الفساد يغزو المؤسسة العسكرية الهندية/ د. عبدالله المدني

على حين ظل الفساد ينخر معظم المؤسسات السياسية والعسكرية والإقتصادية والامنية والقضائية في باكستان، ويلطخ سمعة وتاريخ رموزها، على مدى العقود الستة الماضية منذ إنفصال الأخيرة عن الهند البريطانية وقيامها ككيان مستقل، فإن المؤسسات الدستورية الهندية - خصوصا مؤسسة الجيش ذات الإحترام الكبير، والتاريخ النظيف المشهود بالخضوع للمؤسسات الديمقراطية المدنية - ظلت بعيدة عن مثل هذه الحالات، مع إستثناءات قليلة تمثلت في فساد عدد قليل من ساستها - ولا سيما المحليين منهم – و إكتشاف بضع حالات فساد في صفوف ضباط الجيش ممن حاولوا قبض العمولات أثناء عقد صفقات تحديث معدات الجيش أوأثناء توقيع إتفاقيات بناء المنشآت العسكرية، أو ممن حاولوا تحويل وجهات المعونات الخارجية او تهريب سلع تافهة مخصصة لمنسوبي الجيش لصالحهم كالسجائر والمشروبات الكحولية والوقود والأغطية والملابس والخيام).
غير أن الأمور تغيرت بشكل دراماتيكي وسريع خلال السنوات العشر الماضية، وبالتزامن مع ما شهدته وتشهده الهند، المترامية الأطراف، والمثقلة بعدد ضخم من السكان والأجهزة البيروقراطية المركزية والمحلية، من عمليات تجديد للبنية التحتية، وتدشين للمشاريع الإنمائية والصناعية والعسكرية الكبرى، من تلك التي تستهدف اللحاق بركب العصر ومواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.
فإذا ما إستثنينا ما حدث في العام الماضي حينما تمت عملية بيع مشبوهة لأراض تتبع ملكيتها لوزارة الدفاع في منطقة "سوخنا" بولاية "البنغال الغربية" بمساحة تقترب من الثلاثين هكتارا إلى مجموعة من المستثمرين المحليين في القطاع الخاص، وهي العملية التي أكتشفت سريعا ونال المتورطون فيها عقوبات مختلفة في صورة مصادرة أموالهم، وتخفيض رتبهم العسكرية أو نقلهم نقلا تأديبيا إلى وظائف دنيا، فإن ما وقع مؤخرا أثار الدهشة والقيل والقال، وأدى إلى فتح كل الملفات على مصراعيها، خصوصا وأن قضية الفساد الجديدة مست حقوق أرامل شهداء الجيش ممن قضوا دفاعا عن سيادة الوطن ووحدته أثناء الحرب الجبلية القصيرة مع باكستان في عام 1999 ، والمعروفة بحرب أو أزمة "كارغيل".
وتتخلص حكاية الفساد الطازجة في أن التحقيقات الرسمية أدت إلى ثبوت تورط عدد من الساسة والبيروقراطيين المتنفذين، بالإشتراك مع مجموعة من كبار ضباط المؤسسة العسكرية، في الإستيلاء، دون وجه حق وعن طريق التزوير وتغيير شروط التملك، على عقارات فارهة لأنفسهم في مشروع سكني في منطقة "كولابا" التجارية الواقعة في الجزء الجنوبي من مدينة "مومباي" عاصمة ولاية "مهاراشترا"، علما بأن المشروع المذكور تم الإنتهاء منه في عام 2008 .
وفي سياق الكشف عن فضيحة الفساد هذه، تمت الإشارة تحديدا إلى الجنرالين "ديباك كابور" و "نيرمان تشاندر فيج"، إضافة إلى قائد القوات البحرية السابق الأدميرال "مانيندرا سينغ" والنائب السابق لقائد القوات المسلحة "شانتانو تشودري"، كأشخاص ضالعين في تملك ما لا حق لهم فيه من خلال ترهيب مسئولي " الجمعية التعاونية العسكرية للإسكان". بل تمت الإشارة أيضا إلى أن الجنرالين "كابور" و "فيج" قد سنا بنفسيهما إشتراطات تتيح لهما تملك عدد من الشقق السكنية التي يتجاوز سعر الواحدة منها اليوم 80 مليون روبية أو ما يعادل 1.8 مليون دولار أمريكي. من تلك الإشتراطات، أن من يريد الإنتفاع بالسكن يجب عليه تقديم أوراق وشهادات تثبت إقامته في "مومباي" (المدينة التي تشهد طفرة عقارية غير مسبوقة وغلاء فاحشا في أسعار الأراضي) لمدة لا تقل عن 15 عاما. وكي ينطبق على الجنرالين مثل هذا الشرط، قاما بإستصدار شهادات مزورة بهذا الخصوص، وقدما أوراقا مفبركة.
والجدير بالذكر في هذا المقام أن عملية الفساد هذه لم تكتشف إلا حينما بادر الأدميرال "سانجيف باسين" من قيادة القوات البحرية المرابطة في "مومباي" بالكتابة إلى كبار رؤسائه في وزارة الدفاع في "نيودلهي"، شاكيا من وجود مخالفات جسيمة في إتمام المشروع السكني المذكور، ومشيرا في الوقت نفسه إلى وجود مخاطر أمنية للمشروع كونه يطل على منشآت عسكرية حساسة في المنطقة، علاوة على أضراره البيئية التي كانت الصحافة المحلية قد أشارت إليها في سنوات سابقة، لكن المؤسسة العسكرية تصدت لها بالقول "أن الأراضي والمناطق التي تتبعها لا تنطبق عليها القوانين المدنية".
وهكذا كانت رسالة الأدميرال "باسين" هي التي قرعت أجراس الإنذار، ودفعت السلطات إلى فتح تحقيق واسع حول المشروع السكني في "كولابا". حيث تبين بعد الفحص والتدقيق الميدانيين، أن المشروع الذي كان مقررا له ألا يتجاوز الأدوار الستة، إرتفع إلى 31 دورا بإرتفاع 100 متر، الأمر الذي جعله يكشف كل ما يدور داخل المنشآت العسكرية الحساسة القائمة على شواطيء "مومباي"، وبالتالي ففي إستطاعة أعداء الهند (من إنفصاليين كشميريين وماويين وجماعات إرهابية متشددة) إستخدامه في القيام بعمليات هجومية ناجحة.
وتعليقا على هذه الحالة غير المسبوقة طالبت الصحافة الهندية الحرة في إفتتاحيتها بضرورة تدخل الدولة بقوة قبل أن تستفحل الظاهرة، وتتحول الهند إلى صنو لباكستان لجهة تفشي الفساد في أوصالها، وعجز المؤسسات المدنية عن كبح جماح طموحات جنرالات المؤسسة العسكرية، فيما كتب بعض نشطاء المجتمع المدني مقالات يحثون فيها حزب المؤتمر الحاكم وحزب "بهاراتيا جاناتا" المعارض إلى رص الصفوف و تكثيف الجهود لمكافحة مختلف ظواهر الفساد والإفساد، بدلا من توجيه الإتهامات لبعضهما البعض حول من زرع بذور الفساد في المجتمع أولا، أو الدخول في سجال عقيم حول أيهما يملك تاريخا أكثر نصاعة، ورموزا أكثر نزاهة. هذا علما بأن الحزب الحاكم بقيادة السيدة "سونيا غاندي" وجد نفسه في موقف دفاعي مؤخرا أمام حزب المعارضة، على خلفية طرد الأول لرمزين من رموزه الكبار، وهما وزير الاتصالات "أنديموتو راجا"، ورئيس حكومة ولاية مهاراشترا "أشوك تشافان"، بسبب الغش وسؤ التصرف والإخلال بالأمانة، وهو ما نجم عنه خسائر فاقت الأربعين بليون دولار في سوق المبادلات المالية.
على أنه من المهم هنا التذكير بأنه طالما وجدت في الهند مؤسسات ديمقراطية شفافة، وصحافة حرة، وقضاء نزيه، فإن جرثومة الفساد لن تنجح في التكاثر، ومن يقتاتون عليها لن يستطيعون الإفلات من العقاب، أي على العكس من الأمم ذات الأنظمة الشمولية، والإعلام المقموع.
د. عبدالله المدني
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: نوفمبر 2010
البريد الإلكتروني: elmadani@batelco.com.bh

كي تصير لنا دولتنا/ سعيد الشيخ

كي تصير لنا دولتنا ، دولتنا الفلسطينية.. علينا أن ننسى فلسطيننا، أو لكل فلسطيني تصبح له فلسطينه التي سيحددون له شكلها ومقاسها. وليس مهما أن تكون في المنفى على ورق، أو في الروح يتم التعبير عنها من خلال قصيدة أو أغنية..
المهم أن لا تكون في الجغرافيا ولا على الخريطة السياسية.
لكي تصير لنا دولتنا، علينا الاعتراف بيهودية دولة عدوّنا فوق أرضنا..نسقط وطننا التاريخي ونشارك في رفع علم دولة "اسرائيل" في سماءه.
ثم لا شأن لنا.
هو شرط، شرط عدوّنا علينا كي تقوم لنا دولة. ان نفكّك كينوننتا كي يمنحونا كينونة جديدة، أبسط الوصف أنها كينونة مشوّهة، مولود منغولي، تستولده "الداية" الولايات المتحدة الامريكية ليضاف الى مجموعات موّلداتها "الرائعة" في العراق وافغانستان، حيث تفكيك الدول وتفكيك المجتمعات الواعدة على أحدث طرازات التدمير.
ثم لا شأن لنا.
يريدون لنا دولة بلا عاصمة وبلا قداسة، ننظر فيها الى مقدساتنا على انها خرائب قديمة، وأبنية غير صالحة للمدنية لا بد من تجويفها وتقويضها لصالح قدسية الخرافة التوراتية والتسليم بإنتصارهم علينا. لأنتصار اسطورتهم بأنهم هم البداية والحاضر ولهم المستقبل.
ثم لا شأن لنا.
ولهم كل شيء، حتى وجودنا وعلينا شكرهم عليه... بأن نعمل عندهم حراسا على أبواب مستوطناتهم. ونمنحهم الهدوء والسكينة بإخفاض صوت الأذان ورنين الاجراس التي هي إحدى فسيفساء وطننا التاريخي وخصوصيتنا الوجودية...
ثم لماذا لا نلغي انسانيتنا وهويتنا ونصير جمادا كجدار أو أسلاكا شائكة تحميهم من "الضّالين" و"أصحاب الرؤوس الحامية" منا، نحن الحالمون بحرية الوطن والمتمسكون بحق العودة اليه. وذلك كي تصير لنا الدولة... أي دولة، الا ان تكون دولة فلسطين الديمقراطية التي عبّدنا طريقها بآلاف الشهداء والضحايا وسنوات طويلة من العذاب.
ثم لا شأن لنا.
كي تصير لنا دولتنا، علينا أن نخسر الوطن. ولا ندري أين؟ على طاولة مفاوضات أم على طاولة قمار ... حيث المفاوض الفلسطيني يقامر بكل شيء كي يكسب الدولة، ليقيم عليها سلطة لا سلطة له عليها سوى ان يقيّد الناس بأعتى انواع الحكم البوليسي المبارك من الدول الديمقراطية، وبأوسخ انواع الفساد الذي عرفته البشرية.
ثم لا شأن لنا.
وطالما لا شأن لنا، فلا بأس لو أعلن رئيس الدولة "الافتراضي"، أو أحد وزرائه المخلصين بأننا كنا طيلة سنوات النكبة على خطأ. واننا سبّبنا لمغتصب وطننا الكثير من الظلم والألم وعلينا دفع التعويضات ليستطيب له رغد العيش في بلادنا.
الى هذا الحد أوغلنا في العدم والموت ... والغياب!
ثم لا شأن لنا... وما لنا سوى حسرات الملايين من الشعب الفلسطيني والقلوب الهائمة في شتاتها وتيهها وهي تنفطر على ضياع البلاد!

شاعر وكاتب فلسطيني
مدير موقع "الوان عربية"

متغيرات دولية/ نقولا ناصر


إن موت المسنة الايرلندية (81 سنة) آن كيوميسكي أوائل الشهر الجاري اختناقا بدخان حريق شب في منزلها بسبب الشموع المضاءة بدلا من الكهرباء التي فصلت عنه لعجز معيلها عن تسديد فواتيرها بعد أن فقد عمله نتيجة للأزمة الاقتصادية المتسارعة في إيرلندا التي قادت الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي إلى ارتهان إيرلندا لهما بحجة انقاذها من أزمتها التي ضاعفت معدل البطالة ثلاث مرات تقريبا منذ عام 2005 إلى أكثر من 13% وأطلقت موجة هجرة من البلاد تذكر بالهجرة الجماعية إلى أميركا في القرن التاسع عشر بعد أن خسر الايرلنديون محاصيلهم من البطاطا بسبب المناخ، إذ وصل بعض العمال الايرلنديين الذين خسروا وظائفهم إلى كوريا الجنوبية بحثا عن عمل بينما تقول الاحصائيات إن أكثر من 1250 طالب إيرلندي يغادرون بلدهم شهريا للغرض نفسه. والأزمة الاقتصادية الطاحنة المتفاقمة في ايرلندا هي جزء من الأزمة نفسها التي تطحن الملايين من عمال أوروبا وفقرائها الذين تضخمت أعدادهم بالملايين من الطبقات الوسطى الذين أفقدتهم الأزمة العالمية وظائفهم وأمنهم الاجتماعي والاقتصادي، ليس في القارة الأوروبية فقط بل وفي المركز الأميركي للنظام الرأسمالي العالمي حيث بدأت الأزمة التي أعادت الصراع الطبقي إلى الواجهة بعد أن ظن الكثيرون بأن هذا الصراع قد انتهى بانهيار المنظومة الاشتراكية التي كان يقودها الاتحاد السوفياتي وأعادت معه الحديث مجددا عن أزمة النظام الرأسمالي البنيوية.



في التاسع من الشهر الحالي كتب أحدهم في صحيفة "برافدا" التي كانت ناطقة باسم الحزب الشيوعي الحاكم في الاتحاد السوفياتي السابق رابطا بين الحروب الأميركية والأزمة الاقتصادية العالمية فقال: "إلى أين نحن ذاهبون؟ لقد خذلنا سياسيونا. هل هذا هو العالم الذي نريده؟ هل يريد أحد حقا الحروب الفظيعة في أفغانستان والعراق، حيث ضاعت مئات الآلاف من الأرواح وهدرت تريليونات من الدولارات، وكل ذلك من أجل ثروات أفغانستان المعدنية وموقعها الجغرافي الاستراتيجي بجوار حقول النفط والغاز في آسيا الوسطى وكله من أجل كون العراق أحد أكبر منتجي النفط في العالم. فهل هذا هو العالم الذي نريده، حيث انفقت منذ عام 2000 مليارات الدولارات على الحروب بينما المجتمع الدولي عاجز بصورة محزنة عن تمويل المشاريع الانسانية؟" وقد أجاب الكاتب على أسئلته بالنفي، مبشرا بتغيير في المشهد الدولي اسشتهد للدلالة عليه بتاييد الرئيس الأميركي باراك أوباما لحصول الهند على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي باعتباره "فرصة هامة للنظر إلى العالم من منظور جديد، الآن بعد أن اختفى الواقع الذي أنشأ منظمة الأمم المتحدة حيث تملك خمس دول نووية مقاعد دائمة في مجلس الأمن الدولي وتتمع فيه بحق النقض (الفيتو)".



وفي منتصف الشهر الجاري كتبت سيندي شيهان الناشطة الأميركية ضد الحرب التي قتلت المقاومة العراقية للاحتلال الأميركي ابنها عام 2004 مقالا استهلته باقتباس من مؤسس حزب العمل الايرلندي جيمس كونولي: "نعم أيها الأصدقاء، إن الحكومات في المجتمع الرأسمالي ليست إلا لجانا للأغنياء لإدارة شؤون الطبقة الرأسمالية"، وقالت في مقالها إن الرئيس الأميركي باراك أوباما "يمارس الرياضة الدولية للطبقة الحاكمة التي ترغم الأقل حظا في المجتمع على تسديد ثمن جرائم وتجاوزات نادي الواحد في المئة – أي أؤلئك الذين يجلسون على قمة السلسلة الغذائية ويديرون ما لايقل عن 50 في المئة من ثروة الأمة"، مشيرة إلى خطط إدارته لاستغلال طاقة القوى البشرية العاملة حتى الرمق الأخير باقتراح رفع سن التقاعد إلى 69 سنة، واقتراح تخفيضات وصفتها ب"الوحشية" في الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية، وفي مقابل ذلك تقترح إدارته تخفيض الضرائب على الأغنياء بنسبة 23% إضافة إلى 35% يتمتعون بها حاليا. ومن الواضع أن وعي شيهان قد تطور من مجرد وعي أم ثكلى ناشطة من أجل السلام إلى وعي طبقي يربط بين الحرب والسلام وبين النظام السياسي والاقتصادي ويدعو إلى تغييرات أكثر عدالة اجتماعية.



وقد وصلت الدعوة إلى التغيير إلى أركان النظام الرأسمالي نفسه المسؤول أولا وآخرا عن الوضع الدولي الراهن. فقبل أيام من قمة العشرين للدول الاقتصادية الكبرى التي انعقدت مؤخرا في عاصمة كوريا الجنوبية سيئول، نشر رئيس البنك الدولي، روبرت زوليك، مقالا حولته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية إلى افتتاحية لها على صدر صفحتها الأولى لأهميته، دعا فيه إلى إصلاح أساسي في النظام العالمي للعملات يشمل "دورا أقل للدولار الأميركي ومقياسا معدلا للذهب"، بعد أن أشار في مستهل مقاله إلى "الحديث عن حروب العملات والاختلافات حول سياسة التسهيل الكمي لبنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي"، وهذه دعوة تتضمن اعترافا صريحا بأن النظام النقدي العالمي القائم على الدولار الأميركي المعمول به منذ عام 1971 هو نظام لم يعد صالحا للحياة، وهي دعوة تنطوي ضمنا على الاعتراف أيضا بأن الولايات المتحدة قد بدأت تفقد قيادتها العالمية الاقتصادية ولن يطول الوقت قبل أن يتبع ذلك فقدانها لقيادتها العالمية سياسيا.



وكانت إشارة زوليك إلى سياسة التسهيل الكمي الجديدة لبنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي إشارة إلى متغير في العلاقات بين المركز الأميركي للنظام الرأسمالي الدولي وبين أقطاب هذا النظام. فبموجب هذه السياسة الجديدة قام الاحتياطي الفدرالي الأميركي بطبع مئات المليارات من الدولارات من أجل شراء سندات الخزينة الأميركية، في سياق سياسة مدروسة متعمدة لخفض سعر صرف الدولار الأميركي من أجل جعل الصادرات الأميركية أرخص والواردات الأميركية أغلى، وبهذا الاجراء بدأت الولايات المتحدة حرب عملات دولية تهدد بانهيار نظام معدلات الصرف في فصل جديد من الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت من الولايات المتحدة أيضا، وقد اعتبرت الاقتصاديات الكبرى المنافسة للاقتصاد الأميركي هذا الاجراء عملا عدائيا.



فعلى سبيل المثال، اتهم مستشار البنك المركزي للصين الشعبية، كسياو بين، الاحتياطي الفدرالي الأميركي بإثارة أزمة عالمية جديدة، واقترح أن ترد بيجين عليه بإنشاء تحالفات اقليمية للعملات من أجل تسريع الاستخدام الدولي للعملة الصينية "اليوان". واتهم رئيس الوزراء الياباني، ناوتو كان، واشنطن بانتهاج "سياسة دولار ضعيف". وانتقد وزير المالية الألماني فولفغانغ شوبل في مقالة نشرتها دير شبيغل الولايات المتحدة قال فيها إن "نموذج النمو" الأميركي يمر في "أزمة عميقة"، مضيفا أن "قرارات الاحتياطي الفدرالي الأميركي تخلق المزيد من عدم الثقة في الاقتصاد العالمي .. وهي لا تتفق مع اتهام الأميركيين للصينيين باستغلال أسعار الصرف ثم يقومون هم أنفسهم بخفض اصطناعي لسعر صرف الدولار بطبعه". وقاد هذا الاجراء الأميركي اليابان إلى التدخل لأول مرة منذ ست سنوات في أسواق صرف العملات في أيلول / سبتمبر الماضي لوقف ارتفاع عملتها "الين" بخفض سعر الفائدة والاعلان عن برنامج خاص بها للتسهيل الكمي يتضمن اجراءات أخرى. أما البرازيل التي اتهم وزير ماليتها واشنطن باشعال حرب عملات عالمية فأعلن عن مضاعفة الضريبة على المشتريات الأجنبية للسندات البرازيلية لاحتواء تدفق الدولارات المضاربة على بلاده مما رفع سعر عملتها وهددها بالتضخم. واتخذت بلدان أخرى اجراءات مماثلة للتدخل في أسواق عملاتها منها تايلاند وكوريا الجنوبية والهند وتايوان. إن المركز الأميركي للنظام الرأسمالي العالمي الذي فجر الأزمة المالية العالمية يهدد الآن بحروب اقتصاد وعملات بين اقطاب النظام نفسه. ألم تكن هذه هي المقدمات التي قادت إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية ؟



إن هذه المتغيرات الدولية تشكك في أن الولايات المتحدة الأميركية سوف تظل محتفظة بمركزها القيادي العالمي كقوة لا تقهر قادرة على تجاوز الأزمة الراهنة التي أوهنت قواها. ويمكن في هذا السياق الاقتباس من د. محمد صالح المسفر في تعليقه المنشور في صحيفة القدس العربي اللندنية في الثاني والعشرين من الشهر الجاري على بعض حوارات المنتدى السنوي لصحيفة الاتحاد الاماراتية الذي عقد في أبو ظبي مؤخرا حول العلاقات العربية الأميركية حين أشار إلى "ما كتبه بعض المفكرين الأميركيين من آراء في مجلة فورين أفيرز" الأميركية حول "أفول نجمها كقوة عظمى"، ثم الاقتباس منه بشأن "عوامل الانهيار التي تنخر في جسد أميركا" التي عدد منها على سبيل المثال إفلاس 140 بنكا خلال العام الحالي، وبلوغ حجم دينها العام 10802 تريليون دولار، وارتفاع نسبة الدين العام إلى اجمالي الناتج المحلي من 40 إلى 70 في المئة، وإعلان أكبر شركتين لصناعة السيارات إفلاسهما العام الماضي وهما فورد وكرايسلر وكذلك صناعات أخرى، وانخفاض الطلب على التكنولوجيا الأميركية بعجز قدره 7.2 مليار دولار عام 2006 مقابل فائض قدره 4.6 مليار دولار عام ألفين، وتضاعف العجز التجاري الأميركي ست مرات خلال السنوات العشر الماضية، إلى غير ذلك من مؤشرات الأزمة الاقتصادية التي تتجه نحو التفاقم حسب الكثير من الخبراء الأميركيين، ناهيك عن فشل الولايلا المتحدة العسكري في حروبها منذ فيتنام ثم في أفغانستان والعراق والصومال.



لكن إجراءات التقشف الاقتصادي غير الانسانية ثم إجراءات إنقاذ النخب المالية والاقتصادية الأميركية التي تسببت في الأزمة في المقام الأول على حساب الرعاية الاجتماعية ل"الأقل حظا"، حسب تعبير سيندي شيهان، قد وسع الهوة الاقتصادية والطبقية التي تنخر المجتمع الأميركي من الداخل وهذا عامل انهيار داخلي تدل كل المؤشرات على أنه يتفاقم. كما أن زيادة تدخل الدولة الأميركية في الاقتصاد وإجراءات الحماية الاقتصادية في مواجهة القوى الاقتصادية المنافسة يضرب عصب النموذج الرأسمالي الذي ظلت واشنطن تسوقه عالميا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية باعتباره النموذج الأمثل للمجتمع العالمي مما يهز الأساس الأيديولجي لهذا النموذج ويشير إلى أن الولايات المتحدة إذا لم تحدث معجزة سوف تخسر حربها الأيديولوجية كما بدأت تخسر حروبها الاقتصادية والعسكرية.



إن استعراض التوصيات التي تقدمت بها لجنة العجز في الميزانية التي يشارك في رئاستها ديموقراطي وجمهوري يشير إلى أن عولمل الانهيار الداخلي تتفاقم في الولايات المتحدة، فقد أوصى التقرير الذي نشره في العاشر من الشهر الجاري رئيسا اللجنة ألان سيمبسون وإيرسكاين باولز بخفض الضمان الاجتماعي للمتقاعدين وبرفع سن التقاعد إلى 68 سنة بحلول عام 2050 وإلى 69 سنة بحلول عام 2075، وبخفض الانفاق على الرعاية الصحية، وبخفض عدد العاملين في الحكومة الفدرالية بنسبة عشرة في المئة، وبتجميد الرواتب للموظفين غير العسكريين لمدة ثلاث سنوات، وبالاستغناء عن ربع مليون متعاقد غير عسكري. وهذه التوصيات وغيرها تنسجم مع سياسات إدارة أوباما خلال العامين الماضين التي تمحورت حول انقاذ البنوك، وخفض الأجور، وتوسيع الحرب، وخفض الانفاق الحكومي على الرعاية الصحية. واستنادا إلى الاحصائيات الرسمية قالت وكالة الأسوشيتدبرس إن الفارق في الدخل بين الأغنياء وبين الفقراء الأميركيين "ازداد خلال العام الماضي إلى أكبر قدر مسجل حتى الآن"، لتضيف بأن الفارق في الدخل بين الأميركيين هو الأكبر بين البلدان الرأسمالية المتقدمة.


* كاتب عربي من فلسطين


فردوسُ الحشاشين، ونارُ المعذبين/ عبد الكـريم عليــان


إن الأُلي بلغوا الكمال وأصبحوا
ما بين صحبهم سراج النادي

لم يكشفوا حَلَك الدَّياجي بل
حكوْا أسطورةً ثم انثنوْا لرُقادِ ....( عمر الخيام )

بعد الانقلاب الدموي على السلطة في غزة، وإحكام الحصار عليها.. لم يجد سكانها من مفر إلا حفر أنفاقا من تحت الحدود بينها وبين مصر الشقيقة في منطقة رفح الحدودية لتهريب متطلبات الحياة التي أصبحت قاسية في غزة.. كانت أول المهربات هي السجائر، وأقراص (الترمال) المخدرة؟! فبعد فترة وجيزة أصبح سعر علبة السجائر بما يعادل دولار واحد فقط ! بعدما وصل سعرها فيما قبل إلى ما يعادل خمسة دولارات.. وبالطبع عند بدء التخفيف من الحصار وضبط عملية التهريب فرضت سلطة حماس ضرائبا باهظة على كل السلع المهربة، وغير المهربة خصوصا السلع الأساسية كالسجائر والمحروقات وغيرها.. لم نسوق مثال السجائر و(الترمال) إلا لأثرهما البالغ على سلوك أهالي غزة المحاصرين والمقهورين، إذ من المعروف أن نسبة عالية من سكان غزة مدمنون على التدخين نظرا لظروفهم الاقتصادية والسياسية السيئة.. أما أقراص (الترمال) المخدرة، فبدأت تشيع وتنتشر بين فئة كبيرة من الشباب، ومن ثم انتشرت بين النساء وكبار السن أيضا.. هذا إن دل على شيء؛ فإنما يدل على الحالة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي وصل إليها أهل غزة نتيجة الانقسام واستغلال إسرائيل لذلك أيضا..

فئة أخرى من الشباب تداوم على تناول هذه المادة، وهي كل العاملين في الأنفاق تحت الحدود المصرية الغزية، والهدف منها أن لا يشعر العامل بالخوف، وتحفيزه على النشاط بحيث لا يشعر بالتعب والملل أيضا.. كذلك فئة المدمنين على المخدرات حيث وصفوا هذه المادة بديلا عن الحشيش، وما هو شائع في تراث بعض المصريين وغيرهم.. أن جزء كبيرا من متناولي هذه المادة يهرعون لتناولها هروبا من واقعهم المأساوي، وبدلا من أن يواجهونه يهربون منه إلى عالم اللاوعي والتغييب.. لكن الغريب! في غزة هو الفئة التي قادت الانقلاب المشهور حيث كان معظمهم مغيبا عن الوعي.. وشيع في حينه تناولهم لهذه المادة التي سمحت بقتل أكثر من ثماني مائة، غير الجرحى والمشوهين فضلا عن التدمير الهائل لعدد من المؤسسات والبيوت، وهم يشعرون بالغبطة والسرور.. وهاهم اليوم بعد أكثر من ثلاثة سنين سعداء غير مبالين بمعاناة الناس وآلامهم، وغير مستعدين للمصالحة وعودة الأمور إلى نصابها.. ولا هم بالقدرة الكافية لمحاربة إسرائيل كما كانوا يدعون، بل على العكس من ذلك أصبحوا الحرس الأول في الدفاع عن حدودها.. وما لم تستطع السلطة القيام به في السابق تجاه إسرائيل يقومون به هم الآن..! من لا يتذكر مقولة الرئيس الفلسطيني في غزة بالصواريخ العبثية؟! ماذا تقول حماس اليوم عن هذه الصواريخ؟؟ على لسان أحد زعمائها المتشددين، حيث وصف مطلقي الصواريخ بالمتمردين..؟!

هنا غزة.. فئة تعيش في الفردوس، تبسط يدها على كل شيء.. تغدو بخيلاء.. تغيظ الناظرين، وتقهر المعذبين.. هكذا هي غزة تذكرنا بالتاريخ الغابر في زمن الإمبراطورية السلجوقية الإسلامية حين أراد المدعو حسن علي الصباح (430ـ 518 هـ ) من (قم) الفارسية والذي أسس فرقة الإسماعيلية الانتقام من ملكشاه (نظام الملك)، وهو أحد أبناء (ألب أرسلان)؛ فبنى قلعة حصينة على جبل (ألموت) يصعب على أعتى الجيوش وقتها في الوصول إليها، فأسس فرقة الحشاشين من الجند المخدرين في الغالب، وقيل فيهم روايات كثيرة، أصدقها الرأي القائل: إنهم يفعلون ذلك بسلطان من الحشيش، تعبيرا عن عدم وعيهم بما يفعلون.. وصاحب نظرية القيامة، حيث بنى جنّة في ذلك المكان لرعاياه الحشاشين، ويذكر أن حسن الصباح الإمام الأعظم، مالك كل الأسرار يقيم في ذروة السلم التراتبي تحفّ به حفنة من المبشرين الدعاة. ويأتي بعدهم مباشرة الرفاق، وهم كوادر الحركة، وإذ تلقوا التعليم الملائم فإنهم مؤهلون لقيادة قلعة أو إدارة التنظيم على مستوى مدينة أو قرية، ولسوف يصبح أكثرهم كفاية دعاة ذات يوم. ويأتي في أسفل السلم "اللصقاء" أي المضمومين للتنظيم، وهم المؤمنون الذين يشكلون القاعدة ولا يتمتعون باستعداد خاص للدراسة ولا لأعمال العنف، وبينهم الرعاة وعدد من النساء والعجائز، ثم يأتي "المجيبون" أي المريدين. ويتلقون تعليما أوليا، ثم يدفع بهم بحسب قدراتهم إما لدراسات عليا فيصبحون رفاقا، وإما إلى جماعة المؤمنين، وإما إلى الفئة التالية التي تمثل قوة حسن الصباح الحقيقية، وهي فئة "الفدائيين" وكان الإمام الأعظم يختارهم من المريدين المتمتعين برصيد عريض من الإيمان والحِذق والطاقة على احتمال المشاقّ، ولكن بقليل من الكفاية للتعلم. وما كان قط ليرسل للفداء رجلا مؤهلا لأن يصبح داعية. قيل في حينه: ليس في وسع أحد أن يناقض القول بأن حسن الصباح قد نجح في بناء أشد آلات القتل هولا في التاريخ.. واستمر حصنه وفردوسه مائة وستة وسبعين سنة، إلى أن قضى عليه ودمره جيش التتار بقيادة جنكيز خان، كما قضى على الإمبراطورية السلجوقية كما هو معلوم في التاريخ.

يا سادة ! إن المزايا المطلوبة لتولي الحكم غير المزايا المطلوبة للوصول إلى سدة الحكم!! ولكي يحسن المرء تصريف الشؤون عليه أن ينكر ذاته ولا يهتم إلا بسواه، لاسيما بأكثر الناس شقاء.. ولكي يصل إلى سدة الحكم ينبغي أن يكون أشد الناس طمعا، وألا يفكر إلا في ذاته.. وأن يكون مستعدا لسحق أقرب أصدقائه إلى قلبه.. حتى أخيه، أو ابنه، أو أبيه...!؟

وعد بلفور حرب كونية/ هبه عياد


.... في الثاني من تشرين الأول من العام 1917 حين كانت الحرب الكونية الأولى , تضع أوزارها , لم يكن شعبنا الفلسطيني الطيب, يدرك كنه كرم وزير خارجية بريطانيا العظمى , الذي تجلى عن منح (( اليهود )) وطناً قومياً في فلسطين , ربما لأنه كان شعباً (( لا يتعاطى )) السياسة . ولا يرى في بعض اليهود المقيمين بين ظهرانيه سوى أناس قلة , لم يخطر بباله أنهم قادرون على طرده من أرضه , وربما كان هؤلاء البعض أيضاً , لا يدركون في حينه ألاعيب هرتزل ورفاقه . التي أثمرت مخطط الإستيلاء على وطن , أخذ خطوته العملية _ العالمية الأولى , بما ظهر أنه مجرد وعد ....
أما شيوخ السياسة عندنا.. فقد عارضوا الوعد الذي أعطى بموجبه من لا يملك حقاً لمن لا يستحق , فبدا الوعد غير الشرعي ضرباً من الجنون , لا يحمل في طياته سوى سطوة الإتكاء على قوة الدولة العظمى , يفتقر إلى قوة الحق التي تهز الجبال , فتاهو بين أورقة المباحثات والمفاوضات , وضاعوا في غياهب الوعود البيضاء , والتعاطي مع لجان الوساطة .
وفيما تلا من سنين وأيام , أخذ غبار جعجعة (( أولي الأمر )) يجلو شيئاً فشيئاً عن حقائق واقعية فاجعة . حين أخذ الجور يشق طريقه بين قوة الجبروت الإستعمارية . وسياسة أولي الأمر التي تتوزع بين العجز والتواطؤ . وما هم تمضي الأسباب , وتأخذ الأوهام شكلها , وتكتسي الأضاليل عظماً ولحماً , فتصير كياناً مفتعلاً , ينتصب في وجوهنا ويجثم فوق أرواحنا . وتتوالد النخب عجزاً مستمراً , ينتهي بالكارثة . ولا يفيق الشعب الطيب من صدمته . إلا وقد وجد نفسه خارجاً من جغرافيا الوطن , الذي ما يلبث أن يتشكل حلماً محفوراً في كل ذاكرة وفي كل وجدان .. وطناً تخط بحروفه مفردات الشعر ,, وترتسم بألوانه اللوحات والطائرات الورقية . يدغدغ مخيلات الأطفال . ويؤطر اسمه شكل لثغات كلماتهم الأولى . تماماً كما يهب نسيم بارد وطري على ذاكرات الشيوخ , وتصير فلسطين مشكلاً لخندق فدائي ,, تعبر من فوهة بندقية , وتتحدد بشكل رصاصة تتجه صوب الإحتلال , أو كلمة حرة رافضة أو فعل إنتفاضي جريء .
وبقدر ما صارت فلسطين حلماً . كانت رمزاً لكل من هو نبيل ومشرق في تاريخ وأحلام أمتنا بأكملها , وكانت أيضاً واقعاً يتضاءل في السياسة , فبين وعد يتبعه التقسيم,, واحتلال ينفيها من واقع الجغرافيا , وتوقيع يسعى إلى وضع حد للمطالبة بها , كانت فلسطين في الواقع تتراجع من الإنشطار إلى التلاشي ..
لكن الحقيقة التي تبقى رغم كل شيء ساطعة كالشمس لا يحجبها غربال السياسة المتهافته أن (( إسرائيل )) التي أخذت شكلها الدموي , بعد أن تسلحت حزمة من الأوهام , لدى أصحابها , بوعد من رجل متنفذ في دولة عظمى , ما كانت يوماً حقيقية أكثر من فلسطين , التي تبقى حلماً تمتد حدودها كخيوط الشمس بين ثنايا صدور الملايين وطيات وجدانهم وتصير فعلاً كامناً يوماً , وظاهراً يوماً , حتى يجيء اليوم الذي تقهر فيه قوة الحلم الوطني النبيل قوة الجبروت الطاغية , ويطغى منطق التاريخ على قسوة الواقع الإستبدادي,,,

شيعة الحق/ الكولونيل شربل بركات


في تاريخ جبل عامل بعدا إنسانيا نما وتجذّر في تلال القلة المصحوبة دوما بالكفاية من رحمة الله، وهذه جعلته موئلا للأحرار في الكثير من المرات وملجأ للمظلومين كالعديد من المناطق اللبنانية.

وفي العودة إلى وقائع التاريخ نجد بأن عاملة شكلت جزءً من الحلف الذي حارب الإسلام في غزوة تبوك ولكنها استقبلت أبو ذر الغفاري، الصحابي المعروف، لاجئا من جور معاوية. ليس هذا فقط ولكن جزءً كبيرا من أبنائها تشيعوا مع أبي ذر هذا محافظين على روحية وتراث تجذرا في الأرض ونبتا فيها دفاعا عن المظلوم ومساندة لمبدأ الحرية، وهذا نفسه ما تخبرنا عنه رسائل تل العمارنة قبل ذلك بألفي سنة. فهذه الأرض قد أطلق عليها الكتاب المقدس اسم جليل الأمم لكثرة الشعوب التي تآلفت وسكنت فيها جنبا إلى جنب منذ عز صور وتقاليد التسامح والتعاون والانفتاح التي ميزتها عن الكثير من حضارات المحيط.

شيعة الجنوب إذا لم يكونوا مرة مع الظالم ضد المظلوم ولا مع الأكثرية ضد الأقلية. لقد تعلموا أن الإنسان قيمة بحد ذاته وهو، مهما تلون، له الحق بالحياة الكريمة طالما لم يعتد على حق الآخرين بمثل هذه الحياة، وتعلموا أيضا أن الظلم أبدا إلى نهاية والظالمين مهما بطشوا إلى زوال.

لقد امتلأت تلال الجنوب بالقبب ومزارات الأنبياء وأوليا الله عز وجل منذ القديم من الزمن وحتى اليوم من شمع المطل على البحر إلى محيبيب ويوشع وعويضة التي تناجي الحرمون إلى طاهر وسجد ومليخ وصافي التي تلاقي خلوات الدروز وصوامع المسيحيين والكثير من الأولياء الزاهدين في الدنيا المدافعين عن الحق، حتى أن من تبع هذا المذهب وسكن هذه المنطقة حمل دوما أسم شيعة الحق. فأين هؤلاء ممن يدعون اليوم بأنهم حماة الشيعة في لبنان والمدافعين عنهم؟

لقد صدّر شيعة الجنوب الفكر المتعالي والزاهد بالدنيا والملتزم بآيات الله إلى شعوب وملل فكانوا المعلمين في النجف الأشرف بالعراق وحتى في مراكز الفقه في إيران الصفوية. ولكن ما نراه اليوم، في ظل التقاتل على المصالح الخاصة والتفتيش على أسباب التفرقة ودس الحقد بين الناس، يبعد كل البعد عن قيم وأصالة شيعة الحق حتى وكأنه أصبح منهجا مخصصا لتشويه صورة هؤلاء الذين حافظوا على تراث هذا الشعب، لا بل على حضارة الإنسانية الزاهدة والمترفعة عن الصغائر والتي اعتمدت جوهر تعاليم الله منهلا لتبني فلسفة الحق المطلق الذي يشمل الكل ويدافع عن وجودهم الكريم وحريتهم باختيار التفاصيل.

إن الأخطر بما يقوم به من أطلق على نفسه لقب حزب الله هو أن يتولى أصحاب العمائم مهمة زرع الفتنة والحث على القتل والدفع إلى البغضاء فأين هؤلاء من طهر الأئمة الحقيقيين ومن دعوات الزاهدين بالدنيا المدافعين عن الحق والمطالبين بالعدل؟

لقد سلك الإمام الأوزاعي السني المذهب مسلك هؤلاء في الدفاع عن المظلوم والدعوة إلى العدل فكان أن بقي اسمه بين اللبنانيين عبر العصور واحدا من الذين شكلوا أعمدة هذه الأمة لأنه ساند المظلوم ضد الظالم وهي ميزة أبناء هذا الجبل. أما المغالاة والتطرف والتصور بأن لنا وحدنا الحق بالانتقام من الآخرين وفرض الهيمنة عليهم ودفعهم إلى الخضوع لإرادة بعض المتزعمين، ولو في ظل العمائم، فإن ذلك يبعد كل البعد عن جوهر العلاقة الإنسانية التي ميزت سكان لبنان وطبعت هذه المنطقة بالانفتاح وروح التسامح والتعالي عن المصالح الخاصة والصغائر. فأين حزب الله من شيعة الحق وهل من أمل أن نسمع مجددا أصوات الأئمة الصالحين يدعون للخير وينهون عن الشر؟

إن تاريخ لبنان والجوار حافل بفئات كثيرة اعتقدت بأنها تستطيع أن تقهر الآخرين وتذلهم وتقدر أن تستقوي بمن يشكل قوة وسلطة في الجوار لترهب الجار أو الرعية، وهذا التاريخ نفسه واضح كل الوضوح بأن هؤلاء يزولون بنفس البساطة التي اعتقدوا بأنهم يفرضون غيهم على الآخرين، من هنا الدعوة إلى العقلاء ممن ينتمون إلى شيعة الحق ولا يزالون يذكرون أيام الظلم ويعرفون معنى التعاون الإنساني لمنعه من السيطرة على الجار والقريب بالقوة التي إنما تستدرج الاستبداد؛ فالقهر يسهم في تفشي مثيله، والظلم مرض معدي، والأيام الحالكة ولو اعتقدنا بأنها تفرض على الغير، ستفترس الطمأنينة، التي طالما دعونا الله أن يديمها، والخير الذي تضرعنا كلنا لكي تمطره السماء علينا، دعوتنا ألا تصمت الأفواه وألا نقبل بالأمر المفروض وألا نماشي الحاقدين ونسايرهم.

إن حزب الله الذي وصلت به الوقاحة حد التشاوف بأنه قادر على ممارسة القهر وعلى القتل بدون رادع وعلى مقاومة العدالة في موضوع الجرائم وكشف فاعليها، وهو يهدد كل يوم بافتعال الفظائع لتغطية المجرمين تحت شعارات وأوهام ليست أبدا من شيم شيعة الحق، هو بالتأكيد من الخوارج الذين يرفضون عدل السماء ويشحذون سيوفهم لإذلال الناس وفرض شريعة الغاب على بلد كان دوما هيكل الله وملجأ المقهورين في هذا الشرق وموئل الأحرار الذين نهلوا من منابعه وتربوا على قيمه ومبادئ شعبه.

فيا شيعة الحق لا تخافوا ممن يقتل الجسد ويحاول أن يكم الأفواه لأنكم عانيتم الكثير عبر تاريخ لبنان الطويل وسوف تخرجون من هذه التجربة بإذن الله أكثر إدراكا لمعاني الحق وتعلقا بقوة العدل وإيمانا بأن الله سامع مجيب ونعرف أن الكثيرين منكم يناضلون بصمت لمنع القوة الغاشمة من وأد الأمل وطمس مفهوم الحق وتشويه صورة لبنانكم.

ويا أبناء لبنان أصمدوا ولا تخافوا فإن جذوركم الضاربة بالأرض كالسنديان لن تقتلعها ترسانات الحقد أو مقولات الإعلام المأجور الذي يحاول أن يرهبكم بالكلام عن السلاح حينا وبالفتنة التي يغذي أحيانا أخر. لا تخافوا لأنكم الخميرة الصالحة والبذرة التي تنبت العدل وتدافع عن الحق. وإن الله القادر على كل شيء سينقذ بلدكم طالما بقي فيه من يدعو للخير ويعمل له فقصورهم إلى زوال والتاريخ شاهد على أمثالها وصواريخهم ستلتهمها النيران كما التهم الصدأ سيوف من سبقهم وحقدهم سيرتد وبالا عليهم كما تعلمنا الكتب وتقاليد الأجداد ولا يبقى إلا وجه الله كما يقول الموحدون الدروز (الدايم دايم وجه الله)، ومن تجرأ عليه وشوه اسمه وغير جوهر دعوته له القصاص الكبير.

تورونتو – كندا

الإيمان بالوطن ضمانة لخلوده/ حميد عواد

يشتهي اللبنانيّون توفّر الإمكانات للدولة كي تمسك بزمام الأمور وتبسط نفوذها وإدارتها في كل مرافق الحياة الوطنية دون أن يعيقها متطفّل أو منافس ذو مصلحة خاصة، فيشعروا بالإطمئنان والإستقرار و ينعموا بحياة هانئة.

لقد توّجت "ثورة الأرز" مسيرة طويلة وشاقّة زاخرة بالتضحيات النفيسة لأحرار لبنان لحماية ديمقراطية النظام والهوية المدموغة بالتراث الغني والمزيّنة بوسام و مهام الرسالة المميزة التي إنتدب حاملوها لها.

الولاء للوطن و التفاني في خدمة أهله و مؤسساته هو أسمى تجلّيات المواطنيّة.

الوفاء له لا يحتمل إعتناق ولاء مناقض لقيمه ودستوره و قوانينه ورسالته.

فالولاء لعقائد تناقض أسس كيان الوطن هو قنبلة موقوتة تنفجر في أحشائه متى فرض فقه العقيدة ذلك.

لقد تمسّخ الولاء المذهبي عند بعض الجماعات بشكل خطير جعله حشوة متفجّرة تنكّرت بشعار مواجهة الإحتلال لتلهب صراع نفوذ حاد في الشرق الأوسط وأبعد منه و تطلق المجازر الإرهابيّة.

لا يتورّع منحرف الولاء عن إحراق وطن ليقدّمه أضحية لوليّه واضعاً جمره في مبخرة التبجيل وماحياً آثار آثامه كأولائك المتفحّمي القلب والضمير الذين يحرقون غابات أشجار لبنان النادرة والمعمّرة لهوس تخريبي وإستيلائي أو لمجرّد صنع فحم يجنون منه مالاً حراماً.

تحلّ ذكرى إستقلال لبنان في ظروف ملبّدة بالضغوط ومشحونة بالتهديدات لإنكار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ونفض اليد من القرار الإتهامي الوشيك الصدور لأن الفريق اللبناني اللصيق بالنظام الإيراني والحليف للسوري أستشعر منذ زمن أنّ الإتهام سيطاله.

لذا يمارس، مدعوماً من عرّابيه المتوجّسين، شتّى أنواع الضغوط ويثير قضيّة "شهود زور" وخرق إسرائيلي لقطاع الإتصالات لجعلهما منفذاً للطعن في صدقيّة الإدعاء ولمدّهما جسراً لإعاقة عمل المحكمة.

وبما أنّ هذه المماحكات لا تؤثر على عملها المستقلّ يجري نقاش سعودي-سوري ومواكبة إيرانية وقطريّة وتركيّة لإجتراح صيغة عجائبيّة تكبح بسحرها جماح المهووسين بنزعة الهيمنة والمنتشين ب"تفويض مارس(إله الحرب)" والمفتونين برهبة القوّة و "طرب" قرقعة السلاح علّهم يهدأون ويستقرّ الوضع في لبنان.

الولايات المتحدة الأميركيّة أعلنت بحزم دعم الدولة ومؤسساتها والنظام والأطر الشرعية وأوروبا كذلك وفرنسا عرضت "سان كلو 2" للتأكيد على جدّية الإهتمام بالإستقرار في لبنان وللتحذير من خطورة عواقب السلوك الإنقلابي والإضطراب الفوضوي.

لقد ترسّخت القناعة الدولية -وقساوة الوقائع تشهد- أنّ اللبنانيين حُمّلوا فوق طاقة القدرة البشرية أوزار صراعات المنطقة و جُعلوا أكباش محارق الآخرين.

فقد تناوب تكراراً الحاقدون المجرمون على جعل حياة اللبنانيين جحيماً بإثارة الفتن وإفتعال الصدامات وشنّ الإعتداءات ونسف المساعي الحميدة وزهق الأرواح ونزع عوامل الصمود الماديّة والمعنويّة وإغتيال الأمل وفرص الفرج والفرح والرجاء بالخلاص، تسريباً لليأس إلى النفوس.

وحوّلوا مناسبات الحبور والإعتزاز إلى ذكريات مأساويّة منها الإغتيالان المفجعان اللذان غيّبا الشهيدين الرئيس رينيه معوّض والنائب والوزير بيار الجميّل فإنطبعا في الضمائر الوضّاءة مع ذكرى عيد الإستقلال.

الإستقلال منغرز في عقول ووجدان وتوق وسلوك أبناء الوطن النبلاء الأباة المبدعين الوثّابين إلى الخدمة والعزّة والعُلا.

وهو مكرّس في الدستور و القوانين والمؤسسات وفي أدوار مارسها حكماؤه وفطناؤه داخل الوطن وفي المحافل الدولية.

لكنّ إستهدافه وإختراقه بالمكائد المعقّدة والمتتالية المصمّمة من أنظمة دول وتنظيمات عسكريّة مرتبطة بها عرّض الإستقلال لهزّات عنيفة تجاوزها حرّاسه حافظين الوديعةَ لكن مثخنين بالجراح مضرّجين بالدماء مثكلين بالشهداء.

إستقلال لبنان بذلت في سبيله الأرواح الغالية والثروات الوافرة.

الثروات تُحتسب لكنّ المُهَجَ العزيزة لا تُعوّض و رصيد الجهود الغزيرة المصبوبة لدفعه قدماً لا يُقدّر بثمن.

الذات اللبنانية الأصيلة هي لُبُّ الوطن الدائم الخفقان يضخّ في عروقه ترياق العافية وإكسير الحياة ورحيق المحبّة وعصارة الوفاء ومصل الصلابة والمناعة.

إنّها باعث النهوض وشعلة الحريّة وثورة العنفوان وشبكة الأمان.

أمّا الذات الهجينة التي كرّست ولاءها وإيمانها وعملها ونشاطها لخدمة عقائد شمولية تناقض أسس الوطن إنحرفت عن السراط القويم و إنخلعت عن جذعها و صوابها وتألّبت على أبناء وطنها وسلخت دويلتها لتتقوقع فيها.

لبنان جنّة جحد بروائعها القبليّون من أبنائه وسرّبوا إلى مجتمعه وأرضه جفاف الفكر وعصبيّة القبليّة وقحل الصحراء فيما حافظ على يناعه وخصبه وإبداعه أبناؤه الميامين.

إن أصرّ القبليّون على نمط عيشهم ورفضوا الإنخراط في كنف الدولة فهذا تكريس لإنفصالهم.

أمّا أن ينكبّوا على تجفيف واحة الشرعية وتعقيم مؤسساتها ونحر أهلها أو إكراههم على الإنتحار فهذا كابوس مستحيل ينقلب فيه السحر على الساحر.

لبنان المعاصر المشرق على الكون يحلّق بجناحيه (المقيم والمغترب) ويتوثّب نحو مستقبلٍ زاهر متجذّر في تاريخ مجيد وممهورٍ تراثاً غنيّاً محميّاً من صفوة وأحرص أبنائه فلا خوف على تلاشيه في سراب و قحط الصحراء.

نَسْغ الأرز في عروقنا يتمدّد خلدك لبنان في إيماننا يتجدّد

*مهندس وأكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية

غزة رهينة عملية السلام/ نقولا ناصر


عندما أطلقت إدارة باراك أوباما الأميركية "المفاوضات المباشرة" بين رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية وبين دولة الاحتلال الاسرائيلي أوائل أيلول / سبتمبر الماضي، كتب خالد أبو طعمة (17/9) يقول إن الولايات المتحدة "تبدو وقد نسيت تماما قطاع غزة. وربما تدفن واشنطن عمدا رأسها في الرمال"، "ربما أملا في أن تدفع صفقة سلام (يتم التوصل إليها) حماس وسكان قطاع غزة إلى السعي لصفقة مماثلة"، وتساءل عما إذا كان باراك أوباما وهيلاري كلينتون قد فكرا في ما إذا كان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، سيكون قادرا في أي وقت على تنفيذ أي اتفاق للسلام في قطاع غزة، ليخلص إلى الاستنتاج بأن "المفاوضين الفلسطينيين والاسرائيليين وراعيهم الأميركي ما زالوا يتجاهلون الحقائق على الأرض" وبأنه سيكون "من المفيد أكثر لعملية السلام لو أن واشنطن طالبت بأن يجد عباس حلا للانقسام بين الضفة الغربية وبين قطاع غزة قبل جره إلى طاولة التفاوض".

وبغض النظر عن كون أبو طعمة يعمل مراسلا لإحدى صحف دولة الاحتلال (الجروزالم بوست)، فإنه قد أوضح تماما بأن انهاء الانقسام الفلسطيني الجغرافي والسياسي هو الأولوية التي يجب أن تحتل رأس جدول الأعمال الوطني الفلسطيني وجدول أعمال أي عملية جادة للسلام على حد سواء. لكن استمرار "شركاء السلام" في تجاهل قطاع غزة والحصار الخانق المفروض عليه وتجاهل حقيقة أن نجاح أو فشل أي عملية للسلام يتقرر في القطاع في نهاية المطاف، واستمرارهم في منح الأولوية لاستئناف المفاوضات، مباشرة كانت أم غير مباشرة، علنية أم سرية، إنما يؤكد فقط أنهم يسعون إلى عملية عنوانها السلام مطلوبة في حد ذاتها ولا تستهدف السلام حقا، ويؤكد أن هذه العملية غير جادة على الاطلاق ولا تعدو كونها ملهاة تستهدف بيع الوهم للشعب الفلسطيني وتضليل أنصار السلام الحقيقيين في أوساط الرأي العام العالمي وشراء المزيد من الوقت لدولة الاحتلال كي تخلق المزيد من الحقائق على الأرض في الضفة الغربية لنهر الأردن المحتلة منذ عام 1967 التي تنسف أي امكانية واقعية متبقية ل"حل الدولتين" كقاسم مشترك بين هؤلاء الشركاء.

وقد لاحظ كارل فيك في تقرير نشرته مجلة "تايم" الأميركية في السابع عشر من الشهر الجاري بان المدة التي توقفت خلالها محادثات السلام هي تقريبا ضعف المدة التي كانت جارية خلالها، لتتحول الآن ربما إلى "عرض ألعاب"، ليقتبس من استاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية يارون إيزراحي قوله إن ما يجري الآن هو "تظاهر بعملية سلام".

في الرابع عشر من تشرين الأول / أكتوبر الماضي قال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية "حماس"، خالد مشعل، لمجلة نيوزويك الأميركية إنه "ينبغي على الادارة الأميركية أن تسمع منا مباشرة"، موضحا أن الحركة ستقبل بأي اتفاق توافق عليه اغلبية الشعب الفلسطيني، ومذكرا بوجود "برنامج يشارك فيه كل الفلسطينيين: القبول بدولة فلسطينية على حدود 1967 عاصمتها القدس، مع حق العودة، .. وسيادة على الأرض والحدود، وبلا أي مستوطنات"، وفي أكثر من مناسبة عرضت الحركة هدنة لمدة عشر سنوات مقابل دولة كهذه. ومن الواضح أن الراعي الأميركي "لعملية السلام" لا يريد أن "يستمع مباشرة" إلى حركة حماس إما لأنه لا يستطيع معارضة المفاوضات التي تسعى دولة الاحتلال إليها لتقاسم الضفة الغربية بين الفلسطينيين وبين المستوطنين اليهود فيها، مما قاد إلى الطريق المسدود في عملية التفاوض الجارية منذ تسعة عشر عاما، وإما أن واشنطن تسعى فقط إلى مجرد "عملية إدارة صراع" بانتظار حسم حربيها على العراق وأفغانستان حيث يتسنى لها آنذاك إملاء شروط للسلام لا تختلف عن شروط الاستسلام تريد هي وحليفها الاسرائيلي فرضها على المفاوض الفلسطيني، ولا يوجد أي تفسير آخر لرفض واشنطن "الاستماع مباشرة" إلى حماس، وهي ترفض ذلك على الأرجح لأن الحركة تعرض إطارا ومرجعيات للتفاوض على دولة فلسطينية حقيقية ذات سيادة فعلية تتناقض تماما مع إطار ومرجعيات عملية التفاوض على تقاسم الضفة الغربية الجارية منذ عام 1993 والتي لم يعد يوجد في الأفق ما يشير إلى أنها سوف تتمخض عن أي نتيجة أخرى غير الفشل.

لهذه الأسباب على وجه التحديد ما زال "شركاء السلام" غير العرب يصرون على تصنيف حماس كمنظمة "إرهابية"، فهذا التصنيف فقط هو الوحيد الذي يمنع "الاستماع مباشرة" إلى رؤيتها ومرجعياتها للتفاوض، وهي رؤية تحظى بتأييد أغلبية شعبها كما أثبتت نتائج الانتخابات التشريعيى للحكم الذاتي الفلسطيني أوائل عام 2006. بل وتحظى بموافقة أغلبية فصائل المقاومة الفلسطينية سواء المؤتلفة في إطار منظمة التحرير أو تلك التي تعمل خارج إطارها كما أثبتت معارضة فصائل منظمة التحرير لاستئناف المفاوضات المباشرة مؤخرا. وقد أثبتت الحركة حرصها على الانجاز الوطني المتمثل في الاعتراف الدولي بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد لشعبها في سلسلة طويلة من الاتفاقيات للمصالحة الوطنية التي نصت على تفعيلها تم التوصل إليها في القاهرة وبين الأسرى في سجون الاحتلال ومكة المكرمة وصنعاء، وأثبتت خلال تاليف حكومة الوحدة الوطنية حرصها على ثنائية المقاومة والتفاوض وعلى صلاحية منظمة التحرير في التفاوض، وبالتالي اسقطت كل الذرائع التي تساق لرفض منحها ما تستحقه من شراكة في صنع القرار الفلسطيني، وللاستمرار في حصارها داخل القطاع وملاحقتها خارجه، ولرفض "الاستماع المباشر" إليها. إن التذرع بميثاقها للاستمرار في إقصلئها وعزلها ومحاصرتها ومطاردتها هو ذريعة لا تقل تهافتا عند مقارنة ميثاقها بميثاق فتح الذي يتفق مع ميثاقها في الجوهر وإن اختلف عنه في اللغة، أو مع مواثيق الأحزاب السياسية الحاكمة أو الممثلة في "كنيست" دولة الاحتلال الاسرائيلي التي تجهر بمعارض "حل الدولتين" واتفاقيات أوسلو و"عملية السلام" الجارية، والأحزاب الأربعة الداعية إلى مؤتمر "الأردن هو فلسطين" المقرر عقده بتل أبيب في الخامس من الشهر المقبل الممثلة بسبعة مقاعد في الكنيست ليست إلا مجرد المثال الأحدث.

إن المسؤولين "غير الأميركيين" الذين زاروا غزة، بدءا من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي- مون بعد العدوان الشامل على القطاع قبل عامين وانتهاء بوزير الخارجية الألماني غويدو فيسترفيله مؤخرا ومرورا بنظيره الفنلندي الكساندر ستوب الشهر الماضي ومفوضة السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي البارونة البريطانية كاثرين اشتون في تموز / يوليو، كانوا أميركيين في "دفن رؤوسهم في الرمال" عندما رفضوا اغتنام الفرصة ل"الاستماع مباشرة" إلى قادة حماس في غزة، مكتفين بالبحث عن "دراسة طرق محددة لتحسين الوضع الانساني" في القطاع كما قال أندرياس بيشكى الناطق ياسم فيسترفيله عن "الهدف" من زيارة وزيره، وهو وضع لا يمكن أن يتحسن جوهريا طالما ظل كل هؤلاء وغيرهم ممن يدعون السعي إلى السلام يتجاهلون الحقائق السياسية الفلسطينية القائمة على الأرض.

ولم يعد أي مراقب محايد يجادل في أن "شركاء السلام" جميعهم إنما يحاصرون قطاع غزة كرهينة لعملية السلام، وبما أن هذه العملية لا تنبئ بأي نهاية لها في الأجل المنظور، فإن هذا الحصار سوف يستمر طالما ظلت هذه العملية على قيد الحياة، وأي اختراق فيها قد يشير إلى نجاحها سوف ينذر فقط بأن القطاع معرض لعملية عسكرية دموية لاجتثاث المقاومة منه كشرط مسبق لانجاحها، أو كشرط مسبق لتحقيق اختراق فيها، مما يفسر التحذير من "مخطط اقليمي ودولي" لضرب حماس "خلال المرحلة المقبلة"، كما حذر النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي د. أحمد بحر في التاسع من الشهر الجاري ويفسر كذلك "المخاوف" التي أعرب عنها مؤخرا وكيل وزارة الخارجية بغزة د. أحمد يوسف من عدوان جديد تشنه دولة الاحتلال الاسرائيلي "تخرجها من حالة الاختناق التي تعيشها والادانة الدولية من قبل المجتمع الدولي عن طريق "شيطنة" حركة حماس وربطها ب"القاعدة" بالرغم من أن الحركة تمثل اتجاها "وسطيا" بعيدا "كل البعد عن قناعات القاعدة" ويتمتع بقدر عال من "الاعتدال" ورغبة "في التواصل مع المجتمعات الغربية". أما إذا انهارت "عملية السلام" نهائيا فإن انهيارها سوف يسقط مرجعياتها وإطارها ومفاوضيها وربما عندئذ تصبح رؤية حماس ومرجعياتها وإطارها ومفاوضوها جديرة ب"الاستماع المباشر" وبديلا لاستراتيجية جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية أساسها وحدة وطنية مبنية على شراكة وطنية حقيقية تكون مقاومة الاحتلال بكل أشكالها هاديها وحاديها.
* كاتب عربي من فلسطين

وقفة على النقاط التدميرية في نصوص مسودة قانون العراقية للمجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية ، ومقترح حول الية التصويت/ محمد الياسين


ان خروج المقترح الأمريكي إلى النور بإستحداث المجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية جاء كصفقة حل لإرضاء كافة الاطراف المتنافسة ولإنهاء الآزمة السياسية بين العراقية ودولة القانون على تشكيل الحكومة تحت عنوان تقاسم السلطة والشراكة الوطنية ، وبما ان المصلحة الأمريكية – الإيرانية قد أتفقت على دعم المالكي رئيساً للوزراء لولاية ثانية جاء المقترح الأمريكي لإرضاء القائمة العراقية بإعتبارها الفائزة بالمركز الاول في الانتخابات واستحقاقها هو تشكيلها الحكومة ، ومن جانب آخر هو ضرب عصفورين بحجر كما يقول المثل ، فمن جهة أبقت المالكي رئيساً للوزراء ومن جهة استحدثت رئاسة رابعة في شكل النظام السياسي للبلاد ويقرأ هذا الآمر على أنه تقويض لصلاحية رئيس الوزراء في حال استفرد الأخير بالسلطة ( الدكتاتورية ) ، رغم ان مسودة القانون المقدمة من قبل العراقية بخصوص المجلس تطرقت في الفقرة السابعة من مهام المجلس الى ان القرارات التي تسن داخل المجلس يجب ان لا تتعارض مع الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ، كما ووضحت طبيعة عمل المجلس وصلاحياته ومكوناته الرئيسية والفرعية ، وبإعتقادي ان أهمية المجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية لا تقل أهمية )كما هو مطروح في مسودة القانون( عن الرئاسات الثلاث أن لم نقل أهم في حال توفر الغطاء القانوني للمجلس من خلال التصويت داخل مجلس النواب لقانون يعطي الغطاء الشرعي الكامل للمجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية وصلاحياته وعمله واعتماده كأحد المكونات الأساسية للنظام السياسي في البلاد .

كما ووضحت القائمة العراقية في مسودة قانون المجلس عن طبيعة الاختصاصات التي سيتناولها وطبيعة المهام واظهرت عن صلاحيات واسعة للمجلس في الشؤون السياسة الداخلية والخارجية للبلاد والسياسات الاقتصادية والامنية والعسكرية والخدماتية .

ألا ان النقاط التدميرية في مسودة القانون تكمن في المادة الثامنة من مهام المجلس والتي من شأنها أن تنسف أي قرار يحاول المجلس اتخاذه وخاصة فيما يتعلق بالقضايا المختلف عليها بين الكتل السياسية ، حيث تنص الفقرة الاولى من المادة الثامنة من مهام المجلس : بأنه عند حصول قرار المجلس على نسبة 80% من اصوات أعضاء المجلس يكون غير الزامياً .

كما وتنص الفقرة الثامنة من نفس المادة المتعلقة بمهام المجلس : بأنه عند حصول قرار المجلس على نسبة 100% من اصوات اعضاء المجلس يصدر بقانون من مجلس النواب ويكون الزامياً.

لذا فأن مررت مسودة قانون المجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية بهذه الصيغة لألية التصويت فأنها ستقيد من أداء وصلاحيات المجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية وتجعل منه شكلي وضعيف ومقترحاته مجمدة لا تخرج بصيغة قرارات تسن ويلزم تطبيقها وبالتالي فأنه سيصبح رهينة السلطة التنفيذية لرئيس الوزراء ، وذلك استناداً إلى طبيعة وحجم الخلافات والصراعات السياسية العميقة بين الكتل وخاصة العراقية ودولة القانون ، وبما أن المادة الثالثة من مسودة قانون المجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية تنص على ان المجلس المذكور يضم بعضويته كلاً من رئيس الجمهورية وأعضاء الرئيس ، ورئيس البرلمان ونوابه ، ورئيس الوزراء ونوابه ، ورئيس المجلس الإتحادي ، ورئيس مجلس القضاء الأعلى ، ورئيس إقليم كردستان ، ورئيس حكومة إقليم كردستان ، ووزير الدفاع والداخلية والأمن الوطني والخارجية والمالية والعدل ورئيس جهاز الإستخبارات ووزير البيشمركة ووزير الداخلية في حكومة إقليم كردستان ، فأنه من الصعب جداً بهذه التشكيلة أن يتم الاتفاق على المقترحات المزمع التصويت عليها داخل المجلس كقرارات يلزم تنفيذها من الجهات الحكومية المختصة ، ولن يكون بمقدور المجلس من الخروج بقرارات تغير من الوضع الراهن الذي تعيشه البلاد نتيجة الخلافات المستعصية بين الكتل السياسية المكونة للمجلس والذين لهم الحق في التصويت على قراراته .

وبما ان المجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية جاء كصفقة حل لإنهاء آزمة تشكيل الحكومة واتفاق سياسي بين الكتل الكبيرة على إنهاء الآزمة فأستحدث المجلس لتكون رئاسته من نصيب رئيس القائمة العراقية الدكتور اياد علاوي عوضاً عن تشكيله للحكومة وهو استحقاقه الإنتخابي .

فإقتراحي بهذا الصدد هو في ان تضاف مادة جديدة الى مهام المجلس بعنوان ( صلاحيات رئيس المجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية ) وتنص على إعطاء رئيس المجلس الحق والصلاحية في إستخدام ( الفيتو ) لمنع تمرير اي قرار يطرح داخل المجلس .

وكذلك تضاف فقرة ثالثة إلى المادة الثامنة من مهام المجلس وتنص على تمرير أي قانون يطرح داخل المجلس ويلزم تطبيقه من قبل الجهات المختصة في حال تمت الموافقة عليه بنسبة 45 – 50 % من عدد الأعضاء المخول لهم بالتصويت + فيتو رئيس المجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية .

وبهذه الصيغة يكون إتفاق تقاسم السلطة بين الكتل السياسية واقع حال وساري المفعول من خلال اعطاء مساحة اكبر لمشاركة جميع الكتل في صناعة القرار السياسي وخاصة القائمة العراقية على اعتبار انها الكتلة النيابية الاكثر مقاعد داخل مجلس النواب .


كاتب وسياسي عراقي مستقل

نار التطرّف ستأكل ذاتها/ صبحي غندور


عالم اليوم "تعولمت" فيه مشاعر الخوف وصيحات الكراهية. وربّما يتحمّل مسؤوليّة هذه "العولمة السلبيّة" التطوّر العلمي في وسائل الإعلام وفي التقنيّة المعلوماتيّة، إذْ يبدو أنَّه كلّما اقترب العالم من بعضه البعض إعلاميّاً وخبريّاً، تباعد ثقافيّاً واجتماعيّاً.

عالم العالم لا يعيش الخوف من "الآخر" كإنسان أو مجتمع مختلف في ثقافته أو لونه أو معتقده فقط، بل يعيش أيضاً الخوف من الطّبيعة وكوارثها، ومن فساد استهلاك بشرها.

عالم اليوم يخشى من الغد بدلاً من أن يكون كلّ يومٍ جديد مبعثاً لأملٍ جديد في حياة أفضل. شعوبٌ تعيش الخوف من إرهاب ما قد يحدث في أوطانها، وأخرى تعايش الإرهاب يوميّاً حصيلة احتلال خارجي أو تسلّط داخلي. مجتمعاتٌ تخاف من "أشباح"، وأخرى تعيش الناس فيها كالأشباح! لكن الجميع يشتركون في الخوف من المستقبل المجهول القادم. وكلّما ازداد الشعور بالخوف، ازدادت مشاعر الكراهية لهذا "الآخر" المخيف!

إنَّ العالم يعيش هذه الحالة السلبيّة تحديداً منذ 11 سبتمبر/2001، حيث كان هذا اليوم رمزاً لعمل إجرامي مدفوع بغضب أعمى لا يفرّق بين مذنب وبريء، كما كان هذا اليوم تبريراً لبدء سياسة حمقاء قادها "محافظون جدد" في واشنطن اعتماداً على تغذية الشعور بالخوف من ناحية، ومشاعر الغضب الموصوفة بالكراهية من الناحية الأخرى.

فيوم 11 سبتمبر 2001 كان يوماً لانتصار التطرّف في العالم كلّه، يومٌ انتعش فيه التطرّف السياسي والعقائدي في كلِّ بلدٍ من بلدان العالم، وأصبح بعده " المتطرّفون العالميّون" يخدمون بعضهم البعض وإن كانوا يتقاتلون في ساحات مختلفة.. وضحاياهم جميعاً هم من الأبرياء. وبعد افتضاح أمر هذه السياسة، أميركيّاً ودوليّاً، خرجت أصوات عنصرية في أوروبا وأميركا تُدين الإسلام والمسلمين والعرب بالجملة وليس لمحاسبة أعمال فردية هنا وهناك، لتعيد قسمة العالم بين مجتمعات قائمة على الخوف وأخرى على الكراهية.

في عقد التسعينات من القرن الماضي، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كتب الكثيرون من العرب عن خطط إسرائيليّة لجعل " الإسلام" هو "العدو الجديد" للغرب، والبعض الآخر كتب في أميركا والغرب مبشّراً بنظريّة "صراع الحضارات". لكن كانت كلّها كتابات ومجرّد حبر على ورق إلى حين وقوع أحداث 11 سبتمبر 2001 .

إذن، أليس من الحماقة في الأفعال أو الردود عليها، أن تسير الأمور في العالم الإسلامي بهذا الاتجاه الّذي جرى التحذير منه طوال عقد التسعينات!!

وما هي المصالح العربية والإسلاميّة من تأجيج مشاعر الكراهية لدى هذا الطرف أو شعور الخوف لدى الطرف الآخر على مستوى الشعوب؟!

أصلاً، هي حربٌ فاشلة لنظريّة خاطئة إذا كان الغرب يعتمدها ويكرّر فيها ما قام به مع الشيوعيّة في فترة الحرب الباردة. فالعدو الشيوعي كان فعلاً يحكم دولاً تمتدّ من أقصى شرق آسيا إلى قلب أوروبا مروراً بجماعات حزبيّة منتشرة في معظم أنحاء العالم. وكانت موسكو تمتلك فعلاً قنابل نوويّة موجّهة نحو أميركا وحلفائها الغربيين، فأين وكيف هو واقع حال "العدو الجديد" ؟!. إنّها "حرب الأشباح" لكنّها تستند إلى ممارسات عنفية لجماعات متطرّفة مارست وتمارس الإرهاب في دولها أولاً وضدّ أبناء شعبها، كما حدث ويحدث في عدّة دول عربيّة وإسلاميّة.

قبل نزول الرسالات السماوية، قدّست بعض الشعوب النّار وجعلت منها إلهاً يُعبد. وباستثناء القداسة التي يوليها الهندوس لنهر الغانج، لم يحدّثنا التاريخ – على حدّ علمي- عن تقديس شعب ما أو عبادته للمياه!

فعلى الرغم من أنّ المياه تحوز على "أكثرية الثلثين" من مساحة الأرض ومن جسم الإنسان، فإنّ الشعوب القديمة لم تمنحها ما حازته النّار لديها من قداسة!

الغريب في الأمر، أنّ النّاس أدركوا دائماً، بالفطرة وبالممارسة، ما أكّده النصّ القرآني: "وجعلنا من الماء كلَّ شيءٍ حي"، وبأنّه متى انعدمت المياه فإنّ الهلاك هو مصير الناس والأرض معاً، وبالرغم من ذلك حازت النّار على الأفضلية مع أنّ المياه هي التي تطفئ حرائق النار!!

تُرى، هل هو تأكيد جديد بأنّ الناس، أو لِنقلْ الجهلاء منهم الذين سبقوا عصور الرسالات السماوية، يخافون عادةً ما هو رمز للعنف والهلاك والدمار فيضطرون إلى تقديسه وتكريمه، بينما يتجاهلون ما لديهم وما حولهم من قوّة "ناعمة" في معظم الأحيان، وربّما "لا لون لها ولا طعم ولا رائحة" إنْ كانت نقيّةً صافية، لكنّها حين تكون كذلك، فإنّ الناظر إليها يرى فيها نفسه، كما تعكس كل ما حولها من بشر وطبيعة، فيرى الناس زرقة السماء في مياه الأرض الصافية، ويمتزج جمال نقاء ما هو في العُلى مع صفاء ما هو على الأرض.

اليوم، يعيش العالم أيضاً، هواجس "الاحتباس الحراري" والخوف من "التغييرات المناخية"، ممّا يهدّد مستقبلاً بحالات عديدة من الجفاف أو الطوفان، وممّا سيترك أثراً كبيراً على فصول الاعتدال بالطبيعة (الربيع والخريف)، ويجعل الكرة الأرضية أسيرة الصيف الحار الحارق أو الشتاء البارد القاسي.

وهذا الاختلال في التوازن الطبيعي للمناخ هو على الأرجح من صنع الإنسان الذي استخلفه الله على الأرض لبنائها وإعمارها والحفاظ عليها، فهي أمانة مستخلفة من الخالق لم يُحسن الإنسان رعايتها.

وما يحدث في الطبيعة والمناخ من تطرّفٍ نراه أيضاً في الأفكار والمعتقدات حيث يتّجه الناس أكثر فأكثر لتبعية "رموز نارية" تشعل اللهب هنا وهناك، تحرق الأخضر واليابس معاً، فتذهب ضحية هذه القيادات والأفكار والجماعات، نفوسٌ بريئة وأوطانٌ عريقة!

هو عصر التطرّف في المناخ وفي الأفكار، هو عصر العودة إلى "البدائية" بما فيها تقديس "النار" ومُشعليها، بينما الناس هم حطبها ووقودها، والمسؤولية هنا هي على التابع والمتبوع معاً، وعلى المتقاعسين عن دورهم في رعاية الأمانة وفي الحفاظ على توازن الطبيعة واعتدالها.

لكن الفكر المعتدل المطلوب ليس هو بالفكر الواحد في كلّ مكان، ولا يجب أن يكون. فالاعتدال هو منهج وليس مضموناً عقائدياً.

وقد يكون المضمون دينياً أو علمانياً، وطنياً أو قومياً أو أممياً، لا همّ بذلك، فالمهم هو اعتماد الاعتدال ورفض التطرّف كمنهاج في التفكير وفي العمل وفي السلوك الفردي أيضاً.

فالاختلاف هو سنّة الخلق وإرادة الخالق، بينما دعاة التطرّف اليوم (وهم أيضاً ينتمون إلى أديان وشعوب مختلفة) يريدون العالم كما هم عليه، و"من ليس معهم فهو ضدّهم"، ويكفّرون ويقتلون من ليس على معتقدهم حتى لو كان من أتباع دينهم أو من وطنهم وقومهم.

هو فكر كابوسي جاهلي يستفيد حتماً من أيّة شرارة نار يُشعلها متطرّف آخر في مكان آخر، فالحرائق تغذّي بعضها البعض، لكن النار مهما احتدّت وتأجّجت، فإنّها ستأكل في يومٍ ما – عساه قريباً- ذاتها، حتى لو تأخّرت أو تقاعست عن دورها قوى مياه الإطفاء هنا أو هناك.

عونطـــــــة* إسرائيليــــــة/ نبيـــل عـــودة


الموقف المكرر لرئيس الحكومة نتنياهو، أن القدس خارج أي اتفاق لتجميد البناء، وأن البناء في القدس سيتواصل كما هو، تعني أن إسرائيل غير معنية بالمفاوضات والوصول إلى اتفاق مع الفلسطينيين.
هذا استنتاج بديهي!
ولكن الموقف الآخر الأكثر إثباتا لعقم المحادثات مع حكومة نتنياهو،ضمن طروحاتها المعلنة هو إصرار نتنياهو أن تشمل المفاوضات (إذا جددت على قاعدة تجميد البناء الكامل في القدس أيضاَ)المواضيع الجوهرية ، وليس فقط تحديد حدود الدولة الفلسطينية، وذلك بنهج واضح أن لا تصل المفاوضات إلى إقرار حدود الدولة الفلسطينية ،عبر اغراق المفاوضات بمواضيع لا يمكن حلها الا بعد ان تحدد الحدود الدولية لكل دولة. وعملياً إسرائيل لا تريد إقرار حدود للدولة الفلسطينية لأنها تعني حدوداً دولية معترف بها وأي تجاوز إسرائيلي لهذه الحدود هو تجاوز لحدود دولة مستقلة وعضوة كاملة الحقوق في الأمم المتحدة، وهذا ما لا يريده نتنياهو وفريق حكومته بسبب الاشكاليات الدولية المترتبة على عدم احترام القانون الدولي حول مسالة الحدود .
المهزلة الجديدة، التي اتضحت في الأيام الأخيرة، أن نتنياهو يكذب على شريكته في الحكومة "شاس" فهو يبلغهم من جهة أن البناء في القدس سيتواصل. وهو يواصل ترديد ذلك إعلامياً. غير أن موظف كبير في الإدارة الأمريكية، أبلغ صحيفة "هآرتس" أن نتنياهو "لا يقول الحقيقة لشاس" بما يتعلق بالسياسة الأمريكية حول القدس، وأن الولايات المتحدة، ستطلب من بنيامين نتنياهو أن يمتنع عن البناء في القدس أو هدم منازل فلسطينية في القدس خلال كل فترة تمديد تجميد البناء الجديدة التي ستكون 90 يوماً.
"لا يقول الحقيقة" بلسان الدبلوماسية الأمريكية، والموظف الكبير أوضح أيضا، ما هي الأعمال التي تعتبر مخلة بالثقة وتشمل خطط بناء كبيرة في القدس الشرقية، إخلاء مواطنين فلسطينيين من منازلهم، وهدم منازل فلسطينيين.
لماذا لا يقول نتنياهو الحقيقة؟!
هل يكذب على شاس فقط أم على أعضاء الليكود، وبعض وزراء الليكود المعارضين لأي تجميد بناء؟! أم يكذب على نفسه... وعلى الجمهور كله في إسرائيل؟!
يبدو لي أن الأفضل في هذه المرحلة ، الذهاب إلى انتخابات جديدة، بدل حكومة رئيسها "لا يقول الحقيقة"،وبالتالي لا يمكن إدارة سلطة والثقة بنواياها.
مشكلة التعنت الإسرائيلي هي مشكلة اليمين. صحيح أن اليسار في إسرائيل تقلص وفقد قاعدته، وأن الوسط أضحى يجمع اليسار السابق بأكثريته، ومن مميزات اليمين الاسرائيلي عبر كل تاريخه ، سياسة "العونطة " !!
اليمين في إسرائيل يندفع نحو إنزال كارثة على الشرق الأوسط كله، لا أقول ذلك شفقة على اليمين، إنما من رؤيتي أن الكارثة في منطقة الشرق الأوسط، لن ينجو منها أحد، ربما يتبعون تعاليم التوراة حين صرخ شمشون الجبار، حسب الأسطورة التوراتية... "علي وعلى أعدائي يا رب"!!
لم يكن لليمين سياسة عقلانية في كل تاريخ الدولة، ولم يتردد بإسقاط حكوماته اليمينية بسبب اضطرارها أما الضغوطات الدولية والأمريكية للذهاب إلى مفاوضات مع الفلسطينيين. هكذا أسقط حكومة يتسحاق شامير عام 1992 بسبب مؤتمر مدريد، وأسقط حكومة نتنياهو الأولى عام 1988 بسبب اتفاق الخليل. اليمين تاريخه تاريخ ورطات سياسية وعسكرية مدمرة. حرب لبنان الأولى كانت وليدة أفكاره ورجاله ( شارون ). بناء المستوطنات في عزة والضفة الغربية حركتها رؤية اليمين التوراتية حول ارض اسرائيل الكاملة، وكذلك التحريض المنفلت من سياسيين ( ابرزهم نتنياهو ) ورجال دين الذي قاد الى قتل رابين بسبب اتفاق اوسلو. ومع تعمق أزمة اليمين تطورت في خطابة، العنصري أصلا، اتجاهات فاشية معادية للفلسطينيين خاصة والعرب عامة، واليوم يشكوا رجال الفكر والأكاديميا اليهود، من خطر تطور فاشية دينية، تلوح بقوة في العديد من مناهج التحريض للحاخامات في اسرائيل.
اليمين في إسرائيل هو يمين ديني عنصري وفاشي، لا يتردد في دفع العالم إلى بؤرة حرب جديدة أخطر بعشرات المرات، وربما أكثر، من حرب العراق وأفغانستان سوية!!.
السؤال، هل يمكن أن تقوم دولة طبيعية، بفكر عنصري وفاشي متطرف؟! دولة تبني سياستها على الابتزاز من الأصدقاء "الأمريكيين" أيضا، وبتنكر كامل لحقوق الشعب الفلسطيني؟! وأظن أن السؤال لا يخص العرب، إنما يخص المؤسسة الحاكمة وعلى رأسها رئيس الحكومة، الذي يُتوقع أنه يعرف ما يدور في العالم، من مقعد رئاسة الحكومة، أفضل من جمهور حزبه، ولكن هل هو مستعد أن يتخذ الخطوات المطلوبةـ حتى لو فقد السلطة؟! أم سيواصل سياسة حافة الهاوية، ليظل برئاسة حكومة ستجلب الكوارث على شعبها وعلى سائر شعوب المنطقة؟!
ما يجري في إسرائيل اليوم لم يعد سياسة، بقدر ما هي مجموعات انتهازية، لا تتردد في المزيد من التهور، والمزيد من خلق العراقيل والإشكاليات، دون تفكير بما يمكن أن ينتج من هذا النفق المظلم على جميع سكان منطقتنا . واقرار قانون "الاستفتاء" يزيد مخاطر اليمين الفاشي في اسرائيل.
المضحك بهذه الصورة السريالية، أن عضو الكنيست الليكودي، أيوب القرا، أصطف مع المتطرفين العنصرين اليهود ضد تجميد البناء..وشر البلية ما يضحك!!
حقاَ، لكل فلم المضحك الخاص به، أو الأضحوكة الخاصة به!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عونطا- كلمة سريانية الأصل تعني الاحتيال، انتشرت باللغة العامية لوصف التصرفات المنفلتة والغش والاحتيال وهي عادة للزعران ويقال فلان عونطي، أي أزعر ويعتدي على الناس، يكذب ويغش ظاناً نفسه ذكياً وأشطر من الآخرين!!

دود لبنان من عوده!/ سعيد علم الدين

من قتل شهداء لبنان: رفيق، باسل، جبران بيار، فرنسوا، وسام ...؟
الذي اغتال أحرار الوطن كان عبدا خانعا ذليلا لغيرهم!
ولو كان حرا شهما سيدا لما اغتال السادة الأحرار!
من اغتال عمالقة السياسة والفكر الوطنيين الكبار كان قصير النظر في السياسة وقزما صغيرا في الوطنية!
ومن المستفيد الوحيد من اغتيالهم؟
ومن له مصلحة مؤكدة في الاغتيال بهذه الطرق الاجرامية البربرية الدنيئة الهمجية الحاقدة الخسيسة الإرهابية البشعة هو واحد؟
من اغتال الشهيد الشاب الواعد الوزير النائب بيار امين الجميل وبهذا الاسلوب الدموي الوحشي المافيوزي الميليشياوي، اراد اشعال الفتنة واغتيال مستقبل شباب لبنان وطموحاته !
من اغتال الشهيد رفيق الحريري وبهذه الطريقة التي ادت الى تفجير موكبه بكامله، وسقوط عشرات الضحايا وزلزلة مدينة بأهلها، وحفر حفرة قاتلة في قلبها، وارعاب شعب آمن يعشق ثقافة الحياة والحرية والبسمة والأمل، وارهاب وطن يريد ان ينهض من كبوته المريرة بعد طول مآس وحروب وفتن وتهجير واذلال وشقاء هو واحد.
جاء رفيق الحريري الوطني العاشق لوطنه المنكوب لبنان، ليخلصه من نكبته، وينهضه من كبوته، ويبلسم له جروحه، ويعيده اجمل واحلى وافضل مما كان:
وطنا تعدديا عربيا حضاريا مميزا بتراث عيشه المسيحي الاسلامي التاريخي التقليدي المشترك، وطنا للخير والبناء والعمار والعمل والنشاط والعلم والجامعات والابداع والمؤسسات والحداثة والتطور والتألق والتقدم في رقي بني الإنسان.
هذا هو مشروع رفيق الحريري في قيام الدولة اللبنانية الديمقراطية السيدة الحرة المستقلة وهو عكس مشروع الاخر الشمولي الحاقد على الديمقراطية وعلى السيادة وعلى الحرية وعلى الاستقلال.
ولقد نجح مشروع الحريري الوطني السلمي الشعبي الزاحف عبر كل الطوائف، والجماهيري المعزز بنتائج انتخابية ديمقراطية باهرة الى حد كبير داقا اجراس الخطر عند اصحاب المشروع الاخر.
هذا النجاح تعزز رغم وجود الاحتلال البعثي الشمولي السوري بمخابراته المهيمنة، ورغم تسلط شياطين المشروع الآخر بشعاراتها البراقة المزيفة في المتاجرة بتحرير القدس وفلسطين، وميليشياتها المسلحة كدويلات قوية في قلب الدولة الهجينة المنبطحة.
من قتل رفيق اراد قتل مشروعه الوطني في خلاص لبنان من محنته، لان له مشروع آخر في ابقاء لبنان مصلوبا ومستباحا الى ان يسقط ثمرة صفراء في يد محوره الشرير.
لقد تصادم مشروع الطيب رفيق الحريري مع مشروع القاتل المخادع وجها لوجه.
الحريري اراد السلام والبناء والاستقرار والازدهار والعلم وبناء لبنان،
والقاتل يريد الحروب والدمار والبؤس والشقاء وربط لبنان بازمات المنطقة وابقائه ساحة مستباحة للموت والهيمنة عليه وعلى قراره الحر، كما استطاع الهيمنة على الرئيس الهجين اميل لحود وعلى رئيس الحكومة المنبطح عمر كرامي. وهكذا تحول قبل وبعد الاغتيال اميل لحود وعمر كرامي ومعظم اقزام الطبقة السياسة والاعلامية اللبنانية الى ابواق للقاتل تمهيدا لارتكاب جريمته النكراء بحق الشرفاء وتبريرا له في زعمهم مواجهة مشروع صهيوني امريكي يريد الحريري جر لبنان اليه. عودة الى ارشيف الصحافة اللبنانية وتصريحات اقزام اهل الوصاية السورية وربعها، وغلمان ولاية الفقيه الإيرانية وشعوبيتها الفارسية يؤكد ذلك.
صاحب المشروع الاخر كان يحرك ادواته المذكورة ويعمل من خلف الستار. انها التقية المشرعة دينيا من المرشد الاعلى خليفة الله على الارض!
القاتل مدجج بالسلاح والطاقات والعقل الشيطاني الفاقد للقيم والاخلاق والحريري مدعوم بالأخلاق والقيم والعلاقات ورجال العلم والسياسة الاوفياء. ومنهم من استشهد الى جانبه كالوزير باسل فليحان.
وهكذا تم حذف رفيق الحريري لاعتقاد القاتل انه بذلك قد قتل مشروع رفيق الحريري. معبرا عن قصر نظره ولم يكن اينشتاين كما ذكر جميل السيد وانما حمار. كيف لا وردة الفعل الغير متوقعة جماهيريا لبنانيا وعربيا ودوليا اربكته واعادته الى جحوره او مربعاته مذعورا مرتبكا.
وانطلقت انتفاضة الاستقلال بزخم شعبي لبناني مليوني وبدعم دولي وعربي وتفجرت ثورة الارز من جذور شعبها الأصيل كأنهار لبنان الصافية المتدفقة من جباله العالية بجباه أحرارها الشجعان كالشهيد جورج حاوي واقلام ابطالها الفرسان كالشهديين سمير قصير وجبران تويني والاعلامية البارزة بقول كلمة الحق الشهيدة الحية الاستاذة مي شدياق.
وخرج القاتل من جحره ليغتال الشهداء المذكورين الثلاثة بسبب انتصارهم على ثقافة الرعب والخوف ونجاحهم في تثوير الجماهير الوطنية في ساحة الحرية ومطالبتهم بالحقيقة والعدالة والمحكمة الدولية.
هنا سقط في يد القاتل وزاده رعبا مطلب المحكمة الدولية التي عرقلت مشروعه بل اوقفته، ولم يستطع هو وقفها بسبب الزخم والدعم الدولي والعربي واللبناني لها ونجاح قوى 14 اذار في انتخابات عام 2005 وباكثرية مريحة جدا.
القاتل وفي سباق محموم مع حكومة السنيورة يريد وقف المحكمة وباي ثمن، وبما انه يملك عقل مجرم شيطاني شرير بدأ يضرب من جديد مغتالا بحقد اعمى كل من كان من اشد مؤيدي المحكمة الدولية وله تاثيره في اتخاذ القرار:
كالشهداء الوزير الشاب بيار الجميل، والنائب وليد عيدو، والنائب انطوان غانم ومحاولة اغتيال الشهيد الحي الوزير الياس المر.
القاتل المتآمر يريد وما زال يريد معاقبة كل مسؤول لبناني ساهم في دعم المحكمة وكشف بصيرتها ومؤازرتها فما كان منه الا ان حاول اغتيال الشهيد الحي العقيد سمير شحادة واغتال الرائد الشاب الشهيد وسام عيد.
القاتل المتآمر اراد ان تنجح مؤامرة "فتح الاسلام" في زعزعة اسس لبنان بالسيطرة على الشمال اللبناني واعلان امارة طرابلس الاسلامية انطلاقا من مخيم نهر البارد للاجئين او لضيوفنا الاخوة الفلسطينيين.
ذعر القاتل المتآمر عندما وجد تصميم الحكومة بقيادة الاستاذ فؤاد السنيورة والجيش بقيادة فخامة الرئيس الحالي ميشال سليمان على التصدي للمؤامرة ومواجهة فتح الاسلام.
هرع القاتل المتآمر على التلفزيون ليعلن بتحذير مبطن للدولة بان المخيم خط احمر. مدير المخابرات في الجيش اللبناني العميد الركن الشهيد فرنسوا الحاج قطع الخط الاحمر دفاعا عن كرامة الجيش وحماية لاستقلال لبنان غير مبال بتحذيراته، فلم يكن من القاتل المتآمر الا ان اغتاله جبنا في 12 كانون الاول/ديسمبر 2007.
سنتين كاملتين بالتمام والكمال على اغتيال فارس الكلمة الصحافي الحر جبران تويني في 12 كانون اول/ديسمبر 2005
هناك مثل شعبي لبناني يقول: دودو من عودو!
ودود لبنان الناخر في كيانه الديمقراطي الحر ونسيجه الوطني الفذ وقتل احراره هو من عوده!
ولا عجب ان يهيج دود لبنان مجددا على رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة متهما اياه بالخيانة. السبب ان حكومة السنيورة هي حكومة المحكمة الدولية بامتياز. ولولا صلابة السنيورة بالحق وتمسكه بالدستور وعناده لمعرفة الحقيقة تلبية لصرخات الشعب اللبناني، لما حصل لبنان على محكمة دولية.
ولا عجب ان يذعر دود لبنان من المحكمة الدولية ويعلنوا الحرب عليها وعلى كل من يتعامل معها. ولكن فشروا!
المحكمة ستطال المجرمين ولو كانوا في ابراج من صواريخ!
فالقاتل المتمرس في مواجهة العدالة الدولية اوهن من بيت العنكبوت ولن تنفعه لا شتائم وئام وهاب، ولا ثرثرات ميشال عون ولا عنتريات وتهديدات وتخوينات الجوقة المعروفة، ولا فبركة ملفات شهود الزور.
واي عمل ميليشياوي يقوم به ضد اللبنانيين سيكون موجها للمجتمع الدولي ومجلس الامن بالذات.
هذا ونقلت صحيفة "الوطن" السورية قدس الله سرها، وحفظ لنا اسرارها عن مصادر مخابراتية مطلعة أنَّ:
""القرار الظني في حال صدوره سيكون هزيلاً جداً ولا اعتبار له".
اذا كان هذا الكلام صحيحا فلماذا اعلن نصرالله الحرب الضروس وقطع الأيدي وجز الرؤوس على هذا القرار السقيم والضعيف والمريض والهزيل الميئوس وكل من يتعامل معه؟
نصر الله، وخلال حديثه الديني ـــــ الأخلاقي أمام كوادر حزبية الاربعاء 17 تشرين الثاني 2010، قال:" ان ثمة مروحة من الخيارات أمام "حزب الله" وحلفائه تمتد على 180درجة: خياراتنا هي بين ألا نحرك ساكناً، وأن نقوم بتحرك واسع لإحداث تغيير سياسي كبير على مستوى السلطة وما بينهما"
الأخلاق هي ممارسة وليست احاديث ومواعظ يا سيد حسن!
ومن يريد مواجهة العدالة لا يستعمل هذه الخيارات البائدة التي تذكر بشريعة الغاب، وانما يوكل مجموعة من المحامين المهرة للدفاع عنه من خلال القانون.
وما عدا ذلك هو عرقلة للعدالة ومحاولة لقتل الحقيقة وانتصار للظالم على المظلوم!
اين الاخلاق عندما ينتصر الظالم على المظلوم، والقاتل على الضحية ، والمجرم على البريء، والشرير على الطيب؟
واعتبر نصرالله انه" ومنذ أن اتخذ "حزب الله" قراراً بخوض معركة ضد المحكمة الدولية، فإنه تمكن من تهشيم القرار الاتهامي المنوي إصداره".
لقد ادت اطلالات نصرالله المتكررة بسبب المحكمة والقرار الظني الى اتهام نفسه وتهشيم صورته وصورة حزبه الإلهي امام الرأي العام اللبناني والعربي والدولي.
المعارك ضد المحكمة لا تخاض بالتهديدات وافتعال الازمات وفبركة الملفات، وانما في المداولات القانونية في قاعة المحكمة.

الفصائل الفلسطينية تمتلك صواريخ نووية عابرة للقارات/ محمد داود

في إطار الحملة الدعائية الإعلامية الكاذبة التي تقوم بها إسرائيل في المحافل الدولية وفي أروقة مجلس الأمن الدولي وتهيئة الرأي العالمي، بأن الفصائل الفلسطينية ستخل بتوازن الرعب وقواعد اللعبة، لما تمتلكه من ترسانة أسلحة، فسارعت تشتكي لمجلس الأمن بأن صواريخ غراد يصل مداها 60 كيلو متراً دخلت إلى غزة وأن المئات موجه صوب المدن الإسرائيلية ومنشآت إستراتيجية وحيوية، وفي هذا الأسبوع سارع وزير خارجية الاحتلال بتقديم شكوى إلى مجلس بأن الفصائل الفلسطينية أطلقت قذائف مزودة بمادة الفسفور، وقبل أسبوعين كشفت وزارة الحرب الإسرائيلية أن الفصائل الفلسطينية تمتلك صواريخ مضادة للطائرات، وربطت ذلك بسقوط طائرة استطلاع إسرائيلية شرق القطاع، إضافة إلى تهريب صواريخ متطورة مضادة للدبابات تعمل بالليزر منها( ساغر وكونكورس وكورنيت)؛ يمكنها إصابة الهدف بدقة، وفي سابقة إبان الحرب على قطاع غزة في ديسمبر 2008م، عندما وظفت الدعاية الإسرائيلية نفسها لتهيئة الأجواء الدولية والمحلية لتقبّل فكرة الحرب، فقالت أن صواريخ فلسطينية تحمل مواد كيماوية أطلقت على المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، وما زاد الطين بلة أن الفصائل الفلسطينية أخذت تتصارع فيما بينها وتتنافس على تبنّي تلك الصواريخ البدائية والبسيطة التي ربما لم تسقط في الجانب الإسرائيلي، وفي أكثر من مرة تدوي صفارات الإنذار في دولة الاحتلال لتنذر بسقوط صواريخ محلية فلسطينية وتؤكد وسائل الإعلام صحة الخبر، ليتبين فيما بعد أن خللاً فنيا وراء إطلاق الصفارات ولم يكن هناك صواريخ، بينما المقاومة الفلسطينية تترقب وتتبني العمليات.

عدّة صواريخ فلسطينية محلية سقطت هذا الأسبوع على تجمعات فلسطينية في القطاع شرقه وجنوبه كادت أن تتسبب في سقوط ضحايا، ولولا تدخل عناية الرحمن لكُنْتُ أحد هؤلاء الضحايا.

وهكذا تُساق الكثير من الأمثلة وكأنّها صواريخ كبيرة مثل صواريخ كوريا الشمالية أو الصواريخ الإيرانية. تسعى إسرائيل إلى تسويقها على أنها صواريخ بعيدة المدى وتصويرها بأسلحة الدمار الشامل كما صنعوا في العراق، وهكذا أي شخص في العالم يسمع بمصطلح صاروخ بعيد المدى يعتقد بأنه صاروخ "بالستي" يصل مداه لأكثر من ألف كيلو ويحمل رأساً متفجراً يزيد عن الطن أو نووي، التي في النهاية تخدم الدعاية الإسرائيلية لشرعنة العدوان على الشعب الفلسطيني ومنحه الغطاء القانوني والدولي، يسببه عدم الحنكة السياسية الفلسطينية في إدارة الصراع، وقد برزت العديد من النماذج التي أصابت المقاومة الفلسطينية في مقتل، عندما أخذت الفصائل على عاتقها تبنّي عمليات فدائية والإفصاح عن أسماء المنفذين و"الاستشهاديين" أدى ذلك إلى إحباط العديد من العمليات وكشف الجهة المسئولة والمكان، على طبق من ذهب لأجهزة الأمن الإسرائيلية، وتسويق ذلك لخدمة الأهداف الإسرائيلية من تعاطف وتأييد. تمهيداً للعدوان وبأسرع ما يمكن بحجة تواصل تسلح المقاومة بوسائل قتاليه أكثر تطورا سيصعب علي الجيش الإسرائيلي مواجهتها في المستقبل.

إن من حق الفصائل الفلسطينية ورموزها أن تفتخر بقدراتها العسكرية المتواضعة، ولكن في حدود الحديث القائل: (رحم الله امرئ عرف قدر نفسه) أخذين بعين الاعتبار عدم المبالغة بما تمتلكه من عدة وعتاد، مقارنة مع دولة الاحتلال التي تمتلك الترسانة العسكرية الضخمة والمحرمة دولياً والأشد فتكاً بالبشر لم تفصح عن نوعها أو كمها حتى الآن والتي تتنوع من سلاح نووي وكيماوي، حربي جوي وبحري وبري، لكن يفهم أن دولة الاحتلال قبل نصف قرن تمكنت بسهولة من إلحاق الهزيمة بالجيوش العربية في آن واحد، لكنها استنزفت أمام مقاومة الشعب الفلسطيني البسيطة.

كاتب وباحث

أزمــة المقــال الصحفــي/ نبيـــل عـــودة

كثيرا ما وقفت حائرا أمام بعض المقالات السياسية والأدبية، وأسأل نفسي، لمن يكتب هؤلاء؟ وهل يقرأ أحد ما يكتبون؟
المقالات السياسية تكاد تكون ترديد ممل لشعارات وصياغات لم تتغير منذ أكثر من نصف قرن، تملأ اليوم أيضاً فراغ الإنترنيت، وتسود الصفحات المطبوعة.
معظم المقالات لا تقدم أي فكرة جديدة، وتمتلئ بالترديد الممل الذي عافته نفوسنا منذ تشكل وعينا. المواد الأدبية فيها مشكلة أخرى، يظن البعض أن استعمال الكلمات الرنانة الضخمة، تنتج أدباً، وتعبر عن مكونات الصدور، وتقوم بمهمة إمداد القارئ بالمعنويات والتفاؤل والغضب على الأعداء وما شئتم مما صار كليشيهات رئيسية في السياسة والثقافة العربية.
ليس أصعب من موقف محرر يريد كتابا لصحيفته، يريد مشاركات واسعة، ولكن الضعف يصرخ في معظم النصوص. بعضهم يظنون أن الكتابة عن القضايا الصغيرة وما يحدث يوميا في بيوتنا وشوارعنا ومدارسنا ومزارعنا، يقلل من قيمة المقال ومستوى كاتب المقال، ولكني أعتقد أن العكس هو الصحيح.
إن الكتابة السياسية تحتاج إلى رؤية فكرية، وإلمام واسع في فهم ما وراء الخبر، ومتابعة تفاصيل كثيرة جداً، لدرجة الإرهاق، من أجل صياغة مقال سياسي فيه خصوصية بالرؤية وليس مجرد مع وضد ويعيش ويسقط !!
تتميز معظم المقالات التي أصطدم بها على صفحات الصحف العربية بأنها ضجيج لا يوصل رسالة، وإسفاف لغوي وفكري، ومليئة أحيانا بالسجع الفكري والسياسي أو الثقافي. ليس مهماً إذا كان الكاتب يلم بشكل دقيق بالموقف العيني الذي اختطه لنفسه، وعلى الأغلب فكرة ضيقة يحركها غضبه المشروع من واقع مليء بالقهر... ولكن هل هذا مبرر كاف لقبول المقال ؟ وهل المقال مجرد ردح ومقولات تعبر عن الألم الشخصي؟! وهل المقال هو نص للتعبير عن مواقف ثابتة، أم محاورة مع الواقع، لفهم العوامل المؤثرة على تطورات الإحداث ، ووضع تقييم دقيق لما نواجهه؟
هذه الإشكالية واجهتها أيضا مع كتاب مؤدلجين وبدرجات علمية عالية، وقد أثارت حيرتي في بداية طريقي كمحرر صحيفة، منذ أوائل العام 2000 ، ثم حررتني من الاهتمام بلقب الكاتب والتيار الذي ينتمي له، وصارت أحكامي أكثر لجوهر الطرح، متحررا من الجانب الشخصي. ولكني بدأت أرى أني ابذل مجهودات عقيمة لقراءات تفتقد معظمها للمضمون ، أو للتميز في الطرح ، واني اقرأ المقال كأنشودة شخصية..تعبر عن الشخص ، وأحيانا عن نرجسيته الذاتية ( الوطنية والبطولية) في اختيار الصياغات التي في التلخيص الأخير لا تقول شيئا .
لم ينقطع اطلاعي على حالة المقال والواقع الصحفي بشكل عام ، فهناك رابط بين مستوى تطور الصحافة ومستوى المقال والخبر والتقرير وكل ما يتعلق بعالم الصحافة. ساءني التفكير السياسي المبتذل والمضلل وغير المساهم في توعية الجمهور، خاصة حين يكون الكاتب من تيار سياسي مرموق وصاحب منصب يفترض أن يكون مواجهاً ومثقفاً سياسياً، وعلى الأغلب أطروحاته تجيء كتعبير عن تيار سياسي،وما بدأت أراه أن المقال بحد ذاته فن صياغي ، وإبداع فكري ، وقدرة على رؤية الحقيقة وطرحها بكل بشاعتها إذا لزم الأمر، وليس طرح رؤية بطولية متحدية لطواحين هواء سرفينتس .
المقال إذن ليس عرض حال.وليس هوية فكرية للشخص، تُكرر في كل نص .
عاصرت عدة أجيال سياسية في المجال الفكري، الصحفي، السياسي والثقافي، ويؤسفني أن أقول أننا نتقدم إلى الخلف... نتراجع في مستوى النص اللغوي ومستواه الفكري، نتراجع في الجرأة على أن تطرح الحقيقة بكل سوادها إذ لزم الأمر، حتى لو كانت صعبة على الأذن. هذا جانب واحد ، والجانب الثاني إن الرعيل الأول ، ترك شرخا كبيرا في تطور الصحافة عامة ، وخاصة في نشوء كتاب قادرين على صياغة النص بشكل بعيد عن الإنشاء المدرسي ، في السياسة والثقافة أيضا.
صحيح إن التعميم لا يخدم الفكرة، ولكن الخوض بمثل هذا الموضوع الشائك ، بهذه الطريقة التعميمية له مبرراته، بأن الهدف ليس الأشخاص ، انما الواقع الذي فرض تطورا مشوها على الصحافة والإعلام العربي داخل إسرائيل بشكل عام.
واجهت تهجماً شخصياً، أنا وآخرين من محرر صحيفة، بحجة أننا "تيار متهاون" ولم أفهم ما يعني، إلا انه استعلاء ونرجسية وطنية، وإسفاف سياسي وابتذال فكري. لا أحد فوق النقد، واعني أن ما نكتبه خاضع للنقد، وليس الشخص الذي يكتب.. إن الفكرة الجيدة تصنع مقالا جيدا، فهل أقول إننا نواجه شح بالأفكار؟!
الهجوم المبتذل والمغلف بصياغات قومجية بات ظاهرة لها انتشارها غير الواسع .هل هذا الأسلوب يعبر عن موقف عقلاني؟ هل يعبر عن فكر ؟ ام تحركة عوامل الاندفاع للبروز بذم كتاب بارزين ؟!
ومع ذلك يظل المميز الأكبر، ضحالة المستوى الصحفي لدى أكثرية العاملين في هذا المجال الهام، لذا لم يتطور تأثير صحافتنا، حدثت نهضة في الكم، وتراجع في المضمون، وبالتالي فقدان التأثير الاجتماعي، الثقافي، الفكري والسياسي بشكل مقلق جداً لمستقبل صحافتنا.
هذا يبرز بقوة في مستوى المقال الصحفي . من هنا قلة المقالات الجيدة، وتأكيد على أن التطور الصحافي في مجتمعنا لم يكن له مسار صاعد في المحتويات والمضامين والقدرات الصحفية.
لا يمكن إنكار أن صحيفة "الإتحاد" الشيوعية، شكلت تاريخيا ،في حياة المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل، مدرسة فكرية وسياسية وثقافية وصحفية مسؤولية ومبرمجة أيديولوجيا.
تلاشي هذه المدرسة، ولا أعني الصحيفة، أوجد فراغاً كبيراً في الدور الكبير والهام الذي لعبته الصحيفة ، لم تملأه الصحف الكثيرة التي صدرت، والسبب الأساسي في رأيي، إن التفكير الأساسي وراء إصدار صحف جديدة، لم يكن لضرورات فكرية أو سياسية . بل شكلت الدعايات التجارية المضمون والهدف الأول والأساسي.
إن صحيفة بلا رؤية فكرية وتفتقد إلى نهج يوجه نشاطها الصحفي والإعلامي ستظل على هامش الصحافة، والظن أن الإعلان هو معيار قوة الصحيفة، كان وراء التطور الكمي وتلاشي المضمون ، حتى الصحفي بأبسط أشكاله . وهذا أوضح من الشمس.
بعض الصحف تصدر بعدد كبير من الصفحات. الإعلان يحتل 70%- 80% وربما أكثر من مساحة الصفحات، وما يتبقى من مساحة للمواد المختلفة يبدو هشاً ومجرد تعبئة فراغات بما تيسر من أخبار لا يجرى فرزها، ولا أظن أن بعضها يستحق النشر، وتغيب في تحرير بعض الصحف، الرؤية الإعلامية الواضحة لصحافة في عصر الإعلام الالكتروني ، والتي من إسقاطاتها، أن الصحيفة المطبوعة ،لم تعد مجرد ناقلة أخبار، بل خدماتية، تنشر الخبر ذو المضمون المتعلق بما يشغل مجتمعنا، تنشر التحليل المناسب، التقارير حول مختلف القضايا ذات التأثير على تطور الوعي، تهتم بالثقافة الحقة ، وليس بمواد هشة تفتقد للمعايير الأولية للثقافة، تقود الى المزيد من التأزيم الثقافي والفكري.
طبعاً لست ضد الإعلانات بل هي خبز الجريدة، ولكني أدعي أن غياب الرؤية التنويرية يجعل الصحيفة مجرد نشرة إعلانات.
الحديث كان عن المقال، ولكن الخبر لا يقل أهمية تنويرية ومسؤولية إعلامية عن المقال. كيف نصيغ الخبر؟! ماذا يهمني من الحدث؟! كيف أختصر ما لا يفيد وأوسع ما يفيد؟ ما هو العنوان المناسب؟ ما هي الصورة المناسبة؟! كيف أضمن أن الخبر الذي أصيغة سيظل خبرا يستحق القراءة حتى بعد 24 ساعة على الأقل من صدور الجريدة؟!
نحن لا نمتلك القدرات لمنافسة الراديو والتلفزيون والإنترنت.. ولكننا بعمل مسؤول وجاد نملك ما لا يقدمه الإعلام الالكتروني.
الخبر في الصحيفة المطبوعة له شروط... وليس سحب ولصق من وكالات الأنباء، لأن القارئ لا ينتظر أن نخبره بما سمعة أمس، أو قبل أسبوع في حالة معظم صحفنا. بل أن نقدم له رؤية متكاملة عن الحدث، لم توفرها له وسائل الإعلام الالكترونية.والظاهرة المضحكة في مواقع الانترنت اليوم ان الصور أضحت هي النص ، هي الخبر .. عشرات الصور التي لا تقول شيئا عن الحدث. لدرجة يمكن وصف الموقع بالأصم والأبكم !!
من هنا المقال السياسي أو الثقافي ليس مجرد تكرار إخباري أو الكتابة بأسلوب يفهم منه أن ما يطرحه الكاتب هي آيات منزلة، وإذا لم يعجبني موقف كاتب آخر أجعل منه موضوعا للتشهير، أو فرض المقاطعة على المقالات التي تحمل أراء لا تتلاءم مع رؤيتي الشخصية،وعلى الكتاب اصحاب المقالات المتميزة.. والاكتفاء بمجرد استعراض معلومات المحرر وطاقمه، الضيقة جدا على الأغلب.
هذه ليس صحافة، هذا هو الإسفاف بعينة!!
nabiloudeh@gmail.com