أنقذوا القدس من التتر../ ندى الحايك خزمو


يا أهل الأرض في كل مكان..

يا كل الشجعان....

كنائس القدس تقرع أجراس الخطر..

مساجدها تنادي كل البشر ..

أنقذوا القدس من التتر.. الذين يعيثون بها فساداً.. ويعتدون على البشر والشجر والحجر..

لبوا نداء القدس يا قوم.. كفاكم تخاذلاً .. استنهضوا الهمم ..

لبوا نداء القدس واستعيدوا كرامتكم يا أمم ..

القدس في خطر.. أرض ومقدسات وبشر..

قوموا .. تحركوا.. هبّوا لنجدتها.. فماذا تنتظرون يا عرب ..

كفاكم نواحاً على ما يجري .. فالنواح لا يعيد ما اغتُصب.

حرباً شرسة يشنونها عليها وأنتم لا تفعلون سوى الشجب ..

أنظروا ماذا يفعل أهلها من أجلها.. تعلموا منهم حب الوطن..

فها هي سلوان تنتفض غضباً على سفك دم شهيدها الذي قضى دفاعاً عن أرضه.. عن بيته.. عن وطنه.. دفاعاً عن قدسه..

وها هي العيسوية تنتفض غضباً على سفك دم الرضيع الذي استشهد اختناقاً بغازهم وهو في حضن أمه..

سلوان تنتفض وأحياء القدس تنتفض معها .. باسم الأقصى .. باسم القيامة.. باسم كل حجر مقدس في قدسنا المتألمة .. باسم كل جرح نزف بيد جبارة ظالمة..

سلوان تنتفض.. رافعة الرأس لن تلين .. ولن تستسلم لقطعان المستوطنين.. لن ترهبها حفنة من المستعربين.. ولن تخيفها أسلحة المتطرفين..

هي سلوان.. لم تكل ولن تتعب.. هي سلوان.. لم تخف ولن تُرهب .. هي سلوان .. بركان غضب يثور ويتصدى للمغتصب..

يريدون الاستيلاء على بيوتنا ونصمت.. يريدون مصادرة أراضينا ونسكت.. يريدون قتل أبناءنا ولا نغضب..

في قدسنا وأحيائها استوطنوا .. وحرمة مقدساتنا انتهكوا .. وعلى مساجدنا وكنائسنا اعتدوا.. وعلى أراضينا استولوا.. ويريدون منا أن نسكت؟!

يفلتون عصاباتهم علينا.. يقومون بمسيرات استفزازية في أحيائنا.. ويهددوننا في عقر بيوتنا ويعتقلون ويقتلون أبناءنا وينتظرون منا أن نصمت؟!..

هل كنا سنغضب لو أننا نعيش بأمن وسلام في وطن حر غير مقيد؟!

فنحن شعب لا يريد الا العيش بحرية.. نحن شعب للأمن ننشد ..

نحن لا نريد الا حقنا في العيش بكرامة .. من غير حواجز وجدار وتقيّد..

مددنا للسلام أيدينا ولكنهم مدوا لنا القنابل والرصاص والقتل والتدمير والتشرّد ..

لذلك لا لن نسكت.. ولن نصمت.. حتى يتحقق السلام العادل لشعبنا وتعود لنا أراضينا وقدسنا ..

فلبيك يا قدس كلنا لك .. ففي سبيلك الأرواح تهون..

لبيك يا قدس فنحن فداك .. وقسماً قسماً لن نكون.. مثل الصامتين عما يجري والمغلقين الآذان والعيون.. والراضين بالذل والعار.. فان خنتم فنحن لن نخون.. وعنك لن نرضى بديلاً.. ودوما لك وفيك سوف نكون ..

يا قدس ..

قسماً لن نسكت مثل الساكتين.. ولن نخضع مثل المستسلمين الذين ارتضوا الذل والعار المهين.. فنحن سندافع عنك.. وأبداً أبداً لن نستكين.. أرواحنا وأجسادنا نقدمها لك حتى نحقق النصر المبين..

وأنتم يا من تقفون مع القدس فكل الشكر والتقدير لكم ..

أما أنتم أيها المتخاذلون الصامتون عما يجري في القدس .. سيسجل التاريخ إن لم تتحملوا مسؤوليتكم تجاهها، وإن لم تستيقظوا وتهبوا لنجدتها، انكم ارتضيتم العار لأنفسكم بتخليكم عنها.. فكل ديباجاتكم حولها ستكون باطلة .. وكل شعاراتكم عنها ستكون كاذبة .. فلن تكون قلب أمتكم .. ولن تكون عروس عروبتكم.. لأنكم لم تحافظوا عليها وتركتم عدونا ينهش لحمها ويلتهم كل شبر فيها.. أما نحن فنحن الأحق بها لأننا ندافع عنها.. وسنحميها وان تخلى الجميع عنها ..

فحسبنا الله ونعم الوكيل فيكم.. (البيادر)

· كاتبة وصحافية في مجلة البيادر المقدسية


ارحموا الدولة القُطرية/ مأمون شحادة



 
لم أكن أعرف أن تلك الطريق ترهق من يسير عليها، فأنا الآن منهمك ومنهك من مسافتها وصولاً إلى تلك المحطة المزينة بأرقام الحافلات، نظرت من حولي هنا وهناك، لكن نظري تعب من تلك الأرقام وهي تمتلئ ازدحاماً.. عجباً.. ان المحطة اليوم مزدحمة بالركاب، لعل هناك أمراً في توقيت تلك الحافلات.

راودني شعور أن هناك من يقترب مني مصافحاً بيده اليمنى، وفي اليد الاخرى يمسك كتاباً، أخذت أضرب أخماساً بأسداس، قائلاً في صيرورة نفسي: «منذا الذي يصافحني محاوراً»، وكأنني سمعت هذا الحوار من قبل، أهو حوار سوسيولوجي؟، أم أنه خطاب تأزم سياسي؟.

استيقظت من محاورتي الذاتية على صوت يقول لي: إمسك هذا الكتاب، وكأنه مقدمة للإجابة على ما يدور في صيرورة نفسي. أمسكته، فوقع نظري على عنوانه: «تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية»، وعلى الفور أدركت انه د.محمد جابر الانصاري.

سألته وأنا مندهش من كثرة الأرقام المحيطة بي، عن أزماتنا المتلاحقة. هل هي أزمة وعي، أم أزمة ثقافة؟، قال لي: انظر إلى تلك الأرقام التي تزين تلك الحافلات، أيوجد لها معنى آخر سوى التأزم في استخدام تلك الوسيلة؟، سألته مرة أخرى متعجباً، وهل نحن نعيش أزمة واقع وازدحام وتضارب في معرفة الحقيقة؟، قال لي، انظر مرة أخرى إلى الأعداد التي تملأ تلك الارقام ستجد الحقيقة الضائعة.

نظرت إلى الارقام، فوجدتها كثيرة، وعددها يتجاوز حدود التجزئة مقارنة بالدولة القطرية، ولكن هل الأخيرة توحيد أم تجزئة؟، أجابني الأنصاري قائلاً «اقرأ كتابي هذا لعله يساعدك في الوصول إلى فحوى الإجابة«

أخذت اقرأ ما بين السطور لأصل إلى تلك الفحوى، وبعد أيام قليلة خرجت بمعادلة واقعية كنت أجهلها سابقاً، وهي: أن الدولة القطرية عامل وحدة وتجزئة (وحدة + تجزئة)، فالوحدة تعني: لملمة أجزائها المتناثرة، وفق أدلجة لتوحيد إطارها الخاص. أما عامل التجزئة فهو تجزئة لإطار الوطن العربي العام، كاشارة إلى حدود التجزئة.

جلست مع قرارة نفسي قليلاً، حيث كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، أحاور نفسي وأنا أنظر إلى خارطة الوطن العربي، متأملاً بالمعادلة التي أوجدتها، ومتسائلاً: لو لم تقم الدولة القطرية في الوقت الذي كانت فيه السلطنة العثمانية تتهاوى، ما الذي كان سيحدث للوطن العربي؟.

وضعت أصبعي على تلك الخارطة، وأنا منهمك في محاورتي الذاتية، وإذ به يلامس العراق، وبسرعة خاطفة ذهبت أبحث عن وصف يلائمه إبان الترهل العثماني، لأجد أنه كان مقسما إلى ثلاثة اقسام (بغداد، البصرة، الموصل) .

أخذت أقارن الماضي بالحاضر، فوجدت أن الدولة القطرية وحّدت تلك الاقسام المتناثرة في مضمون إطارها الخاص لتصبح بعد ذلك عراقا موحداً، ولكنه منفصل عن الإطار العام لمفهوم الوطن العربي، مثله مثل بقية الدول العربية، فيما يسمى بالتجزئة.

أدركت في حينه، أن الدولة القطرية لو لم تأتِ لكان هذا الوطن العربي ليس 22 دولة، بل أكثر من ذلك بكثير، ولربما وصل إلى الخمسين أو السبعين دولة، في الوقت الذي لاحظت فيه أن الاحياء العراقية التي تقدر بـ «الآلاف» في حينه (إبان الترهل) أخذت تضع دساتير منفصلة عن الأحياء الاخرى، كإشارة إلى استقلال هذا الحي عن أخيه الآخر، حتى قَدِمت تلك الدولة بدستور يوحدها. أمسكت خارطة الوطن العربي مرة أخرى، ونظرت إليها نظرة فاحصة لعلي أحاول تهدئة الحراك الداخلي الذي ينتابها ما بين تجزئة المجزأ، وتفتيت المفتت، ابتداء باليمن السعيد، وصولاً للعراق وفلسطين، غير متناس في الوقت حينه سلة الوطن العربي الغذائية، فلربما قد أضعت الطريق للوصول إلى ما كنت «قد» اسميه سابقاً الدولة القطرية، متسائلاً: هل أنا في شمال اليمن أم جنوبه؟، وهل انا في جنوب السودان أم شماله؟، وفي أي جزء أنا من أرض الرافدين ؟، ولكن السؤال الذي أدمى مشاعري، هو هل أنا في الضفة أم في غزة؟


طويت الخارطة العربية، ووضعتها على أحد رفوف مكتبتي الخاصة، واخذت أبحث عن خارطة أخرى تتلاءم مع مستقبل الوطن العربي، لأن الواقع العربي انقلب على الدولة القطرية، واستثقل عليها هذا العدد الضئيل من الاقطار مفضلاً عدداً أكبر من ذلك.

هنا تيقنت ولم أستطع أن أخفي حزني، حينما قرأت كتاب «انتحار المثقفين العرب وقضايا راهنة في الثقافة العربية». حينها أدركت ان العقل العربي أسير الماضي والاستغراب، ولم يعد للمثقف العربي من يسمعه، فعلى ما يبدو أن ذلك العقل مغرم بالخطابات الديماغوجية، والفكر العربي -إن كان هناك فكر- ساحة للاتهام والإقصاء وصراع الأضداد، فلم يعد للغة الجميلة هامش، فكل ما سيكون كان.

عدت مرة أخرى الى محطة الحافلات، وأخذت أزاحم نفسي وسط المتزاحمين، لعلي أجد رقماً يقبل القسمة على اثنين أو ثلاثة أو أربعة، ليتناسب مع وجهتي القادمة، في الوقت الذي يختلف فيه الراكبون إلى أي وجهة يقصدون، فانطلقت بنا الحافلة ونحن لا نعرف إلى أين نتجه!
* بيت لحم - فلسطين
مختص بالشؤون الاقليمية

رؤية ليبرمان أم الاستراتيجية الاسرائيلية/ د. مصطفى يوسف اللداوي


أعلن أفيغودور ليبرمان بصفته وزيراً للخارجية الإسرائيلية، وممثلاً للدولة العبرية في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الخامسة والستين، وفي حضور العشرات من قادة وزعماء دول العالم، مواقف الحكومة الإسرائيلية إزاء العديد من القضايا التي تواجهها دولته، خاصة فيما يتعلق بمفاوضات السلام الجارية مع الجانب الفلسطيني، ورغم أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد أعلن أن تصريحات ليبرمان في الأمم المتحدة لا تعبر عن سياسات إسرائيل، إلا أنه يدرك في قرارة نفسه أنها تمثل الاستراتيجية الحقيقية لحكومته، وأنها تعبر عن قطاعاتٍ واسعة من الشارع الإسرائيلي، وتعكس مواقف الأحزاب اليمينية المتشددة المشاركة في الائتلاف الحكومي، والتي بدون مشاركتها لا يستطيع الاحتفاظ بمنصبه رئيساً للحكومة الإسرائيلية، كما أنه يدرك أن محاولاته للتخفيف من حدة تصريحات وزير خارجيته لن تنطلي على أحد، ولن يصدق العالم ما سمعه منه همساً، ويكذب ما صدحت به وسائل الإعلام عالياً بصوت ولسان ليبرمان الذي مثل حكومته رسمياً في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فهو الذي كلفه بصفته وزيراً في حكومةٍ يرأسها بالذهاب إلى نيويورك، وإلقاء كلمة حكومته من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالتالي فهو يعبر عن سياسة الحكومة الإسرائيلية أكثر من تعبيره عن مواقفه الشخصية، وقد يكون في مواقفه أكثر جرأةً من رئيس حكومته، فهو يجاهر بمواقفه دون خوف، ويعبر عن سياسات الحكومة التي يشارك فيها بحزبه دون تردد، ويكرر مواقفه بين الحين والآخر، ولا يصغي إلى محاولات رئيسه لتفسير مواقفه، أو تعديلها والتخفيف من حدتها، بل يؤكد في كل لقاءاته الرسمية على ذات المواقف التي أطلقها، ولا يلق بالاً إلى حجم الردود والتعليقات التي تعترض على تصريحاته.

يجب علينا نحن العرب والفلسطينيين أن نصدق ليبرمان، وألا نكذب تصريحاته وأقواله، فهو ينطق بالصدق ولا يكذب، ويعكس مواقف الدولة العبرية ولا يداهن، ويعبر عن حقيقة الموقف الإسرائيلي دون مكياجٍ أو عمليات تجميل، بل إنه يتعمد أن يوصل إلى الرأي العام الدولي، من فوق أعلى منصة دولية، بلغةٍ واضحة، وكلماتٍ صريحة، وصوتٍ عالٍ، وبحضور صناع القرار الدولي، ورعاة عملية السلام، وأطراف الصراع العرب، أن هذا هو الموقف الرسمي الإسرائيلي، الذي تتبناه أغلب الأحزاب الإسرائيلية، والتي يؤمن بها الشارع الإسرائيلي، وأما محاولات نتنياهو الممجوجة المكرورة المعارضة أو المنتقدة لتصريحات ليبرمان فهي محض كذبٍ، وهي محاولات تجميل وتزيين وتخذير وتضليل عام لتمرير السياسات الحقيقة لحكومته، وإلا فليُقِلْ ليبرمان من منصبه بصفته رئيساً للحكومة الإسرائيلية، وليمنعه من إطلاق التصريحات المستفزة، والمواقف المتشددة، وهو الذي لم يستثن من تصريحاته الرعناء مصر وإيران وكوريا وسوريا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية ومختلف الحكومات الأوروبية، إذا كان فعلاً لا يمثل بتصريحاته الحكومة الإسرائيلية.

كما ينبغي على القادة العرب قبل أن يمنحوا السلطة الفلسطينية غطاءاً عربياً جديداً لمفاوضة العدو الإسرائيلي، ويخضعوا من جديد للضغوط الأمريكية التي لم تثمر شيئاً على الجانب الإسرائيلي، ولم تتمكن من إلزام الحكومة الإسرائيلية بتمديد فترة تجميد الاستيطان، ألا يخدعوا بالاستنكارات الأمريكية لتصريحات نتنياهو، وباعتراض الإدارة الأمريكية على محتوى ومضمون تصريحاته، وعليهم أن يدركوا عقم المفاوضات مع العدو الإسرائيلي، وأنها لن تقود إلى أي نتيجةٍ مرضية، وأن الاستجابة للمطالب الأمريكية، والعودة إلى طاولة المفاوضات ستكون مذلة ومخزية ومهينة، وستظهر درجة الهوان التي وصلت إليها القيادة العربية، عندما تقبل بالعودة إلى الحوار في الوقت الذي تصفع به إسرائيل وجوه القادة العرب، وتوجه إليهم الإهانات في الوقت الذي تطالبهم فيه بالسماح للسلطة الفلسطينية بالجلوس معهم على طاولة المفاوضات، دون أن تقدم لهم ورقة توتٍ صغيرة تستر عورتهم.

على القادة العرب قبل أن يقدموا على منح غطاءٍ عربي غير محمودٍ للمفاوضات مع العدو الإسرائيلي أن يدركوا أن الحكومات الإسرائيلية أياً كان رئيسها، وأياً كانت تشكيلتها فهي لن تقبل بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ولن تبادل خطوات الثقة العربية بخطواتٍ إيجابية من طرفها، فهي ستماطل كعادتها في مفاوضاتها، وستخلف في مواعيدها، وستنكث عهودها، ولن تلتزم بأي اتفاقٍ أو تفاهم، وستنقلب على كل فرصةٍ للسلام، وستتنكب لكل حق، وستضرب عرض الحائط بكل المساعي الدولية، والوساطات الأمريكية والأممية، فهم يتطلعون إلى دولةٍ يهودية نقية، لا مكان فيها لغير اليهود، وتطالب العالم أن يعترف بحقها في دولةٍ دينية، هذا ما صرح به ليبرمان من على أعلى منصة دولية مؤكداً هذا المطلب، مؤكداً أنه تعبيرٌ حقيقي عن قناعة غالبية الإسرائيليين، وأنه يمثل الاستراتيجية الحقيقية الصريحة للدولة العبرية، التي لم توقف الاستيطان يوماً، ولم تتراجع عن سياسة مصادرة الأراضي والبيوت والممتلكات لبناء المزيد من المستوطنات عليها، وهو ما أكدت عليه المحكمة العليا الإسرائيلية، فيما ذهبت به في أحكامها عندما جوزت مصادرة أراضٍ وبيوتٍ عربية، فيما يشير على أنها تؤيد ما جاء به ليبرمان من تصريحات وإعلانات، تنسجم مع الاتجاهات العامة للاستراتيجية الإسرائيلية.

الإستراتيجية الإسرائيلية واضحة ومؤكدة، وهي استراتيجية واحدة لا تتغير، تتمثل في الاستيلاء على المزيد من الأرض، وطرد المزيد من السكان العرب، وتوسيع الاستيطان، وتمزيق الحلم الفلسطيني في العودة والدولة، يصرح بها بعضهم أحياناً، ويحاول أن ينكرها آخرون، لكنهم يسعون جميعاً دوماً لتنفيذها، فقناعتهم بها مؤكدة، ومساعيهم لتحقيقها جادة، وخططهم لتنفيذها قديمةٌ وجديدة، والدعم الدولي والأمريكي لهم متوفر ودائم، فهم يتفهمون مطالبهم، ويساعدونهم في تنفيذها، ويضغطون على الحكومات العربية للقبول بها، والسكوت عنها، وبالتالي فهي ليست تصريحاتٌ هوجاء لليبرمان، وليست كلاماً لرجلٍ لا يحسن العمل السياسي، ولا فن الدبلوماسية، وإنما هي الاستراتيجية الإسرائيلية الحقيقية، القديمة الجديدة، التي يسعون لفرضها واقعاً بالقوة، وبالرضى والقبول والمباركة العربية، وبالدعم الدولي والأمريكي لها، ولكننا نخلط أحياناً، أو نرفض أن نفهم وندرك، أنها هي السياسة الإسرائيلية، وأنها هي الطموح والغاية والاستراتيجية الإسرائيلية، وأن ما دونها ليس إلا وهمٌ ومرضٌ وسوء فهمٍ وسراب.


الواقع وحده المعيار.. في أيِّ مفاوضاتٍ أو عدمها/ صبحي غندور


تتجمّع الآن قطع مبعثرة لتشكّل لوحةً شبيهة بما حدث في مطلع عقد التسعينات، من حيث "أوجه الخلاف" بين واشنطن وتل أبيب أو من حيث مشاريع صيغ التسوية الشاملة. ويُدرك الرئيس أوباما أنّ ما يأمله العرب و"العالم الإسلامي" من تغيير في سياسة الولايات المتحدة سيكون محكّه الصراع العربي/الإسرائيلي، والقضية الفلسطينية تحديداً. وقد تحدّثت إدارة أوباما عن ضرورة وقف بناء أو توسيع المستوطنات الإسرائيلية، وعن التمسّك بصيغة حلّ الدولتين. وهذا الأمر مهمٌّ طبعاً، لكنْ ماذا لو تكرّر ما حدث في العام 1991 من "خلاف" أميركي إسرائيلي حول القضية نفسها (تجميد المستوطنات) وانتهى "الخلاف" في مؤتمر مدريد الذي كانت الفكرة الأساسية منه هي إعداد تسوية شاملة على كلّ الجبهات؟؟ ألم يتحوّل مؤتمر مدريد إلى عذرٍ من أجل الضغط على العرب للتطبيع مع إسرائيل قبل انسحابها من الأراضي المحتلّة؟ وما الذي نتج عملياً عن مؤتمر مدريد غير التطبيع حتى مع دولٍ عربية وإسلامية غير معنيّة مباشرةً بالصراع مع إسرائيل، بينما كان "اتفاق أوسلو" يتمّ في السرّ بين إسرائيل وقيادة "منظمة التحرير"؟!.

إنّ مشكلة الفلسطينيين والعرب ليست مع "الخصم الإسرائيلي والحكم الأميركي" فقط بل هي أصلاً مع أنفسهم، فالطرف الفلسطيني أو العربي الذي يقبل بالتنازلات هو الذي يشجّع الآخرين على طلب المزيد ثمّ المزيد.

إدارة أوباما "تناشد" إسرائيل "تمديد تجميد الإستيطان" في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك تفعل الآن السلطة الفلسطينية التي تهدّد بوقف "المفاوضات" إذا لم يحصل "تمديد التجميد". تُرى، ماذا لو أوقفت السلطة فعلاً التفاوض؟ وما البديل الذي ستطرحه، وهل ستعلن مثلاً التخلّي عن نهج التفاوض لصالح أسلوب المقاومة المشروعة ضدَّ الاحتلال؟ هل ستتّم إعادة بناء "منظمة التحرير الفلسطينية" لكي تكون "جبهة تحرّر وطني" شاملة توحِّد الطاقات والمنظمات الفلسطينية المبعثرة؟ ثمَّ ماذا لو استجابت حكومة إسرائيل لمطلب "تجميد الإستيطان" لبضعة أشهر، كما طالبها الرئيس حسني مبارك والرئيس محمود عباس، فهل يعني ذلك برداً وسلاماً في عموم المنطقة؟ وكيف لبضعة أشهر أن تصنع التحوّل في حكومة إسرائيلية قامت على التطرّف ورفض الاتفاقات مع الفلسطينيين، بحيث تقبل هذه الحكومة بدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وبإنهاء المستوطنات وإعطاء اللاجئيين الفلسطينيين حقوقهم المشروعة؟!.

هي في الأحوال كلّها مراهناتٌ على سراب وأضغاث أحلام لا جدوى منها فلسطينياً وعربياً.

فما هو قائمٌ على أرض الواقع وحده المعيار في أي مفاوضات أو عدمها. وتغيير الواقع الفلسطيني والعربي هو الكفيل فقط بتغيير المعادلات وصنع التحوّلات المنشودة في الموقفين الإسرائيلي والأميركي.

الواقع الآن أنّنا نعيش زمناً إسرائلياً في كثيرٍ من الساحات العربية والدولية. زمنٌ يجب الحديث فيه عن مأساة الملايين من الفلسطينيين المشردين منذ عقود في أنحاء العالم، لا عن مستوطنين يحتلّون ويغتصبون الأرض والزرع والمنازل دون رادعٍ محلّي أو خارجي. زمنٌ إسرائيليٌّ حتى داخل بلدان عربية كثيرة تشهد صراعات وخلافات طائفية ومذهبية تخدم المشاريع الأجنبية والإسرائيلية بينما تحتّم مواجهة هذه المشاريع أقصى درجات الوحدة الوطنية. زمنٌ تفرض فيه إسرائيل بحث مسألة "الهوية اليهودية" لدولتها التي لم تعلن حدودها الرسمية بعد، بينما تضيع "الهوية العربية" لأمَّةٍ تفصل بين أوطانها منذ حوالي قرنٍ من الزمن حدود مرسومة أجنبياً، وبعض هذه الأوطان مُهدّدٌ الآن بمزيدٍ من التقسيم والشرذمة!!.

سيصطلح ميزان التفاوض مع إسرائيل حينما يتمّ تصحيح الواقع الفلسطيني والعربي أولاً، وحينما تتحوّل "المناشدات" الكلامية العربية والفلسطينية إلى قوى ضغطٍ فاعلة في كل الميادين الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، تماماً كما كانت أحوال العرب عشيّة "حرب أكتوبر" عام 1973 وقبل خروج مصر من الصراع وقبل "معاهدات كامب ديفيد".

هي الآن الذكرى ال37 لحرب أكتوبر وهي أيضاً الذكرى العاشرة للانتفاضة الفلسطينية الثانية التي انطلقت في 28 سبتمبر من العام 2000. وكم الأمَّة العربية بعيدة الآن عن ظروف هاتين المناسبتين!.

فلقد أبرزت انتفاضة العام 2000 حقيقةً هامَّة لم تكن مدركَة آنذاك حتى لدى القيادات الفلسطينية، وهي أنَّ الشعب "يمهل ولا يهمل". وقد أمهل الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة قيادته أكثر من 7 سنوات بعد "اتفاق أوسلو"، وتركها تذهب إلى أبعد مدى ممكن في التنازلات الإجرائية والمبدئية، إلى حين الاصطدام مع لحظة القرار الخطير: التوقيع على نهاية الصراع مع إسرائيل في اجتماعات "كامب ديفيد" صيف العام 2000، دون تأمين الحدّ الأدنى من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. هنا وصلت السلطة الفلسطينية إلى مأزق كبير: لا تستطيع التقدّم إلى "الأمام" مع إسرائيل والولايات المتحدة، ولا تستطيع التراجع إلى الوراء والتخلّي عن اتفاقياتها في أوسلو والقاهرة وواي ريفر وشرم الشيخ... فهذه الاتفاقيات هي التي جعلت من منظمة التحرير "سلطة وطنية" ومن بعض "القيادات الثورية" وزراء وأصحاب مناصب، ومن رئيسٍ لمنظمة كان يصفها الغرب بالإرهاب إلى رئيس سلطة تحمل مشروع دولة ويتمّ التعامل معه كرئيس دولة، بل إنَّ هذه السلطة تتقاضى مساعدات بمئات الملايين من الدولارات من عدّة دول غربية (في مقدّمتها أميركا) لأنّها اختارت طريق أوسلو وما نتج عن السير في هذا الطريق من قطع الصلات مع المسارات العربية الأخرى، وتحويل المشكلة الفلسطينية من جوهر الصراع العربي/الصهيوني إلى "قضية" ثنائية مختلَف عليها مع إسرائيل ويتمّ التفاوض بشأن تفاصيلها في "محاكم" أميركية وبإشراف قاضٍ وحكمٍ واحد هو "الراعي" الأميركي. تماماً كما فعلت مصر/السادات حين اختارت هذا الطريق في كامب ديفيد الأولى.

لذلك، كانت الانتفاضة الفلسطينية في العام 2000 تجاوزاً من "الشارع الفلسطيني" لأزمة مواقف قيادة السلطة الفلسطينية، كما تجاوز "الشارع العربي" حينها، في تضامنه مع الانتفاضة، أزمة عدم مواقف الحكومات العربية. فالعبارة، التي تردّدت آنذاك، كانت: "إرفع رأسك يا أخي، فقد حان وقت الانتفاضة"!!.

ولا شكَّ أيضاً، أنَّ انتصار المقاومة اللبنانية في إجلاء الاحتلال الإسرائيلي عن لبنان في مايو/أيار 2000، أوجد أيضاً خياراً من نوعٍ آخر لأسلوب التفاوض، وحرَّك نبض الشارع العربي عموماً، والفلسطينيين في الأراضي المحتلّة خصوصاً.

فأمام الأمَّة العربية خياراتٌ عديدة غير "خيار التفاوض بأيِّ ثمن" وهي خياراتٌ مستوحاة من تاريخها القريب، إنْ في إعادة بناء التضامن العربي الفعّال الذي أنجز نصراً في "حرب أكتوبر"، أو في خيار المقاومة الشاملة للاحتلال، والذي تأسّست من أجله أصلاً "منظمّة التحرير الفلسطينية"!.


عـراق مـا بعـد الإنسـحـاب.. بيـن المـصـالـح الثـابتـة للإستـراتيـجيـة الأمـريكيـة فـي المنـطقـة ج3/ محـمـد اليـاسيـن


– كـاتـب وسيـاسي عـراقي مستـقـل

في الجزئين السابقين من المقال تحدثت عن أهمية الوجود العسكري والنفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط وكذلك تطرقت إلى أسباب هذا الوجود والأصرار الأمريكي عليه في منطقة شعوبها لاتطيق سماع أسم أمريكا ،وفي مقال سابق بعنوان (عراق مابعد الإنسحاب تساؤلات مطروحة ومخاوف مشروعة ) تطرقنا إلى الخديعة من وراء الإنسحاب العسكري الأمريكي من العراق وتحدثنا فيه عن البدائل الأمريكية في العراق بعد الإنسحاب المزعوم ، ولخصنا الحديث في نفس المقال بأن هذا الإنسحاب لايتعدى مسألة تغيير في مسار الإستراتيجية الأمريكية في حربها على الساحة العراقية .

اما في الأجزاء الثلاث من مقال ( عراق مابعد الإنسحاب بين المصالح الثابتة للإستراتيجية الأمريكية في المنطقة) ، فقد تطرقنا إلى أهمية العراق بالنسبة للإستراتيجية الأمريكية ( والتي هي تعبر عن المصالح العليا لأمريكا في العالم ) وكذلك توقفنا عند شكل وطبيعة المصالح والأهداف الأمريكية في العالم والمبنية أساساً على حجم وقوة مصالحها في منطقة الشرق الأوسط بأعتبارها"عصب الحياة" للعالم ، وكما يبدوا آن أمريكا أختصرت المسافة في كيفية سيطرتها على صناعة القرار الدولي وتربعها على عرش العالم (القطب الأوحد ) ، من خلال سيطرتها على أهم الدول في منطقة الشرق الأوسط وهذا يعني أنها تتحكم بأكبر مكامن القوة في العالم بسيطرتها على " الطاقة البترولية " في المنطقة .

لذا فان ضرورة بقاء الجيوش العسكرية والأمنية والإستخباراتية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وفق الإستراتيجية الأمريكية يأتي لتحقيق عدة أهداف جوهرية :

· إذ أن بقاءها يعزز من قوة النفوذ الإقتصادي والسياسي الأمريكي في المنطقة وضمان السيطرة والهيمنة التامة عليها دون منافس .

· دعم وتمويل الحروب المستقبلية التي تخوضها الجيوش الأمريكية والحليفة لها على دول المنطقة والعالم(الأعداء المفترضون)، وكذلك لدعم الإقتصاد الأمريكي في حال أصابه العجز أو الإنهيار نتيجة الحروب والمغامرات الأمريكية، وهذا ماحصل فعلاً عندما بدأ إنهيار الإقتصاد الأمريكي نتيجة حربي العراق وأفغانستان فأنها لجأت إلى أستخدام الطاقة البترولية لدول المنطقة والتي تعد غالبيتها تحت السيطرة الأمريكية (نفط الخليج) لتبطئ من إنهيارها الإقتصادي والتغطية على عجزها المالي والتقليل قدر الأمكان من حجم الخسائر المادية للإقتصاد الأمريكي...

· اما بخصوص الحروب المستقبلية لأمريكا ليس بالضرورة أن تكون جميعها على الشكل العسكري التقليدي الذي عهدناه سابقاً ، إذ أن ماتحدثت به في بداية الجزء الأول والثاني من المقال هو ما اقصده هنا ، أي الحروب الإقتصادية حيث ان سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على أكبر وأضخم منابع النفط والطاقة في العالم الواقعة في منطقة الشرق الأوسط يضعها في موقع التحكم المركزي بعصب الحياة للدول الغربية والأسيوية المتعطشة إلى البترول في ظل التقدم والتطور التكنلوجي والعسكري والنمو الإقتصادي والسكاني المتزايد ولغرض إدامة وإستمرار الحياة في تلك الدول عليها آن تنصاع لإرادة أمريكا ...

فعلى سبيل المثال آن الصين وهي من كبريات دول العالم والمؤهلة للصعود كقوة عظمى وبروزها كأحد أقطاب العالم فقد بدأت في البحث عن مصادر أخرى للطاقة عوضاً عن الطاقة البترولية المتواجدة في منطقة الشرق الأوسط والتي هي تحت السيطرة الأمريكية ، فحاولت الصين مراراً في ظل تقدمها الكبير في مجال التكنلوجيا والصناعة والتسارع المهول في نموها الاقتصادي والبشري من إيجاد مصادر بديلة عن الطاقة البترولية لسد حاجتها للطاقة وتكللت غايتها بالنجاح في إستخراج الطاقة من الشمس والهواء والحرارة ومصادر أخرى للطبيعة وأدخلتها في صناعاتها المتنوعة ، وعلى الرغم من الكفاءة النادرة والمعروفة عن الصينين الا أن الحاجة ستبقى قائمة ومتزايدة للطاقة البترولية الخام .


ولاشك بأن البحث عن بدائل الطاقة البترولية من قبل كبريات دول العالم سيستمر لغرض الخروج ولو بعض الشئ من تحت اطار السيطرة الأمريكية التي تحاول من خلالها التأثير على شكل ومسار القرارات السياسية والإقتصادية في تلك الدول بما يتناسب ومصالحها العليا في العالم أي أمريكا...

لذا فأن بقاء الولايات المتحدة الأمريكية في مكانتها الحالية كقوة عالمية عظمى تتحكم في صناعة القرار الدولي والأقليمي يتطلب منها أحكام السيطرة التامة على كافة مكامن القوة في منطقة الشرق الأوسط (الدول الكبيرة والغنية في المنطقة ) وأجبار أنظمتها على الرضوخ لإرادتها في عقد التحالفات الإستراتيجية معها وخاصة الأمنية منها ما يعطي المبرر لوجود جيوشها العسكرية في المنطقة وشنها العمليات العسكرية على الدول المناهضة لها في حال أستوجب الأمر ، فنلاحظ مثلاً أن أغلب دول المنطقة تذهب لعقد مايعرف ( بالتحالفات الأمنية ) تحت عنوان التعاون الأمني والأستخباراتي ضد الأرهاب بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية .

ومن المتوقع أن تشن الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة الزمنية القادمة عدد من الحروب الهدف منها أسقاط الأنظمة والقوى المناهضة لوجودها في المنطقة للقضاء عليها كما حدث في العراق مثلاً، ناهيك عن دعمها المتوقع لأطراف محلية من داخل تلك الدول للقيام بأنقلابات عسكرية أو مدنية وأشاعة الفوضى ضد أنظمتها الحاكمة.

ومما لاشك فيه بأن العراق يشكل رقماً صعباً في المعادلة الأمريكية فيما يخص سيطرتها على المنطقة ، فمن غير المعقول أن نصدق مايُقال بشأن الإنسحاب الأمريكي المُفبرك ، إذ أن العراق يُشكل رقماً مهماً وضرورياً في أكمال المعادلة الأمريكية بالتحكم في مكامن القوة للمنطقة ، خاصة على مدى العقدين القادمين من الزمن فأن الوسيلة لتحقيق الغاية الأمريكية في بقاءها متحكمة في إدارة المناخ السياسي والأقتصادي الدولي تكمن في أحكام السيطرة على كافة الدول المؤثرة في منطقة الشرق الأوسط لضمان عدم تراجع دورها القيادي مع دخول العالم في مرحلة التعددية القطبية واتجاه أنظار تلك الدول الصاعدة نحو دول المنطقة الغنية بالطاقة البترولية وموقعها الجغرافي المميز الرابط بين قارات العالم .

كما وأن العراق لايزال منذ العام 2003 في مرحلة إنتقالية لم تتضح ملامح الأستقرار التام فيه ، ومن الجدير بالذكر أن نقول أن كل الأحداث الجارية على الساحة العراقية اليوم بكافة شخوصها وقواها السياسية والتي شكلت محور العملية السياسية في العراق بعد الإحتلال هم ايضاً ضمن نفس المرحلة الإنتقالية ولن يكون لهم وجود على المدى البعيد وسيتساقطون كأوراق الخريف الواحد تلو الأخر خلال فترات زمنية متفاوتة ، إذ أن العراق مؤهل على المدى البعيد مع دخول العالم في معالم التعددية القطبية أن يكون بمثابة موقع القيادة المركزية الأمريكية لإدارة شؤون المنطقة الأقليمية لذا فحاجة تلك المرحلة المستقبلية في العراق الى طبقة أخرى جديدة من الساسة تتعامل معهم الولايات المتحدة ودول العالم تختلف عن تلك المتواجدة اليوم .

لذا فأن اكذوبة إنسحاب القوات الأمريكية من العراق باتت واضحة وضوح الشمس ، وقد توقفنا عند شكل وطبيعة المصالح الأمريكية الكونية والتي لا تحتمل التخلي عن أي رقم من أرقام المعادلة الأمريكية العالمية، والذي يُشكل العراق رقماً هاماً في تلك المعادلة من خلال أهميته القصوى في شكل خارطة المعادلة الأقليمية .



إلغاء المحكمة اجرام بحق الاجيال القادمة/ سعيد علم الدين

قال رئيس الهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع في ذكرى "شهداء المقاومة اللبنانية"، السبت 25 أيلول 2010 بالنسبة لإيقاف المحكمة الدولية، التالي:
"حتى لو كان ذلك ممكناً، وهو غير ممكن، فإنَّ محاولةَ إيقاف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان هي بحدِّ ذاتها جريمة اكبر من كل الجرائم التي ارتكبت حتى الآن".
نعم هذا كلام منطقي سليم، بعيد النظر وحضاري مميز، يفحم كل المشككين بجدوى المحكمة ويصب بالدرجة الأولى في مصلحة لبنان العليا والعدالة والأمن والاستقرار والعيش المشترك والسلم الأهلي والسلام العالمي.
فلا امل لقيام وطن تسود فيه شريعة الغاب، وتحصد آفة الاغتيال السياسي النكراء الزعماء الأبرياء بالتفجير والإرهاب، ويتمختر القتلة المجرمون على جثث ضحاياهم بغرور وكبرياء، دون رادع من قصاص او عقاب!
وأزيد على قول د. جعجع قائلا بأن ايقاف او الغاء المحكمة سيكون إجراما ما بعده إجرام ليس فقط بحق الشعب اللبناني بمعرفة الحقيقة وتطبيق العدالة، وانما ايضا بحق الاجيال اللبنانية القادمة التي لا ذنب لها ولا جريرة بكل ما حدث ويحدث اليوم من جرائم وفتن ومؤامرات ترتكبها ميليشيات الغدر وعصابات الفتنة التي أعمت بصيرتها قوة السلاح ومتاع الغرور ففقدت انسانيتها والشعور جامحة نحو الجريمة بسرور دون تفكير بعواقب الامور.
توزيع الحلوى وتبادل التهاني بعد استشهاد بطل الكلمة الحرة النائب الصحفي جبران التويني، وبطل الكلمة الحق النائب القاضي وليد عيدو وغيرهم لم تحدث في تل ابيب، وانما في ضاحية حزب الله الجنوبية!
المذيعة التي عبرت عن سرورها على الهواء بعد استشهاد عيدو متمنية الدور القادم للنائب احمد فتفت لم تكن مذيعة قناة اسرائيلية، وانما مذيعة فضائية رئيس حركة امل نبيه بري!
ومن هنا فإيقاف المحكمة بتبويس اللحى تحت شعار الله يرحم يلي ماتوا صاروا شهداء الوطن! وعفا الله على ما مضى! سيؤسس لمظلومية جديدة ونفور دائم بين الطوائف وفقدان ثقة بين الجيران واحقاد تاريخية ستتناقلها الاجيال وتكبر وتتعاظم بوقائعها واحداثها الدموية المأساوية جيلا بعد جيل.
الا يكفينا مأساة الحسين التي تحولت عبر مئات السنين الى حقد ونفور ومظلومية دائمة ما زلنا ندفع ثمن تداعياتها انقسامات مذهبية بغيضة وعصبيات كارثية دموية حادة لا حد لها ولا حدود، عدا جلد للذات المريضة كل عام والدماء من الاجساد تفور بصور فاقت كل افلام الرعب.
فتفجير 14 شباط الدامي الذي قتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه ظلما وعدوانا، وحفر عميقا في اعماق الذاكرة والوجدان اللبناني والعربي ومعه باقي الاغتيالات المتلاحقة الظالمة، التي مارسها المجرم في تحد واستكابر واستهتار لكل القيم والشرعيات ومجلس الامن بالذات، هو مأساة انسانية لبنانية بكل معنى الكلمة وسيظل صداها يتردد عبر الأجيال والسنة نيرانها تتصاعد شررا في القلوب ولا يمكن ان يعيد الصفاء الى النفوس والوئام الى المجتمع، الا المحكمة الدولية التي يجب ان تكتشف الحقيقة وتطبق القانون بحق القتلة الحقيقيين ليتصالح المجتمع مع نفسه وتسمو بيارق العدالة مع ارواح الشهداء التي هي اساس الملك وبناء الدول المتزنة القانونية الناجحة.
ولو لم يشعر حزب الله ان المحكمة اكتشفت القتلة الانذال لما هاج وماج حاملا سيف الظلم والطغيان في وجه لبنان الحق والحرية والعدالة والعنفوان.
وكم كان سخيفا وساذجا نائب حسن نصرالله الشيخ نعيم قاسم عندما قال في ذكرى أسبوع والد رئيس بلدية الغبيري محمد الخنسا:
"بكل وضوح نحن نتّهم إسرائيل باغتيال الرئيس رفيق الحريري وارتكاب جرائم في لبنان، وعلى المعنيين أن يُناقشوا هذه التهمة، وأن يبحثوا عن القرائن والمعلومات وأن يُثبتوا بالأدلة الحقيقة التي يمكن الوصول إليها، لا يجوز أن يبقى هذا الاتهام بعيداً عن التداول وعن القيام بإجراءات عملية".
أوامر حزبلاتية نفذ ولا تعترض! هو هنا ألبس الطربوش كالعادة لإسرائيل واعطي الأوامر الإلهية للمحكمة الدولية في البحث عن القرائن والدلائل في الأودية والانهار وعلى قمم الجبال وأغوار البحار وفي المغاور وعلى التلال اما مربعاته الامنية السرية في الضاحية الجنوبية التي يتم فيها تفخيخ السيارات بكل روية فهذه حقوق الدويلة العلية في مقاومة الصهيونية وتحرير مزارع شبعا على قدم وساق.
ولهذا فكل من يحاول الغاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، انما يعمل للهروب من الحقيقة الى تكاذب يضع فيه قنبلة موقوته ستنفجر يوما ما في وجه الاجيال القادة.
خاصة وان إلغاء المحكمة سيؤدي الى شعور بالغبن والخيبة والاخفاق والالم العظيم للأكثرية الساحقة من اللبنانيين. ومعروف ان هناك فريق واحد ومن طائفة ولون ومذهب واحد هو الذي وقف ومنذ 14 اذار في مواجهة الطوائف الاخرى التي قدمت الشهداء الزعماء من بين نخبها. وكأن من اغتال نخب الطوائف الأخرى وكبارها اراد ارهابها لتنصاع لسطوته والعمل تحت قراره وتدجينها كما تم له تدجين وليد جنبلاط. الا اننا لا نشك البتة بان وليد جنبلاط جوهره وطني سليم، ولا بد ان يكون في نهاية المطاف الا الى جانب الحق والحقيقة والعدل والعدالة ضد الظلم وقوى الغدر والاغتيال والظلام!
هذا الفريق والممثل بحزب الله فعل المستحيلات لعدم اقرار المحكمة
قافزا شمالا ويمينا هاربا منها الى الامام فصدمته في حرب تموز الفاشلة، وهرب منها فصدمته في حصار السراي ومحاولته الفاشلة في اسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وهرب منها باقفال المجلس النيابي فصدمته باقرارها تحت البند السابع في مجلس الامن.
الفريق الذي سبب الآلام للشعب اللبناني لعله وعسى تقف المحكمة هو المتهم سياسيا بالاغتيالات التي حدثت لزعماء وقادة كانوا من اشد المؤيدين للمحكمة نذكر على سبيل المثال الشهداء الوزير بيار الجميل والناب وليد عيدو والنائب جبران تويني.
لا مهرب لحزب الله من مواجهة الحقيقة!
وكما فعل النظام السوري الذي كلف شركة محاماة بريطانية مرموقة بالدفاع عنه في قضية اغتيال الحريري فعلى حزب الله ان يوكل شركة محاماة للدفاع عنه وتبرئة ساحته بدل ان يهدد بالفتنة على لسان ابواقه دون خجل، ويتوعد اللبنانيين المظلومين في امنهم واستقرارهم، يا للعار من عمائم وجبب ولحى اهل الكذب والنفاق.
عدا عن كل ذلك فإيقاف المحكمة يعتبر من المستحيلات، خاصة وان مجلس الأمن بقواه العظمى يريد كشف الحقيقة ومعاقبة القتلة، وهذا ما اكده السفير الروسي في لبنان السيد سيرغي بوكين.
وهذا فخر لروسيا التمسك بالمحكمة الدولية وتمويلها!
فشكرا لدولة الاتحاد الروسي باسم كل اللبنانيين المظلومين!

عون خرج من التيار الوطني يوم قَبِل نير عبودية محور الشر/ الياس بجاني


سيأتي على الناس سنوات خداعات يُصدَّقُ فيها الكاذب ويُكذَّبُ فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة، قيل ما الرويبضة قال، الرجل التافه يتحدث في أمر العامة". (حديث نبوي)

يقول القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية (16/17): "وأطلب إليكم أيها الإخوة أن تلاحظوا الذين يصنعون الشقاقات والعثرات، خلافا للتعليم الذي تعلمتموه، وأعرضوا عنهم". ونحن اليوم نرى أنه لزاماً علينا ضميريا، بل من واجبنا الوطني والأخلاقي والإيماني أن نناشد الأحرار والسياديين في لبنان وبلاد الانتشار أن يبتعدوا عن ميشال عون وعن كل خياراته وسياساته وتحالفاته وهرطقاته التي أمست وسيلة قاتلة للشقاق والفرقة والشكوك والعثرات.

إن السقوط في التجربة حالة بشرية تبين ضُعف إيمان وخور رجاء وانعدام كرامة وموت ضمير ووجدان الساقط، وميشال عون الوصولي والانتهازي الفكر والأعمال بامتياز في ممارسته للسياسة والشأن العام استسلم لإغراءات الأبالسة ولنزعات الجسد سنة الفين وستة ووقع في فخاخ الشر والأشرار فانتهى به الأمر بوقاً وصنجاً ليس إلا عند حزب الله "وعدة شغل" إيرانية � سورية لهدم لبنان وضرب كيانه وإسقاط نظامه وتفكيك مجتمعه المدني.

يومها انخرط عون هذا في صفوف ميليشيا حزب الله الأصولي الإيراني من خلال "ورقة التفاهم" التي وقعها طمعاً بالثلاثين من فضة، وسعياً وراء المنافع الشخصية البحتة، ضارباً عرض الحائط بالوطن والمواطنين وبكل الوعود والعهود ومتجاهلاً عن سابق تصور وتصميم أنه: "يجب أن لا يسعى أحد إلى مصلحته، بل إلى مصلحة غيره. (القديس يعقوب 10-24)

تنازل صاغراً وبجحود عن قضية لبنان القداسة والرسالة والشهداء والتاريخ التي كان يحملها ويرفع شعاراتها وذلك مقابل موقع ونفوذ ومقتنيات أرضية فانية، ومنذ ذلك اليوم أعمت مركبات جنون العظمة والحقد والكراهية بصره وبصيرته وأمسى خارج التيار الوطني الحر الذي هو في الأساس حركة استقلالية لبنانية صافية رافضة لكل أشكال الاحتلال والتبعية والإستزلام والنفاق والذمية والتقية والأصولية والفوضى والدويلات والميليشيات المسلحة.

توهم الرجل أن بإمكانه استغباء اللبنانيين واللعب على مخاوفهم وعواطفهم بإمساك العصا من طرفيه عملاً بالمثل القائل، "إجر بالفلاحة وإجر بالبور" ففشل وانكشف خداعه وبان خبثه اللعين وتجلت الحقيقة الناطحة ففضحته وعرّت كل ألاعيبه لأن الشر في النهاية يأكل نفسه، ولأن من لا يكون مع الحق هو مع الباطل.

"وأنا لا أريد أن تكونوا شركاء الشياطين. لا تقدرون أن تشربوا كأس الرب وكأس الشياطين، ولا أن تشتركوا في مائدة الرب ومائدة الشياطين (1كورنثوس 10/21 و22)

إن المحابي والمستزلم والمنقاد وراء سياسي مارق ومسبب عثرات طمعاً بفائدة ذاتية أو عن غباء أو على خلفية الحقد والكراهية والانتقام هو شريك له في أفعاله وأقواله الإبليسية لأن المحاباة والغنمية والغباء هي صفات مرذولة ومرفوضة تغضب الله وتنقض كل تعاليمه. "لا تحابوا أحدا وأما إذا حابيتم أحدا فترتكبون خطيئة وتحكم الشريعة عليكم حكمها على الذين يخالفونها. ومن عمل بالشريعة كلها وقصر في وصية واحدة منها أخطأ بها كلها، (يعقوب: 2/9 و10)

هذا الساقط بفجوره واستكباره والغباء وقع في التجربة وتحول إلى مسبب عثرات للبنانيين، وأصبحت أعماله وأقواله شيطانية هدفها إيقاع اللبنانيين في التجارب، إلا أن الأحرار رذلوه ونبذوه وعروه حتى من ورقة التوت ليكون عبرة لمن يعتبر، والويل لمن تأتي العثرات على يديه لأن حسابه يكون العذاب وصريف الأسنان.

"من أوقع أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي في الخطيئة، فخير له أن يعلق في عنقه حجر طحن كبـير ويرمى في أعماق البحر.الويل للعالم مما يوقع الناس في الخطيئة ولا بد أن يحدث ما يوقع في الخطيئة، ولكن الويل لمن يسبب حدوثه". (متى 18/6 و7)
ونختم بما قاله القديس يعقوب (4/4) عن الخونة: "أيها الخائنون، أما تعرفون أن محبة العالم عداوة الله؟ فمن أراد أن يحب العالم كان عدو الله"، ومن له أذنان سامعتان فليسمع.


القدس الحزينة الثائرة/ د. مصطفى يوسف اللداوي


عشرُ سنواتٍ مضت على الزيارة المستفزة التي قام بها رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق أرئيل شارون إلى المسجد الأقصى المبارك، وسطَ جمهرةٍ كبيرة من الجنود الإسرائيليين المدججين بالسلاح، وهي الزيارة التي تفجرت غضباً، وتفصدت دماً، فاجتاحت فلسطينَ كلها انتفاضةٌ عارمة، وثورةٌ شاملة، عمت كل أرجاء الوطن، وشارك فيها كل الفلسطينيين، بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية، وساد الغضب أوساط المسلمين كما المسيحيين الذي غاروا على حرمة أشقاءهم المسلمين، فانتفضوا معهم، وعانوا مثلهم، وثبتوا في مواجهة التحديات الإسرائيلية المستمرة التي طالت مقدساتهم ووقفهم، وتضامن مع فلسطين نصرةً ومساندة كل العرب والمسلمين في كل أرجاء الكون، وأيدها في ثورتها الكثير من أحرار العالم، فقد انتفضت القدس وفلسطين حفاظاً على هويتها، وانتصاراً لحضارتها، وسعياً لتحررها، وتطهير مقدساتها، وعودتها إلى عمقها العربي والإسلامي، وتكريساً للحق العربي في الإقامة فيها، والبقاء على أرضها، وصيانة بيوتها ومساجدها وكنائسها، ولم يبالِ الفلسطينيون في انتفاضتهم بقوة العدو، ولا بسطوة المحتل، ولا بالقتل الرهيب الذي كان يتوزع على الفلسطينيين ظلماً وعدواناً، ولم ترعب الفلسطينيين عودةُ شارون، ولا قراراته العسكرية، ولا اجتياحاته المتكررة لأطراف قطاع غزة، ولا حملاته العنيفة ضد مدن ومخيمات الضفة الغربية، وهو الذي في ظل انتفاضة القدس حاصر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وضيق عليه الخناق في مقر المقاطعة، فهدم الجدران، وسوى بالأرض الأبنية والبيوت، ولكن القدس ومعها كل فلسطين مضت ثائرة غاضبة، وإن كانت مسربلة بالدم، ومتوشحة بالسواد.

سنواتٌ عشر مضت على انتفاضة الأقصى، وآلاف الشهداء خلالها قد سقطوا، وعشرات آلافٍ آخرين جرحوا وأصيبوا، واعتقلوا وسجنوا، وآلاف البيوت قد تهدمت، ومئات المعامل والمصانع قد دمرت، وآلاف الدونمات قد صودرت، وآلاف أشجار الزيتون قد اقتلعت، وتوسعت المستوطنات الإسرائيلية، وتضاعفت أعداد المستوطنين فيها، وازدادت الشوارع الأمنية والطرق الالتفافية، وأغلقت الجامعات والمعاهد، وتعطلت الدراسة، وتفرق التلاميذ والطلاب، وقد عاث شارون ومن قد جاء بعده في كل أرض فلسطين فساداً وخراباً، وقتلاً واعتقالاً، وتمزيقاً وتشتيتاً، وطرداً وإبعاداً، ومصادرةً وحرماناً، ووجهوا للقادة العرب إهاناتٍ عديدة، فاستهانوا بعزمهم، وسخروا من نواياهم، وردوا على مبادراتهم قتلاً وترويعاً، وواجهوا اعتدالهم تشدداً أكثر وتطرفاً أعنف، وجاؤوا بحكوماتٍ لا تؤمن بغير العنف، ولا تسلك غير سبيل القوة، ولا تعرف طريقاً للحوار أو المفاوضاتِ إلا إذا قبل الفلسطينيون بالتنازل، وأبدوا نيتهم المسبقة بالتفريط بالحقوق، والتخلي عن الثوابت، وجاء مناصروهم الدوليون، بوش الأمريكي، وبلير البريطاني، وغيرهم من النادمين الألمان والفرنسيين العائدين، ليشدوا على أيديهم، ويؤيدوا مساعيهم، ويمدوهم بكل سلاحٍ قادر على وأد الانتفاضة، وإسكات المقاومة، وإضعاف الصف الفلسطيني وتشتيت جمعه، وتمزيق وحدته، ودفع قيادته نحو تنازلٍ أكبر، وتفريطٍ أخطر، بعد أن أغروهم بمعسول الوعود، وجميل الكلام، بدولةٍ وعلمٍ ووطن، خلال عامٍ لا يأتي، ومستقبلٍ لا يتغير، فصدقوا وعودهم، فانقلبوا على إخوانهم، وناصبوهم العداء، وزجوا بهم في السجون والمعتقلات، وعرضوهم لألوانٍ شتى وصنوفٍ عديدة من الإهانة والتعذيب، في الوقت الذي لم يتوقف فيه الاحتلال عن القتل، وتوسيع السجون والمستوطنات، وزيادة أعداد المعتقلين والمستوطنين، في جدليةٍ لا تنتهي، ومعركة لا تتوقف، فالإسرائيليون ماضون في أحلامهم ومخططاتهم، بأن القدس الموحدة عاصمتهم الأبدية، والفلسطينيون ماضون في يقينهم بأن القدس لهم، والأقصى مسجدهم، وفلسطين كلها أرضهم ووطنهم.

في العشرية الأولى لانتفاضة القدس، وثورة الأقصى، التي جمعت عموم الفلسطينيين، ووحدت كلمتهم في المواجهة والتحدي، وفي الصمود والدفاع، فامتزج فيها الدم الفلسطيني وسار شلالاً جارفاً موحداً، تتوجه القدس بتلالها، والأقصى بمآذنه، والكنائس بأجراسها، برسالةٍ مدادها الصدق والإخلاص إلى أهلنا الفلسطينيين أجمعين، أن اتفقوا وتوحدوا، وكونوا صفاً واحداً، وأخلصوا لقدسكم وأقصاكم وقضيتكم بوحدتكم واتفاقكم، وتجاوزوا مشاكلكم وخلافاتكم لصالح شعبكم، رحمةً ورأفةً به، فهو يعاني من الفرقة والانقسام أكثر مما يعاني من العدو والاحتلال، فالعدو يستهدفنا جميعاً، وهو يتآمر علينا وعلى حقوقنا، وهو أبداً لن يسلم لنا على طاولة الحوار بحقوقنا، ولن يتوقف وهو يبتسم لنا على طاولة المفاوضات عن اعتداءاته على الأرض والإنسان والحقوق والمقدسات، ولذا تبقى رسالة القدس في عشريتها الأولى إلى الشعب الفلسطيني بضرورة الوحدة والاتفاق، فالوحدة هي السلاح الأقوى والأمضى لمواجهة غطرسة العدو واعتداءاته، أما إذا استمرقت الفرقة، وتعمقت الأزمة، وضاعف الفرقاء الفلسطينيون في خلافاتهم، وباعدوا بين وجهات نظرهم، فإن القدس ستكون حزينة، وستتشح بسوادٍ أكثر، وستخفت أصوات مآذنها، وأجراس كنائسها، ما بقي الفلسطينيون يبتعدون عن بعضهم أكثر، ويختلفون فيما بينهم أكثر، ويصغون السمع إلى نصائح أعداءهم، ويسدون آذانهم عن نداءات شعبهم.

عشر سنواتٍ عجاف، مليئة بالأحزان والمآسي، وعامرة بالقتل والخراب والدمار، والقدس فيها حزينة، وفلسطين مكلومة، ولكنها تبقى ثائرة، وتعود دائماً منتفضة، فهي وأهلها يتطلعون إلى الحرية، وإلى العودة إلى شمس العروبة، ونور الإسلام، فلن يفرط أهلها، ولن يتخلى العرب والمسلمون عن دورهم في حمايتها، وصيانة واستعادة مقدساتها، وسيبقى هذا اليقين كالجذوة المشتعلة أبداً تحت الرماد، لا يموت الأمل، ولا تنطفئ الجذوة، حتى نعود يوماً إلى قدسنا أعزةً كراماً، ومحررين أباةً، ولكن استعادتها والحفاظ عليها يتطلب ثباتاً وصموداً، ويحتاج إلى قتالٍ ومقاومة، واستعدادٍ وتجهيز، وأملٍ دائم، ويقين لا يتزعزع، وثقةٍ بالحق والرجال لا تلين ولا تضعف، فالقدس معركة مفتوحة، وقضية مستمرة، وحقٌ معلوم، وجهاد في سبيلها مفروض، وعدو يتآمر عليها مكشوف ومفضوح، وحلفاءٌ له معه صادقون، ومعنا كاذبون ومخادعون، ولكن الله صدقنا وعده، بأن نصره قريب، وعودتنا أكيدة، وأننا سنرث أرضنا من جديد، فهذا وعد الله الآخر والخالد لنا في كتابه.

في الرد على مقاومي المقاومة/ د. إبراهيم حمّامي


يلوك أركان أوسلو، كبيرهم وصغيرهم، وبشكل ببغاوي دون تفكير أو تمحيص، وكما يتم تلقينهم وتحفيظهم فيما يبدو، لا فرق في ذلك بين متعلم أو جاهل، غرّ أو عجوز، مقولات تحمل كماً كبيراً من الادعاء بالباطل، وفي كثير من الأحيان كذب بواح، وهو أمر ليس بمستغرب بعد أن تعودنا أن لا ينطقوا إلا بكل قبيح.

آخر هذه الاسطوانات المشروخة، والتي تكررت في لقاءات تلفزية مع كثيرين، منهم بوق فتح في أوروبا جمال نزال في برنامج الاتجاه المعاكس، وعضو لجنتها المركزية – جناح بيت لحم ناصر القدوة في ندوة خاصة في الذكرى العاشرة لانتفاضة الأقصى، بأن المقاومة وحماس تحديداً لا تقوم بأي فعل مقاوم إلا بتوقيت يهدف لافشال المفاوضات، وبأن المقاومة متوقفة تماماً إلا للمناكفات، وينتفخون ويصولون حديثاً عن المقاومة التي يقاومونها بكل قوة، بعد أن حددوا موقفهم من المقاومة واسقطوها من برنامجهم السياسي في سيرك بيت لحم في شهر آب/أغسطس من العام الماضي، وهو ما فصلناه في موضوع سابق حمل عنوان "فتح ومقاومة المقاومة" لمن أراد أن يستزيد.

واحقاقاً للحق، وللأمانة التاريخية، ولفضح هؤلاء المتبجحين، وكشف سؤتهم المكشوفة، وللتويثق نورد كشفاً بالعمليات التي تمت في الضفة الغربية المحتلة ازدواجياُ، منذ تطهرت غزة من خبث العملاء في صيف عام 2007 وحتى بداية هذا الشهر، نوردها كما هي، أخبار دون تعليق ولا رأي ولا تمجيد ولا تنديد ولا تجريم ولا تحريم، من مصادرها المتعددة، ومنها مصادر الاحتلال، في سرد توثيقي علمي، يخرس هذه الأبواق البائسة.

نسرد الحقائق والوقائع كما تعودنا، ولسنا طرفاً فيها، لأننا مللنا القبح والسوء والكذب، وتقززنا من أسلوب التحقير والتزوير للتاريخ وشخوصه.

وإذ نسرد هذه الحقائق، يحذونا أمل يشبه المستحيل، أن يتوقف هؤلاء عن ترديد أكاذيبهم وأراجيفهم، وأن يحترموا لانقول عقولنا، بل تاريخ حركة يختطفون قرارها.

مع ملاحظة أخيرة نشير فيها لحجم الهجمة الشرسة والمزدوجة في الضفة الغربية لقمع حتى المظاهرات السلمية، كما حدث ابان العدوان على غزة، أو لنصرة القدس الجريحة، وسياسة مقاومة المقاومة التي يقودها عبّاس-فيّاض، ومع اشارة لاشتراك أكثر من فصيل فلسطيني فيها.

القائمة:

1. بتاريخ 3/8/2007، اشتبك مقاتلون من القسام بالاشتراك مع كتائب “أبو علي مصطفى” بالأسلحة الرشاشة والعبوات الناسفة مع قوات الاحتلال في منطقة المجمع الشرقي بمدينة نابلس.

2. بتاريخ 8/8/2007م فجَّر مقاتلون من القسام بالاشتراك مع كتائب “أبو علي مصطفى” عبوة ناسفة بآلية للاحتلال توغلت في مخيم عين الماء قرب مدينة نابلس، وأصيبت الآلية بشكل مباشر.

3. بتاريخ 12/8/2007 فجر مقاتلون من القسام بالاشتراك مع كتائب “أبو علي مصطفى” جيباً للاحتلال بمخيم عين الماء قرب نابلس ثم أمطروه بوابل من الرصاص.

4. بتاريخ 23/8/2007، اشتبك مقاتلون من القسام بالاشتراك مع كتائب “أبو علي مصطفى” مع قوات الاحتلال المتوغلة في مخيم العين بنابلس.

5. 25/8/2007، بتاريخ فجر مقاتلون من القسام بالاشتراك مع كتائب “أبو علي مصطفى” عبوات ناسفة بجنود الاحتلال الذين حاولوا التوغل في مخيم العين بنابلس كما أطلقوا تجاههم وابلاً من الرصاص

6. في شهر 16/9/2007، اشتبك مقاتلون من القسام بالاشتراك مع كتائب “أبو علي مصطفى” بالأسلحة الرشاشة والعبوات الناسفة مع قوات الاحتلال في مخيم العين بمدينة نابلس وإصابة ضابط في جيس الاحتلال.

7. في 16/9/2007، مقاتلون من القسام يتصدون لقوات الاحتلال التي توغلت في مخيم بلاطة بنابلس، واستشهاد القائد الميداني/ يوسف شاكر العاصي، (22 عاما) من مخيم بلاطة بعد خوضه اشتباكاً عنيفاً مع قوات الاحتلال الخاصة التي دخلت المخيم.

8. بتاريخ 21/9/2007، مقاتلون من القسام وأبو علي مصطفى يتصدون لقوات الاحتلال في مخيم العين، بنابلس، واستشهاد أديب سليم الداموني، والشبل إبن كتائب أبوعلي مصطفى محمد رضا خالد، واعتقال نهاد رشيد شقيرات قائد كتائب القسام في مخيم العين.

9. منتصف شهر تشرين الأول 2007، مقاتلون من القسام ينصبون كمينا لسيارة كان يقودها مستوطن على الشارع المؤدي إلى "حارة السمرا" وأطلقوا عليها النار وانسحبوا من المكان.

10. بتاريخ 24/9/2007 مقاتلون من القسام يهاجمون مخرج مستوطنة "أريئيل" والتي كان يقف بقربها مستوطن يحمل سلاحه ومعه مستوطنة أخرى، وأطلقوا عليهما عشرات الرصاصات، فأصابوا المستوطن بجراح قاتلة وأصيبت المستوطنة بجراح متوسطة، ومن ثم انسحبوا من مكان العملية وأثناء انسحابهم، أطلقوا النار على عدد من سيارات المستوطنين التي تواجدت بالمكان ليصيبوا مستوطنين آخرين بجراح متوسطة.

11. بتاريخ 28/12/2007، هاجمت مجموعة مشتركة من كتائب القسام وسرايا القدس عدداً من جنود الاحتلال والمستوطنين، ومن ثم الاشتباك مع دورية الأمر الذي أدى إلى استشهاد أحد المشاركين في العملية، وهو الشهيد باسل نبيل النتشة، 23 عاما من مدينة خليل الرحمن - حي وادي التفاح، وقتل اثنان من المستوطنين في العملية.

12. بتاريخ 17/1/2008، إطلاق النار بشكل كثيف تجاه سيارة لإحدى المستوطنين كانت تمر على طريق جانبي في قرية "شوفة" شرق طولكرم الأمر الذي أدى إلى إصابة جميع من كان بالسيارة، وقد حضرت قوة من جيس الاحتلال إلى المكان واشتبك معها قاتلو القسام ومن ثم انسحبوا من المكان.

13. بتاريخ 25/01/2008، كتائب القسام، تعلن مسئوليتها عن عملية اقتحام مستوطنة "كفار عتصيون" جنوب القدس المحتلة، والتي أسفرت عن إصابة ستة من الضباط والجنود والمستوطنين، حيث اقتحم اثنان من مقاتلي القسام هذه المستوطنة وبحوزتهما بعض الأسلحة الخفيفة، ليستشهدا بعد ذلك وهما: القسامي محمد فتحي صبارنة (23 عاماً) ، والقسامي محمود خليل صبارنة (23 عاماً) ، و(وهما من بلدة بيت أمّر بالخليل)

14. بتاريخ 4/2/2008، كتائب الشهيد عز الدين القسام تعلن مسئوليتها الكاملة عن العملية في "ديمونا" جنوب فلسطين المحتلة والتي أسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى بينهم عالمة نووية، وقد نفذها محمد سليم الحرباوي، وشادي محمد زغيّر، ((وهما من مدينة خليل الرحمن جنوب الضفة الغربية المحتلة))

15. بتاريخ 6/03/2008 عملية القدس التي نفذها المجاهد علاء أبو دهيم وأسفرت عن مقتل مقتل 12 وإصابة 79 آخرين منهم 8 في عملية "المدرسة التوراتية".

16. بتاريخ 25/4/2008، مقاتلون من القسام والسرايا، ينفذون عملية مشتركة تسفر عن مقتل جنديين من قوات الاحتلال في منطقة "نيتساني عوز" قرب طولكرم بالضفة المحتلة.

17. بتاريخ 20/06/2008م تمكن مقاتلون من القسام، من نصب كمين لعدد من المستوطنين قرب مستوطنة "نفي تسوف" شمال مدينة رام الله المحتلة، وأردوهم بين قتيل وجريح، وقد اعترف الاحتلال في حينه عن إصابة ثلاثة مستوطنين إصابة أحدهم حرجة، هذا وقد تأخر الإعلان عن هذه العملية نظراً للظروف الأمنية الصعبة في الضفة المحتلة.

18. بتاريخ 11/7/2008، اشتباك عنيف في قراوة بني حسان بين قوات الاحتلال والقائد في كتائب القسام محمود عثمان عاصي (أبو العلاء) يسفر عن استشهاده وإصابة ضابط من قوات الاحتلال.

19. بتاريخ 27/7/2008، اشتباك عنيف بين قوات الاحتلال والقائد في كتائب القسام شهاب الدين النتشة بعد محاولة اعتقاله ومحاصرة المنزل الذي يتحصن فيه في منطقة "شعب الملح" بالخليل حيث استمر الاشتباك ومحاصرة المنزل لمدة اثني عشر ساعة، في محاولة لارغامه على تسليم نفسه، إلا أنه قاتل حتى استشهاده.

20. بتاريخ 31/1/2009، إطلاق نار على حافلة قرب رام الله ونقطة عسكرية قرب نابلس.

21. بتاريخ 15/3/2009، مقتل مستوطنين اثنين في اطلاق نار تعرضا له شمال غور الاردن قرب قرية فصائل في اريحا ، والأنباء الأولية تتحدث عن مسئولية القسام، ولم يصدر تبني رسمي.

22. بتاريخ 28/5/ 2009، استشهاد القائد في كتائب القسام عبد المجيد علي عبدالله دودين "أبو همام" (48 عاماً)، بعد اشتباك عنيف استمر لساعات مع قوات الاحتلال التي حاصرت منزله في بلدة دورا بالخليل، علماً أنه مطارد لقوات الاحتلال منذ 15عاماً، حيث يحمله العدوّ المسئولية عن قتل عشرات الجنود والمستوطنين والإشراف المباشر على عدد من العمليات في القدس وقضاء تل الربيع، وقد اعتقل في سجون الاحتلال عام 1993م، كما اعتقل في سجون سلطة أوسلو أكثر من 10سنوات.

23. بتاريخ 4/6/2009، استشهاد القائد في كتائب القسام محمد عطية، والقائد في كتائب القسام إياد أبتلي، على أيدي مليشيا عباس، في إطار محاربة المقاومة.

24. بتاريخ 14/5/2010، إصابة مستوطنان جراء إطلاق النار على سيارة كانا يستقلانها على إحدى الطرق شمال رام الله بالضفة الغربية.

25. كانون أول ( ديسمبر) عام 2009، قتل الحاخام مئير أفشالوم هاي من مستوطنة شافي شومرون بعد إصابته برصاصة في رأسه في ذلك الحين، وصحافة الاحتلال تحمل القسام المسئولية، ولا تبني رسمي.

26. بتاريخ 26/4/2010، استشهد القائد في كتائب القسام علي إسماعيل عبد القادر السويطي، (42 عاماً) من بلدة "بيت عوّا" جنوب مدينة الخليل، بعد أن حاصرته قوات الاحتلال الصهيوني في منزل ببلدة "بيت عوّا" في الخليل، وأطلقت القذائف بكثافة تجاه المنزل، حيث خاض السويطي اشتباكاً مسلحاً لأكثر من ثلاث ساعات مع القوات التي حاصرته، وبعد أن عجزت تلك القوات عن النيل منه قامت بهدم المنزل عليه، وهو منفذ عملية إطلاق النار قرب مفرق إذنا بالخليل التي جاءت رداً على اغتيال القائد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي وأسفرت عن مقتل جنديين من قوات ما يسمى "حرس الحدود" وإصابة آخرين بجراح.

27. بتاريخ 31/5/2010، استشهاد محمد حسن السمان، قائد كتائب القسام في قلقيلية والقائد في شمال الضفة الغربية، ومساعده محمد رفيق ياسين، اللذين استشهدا في جريمة اغتيال مدبّرة من قبل أجهزة سلطة دايتون في الضفة بتنسيق وتعاون كامل مع قوات الاحتلال، وكان السمان مطارد للاحتلال منذ ست سنوات، تعرض خلالها لملاحقة مستمرة ومحاولات للاغتيال والاعتقال.

28. بتاريخ 14/6/2010، قُتل جندي ، وأصيب ثلاثة جنود آخرون، في عملية إطلاق نار قرب مستوطنة حاجاي جنوب مدينة الخليل. وفي وقت لاحق قوات الاحتلال أعلنت اعتقال مجموعة من "كتائب القسام" مسئولة عن العملية، لافتة إلى أن الاعتقال تم بناء على معلومات وتنسيق مع مليشيا عباس.

29. بتاريخ 31/8/2010، مقاتلون من القسام يهاجمون بالأسلحة الرشاشة سيارة للمغتصبين الصهاينة قرب مستوطنة كريات أربع في الخليل، ويقتلون أربعة مستوطنين في عملية أطلقوا عليها، سيل النار.

30. بتاريخ 1/9/2010، مقاتلون من القسام يهاجمون بالأسلحة الرشاشة سيارة للمستوطنين الصهاينة قرب رام الله، ويجرحون اثنين أحدهم حالته خطيرة.·

31. بتاريخ 2/9/2010، مقاتلون من القسام يهاجمون بالأسلحة الرشاشة سيارة للمستوطنين الصهاينة قرب مغتصبة عوفرا في رام الله، والاحتلال ينفي وقوع إصابات.

لا نامت أعين الجبناء

DrHamami@Hotmail.com


نَسائِم مِن فَجْرِ المَجْدِ والخُلود/ عوني وتد

 
تزينّت قريتنا بمسك البطولة الأبيض، واكتحلت عيناها بِمِروَّّدِ الفداء الأسود. فهنا فوق رابيةِ تشرين الخضراء سالَ دمُ الشهيد رامي الجتيّ الأحمر. ورامي غرة المبتسم دائماً ، أحَبَّ فلسطين، وعشق زهرة المدائن، وهام في أقصاها على حكايات أجدادنا الثوّار،وزغاريد جداتنا لشهداء الوطن الأبرار. ورامي يحفظ جميع أسماء الشهداء ، فلطالما رددها جده على مسامعه مع طقطقات حبات سبحته الخشبية، وغنتها له جدته مع بحّةِ مواويلها الشجيّة. شهداءٌ خطّوا أبتثيات الصمود بأريج شبابهم ،وسطّروا خيوط المجدِ بارتقاء أرواحهم ، فأحب رامي الشهداء، وأحبت الشهادة رامي، فكان بينهما طيب اللقاء.
نَذْكُر ..نُذَكّر .. لن ننسى!

" أنفاسك يا رامي سكنت، سكنت أنفاسك يا رامي/هل مات حبيبي هل طويت ، صفحته قبل الإتمام/ يا أهل النَّخوة من قومي،من يمن العرب إلى الشامِ/ يا أهل صلاة وخشوع،يا أهل لباس الإحرام/ يا كلّ أب يرحم ابناً، يا كلّ رجال الإسلام/ يا أهل الأبواق أجيبوا،يا أهل السَّبق الإعلامي/ يا هيئة أمم مقعدة،تشكو آلاف الأورام/ يا مجلس خوف أحسبه،أصبح مأجور الأقلامِ/حاولت استجداء الباغي،وبعثت نداء استرحام/لكنِّ نداءاتي اصطدمت،بجمود قلوب الأصنام" (العشماوي) .
عجباً ! ما أشبه النكبةِ بالهبةِ! فنكبتنا كانت باغتصاب وطننا،ونزوح وتشريد أهلنا. وهبتنا جاءت لاغتصاب أقصانا،ونزوح وتشريد كرامة حُكامنا، وحينما يئسنا من حكامنا أشباه الرجال وسئمنا نخوات رهط أبي رغال،هببنا هبوب الريح في تشرين الحزين،فتصارعت الصدور مع البنادق، وتعاركت الجباه مع الفيالق. سمعنا أزيز الرصاصات حين طمست حبات السبحة الخشبية،وأصغينا لدويّ القنابل وكأنها بحات المواويل الشجية، فاخترنا أن تكون أسماؤنا بين أسماء أبطال وشهداء النكبة. لكن الله أختار ثلاثة عشر كوكباً،غبار جباههم اطهر من كل تيجان وعروش المتخاذلين . ونخوتهم أسمى من كل تشدق المتآمرين. تحدوا أزيز رصاصات الغدر، ودويّ نظرات الحقد والقهر.
نَذْكُر .. نُذَكّر .. لن ننسى!
انتفضت جبال ناصرة العرب واستشاط جبل القفزة غضباً،حينما تلبدت الغيوم فوق مآذن أولى القبلتين،فهرع حماتها الناصريون يسجلون أروع معلقات العطاء والوفاء ، قوافيها إياد لوابنة الباسق،وسواقيها عمر عكاوّي الباشق،وسحرها وسام يزبك الصادق،فكانت الشهادة قصيدة عزة وفداء.
نَذْكُر .. نُذَكّر .. لن ننسى!
وحلقت نسور كفر مندا ترمي من دَنّس تراب الأقصى بحجارة من لظى الجليل، فلبى رامز بشناق النداء بشوق كبير،ما أسرع استشهادك!وكأنك مع الشهادة على موعد .
نَذْكُر .. نُذَكّر .. لن ننسى!
ويومها كذلك بدت سهول مرج بن عامر وكأنها عروس فلسطينية تبتغي حرية الأقصى مهراً،فتسابق ابن معاوية الصامدة احمد صيام، وابن أم الفحم الأبية محمد العيق ،ولحق بهم ابن غزة هاشم مصلح جراد،فدفع الثلاثة أرواحهم مهرا للأقصى ، وكان عرسهم عرساً فلسطينيا واحداً ينثر الوحدة والكرامة والأمجاد.
نَذْكُر .. نُذَكّر .. لن ننسى!
قطوف العزة تدلت من زيتون سخنين، تغازل تراب الوطن بشوق وحنين، ولم يطل الانتظار لدموع المسجد الأقصى الحزين، فقام من ربوع حقولها فارسان أبيان الفارس وليد أبو صالح ، وأخوه الفارس عماد غنايم يعيدان أمجاد حطين .
نَذْكُر .. نُذَكّر .. لن ننسى!
زغرودة أم ثكلى،تنثر الرز الفلسطيني للمودعين، وناهدات فلسطينيات يفرشن درب الشهيد بالياسمين، أم أبت إلا أن تزّف نجلها وتخضّب يديه بالحناء، فقامت فوق جثمانه الطاهر تجدل خصلة شعره،وتهمس بصوت حشرجة الفراق:
' الله يرضى عليك يا ابني محمد ' . نعم انه محمد خمايسه ابن كفر كنا الشهيد.
نَذْكُر .. نُذَكّر .. لن ننسى!
كان لعرسهما العرابيّ نسمات مميزه،ربما من عبق رياحين البطوف،أو شذىً من زعتر الكرمل،ربما عرارا من نفح الجليل ! لكنك حينما تدرك ان صقرين شامخين من روابي عرابة سيحتضنهما ثراها،فحتما ستدرك ان هذه النسمات ما هي إلاّ نفحات من تاريخ هذه البلدة الوطني العريق. ومن أضافا قصيدة سامية أخرى في معلقة عرابة النضال والإيثار؟ إنهما الشهيدان أسيل عاصلة وأخوه علاء نصار.
نَذْكُر .. نُذَكّر .. لن ننسى!
عائلات ثكلى تؤم عُرْنَ أبنائها الأسود، تغازلهم بكلمات المودة والمداعبة ، هذه أم تقسم لفلذة كبدها بأنها لم تنسه ولو هنيهة، وتتوسل إليه العودة ولو لحظة لتمسح وجنتيه بكفيها ، وتحتضنه في حضنها الآمن برفق ولين .
أب يلج في سكون الرحيل كسفينة صبر ثقيلة، تبحر وتبحر مثقلة الهموم فقد قصمت يد الغدر ظهره ،وسلبت نفوس الحقد منه الأمل والحلم الكبير.
أختٌ تمنتك قنديلا يضيء ليلة زفافها.أخٌ يفتقدك لتكون له عزوة وصديقا .أصدقاء مكسورو الجناح وأهل محبون.
أما أنا فقد انعم الله عليّ أن يكون عرين رامي غره قريبا من منزلي، فسأمر عليه كعادتي وابتسم كما كان يبتسم لي،أتعهد رياحينه وأزهاره،وأدعو له بصالح الدعاء ،لكنني لن أحدثه عما ينتاب أقصانا اليوم من حفريات وأنفاق ودمار،لن اخبره بتخاذل امة الأكثر من مليار،ومآرب ومكائد الاحتلال،وكيف أصبح قسط من شبابنا مطايا لأحزاب العنصرية وباعوا رجولة مواقفهم بنصف دولار، لن أحدثك بان الأخ باع أخاه من اجل حفنة تراب،والابن يستهزئ من أبيه ليل نهار،لن أحدثك عت لجان غدها كأمسها وقرارتها كمفارقاتها،لن أحدثك أننا نتعلم حضارة اليونان وتاريخ الرومان، ونجهل تاريخ القدس والأسوار،لن أحدثك عن فتح باب الحارة وباب المغاربة على وشك الانهيار،لن أحدثك.. ولن أحدثك !
لكنني سأهمس لك، وللشهداء جميعاً:
شعبُ، فلسطينُ العزيزةُ أَنبتتْ
فيه الإباءَ فلم يُصبْه هَوانُ
شَعْبٌ إذا ذُكر الفداءُ بَدا له
عَزْمٌ ورأيٌ ثاقبٌ وسنانُ
شعبٌ إذا اشتدَّتْ عليه مُصيبةٌ
فالخاسرانِ اليأسُ والُخذلاُن
طبتم أيها الشهداء الأبرار،في ذكرى هبة الأقصى المباركة،وطاب مرقدكم في جنات النعيم ، فما عند الله خيرٌ وأبقى! وسنبقى على العهد والوفاء .
نَذْكُر .. نُذَكّر .. لن ننسى!

حرق الكتب والمكتبات وثقافة الطاق طيق طاق ـ القسم الثالث/ صالح الطائي



أما في العراق الحديث فأن سياسة (الطاق طيق طاق) نجحت على مدى خمسة وثلاثين عاما في تشويه الفكر ولم يعد قادرا على الإبداع لأن المثقفين والمفكرين كانوا يبادرون إلى إحراق كتبهم عند سماعهم خبرا عن نية الأمن العام باعتقالهم، وقد قام أهلي بحرق مكتبتي بعد اعتقالي الأول، وقامت عائلة الأديب سلام كاظم فرج بذلك أيضا، مع عشرات الحالات المماثلة الأخرى التي يطول الحديث عنها.
ولذا ترى العراقيين مع أول بادرة انفتاح يسرعون بإلقاء أقلامهم إلى النار ليستلوا أسلحتهم وحرابهم ويكتبوا بواسطتها تاريخنا الحديث بمداد الدم الشاخب من أوداج الأبرياء من العراقيين أنفسهم، فكم من مأساة تنتظرنا من الآن إلى أن ينضج فكرنا مجددا وننسى ثقافة (الطاق طيق) ونعيد للكتاب مكانته الرفيعة في حياتنا؟
السؤال هنا:هل أن أمريكا تمر اليوم بمرحلة الطاق طيق طاق لكي يفزع بعض القساوسة بهمة لحرق القرآن أم ماذا؟ ومن يروج لهذه الثقافة هل هي الحكومة الأمريكية أم أن جهات أخرى تحكم المجتمع الأمريكي وتتحكم به؟
نلاحظ مما تقدم أن التنوير والعلم كان واحدا من أكبر التهديدات التي تواجه الحكام، وحملة الفكر المتطرف، والمتعصبين، والذين يكرهون البشر، ومن لا يؤمن بثقافة قبول الآخر، ولا يرضى بالعيش السوي بين البشر.
وعلى مر التاريخ تعرضت الكتب والمكتبات للحرق على أيدي هؤلاء الهمجيين الجهلة وتعرضت محتوياتها للإبادة بنيران الحقد والكراهية والجهل لكن ماذا كانت النتيجة؟ وأين هي الكتب؟ وأين هم المتطرفون الهمج الذين أحرقوها؟ لقد تجددت الكتب وتنوعت مواضيعها وكثرت أعدادها، وتجدد كذلك وجود المنحرفين الراغبين بحرقها، وكأن الله يريد لهذه المعادلة أن تستمر بالتفاعل في الحياة لأغراض الإثارة والتجديد، إلى أن يأذن بالتغيير.
ومع أن حرق الكتب في العالم الغربي كاد أن يختفي ـ ولا أقول اختفى ـ بعد المآسي والويلات التي لحقت بالبشرية خلال القرنين الماضيين من جراء الحرائق الهائلة المتكررة التي احرقت فيما أحرقت البشر أيضا، إلا أن مشعلي الحرائق ـ وللأسف الشديد ـ لا زالوا يتجددون ويتلونون بملابس ووجوه جديدة تحمل نفس تقاسيم وجوه الهمج القدماء، فمن يريد حرق القرآن اليوم لا يقل جهالة عمن سبقه، ومن يريد قتل هذا القس المنحرف انتقاما من فعلته الجبانة لا يقل عنه جهالة وهمجية.
نحن في هذا العالم شركاء ومن حقنا أن نعيش وأن نفكر ونعبد الله بطرائقنا الخاصة ومن حق الآخرين أن يعيشوا ويفكروا ويعبدوا الله بطرائقهم الخاصة، فالعالم أوسع من أن نتخوف من وجود الآخر فيه أو مزاحمته لنا حتى لو كان يمثل تهديدا، فالتهديد لا يعني الفناء وألا لكانت البشرية قد فنيت منذ قرون بعد أن كانت المنافسة شديدة وكان التهديد منهجا حياتيا على مر العصور.
السؤال هو: هل من حق أحد ما أن ينتقص من قيم الآخر ويحرق كتابه المقدس سواء للانتقام من فعل منسوب لهذا الآخر، أو نتيجة الكره له أو الخوف منه؟
الجواب: كلا بالتأكيد، فالعالم يسع الجميع بكل أطيافهم وألوانهم وعقائدهم وليس من حق أحد أن يصادر حقوق الآخرين ولأي سبب كان.
أما تيري جونز الذي أطلق قنبلة الدخان السام التي لا زال دخانها يتصاعد ويتكاثف في الجو ويمتد إلى أماكن وبقاع أخرى مما سيعرض البشرية لخطر الموت اختناقا، فإنه لا يريد الانسياق لقواعد المعايشة، بل يريد الشذوذ عنها وإشعال نار في قرآن المسلمين تمتد لتحرق وتدمر وتثير الفوضى في العالم كله.
علما أن قنبلة تيري جونز لم تكن الأولى ولا الوحيدة على الساحة وهي واقعا لم تطلق في هذا التاريخ انتقاما من هجمات حدثت قبل تسع سنوات، لأنها أولا: لو كانت بدافع الانتقام لما كانت لتتأخر كل هذه المدة لتأتي في هذا الوقت الحساس لإثارة الشر في نفوس مصدومة بفقدان أعزائها بدأت تنسى الواقعة نتيجة تقادم الزمن.
وهي ثانيا: لو كانت انتقاما للهجمات لما أعلنت إحدى أكبر الكنائس التي فرحت كثيرا بالتفجيرات وهي كنيسة "وستبورو ببتيست" في مدينة توبيكا بولاية كنساس نيتها حرق القرآن في نفس التاريخ بالرغم من أن الكنائس الأخرى تعتبر هذه الكنيسة غريبة الأطوار متمردة وخارجة على القانون الكنسي لأنها تقود ومنذ 20 عاما حملات كراهية لكل ما في الوجود، بل سبق لها وأن أعلنت الفرح والسرور يوم وقعت هجمات 11 / أيلول وهذه الكنيسة الشاذة سبق لها وأن قامت بحرق نسخ من القرآن الكريم في منتصف عام 2008 بدون ضجة إعلامية، واكتفت بنشر صورا ومقاطع فيديو ذلك العمل الخسيس على مواقعها في شبكة الانترنت.
الآن بعد أن أجل تيري جونز موعد حرق القرآن ولا أقول الغي نهائيا، أختم هذه الدراسة البسيطة بأسئلة، سأترك جوابها لمن يقرأ الموضوع ليدلي بدلوه بالجواب عليها أو على بعضها عسى أن نصل من خلال ذلك إلى فهم مشترك لما يحدث في عالمنا المضطرب اليوم من خلال تلاقح الأفكار الناضجة والرؤى المختلفة.
ماذا يمكن أن نستشف من هذه المماحكة القميئة التي تنضوي على قدر كبير من الكراهية للآخر؟
وهل ستتحول عمليات الحرق هذه إلى ثقافة عالمية جديدة يتعامل بها البشر مع من يختلفون معه في الرأي؟
وما هي نتائجها وتأثيرها على الوجود الإنساني والعلاقات الإنسانية؟
وهل ممكن للمسلمين أن يحرقوا التوراة أو الإنجيل انتقاما ممن يروم حرق كتابهم المقدس ولماذا لا يفعلون ذلك، وما الذي يمنعهم؟
وهل كانت عمليات حرق الجنود الأمريكان في العراق للقرآن أو إلقائه في القمامة أو وضعه هدفا للتدريب على الرمي من نتاج هذه الثقافة التحريقية أم أنها جاءت عفوية؟ أم أن هناك ثقافة شركية تتمنى حرق كل ما هو مقدس بغض النظر عن أصلة؟
أم أن ضعف الوازع الديني في المجتمع الغربي يعمي هؤلاء فلا يعرفون أهمية وقدسية الكتب السماوية؟
أم هو عداء حقيقي ممنهج ضد الإسلام وكتابه المقدس دون غيره من الأديان؟
أم هو خوف من الإسلام الذي يبدو اليوم رغم ظاهره الضعيف قوة عظمى تهدد باقي القوى وترعبها؟
أم هي محاولة استفزازية هدفها دفع المسلمين للتمرد والثورة والانفعال غير المنضبط لكي تتم مجابهتهم وقتلهم وفق مبدأ صدام الحضارات الذي وضعه صموئيل هنتنغتن؟
أم أن كل يعمل بأصله وهم لا أصل لهم؟
أم أنها النتيجة الحتمية التي سيتعامل بموجبها البشر مع هذه المقدسات بعد أن اعتقدوا أن دور هذه الكتب انتهى، فصاروا يتحدثون عن موت الإله، وحان أوان مفاهيم العولمة، وما بعد الحداثة، والقرية الكونية لتقود العالم؟
وفي نهاية هذا الصراع، من مِنَ الطرفين سوف ينتصر في نهاية المطاف؟
هل يتخلى الله سبحانه عن كتبه ويسمح لهؤلاء بترسيم علاقة البشر وفق شريعتهم الإستلابية؟
أم أن الله سينتصر لدينه ولكتبه فيبيد الضالين ويمحقهم على يد صناع الغد الإسلامي المشرق القادم، ويلقي بهم إلى جهنم وبئس المصير؟



التجربة الآسيوية قراءة في شخصياتها وشخوصها/ سعيد الحمد


في مجالسنا ومدارسنا وفي أحاديثنا اليومية العابرة كثيراً ما نبدي اعجابنا وكثيراً ما نضرب الأمثال في المثابرة في العمل والجد والاجتهاد في الانتاج والكشف والابتكار وفي الانضباط بالتجربة الآسيوية وبرغم ذلك لم نبذل محاولات معرفية جادة للتعرف على دقائق وتفاصيل وخلفيات تلك التجربة المهمة بالنسبة لنا.

اللافت ان علاقتنا نحن العرب بالشرق الأقصى ليست جديدة او طارئة كما تخيل البعض فمنذ عهد محمد علي في مصر بدأت تلك العلاقة تنسج شيئاً من الخيوط التي تقطعت ولم تتقاطع حتى فاجأتنا النمور الآسيوية بتجربة أدهشتنا كما أدهشت العالم لكننا إلى الآن لم نقترب من حقيقتها فنغوص في أعماق تفاصيلها معرفة وعلماً واكتفينا منها بالعناوين العريضة تأتي كمجرد استشهادات متخمة بالاعجاب دون الفهم ودون خلفيات معرفية وافرة عن هذه التجربة الرائدة على اكثر من صعيد تنموي استطاع ان يحل اشكالية الاصالة والمعاصرة هناك دون حاجة لافتعال معارك وهمية فيها كما افتعلناها فخسرنا الأصالة الحقيقية بوصفها دافعاً ومحركا للانتاج والعمل وخسرنا المعاصرة بوصفها معرفة وعلماً واضعنا الطريق إليها في احتراب عبثي استهلكنا وأهدر طاقاتنا وزج بشبابنا في دروب التيه بلا نتيجة.
فيما ظلت التجربة الآسيوية شاخصة وقريبة منا وفي الوقت نفسه ظلت هذه التجربة تقطع الطريق التنموي بنجاح مبهر لم يدفعنا إلى البدء بقراءتها على حقيقتها الحقة.. ولذا ظلت معرفتنا بها مشوشة ومرتبكة وثقافتنا عنها مجرد ثقافة عناوين لا تغادرها ولا تذهب إلى المتن والتفاصيل.
الزميل الدكتور عبدالله المدني الباحث الأكاديمي والكاتب بجريدة «الأيام» لفتت نظره هذه التجربة الغنية كما لفتت انظارنا لكنه لم يقف منها على مسافة بعيدة كما وقفنا بل استطيع القول انه غاص فيها حتى الأعماق بحثاً وتنقيباً ودرساً وتفكيكاً ومعايشة أيضاً وفهماً للغتها وكما يفعل أي باحث جاد ومجتهد «تخصص» في الشأن الآسيوي بعد سنوات من الدرس العملي والأكاديمي للتجربة فاستطاع فعلاً ان يثري معرفتنا بهذه التجربة بشواهد ومشاهد نحن أحوج ما نحتاج لها لمعرفة التجربة.
سلسلة كتاباته الاسبوعية المطولة عن الشرق الأقصى تصلح مرجعاً أكاديمياً لكل من يدرس التجربة ولكل من يود ويريد معرفة شيء عن تفاصيلها.. والجميل في عمله الكبير والأخير الذي بين أيدينا الآن «لوحات بيوغرافية من الشرق الأقصى» انه يأتي مختزلاً بشكل مكثف تاريخ التجربة هناك عبر عرض مشوق وعميق لسيرة ومسيرة شخوصها وشخصياتها المؤثرة.
وبأسلوبه «السهل الممتنع» يقدم بالفعل لوحات أو صور اقليمية نحتت صورة التجربة الآسيوية بسبك محكم عبر هذه الصور لسيرة شخصياتها التي صنعت التجربة بسلبياتها وايجابياتها كتجربة كبيرة وثرية ومهمة بالنسبة لنا نحن العرب مع الاعداد الذي بلور لنا صورة كل شخصية وخلفيات مسيرتها في تاريخ الشرق الأقصى كان في كتاب الدكتور المدني يأخذ شكل «الرواية» بما يدفعك إلى قراءته بمتعة معرفية خاصة تتسلل إلى وجدانك وعقلك بهدوء هادئ وتمضي معها بإرادتك لكشف الزيد من هذه الشخصيات الكثيرة التي استطاع الصديق «أبوتيمور» ان يجمعها في هذا الكتاب الجميل دون ان ترتبك عنده الخيوط وخطة الإعداد برغم الخطوط المتباينة لكل شخصية آسيوية عرض لسيرتها.. لنخرج في النهاية بأننا امام كتاب لا غنىً لنا عنه إذا ما أردنا الاقتراب ليس من معرفة التجربة الآسيوية فقط ولكن إذا ما أردنا فهم الأحداث هناك وتقلباتها في البلدان التي تجهل تاريخها فجاء كتاب الدكتور عبدالله المدني ليفتح لنا نافذة كبيرة على ذلك التاريخ الذي لاشك نحتاجه إذا ما أردنا تأسيس معرفة بالتجربة الآسيوية المبهرة وإذا ما أردنا الوقوف على تاريخها من خلال تاريخ شخوصها وشخصياتها.
وجهد الباحث في كتابه «لوحات بيوغرافية من الشرق الأقصى» يرحل بنا مع سيرة ومسيرة عشرات الشخصيات الآسيوية بدءاً من اليابان وصولاً إلى كمبوديا مروراً بشخصيات وأسماء وشخوص من الصين وتايوان وهونغ كونغ والكوريتين وأندونيسيا وتيمور الشرقية وماليزيا والفلبين وتايلاند وسنغافورة وبورما.. وهي رحلة مع شخصيات وشخوص صنعوا تاريخ التجربة الآسيوية في نجاحاتها وأيضاً في اخفاقاتها وبالنتيجة فقراءة سيرة ومسيرة هؤلاء تصبح جزءاً مهماً في قراءة التاريخ المعاصر لتلك المنطقة والمهم لتلك التجربة.الشرقية وماليزيا والفلبين وتايلاند وسنغافورة وبورما.. وهي رحلة مع شخصيات وشخوص صنعوا تاريخ التجربة الآسيوية في نجاحاتها وأيضاً في اخفاقاتها وبالنتيجة فقراءة سيرة ومسيرة هؤلاء تصبح جزءاً مهماً في قراءة التاريخ المعاصر لتلك المنطقة والمهم لتلك التجربة.


حرق الكتب والمكتبات وثقافة الطاق طيق طاق ـ القسم الثاني/ صالح الطائي

بعد هذا التاريخ هدأت سياسة التحريق زمنا ليس ترفعا عن امتهان الكتاب أو الخوف من محتواه ولكن بسبب المستجدات السياسية في زمن الإمبراطوريات العربية الإسلامية، ولاسيما وأن القيادة العليا لم تعد حريصة على الإسلام بنفس درجة حرص الأوائل الذين تأولوا بسببه أن في الكتب الأخرى مخاطر تهدد الإسلام، ولم تعد مهتمة لمسألة دخول الكتب إلى بلاد المسلمين بسبب الفتوح مهما كان موضوعها ما دامت الفتوح الواسعة تدخل معها المغانم والفيء والخيرات من الذهب والفضة والخيول والأقمشة والسبايا من النساء الجميلات والعبيد، وتشغل في ذات الوقت قوى المعارضة عن التفرغ لمحاربة النظام أو إزعاجه.
وكان أهم ما أحرق من الكتب في هذه الحقبة كتاب السيرة النبوية حيث روى الزبير بن بكار في الموفقيات (أن سليمان بن عبد الملك قدم إلى مكة حاجا سنة 82 هجرية فأمر أبان بن عثمان بن عفان الذي كان واليا عليها ليكتب له سيرة النبي (ص) ومغازيه، فقال أبان: هي عندي. فأمر سليمان عشرة من النساخ والكتاب بنسخها فلما صارت إليه نظر فإذا فيها ذكر الأنصار في العقبتين وفي بدر فقال: ما كنت أرى لهؤلاء هذا الفضل! فأما أن يكون أهل بيتي غمطوا عليهم وأما أن يكونوا ليس هكذا!! فأمر بالكتاب فخرق. ولما عاد إلى أبيه الخليفة عبد الملك بن مروان في الشام أخبره بما جرى فقال له : وما حاجتك أن تقدم بكتاب ليس فيه فضل. تعّرف أهل الشام أمورا لا نريد أن يعرفوها!!؟)
ولذا عادت ثقافة التحريق في هذا التاريخ ورفعت رأسها من جديد لتعيث في الأرض فسادا، ومن أوائل من طالتهم ثقافة التحريق كان عبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي قاضي مصر وعالمها (96- 174 هـ) الذي أحرقت كتبه سنة 170هجرية، ثم محمد بن أبي عمير الأزدي البغدادي المتوفى سنة 217هـ الذي قيل أنه ألف أربعة وتسعين كتابا، وكان البغدادي قد سجن بسبب ولائه لأهل البيت فقامت أخته بدفن كتبه فبليت، وقيل: بل أخفتها في غرفة فسال عليها ماء المطر فبليت.
وكانت في الري لإسماعيل بن أبي الحسن عباد بن العباس بن عباد بن أحمد بن إدريس الطالقاني المعروف بالصاحب ابن عباد. ( 326- 385هـ) مكتبة عامرة قال في وصفها لما استدعاه صاحب خراسان الملك نوح بن منصور الساماني: ثم كيف لي بحمل أموالي مع كثرة أثقالي وعندي من كتب العلم خاصة ما يحمل على أربعمائة حمل أو أكثر؟ ولما دخل السلطان محمود بن سبكتكين الري قيل له : إن هذه الكتب كتب الروافض وأهل البدع فأمر بحرقها
وكان أبو نصر سابور بن أردشير (ت سنة 416هـ - 1025م ) وزير بهاء الدولة البويهي قد أنشأ في بغداد في محلة الكرخ بين السورين سنة 381هـ -991م خزانة الكتب وهي التي ذكرها كوركيس عواد في كتابه ( خزائن الكتب القديمة في العراق ) تحت عنوان (دار العلم ببغداد - خزانة سابور ) وقيل أن عدد ما اشتملت عليه هذه الخزانة كان عشرة آلاف وأربعمائة مجلد من أصناف العلوم ولكنها أحرقت عند مجيء الملك طغرل بك في سنة 450هـ رغم كونها من أهم المكتبات في العالم حيث قال عنها ياقوت الحموي في معجم البلدان بترجمته لـ "بين السورين": ولم تكن في الدنيا أحسن كتبا منها كانت كلها بخطوط الأئمة المعتبرة وأصولهم المحررة واحترقت في ما أحرق من محال الكرخ عند ورود طغرل بك أول ملوك السلجوقيين بغداد.
وكان الطوسي أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي ( 385-460 هـ) يسكن جانب الكرخ ببغداد ومكتبة (سابور أردشير ) تحت يده يوم أمر بحرقها، قال ابن كثير في بدايته ونهايته عن حوادث سنة 460 هجرية: فأحرقت مكتبته معها أيضا بل أن الذهبي قال في سير أعلام النبلاء: وقد أحرقت كتبه عدة نوب في رحبة جامع القصر.
وفي سنة 603 هجرية في زمن احتلال الخوارزمية لبغداد ألقى الخليفة القبض على عبد السلام بن عبد الوهاب بن الشيخ عبد القادر الجيلاني بسبب فسقه وفجوره ، وأحرق كتبه لما فيها من كتب الفلاسفة ، وعلوم الأوائل لأنه كان وشى بابن الجوزي إلى الوزير ابن القصاب فأحرق ابن القصاب بعض كتب ابن الجوزي ، وختم على بقيتها.
وفي أماكن أخرى من بلاد المسلمين كان التحريق سياسة الحكام والغزاة وكانت أمهات الكتب طعاما لذيذا لألسن نيرانهم ففي القاهرة كانت للفاطميين خزانة كتب ولا أروع قال عنها المقريزي: وكانت من عجائب الدنيا ويقال أنه لم يكن في جميع بلاد الإسلام دار كتب أعظم من التي كانت بالقاهرة في القصر ويقال : أنها كانت تشمل ألف وستمائة ألف كتاب، ولكن عند دخول صلاح الدين الأيوبي أخذ عبيد وإماء الأيوبيين جلودها برسم عمل ما يلبسونه في أرجلهم [أي حولوا جلود تلك الكتب إلى أحذية] وأحرقوا ورقها تأولا منهم أنها خرجت من قصر السلطان وأن فيها كلام المشارقة الذي يخالف مذهبهم، سوى ما غرق وتلف وحمل إلى سائر الأقطار وبقي منها ما لم يحرق وسفت عليه الرياح التراب فصارت تلالاً باقية إلى اليوم في نواحي آثار تعرف بتلال الكتب!
وبين اسطر حكايات هذه المآسي شبت النيران في خزائن كتب عظيمة أنتجها الفكر الإنساني الجبار هنا وهناك مرات ومرات يعجز المرء عن إحصائها وتدوين مآسيها، ولكن من المؤكد أن النار عجزت عن التهام الفكر الذي كان موجودا بين طياتها فبقي مشعا يحفز الأجيال على البحث والتنقيب والاكتشاف والتقدم، ولذا نجد بالرغم من كل ما سببه هذا الفعل الهمجي المتهتك من ضياع للجهد الفكري الإنساني إلا أن الإنسان المثابر الصابر تمكن من تعويضه وتجديده، فوصل العالم إلى ما هو عليه اليوم.

فتنة مصر.. والكويت/ محمد طعيمة


قد يبدو منع عشرات الكتب لمبدعين ومثقفين مصريين قبل أيام من دخول الكويت تعبيرا عن توظيف ديني تفشى عقب تجربة الغزو الصدامي الأليمة. توظيف تقاسمه سلفيو وإخوان البلد الذي كان الأكثر تنورا بالخليج حتى قبل الغزو. من ذات التوظيف انطلقت إهانة المفكر المصري الراحل (نصر حامد أبوزيد) بطرده من المطار رغم وصوله للكويت بتأشيرة دخول سليمة. وقد يبدو طرد حكومة الكويت لمصريين متعاطفين مع البرادعي مجاملة لنظيرتها في القاهرة، لكن ما يثير الدهشة هو رعاية الكويت ومن قبلها البحرين لمحرضين على الفتنة الطائفية في مصر، خاصة أن مجتمعي البلدين عرفا تاريخيا بالانفتاح النسبي على الآخر.. الديني والثقافي.
بعد طرده من أمريكا عام 2004، وفي نوفمبر 2007 بعد ثلاث سنوات من إيواء إخوان البحرين له، لبت المنامة طلب الكويت وطردت موظِّف الدين الإخوانجي (وجدي غنيم)، لاتهامه من 3 نواب سلفيين كويتيين بالإساءة لفئات من شعبهم إبان حرب الخليج عام 1990. الاتهام جاء على خلفية صراع سلفي ـ إخوانجي وطارت فيه حقيبة الأوقاف من الوزير عبدالله المعتوق، أغسطس 2007، لـ"هدره المال العام باستضافة دعاة أساءوا للكويت". لم يحم غنيم اعتذاره العلني ولا تحالف فريقه من "بنّاوية" البحرين مع عائلتها الحاكمة، ولم ينجح إخوان الخليج في توفير إقامة له في إحدى دوله.. احتراما لرغبة الكويت. رحل غنيم إلى جنوب أفريقيا حيث لاحقه الطرد، ضمنا بسبب خطابه العنصري ضد المرأة والمسيحيين.. ورسمياً بسبب إقامته غير الشرعية. وقبل أيام أسقطت الكويت جنسيتها عن المتطرف الشيعي (ياسر الحبيب).. حماية لشعبها من فتنة طائفية تنتظر شرارة لتحرق بلدها، وبعدها بيومين أسقطت المنامة جنسيتها عن المتحدث باسم المرجعية الشيعية آية الله السيستاني.. وقاية لشعبها من الفتنة. لكنها لا تمانع في تصدير الفتنة لغيرها، فلأكثر من ثلاث سنوات ظل غنيم يبث دعواته الطائفية ضد أقباط مصر.. دون أن تتحرك القاهرة لحماية نسيجها أو تهتم المنامة بمراعاة مشاعر ملايين المصريين.
لنصف قرن ظل الخليج منصة صواريخ تستهدف العقل الجمعي المصري، لتهدد تراكمات ليبرالية ما قبل الثورة ومدنية دولة عبدالناصر. لم تنفرد البحرين باستباحة نسيجنا الوطني، فبعد لقائه عبدالعزيز آل سعود عام 1927، عاد حسن البنّا ليعلن تكوين) الإخوان) على مُسمى تنظيم وهابي دموي قامت شرعيته على "تصفية" المختلف معه من ذات الدين، وبث خطاب الكراهية ضد المنتمين لباقي العقائد، وتلته خيوط تمويل ورعاية لتيارات سلفية مصرية تنتمي لنفس الخطاب. ومن الكويت انطلقت قبل أيام أخطر دعوات كراهية أقباطنا سفوراً.. مُحرضة على مقاطعتهم باسم (جبهة علماء الأزهر).
تأسست جبهة علماء الأزهر عام 1965 وأُشهرت رسمياً بعد عامين كـ"مؤسسة مدنية" تخضع لقانون الجمعيات الأهلية، وتراجع دورها مع تحالف السادات مع موظفي الدين في السبعينيات، ثم أُعيد تنشطيها عام 1994 بقيادة د.محمد النجار. الجبهة، ورجالها، كانت وراء معظم دعاوى تكفير المثقفين، ومع صدامها بمشيخة الأزهر قرر محافظ القاهرة حلها عام 1998 وأيد القضاء القرار، والتزم "كل" أعضائها بالحكم.. عدا (يحيى حبلوش)، الذي قضت محكمة جنايات القاهرة بسجنه بتهمة سب وقذف الراحل د.سيد طنطاوي في مقال نشره عام 2002.
حبلوش كان رأس حربة دعاوى تكفير عديدة، أبرزها ضد د.سيد القمني ود.حسن حنفي. مع تنفيذ قرار حل الجبهة وفّر له "بنّاوية" الكويت عملاً وملاذاً، قبل أن يفارقهم عام 2008 بسبب الخلاف حول "درجة التصعيد" ضد احتفال شيعة كويتيين بـ"يوم الغدير/ ذكرى اغتيال الخليفة عمر"، ليقترب من تخوم السلفيين. هكذا استمرت بيانات (جبهة علماء الأزهر) لصاحبها "الوحيد" يحيى حبلوش، بدعم إخواني ثم سلفي. وسذاجة أو خبثاً، ظل زملاء يروجون لها، تكفيراً أو دعوة لمقاطعة أقباطنا.
تحمي البحرين حرية العقيدة.. للمسيحيين واليهود وتضمن تمثيلهم بالحياة العامة وفي برلمانها وبوزارة خارجيتها، ويمكن "فهم" تضيقها على الشيعة كجزء من صراع يتعلق ببقاء أسرتها المالكة، و"فهم" رعايتها لمروجي الفتنة في مصر، مع تآكل نفوذ القاهرة الإقليمي، كجزء من تحالف البنّاوية معها ضد شيعتها. تحالف لا يقف عند الإخوان المحليين، إذ تضمنت وثائق "فضيحة البدر" عن تلاعبات تجنيس السُنة أسماء لزملاء مرتبطين بالجماعة الأم.. جنسية وتنظيماً. لكن، للكويت موقف مفارق لدول مثل قطر.. من "كنيستنا المصرية"، وللسعودية.. من المسيحيين عامة، فـ"العادي" أن تتصدر صورة القس الإنجيلي عمانويل غلاف مجلة أو يظهر بفضائية كويتية أو في ديوانية محلية وصليبه الضخم على صدره، أو أن تتبرع الحكومة أو شخصية بارزة من الأسرة الحاكمة لكنيستنا الوطنية بمبلغ مالي أو قطعة أرض.
هكذا، تحمي الكويت نسيجها الوطني.. ومسيحييها، وتسقط جنسية مواطن وتطلب من البحرين ترحيل موظف دين شهير.. منعا لفتنة داخلية، فلماذا توفر ملاذاً لرؤوس كراهية تستهدف وحدة نسيج أختها الكبرى. على الأقل لتساوي بين مؤيدي البرادعي وبين مشعلي الحرائق في أرض الفراعنة.. أم أن آل الصباح يدركون أن اللانظام المصري شريك في الإشعال.. فتدعم الحرائق بحماية (حبلوش).
العربي القاهرية

ذكريات.. العمر اللي فات ـ 22/ أنطوني ولسن


ثانيا: في أوستراليا..8
ذكريات.. العمر اللي فات، هي محطة استراحة فكرية، أنزل فيها من قطار الحاضر محاولا الاسترخاء والتجوال في شوارع وحدائق حياتي. اثناء تجوالي أحكي للقارئ حكاية من هنا او من هناك.. اربطها بحكاية اخرى او حكايات. وإن اقتضي الأمر العودة الى قطار الحاضر.. سأفعل ذلك لإستمرارية التفاعل مع الحاضر الذي سيصبح يوما.. ذكريات العمر اللي فات..
دعونا الآن نكمل الحكاية..
تتلخص خطتي التي وضعتها للدراسة في أن ما أتعلمه في ( المدرسة ) أنقله إلى المنزل وأتدرب عليه. بدأت بالمجموعات الـ 13 الخاصة بشوارع قلب مدينة سدني و5 ضواحي تحيطها ساعدني ذلك على خفض المدة المحددة للتدريب من 3 أيام إلى يوم ونصف اليوم ونجحت بالفعل.
بدأت بعد ذلك في التدريب في المنزل على فرز خطابات الخاصة بصناديق البريد المؤجرة والمقسمة الى 52 قسم والتي قسمت الى مجموعات تتدرب عليها ثم نمتحن في كل قسم على حدة وايضاً 3 أيام لكل قسم، وبنفس الطريقة نجحت وأنهيت التدريب وكنت أول المجموعة في (المدرسة) الذي أنهي امتحانات ما درسناه ولم يبق غير الامتحان النهائي في كل ما درسناه وهو فرز 500 خطاب بعناوين وأسماء أصحاب الصناديق والمرسلة الى عناوين شوارع وحارات قلب مدينة سيدني والـ 5 ضواحي المحيطة بها.
لم اوفق ورسبت 3 مرات على فترات مختلفة..حاول المدرس المسؤول وكان اسمه تريفور ان يحثني على التدريب على امتحان السرعة ولا أهتم بالامتحان العام لثقته انني سأنجح وبسهولة. وكان ردي دائماً أنني اريد ان انجح اولا وبذلك اضمن تعيني واستلامي العمل. اما امتحان السرعة فاستطيع أن أوديه في أ يَ وقت آخر.
في الامتحان للمرة الرابعة لم يكن تريفور موجوداً وحل محله آخر. أديت الامتحان ونجحت. وعندما جاء تريفور في اليوم التالي ورأى انني نجحت.. نادى علي وقال لي:
- نجحت .. ايه.. ألم اقل لك تدرب على امتحان السرعة.. على العموم خد هذا الصندوق وسأجري لك امتحانا آخر..
تعجبت.. لكني قمت بفرز الخطابات وبسرعة أنهيت فرز 500 خطاب في نصف المدة المقررة. وكان الصندوق من أصعب صناديق الامتحانات.. مما دعاه أن يأتي الي مصافحاً ومهنئاً، ومع ذلك جعلني انتظرحتى ينهي طالب آخر الامتحان العام لنقوم باجراء امتحان السرعة سويا أمام احد مندوبي المصلحة الذي يأتي خصيصاً لذلك.
انتظرت اسبوعاً كاملاً حتى انهى أسترالي اسمه جاري هولمز إمتحانه والعجيب اننا أنهينا امتحان السرعة في وقت واحد وأخطاء تقريباً واحدة. وبدأنا العمل قبل المجموعة كلها.. وكانت منافسة حامية وتحد سافر. والمدرس تريفور كان له وزنه في المصلحة.. واستطعت ان اتدرج الى ان وصلت زميلا له مع فارق انني كنت اقوم بالعمل بالنيابة.. أي عند غياب احد رؤساء الاقسام أحل محله.
كانت المنافسة فيها الكثير من المعاناة والصبر والتحمل.. ليس مع الزميل الذي أشرت اليه.. لكن مع كثيرين غيره لأنني بعد فترة بدأت أدخل عرين الأسود وأزار في وجوههم، واحياناً كثيرة كان زئيري يعلو على زئيرهم. لم ابال بلسعات دبابير الموظفين القدامى بنفس روح التحدي والاصرار على اثبات الوجود ومبدئي الذي كنت أعمل به في مصروقناعتي ان العمل رئيسي لا الانسان. الانسان للتنظيم والاشراف. اما العمل فهو الذي يدفعك الى التفكير في افضل الطرق للقيام به.
وقد واجهتني صعوبات كثيرة وأعتقد انها واجهت الكثيرين من المهاجرين في كافة انحاء العالم والوظائف والاعمال، بل وفي المدراس.
واجه ابني في مدرسة ناروي الابتدائية الحكومية صعوبات من تلميذ كان دائماً يطارده وكنا نسكن في ذلك الوقت بالمساكن الحكومية في حي ريفروود . عودت اولادي على ان يكون بيني وبين كل واحد منهم وقتاً على انفراد والحديث في كل شيء وفي اي شيء مهم كان او غير مهم. في احد الأيام اخبرني بان طالباً في المدرسة اكبر منه دائم على مشاكسته واخذ «سندويشاته».. واخبرني انه يسكن في نفس المساكن التي كانت في تلك الفترة حكراً للأسترال.. طلبت من ابني رؤية الطالب من بعيد.. انتظرته في اليوم التالي وهو عائد من المدرسة.. خرجت اليه وامسكت به وكنا بالقرب من شجرة قريبة حاول ان يتبجح فشددت على معصم يده وقلت له:
- إسمع إن لم تكف عن مشاكسة ابني سيكون لي معك تصرفاً آخراً.. لن اذهب الى المدرسة ولن اذهب الى امك ولا حتى الى البوليس بل سيكون تصرفي معك مباشرة.. هل فهمت؟
إرتعب الولد وبعد ان تركته لحاله جرى مسرعاً ولم يقترب من ابني مرة اخرى حتى انتقلنا الى حي كينجزجروف وشراءنا اول منزل لنا في أستراليا.
كنت اعمل بالبريد الذي سأعود الى الحديث عنه فيما بعد.. لكن على الرغم من ان ايجار الشقة في المساكن الحكومية كان حوالي 30 دولاراً في الاسبوع.. وعلى الرغم من اننا غيرنا سجاد الشقة واعدنا دهانها واشترينا عفشاً جديداً.. إلا ان زوجتي لم تكن مرتاحة.. بدأ الخوف على البنات يسيطر عليها.. المنطقة كلها استرالية ونحن فقط نعتبر غرباء وسطهم.. لهم عادات وتقاليد لا شك مختلفة ولم نكن تأقلمنا بالحياة الأسترالية.. او على الأقل كل في حاله.. بدأت بنتان من سكان العمارة التقرب والاختلاط بأبنتي الكبرى.. بدأنا نلحظ كل بنت منهما لها صديق.. لا غرابة اذا رأينا الواحدة منهما مع البوي فريند يقبلان بعضهما البعض في داخل العمارة او على السلالم وطبيعي في الشارع. أعرف ان في مصر مثل هذه الأشياء قد تحدث.. لكن ليس علناً وفوق «سلالم» المنزل.. لكن تحت السلم.. مثلا.. ازداد التقرب إلى ابنتنا الكبرى.. واحمد الله ان ما اتبعته مع اولادي من ناحية وما اتبعته امهم معهم من ناحية اخرى. وعلى الرغم من الثقة في اولادنا.. لكن..
بدأت اشدد في مجيء اي من البنتين ايام الدراسة.. وان لزم الأمر لدقائق احددها.. وسارت الأمور هادئة والحمدلله.
ذات يوم في حديثي المعتاد مع الأولاد كل على حدة.. سألتني ابنتي الكبرى إن كنت أسمح لها بالخروج مع شاب تعرفه إحدى البنتان.. ضحكت ووافقت على شرط ان يأتي لزيارتنا ويطلب مني الخروج معكي.. فرحت ووافقت.
جاء المحروس.. يكبرها بعدة سنوات.. جلسنا نحتسي الشاي.. أشعل سيجارة.. اخذنا نناقش مسائل لا معنى لها.. ابنتي في الخارج (خارج غرفة الصالون) تنتظر ان افي بوعدي لها وأسمح لها بالخروج.
بعد أن انهى كوب الشاي.. نهض شاكراً لي كرم الضيافة مستأذناً للخروج مع ابنتي.. وقفت ومددت يدي له مصافحا شاكرا له قبوله الدعوة والمجيء.. لكن ابنتي غير مسموح لها الخروج لا معك ولا مع غيرك..
امتعض متعجباً من تصرفي.. غادر المنزل وطبيعي ابنتي كانت في انتظار معرفة عدم موافقتي لها على الخروج.
اخذتها الى غرفة الصالون وأخبرتها برأي في هذا الدنجوان.. انه لا يصلح لا ان يكون صديق ولا حتى معرفته.. شاب تافه لا ثقافة عنده ولا تعليم.. والبنات عنده تسلية يمشي مع دي ويسبها ويروح للثانية ويسبها.. الميزة الجميلة في ابنتي الكبرى انها تثق فيما اقوله لها.. وعدتها ان الأيام ستثبت لها بالفعل صدق كلامي.
اشكر الله على انه بالفعل كشف لأبنتي الحقيقة بعد أيام قليلة من زيارة الدنجوان.. خرجنا في المساء ابنتي وانا لشراء «بيتزا» مررنا على مطعم بالحي ورأينا المحروس مع محروسة وآخر غرام.. نظرت إلى ابنتي.. ابتسمت وأمسكت بيدي وأومأت برأسها بالذهاب الى محل البيتزا.
حدث ذات مرة كنا ذاهبين الى فرح استرالي.. لم نجد مكان للسيارة فأضطررت لدخول الشوارع الجانبية.. وصلنا الى نهاية الشارع ولم نجد مكاناً، فكان علي ان اعود ادراجي لابحث عن مكان آخر، ما ان سقط نور السيارة على الـ yard Front حتى فوجئنا بشاب وشابة في وضع بالنسبة لنا غير لائق.. نهض الاثنان والمفاجئة كانت انها احدى الاختين. وكان ذلك المنظر القشة التي قسمت ظهر البعير.. أصرت زوجتي على ترك الحي وكان كما ألمحت اننا اشترينا اول منزل لنا في حي كينجز جروف كما أشرت.
شراء منزل ليس بالشيء الصعب.. ليس لاننا خلال سنوات بسيطة صرنا من الأغنياء.. وإللا ما تقدمنا بطلب للسكن في احد بيوت الحكومة المخصصة لذوي الدخل المحدود. لكن اتصلت بمحامي صديق ارمني مصري واخبرته برغبتي فطمأنني علي ان ابحث عن منزل واتصل به وسوف يتحدث الى مدير بنك للحصول علىسلفة لدفع مقدم المنزل. طيب وماذا عن ثمن المنزل؟
نصحني في الذهاب الى احد البنوك بعد ان أجد المنزل وأعرف ثمنه وتخبرهم بما تحتاج.. حاولت لكن لم اوفق، اضطررت للذهاب الى احدى شركات تسليف الأموال غير البنوك وعرضت عليهم الأمر وكنا قد وجدنا المنزل الذي نريد شراءه.
ذهب مندوب من عندهم ليثمن المنزل وتمت الموافقة على دفع المبلغ المطلوب بضمان المنزل، وكان سعره في ذلك الوقت 3 غرف نوم ومطبخ وارض يرمح فيها خيال بـ 30 الف دولار فقط. لكن التسديد كان 300 دولار كل شهر ولمدة 20 سنة.. يعني من اجل عيون البيت لازم نشقى ونتعب ونفضل ندفع دم قلبنا طول عمرنا.. في المقابل ان البيت سيصير ملكنا وربنا المعين.
انتقلت ابنتنا الكبرى الى المدرسة الثانوية بحي بيفرلي هيلز للبنات.. ذات يوم وجدتها في حالة متوترة.. اخذتها الى غرفتها وسألتها ما بها.. قالت لي والدموع تترقرق من عينيها:
- بابا.. النهارده في المدرسة حصلت حاجة مع احدى البنات مضيقاني شوية..
- خير احكيلي..
- بنت وإحنا في فترة الغداء نادت علي قائلة لي إنت يا موميا مصرية
- سألتها ان كانت تعنيني.. فأجابت بالإيجاب وأهانتني.. لم اتكلم ولم أعلق بل تركتها تكمل حديثها.
فما كان مني بعد ذلك إلا ان نهضت وأمسكتها من شعر رأسها ثم اوقعت بها على الأرض ووضعت قدمي فوق صدرها وأنا أصرخ فيها آلا تشاهدين المسلسل الأميركي " جذور " .
سألتها:
- ماذا تعنين بذلك؟
- قالت اعني ان المسلسل يعارض التعصب وكره الآخر المخالف له في الجنس او اللون.
(لم تكن فكرة الاختلاف في الدين سببا للتعصب والكره في تلك الأيام)
- وماذا حدث بعد ذلك؟
- تركتها ومشيت.. وإذ بها تسرع إلي معتذرة شارحة لي أن ما كانت تقصده هو المزاح معي.
- طبعاً لم تقبلي العذر!
- لا يا بابا ان التسامح هو جزء من ايماننا المسيحي.
- بعد الأهانة!
- لم اقبل الاهانة كما قلت لحضرتك.. لكن انا لم اكن ارغب في التصرف كما تصرفت..
ربت على كتفها واحتضنتها وقلت لها:
- ميرفت ان التسامح شيء جميل أما ان نسكت على الإهانة فهذا شيء مهين.. لكن كان يمكن ان تتحكمي في نفسك دون استخدام العنف.
- معك حق يا بابا.. ودا اللي موترني..
- انا متأكد إن العلاقة بينكما ستكون علاقة متينة.
من شاهد ذلك المسلسل (الجذور) لا شك تعاطف مع السود في أميركا. ومن يرى السود احدهم الأن رئيس البلاد يتعجب.. ثلاثةعقود تقريباً مرت على مشاهدة المسلسل.. فأين السود من البيض الآن؟ الحرية لا تمنح.. لكنها تكتسب.. وإكتسابها يحتاج الى عمل وجهد ومثابرة.
لم يقبل السود استمرار العبودية.. لأنهم لم يكونوا في بلادهم عبيدا.. بل تم اختطافهم وبيعهم كعبيد.. السلاسل قد تقيد جسد الانسان اما الحرية لا يقيدها غير خنوع الانسان وخوفه وإستكانته وانتظاره لمحرر دون بذل مجهود مضني لإثبات حقوقه وحريته. وهذا ما فعله السود الأفارقة الذين يطلق عليهم الأن الأفارقة الأمريكان.
اين أصحاب الحق في أرض اجدادهم الذين يعيشون غرباء في بلادهم ويطلق عليهم إسم الأقليات.. ومع الأسف لن نجد هذا اليوم إلا في بلاد العرب.
فهل العيب في الحكام؟.. أم في الشعوب التي قبلت الهوان؟ والله المستعان..
وإلى اللقاء و.. وذكريات العمر اللي فات.