كيف تصبح مشهورا في 5 دقائق/ علي مسعاد


ولأننا ، في عصر " الترامواي " و" التي جي في " ، عصر اختصار المسافات وبامتياز ، كان أوتوماتيكيا ، أن تفرز لدينا ، مجتمعات ، كمجتمعنا يتسلق أفراده السلالم عبر " الوصولوية" و" الانتهازية " ، عبقريات من نوع خاص ، من الزمن السريع .
عبقريات نسيج وحدها و لا تشبه إلا زمنها ، زمن " النسخ " و" اللصق " ، أو إن شئنا التدقيق زمن " السرقة "و بامتياز .
زمن " سرقة " الأفكار ، مقترحات مشاريع ، الاختراعات ، الأغاني ، الكتب مشاريع أفلام ، المقالات ، النساء ، ... وحتى الأحلام ، فلا يكاد تمر دقيقة أو ثانية ، إلا وتطالعنا ، الصفحات الأولى للجرائد الإلكترونية وبلغات متعددة ، بالكثير من " الظواهر" المجتمعية ، التي كانت إلى وقت قريب ، " غريبة " عن مجتمع مسلم محافظ ، كمجتمعنا المغربي ، المفروض فيه ، أن يكسب المرء من عرق جبينه و أن تمنح فيه الشواهد لمن يستحقها و أن تتاح فيه المناصب للكفاءات وليس لمن يسرقها من أصحابها .
أوليس ، نحن في زمن أصفر ، بحيث أصبح طبيعيا ، أن تطالعك بعض الصحف الصفراء ، بمقالة من مقالاتك وقد نسخت بالفاصلة والنقطة و وضعت صورة مكان صورتك واسم آخر مكان اسمك ، هكذا ، بلا حياء أو خجل .
في مجتمع ، يشاهد فيه أهله قناة " الناس " كل مساء و يستمعون بملء جوارحهم إلى داعية كالشيخ "الحسين يعقوب "، وغيره من الدعاة والمشايخ ، الدين لا يتوانون ، في تصحيح المفاهيم وزرع القيم الدينية ، التي لا تعرف طريقها ، إلى " الناس " ، كل الناس .
ففي الوقت ، الذي يتحدث فيه هؤلاء عن خصلة " الإتقان " في العمل في الإسلام ، يتزايد فيه عدد الغشاشين وفي الوقت الذي يتحدثون فيه عن العصر الذهبي ، زمن " الصدق ، الشهامة ، النخوة ، الرجولة ، المصداقية " تتناسل في مجتمعنا ، العديد من الوجوه الصفراء و أشباه الناس .
أناس لهم القدرة الفائقة ، على ارتداء الأقنعة ، وتقمص الأدوار بحرفية ، هم مستعدون لسرقة أي شيء وكل شيء ، وفي كل القطاعات والمجالات ، كل همهم هو الاغتناء السريع و الأضواء المسلطة ، إرضاء لنفوسهم المريضة .
أناس لا قدرة لديهم على الابتكار ولا على الإبداع ، هم فقط ، محترفون في سرقة الآخرين والصعود إلى عل و بأي ثمن .
هم مستعدون ل" سرقة " مقالاتك ، مشاريعك ، أحلامك ، في واضحة النهار ، وبلا حمرة من خجل ، لا يترددون ، في سرقة أي شيء وكل شيء ، يكفي أن تحدثهم ، عن حلم من أحلامك أو مشروع من مشاريعك الخاصة ، حتى ستجده ، بعد 5 دقائق ، وقد عرف طريقه إلى الوجود ، يتصدر أسماءهم و صورهم بلا قطرة دم .
ليس عيبا ، أن نفكر في الاغتناء ، فهذا حقنا الطبيعي وأن يكون لدينا الأحلام والطموحات ،التي لا تنتهي ، لكن ، العيب ، هو " نسرق " غيرنا ، بلا حياء أو خجل .
هو ، أن نغتني ، على حساب الآخرين ،هو أن نصعد السلالم على جماجم
العديدين و أن تسلط علينا الأضواء ، في مقابل أن يبقى ، في العتمة ،الكثيرين.
ليس من حقنا ، أن نبقى كسالى ، ننتظر الآخرين ، لنسرقهم ، ونغتني ، على حسابهم ، ففي زمن " غوغل " ،" البلوتوت " و" الفايس بوك " ، تسقط ورقت التوت ، عن " السارقين " وفي كل المجالات ، وما كان يتم ، في الماضي ، في الخفاء ، أصبحت التكنولوجيا ، تقوم بفضحهم وتكشف عوراتهم للملء ، لعلهم عن "غيهم " يعودون وعن " سرقاتهم " يحجمون .
البرنوصي نيوز / علي مسعاد.

الرئيس ميشال سليمان: الرموش والعيون والحضن/ الياس بجاني

بداية نستنكر بشدة ما أقدم عليه رئيس جمهورية لبنان ميشال سليمان لجهة توجيهه كتاب رئاسي إلى المراجع القضائية والأمنية يطالب فيه باعتقال ومحاكمة شبان انتقدوه على طريقتهم عبر موقع الفايس بوك الألكتروني، ونستغرب استجابة المدعي العام القاضي سعيد ميرزا لطلبه وقيامه بإصدار أمر لاعتقال الشبان، �نعيم جورج حنا مواليد 1983، انطوان يوسف رميا مواليد 1981، �شبل راجح قصب مواليد 1983 وملاحة رابع مسلم وتوجيهه لهم تهمة القدح والذم والتحقير في حق سليمان.

أولا وحسب علمنا لا توجد في لبنان حتى الآن قوانين خاصة تتعلق بتنظيم عمل الصحافة الألكترونية ولا بما يكتب على المواقع الألكترونية الخاصة والعامة ومنها الفايس بوك، وبالتالي الملف من أساسه غير قانوني ويعتبر طبقاً لكل المعايير انتهاكاً صارخاً للحريات العامة ونوع من الإرهاب الفكري، علماً أن ما كتبه الشبان عن سليمان لا يساوي نقطة في بحر ما يُكتب كل يوم عن معظم القيادات الزمنية والروحية اللبنانية بدءاً بغبطة البطريرك صفير ومروراً بالدكتور سمير جعجع وانتهاءً بالرئيس الحريري وأفراد عائلته.

ثانياً معيب بحق الرئيس سليمان هذا التصرف الانفعالي الذي لا يمت بصلة لموقعه ولا لفكر وثقافة وحضارة الطائفة المارونية التي من المفترض أنه يمثلها. إن هذا التصرف الرئاسي المستغرب والمستنكر وغير القانوني له مداليل سلبية كثيرة أقلها إظهار ضيق صدر الرئيس الماروني للنقد عندما يأتي من أبناء طائفته فيما لا حدود لسعة صدره عندما يوجه إليه من أبناء الطوائف الأخرى والأمثلة كثيرة وهي معروفة للجميع.

ثالثاً لم يتقيد الرئيس بقسمه ولا بالوعود التي أطلقها بعد انتخابه ولا بدوره كحامي للدستور ووحدة البلاد يوم قال بأنه "يحمي مقاومة وسلاح حزب الله برموش عيونه". كما أنه لا يحترم روحية القوانين المرعية الشأن كافة ولا يلتزم أطر الوكالة الرئاسية بكل ما يخص علاقته ومواقفه من سوريا وإيران وحزب الله، ولكنه ويا للعجب العجاب ينفعل ويخرج عن طوره ويضرب عرض الحائط بكل الأصول والأعراف لأن شبان مسيحيين لا دويلة تحميهم ولا سلاح بإمرتهم انتقدوه وقالوا فيه كلاماً جارحاً على الفايس بوك. ترى هل ما قالوه هو أكثر تجريحاً مما قاله بحقه الوهاب وئام أو جماعة حزب الله وحركة أمل يوم اجبروه على الذهاب إلى قطر للمشاركة في قمة عربية قاطعها معظم العرب!!

نسأل هل ضاقت عيون ورموش الرئيس سليمان بسطور نقدية جارحة قليلة كتبت بحقه على الفايس بوك من قبل شبان مسيحيين، فيما نفس العيون والرموش الرئاسية "والمقاومتية" تتسع لكل صواريخ وسلاح حزب الله ولكل مربعاته الأمنية وغزواته الإجرامية وحروبه العبثية ودويلته الأصولية وممارساته الهرطقية؟

ونسأل بحشرية وحسرة لو أن هؤلاء الشبان كانوا من غير المسيحيين وتحديداً من التابعين لحزب الله أو حركة أمل أو القومي أو البعثي أو الوهابي أكان صاحب "الرموش المقاومتية" أقدم على ما أقدم عليه؟

نسأل الرئيس سليمان الماروني الذي ضاق صدره بنقد الشبان الأربعة أين أصبح وعده بإيجاد حل مشرِّف لمعاناة أهلنا اللاجئين في لإسرائيل لأن "حضن البلد يتسع للجميع" كما قال لنا في خطاب قسمه؟ ترى هل "العيون والرموش الرئاسية" ومعهم "حضن الوطن ااواسع" لا مكان فيهم لأهلنا الأبطال الجنوبيين هؤلاء، ولا فسحة شاغرة فيهم لسطور قليلة تطاوله شخصياً؟

أما القضاء فنسأل القيمين عليه لماذا لا يتحرك إلا انتقائياً وفقط عندما يكون الأمر خارج الدويلة وبعيد عن ممارسات ربع الشقيقة وهرطقات جماعات هز الأصابع والغزوات؟ أهكذا يكون العدل؟ لا والله هذه عيب وألف عيب ولا يجب أن يستمر.

نذكر من يعنيهم الأمر أن "بطولات جحا فقط مع خالته" لن تعطيهم أية مصداقية ولن تجبر أحد على احترامهم كما أن الظلم في النهاية ينقلب على الظالمين.

يبقى إن الله يمهل ولا يهمل ولا يرضى بالظلم ولا يبارك الظالمين وهو ينتقم شر انتقام من المستكبرين.

ونختم بما ورد في سفر اشعيا الفصل 10/15-19/عن طريقة تعاطي الرب مع المستكبر ملك اشور ليكون هذا الكلام عبرة لمن يعتبر: "أتفتخر الفأس على من يقطع بها؟ أو يتكبر المنشار على من يحركه؟ أيحرك القضيب رافعه، أو ترفع العصا حاملها؟ فلذلك يرسل السيد الرب القدير على خيرة رجال ملك أشور مصيبة، ويوقد تحت عظمته وقيدا كوقيد النار ويكون نور بني إسرائيل نارا، وإلههم القدوس لهيبا، فيحرق ويأكل شوكهم وعوسجهم في يوم واحد، ويفني مجد غابهم وجناتهم. ويصيب الرب منهم الروح والجسد معا، فتكون حالهم كحال مسلول يذوب وما يبقى من شجر غابهم يكون قليلا، حتى إن صبيا يقدر أن يحصيه".


الفساد والأنظمة الحاكمة/ محمد محمد على جنيدي


إن تفاقم ظاهرة الفساد مع الارتفاع السرطاني لأسعار السلع والخدمات وعجز دخول الأفراد في توفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة لهو أمرٌ طبيعي ومنطقي.

ويعد الفساد هو النتيجة الطبيعية لمعادلة الحياة الأكثر فقراً والأسوأ أخلاقاً- وأرى أنه – لا يمكن أبداً لمجتمعٍ أن ينهض ويقوض هذه الظاهرة فقط بسن القوانين الرادعة لمحاسبة الفاسدين أو بتفعيل دور اللجان الرقابية بكثافة تتناسب مع حجم فساد كل مؤسسة على حدا، هذا مع إيماني الكامل بأهمية دور القضاء وهذه اللجان في الرهان على الحد من خطورة تفاقم هذه الظاهرة الأكثر انتشاراً في زماننا هذا – ولكن – لأن كل شيء من الممكن أن يحدث في الخفاء- أرى من هنا- أن الأجدى بنا التركيز على البعد الأخلاقي والمحاسبة الذاتية باعتبارهما المادة الفاعلة في العقار الواقي لهذا الداء الخطير.

كما أنني أختلف مع من يُلقي بالتهم على الأنظمة الحاكمة في هذا الخصوص وهو أمرٌ عارٍ من الصحة – ذلك – لأن أي نظامٍ حاكم يعد بمثابة الواجهة أو الرداء الذي يغطي جسم المجتمع عن آخرة كما أنه لم يأت من السماء عبثاً وهو يعبر بمصداقية عن سير حركة الحياة في أي أمة سلباً وإيجاباً بشفافية تامة.

رحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي حينما كشف عن بلسمه الواقي والشافي من هذا الفيروس اللعين حينما قال في بيته الخالد:

وإنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت *** فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا.


لابديل عن الاسلام الوسطي المعتدل (1- 2)/ السيد محمد علي الحسيني

(بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا، فطوبى للغرباء)، قالها الرسول الاکرم(ص)قبل أکثر من ألف واربعمائة عام، وهو قول شريف يجمع بين البلاغة والاعجاز، خصوصا وانه يحدد وبمنتهى الدقة والحذاقة عملية الربط بين ذلك الماضي السحيق المشرق لهذا الدين الحنيف، وبين الحاضر الغريب الذي يعيش في ظلاله الداکنة وماتمر به من أزمات وعواصف عاتية من أجل النيل منه وجعله محصورا ضمن بوتقة محددة.

غرابة الاسلام إنطلقت اساسا من ذلك المعول الفکري الناعم الذي حمله رسول الانسانية ومستقبلها وهد به صرح تلك ذلك البناء الفکري الاجتماعي المشوه في الجزيرة العربية وأسس لمدرسة فکرية إجتماعية متکاملة للبشرية جمعاء، وکانت غرابته أکثر واکبر عندما تمکن هذا الدين الحنيف من مقارعة أعتى الامبراطوريات وهزيمتها ومحوها من الوجود، وقد کانت أهم نقطة غريبة جدا فيه، هو انه کان يأسر العقل والقلب معا ويأخذ بالمؤمن به الى رياضه الفاضلة التي تديف الکنه الانساني بأفضل وأکثر القيم والافکار السماوية نبلا ورفعة.

لقد کانت الدعوة التي أطلقها الرسول الاکرم(ص) منذ أکثر من 14 قرنا ولازالت، من أقوى وأکبر الدعوات الفکرية والثقافية التي شغلت الوعي الانساني ودفعته للتأمل والتمعن في المعاني السامية النبيلة المعطاء التي دعت وتدعو إليه من دونما کلل او وهن، ولم تثر أية دعوة أخرى جدلا واسعا ومتباينا کما أثارته الدعوة الاسلامية رغم أن أعدادا کبيرة جدا من الاعداء والخصوم والحاقدين على الاسلام من اساسه، قد سعوا(ولايزالوا)مستميتين من أجل صرف الانظار عنها من خلال التشکيك او الطعن فيها بشتى الوسائل والاساليب، لکن وعلى الرغم من کل ذلك ومن کل تلك الحروب والحملات العسکرية المدججة، فإن نور الدعوة وعنفوانها الروحي الوضاء قد بقي کشعاع الشمس بازغ على العالم أجمع وظلت القلوب والافئدة من شتى أنحاء العالم تهفو إليه وتستفيء بظلاله الوارفة بل وان العديد من اولئك الذين کرسوا أنفسهم وحياتهم من أجل محاربة الدين الاسلامي وسعوا لتفنيد الاسس التي يقوم عليها الاسلام، وجد البعض منهم نفسه منقادة وخاضعة للمبادئ والافکار والقيم السمحة التي ينادي بها الدين الحنيف وفي نهاية المطاف لم يجد بدا من الاذعان و الرضوخ لقناعاته و إشهار إسلامه.

اليوم، ونحن نعيش عصرا غريبا من نوعه، يتميز بالسرعة وعدم الاستقرار، نرى وللأسف البالغ ان البعض من الحرکات والتنظيمات الاسلامية المتطرفة والمنغلقة على نفسها، تحاول بکل الوسائل والسبل تحريف الرأي العام الاسلامي عن الحقيقة والواقع السمح والمرن للإسلام وتريد من خلال أفکارها ومبادئها الضالة المنحرفة عن الخط الاصيل للدين، أن تجعل أفکارها ومبادئها المشبوهة هي الاساس في فهم الاسلام والتعاطي معه وقطعا فإنه ليس في الامکان تجاهل التأثيرات التخريبية والهدامة لهذه الافکار والمبادئ الضالة المضلة على الاجيال الجديدة خصوصا تلك التي لاتمتلك قدرا مميزا من الحصانة والوعي اللازمين لوقاية أنفسها من براثنها وعدم الانجرار خلف سراب متاهاتها وعلى الرغم من أنه قد کان هنالك جهدا مشکورا في سبيل الحد من تأثيرات هذه الجماعات الضالة، لکن هذه الجهود کانت ولازالت بحاجة ماسة للمزيد من التطوير والاضافة حتى يکون بإمکانها إستيعاب وتجاوز تلك الافکار الهدامة، والحق ان الطريق الامثل والافضل للتصدي لتلك الجماعات وأفکارها التخريبية يکمن في العودة الى روح الاسلام وجوهره الحقيقي وإثبات براءة الاسلام وعدم علاقته بکل الافکار المتسمة بالغلو ذلك أن الاسلام کان وسيبقى مميزا بإنه لايميل يمينا نحو التشدد ولايسارا نحو الارتخاء والليونة غير المعهودتين، وانما هو(أمر بين أمرين)، وکما قال نبي الرحمة(ص):(خير الامور اواسطها)، فإن الابحار في نور الآيات القرآنية الکريمة والاحاديث النبوية الشريفة، يبين لنا بجلاء ان الاسلام کان دوما يميل الى إبداء نوع مميز من المرونة والشفافية حيال اسلوب تعاطيه مع الانسان ويسعى لإستيعاب وتلبية مختلف حاجياته وتساؤلاته وفق قاعدة(لاإفراط ولاتفريط)، وقد وجدنا بأن البحث والاستقصاء العميقين في مختلف المباني الفقهية الاسلامية، يقود في النتيجة الى واحة الوسطية والاعتدال، وان الاصل هو ذلك وماخلا ذلك من سعي لثمة ربط متعمد وغير واقعي بين الاسلام والطرف او المغالات هو الاستثناء.

*المرجع السياسي للشيعة العرب.

صناعة المركبات كوسيلة للإدعاء بالتفوق الصناعي/ د. عبدالله المدني

كانت - وربما لا تزال – الدول النامية تنظر إلى إنتاج وتصنيع المركبات – سواء كليا أو جزئيا - كإنجاز عظيم، بل كدليل وبرهان على إجتيازها المرحلة الزراعية إلى المرحلة الصناعية. وكلنا يذكر أن مصر الناصرية في أوج بروزها، وضمن شعارها القائل "سنحقق الإكتفاء الذاتي، وسنعتمد على أنفسنا في التصنيع من الإبرة إلى الصاروخ" عمدت إلى الترويج لنفسها كبلد صناعي متفوق عبر طرح نسخة رديئة من سيارة "فيات" الإيطالية بالتعاون مع مصانع "زاستافيا" اليوغسلافية، و نسخة أخرى قبيحة الشكل من سيارة "برينز" الألمانية تحت إسمي "نصر" و"رمسيس" على التوالي.

وعلى المنوال نفسه، ولكن إنطلاقا من قاعدة صناعية أكثر صلابة وإقتدارا، طرحت دول أخرى سيارات للركاب أو للنقل أو للشحن. نذكر منها إيران التي طرحت في عهد الشاه سيارات "بيكان" (تم تغيير إسمها إبتداء من عام 2005 إلى "ساماند")، وإندونيسيا التي صنعت سيارة "تيمور" في عهد ديكتاتورها السابق سوهارتو (عبر دمج نسختين لسيارتي "كيا" الكورية و "مازدا" اليابانية) وماليزيا التي سوقت بنجاح منذ عام 1983 سيارة "بروتون".

وكانت هناك ، بطبيعة الحال، دول عمدت إلى عملية تجميع مكونات السيارات اليابانية والإمريكية والأوروبية داخل أراضيها عبر إستثمارات مشتركة. من هذه الدول تايلاند، وتايوان، وكوريا الجنوبية، ثم البرازيل التي أنتجت سيارتي "بينتو" و"فييستا" بالتعاون مع شركتي "فيات" و"فولكس فاغن"، علما بأن كوريا الجنوبية بزّت كل هذه الأقطار، وصارت اليوم إسما كبيرا في صناعة المركبات بمختلف أشكالها وأحجامها وأستخداماتها.

لكن في سياق هذا الحديث، لا بد من الوقوف ملياً أمام حقيقة بروز دولتين آسيويتين كبيرتين في عالم صناعة المركبات بثبات، ونعني بهما الهند والصين اللتين صارتا في السنوات الأخيرة منافستين قويتين لكبار صناع ومنتجي المركبات على مستوى العالم.

و إذا كانت الهند قد سبقت الصين بسنوات طويلة في إنتاج وتصدير الشاحنات وحافلات الركاب عبر شركتها الرائدة "تاتا"، ثم أتبعت ذلك مؤخرا بطرح سيارات الركاب الصغيرة ذات الأسعار المنخفضة كي تكون في متناول الملايين من سكانها من الطبقة الوسطى المتنامية عددا، ونقصد بها سيارة "نانو" التي لا يزيد سعرها عن 2500 دولار ، فإن قطاع صناعة السيارات في الصين باتت تشهد إنتعاشا ملحوظا لم يسبق له مثيل، وإن قيل أن ما ينتجه هذا العملاق من المركبات رديء الصنع، أو يخلو من وسائل الأمان والسلامة ذات المعايير الدولية، أو أن تصاميمها مسروقة من تصاميم السيارات اليابانية والكورية والأوروبية ( على نحو ما قيل عن سيارة "كيو كيو" الصينية الصغيرة التي وجهت أصابع الإتهام إلى منتجها لسرقته أساليب إنتاج يابانية، وتصاميم أمريكية لسيارة "شيفروليه سبارك".

وتـُرجع الزميلة الهندية "براكريتي غوبتا" في تحقيق صحفي مطول كتبته أخيرا، أسباب صعود الهند المذهل في صناعة المركبات – رغم وجودها حاليا في المركز السابع عالميا – وقدرتها على إنتاج سيارة واحدة في كل دقيقة (أنتجت في عام 2009 وحده 2.6 مليون سيارة) إلى عوامل عديدة مثل: الإمكانات الهندسية القوية، والخبرة المتراكمة، ورخص الأيدي الفنية العاملة، والتوسع الكبير في إستثمارات الشركات الأجنبية المصنعة للمركبات مثل "هيونداي" الكورية، و "نيسان" و"تويوتا" و "سوزوكي" و "هوندا" اليابانية، و"فولكس فاغن" الألمانية، و"رينو" الفرنسية، و"جنرال موتورز" الأمريكية. هذا ناهيك عن عامل مهم آخر هو الخبرات والإمكانيات التي إكتسبتها الهند كنتيجة لإستحواذها في عام 2008 على مصانع سيارات "جاغوار" و "لاندروفر" البريطانية، شراء من مالكها السابق "فورد موتورز".

غير أن أحد العوامل القوية الأخرى، من وجهة نظري، هو الطلب المتزايد في السوق الهندية على شراء المركبات الخاصة، في ظل تحسن مستويات الدخول الفردية في العقدين الأخيرين. وربما ما يؤكد هذا العامل هو التوسع الهائل من قبل منتجي المركبات العالمية في إستثماراتهم داخل الهند، وجهودهم من أجل تعزيز تواجدهم داخل السوق الهندية بشتى الوسائل. علاوة على هذا، يمكن أن نسوق دليلا آخر هو سعي الصين الحثيث ( عبر شركاتها المعروفة مثل: "سايك"، و"فوتون"، و"فاو"، و"تشيري"، و"جيلي") في العامين الأخيرين لإيجاد شركاء عالميين أو شركاء هنود من أجل إنتاج مركبات صغيرة، منخفضة التكاليف، وذات قدرة على توفير الوقود، خصيصا لتصديرها إلى الأسواق الهندية، وكي تنافس سيارات "نانو" الهندية لجهة الأسعار. ويقال في هذا السياق أن هدف الصين النهائي يتجاوز تصدير النوع الأخير من المركبات إلى الهند، وبيعها هناك بسعر 2250 دولار، بمعنى أنه يشمل أيضا تصدير الشاحنات والحافلات وسيارات الشباب الرياضية في وقت لاحق.

والمعروف أن الصين - طبقا لتحقيق الزميلة "غوبتا" – قد تخطت في عام 2006 اليابان (صاحبة المركز الثاني عالميا في إنتاج المركبات)، كما تخطت في العام الماضي الولايات المتحدة الأمريكية (صاحبة المركز الأول عالميا)، وصارت تنتج كل أنواع المركبات بدءا بالحافلات وسيارات الركاب الصغيرة، وإنتهاء بالشاحنات وسيارات الشحن والنقل الكبيرة. كما أنها في محاولة لتقليد الهنود إستحوذت على ملكية شركة "فولفو" السويدية، شراء من شركة "فورد" الأمريكية. إضافة إلى دخول إحدى شركاتها المعروفة وهي "شانغهاي أوتوموتيف كار" في العام الماضي في شراكة مع "جنرال موتورز" الأمريكية، بهدف إنتاج المركبات التجارية الرخيصة.

لكن ماذا عن إنتاج السيارات الكهربائية في عالم يعمل المستحيل من أجل المحافظة على البيئة ومحاربة الإنبعاث الحراري؟

هنا أيضا نجد المنافسة محتدة ما بين العملاقين الآسيويين الصناعيين. فلئن كانت الهند دشنت في العام المنصرم سيارتها الكهربائية الأكثر مبيعا في العالم والمعروفة بإسم "ريفا"، فإن الصين تحاول اليوم الرد عبر تطوير سيارة كهربائية أقل سعرا، وذلك عبر تعاون إحدى شركاتها الرائدة في صناعة البطاريات وهي "بي واي دي" مع شركة "ديملر" الألمانية المعروفة بإنتاج سيارات "المرسيدس" الفارهة. لكن الصين، التي خصصت حكومتها مليارات الدولارات من أجل هدف تسيير 500 ألف سيارة كهربائية على طرقاتها بحلول عام 2012 ، مقارنة بعدد 2100 سيارة كهربائية في الوقت الحالي، تجد نفسها في الوقت ذاته أمام منافسة حامية الوطيس من قبل شركات المركبات التايوانية.

فتايوان ربما كان البلد الوحيد في العالم الذي إستطاع حتى الآن أن ينتج مركبة تتسع لسبع أشخاص، وتسير كاملا بالكهرباء - أي دون أن تنفث في الهواء أية مواد مضرة بالبيئة -وذلك عبر شراكة وطيدة ما بين شركة "يولون موتور" التايوانية التي تتخذ من مقاطعة "مياولي" الشمالية مقرا لها، وشركة "تيسلا موتورز إنكوربوريشن" الأمريكية التي تأسست في عام 2003 وأطلقت رسميا أول مركباتها الكهربائية في عام 2006 تحت إسم "تيسلا رودستير". هذا علما بأن هذه المركبة التايوانية المسماة "لوكسغين إي في بلاس" عـُرضت في ديسمبر الماضي في معرض دبي العالمي للسيارات، فلفتت الأنظار برفاهيتها، وتصميمها الجذاب، وقدرة منتجيها على صناعة أعداد هائلة منها، ناهيك عن صناعة نحو 70 بالمئة من مكوناتها الرئيسية من قبل شركات تايوانية رائدة.

ويمكن القول أن ما يساعد تايوان على البروز في ميدان صناعة المركبات الكهربائية، ومنافسة غيرها، أنها رائدة في صناعة "البطاريات" التي تعتبر المكون الرئيسي في مثل هذا النوع من المركبات. فمثلا شركة "إي ون مولي إينيرجي كوربوريشن" التايوانية المتفرعة من مجموعة تايوان لصناعة الأسمنت تعتبر المزود الرئيسي للبطاريات لشركة "بي إم دبليو" الألمانية للمركبات والتي تنتج حاليا سيارة "ميني إيي إلكترونيك أوتوموبيل" التي ينتظر بيعها في الأسواق الأمريكية بحلول عام 2012 . حيث تقول مصادر الشركة الأولى أنها زودت الثانية حتى الآن بعدد خمس ملايين بطارية، أي ما يكفي لتسيير ألف مركبة من نوع "ميني إيي" سالف الذكر، وأن مبيعاتها للشركة الألمانية في عام 2009 مثلت 11 بالمئة من إجمالي مبيعاتها في ذلك العام، مقارنة بنحو 2 بالمئة فقط في عام 2008 .

الأمر الآخر الذي يساعد تايوان على البروز والمنافسة في هذا الميدان، هو أنها أثبتت عمليا قدرة شركاتها على إنتاج بطاريات للمركبات الكهربائية، أخف وزنا، وأطول عمرا، وأكثر كفاءة وقدرة على العمل في الأجواء الباردة، بل وأيضا أسهل لجهة إعادة شحنها. وهذا، بطبيعة الحال، مالم تصل إليه حتى الآن التقنيات المتوفرة لدى الصين، بدليل أن صناعة البطاريات العادية وبطاريات الهواتف النقالة فيها تشكو من ضعف الجودة، وكثرة المخاطر، وسرعة العطب، وقصر العمر.

وفي السياق ذاته، لا بد أيضا من الإشارة السريعة إلى الخبرة التي تجمعت لدى الشركات التايوانية المصنعة على مدى عقود، في حقل صناعة الأنظمة الإلكترونية. وهذا ميدان ضروري آخر لمن يريد إنتاج وتصنيع المركبات الكهربائية، لأن هذه الأنظمة، ببساطة، لا غنى عنها في تلك المركبات لأنها هي التي تضبط تشغيلها وتسييرها بكفاءة.

د. عبدالله المدني
* باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية من البحرين
تاريخ المادة : يونيو 2010
البريد الإلكتروني: elmadani@batelco.com.bh

الكاتب"جوزيه ساراماغو" في ذمة الخلود!/ د. صلاح عودة الله

"ما أصعب أن يكون المرء مبصرا في مجتمع أعمى".."الأعمى السيء ليس ذاك الذي لا يرى،وانما الذي لا يريد أن يرى"..الكاتب جوزيه ساراماغو.
غيب الموت قبل أيام قلائل الكاتب والروائي البرتغالي جوزيه ساراماغو عن سبعة وثمانين عاما في جزيرة لانزاروتي الاسبانية..رحل أحد كبار الفكر والأدب والثقافة في القرن العشرين..رحل رجل يكفي لوصفه أن أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه حائز على كبرى جوائز الأدب و الرواية و الشعر, و منها جائزة نوبل..إن جوائزه الحقيقة كانت بشجاعته في تشريح الظلم و الطغيان, في تحديه و طعنه, في دفعه و الدفاع عن ضحاياه.
وأصدر ساراماغو نحو عشرين كتاباً بينها "وجيز الرسم والخط" و"ليفنتادو دوتشار", و"سنة موت ريكاردوس", و"قصة حصار لشبونة", و"العمى", و"كل الأسماء".
انحاز صاحب "نوبل" إلى المهمشين والضعفاء في كل مكان فظل حيا في قلوب شرفاء العالم، لم يرهبه النفوذ الصهيوني المتغلغل في أوروبا وناصر القضية الفلسطينية ساردا وحشية الاحتلال، وقاد المظاهرات دفاعا عن حق الفلسطينيين في أرضهم، واصفا جرائم الاحتلال الصهيوني بأنها أبشع من جرائم النازية التي يروجون لها.
برحيل ساراماغو لم يفقد العالم كاتبا فقط، بل ناشطا سياسيا أيضا نشر وعرّف بالقضية الفلسطينية، ولعب دورا كبيرا في السنوات الأخيرة من عمره لخدمتها حيث ذهب إلى زيارة جنين بعد المذبحة التي ارتكبها الكيان الصهيوني هناك، وشبه ما حدث فيها بأنه يفوق الأساطير التي يرويها هذا الكيان عن معسكرات تعذيبهم على أيدي النازيين، ورغم ممارسات اللوبي الصهيوني الواسعة وانتقاده لتصريحات ساراماجو إلا أنه أصر على موقفه وكتب مقالا بصحيفة إسبانية ذائعة الصيت يفند به الآراء الصهيونية ويهاجم الساسة الأوروبيين لصمتهم قائلا:"إذا كنا ندين إسرائيل لما تفعله فإن أوروبا تساعدهم بصمتها".
وقد عرف بمواقفه السياسية ولم يخف يوما آراءه اليسارية، في عام 2002 ، وحينما كان الراحل ياسرعرفات محاصراً في رام الله، زار جوزيه ساراماغو برفقة كتاب عالميين هذه المدينة، وبعد خروجهم منها، وبعدما رأوا ما يجري، شبه ساراماغو رام الله بمعسكر الاعتقال النازي أوشفيتس، ما دفع "إسرائيل" لمهاجمته واتهامه بالوقوع ضحية"الدعاية الفلسطينية الرخيصة"، فرد صاحب "العمى" ساخراً:"إنني أفضل أن أكون ضحية للدعاية الفلسطينية الرخيصة بدلاً من أكون ضحية للدعاية الإسرائيلية الباهظة التكاليف".
فهذا الأديب العالمي الكبير الذي زار فلسطين المحتلة مع وفد أدباء وشعراء من كل العالم، سافروا من كل الدنيا الى فلسطين المحتلة للتضامن مع فلسطين القضية والأدب والنضال العادل، ضد الاحتلال والعنصرية والاستيطان والاجتثات..حضروا ليشاهدوا بأم العين جرائم الاحتلال وعنصرية القائمين عليه ورعاته أينما كانوا.
زار ساراماغو مع رفاقه مخيم جنين، الملحمة الحديثة في نضال شعب فلسطين..ومن هناك قال عن جنين كلمات سوف يبقى صداها مدوياً في ليل الكيان الصهيوني وأنصاره في الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وفي آذان كل اليهود، الذين يعتبرون أنفسهم ورثة الذين قضوا في الحرب العالمية الثانية في أوروبا:"كل ما اعتقدت أنني أملكه من معلومات عن الأوضاع في فلسطين قد تحطم، فالمعلومات والصور شيء، والواقع شيء آخر، يجب أن تضع قدمك على الأرض لتعرف حقاً ما الذي جرى هنا..يجب قرع أجراس العالم بأسره لكي يعلم..ان ما يحدث هنا جريمة يجب أن تتوقف..لا توجد أفران غاز هنا، ولكن القتل لا يتم فقط من خلال أفران الغاز..هناك أشياء تم فعلها من الجانب الإسرائيلي" تحمل نفس أعمال النازي أوشفيتس..انها أمور لا تغتفر يتعرض لها الشعب الفلسطيني".
وأدان أيضا الحرب على غزة، وقاد رغم سنه المتقدم مظاهرة في قلب العاصمة الإسبانية ضد وحشية الاحتلال الصهيوني، فقد كان كاتبا ملتزما بقضايا الإنسانية بشكل عام، ولم يكتب إلا دفاعا عن حق او تبنى موقف، أو مهاجمة للزيف والضلال، كانت آخر كتاباته بعد زلزال هاييتي, وقد طلب فيها من الدول الأوروبية المانحة أن تهتم بالأحياء وليس الموتى.
وفي المؤتمر الذي انعقد في البرتغال في أيار عام 2008 لمناصرة الشعب الفلسطيني, قال ساراماغو:انه طالما يوجد فلسطيني واحد مشرد, فان الكارثة لا تنتهي, مستعملا مصطلح يودو نازي"النازية اليهودية", في وصفه لجرائم الاحتلال, كما دعا الى اخراج"اسرائيل" من الأمم المتحدة, لأن جرائمها لا تليق بأن تكون من ضمن أسرة الشعوب.
للذاكرة تبقى له مواقف وأقوال وأفعال..مثل تلك الوقفة أمام ملايين المتظاهرين ضد غزو الطغيان للعراق, ذلك الرجل الثمانيني الخارج من آلاف المعارك وقف أمامهم و قال:"يوجد الآن في العالم قوتان عظيمتان:الولايات المتحدة و أنتم"..رحل الحالم المناضل من أجل عالمٍ أفضل, أكثر عدلاً, وأكثر منطقياً.
ساراماجو كان مهموما بقضايا الإنسانية وشرور العالم المتزايدة وظهر ذلك جليا في كتاب"باسم قابيل" الذي يؤكد فيه أن البشرية تعيش الآن وضعا رديئا لأن جميعنا أبناء القاتل قابيل، وقد هاجمت الكنيسة هذا الكتاب بشدة، مثلما هاجمت من قبل عام 1989روايته "الإنجيل حسب رؤية المسيح" حيث اعتبرتها كفر وإلحاد، ومنعت تدريس أعماله في الجامعات والمدارس، مما دفعه لترك البرتغال عام 1992 إلى إسبانيا واستقر بجزيرة "لانزاروتي" حتى وفاته.
كان من آخر ما نشره في مدونته رسالة قصيرة إلى"هينيغ مانكل", الكاتب السويدي الذي شارك في أسطول الحرية..كانت تحتوي فقط على كلمتي شكر قصيرتين على موقفه ضد حصار وتجويع الشعب الفلسطيني..أكمل ذلك الشكر حياةً من الوقوف الصامد مع الشعب الفلسطيني وكل الشعوب المسحوقة في كل أرجاء المعمورة..لقد رحل اليوم ليستقر في كتبه ومؤلفاته وفي ذاكرة ملايين الأحرار في كافة بقاع المعمورة.
"أعتقد ان المجتمع الحالي ينقصه الفلسفه..الفلسفه كمكان وكبراح للتفكير وللتأمل..التأمل ممكن ان يكون بدون هدف معين علي عكس العلم الذي يسعي دائما لتحقيق هدف ما..ينقصنا التأمل والتفكير..نحتاج للعمل علي التفكير..ما أراه أننا بدون أفكار لن نحقق أي شيء ولن نتحرك من أماكننا"..وهذه أيضا كانت من أواخر كلماته التي نشرها في مدونته وقبل رحيله باسبوع.
أمام الغياب لا نملك خيارا في أن نحاور معناه أو مبتغاه، أو حتى أن نبحث في ما وراءه من حيثيات، فالغياب صمت يطغى على الجسد، نذعن للموت صاغرين، ولكن فيض الروح من الجسد مسبوق، بفيض العقل في نهر الفكر الخالد، هو العقل الجميل، منشئ الخيال الذي يعيد وضع شظايا الواقع في لوحة تختزل مواقع الألم، وجور الإنسان على أخيه الإنسان، هو الفن في مواجهة جنون الإنسان.
جوزيه ساراماغو:وداعاً "أرض الخطيئة"..هذه الجملة قالها تاركا لنا العالم وسيرة ذاتيه غنية بالإنسانيات وبالمواقف الثابتة طوال حياته..هذا الشيوعي البرتغالي الصلب اللين المحب.
برحيل ساراماغو، يفقد عالمنا أحد أعذب الأصوات السردية في الرواية المعاصرة، وأحد أشرس المدافعين عن فكرة العدالة الإنسانية..وبرحيله تكون الانسانية قد فقدت واحدا من رموزها الأدبية، المناضل من أجل حقوق الشعوب والعدالة الاجتماعية، وكان أدبه خارقا للحواجز والحدود في كافة أنحاء العالم.
إلى جوار مسيرته الروائية المتفردة، حافظ صاحب"تاريخ حصار لشبونة" على التزامٍ سياسي نبيل ونادر تجاه القضايا والمشكلات التي عاصرها, وخلط حامل"جائزة نوبل للآداب" بين الفانتازيا والواقع في أعماله..السياسة رافقت كتاباته وتداخلت مع مناخاتها.
رحلة الكاتب والروائي البرتغالي جوزيه ساراماغو انتهت، ولكن أصداء لغته بقيت تستعاد وتستعاد، في خطوط السرد، وعلى مواطن البوح، وبين مفارقات خيال الواقع، وواقع الخيال، إذ ترك لنا هذا الكاتب شيئا من فتنة الفن، وعنف الكلام.
في خطابه بمناسبة فوزه بجائزة نوبل، تحدث ساراماغو عن سنوات الطفولة واستذكر وفاة جده بهذه الكلمات: "ذهب إلى حديقة بيته..هناك بضع شجرات: أشجار تين وزيتون..ذهب إليها واحدة واحدة واحتضن الأشجار ليقول لها وداعا، لأنه كان يعرف أنه لن يعود..إن رأيت شيئا كهذا وإن عشته ولمْ يترك فيك ندبا إلى آخر العمر، فإنك رجل بلا إحساس".
اليوم جاء دور ساراماغو ليقبل أشجار حديقته هو الآخر ويقول لها: وداعا, ونحن بدورنا نقول لك يا ساراماغو ما تقوله لك أشجار برتقال يافا الحزينة: وداعا أيها الرفيق وداعا.
-القدس المحتلة

مائير داغان والمهمات العالقة/ د. مصطفى يوسف اللداوي

تنتهي بعد أيامٍ قليلة فترة خدمة مائير داغان في رئاسة الموساد الإسرائيلي، بعد أن قضى في منصبه ثماني سنوات، جعلت من فترة خدمته الأطول في تاريخ الموساد الإسرائيلي، نفذ خلالها لصالح الموساد عشرات المهمات المعلنة والسرية، فنجح في تنفيذ بعضها، بينما فشل في الوصول إلى أهدافه في بعضها الآخر، ولكن الإسرائيليين، ورغم العديد من العمليات التي فشل في تحقيقها، إلا أن النخبة الإسرائيلية اعتبرته بطلاً، ووصفته بأنه صاحب المهمات الصعبة، وأيدت اختياره رجل العام 2009، وعزت إليه الكثير من النجاحات التي حققتها الحكومة الإسرائيلية، وبررت فشله في العديد من المهام، وساندته في تبرير الأخطاء التي وقع فيها جهازه، خلال تنفيذ عملية اغتيال محمود المبحوح في دبي في العشرين من شهر فبراير/شباط 2010، واعتبرت أن المهمة التي قام بها داغان تتجاوز بكثير السلبيات والأخطاء التي وقع فيها فريق التنفيذ، فالحكومة الإسرائيلية –بنظرهم- قادرة على امتصاص النقمة الدولية، ولكن إسرائيل غير قادرة على تحمل تبعات أنشطة المبحوح العسكرية.

ولكن مغادرة مائير داغان الطبيعية لمنصبه خلال أيامٍ قليلة أصبحت مثار لغطٍ وخلافٍ كبير لدى خاصة القيادة الإسرائيلية، فهو كغيره ممن سبقه يجب أن يغادر منصبه عند انتهاء مدة خدمته، خاصةً أنه قد تم التجديد له لفترةٍ إضافية، كما أن فترة خدمته قد شابتها بعض الأخطاء التي اعتبرت أحياناً أخطاءٌ قاتلة، فما الذي يدفع برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى التفكير في تمديد مدة خدمة داغان لعامٍ قادم، ترى هل أن هناك ملفاتٌ وقضايا حساسة، ومازالت عالقة على أجندة جهاز الموساد والحكومة الإسرائيلية، ولم يتمكن داغان وجهازه من الانتهاء منها، ولهذا يحرص رئيس الحكومة الإسرائيلية على التمديد له، أم أنه لم ينتهِ من تنفيذ مخططات التصفية التي عرف بها، وميزت أغلب أنشطة جهازه خلال السنوات الماضية، أم أن الملف النووي الإيراني الذي يلقي بكل ثقله على الحياة السياسية الإسرائيلية، يتطلب بقاء داغان في منصبه إلى حين الانتهاء من التهديد النووي الإيراني، فهو أكثر المطلعين على تفاصيل البرنامج النووي الإيراني، وهو الذي يقدم التوجيهات والنصح لرئيس الحكومة الإسرائيلية في كيفية التعامل مع الملف النووي الإيراني، وهو الذي يتابع التفاصيل الدقيقة في البرنامج، ويتابع ويلاحق كل الذين يعملون في البرامج النووية الإيرانية، سواء الفنيين الذين يشغلون المفاعلات والمعجلات النووية الإيرانية، أو العلماء الذي يسابقون الزمن في وصول إيران إلى القنبلة النووية، أم أن هناك ملفاتٌ مازالت عالقة مع نظرائه من قادة ورؤوساء الأجهزة الأمنية الأخرى، وأن التنسيق القائم بينهم يتطلب وجوده شخصياً، فهو الذي شهد البدايات، وعليه أن يتابع حتى يصل معهم إلى النهايات.

مائير داغان جنرالٌ مسكون بأعمال التصفية والاغتيالات، فقد أقدم على تنفيذ عمليات اغتيال كثيرة، وقد تم الاعلان عن بعضها، ولكن أغلب عمليات القتل والتصفية التي يقوم بها جهاز الموساد الإسرائيلي تتم في الخفاء، ودون جلبة أو إعلام، ولا تستطيع الجهات المستهدفة أن تعلن شيئاً أو أن تتهم إسرائيل بالمسؤولية عنها لأسبابٍ عديدة، أقلها أن الموساد الإسرائيلي غالباً لا يترك وراءه أي اثر أو دليل يدل عليه، كما أنه لا يعلن مسؤوليته عن جرائمه، ولهذا فإن الكثير من عمليات القتل الغامضة يقوم بها الموساد الإسرائيلي، خاصة إذا كانت الشخصيات المستهدفة بالتصفية، علمية أو عسكرية أو أمنية، كما حدث مع العالم النووي الإيراني مسعود علي محمدي، وكما جرى مع عشرات العلماء العرب في أوروبا، وقد أثبت داغان جدوى منهج التصفية والقتل في التأثير في قوة الخصم وفعاليته، وأستطاع أن يضيف إلى رصيده، بغض النظر عن الأخطاء والسلبيات، والتبعات الدولية التي أضرت بسمعة وعلاقات إسرائيل الدولية، تخليص إسرائيل من رجالٍ كبار، ألحقوا أضراراً كبيرة بإسرائيل، وتسببوا في قتل العديد من جنودها ومستوطنيها، فكان قتل عماد مغنية ومحمود المبحوح، وتدمير قافلة السلاح في السودان، نياشين إنتصار وأوسمة غلبة، علقت على صدر دوغان، فحفظت اسمه، وأضافت إلى سجله انجازاتٍ جديدة، كان لها أثرها على الدولة العبرية.

مائير داغان الذي استطاع –بزعم بعض الخبراء الإسرائيليين- أن يضع حداً لطموحات سوريا العسكرية، وأن يحول دون انخراطها في برنامج تسلحٍ نووي، فاستطاع أن ينال من البرنامج النووي السوري قبل أن يتشكل، قد تم التمديد له مرتين في عهد رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق أيهود أولمرت، وكان أرئيل شارون قد عينه في منصبه، بعد أن كان مسؤولاً عنه لفترة طويلة، إذ خدما في الجيش معاً، ونفذا معاً حملات التصفية الجسدية لمقاتلي قطاع غزة في سبعينيات القرن الماضي، عندما كان أرئيل شارون حاكماً عسكرياً لقطاع غزة، وقد انسجم شارون كثيراً مع داغان في تنفيذ سياسة "الحلق"، التي نفذاها في الضفة الغربية وقطاع غزة، عندما قام أرئيل شارون في فترةٍ قصيرة بتصفية العشرات من قادة ورجال المقاومة الفلسطينية، وذلك بموجب الخطط والتصورات والأهداف التي عكف داغان على وضعها.

ولهذا مازال نتنياهو الذي جدد لداغان العام الماضي سنةً إضافية، يرى خطورة التخلي عنه في هذه الفترة بالذات، وفي ظل الظروف العصيبة التي تمر بها إسرائيل، وفي ظل الأخطار المحدقة بها جراء تغير بعض السياسات الدولية، ولكن يبدو أن هذا ليس هو السبب الوحيد الذي يدفع نتنياهو إلى التمسك بداغان، ورفض تسريحه من الخدمة، فإسرائيل تمر دوماً في ظروفٍ صعبة، وتواجه تحدياتٍ دائمة، ولم تهدأ جبهاتها يوماً، ولكن الغالب أن مائير داغان مازال يحتفظ بأجندةٍ سرية، تستهدف تصفية واغتيال عددٍ من الشخصيات الوطنية، في داخل فلسطين وخارجها، فمازال جهاز الموساد الإسرائيلي، ورئيسه الأطول خدمةً في تاريخه، يحمل في جعبته قائمة مجهولة من الشخصيات، وسلسلة غامضة من الأهداف ينوي تحقيقها، ومهماتٌ سرية عالقة يسعى لانجازها قبل أن يرحل.


لماذا لم تنطلق ألسفن الايرانية الى غزة؟/ سعيد الشيخ


لم يكد يمضي عدة أيام على آخر مجادلة لي مع احد المعارف حتى أعلنت ايران عن نيتها بعدم إرسال أية سفينة مساعدات الى قطاع غزة المحاصر.

الاعلان الايراني الجديد بعد عدة اعلانات عن ان ايران ستسيّر سفن محملة بالمساعدات الانسانية وبسفن حربية لحمايتها من القرصنة الاسرائيلية وضعني في موقف حرج وفي حالة من الارباك.

والسبب انني كنت ادافع عن إيران بشكل مستمر، منذ ان رفعت إيران العلم الفلسطيني وأنزلت العلم الاسرائيلي وأصبح لفلسطين سفارة في قلب طهران.

وكنت لا أريد ان أصدق ان ايران تشكّل مجموعة مخاطر على الخريطة العربية. واجادل اصحاب هذه النظرية بأنه من الصعوبة بمكان ان نلمس المخاطر الايرانية ونحن في أوج صراعنا مع العدو الصهيوني الأمر الذي نحتاج معه الى دعم الاصدقاء. أي دعم قد يعدّل موازين القوى بوجه عدو يملك كل أسباب التفوّق بفعل الامدادات من حلفائه في الولايات المتحدة الامريكية وقارة اوروبا، ناهيك عن سياسات التخاذل للانظمة العربية الرسمية،مما جعل من دولة العدو الصهيوني أن تتغوّل على الشرق الاوسط كله.

وإذا كنا في السابق ونحن البيئة الاسلامية بإمتياز قد استطعنا إيجاد قواسم مشتركة للتحالف مع الاتحاد السوفياتي النظام الملحد بإمتياز. فكيف لا نستطيع الآن ان نجد هذه القواسم للتحالف مع نظام يوحّد الله صبحا ومساء وتجمعنا معه شهادة “أن لا إله إلا ألله، وأن محمدا رسول ألله”.

ولأكن صريحا اكثر فأنا تطربني تصريحات الرئيس الايراني احمدي نجاد المتعلقة بمسألة زوال اسرائيل . . يقولها وعلى وجهه ترتسم كل علامات الجدية غير آبه بالجبروت الامريكي ومن دون خوف على مصالح ايران الاقتصادية مع اوروبا التي قد تتأثر بشكل سلبي بسبب هذه التصريحات. وهي التصريحات التي يتحاشى الرؤساء العرب عن البوح بها خوفا على كرسي السلطة أولا ومن انقطاع اكياس القمح الاميركية ثانيا…

وبصراحة أكثر كنت متوجسا من تمكن “دعاة الاصلاح” من الانقلاب على نتائج الانتخابات العام الماضي وإمساكهم بزمام السلطة، مما يعني تقارب السياسة إلايرانية من سياسة الغرب الداعمة لاسرائيل.

*****

ماذا حدث.. لماذا لم تتحرك السفن الايرانية بإتجاه غزة؟

هل كانت إيران تلاعب عواطفنا ، أم تلاعب الأمن الاسرائيلي؟

أيا يكن فما كان من اللائق ان تلغي إيران سفن المساعدات الى قطاع غزة مهما كان الثمن .. وما كان من اللائق ان تنطفأ شعلة الحماس لدى القيادة الايرانية التي ولّدها الهجوم الاسرائيلي على اسطول الحرية الشهر الماضي.

ذلك ليس من أجل غزة ، فالأنفاق ما زالت تسد جوعها ورمقها، وهناك رب في الاعالي يمد رحمته للمرضى والمساكين والمعوزين.

بل من اجل ايران نفسها وصورتها ومصداقيتها والمعاني التي يحملها تحريك السفن. خاصة وأن تبريرات الإلغاء كانت واهية ومعيبة عندما يعلن ناطق بإسم منظمي الحملة ان اسرائيل لن تسمح بمرور السفن.

وهذا يدعونا للسؤال بمرارة وتهكّم: هل سيمسح احمدي نجاد تصريحاته بشأن إبادة اسرائيل لأنها ببساطة لن تسمح بذلك؟

الشعب الفلسطيني رفض من قبل سياسة المزايدات العربية…واليوم يرفض سياسة المزايدات الايرانية ومن أية جهة أتت… إن لم تقترن بالافعال الصادقة.

وبالمناسبة لماذا لم تتحرك السفن اللبنانية التي أعلن عن موعد إنطلاقها عدة مرات ، أم أن الأمر الذي عطّل السفن الايرانية هو نفسه؟

علماني وليبرالي... وداعية/ محمد طعيمة


لم يقل أيهما: "تفسيري" للنص كذا، أو: أنا أميل لرأي فلان. كلاهما تحدث باسم الدين.
من قبل، وببرنامج (مانشيت) رفض رجال الأعمال (نجيب ساويرس) حكم الإدارية العليا بالزواج التاني، مُحذراً: "ما حدش يتدخل في دين التاني"، مضيفاً: "عجبنا أو ما عجبناش.. الإنجيل بيقول كده". تجاهل نجيب، كمعظم دعاة الدولة المدنية الأقباط، أن الصراع كان بين تفسيرين لرؤية الإنجيل. الأول تبلور في لائحة 1938 ابنة "دماغ" العهد الليبرالي، الذي يحنون إليه. الثاني تبناه البابا شنودة، يقتطع آية من سياقها التاريخى والاجتماعى ليحولها لقانون، حسب توصيف فقيه اللاهوت القبطي جورج بباوي، الأقرب إلى مدرسة الأب متى المسكين.. تقدست روحه. هذا، بالضبط، ما فعلته د.سعاد صالح عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي أسسته وترعاه قطر ويقوده القرضاوي، حين قالت، أيضاً في (مانشيت): أرفض تولي المسيحي رئاسة الجمهورية، مُقتطعة الآية القرآنية من سياقها: "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً".
كان الزميل (جابر القرموطي) يسألها عن انضمامها للوفد "الليبرالي" الذي يساوي بين المسلم والقبطي. وفي تداعيات رأيها تلقت (سعاد) اتصالات غاضبة من مواطنين عاديين ومن القيادي الوفدي صلاح سليمان، رفضت كلها وصف المسيحي بالكافر. الأهم هو اتصال (نجيب) ليقول لها: "أنا علماني ولست فقيهاً في أي دين.. إحنا المسيحيين منقبلش الكلام ده، من حق المسيحي يترشح للرئاسة ويبقى رئيس.. لأننا كلنا بنحمل جواز سفر مكتوب عليه مصري". اكتفت سعاد بجملة حاسمة: "متقبلوش.. بس الدين بيقول كده".
بين "الإنجيل بيقول كده" و"الدين بيقول كده"، "روح" واحدة، رغم اختلاف الدافع. روح التمترس خلف التفسير "الأضيق"، لأنه "يُميزني أكثر" عن هوية أخرى بالمجتمع. روح، في حالة أقباطنا، لم تنتبه لخلفية رد البابا على أن اللائحة صاغها مسيحيون: "دول شوية بهوات وباشاوات". هو يريدها إفرازاً لعقلية رهبانية لا تعرف معنى الأسرة ولا تعي ظروف الحياة الاجتماعية، عقلية تحتكر "صكوك" الزواج الثاني.
بهوات وباشاوات، لكنهم "قننوا" لطائفتهم كرجال قانون ولاهوت. تماماً كما صاغ رجال قانون وشريعة، بهوات وباشاوات، الأحوال الشخصية للمسلمين قبلها بعام واحد، لاجئين لفتاوى شيعية لأنها، كما لائحة 38، أكثر تيسيراً على الناس. كان عهد يترشح فيه حسن البنا، لاعباً بـ"الإسلام هو الحل"، ومدعوماً من القصر والاحتلال.. فيرسب. وُيرشح (الوفد) ويصا واصف، الصعيدي، فى دائرة بالدقهلية، بحري، حيث لا قبطى واحد, فيكتسح منافسه المسلم. وينجح (بطرس حكيم) فى المراغة بلدة أشهر شيوخ الأزهر، و(غالي إبراهيم) في البحيرة، حيث القبائل البدوية المسلمة. عهد لم يعرف التصادم بالنصوص المقدسة.
بالطبع هناك فارق في مبرر التمترس بين نجيب وأقرانه، وبين تمترس سعاد وأقرانها، مسلمين ومسيحيين. الأول لجأ إلى هوية الطائفة وتخندق خلف "توجه" في توظيف الدين يناقض معتقداته الشخصية، كرد فعل على ضغط هوية طائفية أخرى "مُستجلبة"، تنفي من تراه "الأضعف".
المثير أن هوية رد الفعل هي التي أثمرت، بعكس الهوية الضاغطة. فالأزهر مازال يعترف رسمياً بالشيعة والدروز، بينما يُكفر البابا رسمياً باقي الطوائف. ومروجو الوهابية و"إخوانهم" فشلوا في تحويل تكفيرهم للمختلفين معهم من السُنة إلى مؤسسة نفي من الدين، كما فعلت الكنيسة مع المختلفين معها من الأرثوذكس، جورج بباوي وآخرين. ولم ينجحوا في "تقنين" أي من تفسيراتهم الرجعية، بالعكس سارت أغلب التشريعات ضد سياقهم.. قوانين الطفل والختان، والخلع وإخطار الزوجة الأولى بالزواج الثاني، وتقييد الحسبة. وإذا كانت الهوية المُستجلبة قد بررت رفض قضاة مجلس الدولة انضمام المرأة إليه، كما قال المستشار محمود الخضيري، "لأن المرأة مكانها الطبيعي منزلها ورعاية أسرتها وزوجها وطاعته"، فإنها ظلت في دائرة "الرأي"، وتوقف أثرها عند تعطيل القانون.. لا تعديله. لكن هذه الرؤية الدونية للمرأة، أصبحت، بذات الكلمات، "نصاً تشريعياً مُلزماً" بمشروع القانون الموحد لغير المسلمين، الذي سيحول الأسرة القبطية إلى خلايا ألغام اجتماعية، مُحكمة الغلق. الآن يُصعد موظفو الإسلام مساعي تقنين رجعيتهم.. أسوة بالبابا. كما قالت سعاد لنجيب، وكما سيقول الإخوان مع كل نقاش قادم.
صراع هويات طائفية، انتقل بدعاة الليبرالية إلى خندق مُوظفي الدين، فكما فعل أغلبية ليبراليي الأقلية، فعل ليبراليو الغالبية. آخرها "زفة" (الوفد) فرحاً بانضمام "داعية إسلامية" تصف، بعفوية، ملايين المصريين بـ"الكافرين". لم تكن فتاوى سعاد صالح مجهولة لقيادات الحزب، فهي تلقنها لطلبتها وتنشرها في كتبها. المُدهش أنه بعد "تكفيرها" للمسيحيين، شكّل الحزب لجنة دينية لتقودها. قبلها، كانت "زفة" كامل الهيئة الوفدية لمقر البابا، لتتضامن معه ضد حكم قضائي نهائي، طبق قانوناً أفرزه العهد العابر للانتماءات الطائفية. كان تضامناً ضد الدولة المدنية.. ضد "الأجمل" في تاريخ الوفد.
تمترس "العلماني" خلف الدين.. تحت ضغط دفعه للتوحد مع الكنيسة، وتمترست "الداعية" خلف شغلتها.. الدين، وتمترس حزب الهلال مع الصليب خلف مُوظفي الدين من الطائفتين.. سعياً لشعبية وسط دماغ عام مُرتبك.
أليست هي.. نفس الدماغ؟ الفارق، فقط، في المبرر.
* الحرية للأديب السيناوي المعتقل مسعد أبو فجر.


أزمة الكهرباء في غزة سياسية أم اقتصادية أم فنية أم جميعها معا؟/ عبد الكـريم عليــان


لا أحد ينكر أن الكهرباء هي شريان الحياة جميعها، فبدون كهرباء تتوقف الحياة تماما وأهمها المياه التي لا تصلك أو تضخ إلا بالكهرباء فإن وجدت الكهرباء تدب الحياة في كافة أنشطة المجتمع المختلفة، وإذا انقطعت تنقطع معها كل أنشطة الحياة في أي مجتمع، ولن نتحدث هنا عن معاناة الناس المختلفة جراء ذلك.. بل سنناقش قضية كهرباء غزة بهدوء وبصدق كما نعتقد، وبدون إزعاج لأحد..! ويجب أن نعترف أولا أن وظيفة أي حكومة كانت هي: توفير الخدمات والحاجات الضرورية للمواطنين بأعلى جودة ممكنة وبأقل تكلفة ممكنة.. ولأن إنتاج الكهرباء وتوزيعها من الحاجات الاستيراتيجية لأي مجتمع فبقى هذا المشروع في أيدي الحكومات، وإن خصخص في بعض الدول، فقد ألحق بقوانين صارمة ضد الشركات المغذية للكهرباء فيما لو توقفت أنشطة المجتمع بسبب انقطاع التيار الكهربائي وتضررت حياة الناس من جهة، ومن أخرى يجب أن تكون أسعارها رخيصة وفي متناول الجميع؛ لأنها تعمل على تنمية وتطوير أنشطة المجتمع المختلفة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية..

أما أزمة الكهرباء في غزة فقد بدأت عام 1989 في وهجان الانتفاضة الأولى عندما طالبت القيادة الوطنية الموحدة من مواطني غزة بالتوجه نحو العصيان المدني وأولها عدم التعاطي مع مؤسسات الاحتلال الإسرائيلي؛ فالتزم أهالي غزة بذلك، وإن كان ذلك تخفيفا عن كاهل المواطن الذي بدأت مدخولاته بالتراجع فتراكمت ديونه المستحقة للبلديات التي كانت مسئولة عن توزيع الكهرباء الإسرائيلية.. وازدادت أحوال المواطنين الاقتصادية سوء مع استمرار الانتفاضة وإجراءات الاحتلال القاسية وبكل الأشكال، فزادت تلك الديون إلى حد أن كثيرا من الناس لم يستطيعوا تسديد تلك الديون حتى يومنا هذا.. علما بأن البلديات تلقت أموالا ومنحا كثيرة، لكنها لم تقم بمسح تلك الديون أو التخفيف منها سوى بعض الحالات القليلة..

حتى السنة الثانية لعهد السلطة الوطنية في غزة كان إمداد الكهرباء كاملة لها من إسرائيل، لكن السلطة الفلسطينية وحسب اتفاق أوسلو قررت إنتاج كهرباء فلسطينية لتغطية حاجات غزة من الكهرباء خصوصا أن الكهرباء الإسرائيلية لم تكفي حاجات غزة المتسارعة النمو، وأعتقد في حينها أن إسرائيل اقترحت تغطية كل احتياجات غزة باتفاق جديد وبسعر أقل من تكلفة إنتاج الكهرباء الفلسطينية، لكن السلطة الفلسطينية رفضت العرض الإسرائيلي من منطلق الاستقلال وتمهيدا للاستغناء عن الكهرباء الإسرائيلية.. إلا أن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن..! ومع تأسيس وإنتاج الكهرباء في غزة نشأ ما يسمى بشركة توزيع كهرباء غزة كبديل للبلديات التي كانت توزع الكهرباء، وبقت وظيفة هذه الشركة هي شراء الكهرباء من إسرائيل والمحطة الفلسطينية وتوزيعه بالإضافة لمسئوليتها عن الشبكة وصيانتها.. ومع دخول الانتفاضة الثانية بدأت أحوال الناس الاقتصادية تزداد سوء مما زاد من تراكم ديون المواطنين المتراكمة أصلا ووصلت حدودا خيالية من الصعب تسديدها حتى لو تحسنت الظروف التي لا يمكن أن تتحسن خصوصا بعد الانقسام والحصار.. وورثت هذه الشركة أعباء ثقيلة يستعصي عليها حلها والخروج من هذه الأزمة التي طالت، ومع مرور الزمن تزداد تعقيدا وتزداد مشكلات جديدة.. ومع هذه الحال ترهلت هذه الشركة وتضخمت مشاكلها إلى حد أنها تحتاج إلى إعادة تأهيل من جديد لمعظم العاملين فيها خصوصا من انعدمت لديهم روح المسئولية والانتماء للوطن والمهنة.. وهذه الصفة تلاحق كثيرا من العاملين في المؤسسات الخدماتية الأخرى سواء شركة الكهرباء أم البلديات والاتصالات أم الوزارات المختلفة..

بعد الحرب الأخيرة على غزة وضرب محطة توليد الكهرباء أصبح العجز كبير في تغطية حاجات غزة التي تتغذى بـ 60% تقريبا من إسرائيل والمحطة كانت تغطي الـ 40% الأخرى وفي حينها بدأت الشركة بتوزيع الـ 60% على كامل قطاع غزة وبالطبع لم يخلو ذلك من خلل هنا وخلل هناك حسب رؤية العاملين وتصرفهم مما أفرز مشاكل جديدة لم تكن في الحسبان.. وسارعت مصر الشقيقة بتخفيف بعض من العبء الجديد بتغذية منطقة رفح الحدودية حسب الكهرباء المصرية المتوفرة على حدودها ووعدت بزيادة الكمية في حال توفر خط للضغط العالي، وكما نشر في حينة أن بنك التنمية الإسلامي قد تبرع بمبلغ 30 مليون دولار تكلفة الخط الناقل إلا أنه حتى الآن لا نعرف أين وصل المشروع؟! وفيما بعد تم تشغيل مولد واحد من المحطة بعد تدخل سياسي ودولي في ذلك.. على العموم وصل حال الكهرباء في غزة بأنها تنقطع عن المواطن ما يعادل عشر ساعات يوميا، وتبريرات الشركة لذلك هو أنه لا يوجد كهرباء كافية وأحيانا تتوقف كهرباء المحطة تماما نتيجة عدم توفر الوقود الإسرائيلي أيضا..؟! ومن المعلوم أن أوربا تدفع قيمة هذا الوقود.. ومن المعلوم أيضا أن مساهمي محطة توليد الكهرباء يستلمون أرباحا منتظمة من البنك العربي؟؟ كيف يمكننا أن نفهم ذلك..؟؟ وكيف يمكن للمواطن المسحوق أن يدفع قيمة هذه المرابح في ظل انعدام الدخل؟

لا نعرف مقدار المبالغ التي تجبيها الشركة من المواطنين وبالطبع لا نعرف نسبة المواطنين الذين يلتزمون بسداد فواتير الكهرباء، ولا نعرف هؤلاء إلى أي شريحة ينتمون..؟ لكن من الواضح أن جزء كبير من السكان غير قادرين على تسديد الفواتير المستحقة عليهم، ونعتقد أن جوهر المشكلة يكمن هنا.. فالشركة لا يمكنها تغطية العجز الناتج عن ذلك.. فتستعيض عنه بقطع الكهرباء عن الجميع كي توفر كمية الكهرباء التي لا يمكنها تسديدها نتيجة عدم قدرة جميع المواطنين بالتسديد.. وفي هذه الحالة نستنتج أنه لا يوجد عجز عند الشركة لأنها تقوم بتوزيع الكهرباء على الجميع حسب قدرتها على تغطية التكاليف، وبمعنى آخر: حجم الجباية إضافة إلى ما تدفعه أوروبا ثمن الوقود وتخصم قيمته من ميزانية السلطة الفلسطينية هو كل التكلفة. وعندما يدفع عدد من الناس ما هو مستحق عليهم ففي ذلك تغطية لعجز الجزء الآخر؛ فهذا يعني أننا نتحول إلى مجتمع اشتراكي؟! فهل سنكون اشتراكيين في الكهرباء فقط !؟ هذا يقودنا للتساؤل عن الدور السياسي في هذه الأزمة، وبالطبع كما أسلفنا في المقدمة أن على الحكومة توفير الخدمات بأعلى جودة ممكنة وبأقل تكلفة ممكنة.. لكن من المسئول في ظل الفاجعة (الانقسام) التي نحن بها وصارت أزمة يستعصى حلها.. نعتقد أن المسئول عن إدارة حياة الناس وشئونهم هي حكومة غزة أو حكومة حماس التي ضربت بعرض الحائط موضوع الكهرباء وحملته للحكومة الشرعية في رام الله وفي نفس الوقت فرضت على شركة توزيع الكهرباء توظيف عددا كبيرا من عناصرها ومؤيديها مما أضاف أعباء جديدة على الشركة إضافة لأعبائها الضخمة، وكذلك سمحت عبر الأنفاق بتوريد أعداد هائلة من موتورات توليد الكهرباء التي باتت معظم بيوت ومحلات وورش غزة لا تخلو منها؛ لأن ذلك يعود بالفائدة الجمة من خلال الضرائب المفروضة على توريدها وكذلك من ضرائب الوقود اللازم لتشغيلها ونسيت حجم الضرر البيئي والخطر الناجم عن تشغيل هذا العدد الهائل من الموتورات حال تشغيلها.. إنه الجنون بعينه..! ولو حسبنا ثمن هذه الموتورات وثمن الوقود اللازم لتشغيلها لوجدنا أنها تشغل ثلاثة محطات للتوليد مثل محطة غزة..!؟ فمن المسئول عن ذلك ؟ ومن هو الذي عليه أن يحسب خسارة الناس القومية؟؟ أية حكومة هذه التي تعجز عن إدارة مشروع كهرباء صغير؟! ألا يستحي هؤلاء من أنفسهم عندما استنصبوا وزراء وغير ذلك.. بالطبع لا يمكن إخلاء النواب الذين انتخبهم الشعب من المسئولية، بل تقع عليهم كل المسئولية لأنهم لم يقولوا كلمة حق على الأقل..!

هذا هو الحال في غزة.. أزمة الكهرباء لا تختلف عن المشاكل الأخرى التي يعاني منها سكان غزة في ظل الحصار والانقسام، إن أية حلول قادمة لا تأخذ بالحسبان معاناة الناس والتخفيف عنهم لا تعتبر حلولا.. وعلى الشركة إن أرادت أن تحسن من عملها؛ فعليها أولا أن تكون شركة خدماتية لا تتأثر بالأمور السياسية، وأن تعوض الناس عن الأضرار التي لحقت بها جراء قطع الكهرباء وقبل كل ذلك عليها مسح كل الديون المستحقة لها من الناس وتبدأ من جديد عملها بإخلاص وأمانة وتؤهل العاملين لديها وتتخلص من الفاسدين الذين علموا الناس سرقة الكهرباء وتطبق قانون صارم على العاملين فيها قبل الناس.. أما الحكومتان فعليهما أولا النزول عن الشجرة إن كانتا تنتميان لهذا الشعب الذي تحمل الكثير من الاحتلال والأكثر من انقسامهما.. وباتت الناس لا تعرف على ماذا هم منقسمون وعلى أي كعكة يقتتلون؟! وفي موضوع الكهرباء عليهم تحديد سعر الكهرباء بما يتلاءم وظروف الناس وأحوالهم الاقتصادية وغيرها فالمكان الوحيد في العالم الذي يرتفع فيه سعر الكهرباء مع ارتفاع الاستهلاك هو في غزة..!

محمود عباس واستراتيجية الانتظار/ نقولا ناصر


للإجابة على التساؤل الذي يلح على كل مواطن فلسطيني حول الموقف الفلسطيني الراهن، ربما تفيد العودة إلى السؤال التالي الذي وجهه مراسل الوول ستريت جورنال الأميركية إلى رئيس "دولة فلسطين" ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية وحركة "فتح" محمود عباس في مقابلة معه في العاصمة الأردنية عمان في العشرين من شهر كانون الأول / ديسمبر العام الماضي: "طالما أنت لا تتفاوض على دولة فلسطينية، ما هي خطتك؟" فأجاب: "نحن الآن ننتظر ما يكون عليه الموقف الأميركي .. ونحن ننتظر لنرى ما سيتمخض عنه اجتماع (اللجنة الدولية) الرباعية". وما زال "الانتظار" هو عنوان موقف عباس وكل المؤسسات التي يقودها.



وغداة قمته مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في الثامن والعشرين من الشهر الخامس من العام الماضي كرر عباس التأكيد على استراتيجية "الانتظار" هذه في مقابلة مع الواشنطن بوست، قائلا إنه سينتظر ضغط إدارة أوباما على رئيس حكومة دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو للقبول ب"حل الدولتين" علنا ولتجميد التوسع الاستيطاني لأن "الأميركيين هم قادة العالم"، مضيفا كذلك: "وأنا سوف أنتظر قبول حماس بالالتزامات الدولية".



ولم يتغير شيء لا في موقف دولة الاحتلال ولا في الموقف الأميركي ولا في موقف حماس ولا في موقف عباس الذي ما زال ينتظر في الوقت الحاضر ما ينقله إليه المبعوث الرئاسي الأميركي جورج ميتشل، الذي التقى عباس يوم الجمعة قبل الماضي، من "أجوبة إسرائيلية" على أسئلة وجهتها قيادته إلى إدارة أوباما كما قال مؤخرا أحد كبار مفاوضيه، ياسر عبد ربه، الذي أضاف مستدركا بأن "إسرائيل لم تقدم شيئا" حتى الآن. وقد التقى عباس مع أوباما للمرة الثانية خلال سنة في منتصف الشهر الجاري وطرح الأسئلة نفسها وهو ما زال ينتظر أجوبة عليها لا يبدو أنها ستأتي في أي وقت قريب.



وبينما يريد عباس كل الأضواء مركزة على "رفضه" استئناف المفاوضات المباشرة، فإن العلاقات بينه وبين كل المؤسسات التي يقودها وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحكومتها مستمرة، بل تتعزز. وربما يكون أبلغ وصف لهذه العلاقات ما قاله عباس نفسه للوول ستريت جورنال قبل حوالي ستة أشهر: "اليوم من الهام جدا أن نفهم بأن العلاقات بيننا وبين الإسرائيليين مستمرة مع كل أذرع الحكومة الإسرائيلية دون استثناء، الدفاع والأمن والمياه والصحة، مع كل الوزارات دون اسنثناء، الاتصالات مستمرة. والشيء الوحيد غير المستمر هو المفاوضات السياسية".



ووصف عباس نفسه "للتعاون" مع دولة الاحتلال يغني عن أي اقتباس آخر من منتقديه. فخلال زيارته الأخيرة لواشنطن العاصمة كان حريصا أثناء لقائه مع قادة المنظمات اليهودية والصهيونية الأميركية من الأطياف كافة على "إقناعهم" بصدق نواياه السلمية. ومما قاله لهم: "أستطيع أن أخبركم بوجود تعاون مطلق وكامل بين أجهزتنا وبين الأجهزة الإسرائيلية في مجال الأمن .. فأنا حريص على أمن إسرائيل، وأقولها بصراحة .. وكسلطة فلسطينية، وطوال ثلاث سنوات، لم يقع حادث واحد ضد إسرائيل في الضفة الغربية."



لكن نتيجة هذا الانتظار و"التعاون" لم تتغير، إذ "من الواضح أن هذه الاستراتيجية قد فشلت. ولم ينجح أي قدر من التعاون والسلبية والإذعان للجانب الآخر. فالوضع الفلسطيني اليوم أسوأ كثيرا مما كان عليه في سنة 1993، وتوجد حاجة لمقاربة مختلفة"، كما كتبت المعلقة الفلسطينية المغتربة غادة الكرمي في "الأهرام ويكلي" قبل سنتين تقريبا (24/1/2008).



وعباس نفسه أيضا يغني عن الاقتباس من منتقديه لوصف ما وصفته الكرمي بأنه "سلبية وإذعان". فقد أبلغ قادة المنظمات اليهودية والصهيونية الأميركية بأنه "لا أحد ينكر التاريخ اليهودي في الشرق الأوسط. إن ثلث القرآن الكريم يتحدث عن اليهود في الشرق الأوسط، في هذه المنطقة. ولا أحد من جانبنا في الأقل ينكر أن اليهود كانوا في فلسطين، كانوا في الشرق الأوسط." وهذا "التاريخ" هو ركن أساسي من أركان الرواية الصهيونية لإقناع الرأي العام العالمي بمسوغات اقتلاع عرب فلسطين من وطنهم التاريخي لإقامة دولة الاحتلال الاستيطاني اليهودي مكانهم فيه.



أما الركن الآخر في الرواية الصهيونية لتسويغ ذلك فهو "المحرقة" (الهولوكوست) النازية، ولم يهمله عباس إذ قال: "ربما قبل أربعة أو خمسة اشهر أرسلت سفيري في وارسو للمشاركة في ذكرى الهولوكوست، وأرسلت سفيري في موسكو للمشاركة في المناسبة نفسها."



ثم تابع ليطمئنهم أكثر بتبنى مطلب لهم ولدولتهم يمثل ركنا أساسيا ثالثا في استراتيجيتهم "السلمية"، وهو الاعتراف بدولتهم ومبادلة هذا الاعتراف بدولة فلسطينية على "22 في المئة من كل فلسطين. نحن نقبلها، لا مزيد من المطالب. لا مزيد. نهاية المطالب (الفلسطينية طبعا) .. نهاية الصراع"، وهو ما رفضه الراحل ياسر عرفات في قمة كامب ديفيد الثلاثية عام ألفين لأنه يترك حق العودة للاجئين الفلسطينيين معلقا في الهواء.



وبالمثل خاطب عباس الركن الرابع الأساسي في استراتيجيتهم "السلمية" الذي لا يكتفي بتجريد أي دويلة فلسطينية مأمولة من وسائل الدفاع عن نفسها سواء بالتسلح أم بأي شكل من أشكال الدفاع المشترك مع الدول العربية الشقيقة، ولا يكتفي بتجريد عرب فلسطين من حق المقاومة ووسائلها، بل يصر على اجتثاث أية افكار "مقاومة أو عربية" من عقولهم وثقافتهم الوطنية باسم "وقف التحريض">



لذلك أشاد عباس أمامهم ب"ثقافة السلام" السائدة في الضفة الغربية ـ ـ التي جعلت تقريرا تلفزيونيا يصف رام الله مؤخرا بأنها "عاصمة رقص الديسكو في الشرق الأوسط" ـ ـ فقال لهم: "يعيش الشعب الفلسطيني الآن في ثقافة جديدة في الضفة الغربية. اذهبوا الآن، اذهبوا إلى الضفة الغربية وقولوا للناس: دعونا نذهب إلى انتفاضة جديدة، فإنكم لن تجدوا شخصا واحدا (يذهب). لماذا؟ لأن ثقافة السلام انتشرت بينهم ... وهكذا انتقلت الثقافة من ثقافة عنف إلى ثقافة سلام". وكان عباس قد تعهد: "أنا لن أسمح بأي انتفاضة جديدة .. أبدا، أبدا"!



غير أنه بالرغم من كل هذا "التعاون والإذعان"، فإن الأجوبة التي ما زال عباس "ينتظرها"، كمكافأة، دون أن تأتي من واشنطن ردا على أسئلته، تأتيه أجوبة مناقضة لتوقعاته يوميا وميدانيا من دولة الاحتلال.



فعلى سبيل المثال، ما زالت "الدولة الفلسطينية" التي يعتبرها عباس الركن الأساسي الذي يسوغ استراتيجية "الانتظار" التي ينتهجها أملا في أن صحوة للمجتمع الدولي يستقوي بها على دولة الاحتلال تعتبر "نقيضا" لهذه الدولة، لأنه "كلما منحنا شرعية لدولة فلسطينية كلما جاءت هذه الشرعية اكثر على حسابنا" ولذلك فإن الدخول حتى في محادثات غير مباشرة مع عباس هو "تعامل مع عدو" ، كما قال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي عوزي آراد لمجلس محافظي الوكالة اليهودية الذي انعقد في القدس المحتلة يوم الأربعاء الماضي، ومع ذلك ما زال هذا "العدو الفلسطيني" ينشر "ثقافة السلام" بينما يستعد آراد ودولته للحرب على قدم وساق.



وكمثال آخر، أقر نتنياهو اقتراحا وافق عليه الخميس الماضي حوالي 2500 عضو في اللجنة المركزية لحزب الليكود الذي يقود الائتلاف الحاكم في دولة الاحتلال بوقف التجميد الجزئي والمؤقت للتوسع الاستيطاني في 26 أيلول / سبتمبر المقبل، اقتراحا "يعزز ويدعم المستوطنين في يهودا والسامرة. وتختار اللجنة المركزية استمرار البناء والتطوير في كل مناطق أرض إسرائيل، ومنها النقب والجليل والقدس الكبرى ويهودا والسامرة".



إن السلام الذي افتقده عرب فلسطين منذ بدء الغزوة الصهيونية لفلسطين منذ ما يزيد على قرن من الزمان، وبخاصة منذ النكبة عام 1948، هو فعلا حاجة ملحة لعرب فلسطين قد لا يوجد في العالم اليوم شعب آخر بحاجة ماسة لها كالشعب الفلسطيني.



لكن نشر "ثقافة السلام" كسلاح دفاعي وحيد، واعتماد "الانتظار" استراتيجية وحيدة، لمواجهة استراتيجية حربية خالصة وآلة حربية لا ترحم تسعى فقط إلى فرض الاستسلام على عرب فلسطين لا إلى السلام معهم، إنما يعد فقط بتصفية القضية الفلسطينية وشعبها.



وربما توجد عبرة ودلالة تاريخية في حقيقة أن أهم داعيتين للسلام والعنف معروفين في عالم اليوم، وهما المهاتما غاندي الهندي ومارتن لوثر كينغ الأميركي، قد قضيا ضحيتين للإرهاب الذي تحول إلى دولة في فلسطين. لذلك ربما يحتاج عباس إلى شعب آخر لكي يفهم قوله: "منذ سبعينات القرن العشرين الماضي، آمنت بالسلام، وعملت من أجل السلام، ومن أجل العلاقات والاتصالات بين الفلسطينيين وبين الإسرائيليين. وحتى الآن أنا مقتنع بأن السلام هو الخيار الوحيد".



وأمام هذا الإصرار، لا يبقى أمام عباس سوى أحد خيارين: إما تغيير شعبه ليصبح شعبا آخر، وهذا خيار مستحيل لأن القادة هم الذين يتغيرون عادة وتبقى الشعوب دائما، أو استبداله بشعب آخر وهذا ليس خيارا لعباس لكنه بالتأكيد خيار لدولة الاحتلال الإسرائيلي التي تتربص الفرص السانحة فقط لاستكمال اقتلاع ما تبقى من عرب فلسطين فوق تراب وطنهم !



* كاتب عربي من فلسطين

nicolanasser@yahoo.com*

كلمات في المنفى والصمود والعودة!/ د. صلاح عودة الله

"للمنفى أسماء كثيرة، ومصائرُ مُدمّرة قد لا ينجو منها إلا بعض الأفراد الذين لا يُشكّلون القاعدة, أما أنا، فقد احتلّني الوطن في المنفى, واحتلّني المنفى في الوطن..ولم يعودا واضحين في ضباب المعنى, لكني أعرف أني لن أكون فرداً حراً إلا إذا تحرَّرَت بلادي, وعندما تتحرَّر بلادي، لن أخجل من تقديم بعض كلمات الشكر للمنفى"..الشاعر العربي الفلسطيني الراحل محمود درويش.

انه لأمر صعب أن يعيش الانسان مغتربا فالغربة مرض عضال, والأصعب هو أن تكون الغربة أمرا لم يختاره الانسان, بل فرض عليه, تماما كما هو حال اللاجئين الفلسطينيين الذين شردوا من قراهم ومدنهم ووطنهم بعد النكبة والنكسة..انهم ملايين يعيشون في كافة بقاع الأرض, ذاقوا كافة أنواع العذاب والمعاناة ولكنهم لم ولن يفقدوا الأمل في العودة ومهما طال الغياب..نعم, لكل انسان وطن يعيش فيه, الا الفلسطيني فان وطنه يعيش فيه.

الفلسطينيون يعيشون في منفى داخلي بعد أن تم تدمير بيوتهم ومدنهم وقراهم, ولكنهم يعيشون في وطنهم, ومنفى خارج الوطن وما العنه من منفى..يا وطني، كل العصافير لها منازل الا العصافير التي احترفت الحرية، فانها تموت خارج اوطانها.

يقول الشاعر الفلسطيني الكبير الراحل عبد الكريم الكرمي"أبو سلمى"في قصيدته المشهورة"سنعــــود", والتي لعلها القصيدة الأشهر في الشعر الفلسطيني الذي ارتبطت ذاكرته بضياع فلسطين ، فاسم القصيدة الذي يوحي بحتمية الانتصار بعودة الغريب إلى أرضه ووطنه ، هذا التصميم لا يوحي به للوهلة الأولى ذلك التوجع اللامحدود للفراق ، بل ذلك الخيال الساكن في فضاء فلسطين ، يحلق عند زيتونها ويجلس عند سهولها ، أسئلة الرفاق والاصحاب واحتراق الأيام في الشتات لا يثني من عزيمته بل يظل مبشرا بالعودة، عودة كريمة تٌفتح فيها الأبواب،وتٌذاب فيها القيود..يقول في مطلع قصيدته:خَلعتُ على ملاعبها شـــــَبابي وأحلامي على خُضــرِ الرَّوابي..ولي فــي كُلِّ مُنعَطَفٍ لـــقاءُ مُوَشّي بالســَّلام وبالعِتــاب..وينهيها مؤكدا وجازما بأن العودة آتية لا ريب فيها:أجل, ستعود الاف ضحايا الظلم تفتح كل باب..نعم يا أبا سلمى, سنعود رغم الداء والأعداء..سنعود رغم الأصوات الفلسطينية الشاذة والخارجة عن منطقنا, منطق الحق والتصميم, ففلسطين تقول لن أرضى بغير أبنائي وحان الأوان لنقول لها ونحن بدورنا لن نرض الا بك, فأنت الأم التي في رحمها خلقنا ومنه خرجنا, وهل يخذل الولد أمه؟.

وفي روح هذه العقيدة الراسخة يكتب شاعر القضية الفلسطينية ومقاومتها الراحل محمود درويش والذي حمل هم قضية بلاده فلسطين داخل قلبه فكانت صاحبة حضور قوي بمعظم قصائده، واليوم ونحن نسكب من أعيننا دماً لا دموعاً على يوم نكبتنا ونكستنا وضياع الوطن، نأتي لنذكر واحدة من قصائد هذا الشاعر الفلسطيني، الذي كان شعره لسان حال الفلسطينيين والعرب..فيقول في قصيدته"أيها المارون بين الكلمات العابرة"مخاطبا الصهاينة المحتلين..أيها المارون بين الكلمات العابرة..احملوا أسماءكم، وانصرفوا, واسحبوا ساعاتكم من وقتنا، وانصرفوا,واسرقوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة..وخذوا ما شئتم من صورٍ، كي تعرفوا, أنكم لن تعرفوا:كيف يبني حجرٌ من أرضنا سقف السماء؟..ثم يمضي قائلا بكلمات نابعة من القلب, هذا القلب الذي توقف عن الخفقان لأنه لم يعد يتحمل عذاب وقهر أبناء شعبه وقضيتهم:أيها المارون بين الكلمات العابرة، آن أن تنصرفوا..وتقيموا أينما شئتم، ولكن لا تقيموا بيننا..آن أن تنصرفوا..ولتموتوا أينما شئتم، ولكن لا تموتوا بيننا, فلنا في أرضنا ما نعملُ, ولنا الماضي هنا, ولنا صوت الحياة الأول, ولنا الحاضرُ،والحاضر، والمستقبل..ولنا الدنيا هنا, والآخرة..فاخرجوا من أرضنا..من برنا..من حرنا..من قمحنا..من ملحنا..من جرحنا, من كلّ شيء، واخرجوا..من ذكريات الذاكرة..أيها المارون بين الكلمات العابرة.

نعم, إنهم مارون بين الكلمات العابرة, وأما نحن فنقول:هذه أرض أبائنا وأجدادنا وأجداد أجدادنا, فنحن هنا باقون, على صدوركم باقون كالجدار و في حلوقكم..كقطعة الزجاج كالصبار, وفى عيونكم زوبعة من نار..كأننا عشرون مستحيل في اللد و الرملة و الجليل..إنا هنا باقون, فلتشربوا البحرا..نحرس ظل التين و الزيتون, ونزرع الأفكار كالخمير في العجين..برودة الجليد في أعصابنا, و في قلوبنا جهنم حمرا..إذا عطشنا نعصر الصخرا, و نأكل التراب إن جعنا ولا نرحل, و بالدم الزكي لا نبخل لا نبخل لا نبخل..هنا لنا ماض وحاضر و مستقبل..ويا جذرنا الحي تشبث, واضربي في القاع يا أصول..نعم, يا أيها المناضل الراحل العنيد..نعم, يا شاعرنا "أبا الأمين"..أيها"التوفيق زياد" نعاهدك بأن أصولنا ستضرب دوما في أعماق القاع وسنبقى هنا, فعلى هذه الأرض..سيدة الأرض ما يستحق الحياة.

وأنهي بأبيات من قصيدة الراحل محمود درويش"كان ما سوف يكون" والتي كتبها في تأبين الشاعر الفلسطيني العملاق راشد حسين:"والتقينا بعد عام في مطار القاهرة,قال لي بعد ثلاثين دقيقة:ليتني كنت طليقا في سجون الناصرة"..راشد حسين الذي قال:ولو قضيتم على الثوار كلهم**تمرد الشيخ والعكاز والحجر..نعم, يا راشد,سيتمرد الطفل الفلسطيني ومعه العكاز والشيخ والحجر حتى تحرير كل ذرة من تراب فلسطين, وما بعد الليل الا بزوغ الفجر.
-القدس المحتلة

صرعة سفن الحرية/ الياس بجاني

صرعة تحريرية ومقاومتية جديدة تغزو حالياً الأسواق في لبنان وقد أصبحت "حديث البلد" دون منازع. إنها سلاح "إلهي" فتاك جديد من ابتكار عبقرية ربع تجار المقاومة وفيالق التحرير و"مقاطعجية" الحروب العبثية والتهجير وجماعات الغزوات والمتفجرات والاغتيالات "والأيام المجيدة". إنها صرعة "وموضة" ما يسمى بـ "سفن الحرية"، نعم "ما يسمى" ولو انزعج الربع المقاوماتي المرتهن للخارج من هذا المسمى كما انزعج مؤخراً من غبطة البطريرك مار نصرالله صفير.

فهؤلاء الأشاوس من أصحاب الحناجر الصداحة والمداحة والقداحة بالأجرة المتخصصين بهز الأصابع والشعارات الكاذبة والبالية، قرروا على ما يبدو رمي دولة بني صهيون في البحر وفك الحصار عن قطاع غزة بإتباع الأساليب الدونكوشتية باستعمال سفن وقوارب المساعدات وها هي أساطيلهم المقاوماتية تتجه إلى ساحات الوغى البحرية في حين قررت مرجعيتهم الإيرانية تأجيل إرسال سفنها إلى أجل غير مسمى، في الوقت الذي تتلطى فيه "الشقيقة الشقية" وراء بطولات الأخوة في لبنان مدعيةً الممانعة الكاذبة ومكتفية بالتنظير الكلامي وبإجترار ببغائي ممل لشعاري "خيار السلم الإستراتيجي، والممانعة".

"فقد كشفت مصادر خاصة لموقع بيروت أوبزرفر (22 حزيران/10) أن السوريين يبذلون جهوداً حثيثة لتمويه ضلوعهم في سفينة " ناجي العلي" التي تنوي التوجه من لبنان إلى غزة في الأيام المقبلة وقالت المصادر أن هدف التمويه مرده إلى عدم رغبة دمشق بالإكتواء بالنار التي قد تسببها هذه السفينة والآثار السلبية التي قد تنتج عنها وأضافت المصادر أن السفينة "جوليا" التي سوف تحمل إسم "ناجي العلي" هي في الحقيقة سفينة سورية تملكها شركة تدعى "جوليا ميري تايم" في مدينة طرطوس، مشيرة إلى أن حافظ مخلوف، رئيس فرع المدينة في جهاز أمن الدولة، وهو إبن خال الرئيس بشار الأسد، يملك جزءاً مهماً من الشركة المذكورة من وراء الكواليس وأشارت المصادر أن مشغل السفينة هي شركة سورية أيضاً تدعى "ندى شيبينغ" ومكاتبها متواجدة في منطقة الحمرات في مدينة طرطوس ورقم هاتف الشركة هو ٩٦٣٤٣٢٢٢٧٦٦ وذكرت المصادر أن إبحار السفينة تحت علم بوليفيا جاء لتمويه أي صلة سورية بها وفي سياق متصل أبدت مصادر سياسية لبنانية غضبها من الخطوة السورية ومحاولة إخفاء علاقة دمشق بالسفينة معتبرة أن هذه الخطوة سوف تضرب موسم الإصطياف في لبنان وقد تجره إلى حرب جديدة مع إسرائيل على طراز حرب تموز 2006 والتي من شانها أن تدمر كل ما أعاد لبنان بناءه حتى الآن".

"محلل ومحرم على مزاجنا"، هي القاعدة عند "الإخوان" الشوام، فهم يحللون ما يناسبهم وعندما يريدون وفي نفس الوقت يحرمون على غيرهم ما يحللونه لأنفسهم، فعلى سبيل المثال لا الحصر المقاومة من لبنان محللة، ومن سوريا محرمة، الحكم المذهبي والأقلوي والعسكري والإجرامي محلل لهم وحرام على غيرهم، المخيمات الفلسطينية الدويلات في لبنان حلال فيما هي حرام عندهم، مفاوضة إسرائيل بطولة عندهم خيانة عند غيرهم، واليوم سفن الحرية حلال من لبنان ومحرمة عندهم. بالله عليكم في أي عقل وبأي حقبة من التاريخ يعيش هؤلاء "الممانعون"؟ وهل من عاقل يصدق مزايداتهم ونفاقهم!!

في منتصف الستينات انتشرت في لبنان محلات الفراريج المشوية بسرعة مذهلة وكاد "سوق البرج" والأسواق المحيطة به في وسط العاصمة بيروت أن تتحول إلى سوق فراريج وريش وصياح ديوك، واليوم والحال المقاوماتي على ما هي عليه من دويلات وأسلحة ونفاق وتجارة وغزوات وهز أصابع وكفر وجحود واستكبار جنوني، الله يستر من أن تتفشى صرعة "سفن الحرية" التحريرية ويقوم الربع هذا ليس فقط بغزو وتحرير قطاع غزة ورمي إسرائيل في البحر، ولكن غزو العالم بأسره وتحرير أميركا، "الشيطان الأكبر" واحتلال بلاد العلوج الأوروبية ومن ثم الانتقال إلى روسيا لاستكمال ما لم يقدر على انجازه هتلر.

إنها فعلا مأساة عندما يهيمن بالقوة والإرهاب والوقاحة "والهوبرة" ربع منافق وتاجر على بلد ما كما هو حال حزب الله الإيراني في لبنان، فيُعهر كل شيء ويضرب القيم ويسفه الأعراف ويعرض في سوق النخاسة كل القضايا الوطنية المحقة. إنه زمن العهر المقاوماتي والفجور، وهو شبيه بالحقبة العثمانية المجرمة حيث كان يقال في جبالنا الأبية، بإيام المحل بتنط العنزة على الفحل".

النبي إشعيا (الفصل 3) وصف الفوضى في إورشليم وهي فوضى مماثلة لما هو حاصل حالياً في لبنان، فقال: "ويجعل الصبيان حكاما لهم والسفهاء أسيادا عليهم. ويقوم الشعب بعضهم على بعض وواحدهم على الآخر ويستخف الصبي بالشيخ، واللئيم بالكريم. وقاحة وجوههم تشهد عليهم، وكسدوم يجاهرون بخطيئتهم ولا يكتمونها. فويل لهم! جلبوا على أنفسهم الشر. قولوا: هنيئا للأبرار لأنهم يأكلون من ثمرة أفعالهم، وويل للأشرار من شرهم لأنهم يجازون بأعمال أيديهم. شعبي ظالموه أولاد وحاكموه نساء. آه، يا شعبي! قادتك هم يضللونك ويمحون معالم طرقك".

إن مشكلة لبنان تكمن في عقلية وممارسات وكفر وشيطانية طبقة سياسية كافرة وفاجرة أيديها تنجست بالدم وأصابعها بالإثم وشفاهها تتكلم بالكذب وألسنتها تلهج بالشر، أرجلها إلى الشر تجري وتسرع إلى الغزوات سفك الدم الذكي. أفكارها أفكار شر وحقد وفي طرقها لا تعرف غير الكذب والنفاق. طريق السلام لم تعرفه وليس في مسالكها عدل. جعلت لها سبلاً معوجة كل من يسير فيها لا يعرف سلاماً. طبقة لا تعيش إلا على الدم وتتحكم بأقوالها وممارساتها مركبات الأنانية والمصالح الشخصية. طبقة تتلون وتبدل مواقفها على خلفية الذمية والتقية فتجلب الكوارث على لبنان والمنطقة وهي مستمرة في غيها ونفاقها. في النهاية لقد حان الوقت للتخلص منها وإنتاج طبقة جديدة شابة تشبه اللبنانيين وليست هي من صنع سوريا وإيران وأوكار مخابراتهما.

الحرص العربي على العراق ليس تدخلا/ السيد محمد علي الحسيني


تأخر تشکيل الحکومة العراقية الجديدة عقب إنتهاء الانتخابات العراقية الاخيرة في السابع من آذار المنصرم بفوز القائمة العراقية بزعامة الدکتور أياد علاوي، و مارافقه من تکهنات و توقعات و مواقف متباينة من جانب مختلف الاطراف العراقية و الاقليمية و الدولية، ساهم في إضفاء المزيد من الضبابية و الغموض على العملية السياسية في العراق، بل وان البعض من الاطراف قد بدأت تتوجس خوفا من مستقبل قد تتخلله الکثير من الصعوبات و المخاطر على هذا البلد المثقل بالجراح و المتاعب.

ولاريب من أن الدور المشبوه الذي لعبه و يلعبه نظام ولاية الفقيه في العراق، يکاد ان يکون حجر العثرة الاکبر بوجه صفاء و مصداقية العملية السياسية في العراق بما تسعى لتوليده و إيجاده من محاصصات و معادلات سياسية و امنية لاتخدم في حقيقة أمرها شيئا من المصلحة الوطنية العراقية بقدر ماهي موظفة أساسا لخدمة أجندتها و مصالحها الضيقة الخاصة في العراق و المنطقة و العالم، وان تزايد التقارير والمعلومات وعبر مصادر مختلفة عن سعي محموم للنظام الايراني لعرقلة تشکيل الحکومة الجديدة من جانب الدکتور أياد علاوي و وصوله الى حد المساهمة الاشتراك في عمليات الترهيب و الترغيب بأساليب ملتوية، يؤکد بأن ملالي طهران لن يسمحوا للأمر أن يعدي على خير سيما لو تغافلت او تهاونت القوى السياسية العراقية في مواقفها ازاء هذه المسألة الحساسة.

وفي خضم ازدياد توجيه أصابع الاتهام و التشکيك للموقف الايراني بصدد نتائج الانتخابات الاخيرة في العراق، سعى النظام الايراني کعادته الى فبرکة الاوراق و بعثرتها و خلطها من أجل التغطية على تدخله السافر و غير المقبول في الشأن العراقي من خلال دفعه لوجوه و اقلام و اوساط سياسية معروفة بإرتباطها بهذا النظام لکي تطرح مسألة التدخلات الاقليمية في العراق برمتها مع تأکيد خبيث و شرير على الدور العربي في العراق و الاشارة إليه على أنه(تدخل)في الشأن العراقي يساهم في إرباك العملية السياسية و تعقيدها، وان النظام الايراني جريا على طبعه الموغل بالخبث و المکر يقفز من جديد على الحقائق و واقع الامر و يسعى للتشکيك بمصداقية الحرص العربي الاخوي على المصلحة الوطنية العراقيـة و يريد ان يضعه في سياق يتفق و يتساوى مع دوره الاجرامي المشبوه في الساحة العراقية، والکل يعلم بأن هذا النظام سعى و يسعى بشتى الاساليب و الوسائل الخبيثة و الملتوية لجمع مختلف الاوراق بيده و اللعب بها بأقذر الطرق و اکثرها وساخة من أجل بلوغ أهدافه السياسية الخاصة وهو امر لا ولم و لن يتورط العرب به وليس هناك عربي واحد يفکر بهذا الاسلوب المشبوه.

اننا کمرجعية سياسية للشيعة العرب، في الوقت الذي نؤکد فيه من جديد رفضنا المطلق للتدخلات الايرانية السافرة في الشأن العراقي و نراها تمثل الى جانب تدخلات إقليمية ودولية مشبوهة أخرى خطرا على مستقبل العراق و سلامته، فإننا ندعو الشعب العراقي بمختلف أطيافه و لاسيما أخوتنا الشيعة منهم، الى الوقوف صفا واحدا بوجه الرياح و السموم الصفراء القادمة من إيران و إفشال کل المساعي الخبيثة لتعکير الاجواء العراقية، واننا نرى في الدور العربي بالعراق على أنه دور يتسم بدرجة عالية من روح الاخوة و الشعور بالمسؤولية بعيدا عن أية أهداف او اجندة مشبوهة أخرى وان الدور العربي في العراق و بشهادة مختلف الاطراف بمافيهم الشعب العراقي ذاته کان دوما يصب في مصلحة العراق وطنا و ارضا و شعبا.

*المرجع السياسية للشيعة العرب.www.arabicmajlis.org

ذكريات.. العمر اللي فات ( 13)/ أنطوني ولسن

اولا: في مصر:
ذكريات.. العمر اللي فات، هي محطة استراحة فكرية، أنزل فيها من قطار الحاضر محاولا الاسترخاء والتجوال في شوارع وحدائق حياتي. اثناء تجوالي أحكي للقارئ حكاية من هنا او من هناك.. اربطها بحكاية اخرى او حكايات. وإن اقتضي الأمر العودة الى قطار الحاضر..
سأفعل ذلك لاستمرارية التفاعل مع الحاضر الذي سيصبح يوما.. ذكريات.. العمر اللي فات.
دعونا الآن نكمل الحكاية..
في ذكرياتي المرة السابقة تحدثت عن احداث شهر يونيو/حزيران عام 1967، وأهم الأحداث كما نعرف كانت الهجوم الاسرائيلي المفاجئ في صباح يوم الاثنين الخامس من الشهر، وما احدثه ذلك الهجوم من تدمير جميع طائراتنا الحربية المتواجدة في المطارات في جميع انحاء الجمهورية في وقت واحد. وطبيعي ان يحدث ذلك لتواجد ضباط الطيران الحربي ليلة الهجوم (الاحد 4 يونيو) في حفل ساهر حتى الصباح دون ان نعرف سببا حقيقيا لمثل ذلك الحفل في فترة كانت فيها الأحداث تتلاحق بسرعة مؤكدة قيام الحرب بين مصر واسرائيل عاجلاً قبل آجلاً.. مع العلم ان رئيس الجمهورية رجل عسكري، ونائبه قائد القوات المسلحة المصرية رجل عسكري.. والعسكر يهيمنون على كل شيء في البلاد.. فكان من المفترض ان لا تكون نتيجة ذلك الهجوم الاسرائيلي تلك الخسائر الفادحة في العتاد الحربي الذي استولت عليه اسرائيل خلال ستة ايام الإلتحام العسكري وتخبط القيادة المصرية بين نظرية الانسحاب من سيناء كما حدث عام 1956 وانقاذ الجيش المصري، وبين الاستمرار في الهجوم والتقدم. وما حدث ان دل على شيء إنما يدل على عدم كفاءة حكام مصر العسكريين الذين لم تكن لديهم من العسكرية سوى الزي العسكري الذي يرتدونه والرتب المعلقة فوق اكتفاهم وان كانوا لا يستحقونها. فحدث ما حدث!!..
ذلك يذكرني ايضا بما يؤكد من حتمية تلك النكسة او الهزيمة او العار الذي لحق بمصر والقوات الحربية المصرية وقد دفع البكباشي عبد الحكيم عامر (لا يستحق في رأي رتبة المشير التي منحه لها ناصر عرفانا بالجميل الذي اسداه خال عامر اللواء حيدر باشا الذي خدع الملك وكذب عليه بنفيه وجود تحركات انقلابية في صفوف الجيش).
وذكرياتي هنا تعود بي الى عام 1966 وحصول شقيقي الثالث في ترتيب الأبناء، على ليسانس حقوق من كلية الحقوق جامعة القاهرة وحصوله على درجة جيد جدا وتم تعينه وكيلاً للنائب العام.. وجاء تعينه في أحد مراكز الوجه القبلي «الصعيد». رفض التعيين، لكنهم عينوه رئيساً لأحد الاقسام بوزارة المالية بالقاهرة. وكان من الطبيعي ان يقبل ذلك التعيين.
كان على شقيقي ان يقدم نفسه إلى إدارة التجنيد ليؤدي الخدمة العسكرية.. نعلم جميعاً أن خدمة الوطن شيء مقدس.. لكن ما هو دفين في الوجدان المصري ما كان يحدث لابناء المصريين عندما يؤخذون للخدمة العسكرية إبان الاحتلال.. فلم يكن عملهم خدمة الوطن والدفاع عنه، بل كان للسخرة ولخدمة الاحتلال الانجليزي والموالين له.
احتمعنا في ليلة ذهاب شقيقي لإدارة التجنيد وإتفقنا على ان اذهب إلى ادارة التجنيد لمعرفة ما سيتم معه. لذا اخذنا نقلب الأمور فيما بيننا عن ماذا نفعل؟ نريد فقط ان يجند في سلاح قاعدته في القاهرة او على مسافة قريبة من القاهرة.
تذكرت ان لنا أحد الأقرباء سمعنا انه يعمل في المخابرات وله اتصالات على جميع المستويات. أسرعت بعرض الفكرة عليهم.. فعارضوا معارضة شديدة. وكان رد شقيقي (اننا لا نريد ان نعرف امثال هؤلاء الناس لا من بعيد ولا من قريب).. وأرجو أن لا تشغل بالك بموضوع التجنيد لسبب مهم جداً انني الأن سأدخل التجنيد ليس كجندي، بل كضابط لحصولي على مؤهل جامعي.
جميل هذا الحديث، امضينا زوجتي والأولاد وأنا ما امضيناه من وقت مع العائلة، على أن أراه في إدارة التجنيد في صباح الغد.
لم أنم في تلك الليلة، وانا افكر في هذا القريب.. يا تُرى هل ما يقال عنه حقيقي من انه صاحب نفوذ ويعمل مع المخابرات؟.
انه حاصل فقط على شهادة متوسطة وهذا كل ما كنت اعرفه عنه. وبعد وفاة والدته وزواج ابيه لم يستطع لا إكمال دراسته ولا البقاء في منزل والده، ترك والده وبدأ يبحث عن عمل ومسكن له ولشقيقيه وعلى ما اتذكر شقيقته. انقطعت كل الاخبار خاصة بعد زواجه من ابنة خاله.. في النهاية، عقدت العزم على ان أذهب اليه فأنا اعرف مكتبه ولن أخبر احد بذلك.
في الصباح الباكر توجهت بالفعل الى مكتبه، فما ان رأني حتى أخذني بالاحضان والقبلات والعتاب لعدم رؤيتي او محاولة الاتصال به. بعد الاعتذار بمشاغل الحياة دخلت في الموضوع مباشرة فليس لدينا وقت.. فقلت له:
- اسمع انا جاي في خدمة.. شقيقي الأن في إدارة التجنيد وأريد منك ان تذهب معي اذا استطعت لتساعد في هذا الموضوع.
قهقه عاليا وهو يقول:
- جاي النهار ده والسيارتين في التصليح.
- نعم يا روح.. سيارات إيه وهباب إيه.. انت فاكر نفسك خلاص بقيت حاجة يعني.
- بس وطيّ حسك أنا عارفك لسانك متبري منك.
- ايه بقى حكاية السيارات دي ما طول عمرنا «بنتشعبط» في الترمايات والاتوبيسات!!
- لا الاوضاع إتغيرت..
- بلاش كلام كتير.. عندك استعداد يا اللا بيناورح اركبك الاتوبيس ودرجة اولى كمان.
قهقه مرة اخرى ووقف مستعداً للخروج معي..
لم يكن يرتدي زيا عسكريا.. بل كان يرتدي جاكيت اسبور وبنطلون.. وما ان مررنا بباب ادارة التجنيد حتى حيَّاه الجنود التحية العسكرية. توجه مباشرة الى مكتب مدير عام التجنيد (برتبة لواء).. مررنا على سكرتيره وكان ضابطا (لا اتذكر رتبته العسكرية لعدم تصديقي لما ارى).. فما كان من الضابط إلا ان وقف محيياً التحية العسكرية.وعندما سأله عن المدير قال له أنه في التفتيش وسوف يرسل له من يخبره بوجودكم افندم.. ردّ عليه:
- إتصل بيه وأنا راجع تاني.
خرجنا وقال لي:
- فيه قضية كده مش عجباني.. تعالى نروح نشوف الحكم فيها.. اذا كان براءة لك الحلاوة ح غديك غدوة معتبره..
لم اتكلم.. سرت معه كالمنوم.. لا استطيع أن اصدق لا عيني ولا أذني. سمعتهم ينادونه بأسم آخر فقلت لربما يكون اسمه الحركي. كل شيء اتخيله الأن وأنا أعيد ذكرياتي. توجهنا الى الجهة التي اخذني اليها.. نفس التحيات. لم يستأذن احداً بل ذهب الى حيث تحفظ الملفات وقام بفتح احد (الأدراج/ الجوارير) وأخرج منها ملفاً.. اطلع عليه.. ابتسم وقال لي:
- وشك حلو عليّ رايح اغديك غدوه معتبره.
عدنا الى مكتب مدير التجنيد وعرفنا انه بالداخل في مكتبه. دخلنا عليه، نهض وأخذ رجل المخابرات بالاحضان والقبلات والاشتياقات والسلامات. ثم مد يده مصافحا إياي ومرحباً..
جلسنا وقبل ان يفتح رجل المخابرات فمه ضغط سيادة مدير التجنيد على (زر) جاء جندي من خارج المكتب.. أمره بإحضار القهوة لنا.. ثم شرح له قريبي مانحن بصدده، كتب اسم شقيقي واعطاه للضابط سكرتيره في خلال دقيقة واحدة لا تزيد ولا تنقص عاد ومعه البيانات التي سلمها لسيادة المدير الذي قرأها وقال لنا:
-مبروك.. طلع غير لائق طبيا.. زمانه في البيت دلوقتي.
لم اتحدث طوال عودتنا الى مكتبه.. تركته يتكلم كثيراً متفاخراً مؤكداً أن لاشيء يعصى عليه.. بالمكتب قال لي:
- ايه يا بطل.. اناكنت ناوي أخدم.
- الحمد لله.
- تقصد إيه.
- ولا حاجه. الحمد لله انه خرج من التجنيد لأنه غير لائق طبيا.. إنما أنا عايز أعرفك اكتر.. سنين طويلة يمكن من بعدما ماتت المرحومة امك ما عرفش حاجه عنك.
- دي حكاية طويلة.. المهم انا صدقت ما لقيتك.. انا عايز احكيلك وافضفض معاك.. سيبك مين انا دلوقتي وشغل المخابرات والكلام ده. أنا في حيرة. بحب دكتوره استاذة في الجامعة.. وهي تبادلني نفس الشعور.. عايز اتجوزها.. ومش عارف اعمل ايه مع بنت خالي.
دار بنا الحديث بعد ذلك في دهاليز الحياة مع تلك الاستاذة والحب الذي بينهما وإبنة خاله التي لا تصلح له ولا لمركزه الاجتماعي، وإنه تعب في هذه الحياة ولا يجد الراحة.
إنتابتني رغبة المعرفة ما دمت في صحبة رجل مخابرات يبدو انه بالفعل من الواصلين.
كان من الطبيعي ان اوافقه على زواج الدكتورة الاستاذة الجامعية، لأن ابنة خاله لم تكن تصلح له كزوجة من قبل فما بالنا الآن!! ولذلك فضلت ان لا اخوض في معرفة شيء عنها.. لكن انا اجلس مع رجل مخابرات، ورايت بعيني رأسي مدى الاحترام الذي يحظى به. حقيقة ان الكثير من رجال المخابرات يأتون إلينا طلباً لمعلومات عن بعض الأشخاص ودائماً يدور حديث معهم ريثما يتم جمع ما يريدون الاطلاع عليه. ولا يخلو الامر من فنجان قهوة مع سيجارة ودردشة على الماشي. أما الأن ومع قريب ومن المخابرات ما الذي يمنع دردشة ولو سريعة بعيداً عن الاستاذة الجامعية التي تموت في دباديبه، وهو يموت في دباديبها. فقد استمعت له ما يقرب من الساعة دون ان افتح فمي مما جعله يسترسل ويتبحبح في حديثه معي..
فاجئته بالخروج عن صمتي قائلاً:
- كل اللي أستطيع قوله لك.. مبروك مقدما ويبدو انك وجدت حبيبة القلب.. وبنت خالك راضيها بعدما تسيبها.. تطلقها ما طلقهاش.. انت راجل واصل دلوقتي وتقدر تحقق احلامك.
- إنت شايف كده!
- انت شايف حاجه ثانيه!
- لا.. إنت ريحتني.. صدقني ريحتني..
- طيب علشان كده لو سمحت سيبك من الغدا المعتبر واطلب القهوة وعايز ادردش معاك شويه كدة في شغلك..
- لا يا حلو..
- (قاطعته).. حيلك.. حيلك.. انا بس عايز اعرف حاجه عن عمليات الحراسة اللي بتم مع الاقطاعيين والرأسماليين..
- عايز تعرف إيه يا غلباوي!!
- صحيح اللي بنسمعه لما يتم وضع ممتلكات أحد منهم تحت الحراسة يتم الاستيلاء على كل ما هو في القصر او الفيلا او البيت؟
- باختصار هؤلاء مصاصي دماء الشعب المصري وكل ممتلكاتهم دفع الشعب ثمنها من عرقه ودمه وشقاءه فلا بد وان تؤخذ منهم لتعود للشعب.
- لكن سمعنا عند وضع احد تحت الحراسة يتم اخذ الاموال السائلة الموجودة والمجوهرات وما شابه ذلك.
- طيب ما أنت عارف.
- لأ.. لأ.. اللي سمعناه ان الكبير فيكم ياخد لنفسه أغلى حاجه.. والبقية تتوزع على الحبايب.. مش على الشعب!!.
صمت فترة.. ثم قال لي:
الناس اللي سمعت عنهم ما هم من الشعب.. مش هم اللي عرضوا نفسهم لو فشلت الثورة كانوا اتقدموا للمحاكمه وغالبا ما كان يحكم عليهم بالإعدام؟!
- آه فهمت دلوقتي.. معاك حق.. تحيا الثورة وعاش جمال عبد الناصر.. وسك على القهوة أحسن أنا إتأخرت..
وقفت.. ووقف هو.. مددت يدي مصافحا.. شد على يدي وهو يقول:
- أتمنى أشوفك تاني..
- بإذن الله.. بس انا شفت إنك مشغول بالفعل..
-ولا يهمك أفضي نفسك مخصوص علشانك..
مع الأسف لم أره بعد ذلك.. ولم اسمع شيئاً عنه.. ولا أعرف بعد النكسة وإغتيال عبد الحكيم عامر هل قريبي هذا وأمثاله مازالوا في أماكنهم.. أم تم الغدر بهم كما حدث مع الشعب المصري نفسه؟؟!! ألم يقل قريبي عليهم (ما هم من الشعب!!..)
وإلى لقاء مع ذكريات.. العمر اللي فات.


البيريسترويكا الروسية الجديدة بمفهوم بوتين/ مأمون شحادة


تبدو الفرصة الآن أكثر من متاحة لروسيا بعد الأزمة المالية التي اجتاحت العالم فهي الأقل تأثراً من غيرها، واقتصادها معافى بالمقارنة مع أقوى الاقتصادات الأوربية، ولكي تقوم روسيا بدور اقتصادي وريادي في إفريقيا والشرق الأوسط، يجب عليها تغيير سياساتها الاقتصادية تجاه المنطقة، فروسيا لا تقوم بتمويل مشاريع استثمارية في المنطقة، وهذا لا شك يقلل من تأثيرها السياسي، ويعرقل دورها وثقلها في حل الأزمات في المنطقة، وفي المحصلة يجعل من روسيا منعزلة أو معزولة الأمر الذي تسعى له الولايات المتحدة والغرب عموماً... لذلك تسعى روسيا لتلعب دوراً مؤثراً وإحراز تقدم ملموس في التسويات السلمية في قضايا الشرق الأوسط وإفريقيا التي تضم الثقل العربي، هنا توقف الكاتب الدكتور هاشم حسين بابكر من المركز العالمي للدراسات الإفريقية في وصفه الصعود الروسي نحو القمة في اشارة الى اعادة النجم الروسي الى سماء المنطقة.
الامر الذي حدا بروسيا الى تغير سياستها تجاه العالم الخارجي وفق سياسة خارجية ترنو الى مستقبل روسي مشرق انتهجها فلاديمير بوتين، مدركا ان فترة الركود الروسي خلال التسعينيات يجب اعادة صياغتها وفق المصلحة الروسية لاعادة الثقل الروسي، حيث اشار بوتين الى هذا خلال كلمته امام مؤتمر " روسيا الموحدة " على ضرورة الشروع في تطبيق الخطط الاستراتيجية للنهوض بروسيا داخليا وخارجيا فيما يسمى بـ " خطة بوتين "، وقد جاء هذا ايضا على لسان الرئيس الروسي ميدفيدف داعيا الى تحويل روسيا الى قوة عالمية على اسس جديدة وجوهرية "، وهذا ما أكّـده ميخائيل دميترييف، مدير الهيئة الفدرالية الرّوسية للتعاون التِّـقني "أن موسكو تسعى في الآونة الأخيرة إلى تطوير التّـعاون العسكري والتِّقني مع الدّول العربية ودخول أسواق جديدة، مُذكِّـرا بتوقيع عقود ضخْـمة" فيما رأت لور دلكور، مديرة البحوث في "معهد البحوث الدولية والإستراتيجية" الفرنسي في تعليق لسويس أنفو،" ان الاهتمام الروسي المُـتزايد بالمنطقة، هو أن موسكو لا تسعى فقط إلى استعادة موقِـعها السياسي والعسكري في المنطقة، وإنما أيضا إلى توسيع علاقاتها الاقتصادية للَـعِـب دورا أكبر في قِـطاع النفط والغاز الذي أدركت أهميته، خلال أزمة الغاز مع أوكرانيا والبلدان الأوروبية خلال فصل الشتاء. " ما يعني ان روسيا تسعى ومنذ مطلع عام 2000 الى احداث علاقات سياسية، واقتصادية، وثقافية، اقليميا وعالميا، وخصوصا مع جمهورية الجزائر، وسوريا، ، والامارات العربية المتحدة، وتركيا على اعتبار انها دول ذات اهمية كبيرة في اطار المنطقة و نقاط استراتيجية وجيوسياسية مهمة ، حيث سعت روسيا الى احداث علاقات مع الدول الاربعة لتعزير اواصر الثقة على الرغم ان روسيا تقيم علاقات اكثر تعاقدا مع غيرها من الدول، ولكن السؤال هنا لماذا تسعى روسيا الى تعزيز علاقتها مع تلك الدول الاربعة ؟ .
من ذلك سوف نسعى الى تفصيل العلاقة ما بين روسيا وبين الدول الاربعة سابقة الذكر لمعرفة بدايات الخيوط الاولى التي تحيك بساط البريسترويكا الروسية البوتينية الجديدة من اجل النهوض من تحت الركام .
الجزائر
تسعى روسيا الى توثيق التعاون بينها وبين الجزائر على اعتبار ان الجزائر شريك مهم لروسيا في شمال افريقيا ومنطقة البحر الابيض المتوسط، على اعتبار انهما الاكثر تصديرا للغاز الى الاتحاد الاوروبي، حيث تم عقد الكثير من الاتفاقيات السياسية ، والاقتصادية، والثقافية بينهما، تمثل ذلك في فوز شركة السكك الحديدية الروسية بعقد انشاء خطوط حديدية في الجزائر، و قيام شركة " روس نفط" بالتعاون مع شركة " ستروي ترانس غاز" اكتشاف حقلين للنفط وحقلين للغاز في الجزائر بمحتوى 3.5 مليون طن سنويا، ونية البلدين لاعداد منظمة تكتل روسي جزائري لصناعة الغاز " اوبك غاز" على غرار اوبك العالمية، حيث لاقى هذا ترحيباً من فنزويلا وايران على اعتبار ان روسيا والجزائر اهم مصدرين للغاز الى اوروبا، وايضا عقد اتفاقية التنقيب عن احتياطات الهيدوليك في جوف الارض الجزائرية، كذلك اعلان المدير العام لمصنع السفن العالمية" سيفرنايا فيرت" في سان بطرس بيرغ السيد انديه موميتشيف ان روسيا ستنفذ التزامها والعمل على تصنيع غواصتين وتحديث سفينتين صاروخيتين صغيرتين تابعتين للقوات البحرية الجزائرية حتى عام 2009 ، هذا يترافق مع صفقات السلاح الموقعة بين روسيا والجزائر بقيمة 4.7 مليار دولار، فقد بينت المؤشرات ان الجزائر تحتل المرتبة الثانية بين بلدان العالم المستوردة للاسلحة الروسية، هذا بالاضافة الى عمليات شطب الديون المستحقة لروسيا وتحويلها الى استثمارات جزائرية روسية، فيما ذكر رئيس مجلس الدوما الروسي يوريس عزيزلوف ان التعاون العسكري التقني بين البلدين يساهم بالقسط الاكبر في النمو المطرد للتبادل التجاري فقد تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين مليار دولار في اواخر العام 2007، اضافة الى التعاون الاقتصادي العالي المستويات المبني على استراتيجية الشراكة في العام 2001 والتي مثلت الطريق لتوقيع اتفاقية التعاون الفضائي وتوقيع اتفاقية التعاون في الطاقة النووية السلمية، الامر الذي جعل من روسيا تطلق في المدار الصناعي" القمر الصناعي الجزائري( السات – 1 ) " في شهر نوفمبر 2002 .
سوريا
روسيا تسعى الى نقل الكلام من النظرية الى التطبيق من خلال استغلالها الارث التراكمي التعاوني القديم ما بين سوريا وروسيا على اعتبار ان سوريا دولة وسيطة في المنطقة ولها تأثير مباشر اقليمي ودولي ومنطقة تقاطع مصالح ضمن حدود المنطقة وفق رؤية جيوسياسية لروسيا لانها تمتلك قيمة استراتيجية باعتبارها مفتاح الحرب والسلام في الشرق الاوسط، وتلعب دورا مهما في التسوية السياسية، ما يعني ان سوريا مفتاح بوابة الشرق العربي، وكما قال الكثير من الساسة الروس وصفهم لسوريا انها " قلب العالم العربي وطموح روسيا نحو توسيع العلاقات " ، وهذا ايضا ما فعلته سوريا، حيث انها كلما حاولت روسيا اعادة تعريف نفسها كلما استغلت سوريا هذا الخطاب "التعريفي" الجديد لانها مصممة على اللعب ضمن المعادلة الدولية انطلاقا من الانطلاقة الروسية، فيما رحبت سوريا بان تعيد روسيا لعب دوراً مهماً في المنطقة، موقعة في ذلك اتفاقيات سياسية، واقتصادية، وثقافية، و علمية، وحربية، وتجارية، من العيار الثقيل، فقد تم توقيع صفقات السلاح، والتعاون العسكري، وتزويد دمشق بمعلومات استخباراتية فضائية عن التحركات الاسرائيلية، متزامناً مع سعي سوري لبناء انظمة الدفاع الجوي، حيث اعلن الاميرال فلاديمير ماسورين قائد البحرية الروسية عزم روسيا اقامة قواعد حربية لها في سوريا " في منطقتي اللاذقية وطرطوس" لتعزيز الثقة المتبادلة بين الأسطولين الروسي والسوري، اما على الجانب الاقتصادي فقد تم في عام 2005 – 2006 توقيع اتفاقية اقتصادية تجسدت بفتح العديد من المصانع المشتركة، اضافة الى مجلس لحماية رجال الاعمال السوريين ومنع الازدواج الضريبي مترافقاً مع منظومة امنية لحماية التعاون الاقتصادي السوري الروسي، حيث بلغ معدل التبادل التجاري بين البلدين في عام 2007 ما يزيد عن مليار دولار، بالاضافة الى شطب 10 مليار دولار من ديون سوريا، وتزويد سوريا بالنتجات النفطية بنسبة 57% من نسبة الصادرات الروسية، وعثرت شركة "تاتنفت" الرّوسية في الفترة الأخيرة على ثلاثة حقولٍ نفطية في سوريا، اضافة الى ذلك فقد قامت شركة "سترويس رايس" الروسية على مد انابيب الغاز على طريق الاردن لتصل الى مضختي غاز تدمر، اضافة الى ازدياد الشركات السياحية بين روسيا وسوريا .
تركيا
تسعى روسيا الى توثيق التعاون مع تركيا لانها تلعب دورا هاما في المنطقة على اعتبار انها الجسر الواصل ما بين الشرق والغرب فهي تجسد ثلاثة دوائر جغرافية، الدائرة الاوروبية، والدائرة العربية، والدائرة الاسيوية الوسطى، وكذلك لان تركيا عضو في حلف شمال الاطلسى وهي تسعى الى صياغة تكتل استراتيجي ما بينها وبين سوريا والعراق وايران من الجهة الاخرى، اما على الجانب التعاقدي فقد وقعت روسيا معها الكثير من العقود كاتفاقية التعاون بين الجانبين" الاوراسية "في العام 2001 واتفاقية التعاون العسكري في العام 2002 هذا اضافة الى معرض الاسلحة العسكري الذي اقيم في نيسان 2009 لعرض الاسلحة الروسية في معرض "ايديف 2009 "، وتوقيع اتفاقية دخول السلع الروسية الى تركيا في العام 2005 واتفافية تعزيز وتطوير التعاون في مجالات الغاز والنفط والطاقة في العام 2009 وايضا توقيع اتفاقيتين لمد خط النفط "سامسون - جيحان" وبناء أول محطة كهرذرية على الأراضي التركية من قبل الخبراء الروس مترافقا مع اتفاقية الانذار السريع عن الحوادث النووية وكذلك اتفاقية استكشاف واستخدام الفضاء الكوني، بالاضافة الى التعاقدات المبرمة ما بين الجانبين بتجارة المواد الاولية وغير الاولية في مجال تجارة الطاقة الكهربائية، وايضا ابرام العديد من الاتفاقيات التجارية حتى وصل معدل التبادل التجاري الى اكثر من 33 مليار دولار عام 2008 ، حيث ان تركيا تشغل المرتبة الخامسة تجاريا وتحتل المرتبة الثالثة من حيث مشتريات الغاز، ويعمل في روسيا اكثر من 150 شركة تركية، بالاضافة الى اتفاقيات التعاون البحري من خلال بناء السفن التجارية للجانب التركي.
التبادلات ما بين الجانبين لم تتوقف عند هذا الحد، بل اصبحت تاخذ ابعادا مستقبلية في ارساء الاستقرار ضمن المنطقة، من خلال الدور الروسي في حل نزاع قره باغ الجبلية بين اذربيجان وارمينيا مع احتمال ارسال قوات حفظ سلام روسية بينهما، وهناك ايضا علاقة في التصور الروسي التركي في لعب دور الجسر الواصل بين العالم الاسلامي والغربي للدخول كشريك في ادارة المنطقة اقتصاديا وسياسيا، الذي تجسد واقعيا باتفاق روسي تركي على مد وانشاء مشروع خط انابيب الغاز المسمى " السيال الازرق – 2 "، والتعاون بين البلدين في مجال الطاقة، ونيتهما في استثمار حقول النفط العراقية، هذا يأخذنا الى "نقطة مهمة" هو الصراع الروسي الامريكي على غاز اذربيجان ضمن خط انابيب" باكو"، حيث ان الرؤية الروسية تتوافق مع الرؤية التركية في انشاء اتحاد لمصدري الغاز من اجل المحافظة على سعره عالميا وهذ يشمل " الجزائر والامارات العربية ايضا"، الامر الذي جعل من البلدين جادين في حل مشكلة قره باغ الجبلية المتنازع عليها من قبل الاذريين والارمن، ما يعني ان لتركيا وروسيا نظرة فاحصة تجاه المنطقة من اجل اعادة الصياغة التعريفية " في كافة المجالات الحياتية" ما بينهما و بين المنطقة العربية .
الامارات
تسعى روسيا الى توثيق التعاون، السياسي، والاقتصادي، والثقافي مع الامارات العربية المتحدة، في الوقت الذي اعتبر فيه السيد فلاديمير كيدروف ، رئيس شبكة المراسلين بتلفزيون "روسيا اليوم" إن دولة الإمارات العربية المتحدة تمثل ظاهرة فريدة على خريطة العالم العربي وخريطة العالم عموما، كونها مركزا نفطيا كبيرا ومركزا تجاريا عالميا ومركزا سياحيا دوليا، منوها إلى أهمية الدور السياسي الذي تلعبه الإمارات على صعيد العالمين العربي والإسلامي، وقيمتها الإستراتيجية والجيوسياسية على الصعيد الدولي والعالمي .
اضافة الى ما قاله السيد فلاديمير كيدروف فان الامارات تضم بين ثناياها اكبر جالية روسية في منطقة الخليج، بالاضافة الى بناء اول كنيسة ارثوذكسية في امارة الشارقة لترتادها تلك الجالية .
فيما اعتبر الدكتور يوري زينين الخبير في امور الشرق الاوسط أن روسيا الاتحادية مؤهلة للمساهمة بفاعلية في تنفيذ المشاريع التكاملية بين دول مجلس التعاون الخليجي بمشاركة القطاعين العام والخاص في إطار تنويع الاقتصاد والإنتاج في البلدان الخليجية .
واضاف ايضا : إنه بوسع روسيا والإمارات تنفيذ مشاريع كبيرة بتوظيف التكنولوجيا والمبتكرات الحديثة الروسية في استخراج النفط وتكريره وفي إدارة الثروة المائية وصناعة الطاقة الذرية والفضاء الخارجي، داعيا إلى تنفيذ مشاريع لإقامة البنية التحتية واستثمار الثروات الطبيعية في الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي بحكم ما تتمتع به بلاده من قدرات إنتاجية وتكنولوجيات جاهزة وخبرة واقعية في تعاونها مع شركائها من البلدان العربية على النحو الذي نفذته موسكو في العهد السوفيتي في مصر وسورية والجزائر والعراق .
حيث انه يوجد في الامارات العربية 500 شركة روسية بكلفة إجمالية قدرها 35 مليار دولار و 200 شركة روسية اماراتية و 80 شركة روسية في مناطق حرة، وقد تصدرت الإمارات البلدان الأعضاء من حيث عدد المشاريع،حيث بلغت 124 مشروعا. اضافة الى ذلك فوز شركة النفط الروسية وريثة وزارة النفط زمن الاتحاد السوفيتي بابرام عقد في عام 2000 لانشاء مصفاة تكرير النفط في امارة الفجيرة بطاقة انتاجية تبلغ مليوني طن سنويا، اضافة الى بناء أكبر مشروع عقاري روسي تنفذه شركة من دبي بقيمة 11 مليار دولار على مشارف روسيا تحت اسم مدينة «دوموديدوفو» .
الاهتمام الروسي في تقوية العلاقات بينها و بين الامارات يحمل في طياته العديد من الطموحات المستقبلية لروسيا، الذي تجسد في اقامة علاقات تقنية وعسكرية مع الامارات، من خلال اقامة معرض الصناعات العسكرية في ابو ظبي( ايدكس 2009) بالتعاون مع سبع شركات روسية للصناعات الحربية، والقيام بدورات لتبادل الخبرات العسكرية، حيث ان الامارات عازمة على نشر منظومة اقمار صناعية خاصة بالاتصال العسكري السري، وهي مؤلفة من قمرين صناعيين، سيتم اطلاق احدهما الى الفضاء بواسطة الصاروخ الروسي" بروتون- أم " .
التعاون بين البلدين لم يتوقف عند هذا الحد انما كان هناك غزل سياسي من جهة الامارات في تعزيز التعاون بينهما في الكثير من المجالات، تمثل في دعوة الامارات الى تحرك روسي اكبر في المنطقة، الامر الذي شجع روسيا اكثر على اقامة المؤتمر الدولي حول النزاع الفلسطيني الاسرائيلي، ما جعل روسيا تلعبُ دورا دبلوماسيا، وتكتيكيا من خلال العلاقات والمجالات الاقتصادية والسياسية و التجارية، مثل الطاقة النووية السلمية، والاستثمار في قطاع الغاز والبتروكيماويات، والسعي لانشاء طريق النقل الدولي السريع " الشمالي- الجنوبي" الموقع بين روسيا وايران والهند، و احتمال دخول الامارات العربية الى هذا الطريق .
سؤال يجب ان يطرح على الساحة الروسية بعد كل هذا التواجد، ما مدى نجاح بريسترويكا روسيا الجديدة بعلاقة التنافر ما بينها وبين امريكا من جهة، وروسيا وامريكا وتنظيم القاعدة من جهة اخرى ؟ .
ان العلاقة ما بين روسيا وامريكا تتمحور ضمن الصراع المتبلور على نار هادئة فيما بينهما على منطقة الشرق الاوسط ، وقد لوحظ ذلك بحلول عام 2000 مع انطلاق الرؤية" البوتينية" الروسية باتجاه منطقة الشرق الاوسط ساعيا الى محو فترة الترهل الروسي خلال التسعينيات وانفراد امريكا على المستوى الدولي وخاصة منطقة الشرق الاوسط، ما يعني ان روسيا مصممة على المضي في ارساء علاقاتها اقليميا ودوليا، ما يعني انطلاق مرحلة الصراع "على نار هادئة" و من "وراء الستارة" ما بين امريكا و روسيا وريثة سياسة الاتحاد السوفيتي ولكن بايديولوجيا جديدة، حيث وصف بوتين امريكا بـ( الصديق الذئب)، الامر الذي يجعل من الطرف الامريكي يدرس كل الامكانيات لصد هذا التقدم الروسي، وخصوصا في البلدان الاربعة سابقة الذكر .
اما العلاقة ما بين روسيا وامريكا وتنظيم القاعدة" المجاهدون الافغان"، من حيث ايام الحرب الباردة ودخولا في المرحلة الجديدة، فالعلاقة طردية فيما بينهما، حيث ان المجاهدين الافغان لعبوا دورا مهما في اختتام المشهد الاخير لتلك الحرب من خلال مقارعة الاتحاد السوفيتي وبدعم امريكي مع بعض الدول الاقليمية، الذي ادى فيما بعد الى انتهاء هذه الحرب المبنية على الايديولوجية القديمة بهزيمة الاتحاد السوفيتي تاركا الباب مشرعا امام الولايات المتحدة لتلعب على القطب الاوحد معلنة في ذلك النظام العالمي الجديد مترافقا مع مقولات هانتنغتون وفوكاياما فيما يسمى بنهاية التاريخ وصراع الحضارات.
اما من حيث المرحلة الحالية، وانقلاب معادلة الماضي فان صديق الامس عدو اليوم ، حيث ان تنظيم القاعدة ، تخطى الحدود الاقليمية لافغانستان، ليس ضد خصم واحد وانما ضد خصمين، خصم علني هو الولايات المتحدة ، وخصم مستهدف من وراء الستارة هو الاتحاد الروسي، ولكن ليس على المشهد الاخير كما في الحرب الباردة، انما "على" المشهد الاول للمرحلة الحالية، الذي يعني ان تنظيم القاعدة اتخذ طريقا لقلب معادلة الماضي باتجاه معادلة جديدة، عدو الامس عدو اليوم وصديق الامس عدو اليوم، فالعلاقة ما بين القاعدة والروس تزداد سوءا يوما بعد يوم، فقد ذكرت العديد من الوكلات الاخبارية "ان رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب في روسيا الكسندر بورتنيكوف اتهم المخابرات الجورجية بمساعدة عناصر "القاعدة" في نقل مجاهدين إلى جمهورية الشيشان، وتهريب السلاح إلى داغستان، وفي سبتمبر 2009 قالت قوات الأمن الروسية انها قتلت زعيم تنظيم القاعدة في الشيشان( من اصل جزائري) و ثانيًا في داغستان بشمال القوقاز، فيما ذكر الجهاز الأمني في طاجيكستان إن المحكمة العليا أصدرت حكمًا بالسجن لفترات طويلة على أربعة أدينوا بالانتماء الى القاعدة في أول محاكمة لهم في البلاد، اضافة الى ان المحكمة العليا في روسيا اعتبرت ان تنظيم القاعدة ، تنظيم ارهابي، ما ادى الى تعميق الخلاف ما بين القاعدة وروسيا " وريثة الاتحاد السوفيتي" ونقل المعركة معها ليس على ارض الاتحاد الروسي فقط، وانما على خارج اراضيها ( صراع من وراء الستارة).
في الاونة الاخيرة لاحظنا ان تنظيم القاعدة يحاول ان يمد جذوره الى الدول الاربعة سابقة الذكر( الجزائر، سوريا، تركيا، الامارات)، فهل القاعدة تستهدف في ذلك روسيا؟، وهل تستطيع القاعدة الوصول الى الدول الاربعة سابقة الذكر؟ حيث انها استطاعت الوصول والاستفحال في الجزائر فيما يسمى بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، حيث تم توجيه ضربات موجعة للجزائر بعد ان اوشكت الحرب الداخلية ان تضع اوزارها، ولكنها في الوقت نفسه تواجه صعوبات في الاستفحال في بقية الدول رغم انتقال فكرها السلفي الجهادي هناك، حيث انه في سوريا تم تنفيذ هجوم انتحاري في اعنف انفجار تشهده سوريا في سبتمبر 2008 تحت ما يسمى " الجماعة السلفية" راح ضحيته 17 شخصا والذي يحمل في خفاياه بصمات تنظيم القاعدة، هذا ينقلنا الى تركيا التي القي القبض فيها على خلية لتنظيم القاعدة حاولت تنفيذ عمليات تفجيرية داخل تركيا في اكتوبر 2009 تستهدف المرافق الاقتصادية والحيوية ، وعلى الجانب الاخر ذكرت العديد من الوكلات الاخبارية ان الإمارات فككت شبكة لـ"القاعدة" أرادت تفجير "برج دبي"" و استهداف قيادات عليا في الأسرتين الحاكمتين في إمارتي أبوظبي ودبي علاوة على محاولة تفجير بعض الأهداف الاقتصادية البارزة، مما يؤدي إلى إلحاق خسائر كبيرة في سمعة البلاد كمركز مالي عالمي"، فهل يستطيع تنظيم القاعدة اختراق تلك الدول كما اخترق الجزائر؟، ولكن هناك سؤال اخر، ونحن نعرف ان تلك البلدان مليئة بالمصالح الامريكية، خصوصا تركيا والجزائر والامارات العربية، فهل تلك الضربات والاختراقات موجهة الى روسيا ام الى امريكا ام الاثنين معا، ام انه غير ذلك؟ فيما يدل على ان معادلة الصراع فيما بينهما مليئة بما هو جديد ومستقبلي .
ما يعني ان لعبة تقمص الادوار تحاك من وراء ستار ظلمة حرب المصالح، وكأن تلك الترويكا( القاعدة و امريكا وروسيا) تتعارك من امام وخلف الستارة للسيطرة على المنطقة، ولكن هل هي مقدمة لحرب باردة جديدة؟ فعدو الامس عدو اليوم ولكن بايديولوجيا جديدة، حيث ان روسيا وريثة السياسة السوفيتية وليست وريثة الايديولوجيا، والولايات المتحدة بشعارها الراسمالي، هي وريثة المنطقة ولكن بشعار "النظام العالمي الجديد"، واما القاعدة فقد خرجت عن نطاقها الحدودي (افغانستان) ، واصبحت عابرة للحدود الاقليمية والدولية ... ولكن !! الصراع ما بين تلك الترويكا يسودها الكثير من علامات التعجب ويتخللها اسئلة كثيرة، حيث ذكر العديد من المحللين والمراقبين السياسيين ان روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي تلعب اللعبة التي لعبتها امريكا سابقا مع " المجاهدين الافغان" من خلال تقديم اسلحة لتنظيم القاعدة و طالبان في افغانستان على اعتبار ان افغانستان مستنقع يصعب الخروج منه وللروس خبرة في ذلك المستنقع، و على الجهة الاخرى ذكرت العديد من الوكلات الاخبارية "ان الكسندر بورتنيكوف رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب في روسيا اتهم المخابرات الجورجية بمساعدة عناصر "القاعدة" في نقل مجاهدين إلى جمهورية الشيشان، وتهريب السلاح إلى داغستان، في الوقت الذي نحن نعرف فيه ولاء جورجيا للولايات المتحدة الامريكية- هنا يدخل التناقض - مترافقاً مع سؤال مفتوح وعصي على الاجابة،... من يحارب من ؟ .
ان البريسترويكا الروسية الجديدة تحمل في طياتها سيناريوهات بوتينية ترنو الى اخراج روسيا من تحت الركام لتشكل ثقلا اقليميا ودوليا، مستبدلا البريسترويكا القديمة ببريسترويكا النهوض ( التقدم والاستفحال ) لتأخذ معناها الحقيقي في اعادة البناء على اعتبار ان البريسترويكا القديمة كانت تمر في مرحلة سكرة الموت، اما الجديدة فهي مغايرة وفق مفهوم جديد يرافقه سطوع للنجم الروسي ،،، فهل تصدق تنبؤات نائب رئيس الدوما ميخائيل بورياف بظهور امبراطورية روسية ثالثة؟، ما يعني انهيار تنبؤات فوكوياما وهنتغتون بنهاية التاريخ ان صدقت تلك التنبؤات، ولكن هناك عدة عقبات جمة تقف في طريق تقدمها المستقبلي، مواجهة في ذلك عدة اطراف تريد المحافظة على مصالحها واجندتها الداخلية والخارجية، ما يعني ان هناك صراعا على نار هادئة يقف امام تقدم الحلم الروسي، فاتحا المجال امام سؤال جوهري: وفق ما ذكر اعلاه، هل هي مقدمة لانطلاق الحرب الباردة الثانية ؟، وهل تستطيع روسيا وفق البريسترويكا الجديدة سحب البساط من تحت الولايات المتحدة الامريكية ؟