما عملت عسكريا مع التنظيم، كنت أعرف أن أهون النتائج هي الوقوع في الأسر، وكنت أعرف أنني سأخسر وظيفتي، وبيتي، وأولادي، ومع ذلك حفزني الواجب على المقاومة، وبهذا عرفني كثير من طلابي، وأهلي، وأصدقائي الذين يعتبرونني قدوة، وسيقعون في حب التنظيم الذي عملت معه، وأحسب أن واجبي إيقاظهم مبكراً، وأن أوصل لهم رسالتي من داخل السجن، لئلا يحترق غيري بالنار التي أحرقت ارتباطنا الوجداني بالمقدسات، ولئلا يقع مخلص في شرك الشعارات، لذا سأضحي من أجل من أحببتُ بكل ما ذكرت من مكاسب مادية!.
لمن يحبون وطنهم أكتب، ولهم أضيء شمع كلماتي، وبهم تأتلق أفكاري.

هل ستدخل الجماعة السلفية النظام السياسي الفلسطيني.؟/ محمد داود

في الحقيقة هناك أرضية خصبة قد توفرت في قطاع غزة نحو انخراط العديد من العناصر الحزبية وانضمامها إلى تيارات أخرى جهادية والحديث يدور عن أحد عشر ألف عنصر من الجماعة السلفية الجهادية، رغم أن هذه الجماعة قد تعرضت لمحاولة إقصاء وسحق من الساحة الغزية، وقتل زعيم التنظيم والعشرات من أفراده، وزج من تبقى في سجون الحكومة المقالة في قطاع غزة، إلى أن أعدت الأخيرة خطة تشمل عفو تام شريطة أن يتراجعوا أفراد التنظيم عن انتمائهم لتلك الجماعة.

لكن الجماعة السلفية استطاعت أن تستقطب عشرات المنضويين لها وقامت بتأهيلهم دينياً وفقهياً، معتمدة في ذلك على بعض الدعم الذاتي والشخصي، فأصبح لها بعض المؤسسات الخاصة ومراكز تحفيظ القرآن والتعبئة الفكرية، ثم أخذت تطور من ذاتها وتستقطب المزيد من العناصر، واليوم هي تمر بمرحلة جديدة وهي الانتقال من العمل الدعوي والتحفيز إلى مرحلة العمل العسكري "الجهادي" مما يزيد من قاعدتها الجماهيرية لتلعب دوراً بارزاً على الساحة الفلسطينية، ولتكون أحد القوى الإسلامية التي تنافس تيار الإسلام السياسي التقليدي.

فهناك عوامل عديدة تساعد على انتشار الجماعة، أبرزها الواقع السياسي الفلسطيني الذي يعيش مرحلة تحرر وطني، ومقاومته للاحتلال الإسرائيلي، كما أن الجماعة السلفية تتفق في مبادئها وميثاقها وفكرها الإيديولوجي مع برامج التيارات الإسلامية الأخرى العاملة في الساحة الفلسطينية مثل حماس وحركة الجهاد الإسلامي، وحزب التحرير كتيار رابع يمكنه أن يزاحم هذه الحركات لاسيما وأن مطالبه قريبه جداً من هذه الحركات مثل مسألة إقامة الإمارة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية وإيمانه أن هناك معركة مفتوحة مع العدو الصهيوني باعتبار أن الصراع عقائدي أي وجود وليس حدود. رغم تجنب مشايخ الجماعة في السابق الخوض في هذا الحديث.

والمتتبع لتاريخ التنظيم يلاحظ أن التنظيم نشط على الساحة الغزية في زمن قصير جداً وبات ملموساً في الشارع الغزي، فهناك المئات ممن يتلقون التعليم في مؤسسات الجماعة ويمكن للناظر مشاهدة عناصر الجماعة بلباسهم الباكستاني المميز واعتزاز العامة بهم مما أستطاع أن يستقطب عناصر جديدة كانت تعمل في صفوف أجهزة أمنية ومنظمات فدائية فلسطينية على الساحة الفلسطينية، لدرجة أن العديد يتحدث بأن التنظيم يتركب من أفراد كانوا ينتمون لفصائل إسلامية مثل (جلجلت) وآخرون، أنبثقوا عنهم نتيجة خلافات سياسية وأمنية وأخلاقية ودينية وفكرية وتظلمات وصراعات داخل تلك الحركات فانخرطوا في صفوف الجماعة السلفية.

فالجماعة السلفية بدأت تزاحم التيارات الإسلامية "الجهادية" في محاولة أن تفرض نفسها وتكون البديل الأخر خاصة وأنها تطرح برنامج ثوري وديني وتتبنى الكفاح المسلح "شرعية الجهاد" ضد العدو الصهيوني في وقت تتراجع الحركات الإسلامية الجهادية العاملة على الساحة الغزية عن مشروع المقاومة لأسباب سياسية وأمنية وإنسانية. بمعنى التطلع نحو الانخراط في العمل السياسي فيما يعرف بـ"حركات الإسلام السياسي" هذا الواقع أفرزته الحرب الأخيرة على قطاع غزة والذي أحرج حركات المقاومة الفلسطينية، بأن تتماشى والمصالح السياسية والإنسانية والاقتصادية والأمنية للمواطن الفلسطيني. برز ذلك جلياً من خلال سلوك وتصريحات تلك الحركات وقياداتهما، التي انتقدت الهجمات الصاروخية المحلية ومن تنفيذ عمليات فدائية "جهادية ضد الاحتلال" انطلاقاً من قطاع غزة .

فحركة الجهاد الإسلامي هي الأخرى أصبحت ملزمة بأن تستجيب لمطالب السلطة الحاكمة في قطاع غزة وتجميدها للعمل العسكري ضد الاحتلال أحياناً وفي أقلها التوافق والتنسيق مع تلك السلطة، إذ تحدث قيادات من الجهاد الإسلامي أنهم لم يطلقوا أي صاروخ منذ عام أي منذ الحرب الأخيرة على قطاع غزة، كما هو حاصل مع حركة حماس، أي أن الحركة ملتزمة بسياسة حركة حماس وحكومتها في القطاع حتى لا تحرجها، رغم اندلاع العديد من الإشكاليات بين مرابطين الحركتين من مسألة المقاومة، حتى داخل التنظيم الواحد بدأ هناك تذمر وصيحات تعلو بضرورة مواصلة المقاومة والجهاد باعتباره أحد أعمدة تلك التيارات الإسلامية التي دفعت العناصر بالانخراط في صفوفهما .

هذه الواقع بكل تأكيد دفع العديد من العناصر إلى ترك مواقعهم والانخراط في صفوف الجماعات السلفية، التي تتبنى منهج إسلامي سني ومستقل بعيداً عن الإملاءات الخارجية ونفوذ تيارات ودول إقليمية استحوذت على قرارات بعض القوى الإسلامية، فأصبحت بندقيتها مسيسة تخدم مصالحهم الإستراتيجية. فالجماعة صاغت برنامجها وميثاقها، وهذا يشجعها أن تلعب دوراً منوطاً بمكانتها وحجمها التي تشعر به مع ازدياد قاعدتها الشعبية، صعوداً لتكون أحد مكونات النظام السياسي الفلسطيني.

ونحن هنا لا يمكننا تغييب الأوضاع الفلسطينية في قطاع غزة المحاصر والمنغلق، والظروف المعيشية والحياتية الاقتصادية والاجتماعية المتردية من فقر وانتشار لظاهرة البطالة، وعسكرة المجتمع الفلسطيني، وتراجع دور التيارات الفلسطينية اليسارية، وتراجع خدماتها، جميعها تدفع الشباب للولوج في هذا الفكر المتشدد إن كان يرفع راية إسلامية أو راية يسارية غارقة في التطرف. إضافة إلى إسهام ظروف القمع والكبت ومصادرة الحريات من المجتمع المحيط بالشباب مما ينمي الظاهرة التكفيرية، الأمر الذي يولد قابلية متزايدة لدى بعض الشباب لتبني الفكر المتطرف أياً كان مصدره الأيديولوجي بالتالي نمو هذه الجماعات.

والتحدي يكون عبر التنافس وتوفر البديل مما يحرج هذه الحركات، فهناك العشرات من القوى الفلسطينية أصبحت في طي الماضي وغابت عن الساحة الفلسطينية ولم يبقى إلا أسمها لفقدانها قاعدتها الجماهيرية فاندثرت، وهذا ما تخشاه الحركات الإسلامية التقليدية، عبر عنها زعيم الإخوان المسلمين في مصر قبل أيام بضرورة أن تعود حركة حماس إلى المقاومة وتترك السلطة، لأن ذلك سيفقدها قاعدتها الجماهيرية كما حصل مع حركة فتح التي تحملت أعباء السلطة وفسادها فخسرت جزءاً من قاعدتها الشعبية، كشفت عنه الانتخابات التشريعية عام 2006..

فالجماعة السلفية بدأ نجمها يسطع من خلال تبنيها الكتاب والسنة والدعوة بالحسنى، والذي تطور لاحقاً للتيار الجهادي الذي يتبني الفكر القاعدي، حيث لا تؤمن بالعمل السياسي طالما أن فلسطين تعيش تحت الاحتلال وترى أنها أصبحت البديل الإسلامي المنافس للتيار الإسلامي التقليدي، الذي أصبح يثير الغرابة في تحالفاته وعلاقاته المحلية والإقليمية مع تيارات ودول في الحقيقة ضد المشروع الإسلامي السني المستقل، مثل علاقة إيران بالإخوان المسلمين، والأخوان المسلمين بحركة كفاية في مصر، وعدم محاربة هذه الحركات للمفسدة، وعلاقات هذه التيارات مع الغرب مثل أمريكا وأوروبا. وهذا قاله بصريح العبارة شيخهم عبد اللطيف موسي قبل تصفيته مهاجماً الروافض والخوارج.

إذ أن غاية هذه الجماعات السلفية-الجهادية من الناحية الإيديولوجية، كأخواتها في الجماعات الإسلامية السنية، هو "إحياء أمجاد الإسلام القديمة وإقامة خلافة إسلامية عالمية تطبق الشريعة الإسلامية". وتتبنى هذه الجماعات السلفية - الجهادية إيديولوجية "المقاومة الصرفة" التي لا مكان فيها لوقف إطلاق النار أو الإيقاف المؤقت للهجمات على العدو. وهي تحاول أن تتبع أسلوب المقاومة البدائية، رغم قناعتهم بأنها لا تواكب التكنولوجية العسكرية التي يمتلك العدو، وهذا برز خلال عملية اقتحام معبر المنطار شرق غزة بعد تسلح المهاجمين بالسلاح الأبيض والجياد.

فالجماعة تدرك أن حركة "حماس تمضي نحو إصلاح المجتمع وتوجيهه نحو الإسلام بالتدرج، لكن يبدو أن سعي الجماعة يقف عند محددات قد تكون أبعد من النظرة الدينية. بمعنى انخراط حركة حماس في غزة في السياسة وقضايا الحكم وتأخرها في جعل الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً لنظام المؤسسات في القطاع، خلق فراغاً أمام السلفية الجهادية والجماعات الدينية بأن تملئه وأن تقف بالمرصاد. ونتيجة ذلك برزت الخلافات التي دارت بين الأقطاب، والمواجهة الدموية الأولى، في محاولة لنفي الأخر، والتي كانت في مسجد بن تيمية جنوب رفح التي سقط فيه عشرات الضحايا من كلا الطرفين، وتوعدهما بمزيد من العنف مما ينذر باستمرار المعركة وحالة السجال فيما بينهم.

فالجماعة السلفية تبنت العديد من عمليات الثأر والانتقام ضد مؤسسات حماس في قطاع غزة، لاسيما التفجيرات والعبوات التي وضعت بجانب مقرات أمنية ومنازل تعود لأفراد من حماس، وممارسات أخرى تراها مخالفة للشرع مثل مهاجمة نوادي الفيديو والانترنت وتفجيرات أجازتها الفتاوي الدينية من أجل محاربة المفاسد، ترى فيها حكومة حماس أنها فوضى أمنية يجب سحقها. فهي أكدت أنها ستنتقم لدماء أفرادها ولقائدها الشيخ عبد اللطيف موسى، وأعلنت عن عملياتها الثأرية، وعبر بيانات أصدرتها، كما أن الجماعة تقف وراء عدد من العمليات الفدائية ضد الاحتلال الإسرائيلي، خاصة إطلاق الصواريخ المحلية والتي تجد به الجماعة أسلوباً يمكن أن يخلف الحرج لحكومة حماس على الصعيدين الداخلي والخارجي ويضعها على المحك أمام طبيعة رد الفعل الإسرائيلي بصفتها السلطة السياسية التي تدير قطاع غزة.

إن كل تنظيم يعتبر اندماج عنصر جديد لصفوفه هو مكسب كبير لهذا التنظيم، فكيف سيكون الموقف أمام تنظيم تعرض لمحاول شطب، وفقد العديد من عناصره بعد المواجهة الدامية له في رفح، فهناك تعاطف شعبي مع الجماعة السلفية وهناك عناصر تجندهم الجماعة استطاعت أن تستقطبهم عبر مؤسساتها ومواردها المستقلة وقياداتها التي تعمل سراً وجهراً. وعبر تبنيها لمشروع الجهاد الخالص، وهذا يحسن من مكانتها الشعبية داخل المجتمع الفلسطيني. الذي تعسكر نتيجة حدة الاستقطاب السياسي في قطاع غزة، واستمرار التهديدات الإسرائيلية العدوانية. وتوفر الأرضية الخصبة نتيجة الإغلاق والحصار وانتشار مظاهر التهريب.

والمتتبع لنشأة الجماعة يتضح أن لها مرجع ديني وعقدي وفكري كتيار انزوى جانباً عن العمل السياسي واهتم بالجانب التربوي والتنشئة الدينية للشباب، وغلبة الطابع المتواضع عند زعمائه في السلوك ونكاد نختلف عن وجود رأس شرعي وقيادي له دور فعال يدير الجماعة، رغم قناعتهم بمسألة أمير الجماعة .

لكن الطفرة التي صنعت الحداثة للجماعة يؤكد أن أفراد الجماعة هم من الشبان الثائرة التي تعرضت لجملة من الإحباطات فانتفضوا وانضموا إلى هذا الجماعة ليشكلوا الذراع العسكري للجماعة السلفية عام 2001، وهذا لا يعني أن الجماعة حديثة النشأة فالجماعة لها أصول فكرية قديمة لكنها لم تتبنى نهج المقاومة والجهاد وأعجبوا بسلوك أشقائهم في بلدان العالم المحتل خاصة في العراق.

فهناك اهتمام وتعبئة في بعض المساجد التي يتوافد عليها الجماعة وتنشر فكرها للعامة والمتعبدين الذين يتعلمون فيه فن الخطابة والإمامة وإلقاء الدروس الدينية حيث يستقطب المئات من الشباب واليافعين، كمدرسة فقهية ومرجعية دينية مستقلة ويتبعها مساجد أخرى في جنوب القطاع اندلع فيها صراع في إطار السيطرة الحزبية لاسيما في المناطق المحسوبة على فئات معينة.

كما أن الجماعة تقوم بزيارات إلى مساجد عدة في أحياء محلية من قطاع غزة وبلدان إقليمية تسميها "الخروج في سبيل الله" من أجل نشر الدعوة وتبليغ فضائل الإسلام لكل من تستطيع الوصول إليه، ملزمةً أتباعها بأن يقتطع كل واحد منهم جزءً من وقته لتبليغ الدعوة ونشرها بعيداً عن التشكيلات الحزبية والقضايا السياسية، ويلجأ أعضاؤها إلى الخروج للدعوة ومخالطة المسلمين في مساجدهم ودورهم ومتاجرهم ونواديهم، وإلقاء المواعظ والدروس والترغيب في الخروج معهم للدعوة وهذا الأمر ساعد الجماعة في جلب الدعم المالي، خاصة من الباكستان ودول المغرب العربي، واليوم الجماعة السلفية أصبح لها مؤسسات تكاد تعتمد عليها كموارد ذاتية خاصة، برز فيها ولاء أفراد الجماعة وتكاتفهم الأسري، وتقلدهم بسيرة رسولنا الكريم والصحابة لاسيما في توزيع الصلاحيات والمهام والشورى بينهم وتواضعهم. حيث يشعر أفراد الجماعة السلفية في قطاع غزة بالاعتزاز والفخر وهم يتبنون نهج السلف الصالح الذي يمتد إلى عهد الرسول، معتبرين أنفسها المحافظين على هذا العهد. ولكن خروج أفراد الجماعة إلى الدعوة في الباكستان وتلقى البعض منهم العلم والتدريب في المدارس الدينية والاعتزاز بأساتذتهم هناك ساهم في توطيد العلاقات مع الحركات الدينية وتبني أفكارها مما جعلها قريبة بشكل كبير من أفكار القاعدة التي تأخذ من الباكستان وأفغانستان مقراً لها جمعتهم روابط وصلات عرضية وفردية مع الحركة الجهادية العالمية بقيادة أسامة بن لادن، وقد حظي الوجود السلفي الجهادي في قطاع غزة أيضاً إلى دعم من المقاتلين الأجانب الذين دخلوا غزة للترويج لإيديولوجيتهم من بعض بلدان المحيط.

كما أن الجماعة تشعر بالاعتزاز وهي تتسلح بأن لها امتداد إقليمي كتنظيم القاعدة لما تركة الأخير من رعب بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر في أمريكا. وكي تعزز من حضورها وتستقطب الشبان الصغار، أخذت تتبنى نهج تنظيم القاعدة، وتبايع أحيانا قائده، أسامة بن لادن. ويسجل أن موقفاً أشاد فيه أيمن الظواهري أحد أبرز قيادات تنظيم القاعدة أشاد بالدور التي تقوم به الجماعات السلفية، وانتقد موقف حماس بوصفها حركة وطنية سياسية تسعى للاستحواذ على السلطة تسعى إلى تحكيم الشريعة.

فارتباط تنظيم القاعدة ذو امتداد ويقوم على الإيديولوجية ليس مع الجماعة السلفية فحسب بل مع تيارات إسلامية عديدة لا الحصر "تنظيم جحافل التوحيد والجهاد"، و "جيش القدس الإسلامي"، و "مجموعة جلجلت"، و "تنظيم جند الله الفلسطيني"، و "جند أنصار الله"، و "تنظيم قاعدة الجهاد ولاية فلسطين"، و "حركة فتح الإسلام في فلسطين"، و "عصبة الأنصار في فلسطين"، و "جماعة جيش الأمة"، و "جماعة جيش الإسلام". وأنصار بيت المقدس، وجند محمد، وجميعها تضم ناشطين سابقين في فصائل إسلامية ووطنية فلسطينية.

فالجماعات السلفية الجهادية المحلية في قطاع غزة تسعى إلى تثبيت أركانها ولكن تخشى أن تتعرض لخسارة في حال اندلاع مواجهة عسكرية دامية يكلفها المزيد من الضحايا من أفراد تنظيمها العسكري الناشئ من جديد، والذي يطالب بالدعم وباستعادة الأسلحة المصادرة من قبل الحكومة المقالة في قطاع غزة.

ومع مواصلة الدعم العسكري عبر الأنفاق ونمو أفراد الجماعة بشكل كبير في رفح، وتبنيهم عدد من العمليات الجهادية التي أخذت طابع تاريخي وإسلامي قديم يبين مدى اعتناق وتسلح هذه الجماعة بقيم ومبادئ وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى بمعايشتهم لحقبته التاريخية رغم الفارق الزمني والتطور التقني العسكري.

ويبقى معيار هذا الهجوم النوعي ومدى نجاحه معياراً يمكن دخول الجماعة الحقل الحزبي الفلسطيني، وعندها ستحظى بقاعدة جماهيرية محلية ودولية.

يفهم من ذلك أن التجربة الديمقراطية الفلسطينية أثبتت أنها سيئة الحكم حتى داخل الفصيل الواحد هناك نزاعات وسيطرة على النفوذ، ولا يمكن الشراكة والتعايش السلمي بينهم، لاسيما في ظل عدم التوافق السياسي والفكري وغياب برامج المقاومة التي تسير وفق المصالح والإملاءات الإقليمية. وهذه الصراعات دائماً يدفع ثمنها المواطن الذي يبحث عن الأمن والاستقرار وعلاقاته الاجتماعية التي تفككت وتفسخت نتيجة الصراعات الحزبية والفكرية. رغم أننا نتفق في المذهب والهدف والمصير، لذلك التطرف دائماً يثير القلاقل ويثير الفتن، فنحن ننتمي إلى دين معتدل وخير الأمور الوسط. ومعركتنا ضد الاحتلال الإسرائيلي الذي جني ثماراً كثيرة من استمرار الانقسام والاقتتال الداخلي الفلسطيني.

كاتب وباحث

سجائر غزة بالحلال/ د. فايز أبو شمالة

وسط سوق الأربعاء؛ أشهر أسواق غزة، وقف بائع سجائر ينادي بأعلى صوته، ويسوّق لبضاعته قائلاً: سجائر حلال، سجائر حلال. في إشارة إلى السجائر التي فرضت عليها حكومة غزة الضرائب، أو في إشارة تهكمية على أولئك المتشددين، لتقع حكومة غزة بين مطرقتين، مطرقة المدخنين المعترضين على الضريبة، وبين ومطرقة المتحجرين في قوالب فكرية، دون القدرة على إدراك المرمى السياسي من الحصار، ليردد بعضهم: كيف نتسلم رواتبنا من حكومة تجمع أموالها من بضاعة حرام شرعاً، كيف تطعمون الناس مالاً حراماً، تجمعونه من ضرائب السجائر؟ ليرد عليه أحد فقهاء السياسة: لن نطعم الناس من أموال ضرائب السجائر، لأننا سنوظفها في مشاريع الصرف الصحي الذي تعيقها إسرائيل!.
في الضفة الغربية تفرض حكومة رام الله ضرائب على السجائر تصل إلى أكثر من خمسة شواقل لكل علبة سجائر، فهل يجوز لحكومة رام الله أن تمدد أرجلها، ولا يجوز لحكومة غزة؟ وهل هنالك فرق بين نفقات الموظف في رام الله والموظف في غزة؟ ألم تفرض حكومة رام الله ضرائب على الوقود تصل إلى أربعة شواقل لكل لتر؟ فهل يجوز هنالك، ولا يجوز لحكومة غزة فرض نصف شاقل على كل لتر؟ وهل يعلم الفلسطيني أن اتفاقية أوسلو الاقتصادية كانت تخشى أن يباع الوقود بسعره الحقيقي، فجاءت فقرة تقول: لا يجوز تخفيض سعر الوقود في مناطق السلطة الفلسطينية عن 75%، من سعره في إسرائيل، ولكن السلطة فاجأت الجميع، وتبيع الوقود في مناطقها كما يباع في إسرائيل، وأكثر؟! وهل يعلم الفلسطيني أن حكومة رام الله تتسلم من إسرائيل قيمة الضريبة المضافة 17%، وضرائب أخرى عن كل سلعة تجارية تدخل إلى قطاع غزة من خلال المعابر، بما في ذلك اسطوانات الغاز، والمواد الغذائية، والفواكه، والألمنيوم، والخشب الذي دخل من المعابر في الفترة الأخيرة، فالذي يجني الضرائب هي حكومة رام الله، والذي يوفر لها تسهيلات المرور هي حكومة غزة؟!.
ما لا تدركه حماس؛ أن فرض الضرائب على السجائر، وفرض الضرائب على باقي السلع المهربة من الأنفاق سيسهم في تسريع المصالحة إن لم يفك الحصار عن غزة، ولاسيما بعد إدراك المُحاصِر أن مالاً وفيراً سيذهب إلى جيب المُحاصَر، ولما كان هدف الحصار هو خنق حماس، فإن فك الحصار عن غزة، وإدخال البضائع إليها من إسرائيل سيضمن عودة الضرائب بالكامل لصالح حكومة رام الله، وسيحرم حكومة حماس هذه المزية، وراقبوا معي الأسابيع والأشهر القادمة التي ستشهد انهيار الحصار، بل تدني أسعار كثير من السلع التي ستنافس ما يهرب من الأنفاق، وذلك لئلا تنتفع حكومة غزة من فائض الضريبة.

من يقرع طبول الحرب هذه المرة؟/ الكولونيل شربل بركات

عوّدنا "الأشقاء" العرب على مقولة أن "العدو الصهيوني الغاشم" هو الذي يفتعل الحروب ويبدؤها، ولكن خلافا للحروب على جبهة لبنان، حيث كان القتال مستمرا منذ اتفاق القاهرة بسبب غياب الدولة التي من المفترض أن يكون لها الحق بأن تعلن الحرب من طرف لبنان أو تمنعها، ولتوافق على هدنة ما أو تخرقها، وحيث أن هناك مجموعات تطلق على نفسها أسماء تختلف بحسب الظروف، وتتخذ لها شعارات تتنوع بحسب الأوضاع، هي من يناوش إسرائيل بدون رأي الدولة ويقوم بالاعتداء عبر الحدود بدون التنسيق معها، حتى إذا ما كثرت هذه المناوشات والردود المحدودة وقامت إسرائيل بعملية واسعة نوعا ما نعتبرها واحدة من حروب لبنان، بينما الحروب التي جرت على بقية الجبهات وخاصة منها المصرية والسورية والأردنية كانت دوما حروب تقرر هذه الدول إعلانها وتتحضر لها. وقد قامت ثلاث حروب أساسية بين هذه الدول وإسرائيل كانت كلها تبدأ من جانب العرب بما فيها حرب 1967 التي كانت الضربة الأولى فيها على الجبهة المصرية لإسرائيل إلا أن الرئيس المصري عبد الناصر يومها كان هو من أعلنها منذ طرد قوات الأمم المتحدة من سيناء وإغلاق مضائق تيران على البحر الأحمر.

اليوم وبعد اتفاقيات السلام بين إسرائيل وكل من مصر والأردن، وبعد قيام الحكم الذاتي في الأراضي الفلسطينية واستمرار التفاوض على قيام الدولة الفلسطينية، هناك عنصر جديد دخل على الساحة الشرق أوسطية هو العنصر الإيراني الذي يخفي طموحات تاريخية قامت منذ قوروش العظيم ولم تنته مع انتصارات الاسكندر الكبير على داريوس بل عادت إلى الواجهة مع كسرى الأول والثاني ليحجّمها الفتح الإسلامي وتعود خجولة مع العباسيين لتطفو مجددا مع الشاه، ولكنها اليوم، ومع جمهورية نجاد الإسلامية، تحاول القبض على خيوط اللعبة بشكل جدّي بعد أن استعملت خطة قديمة كان وضعها كسرى الثاني يوم احتل إنطاكية ودمشق والقدس وانتظر ثلاث سنوات، كما يقول المؤرخون، قبل أن يدخل لبنان حيث استقدم فرقا من سكان الجبال في بلاد فارس أرسلها لتسكن وتستقر في سفوح جبال لبنان لتأمين الممرات الجبلية للجيش الغازي، وبطريقة مماثلة استعمل الإيرانيون اليوم قوات حرسهم الثوري لتدريب عناصر محلية لبنانية استطاعوا بواسطتها، وبغطاء مذهبي، تأمين وسط موالي لهم يسمح باستعمال حجة إسرائيل للتغلغل في ساحة الشرق الأوسط الغنية بالنفط والاستفراد لاحقا بمقدراتها بعد استبعاد القوى الغربية الكبرى التي لم تعد مجتمعاتها قادرة، بحسب استنتاجات قادة الإسلاميين الجدد، على النضال الطويل والقتال المكلف في عالم منفتح أكثر من أي وقت مضى ومتداخل المصالح والحاجات.

الإيرانيون، الذين يسعون للتفوق على الدول الصناعية الكبرى التي تنفرد حتى الآن بالتكنولوجيا الخاصة بالسلاح النووي ليشكل الرادع لكل تحد لنفوذها ومصالحها، يريدون فرض معادلة جديدة على الساحة الدولية وهم يطورون صواريخهم البالستية بحجة الرد على إسرائيل، وبشكل مواز، يدفعون باتجاه الحصول على القدرة النووية والتوسع الجغرافي تحت غطاء الشعارات الإسلامية الجهادية باتجاه المناطق الاستراتيجية الحساسة في الشرق الأوسط؛ فهم بنوا لهم قواعد في اليمن بين الثوار الحوثيين وعلى الحدود مع السعودية مشابهة لقواعدهم في لبنان، كما بنوا لهم قواعد في القرن الأفريقي حيث تكثر الفوضى الناتجة عن عدم استقرار الصومال وعودة القرصنة البحرية إلى هذه المنطقة، وقد دخلوا بواسطة حليفهم السوري إلى قلب فلسطين وتحديدا إلى غزة التي سيطرت عليها حماس فأعطتهم قاعدة مثلى وأساسية لتحريك الأوضاع في مسلسل الصراع الشرق أوسطي، وهم يصولون ويجولون في الساحة العراقية بسبب الولاء المذهبي والوضع الهش نسبيا، وهم إذ حيدوا سلطنة عمان منذ البدء يتغلغلون بين الأوساط الشيعية من أصل أيراني في دول الخليج الغنية للضغط عليها وتخويفها من أي مواجهة مستقبلية.

الإيرانيون لعبوا لعبة استقطاب الحكم العلوي في سوريا بنفس المنطق الذي استقطبوا به ثوار الشيعة اللبنانيين وهم دفعوا الأسد الأب أولا والابن اليوم إلى أحضانهم بدون الكثير من العناء لأنهم فهموا لعبة النظام السوري بتعهد الإرهاب ومن ثم بيعه فأعطوه الثمن المطلوب في مقابل أن يلعبوا في لبنان بدون التعدي على مصالحه، بينما اعتقد هو بأنه يستطيع في أي وقت أن يبيعهم وجماعتهم لمن يدفع أكثر، ولكنه مع الوقت أصبح بلا شك أسيرهم في لعبة تبدو أكبر منه، ولذا فإن "المعلم الشاطر" الذي كان يسحب نفسه "مثل الشعرة من العجين" عند اللزوم، من أي مأزق، لم يعد بقادر على إدارة اللعبة بنفس الحرية وهو يبدو محشورا اليوم ومضطرا إلى الدخول في المعركة التي حاول دوما تجنبها.

يقول الأمريكيون والإسرائيليون بأن السوريين أعطوا حزب الله صواريخ سكود الروسية الصنع أو تلك التي طورتها كوريا الجنوبية، لا فرق، المهم بأن عناصر من حزب الله تدربت على استعمالها على أن تدخل إلى لبنان من ضمن الخطة الإيرانية للمواجهة. ويقول بعض المحللين العسكريين وبعض المسؤولين السوريين واللبنانيين بأن لدى حزب الله ترسانة من الصواريخ قادرة على إصابة أهداف في تل أبيب بدون الحاجة إلى صواريخ سكود هذه التي يصعب تحريكها وهي بحاجة إلى وقود سائل ليس من السهل التعامل معه بينما لدى حزب الله صواريخ م600 التي يبلغ مداها 250 كلم وتعمل بالوقود الصلب وهي قادرة على حمل رؤوس يصل وزنها إلى 500كلغ� وهي نفس القدرة التي لدى صواريخ سكود ولكن الفارق بين الصاروخين يكمن في المدى حيث يصل مدى صاروخ سكود � د هذا إلى 700كلم .

ويضيف هؤلاء المحللين ومنهم صحافيين أمريكيين بأن لا حاجة لحزب الله لاستعمال صواريخ سكود هذه فهو في حال نشوء أي صدام مع إسرائيل يستطيع إصابة تل أبيب للرد على أية ضربة تقوم بها إسرائيل للضاحية الجنوبية لبيروت بواسطة صواريخ م600 التي يملكها، فقد كان نصر الله هدد إسرائيل في خطابه الشهر الماضي بالرد على أي "اعتداء" بقصف مماثل، وقال يومها بأن مطار بن غوريون سيكون مقابل مطار بيروت، ومدينة تل أبيب مقابل الضاحية الجنوبية. فلماذا إذن يريد أن يزج سوريا في هكذا وضع خطر بدون أن يكون بحاجة لمثل هذا السلاح؟ ولذا فالاستنتاج السريع هو بأن الأميركيين والإسرائيليين هم من يخترع هذه القضية بدون أن يكون لها أي أصول. من هنا تحدي مسؤولين في الحكومة اللبنانية وقيادة الجيش، وهم لا ناقة لهم ولا جمل في هذا الوضع ولا يعرفون ما يحدث على الأرض إلا ما يسمح لهم حزب الله بمعرفته، تحدوا الإدارة الأمريكية بتقديم أدلة على ذلك وادّعوا بأن القضية بكاملها ملفقة.

ولكن من يراقب ويقرأ الأحداث بعيدا عن تشنجات وعواطف الساحة المحلية يعرف بأن حرب 2006 لم يقررها حزب الله ولا هو خطط لها، لقد كانت خطة موضوعة من قبل قيادة الحرس الثوري الإيراني، وهي نفذت بموجب الأوامر الصادرة من هناك، ويومها قام نصرالله ولمدة يومين بالتبجح بأن حزبه خطط ونفّذ هذه العملية الدقيقة وأذهل إسرائيل بقدراته، ولكنه بعد أن استحق ما يجري على الأرض ورأى حجم الدمار وفهم بأنه لن يستطيع الصمود غيّر رأيه وقال من على تلفزيون الجزيرة جملته المشهورة "لو كنت أعلم..." ولكن بعد أن استقرت الأوضاع وهدأت الحرب وتكفلت الأمم المتحدة بضبط الأمور، وعندما قام الشارع الإسرائيلي يطالب بمحاكمة المسؤولين لأن حزب الله لا يزال يشكل خطرا مستقبليا على مواطني إسرائيل، قام السيد وجماعته بإعلان النصر الإلهي على الآلة العسكرية الإسرائيلية. ولكن لماذا حضّرت هذه الخطة ولماذا نفذت وماذا يمكن أن يحضّر للمستقبل؟ تلك هي الأسئلة التي يجب أن تسأل وعندها قد نعرف لماذا يحتاج التخطيط الإيراني لصواريخ سكود داخل الأراضي اللبنانية وما هي أهدافه ومتى ينوي استعمالها؟

لو كان المسؤولون في لبنان الذين يملأون الصحف والتلفزيونات ضجيجا وصخبا يسمحون لأنفسهم بطرح هكذا أسئلة لما كانوا يسارعون إلى تبنّي مواقف تملى عليهم الدفاع عن أوضاع لا يملكون حق التصرف بها وهي سوف تزج بهم وبقدرات لبنان في آتون لن يقدروا على تحملّه.

الإيرانيون في 2006 كانوا يريدون منع صدور قرار أوروبي بشأن تجاربهم النووية فأحدثوا هذا الضجيج في مكان آخر ألهوا به العالم عن اتخاذ قرارات مهمة بشأن ما كانوا يقومون به ولم يهتموا بنتائج العملية. وهم قد يقومون اليوم بعملية تحويل نظر جديدة، ربما، أو عملية إستباقية للتخلّص من قدرات تشكل أخطارا على تطلعاتهم وخططهم المستقبلية. من هنا فإن الإيرانيين يمكن أن يخططوا لشن هجوم مفاجئ على إسرائيل كما حدث في 2006 ولكن برد فعل أقوى بكثير مما قاموا به في تلك الحرب لأنهم هم أيضا، وكما فعل الإسرائيليون، درسوا القدرة الجوية الإسرائيلية التي يهدد الكثيرون باستعمالها لضرب مفاعلاتهم النووية وهم سوف ينهكون هذه القدرة بضربات صاروخية تشل المطارات العسكرية الإسرائيلية في أول ضربة كما كانت إسرائيل نفسها فعلت بالمطارات المصرية في حرب 1967، وبينما لا يملكون بعد حرية التصرف بالأسلحة الصاروخية على الأراضي السورية، فإنهم يملكون هذا الحق في لبنان، ومن هنا فهم طلبوا من حليفهم السوري تدريب حزب الله على هذه الصواريخ وطلبوا منه تسليمهم عددا منها.

إذا كان المحلل العسكري يضع في طروحاته أن حزب الله هو في موقف دفاعي وأن الخطر يأتي من إسرائيل فهو على حق أن يقول بأن هذا الحزب لا يحتاج إلى صواريخ يصل مداها إلى أكثر من 250كلم، ولكن إذا ما كان حزب الله في لبنان جزءً أساسياً من المنظومة العسكرية الإيرانية ويشكل رأس الحربة في شل الدولة النووية الوحيدة في المنطقة التي قد تشكل خطرا على مشاريع إيران المستقبلية، فإن تزويد حزب الله بصواريخ قادرة على ضرب مطارات إسرائيل العسكرية في صحراء النقب والتهديد بضرب مفاعل ديمونة هو حاجة ملحة، واستعمالها أساسي في الخطة الإيرانية لمنع تهديد برنامجها النووي بالتوقف.

يبقى أن الموقف السوري لن يكون بمنأى عن هذه التطورات ولا هو بقادر على تجنب مفاعيل الرد الإسرائيلي من هنا فإن الأمريكيين والإسرائيليين سارعوا إلى تنبيه سوريا من خطورة هذا التصرف وربما قبل أن يقوم السوريون به لأنه يشكل بالفعل إخلال بموازين القوى. فهل يرتدع السوريون ويسحبون الصواريخ كما فعل الروس أثناء الأزمة الكوبية أم أنهم يسعون هم أيضا إلى تغيير أسس اللعبة ويعتقدون بأنهم يلعبون لعبة رابحة ستمكنهم من الوقوف في صف المنتصر وتلقين إسرائيل درسا لن تنساه وربما كسر الهالة الأميركية سيما وأن الرئيس أوباما لم يبدي تحمسا شديدا لمساندة أية ضربة وقائية ضد إيران حتى الآن؟

الأسابيع القادمة تبدو حساسة في توازن القوى في الشرق الأوسط فهل تصمد الهدنة إلى ما بعد انتخابات الكونغرس الأميركي في الخريف القادم حيث من المتوقع أن تتقلص هوامش تحرك الرئيس في حال تغيّر الأكثرية في الكونغرس، أم أن المخططين الإيرانيين سيستغلون الوقت الضائع هذا لافتعال أحداث تسمح لهم بالقيام بضربة وقائية تمنع الإسرائيليين من مجرد التفكير بخطة لوقف برنامجهم النووي وتشغلهم بالاستعداد لحماية النفس بدل التصرف كوكيل قادر وموثوق به للقوى العالمية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط؟���

الانفصال كخيار ديموقراطي/ نقولا ناصر

(انفصال جنوب السودان سيكون "قفزة في الظلام" إلى المجهول السوداني شمالا وجنوبا)

عندما تذهب الديموقراطيات الغربية إلى حد إعلان الحرب داخل دولها كي تمنع أقليات قومية فيها من الانفصال باعتبار الانفصال ليس حقا ديموقراطيا عندما يهدد وحدة أراضيها الإقليمية وسياداتها الوطنية، فإن ازدواجية معايير هذه الديموقراطيات تتجلى بأوضح صورها وهي تروج لمثل هذا الانفصال باعتباره حقا ديموقراطيا في العالم الإسلامي، وفي قلبه الوطن العربي الكبير، من تيمور الشرقية في إندونيسيا شرقا مرورا بأقطار عربية مثل العراق والسودان ووصولا إلى القوقاز والبلقان في أوروبا الوسطى والشرقية.



وبغض النظر عن كون المسوغات التي تسوقها بعض هذه القوميات للانفصال تمهيدا لاستقلالها مشروعة أم غير مشروعة، فإن ازدواجية معايير الديموقراطيات الغربية تكشف زيف سياساتها الخارجية ونفاقها وتعري شعار الديموقراطية الذي تصدره إلى العرب والمسلمين باعتباره مجرد عنوان، لم يعد يخدع أحدا، لمنع وحدة المنطقة حتى في حدها الأدنى المتثمل في التضامن بين دولها الأعضاء في منظمات إقليمية مثل جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ولإضعاف الحكم المركزي في دولها الوطنية تسهيلا للاحتلال الغربي المباشر أو للهيمنة الغربية غير المباشرة.



فعلى سبيل المثال، تغض هذه "الديموقراطيات"، وبخاصة الأميركية منها، الطرف عن حرمان الأقلية العربية في دولة الاحتلال الإسرائيلي من حقوقها في التعامل معها كأقلية قومية أو بمنحها حقوق المواطنة المتساوية بينما هي طوال عقود من الزمن تدعم سياسيا وإعلاميا وماديا وعسكريا حقوقا كهذه للأقلية الكردية في العراق أو الأقلية الإفريقية في السودان وتحرض الأقليات العرقية والدينية والطائفية والقبلية واللغوية في طول الوطن العربي وعرضه على الانفصال، سواء في إطار الاستقلال الكامل أو في إطار "الفدراليات" والحكم الذاتي، وفي وقت ما زالت الزعيمة الأميركية لهذه الديموقراطيات ترفض الاعتراف باللغة الاسبانية لغة رسمية ثانية لعشرات الملايين من مواطنيها الناطقين بها.



وكمثال آخر، لا تجد الديموقراطيات الأوروبية أي تناقض في إدعائها الدفاع عن حقوق الأقلية الكردية في تركيا كأحد الذرائع للمماطلة في ضمها إلى الاتحاد الأوروبي بينما تخوض الديموقراطيتان الفرنسية والإسبانية حربا ضروسا ضد أقلية الباسك، وبينما الديموقراطية البريطانية تخوض حربا عمرها قرون من الزمن لمنع تحرر إيرلندا الشمالية تمهيدا لعودتها إلى حضن الوطن الإيرلندي الأم.



وقد دعمت هذه الديموقراطيات جميعها ومعها "الديموقراطية الإسرائيلية" طبعا "حق" السودانيين الجنوبيين في الانفصال كحق ديموقراطي. والمفارقة أن الديموقراطية البريطانية عندما كانت تستعمر السودان هي التي سنت "قانون المناطق المقفولة (المغلقة)" الذي حاصر السودانيين الجنوبيين في منعزلات أشبه بتلك التي أقامتها الديموقراطيات الأوروبية للأفارقة من سكان البلاد الأصليين في جنوب إفريقيا عندما كانت هذه الديموقراطيات ترعى نظام الفصل العنصري هناك، قبل أن يختار مؤتمر جوبا عام 1947 الوحدة مع الشمال ليكفل حرية التنقل بين جنوب السودان وشماله، لتنصهر القبائل العربية والإفريقية بعد ذلك في تعايش سلمي كانت العروبة عنوانه ولغته بينما اللون الإفريقي هو لون بشرة كل شعبه تقريبا، قبل أن تتدخل الديموقراطيات الغربية لضرب وحدته بالتفريق المستحيل على أساس لون البشرة وبنشر لغة أوروبية في الجنوب يستحيل بحكم الأمر الواقع أن تتحول إلى أساس مقنع للانفصال وإلا لحق لكويبك الكندية أن تنفصل أو حق لانفصال لأربعين مليون أميركي تقريبا يتكلمون الاسبانية أو حق للناطقين باللغات الرسمية الثلاث في سويسرا تفكيك دولتها إلى ثلاث دول، وقس على ذلك في غيرها من دول الديموقراطيات الأوروبية.



لذلك لا يستطيع أي عربي حريص على وحدة السودان وعلى انتمائه لمحيطه العربي الإسلامي أن يجد أي عذر للقيادة السودانية في توقيع اتفاق يلزمها بقبول انفصال الجنوب السوداني على أساس أن الانفصال حق ديموقراطي من حيث المبدأ غير الرضوخ لأمر واقع ناجم عن اختلال موازين القوى العربية والإسلامية في مواجهة تدخل "الديموقراطيات الغربية" إياها، خصوصا وأن هذه الديموقراطيات ذاتها ترفض تطبيق هذا المبدأ في حدود سياداتها، ناهيك عن رفض مماثل لروسيا والصين وغيرهما من القوى الدولية غير المحسوبة على "المعسكر الغربي".



وقد كانت مفارقة حقا أن يتساوق داعية قومي قيادي معروف للوحدة الوطنية والعربية مثل الزعيم الليبي معمر القذافي مع مبدأ الانفصال كحق ديموقراطي ليعلن أنه سيؤيد انفصال الجنوب السوداني ك"خيار منطقي" إذا "اختاره السكان" بالرغم من تحذيره في الوقت نفسه من ان الجنوب سيكون في هذه الحالة دولة ضعيفة ومستهدفة من القوى الدولية، بينما يعارض رئيس تشاد غير العربي إدريس ديبي أي انفصال كهذا باعتباره "كارثة" ليعلن: "إنني أقولها بصوت مرتفع: أنا ضد هذا الانفصال" لأن انفصال الجنوب السوداني سيفتت السودان ويجعله "سابقة سلبية في القارة الإفريقية".



ومن المتوقع أن يتفق معه قادة "الاتحاد الإفريقي" الذي قام أصلا على مبدأ الحفاظ على الوضع الراهن الذي تمخض عن الاستعمار الأوروبي للقارة لأن تغيير هذا الوضع سيفجر الكيانات السياسية الإفريقية مزقا وشظايا، ليتساءل المراقب عامة لماذا ينبغي أن تكون دولة عربية كالسودان هي السباقة إلى تفجير الوضع الراهن في القارة السوداء بسابقة الاعتراف بالانفصال كحق ديموقراطي، وليتساءل المراقب العربي بخاصة عن مضاعفات تبني دولة عربية رئيسية كالسودان لمثل هذا المبدأ على بقية الوطن العربي!



لقد ثار غضب الحركة الشعبية لتحرير السودان عندما صرح مفوض الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية السابق خافير سولانا في الثاني من الشهر التاسع العام المنصرم بأن "من الهام جدا أن يكون السودان موحدا"، فأدانته وتصريحه، لكن دعاة الانفصال في الجنوب السوداني يجب ألا يراهنوا كثيرا على تأييد الديموقراطيات الغربية لانفصالهم المأمول، ولهم عبرة في رهان دعاة الانفصال بين الأكراد العراقيين على هذه الديموقراطيات التي سرعان ما نكثت بوعودها لهم بدعم انفصالهم بمجرد أن انتهت حاجتها إليهم كأداة لتفكيك الدولة العراقية المركزية وبعد أن لم تعد بحاجة إليهم كجسر لاحتلال وطنهم الموحد.



إن المخاطر الكامنة في انفصال الجنوب السوداني على السودانيين بعامة لكن بصفة خاصة على الجنوبيين منهم ينبغي أن تذكرهم بمؤسس الحركة الشعبية الراحل جون قرنق المعروف عنه مناصرته للوحدة ومعارضته للانفصال، مما يثير أسئلة عما إذا كانت وفاته نتيجة حادث كما أكدت التقارير الرسمية. إن مطالبة المجلس التشريعي لجنوب السودان في حزيران / يونيو 2009 بتدخل مصر لإنقاذ وحدة السودان من الانهيار وتأكيد رئيسه مارتن تاكو موي على تمسك الجنوبيين بخيار الوحدة، وتأكيد نائب الرئيس سيلفا كير بأن "ما تم الاتفاق عليه" في اتفاق السلام الشامل (نيفاشا) عام 2005 "يتمثل في وجود سودان موحد، مع وجود احتمال آخر للانفصال إذا لم يتم تفعيل الوحدة"، وتعهد الرئيس عمر حسن البشير المتكرر بشن حملة واسعة النطاق بعد الانتخابات لإقناع الجنوبيين بدعم الوحدة في الاستفتاء المقرر في التاسع من كانون الثاني المقبل، إنما هي وغيرها مؤشرات إلى أن تيار الوحدة قوي في الشمال كما في الجنوب السوداني.



وإذا سمح الشعب السوداني بالانفصال كحق ديموقراطي في الجنوب فإنه يؤسس للصيغة نفسها كي تسلخ عن بقية الوطن جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، إلخ.، و"الحبل على الجرار". إن الخطر الداهم جدير بدفع الشعب السوداني إلى تحوبل "استفتاء الجنوب" على مصيره إلى استفتاء وطني على مصير السودان في كل السودان، لا على مصير جنوبه فقط. والسؤال المشروع هنا هو: أليس من المشروع أن يستفتى كل السودانيين على تقسيم وطنهم أو وحدته، ولماذا تعطى أقلية فقط من السودانيين الحق في تقرير مصير الوطن بكامله؟



لذلك فإن موعد الاستفتاء المقبل هو استحقاق وطني ينبغي أن يكون اختبارا لوطنية كل الحريصين على السودان ووحدة أراضيه الإقليمية، مما يقتضي ترفع الحكم والمعارضة على حد سواء عن صغائر الحكم التي تمخضت الانتخابات عنها، لكي يوحدوا جميعهم كل طاقاتهم في جهد وطني موحد ومركز على هدف واحد فقط هو صيانة وحدة السودان، وإلا فإن انفصال جنوب السودان سيكون "قفزة في الظلام" إلى المجهول السوداني شمالا وجنوبا كما قال النائب الثاني للرئيس السوداني محمد عثمان طه.



فالوحدة هي قدر السودانيين. فتقسيم الثروة النفطية الناضبة إن عاجلا أو آجلا بالانفصال، وهي تمثل حوالي ستين في المائة من دخل حكومة الخرطوم و (98%) من دخل حكومة الحكم الذاتي في الجنوب، سيضعف مساهمتها في تنمية الجنوب والشمال إن وقع الانفصال، ناهيك عن أن المنفذ الوحيد لتصدير الجنوب لها بعد الانفصال هو الشمال فقط، كما قال سيلفا كير. وسوف يظل الشمال هو المنفذ الوحيد للجنوب إلى أمد غير منظور في كلتا الحالتين. كما أن الصراعات القبلية الدموية بين قبائل الجنوب التي عادت إلى السطح منذ توقيع اتفاق نيفاشا بعد ان غطى عليها صراع الجنوب مع الشمال طوال (22) سنة من الحرب الأهلية تنذر بصراع دموي طويل في أي دولة انفصالية في الجنوب. أما وجود قبيلة الدينكا الجنوبية في إقالم أبيي الشمالي ومراعي قبيلة المسيرية العربية في جنوبه إضافة إلى مئات الآلاف من الجنوبيين المقيمين في الشمال فهي مجرد أمثلة على استحالة الفصل بين جنوب السودان وشماله مما ينذر بعمليات تهجير ونزوح واسعة النطاق قد تنزلق إلى التطهير العرقي في حال الانفصال بكل ما يستتبع ذلك من مآس لن يسلم سوداني منها لا في الشمال ولا في الجنوب.

* كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*


العربية السعودية من دون نفوذ الولي الفقيه/ محمد علي الحسيني

وضع النظام الخميني ومنذ الأيام الاولى من وصوله الى سدة الحکم، دول الخليج بشکل خاص، والدول العربية بشکل عام، نصب عينيه من أجل أهدافه وأجندته السياسية والايديولوجية المختلفة، ولاسيما المتعلقة منها ببناء نظام سياسي-مذهبي يجعل من نظام ولاية الفقيه القوة الاکبر والاعظم نفوذا في المنطقة. ولم يأت تفکير نظام ولاية الفقيه بدول الخليج إعتباطا او لمجرد الصدفة، وانما لکون هذه المنطقة تعتبر شريانا حيويا للعالم مثلما يمکن إعتبارها قلب ورئة الوطن العربي، وان السيطرة عليها او التحکم بها من جانب او جوانب محددة، يمکن أن يعطي للنظام الايراني قاعدة اساسية وليس مجرد موطئ قدم يناور و يسايس و يراوغ من خلاله.

لقد کانت هنالك دوما ملفات خاصة بدول الخليج في الاوساط الامنية والاستخبارية الايرانية سيما لدى قيادة فيلق القدس ووزارة الاطلاعات الايرانية والاستخبارات العسکرية التابعة لوزارة الدفاع، وقد حاول النظام الايراني وعبر هذه المنافذ الامنية، تأمين مواطئ أقدام له"کبداية"في هذه البلدان والانطلاق من خلالها صوب إنجاز الاهداف التي يرنو إليها.

لقد کانت المملکة العربية السعودية ولازالت تشکل هاجسا سياسيا وعقائديا خاصا لنظام ولاية الفقيه، وأدرکت بأنها ومن دون تخطي وتجاوز هذه العقبة الکبيرة أمامها فإن الجزء الاکبر من برنامجها ومخططها الامني الخاص بالمنطقة، يصبح من المتعذر إنجازه او على الاقل تحقيق جانب ملموس منه، ومن هذا المنطلق، وضع نظام الخميني ضمن أولوياته التصدي المواجهة مع المملکة العربية السعودية وتحت ذرائع وحجج متباينة کانت من أهمها السعي لتسييس شعيرة الحج و جعلها مادة للمساومة و الابتزاز، وقطعا ان الموقف الحازم الذي أتخذته السلطات المعنية في المملکة ومعالجتها الحکيمة والمنطقية لذلك الموقف الغريب الصادر من جانب نظام ولاية الفقيه، دفعت الملالي الى زاوية ضيقة وحرجة، إذ أنهم وبعد أن سعوا لکي يظهروا المملکة العربية السعودية على أنها دولة ذات طابع طائفي ومعادية للشيعة، فإن الطاولة إنقلبت عليهم وجعلتهم في وضع قد لايحسدون عليه، إذ أن المملکة العربية السعودية وعلى الرغم من کثرة الخيارات المتاحة لديها لممارسة الضغط على نظام ولاية الفقيه(من خلال الايرانيين من أهل السنة في مناطق سيستان وبلوجستان وکردستان وترکمان صحراء و غيرها)، إلا أنها ومشيا على سياستها الخارجية التي بنيت اساسا على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للاخرين، فإنها لم تتجه إطلاقا وفق سياق سياسي أمني يتم من خلاله توظيف تلك الحالة لصالح أجندتها واهدافها السياسية.

النظام الايراني، ومع الاخفاق المستمر الذي لاحقه في صراعه الخفي ضد المملکة العربية السعودية خصوصا بعدما تصاعد الدور السعودي في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عربيا واسلاميا وعالميا وصار له أکثر من شأن ومع الفشل والاخفاق الذريعين اللذين لحق بهذا النظام على صعيد سعيه لإستخدام شعيرة الحج لأغراض سياسية، فإن نظام الملالي لم يتمکن من تقبل و إستساغة ذلك وانما لجأ الى مختلف السبل من أجل تضييق الخناق على المملکة العربية السعودية وجعلها على الاقل في الظل، ومن هنا، فقد حاول جاهدا الضغط والتأثير سلبا على العربية السعودية ولم يجد أمامه من سبيل سوى محاولة توظيف الورقة الطائفية"کدأبه دوما"من خلال بعض طلاب العلوم الدينية للوصول الى غاياته، وبهذا الاتجاه، طفق يعمل بکل مافي وسعه في سبيل زرع بؤر وخلايا تئامرية مشبوهة هنا وهناك بين أخواننا من الشيعة السعوديين، ولم تکن اطروحة حزب الله السعودي الذي رادف نماذج خليجية أخرى مشابهة تهدف فيما تهدف الى زعزعة أمن واستقرار هذه الدول بشکل خاص والمنطقة بشکل عام، لکن، وعلى الرغم من الحيطة والحذر والتکتم والسياج الاستخباري الذي ضرب على حزب الله السعودي ونشاطاته المتباينة، لکنه في نهاية الامر لم يتمکن من العمل بتلك الطريقة التي خطط لها نظام ولاية الفقيه خصوصا وان أجهزة الامن السعودية قد وقفت بالمرصاد وضربت بيد من حديد على کل تحرك يهدف الى الاضرار بالامن والاستقرار السعوديين، بيد أننا کمرجعية سياسية للشيعة العرب، في نفس الوقت، نحذر بشدة من النوايا الخبيثة والمبيتة لنظام الملالي حيث لانميل الى الاقتناع بأن هذا النظام سيدع المملکة العربية السعودية وشأنها وانه سوف يسلك مختلف السبل من أجل الوصول الى أهدافه العدوانية خصوصا في هذه الفترة.

لقد دعونا کمرجعية سياسية للشيعة العرب، خلال الاعوام الاربعة المنصرمة من عمر المجلس الاسلامي العربي الى الحذر من هذا النظام واحابيله وأکدنا في تصريحات وبيانات في مختلف المناسبات بأن نظام ولاية الفقيه قد وضع ضمن اولوياته إيجاد موطئ قدم له في المملکة العربية السعودية وان الطريق الامثل لکشف أحابيل ودسائس هذا النظام يکمن في نقطتين أساسيتين هما:
1ـ يقظة الاجهزة الامنية المختصة في السعودية وإتخاذها للحيطة والحذر اللازمتين من أجل کشف اوکار التئامر والتخريب المجندة من قبل نظام ولاية الفقيه.
2ـ توعية الاخوة الشيعة السعوديين وتحذيرهم من الافکار المنحرفة والمزاعم الباطلة التي يلجأ إليها نظام ولاية الفقيه من أجل إستغلال الورقة الشيعية في سبيل أجندته وأهدافه المريبة الخاصة.


*المرجع السياسي للشيعة العرب.

عند البعض نفايات، وعند البعض الآخر مناجم للذهب/ د. عبدالله المدني

يمكن القول أن العالم لم يمر في كل تاريخه بمرحلة كهذه التي نعيشها اليوم، سواء لجهة ظهور المخترعات والإكتشافات الجديدة المفيدة للبشرية، أو لجهة تسارع عملية تطوير وتحديث الموجود منها كي تعمل بفاعلية أكبر أو بطاقة أقل أو بشغل حيز أصغر.

ومعنى هذا أنه لا يمر عام إلا ويصبح الغريب والمبهر مما في متناولنا حاليا من أجهزة وآليات ووسائل تكنولوجية، قديم ويجب إحلاله بالجديد الأكثر تطورا. وهذا بدوره يحدث تراكما هائلا في صورة جبال من الأجهزة العتيقة، أو ما أصطلح على تسميته بإسم "النفايات الإلكترونية" الخطيرة على صحة الإنسان وسلامته، والمسببة للعديد من الأمراض (مثل السرطان و أمراض الجهاز التنفسي) بسبب المواد والمركبات الكيميائية التي تحتويها، إن لم يسع المرء للتخلص منها بالطرق الصحيحة.

في الماضي كانت تلك النفايات محصورة في مصابيح الإضاءة المعطبة، أو البطاريات منتهية الصلاحية، أو زيوت السيارات وإطاراتها المستهلكة، أو العبوات الزجاجية والبلاستيكية الفارغة، أو أشرطة الأفلام التالفة. غير أننا نجد أنفسنا اليوم أمام تحد من نوع آخر هو كيفية التخلص من أطنان من أجهزة الكومبيوتر والتلفزة والتسجيل والهواتف النقالة ، والأقراص المدمجة والصحون اللاقطة للفضائيات، وذلك بسبب ما تطرحه وتسوقه مصانع الدول المتقدمة كل عام من أجهزة أكثر حداثة وتطويرا من سابقاتها، أو أسهل نقلا، أوأصغر حجما. وبطبيعة الحال، فإن هذا التحدي سوف يتضاعف في المستقبل القريب بفضل التطورات الجارية في علم "النانو تكنولوجي" أو علم التقنيات التكنولوجية متناهية الصغر.

بعض الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة واليابان وتايوان وألمانيا أوجدت حلولا لهذه المشكلة، فأصبحت "النفايات الإلكترونية" بالنسبة لها عبارة عن مواد خام يمكن إعادة تصنيعها وتدويرها وبالتالي مصدرا جديدا من مصادر الدخل. لكن الوضع مختلف تماما في مجتمعات الدول النامية، التي يكاد الوعي البيئي والصحي فيها أن يكون منعدما تقريبا إلى الحد الذي لم يسمع معها مواطنوها بعد بمصطلح "النفايات الإلكترونية" وأضرارها،.

في هذا المقال سنركز تحديدا على التجربة التايوانية في التعاطي مع هذه المشكلة، وهي تجربة مستمدة إلى حد ما من التجربة اليابانية، وذلك من خلال الحديث عن شخصية رائدة في هذا المجال هي "وو ياو صن" صاحب مؤسسة "سوبر دراغون" أو التنين العظيم. هذه المؤسسة التي تعتبر اليوم من أضخم مؤسسات تدوير "النفايات الإلكترونية"، كونها إستطاعت في عام 2008 وحده من إستخراج ما يزيد عن 46 ألف كيلوغرام من المعادن من بطون الأجهزة الإلكترونية التي تخلى عنها اصحابها، فكونت من تلك الكمية وحدها ثروة زادت على أربع بلايين دولار تايواني أو ما يعادل 127 مليون دولار أمريكي.

لقد إكتشف الرجل وغيره من التايوانيين أنهم ليسوا إزاء جبل من النفايات، وإنما أمام "منجم من الذهب"، وهو المصطلح الذي بات يطلق على المواد التي يمكن إستخراجها من الأجهزة الإلكترونية العتيقة أو المعطوبة، ولا سيما الرقائق المعدنية والفضية ونترات الذهب، علاوة على مواد أخرى مثل البوتاسيوم والمنغنيز و البالاديوم والسيانيد وغيرها، مما يمكن بقليل من الجهد والتخطيط والمال إستخدامها في إنتاج أجهزة جديدة.

يقول "وو صن" الذي إنتقل من البؤس والفاقة إلى واحد من أغنى أغنياء تايوان خلال أقل من ثلاثة عقود، بفضل دخوله مجال تدوير "النفايات الإلكترونية" في مقابلة صحفية أجريت معه مؤخرا:"لقد كنت معدما في صغري إلى الدرجة التي لم أجد معها ما يسد رمقي من الطعام، فإمتهنت وأنا لا أزال في مرحلة التعليم الإبتدائي مهنة جمع الزجاجات الفارغة من الحقول وبراميل القمامة". و يضيف: "إضططرت من أجل تحسين دخلي ومستواي المعيشي أن أهاجر من مسقط رأسي في مدينة "تيكسي" إلى العاصمة "تايبيه". وفي الأخيرة إشتغلت في مهن عديدة. فمن عامل في محل للمجوهرات، إلى سائق سيارة أجرة، فإلى مالك لإحدى المطاعم الصغيرة، فمستثمر في إحدى شركات صناعة البلاستيك".

أما النقلة الكبرى في حياته فقد حدثت - حسبما قال - في عام 1987 حينما كان في سن الخامسة والثلاثين، حيث أسس شركة صناعية لتدوير النفايات بمدخراته ومدخرات زوجته. لكن تلك المدخرات لم تكن كافية وقتذاك لشراء آلات جديدة، الأمر الذي جعله مضطرا لإستخدام الآلات المستعملة في البداية.

لم يكن المال وحده هو العقبة في هذا المنعطف الهام من حياته، وإنما واجهته، كما يروي، عقبة توفير الأيدي العاملة وتوظيفها. "كان الجميع يخشى العمل في مثل هذه المصانع بسبب وجود وعي قوي لديهم حول خطورة النفايات الإلكترونية على صحة الفرد والمجتمع. علاوة على ذلك، كان الكثيرون ينظرون إلى العمل في مصانع تدوير النفايات كعمل حقير أو غير مشرف بل مشابه لعمل من ينبشون القبور".

في ظل تلك التحديات إعتمد "وو صن" وزوجته على نفسيهما في إدارة مصنعمها وتشغيله. ورغم ما كابداه من عناء ومشقة، فإنهما لم يتوقفا قط، وظلا يعملان لعقد متواصل من الزمن، قبل أن يحققا بعض الأرباح ويبنيا في الوقت نفسه جسورا من العلاقات مع بعض المصانع المماثلة في اليابان.

يقول "ووصن": "لم تكن في تايوان في التسعينات التقنيات المطلوبة لتحويل النفايات الإلكترونية إلى مواد أو سلع يمكن إعادة إستخدامها، لذا كنت أجمع تلك النفايات وأقوم بتصديرها لليابانيين الذين كانوا أقدر منا على تحويلها إلى أشياء نافعة وجني الأرباح الكبيرة من ورائها. لكني لم أفقد الأمل في الحلول مكان اليابانيين، فطلبت المساعدة التكنولوجية من "معهد أبحاث تكنولوجيات التصنيع" التابع للحكومة التايوانية، لكن الأخير – بسبب تبعيته للدولة، وبيروقراطيته الجامدة، وتركيزه على إعتبارات محددة مثل مدى ربحية المشروع – لم يقدم المساعدة المطلوبة بالشكل المرغوب، مما دفعني إلى إستيراد الآلات والخبرات من ألمانيا واليابان، علاوة على تأسيس معهد تابع لشركتي من أجل تطوير مهارات العمل وتقديم الإستشارات الضرورية".

بعد ذلك وجه "ووصن" وفريقه أنظارهم نحو تأسيس فرع ضمن شركتهم مختص بالتعاطي مع النفايات غير الإلكترونية، وعلى الأخص العبوات الزجاجية الفارغة والمواد الصمغية. حيث وجدوا حلا لها يدر مداخيل لا بأس بها، وهو تحويلها إلى مسحوق ناعم قابل للإستعمال في صناعة طوب البناء. وهذا الأسلوب لئن كان مكلفا، فإنه الأمثل من الناحية البيئية.

واليوم بفضل تجربة "وو صن" الرائعة والمثيرة، إنتشرت مصانع تدوير النفايات الإلكترونية وغير الإلكترونية في جميع أرجاء تايوان حتى تجاوز عددها الرقم 1000 (نحو 95 بالمئة منها هي مصانع عائلية)، من بعد أن كان عددها لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة في الثمانينات حينما بدأ الرجل مشروعه. ويعود الفضل في نمو مثل هذه المصانع إلى مبادرة الدولة بتأسيس ما يعرف بإسم "الصندوق الحكومي لدعم عمليات إعادة التدوير".

من جهة أخرى، وطبقا لإحصائيات إدارة حماية البيئة في تايوان، فإن الأخيرة، باتت اليوم تعيد تدوير نصف إجمالي نفاياتها الإلكترونية، وبنسبة تفوق المتوسط العالمي بحوالي 15 – 30 بالمئة. هذا على الرغم من أن ظاهرة جمع النفايات الإلكترونية في هذا البلد الآسيوي، هي ظاهرة جديدة ولم يمض عليها سوى عقد من الزمن، بمعنى أن التايوانيين قبل ذلك التاريخ كانوا يشكون مثلا في إمكانية الإستفادة من حواسيبهم القديمة، أو حتى إمكانية تحويل بعض أجزائها إلى شيء نافع قابل للإستخدام مجددا.

أما الأمر الذي بات يقلق مضجع "وو صن" فليس منافسة المصانع الأخرى لمصنعه، وإنما عدم وجود منحى جدي لدى المستثمرين التايوانيين للإستثمار في تصنيع وتطوير الآلات اللازمة للقيام بعمليات التدوير وإعادة التصنيع. ولعل بسبب هذه المشكلة ينحو الكثيرون ممن دخلوا هذا المجال نحو جمع النفايات الإلكترونية وشرائها بقصد بيعها وتحقيق بعض الفوائد الضئيلة من ورائها ، دونما إستشعار بمخاطر تلك العملية والمتمثلة في قيام المشتري بإزالة ما يحتاجه من الجهاز الإلكتروني، ثم دفن الباقي في الأرض أو إحراقه في الهواء أو إغراقه في مياه البحار والإنهار. وهذه كلها، بطبيعة الحال، أعمال تندرج ضمن أعمال تخريب البيئة و الإعتداء عليها.

إلى ذلك إشتكى "وو صن" في مقابلته الصحفية من الحظر الذي تفرضه الحكومة التايوانية على شركات البلاد العاملة في مجال تدوير النفايات الإلكترونية لجهة إستيراد تلك النفايات من الخارج بقصد إعادة تصنيعها، حتى وإن كانت عبارة عن مخلفات لأجهزة إلكترونية صدرتها تايوان نفسها إلى الخارج، قائلا: "لا أفهم كيف أن الصين تسمح لشركاتها البتروكيميائية بإستيراد النفط الخام لتصفيته وتحويله إلى منتجات متنوعة، بينما يحظر علينا إستيراد ما صدرناه من أجهزة إلكترونية كي نستخلص منها المواد الخام التي وضعناها بها".

ويضيف: "أن مثل هذه السياسات قد تجبر الكثيرين من أصحاب مصانع تدوير النفايات الإلكترونية في تايوان على نقل أعمالهم إلى البر الصيني، أو الإستثمار في أنشطة مماثلة هناك، خصوصا في ظل التطورات الإيجابية الأخيرة على صعيد الروابط الثنائية ما بين بكين وتايبيه في مجالات التبادل التجاري والإستثمار المشترك وحركة النقل والإتصالات.


د. عبدالله المدني
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية من البحرين
تاريخ المادة : أبريل 2010
البريد الإلكتروني:elmadani@batelco.com.bh

وراء الاستطلاع ما وراءه/ د. فايز أبو شمالة

لا براءة لمستطلع رأي، ولا تجري استطلاعات الرأي لأجل المعرفة البحثية فقط، وإنما وراء الاستطلاع ما وراءه من تنظير فكري، وهدف سياسي، وقد تبدى ذلك بوضوح في آخر استطلاع للرأي أعده مركز القدس للإعلام والاتصال، حيث سئل المستطلعون حول أفضل السبل لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة، فكانت النتيجة؛ أن (43.7%) من المستطلعين مع المفاوضات السلمية، وجاء الكفاح المسلح بنسبة تأييد (29.8%). وهنا أتشكك في هذه النسب التي يبنى عليها مواقف سياسية، وأزعم أنها هدف الاستطلاع، وذلك للأسباب التالية التي جاءت في استطلاع الرأي نفسه:
الأول: انخفاض نسبة الذين يعتقدون بأن سياسة "أوباما" ستزيد من فرص الوصول إلى سلام عادل من 35،4% قبل عشرة أشهر، إلى 9،9% في شهر نيسان الحالي. فكيف تتواءم هذه النسبة التي فقدت الثقة بأمريكا مع نسبة تزايد المؤيدين لنهج المفاوضات.
الثاني: فيما يتعلق بالخلافات الأمريكية الإسرائيلية حول الاستيطان، فإن نسبة 78،7% من الفلسطينيين لا يرون فيها خلافات جادة. وهذا خير شاهد على أن الذي لا يثق بالسياسة الأمريكية تجاه السلام لا يؤيد خط المفاوضات فقط.
ثالثاً: جاء في الاستطلاع أن نسبة (21.9%) مع المقاومة السلمية لإنهاء الاحتلال، وأزعم أن هذه نسبة دقيقة، وهي النسبة الحقيقية لمؤيدي خط المفاوضات.
رابعاً: كيف يكون 43،7% من الفلسطينيين مع خيار المفاوضات السلمية، وقد جاء في استطلاع الرأي نفسه أن نسبة الذين يعتقدون أن عملية السلام ما زالت حيه، مع إمكانية استئناف المفاوضات انخفضت من (25.1%) في شباط 2006 إلى (18.4%) في نيسان الحالي. فأي نسبة نصدق يا مستطلعي الرأي؟
أزعم أن استطلاع الرأي الذي أجرته وكالة "سما" للأنباء، فيه مصداقية رأي عام فلسطيني، حول موضوع تنفيذ حكم الإعدام بالعملاء، وفيه جواب شافٍ حول مزاح الشارع الفلسطيني، حيث عبر 58،5% عن تأييدهم تنفيذ حكم الإعدام بالعملاء، دون موافقة رئيس السلطة الفلسطينية السيد عباس، ولكن استطلاع رأي الذي أجراه مركز الحرية للدارسات واستطلاعات الرأي في قطاع غزة، قد أظهر نسبة أعلى تصل إلى 86% من الفلسطينيين مع التنفيذ، وفي تقديري أن السبب في ارتفاع هذه النسبة عن سابقتها يعود إلى صيغة السؤال الذي طرحته وكالة "سما" حول موافقة الرئيس لتنفيذ الإعلام. وفي ذلك دليل على أن الفلسطينيين ما زالوا ينتمون بأغلبيتهم إلى خط المقاومة، وضد أي تعاون أمني مع المخابرات الإسرائيلية.

جائزة نوبل لسلام الشجعان/ د. فايز أبو شمالة


تشجعوا، وتصرفوا مثل السادات، والملك حسين، وإسحق رابين، بهذه الكلمات يستحث "جميس جونز، مستشار الأمن القومي الأمريكي، رؤساء وملوك العرب للبدء بالمفاوضات مع إسرائيل، بعد أن أعتبر أمن إسرائيل حيوي لأمن الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن اللافت في كلام المستشار الأمريكي؛ أنه لم يضرب المثل بالشهيد ياسر عرفات، لقد أسقط اسمه متعمداً، وهو الذي وقع على اتفاقية أوسلو، وتسلم جائزة نوبل للسلام، والتي يفترض أن تكون وثيقة براءة، أو شهادة حصانة تؤهل حاملها دخول المجتمع الدولي بسلام الشجعان.
تجاهل الشهيد أبي عمار من قبل مستشار الأمن القومي جاء ليؤكد أن السلام الذي تفتش عنه أمريكا وإسرائيل يختلف عن السلام الذي يسعى إليه الفلسطينيون، إن السلام الأمريكي المطلوب هو من النوع الذي يعطي لإسرائيل كل ما تريد، ويترك الفلسطينيين يلعقون أحزانهم في الميدان، ويجردهم من أهم عناصر قوتهم، وتواصلهم مع أمتهم العربية، وتكاثفهم مع أمتهم الإسلامية.
ولما كان الرئيس الفلسطيني أبو عمار قد أدرك مصيدة أوسلو التي وقع فيها، ووقع عليها، فقد قرر التوقف، وجف القلم في يده، وجفل عن التوقيع في قمة كامب ديفيد الثانية، لذلك حوصر، وتمت تصفيته على مرأى ومسمع من اللجنة التي منحته جائزة نوبل للسلام، وبهذا يكون أول إنسان حامل لهذه الجائزة، تتم تصفيته بتهمة الإرهاب، أو الإحجام عن دخول مصنع السلام الأمريكي، والتفريط بحقوق الشعب الفلسطيني.
في المقابل؛ فإن جائزة نوبل" للسلام كانت الشفيع لليهودي "إيلي فيزل" أو ربما الذريعة لينشر إعلاناً كبير الحجم في الصحف الأمريكية، يدعو فيه الإدارة الأمريكية إلى إرجاء التفاوض على القدس إلى مرحلة متأخرة، ويدعو إلى الكف عن الضغط على إسرائيل، وينتقد الإدارة الأمريكية على تحمليها إسرائيل مسئولية عدم استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين.
الإعلان الذي نشره "إيلي فيزل" مع رئيس الكونغرس اليهودي العالمي، وكلاهما مقرب من "نتانياهو" جاء ليؤكد الإجماع اليهودي على اغتصاب القدس، وأن وقف تهويدها من خلال المفاوضات أمر مستحيل، ولا يسمح لأي كان أن يصر في طلب وقف التوسع الاستيطاني، ليصير السلام الذي تنادي فيه أمريكا هو سلام ضاغط على العرب، ويلبي المصالح الإسرائيلية. إنه سلام الشبهة، وليس سلام الشجعان.

بين زيمبابوي وفلسطين/ نقولا ناصر


احتفلت زيمبابوي في الثامن عشر من الشهر الجاري بالذكرى السنوية الثلاثين لاستقلالها وتحررها من الاستعمار الاستيطاني البريطاني بقيادة حكومة وحدة وطنية تسعى جاهدة لفك حصار فرضه عليها منذ عام 2002 التحالف الغربي نفسه الذي يفرض الحصار على قطاع غزة الفلسطيني حاليا (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا).



ومع أنه لا يمكن المقارنة بين زيمبابوي الحرة والمستقلة وذات السيادة بعد أن ألقت ثورة شعبها بالمستوطنين الغربيين الغزاة ودولتهم "روديسيا" إلى مزبلة التاريخ وبين فلسطين التي ما زالت تكافح من أجل حريتها واستقلالها وسيادتها، وبالرغم من أن معركة زيمبابوي هي مع بقايا الاستعمار الاستيطاني البريطاني "الأبيض" الذي فجر أزمة اقتصادية وطنية دفاعا عن مصالحه قادت بدورها إلى فرض الحصار الغربي دفاعا عنها، بينما معركة فلسطين هي مع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني المستشري الذي تحول قسم منه إلى دولة بينما يهدد القسم الأحدث منه الطموح الوطني الفلسطيني إلى دويلة فوق الجزء الذي احتلته هذه الدولة عام 1967، فإن هذه الفروقات الجوهرية ومثلها أوجه شبه بين الحالتين جديرة باستخلاص بعض العبر.



إذ بالرغم من العنف والدماء التي سالت في الصراع بين الرئاسة في زيمبابوي وبين المعارضة فإن الطرفين اتفقا على الامتثال لنتائج الانتخابات الأخيرة وألفا حكومة وحدة وطنية يرأسها زعيم المعارضة التي تحكم البلاد حاليا، بينما انقلبت الرئاسة الفلسطينية على نتائج الانتخابات الأخيرة وحرمت المعارضة الفائزة في الانتخابات من الحكم مما قاد إلى العنف والدماء ثم إلى الانقسام الراهن.



ومع أن علاقة الرئاسة مع التحالف الغربي في كل من الحالتين معكوسة ـ ـ إذ يستهدف التحالف الغربي التخلص من الرئيس روبرت موغابي في زيمبابوي كما تخلص من الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات بينما يستهدف هذا التحالف تعزيز مركز الرئيس محمود عباس وإضفاء الشرعية عليه حتى بعد انتهاء ولايته الدستورية ـ ـ فإن هذا التحالف لم يرفع الحصار لا عن زيمبابوي ولا عن فلسطين عندما أصرت القوى السياسية في البلدين على وحدتها الوطنية.



فالحصار ما زال مضروبا على زيمبابوي بالرغم من رئاسة المعارضة لحكومة الوحدة الوطنية فيها اليوم وهي التي تتبنى علنا برنامج التحالف الغربي (الإصلاح، حكم القانون، التنمية الاقتصادية، بناء مؤسسات البنية التحتية وغيرها من العناوين التي يألفها الفلسطيني في برنامج حكومة د. سلام فياض برام الله) تماما مثلما استمر الحصار على حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية بالرغم من تبني الرئاسة علنا أيضا لبرنامج التحالف الغربي وبالرغم من الاتفاق على حصر التفاوض السياسي بها وفريقها هو الخاسر في الانتخابات.



والأرجح أن يواصل التحالف الغربي حصاره لحكومة الوحدة الوطنية في زيمبابوي حتى إسقاطها أو ترضخ "موحدة" لشروطه مثلما فعل هذا التحالف في الحالة الفلسطينية حيث لم ترضخ حكومة الوحدة الوطنية لشروطه فكان إسقاطها هو البديل، بتعاون من الداخل الفلسطيني عز نظير له في زيمبابوي حتى الآن.



لقد حول الحصار زيمبابوي التي كانت تصدر المواد الغذائية إلى عالة على المعونات الإنسانية الدولية، كما هو حال قطاع غزة الفلسطيني اليوم، لكن الحصار في زيمبابوي لم يكن حجة للمعارضة التي تتبنى برنامج التحالف الغربي للانقلاب على الوحدة الوطنية، بل إنها تتمسك بهذه الوحدة باعتبارها السلاح الأهم لإنهاء الحصار وباعتبار إنهاء الحصار هو الأرضية السليمة لتطبيق برنامجها وباعتبار الأمرين المرجعية الوحيدة ذات المصداقية لشرعيتها، بينما في الحالة الفلسطينية اختار الفريق المتبني لبرنامج التحالف الغربي الاصطفاف إلى جانب هذا التحالف كمرجعية للاعتراف بشرعيته بدلا من الوحدة الوطنية.



وبالرغم من الحصار تحظى حكومة الوحدة الوطنية في زيمبابوي بشرعية شعبية واسعة مثل تلك التي حظيت بها نظيرتها الفلسطينية قبل إسقاطها ومثل الشرعية التي سوف تحظى بها بالتأكيد أي حكومة وحدة فلسطينية يسعى التحالف الغربي إلى منعها بكل الطرق.



وربما تجد المعارضة في زيمبابوي في الحالة الفلسطينية عبرا لها، حيث لم يقد رضوخ الرئاسة الفلسطينية لشروط التحالف الغربي إلى رفع الحصار عن كلا طرفي الاستقطاب الداخلي، وإن كان الحصار على أحدهما كاملا وخانقا وعلى الثاني انتقائيا ومشروطا وبالتالي مخففا فقط، كما لم يقد هذا الرضوخ إلى أية مكاسب سياسية للرئاسة يمكنها في الأقل من موازنة الخسائر الوطنية الناجمة عن الانقسام، وبالتالي فإن "أصدقاء" التحالف الغربي في زيمبابوي فضلوا الوحدة الوطنية تحت الحصار على الانقسام الوطني بينما ما زال "أصدقاء" هذا التحالف في فلسطين يفضلونه على الوحدة الوطنية، حتى لو حوصر جزء من وطنهم وشعبهم حتى الموت البطيء، تعلقا منهم بأمل في أن يكافئهم حلفاؤهم لاحقا على خيارهم، وهو أمل تؤكد التطورات يوميا أنه وهم.



إن المعونات السخية التي تعهدت بها العربية السعودية لحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية وهي الراعية لاتفاق مكة الذي تمخضت عنه هذه الحكومة، ومثلها تعهدات قطر التي ما زالت تجهد لإحياء هذه الوحدة وحكومتها، وكذلك فتح أبوابهما وأبواب عربية أخرى كثيرة أمام كلا قطبي الانقسام الفلسطيني بالرغم من "الفيتو" الأميركي وبالرغم من العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وبين التحالف الغربي وعلمهما التام بمعارضة التحالف الغربي لهذه الوحدة وبالحصار الذي يرفعه سيفا مسلطا لمنعها .. إن كل ذلك وغيره من المؤشرات هو دليل كافي على أن مثل هذه الحكومة كانت تعد بالتغلب على الحصار إن عاجلا أو آجلا. بينما ما زال الانقسام الفلسطيني الراهن الناجم عن الرضوخ لشروط التحالف الغربي يعد فقط باستمرار الحصار وإن بدرجات متفاوتة بين أقاليم الوطن المحتل.



وهذا الوعد الكامن في الوحدة الوطنية هو ما تراهن عليه حكومة الوحدة في هراري لرفع الحصار عن زيمبابوي التي تجد في محيطها الإقليمي عوامل جيوسياسية مماثلة تعزز هذا الأمل، بالرغم من وجود قوى إقليمية تضغط في الاتجاه الآخر كما هو حال بعض دول الجوار الفلسطيني العربية.



إن تجربة الوحدة الوطنية في زيمبابوي تثبت بأن قبول الرئيس موغابي لبرنامج "الإصلاح" الغربي الذي تتبناه المعارضة لم يكن كافيا لرفع الحصار عن بلاده وأن المطلوب هو "تغيير النظام" بالكامل لرفعه، تماما مثلما لم يكن كافيا قبول الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ببرنامج الإصلاح الغربي نفسه لإنقاذه.



لذلك فإن على من يضغطون على حركة حماس (مصر مثلا على ذمة "الأيام" الفلسطينية في 9/4/2010) من أجل قبول شروط التحالف الغربي كشرط مسبق لرفع "الفيتو" الأميركي عن الوحدة الوطنية الفلسطينية أن يتعظوا بدرس زيمبابوي ليدركوا بأن رضوخ حماس لهذه الشروط لن يحقق الوحدة الوطنية أو يرفع الحصار عن القطاع أو يحرر الحصار المخفف في الضفة الغربية من الشروط نفسها حتى يتم خلق نظام فلسطيني مؤهل تماما للاستسلام الكامل لشروط "السلام الأميركي ـ الإسرائيلي"، ليصبح من نافل القول الاستمرار في تحميل حماس المسؤولية عن استنكاف التحالف الغربي حتى الآن عن مكافأة المفاوض الفلسطيني سياسيا على رضوخه الكامل لشروط هذا التحالف.



* كاتب عربي من فلسطين

nicolanasser@yahoo.com*