انتصرت غزة، وانهزمت فلسطين!/ د. فايز أبو شمالة

أما فلسطين المهزومة فهي الفضائية، تلك المحطة التي تحمل اسم فلسطين، والتي ظلت تبث برامجها من رام الله كالمعتاد حتى الثامنة والنصف، وكأن الذي يحدث على ظهر سفينة الحرية منذ الرابعة فجراً لا يخصها، وكأن الرقابة العسكرية الإسرائيلية التي حذرت على وسائل إعلامها نشر أي معلومة عن الجريمة التي نفذت على ظهر سفينة الحرية، طالت الفضائية التي تحمل اسم فلسطين، في الوقت الذي كانت فضائية الجزيرة، والجزيرة مباشر، وفضائية الأقصى، والفضائيات التركية، وبعض الفضائيات العربية والعالمية، تقوم بالتغطية المبكرة للجرائم الصهيونية، وتنقل بشكل مباشرة ما يدور من اقتحام، وتتابع المسئولين بالتحليل والتعليق والتعقيب. لتصحو فضائية فلسطين من غفوتها وقت الضحى، وتنضم إلى فضائيات العالم بعد أن تكشف الخبر وتغطى من كل الجهات!.
أما الذي انتصر في عرض البحر المتوسط فكانت فلسطين القضية، فلسطين الكرامة التي ترفض المذلة، فلسطين التي تعطي اسمها لمن يحافظ عليها، ويتقرب إليها، وتعطي بهاءها، وألقها لمن يدافع عنها، فلسطين التي تسقط من حسابها من يراهن على أعدائها، ويلتقي فيهم، ويصافحهم، ويقبّلهم، ويقبَلهم، ويفاوضهم. ويترك غزة في الحصار حتى صارت بصمودها عنوان الانتصار، وأضحت ابنه فلسطين المقاومة للغاصب، والمضحية التي تحتمل العذاب من أجل كل فلسطين، ليصير الدم الذي ينزف على تراب غزة، أو من أجل غزة عنواناً للإنسانية جمعاء، وإصراراً على رفض القرصنة، لتصير غزة المحاصرة تحاصر أعداءها، وتحرك الدم في عروق كل بني البشر الذين لم تخدعهم أكاذيب دولة القراصنة.
انتصرت غزة بأسطول الحرية الذي فضح دولة الصهاينة، الدولة التي اغتصبت وطناً من أهله، وسفكت دم الإنسانية على امتداد عشرات السنين، قتل خلالها الجيش الإسرائيلي عشرات آلاف الفلسطينيين والعرب، وهو يعاود اليوم تمثيل جرائمه بالطريقة ذاتها التي زهقت فيها أرواح أطفال مدرسة بحر البقر في مصر، وبالرصاص الإسرائيلي ذاته الذي فجر الطائرة الليبية، والأوامر العسكرية ذاتها التي اقترفت مجزرة "قانا" في الجنوب اللبناني، هذا هو السلاح الإسرائيلي المدعوم من أمريكا، والذي يدوس على كرامة الأمة العربية، ويتفنن في هوانها، وانتهاك حرماتها، وهدم مقدساتها، هذه هي دولة القراصنة التي صالحها بعض العرب، ويتفاوض معها البعض للتغطية على عورتها، وتجميل صورتها.
لقد انتصرت غزة بعد أن مزجت دمها الفلسطيني بالدم العربي والإسلامي والإنساني، ليموج البحر المتوسط بالغضب الذي سيعصف حتماًً بدولة القراصنة.

**

خلّي عندك عقلْ!

ما نوع السيارة التي يركبها أولادك؟ ما الوظائف التي يشغلونها، وفي أي مؤسسة؟ ما الشركات التي يديرونها؟ كي يبلغ حسابهم في البنوك؟ وكم كان معدلهم في الثانوية العامة، قبل أن تهيئ لهم فرصة الدراسة في أوروبا؟ هل لأولادك عمل يمارسونه أم يتلقون رواتبهم وهم على فراش الوظيفة؟ هذه أسئلة وغيرها تدور في رأس كل فلسطيني يقف أمام أي شخصية قيادية، أو سياسية فلسطينية، ينظر في عينيه، ويراجع في سرّه سيرة أولاده المالية والوظيفية، ويتفحص دمهم الذي يطفح من وجوههم استخفافاً بكل تضحية، وحديثاً كاذباً عن العدل الاجتماعي، وعن تحرير فلسطين، وعن مستقبل الأجيال.
في فلسطين لا تحتاج إلى كثير شطارة كي تعرف الناس، يكفي أن تراقب أولاد المسئولين، لتعرف سيرة آبائهم، فالذي وسد ابنه التراب، يختلف عن الذي سوّد ابنه على رأس المؤسسات، وأعطاه وكالة الشركات، والذي ترك ابنه ينافس على فرصته الوظيفية كباقي الناس يختلف عن الذي انتقى أرقى الدرجات الوظيفية لأبنائه، والذي ترك أولاده يدرسون وفق قدراتهم يختلف عن الذي اشترى لأولاده شهادة بالمال، استثناءً، وعلى نفقة الوطن.
قل أين يسافر أولادك لأقول لك: من أنت؟ وقل لي ما عمل أولادك لأقول لك: من أنت؟ وقل لي كيف تزوج أولادك، وأين امضوا شهر العسل لأقول لك من أنت؟ هكذا يفكر معظم الفلسطينيين، ولكن بعضهم يبصر ابن المسئول وهو يمر بمركبته، ويدوس على أحلامهم، فيصفقون لظله: ويهتفون باسمه كي يغدق عليهم بعض القروش، هؤلاء هم سقط المتاع، أشباه الرجال الذين لا يعرف كوعه من بوعه. هؤلاء من فقدوا البصيرة، وتاهت عليهم الخريطة السياسية، والبرامج الفكرية، وضلوا الطريق الذي يحسبونه يفضي إلى فلسطين. فصاروا وقوداً لأبناء المسئولين، وأحذية على مقاس أقدامهم، وصاروا الهنود الذين قال فيهم رئيس وزراء بريطانيا "تشرشل: سأحارب حتى آخر رجل هندي؟
أيها المتعصب لتنظيم فلسطين بعينه، لا تكن هندياً، وانظر إلى أولاد المسئولين الذين تصفق لهم، ودقق في سيرتهم، انظر إلى زوجاتهم، وإخوتهم، وأقربائهم، ومن لف لفّهم، أين هم؟ وكيف هم؟ ثم فكر قبل أن تجرح من أجلهم، أو تغضب لهم. وخلّي عندك عقلْ.

وخز الضمير والإنسانية المستريحة/ مصطفى محمد أبو السعود



كاتب من فلسطين

لو أن الإنسانية تباع وتشترى أو تهدى في الأعياد والمناسبات لتمكن الشعب العربي من حل كافة المشاكل التي سيطرت على حياته وأجبرته على أن يكون الرغيف هو فارس أحلام العذارى وفتاة أحلام الفارس، وبما أن هذه الفرضية صعبة التحقق فإنه يجوز لنا القول أن الإنسانية قد توقف نموها عند بعض أبناء جلدتنا بحكم تأميم مصانع إنتاج المشاعر ودخولها في مقتنيات الزعيم.

مرة أخرى يثبت أهل الضمير المتوجع والذين كان نصيبهم في الحياة ان يتقاسموا مع القاتل لونه ولغته والكثير من تفاصيل الحياة قهراً ،إلا أنهم اختلفوا معه في شئ مهم ألا وهو ان وخز الضمير، فالقلوب التي تحركت بداخلها أمواج بحور الإنسانية صممت على تحدي البحار بغضبها وعنفها وجمالها وهدوئها الحذر من غدر الساكنين فيها، حيث برهن القادمون على ظهر السفن صدق الحكمة القاتلة والقائلة بان وجود هدف لدى الإنسان يتطلب منه تجهيز نفسه ونفسيته وجنوده وقواه وحراسه لخوض الحروب العديدة ، فهم قد تجهزوا لذلك وأول الحروب التي خاضوها كانت هي فكرة مناصرة الإنسانية في غزة التي تموت على ضفاف ديمقراطية القرن الواحد والعشرين رغم وجود الكثير من المنقذين لكائنات البحر بأحدث وسائل الإنقاذ، حيث تأكد المتضامنون وأكدوا للعالم بأنه ليس من الممكن وفي حضرة مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان ان نسير على ظهر الحصان باتجاه وتسير مبادئ الديمقراطية مجرورة بعربة الحصان في الاتجاه الأخر.

إن الدافع لهذه الفئة على خوض غمار الإبحار إلى بلاد لا تهدأ فيها أمواج السياسة هو إثبات ان قادة الغرب لم يعودوا يمثلوا المزاج العام لأغلبية الشعب الأوربي خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية لأن إسرائيل أضحت مكشوفة بما لا شك فيه أنها دولة عنصرية ونازية .

إننا كشعب فلسطيني محاصر يسعدنا ألف مرة ان نحترم الذين جاءوا من وراء البحار ليعلنوا أنهم معنا ولا يسعدنا ابدأ التفكير في احترام الذين يتفننون في إيذاءنا ، فأهلا وسهلا بالقادمين إلى غزة فنحن أصحاب هذه الأرض وشعبها ، نعم نعشق الموت من أجلها لكننا نحب الحياة بين أحضان نخيلها وزيتونها وعنبها بكرامة ، والتغني بجمال سواحلها وسهولها ووديانها وجبالها وإلى أن ننال هذا الاستحقاق سنبقى نقاتل.

ليست دماء فلسطينية يا هؤلاء/ داليا مقداد

ربما كلماتنا لم تعد تجدي .. أو أنها لم تجد من يستمع إليها .. سنتخلى قليلا عن لغة الكلام..

ولنتساءل علنا نجد إجابات عن أسئلتنا!! ..

حينما دقت الحرية بابنا واقتربت من أن تكون بيننا .. انتظرناها بشوق .. فتحنا لها كل الأبواب .. وابتسمنا لها ابتسامة أسير يبحث عن ثغرة ضوء , أبى آخرون أن تكون هذه الحرية لنا..

نحن لم نجرؤ على المناجاة أكثر ,, طالبنا العالم بما يكفي بأن يتحرك ,, صرخنا بما يكفي وسمعوا نداءنا .. وعندما لبى أحدهم النداء سقط ضحية حتى قبل أن يصل لنا.

السؤال هنا .. ألا نستحق أن نعيش بحرية ؟؟

ألهذه الدرجة أصبحنا كالحشرات تسحق حينما أرادوا ذلك!!

الآن فقط عرفت أنه حتى الحرية تأسر هنا, ولا يحق لها أن تتحرك أينما أرادت , فهي أيضا فيروس خطير ليس له أن يعيش وعليهم أن يواجهوه قبل أن يتفشى بيننا ..

إسرائيل وحدها هيا من تستحق الحياة وهذه الأرض لا تستحق الحياة!!

ونحن هنا علينا أن ننتظر أن توقع إسرائيل على ورقة موتنا أو أن توقع على حريتنا

فكلنا أسرى لإسرائيل

ماذا ينتظر العالم أكثر .. في كل مرة كنا نقول أنه لا بأس فنحن فلسطينيين دماءنا رخيصة لا تستحق منهم أن يتكلموا ولكن هذه المرة ليست دماء فلسطينية يا هؤلاء

وليست رخيصة كما تظنون .. لا تستحق منكم هذا الصمت

حماس ليست غزة يا إسرائيل فاسمحوا لغزة بأن تعيش بحرية

أي جرم اقترفنا كي نبقى أسرى في هذا السجن الكبير !! أي ذنب فعلنا كي نذل ونهان ونذوق العذاب بشتى الألوان!!

لم يبقى سوى أن تقطعوا عنا الهواء فهيا افعلوها وأريحونا .. أم أن موتنا البطيئ يعجبكم

كدنا ننسى بأننا أحياء فأتوا كي يذكرونا بذلك ولكنهم دفعوا ثمنا غاليا , ضحوا بأنفسهم لأجلنا فبماذا نضحي يا ترى من أجلهم ؟؟؟ لا شيء فنحن لا نملك سوى الدعاء لهم..

ولكن العالم يملك كل شيء ويعجز حتى عن الدعاء لهم..

أين العدل في ذلك؟؟

عندما ظهر الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية أفير جندلمان قال بأنهم هم من بدؤا بإطلاق النار ونحن كنا نحمي أنفسنا من يصدق ذلك .. قلب الجلاد وأصبح هو الضحية ؟؟

يحتجون بالقانون الدولي بأنه يحق لهم مهاجمتهم حتى لو كانوا داخل المياه الدولية نظرا لقانون أنه إذا حاصرت دولة دولةً أخرى فلا يحق لأحد أن يقتحم حصارها.

أين هذا القانون من ما تفعلوه بنا أم أنكم تختارون منه ما أردتم وتستبعدون منه ما لم يعجبكم؟؟

ماذا سيحدث أكثر !! وماذا ينتظر العالم أن يحدث أكثر .. ربما ينتظر اختفاء غزة تماما عن الوجود وقتها ربما يحرك ساكنا .. أو ربما يقول ارتاحوا وأراحوا .. وهذا ما سيحدث فعلا..

إلى ذلك الحين سنبقى منتظرين ولنعلن بأننا نحن المنتصرين حتى لو طال الظلم سنين فحصارنا لا يزيدنا إلا إيمانا بأن الفرج قريب وما النصر إلا صبر ساعة ..

الغرب والإرهاب ... وجهان لعملة واحدة/ مجدى نجيب وهبة

** قد يتصور أقباط مصر وهم يعيشون فى خدعة كبرى أن حكومات الغرب سوف تتخذ موقف إيجابى وحاسم تجاه الإرهاب الذى يتعرض له الأقباط فى مصر ، بل تخيل البعض أن الوقفات الإحتجاجية والمظاهرات التى تجوب أوروبا قد تكون الوقود لتفاعل الحكومات الغربية مع قضايا الأقباط والضغط على الحكومة المصرية لإحترام عقائد الأخرين والضرب بيد من حديد على كل الخارجين عن القانون والتصدى للإرهاب والتطرف والتميز بين أبناء الوطن ، ولكن حتى لا يصاب البعض بالإحباط أو يتصور البعض منا أن الهدف من الكتابة هو الطعن على موقف هذه الحكومات النبيل والمؤيد لحل مشاكل القضايا القبطية ولكن ما دعانى إلى فتح هذا الملف هو ما وصلنى على الإيميل خبر يقول " أمرت السلطات المحلية فى بريطانيا كنيسة بتخفيض عدد المرات التى تعزف فيها الموسيقى أثناء صلوات أيام الأحد بعد أن إشتكى مسلم يقيم بالقرب منها من الضجيج وقالت صحيفة ديلى جراف أن الكنيسة الواقعة فى منطقة وولثمستو شرق لندن لا تستطيع الأن عزف الموسيقى أكثر من 20 دقيقة بعد أن أصدرت لها السلطات المحلية أمراً بتخفيض الضجيج وقد ساهم هذا الإجراء فى إبعاد نحو ثلاثة أرباع المصلين الذين يترددون عليها وأشارت الصحيفة إلى أن رجلاً مسلما يدعى بهاء الدين إشتكى للبلدية من أن الضجيج المنبعث من العزف الموسيقى بالكنيسة جعله غير قادر على إستخدام حديقة منزله أيام الأحد وأقلق راحة طفلته البالغة من العمر عاما واحدا وتساءل صديقى مرسل الخبر ماذا يحدث لو أن الذى قام بإرسال الشكوى رجلا مسيحيا إشتكى فى إحدى الدول المسلمة من أن الضجيج المنبعث من مكبرات الصوت فى الجامع جعله غير قادر على النوم فى منزله جميع أيام الأسبوع ؟!!
** ولذلك فمن خلال مقالنا ندعو صديقنا المسلم بهاء الدين صاحب الشكوى المستاء من العزف الموسيقى أن يبلغنا رأيه بعد قراءة المقال :
** فى فيلم "الإرهاب والكباب" كان الدافع وراء ثورة عادل إمام والمترددين على مجمع التحرير موظفا ملتحيا يتعمد الصلاة فى أوقات العمل الرسمية مهدرا ساعات العمل الطويلة وضاربا بمصالح المواطنين عرض الحائط .
** لقد تحول هذا المشهد السينمائى الساخر إلى ظاهرة عامة وحقيقية فى الأونة الأخيرة وتحولت صلاة الظهر إلى قميص عثمان الذى يستغل فى إضاعة وقت العمل وبدلا من مساجد الهيئات إمتلآت طرقات المصالح بالمصلين فى ظل تنامى الفوضى والتطرف وأسلمة كل ما يقابلهم فى جميع مؤسسات الدولة بل أن البعض يصلون فى كل الأوقات ويعوقون الحركة بين المكاتب فى وسيلة دعائية للمشاهرة بالصلاة أمام الجميع فى الوقت الذى خلت فيه معظم مكاتب الهيئات خلال أوقات الصلاة الرسمية إلا من القليل من الموظفين ، وللأسف إمتد هذا الوضع إلى معظم الأماكن الحيوية ، إنتقلت هذه الظاهرة إلى المحاكم كما شملت بعض السفارات الدبلوماسية وبعض الأماكن السيادية ومعظم أقسام الشرطة والإسعاف والمطافى وسائقى النقل العام ومن اللافت للنظر أن يشارك فى هذه الظاهرة بعض كبار المسئولين سواء بالمسجد أو بالأدوار والطرقات الخاصة بالصلاة حتى يركبوا الموجة على حد قولهم !!! ... ومن الوزارات للنقابات فبعد سيطرة التيار المتأسلم على النقابات فرضوا على جميع العاملين تعطيل العمل فى ساعات الصلاة ومثال ذلك نقابة المهندسين والأطباء والصيادلة والمحامين .. أما عن الأذان فى الجوامع والزوايا فقد طالب السيد وزير الأوقاف إلغاء الأذان من خلال مكبرات الصوت فى المساجد الصغيرة التى تقع أسفل العمارات وأيضا الزوايا التى لا تنطبق عليها صفة المسجد إلا أنه هوجم وإتهم بالكفر وقد رأى الكثير أن القرار يوجد به إجتراء على شعيرة مهمة تنبه الناس لحلول موعد الصلاة دون مراعات ما تسببه هذه المكبرات من أذى لمريض أو إزعاج لإنسان رغم محاولات الوزير التى طالب فيها أن يكون الأذان بالقدر الذى يسمعه الإنسان لا مبالغة فيه سواء كان ذلك بمكبرات الصوت أو عن طريق الإذاعة والتليفزيون ، وصرح أحد شيوخ المساجد بإحدى حارات منطقة الطالبية بالهرم أننا لن نترك مكبرات الصوت ولن نوقف الأذان فيه وسوف نستخدمه فى الاوقات الخمسة ، هذا بجانب ما تقوم به بعض محلات الكشرى والعصائر من تشغيل محطات الإذاعة للقرأن منذ الخامسة صباحا بدون توقف دون أدنى مراعاة للنائم أو المريض أو الطالب ، هذا بجانب إنطلاق حملة لسماع القرأن بإستخدام سماعات مكبرة للصوت فى الميكروباص وسائقة التاكسى والنقل ، فما رأى صديقنا بهاء الدين ؟!! .
** أما ما فعلته بلدية بريطانيا فليس بالغريب فى دولة تأوى وتحتضن الإرهاب منذ أكثر من ثلاثين عاما فتاريخها الإسود يفضح تلك السياسات المبتذلة فى عاصمة الضباب ... لقد إحتضنت لندن كوادر عديدة من الإرهابيين ومعظمهم مطالبين فى حكوماتهم بالقبض عليهم ومنهم ياسر السرى والشيخ عمر بكرى وعادل عبد المجيد وإبراهيم العيدروسى وأبو خالد الجزائرى وأبو الليث المغربى والإرهابى مصطفى كامل ومعظم هذه الخلايا تعمل بالأنشطة التجارية أو تعيش على إعانات بطالة ومن هذه الكوادر "أبا قتادة" الجزائرى الذى أفتى بأنه يجوز قتل النساء والأطفال ، لقد قدمت المخابرات البريطانية كل الرعايا والتدليل لهم ، ورغم ذلك أفتى بعضهم بقتلهم ، أبا حمزة المصرى أفتى بقتل السياح وعلى رأسهم البريطانيون وقد بارك مذبحة الأقصر التى كان أغلب ضحاياها من السياح البريطانيون ووصفها بأنها عمل شرعى وتمادت السلطات البريطانية فى بسط الحماية لهؤلاء الإرهابيين فقد تورط أبا حمزة المصرى فى أحداث اليمن ، ثم دافعت عنه الحكومة البريطانية بل أن أحد المسئولين البريطانيين ذهب إلى اليمن وطالب بالإفراج عن المتهمين الذين أدينوا فى هذه الأحداث وعلى رأسهم أبا حمزة المصرى وقد برر جريمته ببعض الأيات التى وردت فى القرأن بتبرير قتل السياح فقد عصم الإسلام أموال ودماء الناس بشيئين : عقد أمان أو عقد إيمان وغير ذلك فمال وعرض ودم الإنسان غير معصوم ، إن الله سبحانه وتعالى قال "فإذا إنسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم وإحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا فهذا عقد الإيمان أن يقول الإنسان " أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله" هنا يعصم ماله ودمه وهذا يؤيد حديث الرسول "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإن قالوها عصموا منى مالهم ودمائهم " ، أما عقد الأمان فهو أن يستاء منك ويكون ذلك بأحد طريقين إما أن يستاء منك كمسلم بعهد بينك وبينه أو أن تكون بينك وبينه ذمة ويدفع لك الجزية ويستند أبا حمزة المصرى لتبرير الإرهاب الدموى بقوله أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالإرهاب فى الأية " وإعدوا لهم ما إستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وأخرين من دونهم ؟ ... الغريب أنهم يعيشون وسط الذين يكفروهم ويفتون بقتلهم فى الوقت الذى ينعمون فيه بالجنسية والمال والحماية وهو ما جعلهم يرددون " نحن موجودين بأبداننا فقط وليس بقلوبنا وعقولنا فالحكومة البريطانية كافرة وهى تعلم أنها كافرة ورغم التطاول على حكومات ودول الغرب إلا أن الحكومة البريطانية تعمدت أن تغمض العين فى محاولة لمغازلة والتقرب من العالم الإسلامى لأنها ترى أن أمريكا تحتضر فى العالم الإسلامى وهو ما يفسر خطاب أوباما عند زيارته لمصر ومغازلته للإسلام وزيارته لجامع عمرو بن العاص ، إنه صراع الديناصورات للفوز بكعكة الخليج والبترول مرورا بمصر وبلاد الشرق .
** إنها حرب هدفها المعلن ملاحقة الإرهاب الدولى وهدفها الخفى والحقيقى هو الإبقاء على الإرهاب وزرعه وسقوط الضحايا والمطالبة بإلغاء قانون الطوارئ والإفراج عن المعتقلين السياسيين والتحاور مع الإرهاب وذلك لتمهيد الأرض والوطن للفوضى والضياع بهدف هيمنة الغرب والولايات المتحدة الأمريكية على القيادة المنفردة للنظام الدولى والسيطرة على منابع البترول والحفاظ على أمن إسرائيل وقد ترتب على سلبية أمريكا وترددها فى إستخدام القوة ضد الإرهابيين فى الماضى إلى تشجيع الإرهابيين على العدوان على أمريكا والنظر إليها على أنها أمة ضعيفة ويمكن الإنتصار عليها .
** لقد سخر أوباما من الحرب التى شنتها الولايات المتحدة على العراق وإستنزفت 660 مليار دولار من دافعى الضرائب دون أن يعثروا على أسلحة الدمار الشامل الذى إحتل العراق بحثا عنها ولكنه فى ذات الوقت لا تستطيع فعل شئ كما أن الإطاحة بنظام صدام حسين لم يكن له أدنى علاقة بالإرهاب أو تنظيم القاعدة ولكن الهدف الحقيقى هو السيطرة على بترول العراق ، وإذا كانت أمريكا صادقة فى محاربة الإرهاب فهل نجحت أمريكا بوقف الحرب الدائرة فى جنوب السودان التى تعبر عن سياسة متواصلة للإضطهاد الدينى المسيحى بالتحريض من البشير ورغم ملاحقته قضائيا لتقديمه للمحاكم الدولية إلا أن هذه القرارات حبر على ورق لا تنفذ بمباركة الدول الكبرى ..
** لقد بدأت تسقط الأقنعة الزائفة التى لبستها أمريكا والغرب فهى لم تتدخل فى الجنوب السودانى من أجل محاربة الإرهاب ولكن هو تدخل من أجل البترول واليورانيوم وبعد سقوط ورقة التوت التى تستر عورات هذه الحكومات سقطت معها الحلم الأمريكى والحرية الأمريكية تحولت إلى كابوس دموى وتمثال الحرية أصبح محلاً للسخرية .
** لقد أدى تقاعس الغرب عن مواجهة الإرهاب بإتهام البعض للرئيس الأمريكى أوباما بدعوته للتفاوض مع الإرهابيين ، وتصريحاته الخادعة وأوباما ينفى عن نفسه تلك الإتهامات ، ولم يكتفى الغرب فقط بالتناغم مع الإرهاب بل بدأ يسخر من بعض الشعوب بإطلاق شعارات رنانة بدأنا نسمعها "الفوضى الخلاقة" ، "الديمقراطية البراقة" ، "المعارضة السجينة" ، ففى العراق يقاتلون من منطلقات دينية وفى أفعانستان أصبح الوضع أسوأ مما كان عليه قبل الإحتلال الأمريكى وإنهارت دولة أفغانستان مع زيادة حركة طالبان وفى الصومال أصبحت المحاكم الشرعية تبسط نفوذها على أغلب المناطق حتى بن لادن نفسه مازال ينعم بحرية الحركة بفضل السياسات الأمريكية فقد كان محاصرا فى أحد كهوف تورا بورا خلال شهر ديسمبر 2001 وكان من السهل القبض عليه لولا أن أصدرت تعليمات غير مفهومة من البنتاجون بمنع قيام عناصر القوات البرية المركزية من قطع الطريق على بن لادن ومن معه بل وأجبرت الإدارة الأمريكية بالسماح للحكومة الباكستانية بتوقيع معاهدة هدنة مع المتطرفين الإسلاميين فى إقليم وزير ستان وهى مأوى بن لادن ورفاقه وبعد كل هذا يصبح السؤال أى حرب هذه التى يقودها الغرب ضد الإرهاب ؟ ، وهل الغرب متواطئ مع الإرهاب لتحقيق الهيمنة على العالم ، بل وتحقيق المصالح الأنجلو أمريكية ولا ننسى فرنسا التى شهدت نموا رهيبا فى الحركات الأصولية الإسلامية وخصوصا من المتطرفين الجزائريين وزادت نسبة هؤلاء فى مدينة مارسيليا فظهر "خليفى أحمد على" كمستشار للإرهابى الأصولى "أبو قتادة" زعيم التنظيم السلفى بلندن .
** إنهم مجموعات إرهابية تدعمهم الحكومات الغربية يستهدفون مصر ليتحولوا إلى قتلة مأجورين فى يد تنظيمات إرهابية دولية وذلك بهدف قيام الحكم الإسلامى الوهابى فى مصر والذى لم يتحقق حتى الأن .
** وبعد هذا العرض البسيط لحكومات الغرب وعلاقتها بالإرهاب هل يعتبر صديقى إستجابة بريطانيا لشكوى المواطن المسلم بتخفيض عدد المرات التى تعزف فيها الموسيقى أثناء صلوات أيام الأحد هو من نصوص إحترام الشعائر الدينية بالقطع ستكون الإجابة أن الحكومة البريطانية تغازل الإسلام والمسلمين حتى لو أهدرت حقوق الأخرين .. فهل تكف أقلام الطبل والزمر والشعارات الزائفة بإتهام أقباط مصر بالإستقواء بالغرب وترديد شعارات ماسخة تؤدى إلى سخريتنا من أنفسنا ومن هذه الهرطقات بينما يقف الغرب ويحرض ويناصر ويحتضن الإرهاب .
** علينا أن نكف عن المتاجرة بقضايا أقباط مصر .. علينا أن نكف عن المهاترات والخطب الرنانة والمسيرات الإحتجاجية بينما حكومات هذه الدول تأوى الإرهاب وتدعمهم وترعاهم .. ونتساءل هل يظل أقباط مصر ضحايا الحكومات الغربية والإرهاب؟.


رئيس مجلس إدارة جريدة النهر الخالد
Email:elnahr_elkhaled2009@yahoo.com

أخْطاءٌ قُرآنِيَّةٌ: إشكاليةُ الْماء/ سعيد علم الدين

جاء في سورة الفرقان:
"وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا" 54
سنبرهن بأن هذا كلام مغلوط جملة وتفصيلا:
- جملة، لأنه يخالف وببساطة الحقيقة المجردة العادية الملموسة منذ ملايين السنين لمس اليد، الا ان السابقين اقتنعوا به، لأهمية الماء الماسة جدا في استمرارية الحياة، ولأنه لم يكن لديهم من برهان يدحض هذه النظرية الإلهية المنزلة من الغيب.
- وتفصيلا، لأنه يخالف الحقيقة العلمية المبرهنة حديثا مخالفة صريحة. والتي أصبحت أداتنا الفكرية التنويرية اليقينية في كشف الأخطاء القرآنية أمام أعين الناس.
ويُذَكِّرُ هذا الكلام ايضا بالكلام المغلوط الآخر في س. الطارق الذي عالجناه باستفاضة في سلسلة من 5 مقالات سابقة وهو:
"فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ" 5-8 .
اريد لفت الانتباه هنا الى هذا التناقض في نظرية خلق الانسان المائية الإلهية المفترضة والتى ما هي سوى نوع من التخمين والتحزير اكثر مما هي حقيقة علمية ثابتة يؤخذ بها:
كيف لا!
والماء في "الفرقان" يقصد به القرآن: الماء العادي!
والماء في "الطارق" يقصد به القرآن: السائل المنوي!
وشتان ثم شتان كيميائيا وفيزيائيا وطبيعيا وعاديا بين السائل والماء!
وعندما يدعوا القرآن المؤمنين بعبارته المكررة في اكثر من مكان الى: "وتفكروا يا أولي الألباب!"، فلا يمكن ان يناقض نفسه ويدعوهم الى عدم التفكر والإيمان بالتخمينات والأغلاط والأخطاء.
ولهذا فالمسلم المؤمن الحصيف المتفكر باللب والجوهر،
لا يمكن ان يبهره ويأخذ بتلابيب عقله انشاء الكلام وسطحية المظهر!
أرجو الانتباه الى التغيير الذي سيحصل لهذه الآية الآن ولاحقا!
ولو جاءت الآية في "الفرقان" على الشكل التالي مثلا:
"وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْخَلِيَّةِ بَشَرًا"
لما كان بمقدررنا انتقاد القرآن ولاستطاع محمد إثبات صحة نبوته علميا واقناعنا بأن ما قاله قبل اكثر من 1400 سنة سالبا به عقول الناس، سيسلب به عقولنا ايضا. كيف لا وهو سيكون الكلام النبوي القرآني الإلهي المنزل المقدس الصح المطابق للحقائق العلمية المكتشفة وليس المغالط لها. أي بان الخلية وفقط الخلية وحدها التي لا ترى بالعين المجردة هي حجر الأساس في تكوين الانسان وانبعاث الحياة على سطح الأرض وفي داخلها وليس الماء او غيره.
وهكذا سيكون ذلك هو كلام الحق مصدقا من عند خالق الخلية.
أي الله.
والا! فلا يمكن لخالق الخلية ان يتخبط بإطلاق نظريات مائية غير دقيقة وأوصاف انشائية على خلق الإنسان دون معرفة ماهية ما يقول.
فخالق الشيء يجب ان يُثْبِتَ لنا معرفة ماهيته، قبل ان يفرض علينا الصلاة والصوم ويسخِّرَنا لعبادته، والا فهو ليس بخالقه!
يثبت هذا ان ما يقوله القران عن نظرية الخلق المائية هي ادعاءات وتخمينات أكدت عدم صحتها التجارب العلمية التي نجحت في كشف الحقيقة الجلية للبنة الحياة الأزلية. أي الخلية!
هذه الحقيقة المرة يجب ان يعرفها المسلمون ويفكرون بها مليا.
فالقرآن كتاب بشري مبني على التناقضات والتخمينات والادعاء بالمعرفة والانبهار بالمظاهر والسطحيات، ومُرَسَّخٌ في أعماق النفوس بالعبادات كالصلاة والصوم والحج، وباقي الشكليات كالحجاب والخمار.
فالأخلاق لا تقاس هنا بلبس الحجاب كمعيار، وانما مقياسها هو جوهر الإنسان السوي الخلوق الصالح اجتماعيا والممارس لأخلاقياته السامية إنسانيا: فعلا وليس شكلا.
ومن يقول لنا مدافعا عن القرآن بأن ما اكتشفه العلم الآن لم يكن قبل 1400 سنة معروفا. نرد عليه بالقول ان قوله هذا يؤكد أن القرآن انتهى مفعوله الآن، وغير صالح لهذا الزمان. لأنه وبكل بساطة يناقض العقل والمنطق والحقيقة والعلم وسنة تطور والمجتمع وحياة الإنسان. ومن يريد فرضه دستورا على المجتمع فسيعرض مجتمعه عاجلا ام اجلا الى التخبط الأعمى على غير هدى والانهيار النهائي في مستنقع من الفشل المبرمج المحقق الحتمي الإلهي.
ويقفز احدهم من احدى الكهوف الفكرية صارخا:
وهل ممكن ان تستقيم الحياة بدون ماء؟
أليس الماء هو الأساس لحياة الخلية والإنسان والحيوان والنبات؟
نجيبه بهدوء العارفين قائلين:
ان ما يقوله ليس غلطا، الا انه ليس له علاقة بقوله:
"وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا"
وهل نحن ماء؟
وهل الخلية البشرية ماء؟
هذا القول القرآني هو وصف إنشائي ينطلي فقط على السذج والبسطاء والأميين والمعميين عقلا من المتعلمين حملة الشهادات العليا من الببغائيين او المستفيدين المتاجرين بالدين.
وبناء عليه وعلى هذا المنوال القرآني نستطيع القول:
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْطعامِ بَشَرًا!
وهل ممكن ان تستقيم الحياة بدون طعام؟
اليس الطعام هو الأساس لحياة الخلية والإنسان والحيوان والنبات؟
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْهواءِ بَشَرًا!
وهل ممكن ان تستقيم الحياة بدون هواء؟
اليس الهواء أي الأكسجين بالتحديد هو الأساس لحياة الخلية والإنسان والحيوان والنبات؟
عجبا ولماذا القرآن لم يأت على ذكر الأكسجين مع انه العنصر الأساس، وياتي في المقام الأول لقيام الحياة، ولولاه لما قامت اصلا حياة على الكرة الأرضية!
والإنسان يستطيع ان يعيش لأيام بدون طعام، ولساعات طوال بدون ماء، الا انه لا يستطيع العيش لدقائق معدودة بدون أكسجين.
والغطاسين تحت الماء يستطيعون البقاء لساعات طوال بمساعدة الأكسجين.
أي الأكسجين اهم من الماء والطعام في استمرارية حياة البشر على هذه الأرض.
هذه الحقائق تؤكد لنا مرة أخرى ان قرآن محمد مبني على الانبهار بالماء وظواهر الأشياء دون قدرته على معرفة جواهرها لجهله الكامل بالحقيقة. هو لا يدري حقيقة ما يقول ويخمن تخمينا، إقناعا للناس بأمر لا يقدرون على رفضه، لانه أساس من اسس قيام حياتهم، الا وهو الماء. فكيف اذا كانوا ابناء الصحراء في جزيرة العرب؟
حيث الماء نادر الوجود، واغلى واهم من الذهب!
ولهذا كلام محمد مغلوط وليس له علاقة جوهرية بحقيقة الكائن البشري. لان الإنسان لا يتكون من ماء، وانما الماء هو احد العناصر المهمة جدا في حياة الانسان. أي ان الانسان بحاجة الى الماء ليعيش وبحاجة الى الطعام ليعيش وبحاجة الى الأكسجين ليعيش.
ويقع محمد في نفس الخطأ العلمي عندما يقول في الأنبياء:
"وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ" 30
والصحيح علميا:
وَجَعَلْنَا مِنَ الْخليةِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ"

أسطول الحرية ... ضحكة الخوف ورقصة الموت/ مأمون شحادة


هكذا هي ملامح وترانيم صوت القدس من بعيد، وكأن طفلتي الصغيرة تبتسم مرة اخرى على ضفاف البحر ورائحة الليمون، فكم فرحت وانا احتضنها مبتسمة، لكني في الوقت حينه بكيت في قرارة نفسي لانها ذكرتني بصديقي الشهيد التركي "ايدوغان" لحظة استشهاده على متن أسطول الحرية، وكأن الحالة متشابهة .
مرح الصغيرة تغازلني بعينيها مرة اخرى، وعلى باب البيت جندي اسرائيلي يحاول ان يخطف تلك البسمة من على شفتيها، مثلما خطفها من شفاه صديقي ايدوغان، حيث كان يحلم ان يصبح طياراً، لكنه اصرّ على الطيران الى جنان الحور والنعيم .
ما ادهشني، انه حينما طار الى السماء كان مبتسماً وهو يعانق تلك الجنان، تماماً مثل طفلتي الصغيرة، التي اصرت على مداعبتي ضاحكة، فالفارق بينهما رحلة السماء، اما مرح فقد بدأت الحياة بِهِبَة من المكان الذي رحل اليه صديقي .
كم ان الاقصى عزيز ووجهته بهية، وكأن قبة الصخرة وقباب مآذنه هي الاخرى تضاحكهم جناساً على طباق، فالعبور عبر بواباته صعب وخطير، ومن يريد ان يركب تلك الاخطار يجب ان يكون مبتسماً، كمرح و ايدوغان .
عجباً ما ارى، ان السماء تتلبد بالغيوم السوداء، وكأن موسم الغيث يبشر بحصاد وفير، ولكن اي موسم والقدس اقفِلت ابوابها، والحمام طار الى السماء اسوة بأيدوغان، ولم يعد للبشرى اي معنى سوى الخوف من المستقبل .
مرح الصغيرة لم تعد تبتسم، فشفاه فمها اقفلت كبوابات القدس، والخوف اخذ يتجذر في اوصالها، وكأنها لم تعد مرحة كما اعرفها، فعلى ما يبدو ان هنالك غصة في قلبها الصغير من ذلك المحيط السياسي، بالرغم انها صغيرة على السياسة .
اخذت اروي لها عن ذلك المحيط الذي يحمل في ثناياه كلمتي "النفاق" و"الكذب"، حيث يحكى أن تلك الكلمتين اجتمعتا في يوم من الأيام "ما بين الماضي والحاضر" وكونتا كلمة تسمى "سياسة"، وعلى الفور اخذت مرح بالبكاء والصراخ، فتوقفت عن الحديث!
فانا اعرف انها لو استطاعت الكلام لطلبت مني التوقف، فتلك القصة لا تتلاءم مع فطرتها الانسانية، كذلك هو حال المقهورين الذين هم بطبيعة الحال بين سنديان النفاق ومطرقة الكذب، فالسياسة مبدعة في تقمص الادوار، واللعب على الشعور واللاشعور .
لم اعد اعرف الى اي اتجاه اسير، فكل الطرق تؤدي الى السياسة، فالشمال لم يعد شمالاً، والجنوب لم يعد جنوباً، كذلك هو حال الشرق والغرب، كل يريد اقصاء الاخر، حتى ان القدس لم تعد قدساً، فالهيكل ينبش قلبها، ولم يعد لاطراف الحديث بقية .
احتضنت طفلتي وهي ترتعش خوفاً من ذلك الهيكل، وكأن معبد الخراب اصبح مقدمة لاقامته، وبعد دقائق معدودة من احتضانها اخَذَتْ تحرك شفتيها ضاحكة، ففرحت كثيراً، ورقصت فرحاً، لكن سرعان ما اتضح لي انها ضحكة الخوف، ورقصة الموت .

المغرب العربي من دون نفوذ الولي الفقيه/ العلامة السيد محمد علي الحسيني

سعى نظام ولاية الفقيه الى إيلاء إهتمام خاص لبلدان المغرب العربي(ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب و موريتانيا)، بإعتبارها بوابتها الرئيسية للدخول الى البلدان الاخرى للقارة الافريقية من جهة، وان ترسيخ و توطيد نفوذها في هذه المنطقة الاستراتيجية سوف يکون بمثابة کماشة ضغط على بلدان عربية مهمة کمصر و العربية السعودية.
وقد کان بدأ النظام الايراني برنامج عمله التخريبي في بلدان المغرب العربي من خلال ماکان يطبل له على أساس لما سماه دعمه للصحوة الاسلامية حيث قام عن طريق نشاطاته الاستخباراتية المريبة بالنفوذ الى داخل القوى و التنظيمات الاسلامية التي کانت معظمها سنية ومن هناك وضع اللبنات الاولى لنفوذه بتلك البلدان. وهذا النشاط، قد رکز بشکل خاص على تونس و الجزائر و المغرب، حيث سعى لتغذية بعضا من الحرکات و الجماعات الاسلامية هناك و توظيفها بإتجاه يخدم مصالحها و أهدافها السياسية و الامنية، وعلى الرغم من ان الاجهزة الامنية في معظم تلك البلدان قد أتخذت الحيطة و الحذر من احتمالات التحرکات المشبوهة لنظام ولاية الفقيه، لکن هذا النظام وعبر اساليبه الخبيثة و الملتوية المتمرس بها، قد تمکن من التمويه على تحرکاته تلك حيث کساها بأغطية متباينة عبر إستغلاله لکل الطرق المباحة و غير المباحة، وقد قام هذا النظام وبعد أن استتب له الامر نوعا ما بين بعض من التنظيمات و الجماعات الاسلامية هناك، بدأ بتطبيق مرحلة أخرى من برنامجه الخبيث، إذ قام ومن خلال طرق مختلفة تراوحت بين الاغراء المادي و التأثير الفکري العقائدي عبر إستخدام الدين کوسيلة للوصول الى غايات و اهداف خبيثة، بالعمل على تغيير مذهب البعض منهم و جعلهم شيعة ذلك ان هذا النظام کان يدرك ان أي سني ماأن يمتلك مستوى محدد من الوعي السياسي و الثقافي فإنه يدير ظهره لهذا النظام الدجال المتاجر بالدين، ومن هنا فقد أدرك نظام ولاية الفقيه من أنه لامناص أمامه سوى القيام بالعمل على تهديد الامن الاجتماعي لهذه الدول و السعي لتغيير نسيجه و مکوناته کبداية قوية لزعزعة الامن القومي لها، وهو سعي قد حقق للأسف شئ من التقدم على الارض، حتى أن نظام الملالي قد قام بطبع و نشر کتب عن أناس من دول المغرب العربي يطرحون فيها تجاربهم عن کيفية تحولهم للمذهب الشيعي مشککين و طاعنين بالمذهب السني کما هو الحال في کتاب(ثم أهتديت) للتونسي محمد التيجاني السماوي، الذي وزعه نظام ولاية الفقيه بشکل واسع وملفت للنظر مرکزا على مفردة(الاستبصار)، أي ان السني الذي يتشيع يستبصر وکأنه يتحول من العمى الى الابصار وهي کما هو واضح مفردة في غاية الاستفزاز وان واقعنا الاجتماعي کعرب في غنى عنه وکل من تسول له نفسه لتسويغها او تفعيلها على الارض، فإنه لافرق بينه و بين الصهيوني او أي عدو لدود آخر من أعداء الامة العربية، ذلك لأن الصهاينة غاية مناهم أن يزرعوا بذور الفرقة و التشتت بين ظهرانينا.
اننا کمرجعية سياسية للشيعة العرب، ندعو أشقائنا العرب في کافة بلدان المغرب العربي الى عدم الانخداع و الانجرار وراء اوهام و أکاذيب و دجل نظام ولاية الفقيه ونؤکد لهم بأن هذا النظام الفاشي والنازي الذي لايرتدع عن ذبح أبناء الشعب الايراني و مواجهتهم بالحديد و النار و السجون و المشانق و الرصاص وحتى بالاغتصاب، ليس يرأف او يهتم بأمور و شؤون المسلمين في العالم کما يدعي في إعلامه المالئ بالاکاذيب و الاراجيف الباطلة و ندعو الاجهزة الامنية في دول المغرب العربي إلى المزيد من فتح أعينها و التصدي لمخططات و مشاريع هذا النظام و وأدها في مهدها.

*المرجع السياسي للشيعة العرب.WWW.arabicmajlis.org

استراتيجية أوباما: إعلام في خدمة الحرب/ نقولا ناصر

(تنفق الولايات المتحدة على الحرب والاستعدادات لها أكثر مما تنفقه بقية العالم مجتمعة والميزانية العسكرية التي طلبها أوباما من الكونغرس للسنة المالية 2011 أكبر من أي ميزانية عسكرية أميركية منذ الحرب العالمية الثانية)

على الأرجح لن ينتظر الرأي العام العربي سنة كاملة مثلما انتظر بعد خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في القاهرة أوائل العام الماضي لكي يكتشف أن وثيقة "استراتيجية الأمن القومي" التي نشرها البيت الأبيض الأسبوع المنصرم لا تعدو كونها مجرد فصل جديد من الحملة الإعلامية التي تشنها إدارته لتحسين صورة الولايات المتحدة وجزءا من حربها النفسية للتغطية على حروبها في العراق وأفغانستان وباكستان وزيادة حشدها العسكري في الخليج العربي بخاصة والمنطقة بعامة لدعم الجهد الحربي الأميركي في مسارح القتال الرئيسية.

لذلك لم يكن مستغربا أن يوظف الرئيس أوباما كبار معاونيه، مثل المسؤول عن "مكافحة الإرهاب" في البيت الأبيض جون برينان، ومستشاره للأمن القومي جيمس جونز، ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، وغيرهم في الترويج لهذه "الوثيقة" مباشرة بعد إعلانها في لقاءات عامة يومي الأربعاء والخميس الماضيين.



فهذه الوثيقة المكونة من 52 صفحة هي مجرد استحقاق قانوني يطلبه الكونغرس من كل إدارة جديدة ورئيسها، وهي "غير ملزمة" قانونيا، وقال كاتب خطابات الرئيس باراك أوباما ومؤلفها الرئيسي بنجامين رودس إن السياسات الواردة فيها لا تمثل خططا أصلية بل إنها إعادة إنتاج للخطابات الرئاسية والبيانات الرسمية الأخرى، أي أنها وثيقة دعائية، لذلك ربما يكون من الأجدى للرأي العام العربي أن تسلط وسائل إعلامه الأضواء على 120 صفحة يتكون منها تقرير البنتاغون المستحق كل أربع سنوات لمراجعة التخطيط العسكري الأميركي للسنوات العشرين المقبلة لمعرفة الاستراتيجية الحقيقية للأمن القومي الأميركي، بدل الانسياق مع جدول الأعمال الإعلامي الذي تختار الإدارة الأميركية فرضه على وسائل الإعلام العالمية والإقليمية لتحرف الأنظار بعيدا عن استراتيجيتها العسكرية الفعلية على الأرض.



فاستراتيجية الأمن القومي الأميركي طبقا لتقرير البنتاغون عمادها تعزيز القوة النووية الأميركية ب"قوة ردع تقليدية" مدمرة قادرة على ضرب أي هدف في العالم "خلال ساعة واحدة"، كما كتب الصحفي والناشط السياسي الأميركي جاك إيه. سميث في السابع من الشهر الجاري.



والأولوية الأولى لهذه الاستراتيجية هي "الانتصار في حروب اليوم" التي تخوضها واشنطن في العراق وافغانسان وغيرهما لأن "النجاح في الحروب المقبلة سوف يعتمد على النجاح في هذه الحروب الجارية" كما قال روبرت غيتس وزير دفاع أوباما وسلفه جورج دبليو. بوش في بيان له قدم فيه تقرير البنتاغون في الأول من شهر شباط / فبراير الماضي.



والأولية الثانية التي تسعى إليها إدارة أوباما هي امتلاك قوة اميركية قادرة في آن واحد "على حماية مصالح الولايات المتحدة ضد أي عدد من التهديدات، بما في ذلك تهديدات دولتين معتديتين مقتدرتين" وعدم الاكتفاء بالقدرة الأميركية الحالية على خوض حربين كبيرتين في وقت واحد.



لذلك لا يعود مستغربا أن تنفق الولايات المتحدة على الحرب والاستعدادات لها أكثر مما تنفقه بقية العالم مجتمعة مع أن سكانها يمثلون (4.54%) من سكان العالم فقط، وأن يكون لها حوالي (460) ألف عسكري منتشرين حول العالم في أكثر من ألف قاعدة ومنشاة عسكرية خارج حدودها في (120) بلدا، ليتبجح غيتس مؤخرا في مؤتمر رابطة البحرية الأميركية بقوله إن بلاده بامتلاكها (11) حاملة طائرات، و (10) سفن حربية برمائية كبيرة، و (57) غواصة هجومية، و (79) سفينة حربية أخرى مجهزة بنظام "آجيس" المحوسب لرصد الأهداف المعادية وضربها بالرادار إنما تملك أسطولا حربيا "أكبر بنسبة واحد في المئة في الأقل من 13 سلاح بحرية تالية له مجتمعة"، ناهيك عن سلاح جو يرصد المعمورة بكاملها وأقمار عسكرية في الفضاء تراقبها وصواريخ نووية موجهة مسبقا نحو الأهداف المعادية المحتملة.



وفي ضوء تقرير البنتاغون هذا، كانت وثيقة "استراتيجية الأمن القومي" صادقة في تأكيد أمر واحد فقط هو تعزيز الامبراطورية الأميركية عسكريا لأنه "تماما مثلما ساعدت أميركا في تقرير مسار القرن العشرين، فإنه يجب علينا الآن أن نبني موارد قوة ونفوذ أميركيين لصياغة نظام دولي يستطيع التغلب على تحديات القرن الحادي والعشرين" كما جاء في الوثيقة، أي أن إدارة أوباما مصممة على أن تستمر عقلية القرن الماضي الأميركية في القرن الجديد دون أي تغيير، لذلك لا يعود مستغربا أيضا أن تكون الميزانية العسكرية لإدارة أوباما أكبر من كل الميزانيات العسكرية لبقية دول العالم كافة، في استمرارية لافتة للنظر لسياسة سلفه بوش الذي ضاعف الميزانية العسكرية منذ عام 2001، ويقول مراقبون أميركيون إن الميزانية العسكرية التي طلبها أوباما من الكونغرس (708 مليارات دولار) للسنة المالية 2011 أكبر من أي ميزانية عسكرية أميركية منذ الحرب العالمية الثانية، وأن تكلفة الحربين على العراق وأفغانستان (147 مليار دولار سنويا وهي في ازدياد منها 5.5 مليار للعراق و 6.76 مليار لأفغانستان) تأتي ثانية فقط بعد التكلفة التي تكبدتها الخزينة الأميركية في تلك الحرب.



وأي قراءة لتقرير البنتاغون تؤكد عدم وجود أي تغيير في الاستراتيجية الحقيقية للأمن القومي الأميركي سوى تحديث آلة الحرب الأميركية، وزيادة حجمها، وتوسيع نطاق انتشارها. إن مشروع "الدرع الصاروخية" الأميركية في أوروبا الذي أثار أزمة مع روسيا، ونشر بطاريات "باتريوت" الأميركية في بولندا الأسبوع الماضي، وإضافة ست قواعد عسكرية أميركية في كولومبيا مؤخرا، وتوسيع قاعدة قيادة الاسطول الخامس الأميركي في البحرين على مساحة (70) فدانا إضافية، وزيادة عديد قوات الاحتلال الأميركي في أفغانستان ليتجاوز لأول مرة عديدها في العراق، وتوسيع الحرب على أفغانستان إلى باكستان، إنما هي وغيرها مجرد دلائل ظاهرة على الاستراتيجية الحقيقية للأمن القومي الأميركي كما جاءت في تقرير البنتاغون، مما يتطلب تفسيرا للمغالطات الخادعة الواردة في وثيقة "استراتيجية الأمن القومي"، مثل التخلي عن شعار "الحرب العالمية على الإرهاب" بينما تسوغ الوثيقة استمرار الوجود الأميركي في العراق بالمساعدة في محاربة الإرهاب (أي المقاومة الوطنية) وتسوغ المواجهة مع إيران بدعمها لما سمته الوثيقة "الارهاب، ومثل رفض التحرك "المنفرد" على المستوى الدولي بينما تنص الوثيقة على أن "الولايات المتحدة يجب أن تحتفظ بالحق في العمل منفردة"، واللجوء إلى القوة كملاذ أخير بينما تقرير البنتاغون يؤكد على العكس تماما، وإسقاط ثلاث دول منها سوريا من "محور الشر" الذي اعلنه سلفه بوش، إلخ.



إن أحد الاختبارات الحقيقية لأحد إدعاءات الوثيقة يتمثل في التمييز مرة واحدة وإلى الأبد بين "القاعدة" وبين حركات المقاومة للاحتلال الأجنبي ورفع أسماء حركات مثل حزب الله اللبناني والمقاومة العراقية وحركة حماس الفلسطينية من قائمة الإرهاب الأميركية ورفع أسماء دول عربية مثل سوريا من القائمة الأميركية للدول "الداعمة للإرهاب"، فهذا هو المحك لصدقية أي إدعاء كهذا.



أما تفسير الادعاءات التي تحاول الوثيقة ترويجها لتخفيف العداء المتزايد لأميركا عالميا فيكمن أولا وأخيرا في الأزمة المالية التي تعانيها الولايات المتحدة والناجمة أصلا عن تكلفة حروبها، فعلى سبيل المثال قال الصحفي الأميركي ماثيو "مات" تيبي إن غزو العراق لم يكن حربا على صدام حسين بقدر ما كان "غزوا كفؤا لا مثيل له في التاريخ للميزانية الفدرالية" الأميركية، مما حول الولايات المتحدة من أكبر دائن في العالم إلى أكبر مدين فيه. فالدين الوطني الأميركي الذي يزيد حاليا على (13) تريليون دولار بنسبة تبلغ عشرة في المئة من إجمالي الاقتصاد الأميركي قد تحول إلى تهديد رئيسي لأمن الولايات المتحدة وزعامتها العالمية، كما قالت هيلاري كلينتون أمام معهد بروكينغز الخميس الماضي، بحيث أصبح تخفيض هذا الدين "أولوية عليا" لإدارتها كما أضافت، ولتخفيض هذا الدين ألف أوباما لجنة من الحزبين تضم (18) عضوا، لأنه كما قال "لم يحدث في أي وقت في تاريخ البشرية أن احتفظت دولة تعاني من تدهور حيويتها الاقتصادية بتفوقها العسكري والسياسي".



ومع أن سقوط معظم الامبراطوريات في التاريخ ارتبط بأزماتها المالية، فإن أوباما كما يبدو مصر على الاستمرار في الاستنزاف الحربي لميزانية بلاده ربما ليكون له الفضل في انهيار الامبراطورية الأميركية بدورها بدلا من وقف الحروب الأميركية المتصاعدة كأفضل طريق لإخراجها من أزمتها الاقتصادية.



ولهذا السبب على وجه التحديد تركز وثيقة "استراتيجية الأمن القومي" على التعاون والشراكة الدوليين، لكي تحمل "الشركاء" طوعا أو كرها جزءا من الأعباء المالية لحروب هي أميركية في الأصل، أو كما قال أوباما لخريجي الأكاديمية العسكرية الأميركية في ويست بوينت الأسبوع الماضي، فإن "أعباء هذا القرن لا يمكن أن تقع على عاتق جنودنا وحدهم، كما لا يمكن أن تقع على الأكتاف الأميركية وحدها".



وقد أوضح تقرير نشره "مركز التقدم الأميركي" في السادس من الشهر الجاري كيف تمول واشنطن حروبها من جيوب غيرها عندما بين تفاصيل حوالي (163) مليار دولار كانت مخصصة لإعمار العراق حتى نهاية شهر آذار / مارس الماضي، إذ تحملت واشنطن (53.30) مليارا منها فقط بينما دفع العراقيون (91.43) مليارا من أموالهم التي تشرف سلطة الاحتلال عليها و (18.10) مليارا تعهد بها مانحون دوليون.



طبقا ل"مركز معلومات الدفاع" الأميركي، كلفت الحرب على العراق الخزينة الأميركية حتى الآن 2.3 تريليون دولار، وطبقا لدراسة أجرتها جامعة ماساشوستس فإن تريليون واحد منها يكفي لحصول مليوني طالب سنويا على منحة دراسية جامعية لمدة أربع سنوات طوال 23 سنة. وقد حاول "مشروع الأولويات الوطنية" الأميركي تفسير قيمة هذه التكلفة الباهظة بتبسيطها بقوله إن المرء لو كان يجني مليون دولار سنويا فإنه سيحتاج إلى مليون سنة ليجني تريليون دولار. ألم يكن غزو العراق بالمنح الدراسية أجدى بما لايقارن للعراقيين والأميركيين على حد سواء بدلا من احتلاله !



وفي هذا السياق ربما تجدر الإشارة إلى مهارة أوباما في استغلال وسائل الإعلام التي أوصلته إلى البيت الأبيض، وهو درس قرر كما يبدو أن يستفيد منه وهو في سدة الحكم، فبادر إلى استبدال "مكتب الاتصال العام" الذي كان أسلافه يعتمدون عليه ب"مكتب التواصل مع الجمهور"، ليضاعف عدد العاملين فيه أربع مرات، ويعززهم بكفاءات "إنشائية"، مثل كاتب خطاباته بنجامين رودوس، ليزيد عددهم على عشرين "مدير" إعلام واتصال جماهيري تبلغ قيمة رواتبهم خمسة ملايين دولار سنويا مقابل ثلاثة موظفين في "مكتب اتصال" سلفه جورج دبليو. بوش بتكلفة سنوية تزيد قليلا على 335 ألف دولار.



ويلفت النظر في العراق بخاصة، عشية إعادة انتشار جزئية لقوات الاحتلال الأميركي من العراق إلى أفغانستان، طرح البنتاغون لمناقصة على "متعاقدين مدنيين" من أجل تصعيد التغطية الإعلامية في العراق والولايات المتحدة معا بتقديم "خدمات استراتيجية لإدارة الإعلام" مهمتها "التواصل الفعال مع جمهورنا الاستراتيجي" باعتبار ذلك "جزءا حيويا من العمليات في العراق"، ولكون نشاط متعاقدي الإعلام المدنيين هؤلاء "عسكريا"، فإنه "يجب عليهم أن يظهروا الدرجة الأعلى من المهنية في المظهر، والسلوك الشخصي، ... ولا يسمح بوقوع أكثر من خطأ مسلكي شخصي واحد طوال مدة العقد ... بما يتفق مع قيادة عسكرية من أربعة نجوم" ! (الواشنطن بوست في 25/5/2010)



إن السؤال الرئيسي الذي لم يجد الرأي العام العربي جوابا له في وثيقة "استراتيجية الأمن القومي" الجديدة يدور عما إذا كانت هذه الاستراتيجية تتضمن أي انقلاب على استراتيجية بوش في العراق، أو أي تغيير فيها أو تعديل جوهري عليها، وهي بالإضافة إلى الاستراتيجية الأميركية في فلسطين المحتلة استراتيجية حاسمة في إحداث تغيير نوعي في العلاقات العربية ـ الأميركية، ليجد فقط أن استراتيجية أوباما إنما تبني فقط على استراتيجية سلفه وتخطط للبقاء في العراق إلى أمد غير منظور. والبحث عن متعاقدين إعلاميين للتغطية على هذه الحقيقة لن ينجح في التمويه عليها.



وإبرام الخارجية الأميركية عقدا بمليار دولار أميركي في آذار / نيسان الماضي مع شركة "تريبل كانوبي" لتوفير جنود مرتزقة لحماية الوجود "المدني" الأميركي في العراق لفترة طويلة مقبلة يذكر بحقيقة أخرى مطلوب أن يغطي عليها فريق التضليل الإعلامي الجديد الذي سيتم التعاقد معه، وهي أن عدد المتعاقدين الأمنيين وغير الأمنيين الأميركيين في العراق سوف يرتفع إلى 125 ألفا، بعد أن انخفض من (160) الفا متعاقدين مع وزارة الدفاع الأميركية وحدها عام 2008 إلى (100) الف اليوم،وطبقا لخدمة أبحاث الكونغرس مثل المتعاقدون عام 2009 الماضي (48%) من القوة البشرية العاملة مع وزارة الدفاع الأميركية في العراق، ليتضح بان الاحتلال الأميركي يستخدم المتعاقدين أولا لإخفاء الحجم الفعلي لقواته في العراق وثانيا لخفض عديد خسائره في الأرواح حيث لا يرد عدد القتلى الأميركيين من المتعاقدين في البيانات الرسمية للبنتاغون (25 قتيلا في الربع الأول من العام الجاري و1471 منذ الغزو عام 2003 حسب وزارة العمل الأميركية التي توثق خسائرهم في الأرواح )، في مثال آخر للتضليل الإعلامي الأميركي، هذا عدا عن خمسين ألف جندي أميركي (وهذا ليس بالقليل إذ يمثل أكثر من عديد الجيوش في كثير من الدول) سوف يظلون في العراق بعد الموعد المحدد لسحب القوات المحاربة للاحتلال الأميركي من العراق بنهاية عام 2011 بموجب اتفاقية "صوفا" الأمنية التي تنظم وجود الاحتلال الأميركي في العراق بعد ذاك التاريخ.



ومما يؤكد أن أوباما يبني على استراتيجية بوش القرار التنفيذي الذي أصدره البيت الأبيض في العاشر من أيار / مايو الجاري بإنشاء "مكتب العراق للشراكة الاستراتيجية" يكون تابعا لوزارة الخارجية تمهيدا "لاتفاقية الإطار الاستراتيجي" من أجل ضمان "مواصلة الحضور" الأميركي "الفعال في العراق". ومن الجدير بالتذكير هنا أن الموعد المقرر لاستفتاء العراقيين على اتفاقية "صوفا" الذي نصت عليه الاتفاقية نفسها قد طواه النسيان بينما لم تصادق حتى المؤسسات "التشريعية" التي أقامها الاحتلال نفسه، ناهيك عن أي ممثل حقيقي للشعب العراقي، على أي اتفاقية إطار استراتيجي لأي "شراكة" بين البلدين.



إن تغيير مسمى الخمسين ألف جندي أميركي الذين سيبقون في العراق بعد عام 2011 من قوات "مقاتلة" إلى خبراء ومدربين ومستشارين، وتغيير مسمى عملية الاحتلال الأميركي للعراق من "عملية حرية العراق" إلى "عملية الفجر الجديد" اعتبارا من أول أيلول / سبتمبر المقبل، لن تغير في حقيقة أن ظلام الاحتلال مستمر في العراق وأن أي "فجر جديد" للعراق لن تصنعه إلا مقاومة وطنية موحدة للاحتلال لا تبقي أيا من آثاره تحت أي مسمى، لكن هذا التغيير "الاسمي" هو نموذج للتضليل الإعلامي الذي تحاول ترويجه وثيقة "استراتيجية الأمن القومي" الأميركي الجديدة.



*كاتب عربي من فلسطين

nicolanasser@yahoo.com*

نهاية الخيار العسكري الإسرائيلي/ د. مصطفى يوسف اللداوي

الحديث عن نهاية الخيار العسكري الإسرائيلي في المنطقة، وتراجع قدرات الجيش الإسرائيلي على الحسم العسكري، وعجزه عن استهداف خصومه بضرباتٍ قاتلة، والوصول إلى أهدافه بالسهولة التي اعتاد عليها، وتحطيم القدرات القتالية لدى خصومه، ليس حديثاً عربياً، ولا أماني حالمين بالانتصار على العدو الإسرائيلي، ولا هي تكهنات أو تخرصات أو قراءة كفٍ أو فنجان قهوة، كما أنها ليست إداعاءات أو افتراءات، بل هي حقائق إسرائيلية ذاتية، وتوقعات واحتمالات استخلصها الخبراء والعسكريون الإسرائيليون أنفسهم، وهي خلاصة أبحاث ودراساتٍ وندوات ومؤتمراتٍ عكف الإسرائيليون منذ منتصف العام 2006 على عقدها، وقد دعوا إليها كبار الباحثين والاستراتيجيين العسكريين والأمنيين والسياسيين، من المهتمين بشؤون المنطقة، والعالمين بظروفها وأحوالها، ومن المتابعين للتغيرات التي طرأت على سكانها، فغيرت من طباعهم وسلوكهم، وزرعت في نفوسهم معاني وقناعاتٍ مختلفة، ونفت عنهم صفة الاستسلام والخنوع، وولدت فيهم روح الثورة والرفض.
وأدركت إسرائيل أن منطق الحروب الوقائية والاستباقية، والحروب الخاطفة والمدمرة التي كانت تشنها على أرض الدول العربية غير مجديةٍ في نتائجها، وغير ممكنةٍ لجهة كلفتها المادية والبشرية، كما أن القاعدة الذهبية التي اعتمدت عليها كثيراً في عقيدتها العسكرية، وهي "ما لم يتحقق بالقوة يتحقق بمزيد من القوة"، قد انقلبت عليها، وأصبحت هذه المقولة هي سلاح المقاومة، التي باتت تتمسك بخيارات القوة والتحدي، في الوقت الذي بدأ الإسرائيليون يتخلون عنها، عندما أصبح الجندي الإسرائيلي لا يعود إلى بيته بعد انتهاء مهمته العسكرية القتالية، التي كانت سابقاً تشبه النزهة أو الرحلة، ولكنها اليوم أصبحت تشبه الموت أو الأسر أو الإعاقة الدائمة، بينما أصبح رجال المقاومة يتنافسون في عمليات المقاومة، ومعارك المواجهة والتحدي.
ولهذا فقد أصبح من الصعب على الحكومات الإسرائيلية أن تهرب من أزماتها ومآزقها الداخلية والخارجية بالحروب على جيرانها، لتفرضهم وعلى الأرض وقائع جديدة، تجبرهم والمجتمع الدولي على الاعتراف بها، والتعامل مع نتائجها، فللحرب اليوم قوانين وقواعد مختلفة، وحساباتٌ غير متوقعة، وقرارتٌ يصعب التكهن بها، وأسلحة من الصعب معرفة مدى قوتها ودقتها، فضلاً عن نوعها ومصدرها وطرازها، وهذا ما جعل خيار الحرب لدى إسرائيل، الخيار الأخير القاتل.
الخبراء الإسرائيليون يقولون بأن جبهتهم الداخلية غير جاهزة، بل غير قادرة على تحمل تبعات أي حرب قادمة، فالحرب القادمة ستكون مختلفة عن سابقاتها، إذ مهما امتلكت إسرائيل من أسلحة رادعة ومدمرة، فإنها لن تردع قوى المقاومة عن الرد الصاروخي على كل مكان في إسرائيل، وستكون الصواريخ المنطلقة من لبنان وسوريا وغزة، قادرة على الوصول إلى كل مكان في إسرائيل، وستكون قادرة بدقة على إصابة كل نقطة محددة لها، ولن يكون بمقدور الجيش الإسرائيلي اسكات فوهات النار المنطلقة، ولا تدمير منصات الصواريخ المتحركة والمحمولة على الأكتاف، والتي أصبحت في متناول أيدي رجال المقاومة، وهي صواريخ ذكية ويسهل نقلها والتعامل معها، وتشكل خطورة كبيرة على جميع الأهداف الإسرائيلية، البرية والجوية والبحرية.
الإسرائيليون الذين يبحثون عن الأمن، والبقاء واستمرار الوجود، في محيطٍ من الدول العربية الرافضة لوجودها، قد تسلحوا قديماً لتحقيق هذه الأهداف بكل عناصر القوة والتفوق، وتحالفوا مع القوى الدولية الكبرى واستعانوا بها في الحفاظ على أنفسهم ودولتهم من الزوال، فحاربوا أعداءهم العرب بالحرمان، وفرضوا عليهم التبعية والتخلف، وحالوا بينهم وبين امتلاك أسباب القوة، وأسس الاستقلال، وجاهدوا في فرض الحصار عليهم، ليتكون لديهم جيل من العرب، يقبل بالهزيمة، ويستسلم لواقع القوى، ويرضى بالتبعية، ويخضع لحاجات دولة إسرائيل في الأمن والبقاء، ولكن الحلول السحرية التي كانت تصنعها القوة الإسرائيلية لم تعد موجودة، كما أن القوة الإسرائيلية المفرطة لن تنفع إسرائيل إذا تصرفت بمفردها، وهذا ما خلص إليه العديد من الباحثين، من أن إسرائيل لا تقوى على التفرد بالقيام بأي عدوان أو هجوم على أهداف خصومها، دون أن تكون على يقينٍ تام بأن حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية ستضمن وجودها، وستعمل على بقاءها، وستحول دون فناءها وزوالها، وستقف إلى جانبها حال تعرضها لأي خطر، وأنها لن تسمح لأي جهةٍ بأن تهدد وجودها وبقاءها، ولكن الإدارة الأمريكية باتت شهيتها ضعيفة أو معدومة تجاه خلق بؤر توتر جديدة في المنطقة، وأصبحت غير راغبة في اندلاع حروب كراهية جديدة، بل إنها تسعى بالتعاون مع دول المنطقة، على إطفاء شعلة الحرب الملتهبة ضد قواتها العاملة في العراق وأفغانستان، وإسرائيل في ظل رؤساء حكوماتها الفاقدين للرمزية والزعامة والإرث التاريخي، لن يقدموا على خوض حرب، أو إشعال فتيل معركة، دون ضمان المساندة والتأييد الأمريكي لهم.
ولكن هذه الضمانات الأمريكية التي كانت تحظى بها إسرائيل قبل قيامها بأي اعتداء، قد تغيرت قواعدها، فإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية كانوا يوجهون رسائلهم وتهديداتهم إلى الدول العربية، ذات الجيوش النظامية، والتي كانت تتحسب من أي خطوةٍ قد تستفز الإدارة الأمريكية، أو قد تدفع إسرائيل نحو القيام بأي عملٍ عسكريٍ طائش، ولكن قواعد اللعبة الآن قد تغيرت، ولم تعد نواصي المقاومة بأيدي الحكومات أو الجيوش، بل أصبحت الأمة كلها مقاومة، ولم يعد فيها مكان لنفوسٍ ضعيفة، أو آراءٍ مهزوزة، أو أفكارٍ مهزومة، وإنما أصبحت المقاومة روحٌ تسري في الأمة كلها، وفكراً يتقد في النفوس كلها، وروحاً وثابة تتحين المواجهة، وتستعجل المعركة، وتتمنى النزال، ولا تخشى من قوة العدو أو بطشه.
ولهذا فإنه قد أصبح من الصعب على أي زعيمٍ أو مسؤول في إسرائيل أن يعلن عن حربٍ جديدة في المنطقة، فهو لا يستطيع أن يتكهن بحجم الخسائر الإسرائيلية، وهي خسائر في الأرواح بمئات الآلاف، فضلاً عن التدمير الواسع الذي سيلحق بكل المدن والبلدات الإسرائيلية، خاصةً بعد الحروب الموضعية الفاشلة التي خاضها الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان وقطاع غزة، ولهذا فلن يكون لدى أي مسؤولٍ إسرائيلي القدرة أو الشجاعة الكافية، التي تؤهله لإعلانِ حربٍ شاملة، قد تكون إيذاناً حقيقياً بزوال دولة إسرائيل، وأمام هذه الحقائق التي ينطق بها الإسرائيليون أنفسهم، فإن خطط الهجرة و"العودة" بدأت تتشكل في أذهان الإسرائيليين من جديد، فلم تعد "إسرائيل" بالنسبة لهم الأرض الآمنة، ولا الأرض الموعودة، وأصبح كثيرٌ من الإسرائيليين يفكرون في الهجرة والفرار، ليقينهم أن القوة الإسرائيلية لم تعد هي الضامن لهم بالبقاء والحياة، وأن الجيش الإسرائيلي مهما امتلك من القوة والعتاد، فإن قوى المقاومة تمتلك القوة القادرة على الرد والصد معاً، وأنها قادرة على أن تلحق أكبر الضرر بإسرائيل ومصالحها، وأن تتسبب في مقتل آلاف الإسرائيلين، الذين لن تحميهم من القتل، القبة الفولاذية، ولا الصواريخ الاعتراضية، ولا كثافة النيران الإسرائيلية.
لهذا يرى الإستراتيجيون الإسرائيليون أن على الحكومة الإسرائيلية أن تلجأ إلى خياراتٍ أخرى، غير خيارات الحرب، فالحرب لن تكون نتائجها في صالح إسرائيل، وعليها أن تستغل إدارة باراك أوباما في فتح خياراتٍ أخرى، تحقق المستقبل الآمن للدولة العبرية وسكانها، إذ أن إسرائيل قد خاضت أكثر من حرب، وافتعلت أكثر من معركة، ولكنها لم تحقق أهدافها المرجوة، والمقاومة الفلسطينية في غزة تمتلك السلاح، وتخزن المزيد منه، وعمليات نقل السلاح عبر الحدود والأنفاق لا تتوقف، وحزب الله لديه قدرة متجددة من السلاح، ومخزوناً مهولاً من الصواريخ، وخبرة قتالية عالية، وتجارب متراكمة في تحقيق النصر، كما أن سوريا الدولة، تملك كميات كبيرة من الصواريخ المتعددة، وهي قادرة على استخدامها في أي حربٍ قادمة في تدمير مناطق واسعة من إسرائيل، فضلاً عن قدرتها على حمل رؤوس حربية مختلفة.
إن إسرائيل باتت غير قادرة على الحسم، وقد سط لديها الخيار العسكري، وأصبح هاجس هزيمة جيشها يراود قادتها، وخطر زوال دولتهم المحتوم يتراءى أمامهم، ومقولة مؤسس كيانهم، ورئيس أول حكومة لهم، دافييد بن غوريون، بأن أول هزيمة عسكرية لإسرائيل، هي بداية النهاية لدولة إسرائيل، أصبحت تخيفهم، ويؤيد معاصرون إسرائيليون قول زعيمهم الأول، أنه ما بقي حزب الله وحماس، بما يملكون من سلاحٍ وإرادة، فإن حقيقة زوال دولة إسرائيل ستبقى ماثلة، وأختم بما قاله يوسي بيلين، وهو من أبرز المفكّرين الإسرائيليّين الذين كتبوا عن مستقبل إسرائيل بشكل استشرافي، إذ تملّكه خوف كبير من عزوف غالبية اليهود عن العيش في إسرائيل، ما لم يعم السلام في المنطقة، ويغيب عنها خطر الحرب والقتال، الذي يهدد بقاء دولة إسرائيل، وأما ما قاله موشي ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق عام 1954، "علينا أن نكون مستعدّين ومسلّحين، وأن نكون أقوياء وقساة، حتى لا يسقط السيف من قبضتنا وتنتهي الحياة"، فإن السيف مهما كان حاداً، ومهما كانت اليد التي تقبض عليه قوية، فإنه لن يتمكن من حفظ الحياة، لأن الآخر أصبح لديه من الإرادة والقوة، ما يكفي لأن يجعل السيف مثلَّماً، فلا خيار عسكري بيد إسرائيل، اللهم إلا البقاء في دوامة الخوف، وخوض غمار حروبٍ ستقضي عليهم بالتناقص، أو الإقرار بندية خصومهم، وبأحقيتهم في أرضهم ووطنهم وسلامة بلادهم.

انتخابات البلديات الفلسطينية/ خضر خلف

يتجسد بالفلسطيني الوطنية والبحث عن الحرية ، ويسير نحو الخير ويبتعد عن الشر بفضل تعاليم وطنية ودينية ، ولا يقبل بان تهبط وطنيته لمستوى الدردشة اليومية العقيمة والغير سليمة ، ويفضل هذا النهج والإيماني بحث عن تحقيق المصير وقيام دولته ، اخذ يسير نحو نهج المشاركة بالبحث عن الأمن والسلام وسلامة وطنه، من خلال النضال والمقاومة السياسية ، كبديل عن تبادل نصوص نهج المقاومة العسكرية والمسلحة ، حيث أصبحت هذه النصوص لا تهمه انطلاقاً ،من هذا المبدأ تعامل الفلسطيني مع عملية السلام كنهج سياسي يتيح له تحقيق الحرية وينطلق من خلالها نحو تطوير نفسه ومجتمعه، وبناء دولته لتضمن له حياة تبعد عنه قسوة الاحتلال وآلة بطشه وتكون له عدلاً.

تعم وبلا ادني شك افرز لنا هذا النهج السلطة الوطنية الفلسطينية بكافة مؤسساتها الوطنية ، والحكومية والغير حكومية ،فتحقق للفلسطيني حق الانتخاب والترشيح ، ومن هذا الحق تحولت أفكار البعض إلى ما لا يتفق مع ما ورثه أو تجسد به من تعاليم وطنيته ودينية و تغير حسن خلقه وسلوكه، لا بل أكثر من ذلك ابتعد عن العادات والتقاليد والقيم ، من خلال صنع الخلاف التصادمي العائلي سواء كان بالمدينة أو البلدة والقرية والمخيم.
نعم نحن نقف على عتبة انتخاب البلديات الفلسطينية ، ومع بداية الترتيب لتشكيل القوائم ، أصبحنا نصطدم بالخلاف التصادمي العائلي ، وحين يقع مثل هذا التصادم ندرك جميعنا بان مصدره يكون أناس عابثون او تائهو ن عن الخطى وعن الوعي والحس الوطني، وغالبا تكون أسبابه استغلال هؤلاء المرشحين لفقر و ضعف الناخب أو جهله ، أو مشكلة عائلية يستغلها ذاك المرشح ، أو قلة تربية بالمصدر ذاته باستغلاله الخلافات وإثارتها ... فهل نجد بالقانون هنا ما يحاسب ويُعاقب هذا المرشح أو ذاك وفق نصوص موضوعة لهذا التصرف أو ذاك ، أم يترك هذا المرشح أو ذاك يجول ويصول متجاهلا لكرامة هذا الإنسان وذاك الضعيف ، أو ينال من سمعة هذا الفصيل أو ذاك ؟؟، فأين إذا كرامة هذا الإنسان ؟؟!! وأين حقه في التعبير حسب قانون الحريات والضوابط التي تحميها ؟؟!!
انتخابات البلديات الفلسطينية ، هي بحد ذاتها سياسة تمتزج مع العائلية ،هذه الانتخابات يستغلها بعد المرشحين لتعزز شق الصف الفلسطيني والعائلي أكثر ، فتزيد من حجم المأساة والهوة بين أبناء العائلة الواحدة، تنطلق من مصطلح من خالفني الرأي فهو ضدي ، فنجعل من هذا واقع يتسبب في تمزيق النسيج العائلي تدفع الأسرة الفلسطينية فاتورة هذا الواقع وهذا الخلاف.
جميعنا ندرك بان الهدف من التصويت لاختيار رئيس وأعضاء المجالس البلدية ، يعني لنا اختيار المرشح المناسب لتقديم خدمات أفضل للمواطنين، لكن للأسف أصبحنا نبتعد عن هذه المعرفة والإدراك وحتى التسمية ، إن الأمور خرجت عن معنى تقديم الخدمة ، وعن اختيار المرشح الأفضل ، فأصبحنا نسير خلف من يريد أن يكون صاحب هذا المنصب ، دون أن نعي أهدافه ، نناصره ولو كان يقودنا نحو الباطل ، ولاء أطرش أعمى .

تبنى المتاريس أمام ديمقراطية المنافسة الحرة، بكل حقد وأنانية وكراهية، فيأخذ المرشح ومع بداية تشكيل قائمته، بمنافسة عنيفة تكون بريئة من القيم والوطنية والأدب وبعيدة كل البعد عن حسن الخلق والتدبير ، منافسون، لا يحترمون حرية وشخص من ينافسون، ولا اقصد الجميع (وإنما الشواذ).

مما لا شك به بان الجميع يدرك أن الانتخابات هي حق للشعب الفلسطيني يختلف عن باقي شعوب العالم ، لأنه شعب محتل متهض، وممارسة هذا الحق يعني للشعب الفلسطيني الكثير ، هو من مظاهر التحرر و بداية الطريق لبناء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف .
وعلينا أن ندرك أيضا بان الانتخابات سلاح ذو حدين، فهي بحد ذاتها تعبير حرّ من المواطن ليختار من يمثله في تسيير أمور مدينته أو بلدته أو قريته ، وهي كذلك تعني الخطر الحقيقي من خلال انتخاب من لا يستحق منا أن نمنحه الثقة ، ليس السبب لشخصه ، وليس لعائلته ، ولا لانتمائه ، وإنما السبب يكون متعلق بأهدافه .
و انتخاب من لا يستحق منا أن نمنحه الثقة ، هذا بحد ذاته يعني إلحاق الضرر بمصلحة البلد و مستقبله ، والرئيس والعضو المختار يجب أن لا يكون مختارا لسبب كثرة أمواله ، أو كثرة عدد الناخبين في عائلته ، لان أمواله وكثرت أفراد عائلته لا تعطيبه الحق بأنه يستحق الموقع ، الحق بان يكون كفوءا و يستحق الموقع أو متمكنا من أداء واجباته،بعيدا كل البعد عن أهدفه الشخصية أو الرغبة من الانتقام ، وان يبتعد عن صنع الصراعات العائلية وإبعاد الناخب عن هذه الصراعات و الظروف التي من شانها تمزيق الترابط الأسري، و ما يحاول إي من المرشحين من تثبيت ذاته من خلال ذلك ، في النهاية ستكون أرائه و توجهاته المعلنة نابعة من مصلحة شخصية ضيقة عقيمة ، كما نشاهده في يومنا هذا .

فأنت أيها المواطن تبقى سيد القرار ، فهل تحسن الاختيار


كاتب عربي فلسطيني

رسالة لمصر ومنظمة التحرير أيضا/ نقولا ناصر

لا يخلط منظمو أسطول الحرية لغزة ولا منظمو استقبالهم في القطاع المحاصر بين دولة الاحتلال الإسرائيلي كمسؤول أول وأخير عن احتلال القطاع وحصاره وفرض عقوبة جماعية على أهله وتحويله إلى أكبر سجن في الهواء الطلق في العالم وبين الدور المصري التابع في هذا الحصار، والإذعان العربي له، والتواطؤ الدولي معه.



غير أن التحدي الرئيسي الذي يمثله هذا الأسطول للاحتلال والحصار ينطوي أيضا ـ ـ بحكم الأمر الواقع وكتحصيل حاصل ـ ـ على رسالة وتحد للموقف المصري وموقف منظمة التحرير الفلسطينية من الحصار، لأن الحصار ما كان لينجح دون دعم دولي وإقليمي وحتى فلسطيني له، كما قال د. أحمد يوسف المستشار السياسي لرئيس الوزراء إسماعيل هنية، مما يحول التبعية للحصار والإذعان له والتواطؤ معه إلى شركاء في الحصار من الناحية العملية.



لا بل إن منظمي الإرسال والاستقبال معا يحرصون على تلافي أي خلط كهذا حتى لا يشوش على الرسالة التي يحرصون على إيصالها إلى الرأي العام العالمي بمسؤولية الاحتلال ودولته عن تجويع أهل القطاع وقتلهم "اقتصاديا" بالموت البطيء بينما يجري استخدام "السلام الاقتصادي" لقتل طموح أشقائهم في الضفة الفلسطينية لنهر الأردن إلى تقرير المصير والحرية والاستقلال الوطني.



لكن الحكومة المصرية، بدلا من احتواء الرسالة الفرعية غير المقصودة لأسطول الحرية لغزة عن طريق الاكتفاء بالتزام موقف "المتفرج"، وهذا أقل كثيرا من "أضعف الإيمان"، فإنها تتخبط فتزج بنفسها في معركة إعلامية وإنسانية لا ينبغي لها سياسيا أن تكون طرفا فيها ولا ينبغي لا إنسانيا ولا عربيا ولا إسلاميا ولا قانونيا أن تكون متفرجة عليها.



لقد رفض أسطول الحرية رفضا قاطعا عرضا رسميا من دولة الاحتلال باستقبال سفنه في ميناء أسدود وإدخال ما يحمله من مساعدات إنسانية ومتضامنين عبر معبر بيت حانون (إيرز)، لأن الموافقة على عرض كهذا تنسف رسالة منظميه من أساسها كونها تعني موافقة منهم على الحصار ونظامه. ولا يختلف عن هذا العرض إعلان الخارجية المصرية يوم الاثنين الماضي عن استعداد لاستقبال مماثل لسفن اسطول الحرية في ميناء العريش، أو ميناء بور سعيد للكبيرة منها، ثم إدخال ما تحمله عبر معبر رفح، إلا في كونه إجراء مماثلا لكن على الجانب المصري من الحصار ونظامه.



وإذا كان تصريح الناطق باسم الخارجية المصرية السفير حسام زكي بأن وزارته لم تتلق إخطارا رسميا من منظمي الأسطول برغبتهم في دخول القطاع عبر مصر هو في حد ذاته دليل على حرص منظميه على عدم زج مصر في معركة إنسانية هي أولا وأخيرا مع دولة الاحتلال، فإن التخبط المصري قد ظهر واضحا كذلك في نفي محافظ شمال سيناء اللواء محمد موافي لتقارير إخبارية نسبت إليه القول إن ميناء العريش مستعد لاستقبال أسطول الحرية، بينما ظهر واضحا أيضا الموقف المصري "المتفرج" بقوله إنه لم يعلن ترحيبه أو منعه دخول الأسطول عبر ميناء العريش، كون أي إعلان كهذا هو قرار سياسي للدولة خارج سلطته "التنفيذية".



وكان اللواء موافي دقيقا ومحقا، فالتبعية المصرية للحصار الإسرائيلي أو فك الارتباك المصري بهذا الحصار هو فعلا قرار سياسي سيادي مصري، وهذه قناعة فلسطينية رسمية وشعبية عامة تتجاوز الانقسام الفلسطيني الراهن لم تستطع تبديدها أو حتى إضعافها كل التفسيرات المصرية الرسمية لتسويغ الموقف المصري من الحصار، ولا استطاعت ذلك الذرائع التي تسوقها القاهرة لتسويغها، مثل استحقاقات معاهدة السلام المنفرد مع دولة الاحتلال، أو المعونات الأميركية المشروطة سياسيا لمصر، أو الالتزام المصري "بالشرعية الفلسطينية"، أو الالتزام بالاتفاق الخماسي المصري الإسرائيلي الفلسطيني الأوروبي الأميركي عام 2005 حول معبر رفح الذي تجاوزه الزمن ولم يكن أكثر من مجرد حلقة من حلقات تنظيم الحصار الإسرائيلي للقطاع.



وما زال المحاصرون يأملون ويناشدون أن تتخذ السيادة المصرية قرارها السياسي بهدم سور برلين الأميركي ـ الإسرائيلي الفاصل بين شعبي الأمة الواحدة على جانبي الحدود الوطنية بدلا من رفعه وتعميقه وفولذته وتطويله بحرا.



وإذا كانت مصر تجد مصلحة وطنية لها في استمرار إغلاق حدودها البرية مع القطاع، وهي منفذ القطاع العربي الوحيد إلى الحرية والحياة، وتسويغها ذلك بأن القطاع ما زال تحت الاحتلال، ردا على إدعاء دولة الاحتلال بأنها لم تعد القوة القائمة بالاحتلال في القطاع بعد إعادة نشر قواتها إلى خارجه عام 2005، فإن منفذ القطاع الآخر إلى الحرية والحياة هو المنفذ البحري، وهو ما يحاول المتضامنون الدوليون مع الشعب المحاصر فتحه الآن، ومصر لا تدعي أي سيادة لها على المياه الإقليمية الفلسطينية للقطاع، وبالتالي فإنها غير ملزمة فيها بأي من استحقاقات معاهدة صلحها المنفرد مع دولة الاحتلال، فلماذا لا تسهل كسر هذه الحلقة البحرية في الحصار المفروض على القطاع، بدلا من تعزيز إجراءاتها الأمنية منذ أوائل العام الحالي على امتداد الحدود البحرية المشتركة معه تعزيزا يعزز الحصار البحري عليه؟



تفتخر الدبلوماسية المصرية باحترامها للقانون الدولي والاتفاقيات الموقعة، خصوصا على حدودها البرية مع فلسطين في القطاع، متحملة من أجل ذلك نقد شعبها نفسه قبل الانتقادات العربية والإسلامية وبخاصة الفلسطينية، لكن هذه الدبلوماسية لا تبدو الآن حريصة بالقدر نفسه على احترام حتى اتفاقيات أوسلو التي رعتها والتي منحت قطاع غزة مياها إقليمية لمسافة عشرين ميلا بحريا، لكنها قلصتها إلى (12) ميلا بحريا بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2002، ثم إلى (10) أميال في الشهر الرابع من عام 2006 وإلى (6) أميال في الشهر العاشر من السنة نفسها وبعد عدوانها الشامل على القطاع أوائل العام الماضي إلى ثلاثة أميال بحرية فقط، وهذه مساحة بالكاد توجد فيها أية أسماك، ناهيك عن تزاحم حوالي (700) زورق صيد مسجل في مياهها يعمل عليها حوالي ثلاثة آلاف صياد سمك فلسطيني يعيلون عددا مماثلا من الأسر التي تتكون من عشرات الالاف الذين قتل عدم احترام الاتفاقيات الموقعة صناعة الأسماك الفلسطينية التي يعتاشون منها.



ربما لا توجد سابقة في التاريخ المعاصر للوضع الراهن المفروض عدوانا وظلما على القطاع الفلسطيني المحاصر سوى معسكرات الاعتقال التي أقامها النازيون الألمان لمعارضيهم، بفارق أن الغاز الذي استخدمه النازيون كان ألمانيا صناعة واستعمالا بينما "الغازات السامة" التي قتلت (54) فلسطينيا أميركية "رشتها قوى الأمن المصري" على ذمة المنظمة العربية لحقوق الإنسان (1/5/2010). وإذا كان "من يلتزمون الصمت" على هذا العدوان "سوف يدفعون الثمن أمام التاريخ"، كما قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، فكم بالحري من يشاركون فيه، طوعا أو كرها.



إن المخرج من هذا المازق الأخلاقي والإنساني والقانوني والسياسي والإعلامي الذي تجد الحكومة المصرية نفسها فيه له منفذان: إما أن تمارس مصر سيادتها بفتح معابرها بصفة "دائمة" مع قطاع غزة، فتحول "الأنفاق" إلى جزء من التاريخ، وتستكمل هذه السيادة بتعديل معاهدة صلحها مع دولة الاحتلال، كما قال السفير رئيس المجموعة العربية في المجلس المصري للشؤون الخارجية إيهاب وهبة، أو بتسهيل فتح المنفذ البحري للقطاع إلى العالم الخارجي في الأقل بالاستنكاف عن أي مساهمة في استمرار إغلاق منفذ لا سيادة لها عليه لكن تنسيقها الأمني مع دولة الاحتلال يمنح الأخيرة سيادة أمنية على المياه الإقليمية الفلسطينية التي لم تدع دول الاحتلال سيادتها عليها بل اعتبرتها حسب الاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير "منطقة لصيد الأسماك" و "منطقة نشاطات اقتصادية" فلسطينية بانتظار الاتفاق على وضعها النهائي.



إن أسطول الحرية لغزة ـ ـ بحكم الأمر الواقع وكتحصيل حاصل أيضا ـ ـ يوجه رسالة غير مباشرة إلى منظمة التحرير الفلسطينية التي ما زال موقفها من حصار القطاع يوفر "شرعية فلسطينية" لموقف مصري ما كان ليتغير لو لم تتوفر له هذه الشرعية لأن أسبابه مصرية خالصة في المقام الأول.



في سنة 1988، وردا على قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي بإبعاد مئات من قادة الانتفاضة الأولى، وبعد أن أدان مجلس الأمن الدولي بالإجماع إبعادهم كانتهاك لميثاق جنيف الرابع، تشجعت منظمة التحرير فاستأجرت زورقا يونانيا غيرت اسمه إلى "العودة" بهدف الإبحار إلى حيفا وعلى متنه 135 مبعدا فلسطينيا ومئات الصحفيين قبل ان تتراجع المنظمة بعد أن اعتبر رئيس وزراء دولة الاحتلال آنذاك اسحق شامير المحاولة بمثابة "إعلان حرب" وأمر وزير حربه اسحق رابين بمنع إبحاره "بكل الطرق" فاغتالوا مسؤولي المنظمة الثلاثة الذين نظموا رحلة "العودة" في ليماسول ثم فجروا زورقها.



والمفارقة أن رئيس المنظمة الحالي محمود عباس كان عضوا في قيادة المنظمة آنذاك، لكنه اليوم لا يكتفي بالامتناع عن أي تضامن من المنظمة وحكومتها مع المتضامنين الأجانب مع شعبه المحاصر في القطاع بل إنه لا يجد ضيرا في وصف سفن كسر الحصار بأنها "سخيفة ودعاية كاذبة ورخيصة ومزايدة لا أول لها ولا آخر"، بينما يدعو رئيس وزرائه د. سلام فياض إلى "رفع الحصار عن قطاع غزة فورا ودون شروط" في تعميم لم يستطع التغطية على إغفاله الإشارة المباشرة إلى دعم أسطول الحرية، في الأقل لفظيا، كما فعل عضو اللجنة المركزية في حركة فتح د. نبيل شعث الذي رحب "بهذه المبادرة" مؤكدا "رغبة فتح العمل بالوسائل السلمية، مع كل القوى المناصرة للحرية والعدالة في العالم، من أجل كسر الحصار الإجرامي الذي تفرضه سلطات الاحتلال الإسرائيلي على شعبنا في غزة"، دون أن يترجم لا هو ولا فتح ولا المنظمة ولا حكومتها هذا الترحيب إلى مساهمة ملموسة في أسطول الحرية لغزة. وبإمكان المراقب أن يتوقع النتائج الإيجابية لأي مساهمة كهذه لو حدثت في تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية وخلق جو إيجابي قد يساهم في إنجاز المصالحة الوطنية، ناهيك عن توفير "شرعية فلسطينية" لتضامن دولي مع الشعب الفلسطيني المحاصر في وقت عز فيه التضامن العربي.



* كاتب عربي من فلسطين

nicolanasser@yahoo.com*

الإغتراب اللبناني وضرورة تشكيل حكومة منفى/ الياس بجاني

رغم انسحاب الجيش السوري من لبنان رسمياً سنة 2005 إلا أن البلد بقي محتلاً بكل ما للكلمة من معنى وهو حتى يومنا هذا مغلوب على أمره ولم يستعد بعد لا سيادته ولا حريته ولا استقلاله، وجل ما حصل أنه بانسحاب الجيش السوري النظامي مرغماً نتيجة الضغط الدولي وانتفاضة ثورة الأرز حل مكانه وفي نفس اليوم جيش حزب الله الإيراني والسوري المرجعية والقرار والتمويل والقيادة وبسطت دويلة الحزب وغرفة عملياته المذهبية والأصولية سلطتها ونفوذها على كل مؤسسات الدولة اللبنانية من القمة حتى القاعدة وتحكمت بكل مفاصل الحكم وبحرية وقرارات كل المسؤولين السياسيين والعسكريين.

لقد بات جلياً وحسب الواقع المرير المعاش أن حزب الله مباشرة أو مواربة يهيمن كلياً وبشكل خاص على رئاسة الجمهورية ومجلس النواب وقيادة الجيش ووزارة الخارجية والحدود مع سوريا، في حين أنه ورغم وجود القوات الدولية في الجنوب إلا أن الحزب هو السيد المطلق هناك وقد أثبتت الأحداث التي شهدها الجنوب منذ عام 2006 وحتى تاريخه أن وضعية سلاح وقواعد ومسلحي ومخازن أسلحة ونفوذ الحزب لا تزال كما كانت عليه قبل حرب 2006 ، وربما تعاظمت أكثر.

ورغم أن ثورة الأرز حصلت على أكثرية نيابية في الانتخابات التي جرت عامي 2005 و2009 إلا أنها لم تتمكن من انتخاب رئيس للجمهورية ولا رئيس لمجلس النواب من خيارها كما أنها لم تتمكن من تشكيل أي حكومة بعد الانسحاب السوري ليس فيها قرار تعطيل بيد حزب الله، كما فشلت كل الحكومات في عدم تبني سلاح الحزب في كافة بياناتها الوزارية، ويوم حاولت حكومة الرئيس السنيورة اتخاذ قرار بنقل مسؤول الأمن في مطار بيروت التابع مباشرة للحزب ووضع اليد على شبكة اتصالاته غير الشرعية سنة 2008 رد الحزب عسكرياً بغزو بيروت والجبل ونجح بعد ذلك بفرض معادلة جديدة من خلال اتفاق الدوحة له فيها أحادية القرار الرسمي على كافة المستويات.

من هنا لم يعد لبنان بلداً مستقلاً وصاحب سيادة على أرضه وممسكاً بقراره ومصيره، كما أن طاقمه الحاكم لا يمثل إرادة شعبه المتعدد الإثنيات والحضارات والأديان، بل أمسى الحُكام والمسؤولين فيه محكومين "وفزاعات" "وخيالات صحرا" ودمى يتبارون بذمية فاقعة في مديح وتبجيل حزب الله والتغني ببطولاته وانتصاراته الوهمية بعد أن تنازلوا عن واجباتهم والتزاماتهم الدستورية والوطنية والأخلاقية. فلا رئاسة الجمهورية حامية للدستور، ولا الحكومة قادرة على الحكم، ولا القوى العسكرية لها حصرية امتلاك السلاح وصون الحدود، ولا القوى الأمنية قادرة أن تحمى المواطنين، ولا القضاء منزهاً وعادلاً، ولا العلاقات مع الدول تحكمها الأعراف، ولا كل من يعارض هذا الوضع الشاذ من الأحزاب السيادية والقيادات والسياسيين والمثقفين قادرون على وقف انفلاش سلطة وهيمنة حزب الله على حساب الدولة ومؤسساتها.

ترحم على الدولة اللبنانية وعلى استقلال الوطن كل من سمع من الغياري على لبنان حسن نصرالله في 25 من الشهر الجاري وهو باستكبار مرضي يُسوّق لثقافة القتل والدمار والخراب والحروب والعداء والكراهية ويتبجح بتعاظم ترسانة حزبه الصاروخية ويهدد بضرب كل السفن التي تتجه إلى إسرائيل في حال وقوع الحرب.� وبدلاً من المطالبة بمحاكمته بجرم تنفيذ الغزوات والتسبب بالحروب ومصادرة قرار الدولة وإقامة دويلة وارتكاب المجازر والتطاول على الأشراف وقيادة جيش إيراني في لبنان وخدمة دول غير دولة لبنان وتعريض اللبنانيين للإخطار، بدلاً من كل هذا يهلل له الحكام ويستعطفه المسؤولون ويخطب وده أهل السياسة.

عطفاً على كل ما ورد ولأن الوضع داخل لبنان بات مأساوياً نتيجة التغلغل السوري والإيراني العسكري والمالي السرطاني والإرهابي، وبسبب تبعية الحكام اللبنانيين المطلقة لسوريا وإيران، ونتيجة هيمنة حزب الله التابع مباشرة للحرس الثوري الإيراني على كل مؤسسات الدولة وعلى قرارات المسؤولين فيها، أصبح من الضروري أن يهب الاغتراب اللبناني في كافة بلاد الانتشار لنجدة وطنه الأم وتخليصه من فك التنين الإيراني السوري المفترس قبل فوات الأوان.

بداية المطلوب من الاغتراب تشكيل هيئة إنقاذ تتمثل فيها كل الشرائح اللبنانية الاغترابية السيادية على أن تكون أولى مهماتها البحث قانونياً في قدرات وإمكانيات لبنان العملية والواقعية على حكم نفسه بنفسه طبقاً لشرعة الأمم المتحدة التي تلزم كل الدول الأعضاء فيها التقيد بها والخضوع لها، ومن ثم الطلب من هذه المنظمة الدولية إصدار قرار دولي عن طريق مجلس الأمن يأتي تحت البند السابع الملزم يقضي بإرسال قوات دولية لا تشارك فيها سوريا، تتمركز على الحدود اللبنانية السورية، على أن يوضع الجيش اللبناني تحت أمرة هذه القوات وتتولي معه تجريد حزب الله والفلسطينيين من سلاحهم وحصر كل السلاح بالسلطة اللبنانية الشرعية.

وفي حال كان الوضع اللبناني المأساوي والفوضوي المتفلت يطابق ما تنص عليه بنود قوانين الأمم المتحدة لجهة عجز الدول عن حكم نفسها، تسعى عندها هيئة الإنقاذ الاغترابية لتحقيق هذا الأمر وتعمل من خلال دول العالم الحر على إعلان لبنان دولة عاجزة عن حكم نفسها، فتتسلم �عندها الأمم المتحدة حكم لبنان مؤقتاً وتقوم بتأهيله ليتمكن مستقبلاً من حكم نفسه بنفسه. المطلوب أيضاً من هيئة الإنقاذ المقترحة إجراء كل الاتصالات الضرورية مع فعاليات الاغتراب اللبناني والأمم المتحدة ودول العالم كافة لتشكيل حكومة لبنانية في المنفى في حال كان هذا الأمر ضرورة تقتضيها الظروف في حينه.

من حق الاغتراب اللبناني القانوني والأخلاقي، لا بل من واجبه المقدس أن يمنع انهيار لبنان وتحويله إلى دولة مذهبية وإرهابية على شاكلة دولتي محور الشر سوريا وإيران. إن في لبنان أربعة ملايين لبناني، أما في بلاد الانتشار فيوجد ما يزيد عن 16 ميلون لبناني المطلوب منهم جميعاً اليوم وبسرعة نجدة وطن أجدادهم المقدس وصون استقلاله والحفاظ على رسالته وهويته والحريات.

الديمقراطية هي الحل!/ سعيد علم الدين

من رفع شعار الإسلام هو الحل لاستعادة مجد الخلافة الاسلامية، كان مراهقا في السياسية قصير النظر في الدين. ولم يكن مجددا مبتكرا بقدر ما كان مرددا مكررا لتجارب دول وممالك استبدادية فاشلة بنهايات دموية قاتلة وفي تجاهل لحقائق التاريخ واسباب انهيار الخلافات الاسلامية ترهلا الواحدة تلو الأخرى.
لقد اثبتت التجارب التاريخية وبالأخص الحديثة منها أن المجتمع أو الدولة أو النظام الذي ينهض على تصارع الرؤى والفلسفات والأفكار واحترام الحريات وصونها بالدستور، هو مجتمع قوي البنية، متماسك النسيج الاجتماعي، مستوعب للمشاكل ولإيجاد حلول لها، منفتح على الآخر متقبل للنقد، متفتح الروح يرفض الانغلاق، عقلاني مستنير واثق من نفسه، يسير ثابت الخطى على هدى المصابيح الفكرية المشعة تنير له الطريق من تقدم الى نجاح، ومن استقرار الى ازدهار، من اختراع الى ابداع، ومن تألق الى إشعاع.
على عكس المجتمع أو الدولة أو النظام الذي يُبْنى على الفكر الشمولي الاستبدادي، الإكراهي الاستعبادي، الدكتاتوري الأحادي الذي يقوده في نهاية المطاف ليس الى الفشل الذريع فحسب، بل وإلى تخثر الدم في الشرايين، وبالتالي الى فساد الجسم والشيخوخة والتَّهرم والتكلس والتقوقع والتقزم والموت السريري والانهيار.
وهذا ما حدث بالضبط للعملاق التاريخي الاتحاد السوفيتي الكبير الذي لم يستطع رغم تفوقه العلمي الناجح وفي كل الميادين، ومنظومته العقائدية الإنسانية الاشتراكية الغنية المضامين، واتساع اراضيه المترامية الأطراف بثرواتها الهائلة وشعوبها المجدة، الصمود أمام مطرقة الحقيقة ومنجل الحرية، أكثر من سبعين سنة فتلاشى جثة هامدة وانهار دون حرب وقتال.
وها هي روسيا اليوم بعد ان جددت الدماء في شرايينها عادت في وقت قصير لتحتل كدولة عظمى مركز عالمي مرموق من خلال تصارع الأحزاب والرؤى والأفكار.
ولا عجب بعد ذلك ان تنهزم الامبراطورية العثمانية المريضة الهرمة المترامية الأطراف هزيمة شنعاء في القرن الماضي وتتشرذم جثتها، وتنهض على أثرها دولة أتاتورك العلمانية الديمقراطية التي جددت الدماء في شرايين تركيا وسمحت أخيرا للإسلام العقلاني الديمقراطي باستلام السلطة عبر صناديق الاقتراع ودون فكر سقيفة بني ساعدة العشائري القبلي الاكراهي الاستبدادي الدموي العسكري الانقلابي، الذي ساهم مباشرة في كل الانقلابات العسكرية التي حلت كوارثها في العالم العربي في القرن العشرين، والتي لم تكن سوى امتداد متوارث واستمرار لم ينقطع لحظة واحدة لفكر سقيفة بني ساعدة وصراع الخلفاء المسلمين على الكراسي وقتل الأخ لأخية بدم بارد.
ماذا فعلت هذه السقيفة التي يعمل الإسلاميون جاهدين على تجميل ما حدث فيها وكأنه شورى بين صحابة وحكماء أدت الى مبايعة ابو بكر، وليست صراعا بين متخاصمين على كرسي السلطة فُرضَ عليهم ابو بكر بالقوة ؟
لقد اسست السقيفة في الاسلام لسياسة الغالب المنتصر على المغلوب المنكسر، وشرَّعت لانتصار منطق القوة والعنف والإكراه والتهديد بالسيف، على منطق الحق والحوار والإقناع والاقتناع بالكلمة.
لم يكن الأنصار مقتنعين بمبايعة المهاجرين فقبلوا مكرهين!
ولم يكن علي مقتنعا بمبايعة ابي بكر وبايعه مكرها!
ولو لم يحصل يومها ابو بكر وربعه على مبتغاهم بوراثة كرسي السلطة عن محمد لوقعت الواقعة التي تفادوها يومها.
ولكن ما بُنِي على غلط لا بد ان يتهدم على رؤوس اصحابه. وهكذا وقعت السقيفة على الرؤوس التي تطايرت لاحقا تباعا.
كيف لا وقد اسست لمنطق القوة والمؤامرة والخداع وحد السيف، الذي قتل خلفاء ابو بكر فيما بعد واحدا بعد الآخر، الى ان وقعت الواقعة الكبرى بين على ومعاوية وقسمت ظهر الإسلام بين فرق ومذاهب وشيع تحمل في قلبها وعقلها وكامل عواطفها العداوة والحقد الدفين والثأر والتآمر على بعضها البعض حتى اليوم.
ونظام ملالي ايران اليوم يمثل رأس المؤامرة المستمرة والمستعرة والمتجذرة في النفوس المريضة لاستعادة مجد تليد خسره كسرى، وحق مهضوم ذهب من ايديهم يوم السقيفة، لا يستطيعون بعد الف 1400 سنة استعادته الا بالسيطرة الكاملة كدولة نووية عظمى على العالم العربي والاسلامي وكوريثة شرعية لآل البيت.
لقد سلبت فكرة تؤخذ الكرسي غلابا بقوة الساعد والجيش والمخابرات وبدعم من رجال الدين قدرات العقل العربي عن التحرر من هذه الفكرة التي بَنت نظاما دكتاتوريا شموليا تعسفيا معرضا للانهيار، ولا تصنع وطنا لشعب حي منطلق مبدع جبار.
ولا عجب بعد ذلك أن تقف الدول العربية صاحبة الموروث الاسلامي التسلطي عاجزة عجزا كاملا امام تحديات العصر الحديث وتطلعات شعوبها متخبطة في فراغ فكري بين الموروث البائد والحاضر السائد.
وحاولت وما زالت الحركات الاسلامية تحاول عبثا على انواعها سنية وشيعية ملء الفراغ بواسطة فكر اسلامي مستهْلَك، ومُردِّدٌ غير مُجدِّدٍ.
متجاهلة وغير منتقدة أسباب انهيار الخلافات الاسلامية واخرها العثمانية. في قاموسهم الحل في الاسلام وانتهى الموضوع. وكأن دولة الخلافة العثمانية كانت تحكمها القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وليس تعليق المشانق في بيروت ودمشق والجبل الأسود.
ان هيمنة الفكر الإسلامي وتسلطه القهري التعسفي على الحقيقة قادت مجتمعاته خلال مئات السنوات الى حالة من الركود الفكري الأحادي الاستسلامي لمشيئة الله وأقداره، أدت الى الجمود والتخثر والتخلف والجهل والفقر والانهزام والتخبط على غير هدى بين قيم الحداثة وابداعاتها التي يحتاجها المجتمع بحكم الضرورة وبين الموروث الديني الذي يقطع طريقها بعد ان اعلن الحرب على ما لا يحتاجه منها كالحرية والديمقراطية والتعددية وتقبل الفكر الآخر واحترام حقوق الإنسان.
فالموروث الديني يلهث وراء السيارة مقطوع الأنفاس، وفي داخلها تتجلى الحداثة بكامل حللها!
فالموروث الديني يلهث وراء دولة الخلافة مقطوع الأنفاس، وفي الدول الحديثة العصرية تتجلى الديمقراطية بكامل حللها!
وستنتصر ثقافة التنوير السلمية الفكرية الحرة وستقود المجتمع الى التغيير الديمقراطي المطلوب خدمة للشعوب.

قوانين عنصرية بالجملة/ راسم عبيدات


....لم يعرف التاريخ البشري على مر عصوره وبأسوأ أشكال وأنواع احتلاله،هذا الشكل والنوع من العنصرية والإقصائية ورفض الاعتراف بالآخر ومحاولة محو ذاكرته ووجوده وكي وعيه وإجباره على تعلم رموز وتعاليم محتله،فها هو "جدعون ساغر" وزير التربية والتعليم الإسرائيلي كل يوم تتفتق ذهنيته العنصرية عن قوانين جديدة تستهدف منهاج التربية والتعليم الخاص بالطلبة العرب في الداخل الفلسطيني،فمن إخراج كلمة النكبة من المنهاج التعليمي العربي الى فرض تعلم الطلبة العرب عن ما يسمى بالمحرقة الصهيونية والتراث اليهودي وغيرها.

وفي ظل مجتمع عنصري مسكون بالخوف الدائم من الفلسطيني في الأحلام واليقظة وحتى في القبور،يجري النظر للشعب الفلسطيني على أنه سرطان يجب اقتلاعه من أرضه،وبالتالي تصبح أي ممارسة ضده بغض النظر عن قانونيتها او عدمها مباحة ومشرعة،وليست فعلاً منافياً لحقائق التاريخ وتزويراً له،وليست أيضاً لا سامية بغيضة ولا خروجاً على كل الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية،

ومع تشكل الحكومة الإسرائيلية الحالية التي تسيطر عليها قوى اليمين والتطرف،شهدنا ونشهد حالة من التصعيد غير المسبوق وصلت حد "الهستيريا" ضد الشعب الفلسطيني على امتداد جغرافية فلسطين التاريخية،حيث نرى تسابقاً محموماً من قبل مختلف ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي بمختلف ألوانه السياسية سميه كما شئت يسار أم يمين وغيره،على تقديم مشاريع قرارات لأقرارها من قبل الكنيست الإسرائيلي،تستهدف شعبنا الفلسطيني في وجوده وهويته وتاريخه وثقافته وقوميته وذاكرته ووعيه .

والأحزاب الإسرائيلية ترى أن تحقيق وزيادة شعبيتها وجماهيريتها بين الجمهور الإسرائيلي وتمثيلها في الكنيست والحكومة،وإثبات صهيونيتها وولاءها وإخلاصها لتعاليم وأفكار"جابوتنسكي" و"هرتزل" و " بن غوريون" وغيرهم من قادة الحركة الصهيونية تتحقق فقط من خلال ما تطرحه من أفكار وحلول عنصرية وما تقوم به من أفعال وممارسات مغرقة بالعنصرية والتطرف ضد شعبنا الفلسطيني.

وهذه الحرب الشاملة على شعبنا تتصاعد يوماً بعد يوم وعلى أكثر من جبهة وصعيد ففي الداخل الفلسطيني حيث جبهة الثقافة والتعليم تتعرض لهجمة شرسة فوزير التربية والتعليم الإسرائيلي"جدعون ساغر" من بعد قراره بإخراج كلمة ومصطلح النكبة من منهاج التعليم العربي،وفرض ما يسمى بالنشيد الوطني الإسرائيلي"هتكفاه" الأمل على الطلبة العرب إلى قانون فرض تعلم الطلبة العرب عن ما يسمى بالمحرقة الصهيونية،أما على جبهة الحريات والسياسة،فكل يوم نسمع عن قوانين لكي الوعي الفلسطيني وتكميم أفواه شعبنا هناك،فمن قانون منع إحياء النكبة إلى قانون ما يسمى بمنع التحريض إلى قوانين المحاكمات السياسية والتي طالت العديد من الرموز السياسية وقادة ونشطاء العمل الأهلي والمجتمعي هناك،ابتدأت بقانون عزمي بشارة ومن بعدها محاكمات سياسية مستمرة ومتواصلة للشيخ رائد صلاح ومحمد بركه وسعيد نفاع وجمال زحالقة وغيرهم،لتتمخض هذه المحاكمات لاحقاً وبعد اعتقال اثنان من قادة ونشطاء العمل الأهلي هناك ( د.عمر سعيد وأمير مخول) وتوجيه لوائح اتهام ضدهم بالتعامل مع جهة معادية وقت الحرب وتقديم مساعدة لها والمقصود هنا حزب الله عن تقديم مشروع قانون للكنيست من أجل إقراره بسحب جنسية من ينتمي لمنظمة معادية أو يثبت تجسسه لصالح تلك المنظمة من عرب الداخل،والمقصود هنا منظمات الثورة الفلسطينية وحزب الله وإيران،والأمور ليست وقفاً على هذا فقط،بل جملة أخرى من القوانين العنصرية لها علاقة بمنع أهلنا هناك من التواصل مع عمقهم العربي،حيث جرت أكثر من مرة محاكمات لعدد من القادة لشعبنا هناك على خلفية زياراتهم الى سوريا ولبنان وليبيا وغيرها.

أما على صعيد القدس فالحالة شبيه إلى حد كبير لما يجري في الداخل،حيث سياسة التطهير العرقي على قدم وساق،فقد شهد العام الماضي سحب هويات لما يزيد عن أربعة ألاف مقدسي،ناهيك عن أن خطر الهدم يتهدد أكثر من عشرين إلف بيت فلسطيني هناك،والقوانين والتعقيدات المفروضة على البناء في القدس للعرب،الهدف منها دفعهم للرحيل عن أرضهم،وكما هو حاصل في الداخل على الصعيد السياسي من كي للوعي واعتقالات وكم أفواه،نجد ذلك في القدس حيث وجدنا أنه بعد تحرر الشيخ محمد أبو طير مؤخراً المنتخب للمجلس التشريعي عن كتلة الإصلاح والتغير التابع لحماس سحبت منه هويته،وأعطي مدة شهر للرحيل ومغادرة القدس،أضف إلى ذلك القوانين والقرارات والأوامر العسكرية التي تمنع أي نشاط فلسطيني في القدس حتى لو كان على شكل عمل خيري أو إغاثي أو ترويحي أو ترفيهي حفل غنائي أو مخيم صيفي للأطفال،أو إقامة بيوت العزاء للشهداء والقادة والرموز الوطنية أو استقبال المهنئين بالأسرى المفرج عنهم من سجون الاحتلال.

وكل هذا ليس كافياً في عرف الاحتلال وشريعته،فغزة المحاصرة والمحرومة من أبسط مقومات الحياة البشرية،والتي يموت فيها السكان جوعاً ويحرمون من العلاج بسبب الحصار،كان لها نصيب من قوانين الاحتلال العنصرية،حيث صدر قانون عسكري يحمل الرقم 1650،والذي بموجبه سيتم طرد كل من يحمل هوية غزة ومقيم في الضفة الغربية أو القدس على حد زعمهم بطريقة غير شرعية أو قانونية،وهذا يستهدف طرد ما لا يقل عن 70000 ألف مواطن فلسطيني من حملة هوية غزة.

والأسرى الذين يتعرضون إلى هجمة شاملة من قبل إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية،بقصد النيل من إرادتهم ومعنوياتهم،والتعدي الصارخ على حقوقهم وما حققوه من منجزات ومكتسبات عمدت بالدماء والتضحيات،كان لهم نصيب من هذه القوانين الإسرائيلية العنصرية،فمن قانون المقاتل غير الشرعي والذي بموجبه،يتم الاستمرار في اعتقال الأسير الفلسطيني بعد انتهاء فترة حكمه،إلى ما يسمى بالاعتقال الإداري المفتوح،أي بمعنى عدم تحديد سقف زمني لفترة الاعتقال،وعدم عرض الأسير على المحاكم،أو منحه الحق في الدفاع عن نفسه أو معرفة التهمة التي يجري على أساسها الاستمرار في اعتقاله وبقاءه في السجن.

والأمور لم تقف عند هذا الحد،بل لجأت إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية وبموافقة وإقرار من المستوى السياسي الى مساومة الأسرى المنتهية مدد حكمهم،إما الموافقة على الخروج من المعتقل إلى غزة أو الخارج أو استمرار بقاءهم في المعتقل،وأخيراً على ضوء تعثر المفاوضات المتعلقة بصفقة تبادل الجندي الإسرائيلي المأسور" شاليط" ورفض إسرائيل للشروط ومطالب الفصائل الفلسطينية الآسرة ل"شاليط" تتجه الحكومة الإسرائيلية إلى سن ما يسمى بقانون"شاليط" والذي جرى إقراره بالقراءة الأولى،هذا القانون الذي يستهدف تشديد العقوبات على الأسرى الفلسطينيين،من أجل الضغط على الفصائل الفلسطينية الآسرة ل"شاليط" للتخلي عن شروطها ومطالبها،والعقوبات التي يجري الحديث عنها من منع زيارات الأهالي لأبنائهم الأسرى ومقابلة المحامين ومنع إدخال الصحف والكتب وحجب القنوات الفضائية والحرمان من تقديم امتحانات الثانوية العامة أو الالتحاق بالجامعات والعزل وغيرها،إجراءات معمول بها ومطبقة بحق أسرانا وهي ليست بالجديدة ،وسجون الاحتلال ليست بالفنادق فهي قبور للأحياء وتفتقر إلى أدنى شروط وظروف الحياة الإنسانية،والأسرى مجردين ومحرومين فيها من الكثير من الحقوق التي نصت عليها الأعراف والمواثيق الدولية،وهذا القانون وطرحه ليس الهدف منه الضغط على آسري "شاليط"،بل خلق حجج وذرائع من أجل شن هجمة جديدة على الحركة الأسيرة الفلسطينية،من أجل كسر إرادتها وتحطيمها وتفكيك منظماتها الإعتقالية ،وإبقاءها في حالة من الدفاع المستمر ومنعها من إقامة بنى وهياكل تنظيمية وغيرها.

إن الحكومة الإسرائيلي وأحزابها السياسية كشفت وتكشف كشرت وتكشر عن أنيابها بشكل سافر ووقح ضد شعبنا الفلسطيني في ظل إنحيازات كبيرة في المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين والتطرف،وبما يفرض على كل قوى وأحزاب شعبنا الفلسطيني على مختلف مشاربها الفكرية وتلاوينها السياسية،أن تتوحد في معارك الدفاع عن هويتها وحماية وجودها،واستمرار صمودها وبقاءها على أرضها،فكل قوى شعبنا الفلسطيني بمؤسساتها وقياداتها ونشطائها في دائرة الاستهداف الإسرائيلي.

من يرث بريدك الألكتروني/ أحمد عـــدوان

جميعنا يمتلك بريد ألكتروني علي الأنترنت أسم خاص ورقم سري للدخول ، يتيح لكل واحد منا الخصوصية التامة والملكية الخاصة فيه من الخصوصيات ما تختلف من شخص لأخر والجميع يعتبر الرقم السري الخاص به هو عبارة عن سر لا يمكن ان يفضي به لأحد حتي ولو كان من المقربين وما ان يتعرض لقرصنة من أحد قراصنة الانترنت حتي يبذل قصاري جهده لاستعادته ويعتبره حق لا يمكن التفريط به
وربما يصل الأمر إلي دفع مبلغ من المال لأحد الخبراء في أستعادة الأيميلات المسروقة ، كي يعود لنا خاصتنا وضالتنا المفقودة ، ولا يهدأ بال الشخص منا حتي يقر برؤية نزلائه والمضافين لديه من الأقارب ، والأصدقاء والاهل والاحباب وهم باللون الأخضر (متصل ) كل ذلك يعلي من قيمة البريد الألكتروني وتأثيره وتلاصقة بالانسان العصري ، ويجعل منه قيمة كبيرة في حياة الأنسان اليومية فتجد أغلب من يمتلك بريد ألكتروني يخصص من يومه جزءأ كبيراً لمتابعة البريد الوارد واخر الأخبار عن الأهل والاصدقاء
ومنا من يتداول البورصة من خلاله ، وهناك من يجعله مصدرا لتداول البيانات والتجارة ويجعل من البريد الالكتروني تناقلا للصور حتي اعماله الادبية والصحافية والفنية منها وخلافة من الأشياء التي يمكن ان تقنع كل شخص منا حسب استخدامه واحتياجاته الخاصة ، أصبح البريد الألكتروني شئ لا يمكن الاستهانة به بين كل الفئات العمرية التي تستخدمه
وحيث كونه من الملكيات الخاصة لا يمكن أن يختلف عن اقتناء السيارة أو حتي العقارات ومع ذلك فأن لكل بريد مفتاح دخول تماما كما يمتلك كل شخص منا مفتاح بيته أو سيارته ومع وفاة كل انسان منا يترك ذلك وراءه تماما كما سيترك ذلك البريد الألكتروني بكل ما يحمله من خصوصيات وأصدقاء وأعمال وخلافة ، ويبقي بذلك أسيراً مبهما مخفيا ومهملا ً بعد وفاة مستخدمه
لكن هل طرح أحد منا علي نفسه سؤالاً من يرث بريده الألكتروني بعد وفاتة ؟؟ ، ومن هو الشخص المخول والثقة الذي يمكن ان يكمل مسيرة التعارف والصداقة والعمل التي قضيناها حفاظا علي ذلك البريد الألكتروني ، في حين أن الكثير من الأشخاص تعتبر ذلك البريد هو ملازم لهم طوال عقود من الزمن ، بمعني انه اذا توفي شخص يورث أهله من بعده خصوصياته واملاكه علي شرع الله او يمكن ان يكتب الشخص وصيه بان يرث فلان قطعة أرض او عقار او سيارة او خلافة
فهل يمكن في يوم من الايام أن يكتب المتوفي وصيته بأن يرث فلان بريده الالكتروني
بعد كل ما سبق هل حقيقي سيكون البريد الألكتروني وما فيه من أسرار تركه مقنعة للورثة ، وهل سيحسن الوارث أستخدام تلك التقنية أنا عن نفسي سأكتب وصية بأن يرث ولدي بريدي الألكتروني لأنني علي قناعة انه سيحسن معاملة أصحابي وكذلك تداول المعلومات فيه مما يتيح له خبرة أكبر ومعرفة أكثر ويجعلني مرتاح وأنا في قبري وعلي قناعة تامة ان ولدي سيدعي لي أن يبشبش ربنا الطوبة التي تحت رأسي ، فما هو رأيك عزيزي القارئ هل ستذهب للشهر العقاري لتسجل وصيتك بتوريث بريدك الالكتروني.

قراءة في نتائج الانتخابات البلدية وانعكاساتها على الساحة الشيعية/ السيد محمد علي الحسيني


يبرر "حزب الله" تحالفه الانتخابي مع حركة "أمل" بأنه تعبير عن تقارب المواقف والخيارات السياسية, وهو تحالف يستند إلى أرضية سياسية واضحة ومعروفة بلغت حد التطابق في المواقف والخيارات بدرجة عالية منذ العام 2005. ويعتبر أن إعلان التفاهم الشامل في جميع الدوائر البلدية تجسيد لتلك العلاقة الوثيقة التي ميزت المشهد السياسي اللبناني في السنوات الأخيرة.
هذا الأمر لا تؤكده الوقائع السياسية وخصوصا تلك المتعلقة بالأداء الداخلي, بدءاً من الموقف من الحكومة والمشاركة فيها وكيفية التعاطي مع قراراتها من جهة, والتحالفات السياسية مع القوى الأخرى من جهة ثانية.
في الشق الأول من علاقة الحزب والحركة, بدأ التباين بين الجانبين يظهر منذ حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى المشكلة العام 2005 بعد الانتخابات النيابية, فقد دفع "حزب الله" وزراء حركة "أمل" إلى الاعتكاف مع وزرائه في المرة الأولى, ومن ثم دفعهم إلى الاستقالة مرة ثانية. وقد أعلن الرئيس نبيه بري يومها, ومن طهران, أن الحكومة بعد استقالة الوزراء الشيعة تبقى حكومة دستورية ولكنها غير ميثاقية, (باعتبار أن عدد المستقيلين لا يلغ الثلث زائد واحد) ولكنه سرعان ما سحب هذا التصريح من وسائل الإعلام بعد لقائه المسؤولين الإيرانيين, ليعلن أن الحكومة غير شرعية.
وبعد اتفاق الدوحة, رفض "حزب الله" عودة السنيورة لرئاسة الحكومة ولكن موقف بري المناقض جعل الأول يرضخ. وبعد الانتخابات النيابية الأخيرة (2009) كان موقف حركة "أمل" أكثر تسهيلاً للرئيس المكلف سعد الحريري لتشكيل حكومته الأولى على عكس موقف "حزب الله" المعرقل والمتلطي بمطالب حليفه ميشال عون.
وفي الشق الثاني, ثمة اشتباك سياسي مستمر بين بري والنائب ميشال عون, ومواضيعه متعددة مثل دعوة بري إلى تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية, والمطالبة بخفض سن الاقتراع, وإجراء الانتخابات البلدية, والتعيينات في الحكومة, والموازنة, ويقف "حزب الله" محرجاً بين حليفيه, يحاول أن لا تنفجر جبهة "8 آذار" التي تشكل غطاءً لبنانياً لسلاحه ذي الأجندة الإيرانية.
عمل "حزب الله" أخيراً على عدم إجراء الانتخابات البلدية لكي لا يحرج عون المتراجع مسيحياً كما بينت الانتخابات النيابية في العام الماضي, وفي المقابل عمل بري مع الحريري وآخرين على إجراء الاستحقاق البلدي, وقبل أسبوعين فقط من بدء هذه الانتخابات كان الجو يوحي بعدم إجرائها, ولكن تدخل سورية لتنفيذ اتفاق في هذا الشأن مع السعودية, حسم أمر إجراء الانتخابات ولم يستطع "حزب الله" تفادي الأمر لأنه لا يريد افتعال مشكلة مع السوريين كرمى لعيون عون.
وحصلت الانتخابات فأسقط بري لائحة عون في جبيل وأسقط عون لائحة بري المدعومة من "14 آذار" في جزين.
قبل ذلك, ومع حسم قرار إجراء الانتخابات كانت قيادتا "أمل" و"حزب الله" أمام واحد من خيارين لا ثالث لهما, فإما إقامة ائتلاف انتخابي وخوض الانتخابات بلوائح مشتركة تقطع الطريق على الخصوم وعلى المستقلين الذين يتحينون الفرصة لإجراء جردة حساب مع المجالس البلدية الخاضعة لنفوذ الطرفين الشيعيين, وإما إعادة إنتاج المشهد الانتخابي لعام 2004 الذي حصل على خلفية انقسام سياسي واضح, وأورث حالة من الانقسام والتحدي تحت ضغط المنافسات التي اتخذت صفة حزبية عصبية بين أنصارهما.
أجرت القيادتان حساباتهما, وتوصلتا إلى نتيجتين رئيسيتين, سياسية وتنظيمية. على المستوى السياسي تبين أن القاعدة الشعبية الشيعية قلقة على المستقبل, وخصوصاً بعد أن انتهت حروب الطرفين المهيمنين على الطائفة إلى نتائج كارثية, ففي مواجهة إسرائيل, ورغم فشل العدو في حرب يوليو 2006, إلا أن الضرر الذي أحدثته تلك الحرب كبير للغاية ولم تعد حياة الجنوبيين إلى سابق عهدها, وذهبت معظم التعويضات المالية الضخمة التي دفعتها إيران إلى جيوب المنتفعين, وكشف إفلاس صلاح عز الدين وجود مئات ملايين الدولارات من أموال التعويضات في حسابات هؤلاء.
ومن جهة ثانية فإن كل المعارك الداخلية التي خاضتها الثنائية الشيعية أفضت إلى تسويات وليس إلى انتصارات, بدءاً من قبول السنيورة رئيساً لحكومة ما بعد الدوحة, مروراً بالخسارة المدوية لانتخابات 2009, لفريق "8 آذار", وصولاً إلى تشكيل الحكومة الحالية.
كل ذلك مترافق مع خطر نشوب حرب إسرائيلية جديدة لا تبقي ولا تذر, وإذا كان "حزب الله" يتصرف على أساس أنه سيصمد ولن يسحق, فإن الجنوبيين والبقاعيين الذين ستدور الحرب على أرضهم يخشون الأسوأ.
على الصعيد التنظيمي, وجد "حزب الله" أن التباين السياسي مع الحركة يمكن تجاوزه إذا أعطى من رصيده بعض المواقع البلدية في القرى والبلدات التي يهيمن عليها, ووجدت الحركة أنها ستكسب أكثر مما ستخسر من هذا التوزيع, لا سيما وأن الاتفاق يقضي باعتماد النسبية, وفقاً للنسب المحققة في انتخابات 2004 البلدية أو انتخابات 2009 النيابية. وهكذا أدخل الحزب في لوائحه أعضاء "أمل" بنسبة 30 أو 40 في المئة على الأكثر, فحقق التوافق ولم يخسر الأكثرية في بلدياته الخاصة, وفعلت "أمل" المثل.
يمكن القول إن القرار السياسي ل¯"حزب الله" بالإلغاء العملي للانتخابات البلدية في الجنوب ومعظم البقاع, من خلال فرض التوافقات في القرى والبلدات, نجح, وإن واجهته صعوبات. فقد عمد الحزب إلى تشكيل لوائح بلدية واختيارية من أفراده الحزبيين ومن المناصرين, كمكافأة شخصية لهم, من دون الأخذ بخيارات العائلات, وقد واجهت بعض هذه العائلات قرار الحزب, إما بمطالبته بتعديل اللوائح في قرى معينة, وإما برفض التفاهم الحزبي وخوض المعركة في مواجهته.
وثمة قرى معينة, حيث توجد قواعد عسكرية ضخمة وحيوية للحزب, كان الموقف فيها حازماً وقاسياً بمنع حصول أي معركة, وقد لجأ الحزب إلى وسائل الترغيب والترهيب لسحب المرشحين المنافسين من المعركة والدفع باتجاه التزكية, كما سجلت حالات استخدام للقوة المباشرة لمنع بعض القوى اليسارية من تشكيل لوائح في بعض الأماكن فغاب التنوع الحزبي. ومن جهة ثالثة رفض المحازبون من الطرفين ("حزب الله" وحركة "أمل") التوافق في بعض القرى وجرت معارك بينهم في لوائح متقابلة.
بعد انتهاء الانتخابات تعترف أوساط الطرفين الشيعيين بوجود ثغرات تستحق الدراسة وينبغي أن تنال قسطاً وافياً من اهتمام قيادتي "أمل" و"حزب الله", ولكن في المقابل بدأ "حزب الله" تحركاً واسعاً في كل القرى التي يتواجد فيها لمنع أي جهة ثالثة, وخصوصاً إذا كانت أجنبية, من القيام بدراسات للمزاج الشعبي, قد يستخلص منها أن ثمة اهتزازاً على الساحة الشيعية.

* الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان

المونديال على الابواب … فهل العدوان الاسرائيلي كذلك؟/ سعيد الشيخ

تحتاج اسرائيل مع كل عملية عسكرية كبيرة الى تغطية،ليست تغطية اعلامية تنقل مجريات سير المعارك وتفوّق جيشها الجرّار (الذي لا يقهر). بل تغطية من نوع آخر كحدث عالمي تصبو اليه البشرية بشغف متواتر.

حدث ذلك في حزيران من عام 1982 عندما اجتاح الجيش الاسرائيلي لبنان في عملية عسكرية واسعة وصولا الى العاصمة بيروت وذلك لضرب ما اسمته القيادة الاسرائيلية البنية التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وكان من نتيجتها رحيل المقاومة الفلسطينية عن لبنان.و حجم كبير من الدمار والخراب لحق بالممتلكات واعداد كبيرة من الشهداء والجرحى والاسرى.

آنذاك كانت دورة المونديال تجري في اسبانيا ، وكان لها صخبها المدوي في ارجاء العالم..ملايين البشر مسمّرة امام وسائل الاعلام المتاحة تتابع كرة قدم بانشداد وترقب وصراخ جنوني دون ان تلتفت هذه البشرية الى حجم الكوارث والمجازر التي يرتكبها الجيش الاسرائيلي بدماء باردة في البلد الصغير لبنان.

لا وقت لدى وسائل الاعلام العالمية لنقل خبر عن مقتل وتشرد الآلاف في لبنان.. بل كل الوقت لنقل اخبار كرة قدم أضحت هَوَس البشرية.

(2)

هل تعيد القيادة الاسرائيلية نفس السيناريو وتقدم على عملية عسكرية واسعة ضد غزة او لبنان او حتى سوريا يكون توقيتها متوافقا مع “المونديال” الذي تبدأ العابه الشهر القادم في جنوب افريقيا؟

أم ان القيادة الاسرائيلية تدرك ان “لعبة الحرب” قد تغيرت كما اعلنت سوريا بلسان رئيسها .. اي باتت تدرك ان اي حرب قادمة لم تعد نزهة صيفية لجنودها. كما تدرك بالملموس ومنذ تموز 2006 ان المواجهة مع حزب الله سيجعل من كل “اسرائيل” كتلة من لهب ،حيث لا مفر لمحتل ومستوطن.. كما انه قد ولى زمن تحقيق الاهداف السهلة في مرمى المقاومة الفلسطينية.

تظل الاسئلة مشرعة في ظل مناورات تطال كل الميادين من جهة وسباق تسلح حثيث من جهة اخرى.. وتهديدات متبادلة لها ارتجاج ودوي الصواريخ ذاتها.


مجْدُ حيفا ويافا وعَكّا حنينٌ محفورٌ على حافرِ مأساة!/ آمال عوّاد رضوان




لا زالَ يافعًا يانعًا، لا تعرفُ أجنحتُهُ الوهّاجة ذبولاً، رغْم أنّهُ محاصرٌ بينَ قضبانِ الاحتراق، في مِرجلٍ تُزوبعُ به متاهاتُ الدّروب، وذلك؛ لِما تميّز بهِ مِن عذوبةِ موْسقتِهِ وشجنِهِ!

كمثلِ حاكورةٍ صغيرةٍ، ملآى بكلِّ أنواعِ الأشجارِ المثمرةِ وأشجارِ الزّينةِ بسياج صبّارِها؛

حاكورةٌ ترعرعتْ وسطَ غابةِ الاستبدادِ وأدغالِ الاحتلالِ وأحراشِ القهرِ!

حاكورةٌ نما في أحواضِها الوجعُ، وفي أحضانِها التحدّي، فدُمّرَ كثيرٌ من أعشاشِها، وهُجّر كثيرٌ من أطيارِها دون أرياشِها، في منافي الشّتاتِ والضّياع والفراغ، بلا أرض ولا سماءٍ وبلا هويّة!

إنّهُ الشّعرُ الفلسطينيُّ في الدّاخل؛ راسخُ الجذورِ منذ الجيلِ الأوّلِ، وقد اتّجهَ مؤشّرُ بوصلتِهِ صوْبَ مكانةٍ مرموقةٍ في الشّعرِ العربيّ والعالميِّ!

الشّاعرُ الفلسطينيُّ في الدّاخلِ امتطى صهوةَ ثقافتِهِ وما ترجّلَ عنها، رغمَ الاختناقِ وضيقِ التّنفّس، بل شنّ وعيَهُ وأدواتِهِ اللّغويّةَ اللاّهبةَ ضدّ مذابح الغزو، وضدّ حصْرِهِ في قواقعِ الطّائفيّةِ والأقليّةِ العربيّةِ في دولةٍ يهوديّةٍ، فعايشَ البيئةَ الجديدةَ وواكبَها بالمواجهةِ، وتصدّى لمحْوِ ذاكرتِهِ التّراثيّةِ وتاريخِ حضارتِهِ!

الشّاعرُ الفلسطينيُّ تفاعَلَ معَ العالم الخارجيِّ، ولم يكن رهينَ شعرِ المقاومةِ، كما أطلقَ الأديبُ غسّان كنفاني، ورغمَ المآسي التي يكابدُها، ما تنازلَ عن ثوابتِ وكواشينِ حواكيرِهِ، ولم يقتصرْ شعرُهُ على النّدبِ والشّجبِ فحسْب، إنّما أثمرتِ الحواكيرُ الفلسطينيّةُ ما لذَّ وطابَ مِن شعرٍ شعبيٍّ وفصيحٍ بليغٍ، يتحدّثُ فيهِ عن الحنينِ والغربةِ والمقاومةِ والتّحدّي، والحُبِّ والعِشقِ وجَمالِيات الحياةِ والمشاعرِ الإنسانيّةِ، وتعميقِ الحياةِ وتجميلِ الوجودِ وبناءِ المستقبل، من خلالِ مساحاتٍ فكريّةٍ شاسعةٍ، وانتماءاتٍ ثقافيّةٍ مختلفةٍ وبشتّى الرّؤى.

الشّاعرُ الفلسطينيُّ إنسانٌ اعترَكتْهُ الظّروفُ فعايشَ القهرَ، وتدرّبَ كيفَ يعتلي سُحُبَ الخيالِ والتّصوّر، ليُحلّقَ بأجنحةِ التّصويرِ والإبداعِ، كي يخلقَ عالمًا أجملَ مِن الحقيقة، لذا تفاعلَ معَ البيئةِ والحياةِ وظروفِها وتفاصيلِها اليوميّة بمنتهى الحساسيّةِ الإبداعيّة، وكانَ لشعرِ المقاومةِ أن يتصدّرَ المشهدَ الشّعريَّ مِن أجلِ التّحريرِ والحرّيّة المنشودَيْن، ففرَضَ نفسَهُ إعلاميًّا، وتجلّى بشكلٍ بارزٍ بما يتوافقُ والحالة الرّاهنة التي استمرّتْ واستدامتْ، وقد تُرجمَ كثيرٌ مِنَ الأشعارِ للعبريّةِ ولغاتٍ أخرى، ولوحِقَ بعضُ أصحابِها، لِما تحملُهُ مِن فِكرٍ وتحريضٍ يُعارضُ سياسةَ التّهويدِ المفروضة، وبسببِ الانتماءاتِ الحزبيّةِ، في ظلِّ غيابِ الوطنِ وسيادتِهِ الفلسطينيّة.

مِن شعرائِنا مَن سطعَ نجمُهُم وحضورُهُم في وسائلِ الإعلامِ الحزبيّة، وتركَ بصمةً زيتيّةً في الذاكرةِ الثقافيّة، وأثرًا محفورًا في سنديانِ المهرجاناتِ الثّوريّةِ والاحتفالاتِ الشّعريّةِ التّحميسيّةِ، ومنهم مَن خفَتَ نجمُهم حدَّ البصيص، وما عُرف قدْرُهم وما نالوا حقّهم، فقد توهّجَ بينَ سُحُبِ السّماءِ مَن توهّج، وناسَ بينَ الغيومِ مَن وشّحتْهُ بضبابِها، وقد حوكِم الإبداعُ الأدبيُّ حزبيًّا وسياسيًّا، وبكلِّ أسفٍ، ظلّتْ تخضعُ ثقافتُنا للامتحانِ وإثباتِ الوجودِ والحضورِ، وبقيتْ رهينةً تستعطفُ الودَّ العربيَّ حتّى اليوم، ويحاولُ فلسطينيّو إسرائيل أن ينفوا التّهمةَ المُوجَّهةَ إليهم، كي يُثبتوا أنّهم أبرياء مِن دمِ المبايعةِ أو التّسليمِ والاستسلام، وأنّهم عربٌ أقحاح ما تهوّدوا ولا تطبّعوا ولا تأسرلوا!

وفي ظلِّ التّهميشِ العربيِّ للمأساةِ المستديمةِ العليلةِ، غدا فلسطينيّو إسرائيل ضّحيّةً مفخّخةً موقوتةً، ومُعلّقةَ خارجَ الأحداثِ التّاريخيّةِ والخرائطِ الجغرافيّةِ، فهم الضّحيّةُ الموصومةُ بختمٍ إسرائيليٍّ ينبغي التخلّص منه أو تذويبه، وهكذا؛ بُتِرَ شعبُنا عن شقيقِهِ الآخر في الضّفّةِ وغزّة، واستُبعِدَ عن الأمّةِ العربيّةِ وسياساتِها في صُنعِ القرار، كأنّما توقّفتْ عجَلةُ التّاريخِ عند شرْخِ النّكْبةِ دونَ حَراكٍ عربيّ مُسانِد!

وكانَ للجيلِ الأوّلِ مهمّةٌ شاقّةٌ مِن خلالِ الإبداعِ الفلسطينيِّ، هو خلْق نموذج مقاومة، مِن خلال الكلمةِ الحادّةِ اللاّهبةِ، والنّاقرةِ على شريانِ وجعِ المنكوبِ ونبض معاناةِ الشّعب، إلاّ أنّ البعضَ دخلوا في مرحلةِ الاجترارِ والتقليدِ للنّموذجِ السّابق، والبعضَ لا زالَ قادرًا على تشكيلِ رؤًى فكريّةً ناضجةً مستحدثة، وإبداعيّةً متميّزة بفنّيّتِها، وبمستوًى عربيٍّ عالميٍّ، وتستمرُّ حربُ الحَرْف!

هل يجهلُ المحتلُّ ما للإعلام الوطنيّ بشتّى وسائلِهِ وتقنيّاتِهِ من دورٍ رئيسيّ هامٍّ في دعْمِ الهويّةِ الوطنيّةِ، ومن محاربةِ النّزعاتِ الطّائفيّةِ، ومن نَشْرِ الثّقافةِ المستقِلّةِ وتعزيزِ الثّقةِ والانتماءِ الوطنيِّ والقوميّ؟

وهل يخفى على المثقّفِ الواعي تأثيرُ الإعلام، وحضورُه الفعّالُ المباشرُ محليًّا وعربيًّا وعالميًّا، وفي إعطاءِ المبدعُ فرصَ تطويرِ إمكاناتِهِ الأدبيّةِ والإبداعيّةِ، دونَ الولاءِ لجهةٍ ما أو حزبٍ داعم؟

طبعا لا، إنّما حُكم القويّ السّائد الجائر حجّمَ وقلّصَ للشّعبِ الأعزل إمكاناته التقنيّة التثقيفيّة، لكنّه ما استطاع أن يثبط العزيمةَ والهمّة في النّضالِ الواعي، أو يحبطَ التصدّي العنيد، من أجلِ الحفاظِ على الكيانِ الفلسطينيِّ العربيِّ لغةً وحسًّا وانتماءً، دونَ تهجينٍ أو تذويب.

لكن؛ وبسبب توقّفَ الاهتمامُ والإعلامُ العربيُّ فقط عندَ أسماء محدودة مِن أدبائِنا، ونماذجَ قليلة مِن شعرائِنا، مَن بيعتْ وسُوّقتْ وتُرجمتْ وانتشرتْ كتبُهم في المكتباتِ العربيّة، ونالَ أصحابُها حصّةَ الأسدِ في تلقّي الدّعوات والمشاركةِ والانتشار عربيّا وعالميّا، وبسببِ غيابِ التّنظيماتِ الثّقافيّةِ والأدبيّةِ الوطنيّةِ المحَلّيّة المُحارَبة صهيونيًّا، فقد تولّدتْ أزمةُ غيابِ النّقدِ الحقيقيِّ الموضوعيِّ المَحلّيِّ والعربيّ، فهيّأتْ مناخًا تسودُهُ الشّلليّةُ المُتسلّقةُ البارزة، والّتي أركنتِ المواهبَ والتّجاربَ الأدبيّةَ المتميّزةَ في هوامشِ الإبداعِ، فكساها غبارُ الإهمالِ والإحباطِ دونَ تسويقٍ، بل عمدتْ على ترويجِ الرّديءِ بدلاً مِنَ الأجوَد.

وها هي واحةَ الشّعرِ الفلسطينيّةِ الزّاهيةِ لا زالتْ تزهرُ وتُثمرُ وتُظلّلُ، وتفوحُ أزاهيرُها في صحراءَ تكثرُ فيها الرّمالُ المتحرّكة لتبتلَعها، حيثُ تنعقَ فيها الأبواقُ المشبوهةُ والهِممُ الوصوليّةُ، الّتي تنعفُ الرّمالَ الحارّةَ في عيونِ المبدعينَ والمثقّفينَ والقرّاءِ والبسطاء.

إضافةً إلى الشّبكةِ العنكبوتيّةِ التي لعبتِ دوْرًا هامًّا في كسْرِ الحواجزِ الجغرافيّةِ والحدودِ السّياسيّةِ المفروضة، في السّنواتِ العشرِ الأخيرةِ، كما وساعدتْ في انتشارِ الثّقافةِ الرديئةِ والجيّدة، ولكن على مستوى فرديٍّ وليس جماعيٍّ ووطنيٍّ، وهذا شقٌّ آخر من المأساةِ التي توالتْ أكثرَ من ستّة عقود!

وتاريخيًّا؛ ابتدأتْ معاناةُ الوسطِ الثّقافيّ المَحلّيِّ منذ أحداثِ النّكبةِ، بعدَ إغلاقِ المؤسّساتِ الثّقافيّةِ الفلسطينيّةِ في حيفا ويافا، اللّتيْن كانتا محطّتيْنِ هامّتين أسوةً بالعواصم العربيّة، ففي حين استقطبتا أمّ كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش والكثيرَ مِن الأدباءِ والمثقفين، وزخرتا بالمقاهي الأدبيّةِ والفنادقِ والمطابع والصّحفِ والمسارحِ والنّشاطاتِ الثّقافيّةِ المختلفةِ، وعلى مستوى عربيٍّ يُضاهي بغدادَ والشّامَ والقاهرة ثقافيًّا وحضاريًّا وتجاريًّا، فقد هُجِّرَتْ نُخَبُ شعبِنا المقتدرينَ ثقافيًّا وماديًّا، وهُدّمتِ المراكزُ الثّقافيّة، واعترى البلادُ شللٌ مؤسّساتيّ ثقافيٌّ وتفكّكاتٌ تنظيميّة، فقد صارتْ بلادُنا عبارةً عن قرى صغيرةٍ وكبيرةٍ، تفتقدُ إلى معالم المُدنِ المدنيّةِ والإبداعيّة، وتفتقرُ إلى مؤسّساتٍ وطنيّةٍ ثقافيّةٍ متطوّرة! فهل يُعيدُ الفلسطينيّونَ مجْدَ حيفا العتيق ومناخ عكّا المائج وميناءَ يافا الغابر؟ كيف؟ متى؟ ومِن أيّةِ منطلَقاتٍ يمكن أن تتجاوزَ المِحنة؟

مشاركة في كلّيّة القاسمي/ باقة الغربية/ بتاريخ 10-5-2010

بندوةٍ عنوانها/ ملامحُ واتجاهاتُ الأدبِ الفلسطينيّ في إسرائيل

لماذا لا يبسط الله الرزق لعباده؟/ سعيد علم الدين

من سيحمل مشعل الحرية وينتصر لثقافة التنوير وينتشل مجتمعاتنا من مستنقعات الغفلة والعتمة والجهل، منتقلا بها الى رحاب اليقظة والنور والعقل، لتتألق مع الأمم الناجحة المزدهرة المبدعة وتعلو، بدل ان تتخبط هاوية مع انسانها الى قعر القعر، تردد أمجاد ماضيها الغابر على المنابر وتجتر؟
من سيساعد مجتمعاتنا على النهوض المتجدد بالفكر الحر، بدل الدوران بنشاط محموم حول صنم الأصنام الأكبر، الذي ما نفعها يوما، ولن ينفعها أبدا، بل ضرها وما زال يضرها كخنجر مغروس في الظهر، يدمي القلب، مكسرا الأضلاع، مخترقا الصدر، قاتلا للعقلانية، عابثاً بخلايا العقل منتصرا لثقافة التفجير والتطرف والانتحار والنحر؟
من سينتشل اهلنا من هذا البحر الهائج بأمواج الخبث والفساد والغدر والخداع والنفاق والشر حيث الحكم للبلطجية والعسكر وللقوي المسيطر، وحيث السمكة الكبيرة تبلع الصغيرة في مجتمع تتكاثر فيه الوعاظ وأصحاب الفتاوي المثيرة، والقانون يطبق فقط على الضعفاء والمساكين؟
من سيحمي اهلنا من العازة والفقر والبؤس والجوع، ومن التكاثر المليوني الأعمى تحت شعار "الله بيبعت الولد وبيبعت رزقتو معو"! تطبيقا للقول القرآني في سورة العنكبوت:
"اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ" 62
وإذا جاع الإنسان ولم يجد ما يسد به رمق طفله تبرر له الآية التالية في سورة الشورى هذا الجوع قائلة:
"وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ" 27 .
وهل هناك أروع من هكذا تبرير لأمة إرضاع الكبير، لكي تعيش مدى العمر في الفاقة والتقتير؟
أي إذا بسط لها الله الرزق فستبغي في الأرض فسادا، فالأفضل أن تهرول وراء رغيف العيش جائعة وتعيش حياتها بائسة من اليد للفم !
أي ان الفقر والفاقة والجوع والعطش والتخلف والمعاناة والألم والحرمان هي حالات عادية وتحصيل حاصل يجب أن يلتزم بها المسلم المؤمن ليكتمل ايمانه كحكمة ربانية منزلة من السماء عليه ان يتقبلها شاكرا طائعا مستسلما لها بخشوع ويصلي الخمس من اجل بقائها وتعميمها على البشرية جمعاء.
ولماذا لا يبسط الله الرزق لعباده؟
لكي يجلسوا على ابواب سفارات الدول الغربية المسيحية يستجدون تأشيرة، او يدخلونها خلسة بلا تأشيرة، او يغرقوا في البحار شهداء التأشيرة.
ولكي ينقلعوا من جذورهم فرحين مهللين، ويتهجروا من مجتمعاتهم حاملين تخلفهم وجهلهم ونقابهم وحجابهم ومشاكلهم في بقاع الأرض!
وهكذا نتكاثر بالملايين وتتكاثر مشاكلنا ولا تأتي الرزقة من الله كما هو مأمول على العكس لا نجد ما نسد به رمق اطفالنا ويحقق طموحات شبابنا سوى الهجرة بالملايين بتأشيرة او بدون تأشيرة الى آفاق بلاد الغرب الديمقراطية الناجحة او البقاء في بلادنا لمن لا يملك ثمن التأشيرة والحشر مع المحشورين في مربعات الفكر الصنمي التخديري الإلهي الغارق في مستنقع الامية والجهل.
نحن لا نحتاج الى تغيير أنظمة سياسية من فوق ليتحقق النجاح في بناء دول مدنية ديمقراطية تعددية عصرية تحترم كرامة انسانها وتصون حقوقه، بقدر ما نحتاج من المثقفين الأحرار الى العمل الفكري الجريء الشجاع الجاد الذي سيؤدي الى التغيير الثقافي الجذري ولو بعد حين وستخبو مع الزمن وتعود الى حجمها الطبيعي العقلية الاستبدادية التخديرية الدينية العقائدية البدائية المتخلفة التقليدية السائدة والمهيمنة على المجتمع والشعب والحكام والسياسيين.