هل ما تصنعه الجزيرة عمل وطني وقومي مسؤول.؟/ محمد داود


لن نندفع لمهاجمة أو مساندة الجزيرة على صنعها المجحف والسخيف بحق مشروعنا الوطني الفلسطيني أو بما تنقله من متابعة توتيرية للأحداث العربية وتعليقاتها المنحازة والتي أعتدنا عليها في خطابها الإعلامي المنحرف، بقدر ما نحن هنا في محل دفاع عن نزاهة قضيتنا وعن شرف رموزنا الوطنية بل قوميتنا العربية التي تذبح من الوريد إلى الوريد على خشبة الجزيرة من كافة النواحي "سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وفكرياً ودينياً وأمنياً ... روحياً وعلمياً وعقلياً وجسدياً، و..." حتى أصبحت القضية الفلسطينية مجرد ملهاة أو ورقة مساومة بين أزقة الدول والقنوات التلفزيونية والصحف اليومية والأسبوعية الصفراء التابعة والغير تابعة، حتى حققت مصالح دول وولاءات سياسية وحزبية ضيقة. بل مزاجات أحزاب وآراء شخصيات رخيصة غير ناضجة تفتقر لمعرفة مفهوم علم السياسة أو الانتماء للوطن والقومية العربية؛ تجردت من كل معاني القيم والأخلاق وحتى الدين، همها الوحيد هو كيف تثير إزعاج الرأي العام لتصدح عبر نجومها في سماء الإعلام، ومن أجل تحقيق أرباح مادية ومكاسب مالية، بينما هي في الحقيقة تزيد الشعب الفلسطيني والعربي ألماً وتشرذماً وضعفاً.

فقبل أشهر تعرض الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" شخصياً إلى موجة من الشائعات والنقد الجارح والتشكيك الذي يفتقر للقيم الأخلاقية والمهنية لما تحمله العبارات من مضمون باطل ما أنزل الله به من سلطان بثت عبر قناة الجزيرة الفضائية، وما هي إلا أيام حتى تعرضت القيادة الفلسطينية من جديد لهجمة شرسة من التشكيك وشاهدنا سيل من الاتهامات حتى حصحص الحق، فارتد المغرضين على أدبارهم فيما صنعوا خاسئين خاسرين خائبين، وقد كان موقف الجزيرة التي أغلقت مكاتبها في عدد من الدول العربية بسبب مواقفها السلبية والمثيرة للفتنة والخلافات السياسية والاجتماعية والدينية والمذهبية، وبث الكراهية والطائفية هو لسان حالها، ولكن فلسطينياً بعد أن توفرت الأرضية الخصبة لها وجدت قناة الجزيرة مرتعاً لها، كي تعبث من جديد في خلط الأوراق الفلسطينية كما يصنع إعلام الاحتلال واللعب على التناقضات والخلافات، لنشر الأفكار المعادية لعقيدة الشعب الفلسطيني، وللوحدة الوطنية والحرية والديمقراطية وكأن هذا ما ينتقص إليه شعبنا، فأعطي لها التفويض لخلق مزيداً من الانتهاك لكرامة الإنسان الفلسطيني وقضيتنا الوطنية المحفوفة بدماء الشهداء الزكية.

إن اللعب بمصير الشعوب والطعن بوطنيتهم هي كمن يمس كرامتهم وشرفهم، وسياسة الردح والتخوين الممزوجة بستار حرية الكلمة والتعبير والوطنية والقومية أكلت من الشعب الفلسطيني وقضيته التاريخية الكثير، ويكفي نار الانقسام الذي سوق له للخلاص من المشروع الوطني الفلسطيني، فأصبحنا سلعة رخيصة يمارس بحقنا شتى الجرائم وأبرزها مجزرة غزة وضياع للقضية وحصار وتجويع ومتاهة سياسية وجغرافية، كذلك الأمر في مصر الكنانة التي تشهد هي الأخرى توتر وفوضى عارمة، بعد أن مزجت مطالب المتظاهرين بالانفلات الأمني والبلطجة، والخشية بأن تنحدر الأوضاع وتتجه نحو الطريقة العراقية، وهكذا لم يفهم بعد أمنيات الجزيرة وتحريضها المستمر فقررت مصر إغلاق قناة الجزيرة ووقف عمل مراسليها، لطغيانها الإعلامي .

أما فلسطينياً فما أقدمت عليه القناة مؤخراً لم يأتي من فراغ وهناك أوساط سياسية دفعت وساهمت في إعداد الوثائق وصاغتها بمزاج يثير غضب الرأي العام لتبحث لها عن أرضية للمس بأحد أركان الشرعية الفلسطينية بما يندرج في إطار سياسة البديل والإحلال المتبعة على قدم وثاق وهو أيضاً يمثل تخطي لحدود شرف المهنة وللميثاق الصحفي والمسؤولية المهنية والموضوعية الذي من شأنه النأي عن التشهير والتجريح وإثارة الأحقاد والنعرات والمفاهيم التي تكرس الكراهية والفرقة، بوصف القيادة الفلسطينية بالمفرطة بالثوابت الوطنية، والذي يعد أيضاً مساساً لكرامة كل فلسطيني في الداخل والشتات يستهدف تصفية القضية الفلسطينية؛ لاسيما وأن التركيز على الوثائق الخاصة بالمطالبة الإسرائيلية تجاه المفاوض الفلسطيني الملتزم بسقف سياسي ثابت دون تفريط، قدم الشهيد ياسر عرفات روحه فداءً لها، والتهديد بتصفية الرئيس عباس ورموز وطنية.

كان لابد بأن تبحث قناة الجزيرة عن فتح أوراق أو بث برامج تعمل على إنهاء القطيعة بين الأقطاب السياسية الفلسطينية دعماً (لجهود الحوار ولتحقيق التصالح الوطني)، وتعزيز الانتماء الوطني والشراكة السياسية لتحقيق الطمأنينة الشعبية، وأعمار غزة وعرض برامج وأخبار تكشف النقاب عن الممارسات الإسرائيلية وجرائمها اليومية المختلفة من قتل واجتياحات واعتقالات وتدمير للممتلكات واستيطان، لمعرفة حجم وهمجية السياسة الإسرائيلية التي تهدف إلى تهويد القدس والضفة، حتى نحظى بإعلام يحقق الغايات الوطنية والقومية والإنسانية والدينية النبيلة والدفاع عن وجودنا الوحدوي الديمقراطي الحر الكريم والمثمر، فلسطينياً وعربياً وإسلامياً.

كاتب وباحث

ما الذي يحصل في العالم العربي/ حسن العاصي


أذا كانت الألفية الثالثة فرضت نفسها كمفصل تاريخي في حياة الأمم والشعوب ، للوقوف أمام أوضاعها وتطلعاتها وأزماتها وبرامجها للنهوض البنيوي نحو المستقبل ، فإن العرب دخلوها كما يدخلون غرف النوم ، دون بذل أي جهد لإعادة طرح الاسئلة التي تمس ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا ، دون أن ينشغل أحدا بمجرد التفكير مليا بمفردات أضحت مطروحة بشدة في مختلف الدوائر الرسمية والشعبية والحزبية ، على سبيل المثال لا الحصر ، هل حققنا للإنسان العربي حياة تليق بكرامته وطموحه ؟ هل ارتقينا -او بدأنا- إلى مستوى الأمم المتطورة ؟ هل استعدنا حقوقنا المسلوبة ؟ هل بنينا قاعدة صناعية ؟ هل اجرينا تحسينات جذرية على مناهج التعليم ؟ هل اصبحنا نولي أهمية لصناعة الإنسان والمراهنة عليه لبناء المستقبل ؟ وتتسع دائرة الاسئلة لتشمل كافة مفاصل الواقع العربي الراهن .

هل ماحصل في تونس ويحصل في مصر هو حقا ردات فعل عفوية ؟ هل هي وليدة اللحظة ؟ بظني أنه من الصعوبة بمكان فهم مسببات ماحصل دون ملامسة الواقع ، فالرؤية التي تتحلى بالموضوعية وتستند إلى البحث العلمي ، وليس إلى أدوات النرجسية والذات في تناول الواقع العربي ، ستقودنا إلى الإعتراف الصريح والواضح ، بأن هدا الواقع يعيش حالة الهزيمة الشاملة ، التي لم يعد معها مقبولا استمرار الأوضاع كما كانت عليه ، الهزيمة بكافة تجلياتها أمام الآخر ، وأمام الذات المتخلفة والمتحصنة بأنانيتها وضعفها ، تلك الهزيمة التي تلقي بظلالها على الحالة العربية حكاما وشعوبا ، معارضة وموالاة ، نخبا وجماهيرا ، اقتصادا وسياسة ، أدبا وفنا وقيما ، حيث يكاد وشم الهزيمة يرتسم على جسد الأمة بأسرها .

وفي هذا لا أعني بالهزيمة الإنكسار العسكري أمام الجيوش والآلة العسكرية الغربية فحسب ، إنما أعني المفهوم الأشمل والأعم ، الكامن قبل الظاهر ، أي العجز والتخلف وفقدان الرؤية ، والمسافة الحضارية بيننا وبين الآخر .

أيضا الاستجابة لشروط وضغوط القوى الطامعة في سلب إرادة الأمة العربية ومواردها ، والطرف الآخر يعلم أن الهزيمة العسكرية لاتكتمل إلا بهزيمة سياسية ، ولايتكرس الإثنان إلا بهزيمة الثقافة والإرادة وروح المقاومة ، أي أن تصبح الهزيمة فكرية كاملة ونهائية .

إن هذا المفهوم يطال الحالة المعنوية والسلوكية للإنسان العربي ، وكذلك يطال البنى السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية ، وبنية القيم واندحارها أمام قيم الآخر وطغيانها ، وليس هناك أشد وأقسى من الإعتراف بالهزيمة ، لأنها تحمل في معناها ضعف الذات ، بيد أن الهزيمة هي نتاج موضوعي ساهمت الذات في تكوينه ولايجوز إدارة الظهر له ، فالإعتراف بالهزيمة نقطة تحول إيجابية ، بينما تصوير الواقع عنوة انتصارا هو نقطة تراجع ، وعبور الهزيمة لايبدأ إلا باستيعاب دروسها .

أولا- الحالة الراهنة للإنسان العربي الذي يكابد مفاعيل الإحباط بالسلوك والفعل اليومي الذي لايدل على عافية وتماسك ، فنراه تارة يلجأ إلى اللامبالاة والإنكفاء على الذات هربا من واقعه المرير الذي هزم آماله واحلامه الوطنية والإنسانية ، حيث فقد الثقة بحكامه وقياداته ومرجعياته ومؤسساته المجتمعية ، وتحول إلى إنسان مسكون بالتيه والقلق ، يعتمره صراع داخلي بين الإحباط والإستكانة ، والتمرد والعناد ، بين علياء التاريخ وأحلام الوطن ، وبين واقع قطري بغيض ، وحاضر ذليل تغيب فيه العزة والهوية عن الأمة ،بين إدراك عوامل القوة الكامنة ومظاهر الضعف الظاهرة ، فقد تم تعطيل أدوات الإرسال لدى المواطن العربي ، وأصبح مهيئا فقط للإستقبال والتلقي ، فإذا رفعت رايات اللإشتراكية طلب منه أن يعلن أن الإشتراكية من الإسلام ، وأن النبي (ص) هو الإشتراكي الأول في التاريخ ، وإذا انقلبت الآية وظهر عصر الإنفتاح فإن الإشتراكية تصبح كفرا ، وإن حرمة مال المسلم هي الغاية ، وإذا تصاعدت حدة المواجهة مع إسرائيل أصبح الجهاد واجبا مقدسا ، وبات الصلح محرما على كل مسلم ومسلمة ، وإذا سعى البعض للصلح انطلقت حمامات السلام من فوق المنابر ، وأصبح شعار الجميع أن أدخلوا في السلم كافة !! وإن حل أسبوع النظافة انطلقت الحناجر مرددة أن النظافة شطر الإيمان ، وإن حل أسبوع المرور تحول الإرسال إلى موجة أخرى تشدد على ضرورة السير في يمين الطريق لأن أصحاب اليمين هم أهل الجنة .

تلك الثنائيات في الواقع العربي المأزوم إما أن تدفع المواطن العربي بإتجاهات مختلفة للفعل السلبي خارج دائرة المصلحة الوطنية والقومية ، كنشاط بعض الحركات الإسلامية العنفية في بعض البلدان العربية ، وإما بإتجاه هجرة الواقع والإنخراط في صفوف الفصائل الأفغانية على سبيل المثال لا الحصر لنصرة الإسلام ، في حين أن نصرة الإسلام تستدعي النضال ضد الغزوة الصهيونية لتخليص القدس من رجس الإحتلال ، وقد يهجر المواطن دوائر الفعل الوطني والإبتعاد عن الإهتمام بما يجري ، والغرق في هموم وموجبات الحياة المعيشية .

ثانيا- مكابدة الإنسان العربي لتبعات الجوع والفقر وضنك الحياة ، والتهميش ونسب الأمية المرتفعة ، وضعف الرعاية الصحية ، وإزدياد التفاوت الطبقي والحضري داخل القطر الواحد ، ويزداد الوضع سوء حين تغيب الحريات العامة وتغيب الديمقراطية السياسية والإجتماعية في مؤسسات المجتمع العربي ، وتسود قوانين الطوارئ بإسم الدفاع عن الوطن ، ويُمارس القمع والإرهاب وتكمم الأفواه ويتم إغتيال الكلمة الجريئة ، ويتحول الإعلام إلى أداة لتمجيد الأنظمة ، ولايمكن بالطبع فهم هذه العناوين والمفردات إلا بكونها تجليات لأبعاد الهزيمة بمعناها الأشمل ، والتي صنعها الحكام المعولمين ، وبوصفها دليل حقيقي على غياب أية مقومات تشير إلى نهضة في الواقع العربي .

ثالثا- تجليات الهزيمة اقتصاديا في المنحنى الهابط لمستويات التنمية والتطور التكنولوجي والصناعي ، ولعل المقاربة الموضوعية بين مستويات التنمية في الدول العربية وبين الدولة العبرية التي لم يمض على نشوءها أكثر من ستون عاما تفضح بجلاء عن حجم المفارقة والهزيمة ومظاهرها ، فالناتج القومي لإسرائيل يصل الى 100 مليار دولار ، في حين أن الناتج القومي لاربعة دول عربية محيطة بها لاتصل إلى هذا الرقم !!

رابعا- ماتتعرض له الأرض العربية من إغتصاب وتشويه منذ قرن من الزمن وحتى يومنا هذا ، إحتلال فلسطين وتهويدها ، احتلال العراق ومصادرة مقدراته ، احتلال أراضي عربية أخرى ، نسيان أراضي أخرى ، تقسيم السودان ، نشوء محميات لاتمتلك مقومات الدولة السياسية ، التشجيع على تقسيم دول أخرى ، تكون قطريات عربية ترسخت جذورها في الفكر العربي وعاجزة عن حماية كيانها ومعرضة لتدخلات الأجنبي المستمرة ، سقوط معظم الصيغ السياسية القديمة وعدم مقدرتها على تكوين صيغ للمستقبل ، وعجز المشروعان الماركسي والقومي بالصيغ والشعارات والأدوات وبالشكل الذي قدمت فيه هذه الأفكار .

وإذ جاز لي التحدث عن مظاهر الهزيمة ، فالإجازة أيضا تستوجب رؤية ماحصل خلال الأسابيع القليلة الماضية في تونس ومايحصل الآن في مصر من تحرك شعبي وغضب جماهيري تجاوز بعفويته وإصراره كافة شعارات حركة التحرر العربية وأحزابها التي تكلست مفاصلها كما تكلست برامجها وأصيبت بموت سريري منذ زمن .

هذه الإنجازات التي حققتها الجماهير التونسية والمصرية تؤكد على أهمية رؤية مظاهر الممانعة ، وأن في هذا مظاهر قوة وإضاءات دالة على إمكانية النهوض ، كما تستوجب من جديد طرح السؤال ، كيف نعبر الهزيمة ؟ كيف نغير الواقع بمعطياته القاسية التي تلفنا وتحيط بحياتنا من كل اتجاه ؟

بظني أن ثمة شروط عديدة لمواجهة هذا الواقع لايمكن حصرها ، خاصة وأننا مازال أمامنا الكثير لنتعلمه من التجربة التونسية والمصرية التي نأمل أن يكتب لها النجاح في تحقيق غاياتها ، إنما الأمر يحتاج إلى رؤية غارقة في المستقبل وكيفية تكوينه ، باحثة عن شروط بناء وتنمية الإنسان العربي ليكون هو سيد نفسه وصانع مستقبله .

ورغم إدراكي أن هذه المنهجية أمرا غير ميسرا في بلداننا العربية ، بيد أني أرى أن هناك جبهة ثقافية أكاديمية عريضة من نخب وأفراد مازالت عصية على الذوبان في مجرى الهزيمة وظلالها ، وقادرة على منع تحول هذه الهزيمة من مجرد مظاهر ومؤثرات عابرة إلى حالة كلية في الجوهر .

مايضفي أهمية على هذا الجانب أن الثقافة بمعناها الواسع هي الأكثر إستهدافا بالذات بعد أن تعرضت الجبهات الأخرى إلى الإختراق والتراجع ، وباعتبار أن الثقافة تمثل الجبهة الخلفية والعمق الحقيقي لقدرة وإمكانية أي شعب على الصمود والإستمرار .

حتما مازال الواقع العربي بمساحاته الإجتماعية والإقتصادية يحتاج إلى دور المثقف الوطني وإلى رسالة جميع الأكاديميين العرب الذين لاتزال تسكنهم حياة وهموم الأمة ، إذ يتحتم عليهم اليوم أن يعاودوا طرح الاسئلة الأساسية كما فعل مثقفوا عصر النهضة .

هذا التحدي هو الأخطر والأهم في تاريخ المرحلة ، لأن على ضوء هذا التحدي سيتحدد إما أن تكون الجبهة الثقافية احتملت الصدمات ، وبالتالي استطاعت شعوب المنطقة استعادة حقوقها المنهوبة ، أو أن تكون مثل الجبهات الأخرى ضعيفة ولابد أن تسقط ، وإن حصل ذلك - لاسمح الله- قد يسقط كيان الأمة .

صحفي وكاتب فلسطيني مقيم في الدنمرك

ثورة مصر: نفاق سياسي وإعلامي/ بشرى شاكر

أول ما يستوقفنا ونحن نتحدث عن ثورة الشعب القائمة في جمهورية مصر العربية هو محاولة الشعب المصري استنساخ ما حدث في تونس !
فهل كان يحتاج أهالي مصر أن تقوم ثورة تونس لكي يظهروا للعلن مقتهم لنظام مبارك الذي حكم مصر لمدة ثلاثين سنة؟ لماذا لم تحدث الثورة في السنة العاشرة أو العشرين أو...؟
هل يمكن استنساخ ثورة تونس تماما كما استنسخ بعض المصريين حرق "البوعزيزي" لنفسه ليقومون بمثل فعلته؟
تونس دولة يبغ عد سكانها حوالي 11 مليون نسمة ومصر عدد سكانها حوالي 80 مليون نسمة، فرق شاسع في تعداد السكان وحينما نستنسخ أمرا على آخر، فمن الأولى أن نقيس أحجامه أولا، والقصد أن لا مساحة تونس ولا عدد سكانها يكونان آليات أولية تمكنا من إحداث إسقاط لما حدث فيها على مصر !!!
ثانيا، تونس دولة كانت محكومة من قبل مارد اسمع "بن علي" و هو من ناحية أداة لزوجة متطلبة كانت تسعى إلى رئاسة تونس وهي لا تتوفر على ابسط المقومات لذلك ومن ناحية هناك يد غربية وبالتحديد فرنسية تسير مصالحها داخل تونس بما أن منطقة المغرب العربي تشكل منذ زمن بعيد مطمعا لأوربا وبما أن تونس تتوفر على مقومات تجعل فرنسا تختارها كوجهة استثمارية بامتياز، أما مصر فنظام الحكم بها مختلف تماما، فإذا كانت تونس تقمع تحت المصلحة الفرنسية التي تخلت عنها فور حدوث الثورة التونسية، فان نظام الحكم بمصر الكل يعلم علاقته ب داعية"الديمقراطية" الكبرى أمريكا و اليد التي خلفها "إسرائيل"...
إذا نجحت الثورة بتونس لأن الجيش التونسي كان إلى جانب الشعب ورفض أن يكون ضده وذلك لان أفراد الجيش يعدون أنفسهم من المواطنين وإذا كانت الثورة متكاملة في تونس، فلا يعني هذا أن الجيش الذي يترأسه "حسني مبارك" ويمتثل لأوامره باعتبار أن "حسني مبارك" نفسه عسكريا ومنذ سنة 1950، سوف يستمع لنداءات الشعب وانه من المؤسف أن يفكر المصريون بإمكانية حدوث ذلك وبكل بساطة لا لشيء إلا لأن ذلك حدث في تونس!!!
سمعنا نداءات عفوية من أفواه مصرية بالشارع تناشد الجيش للانضمام للثورة، الشيء الذي لم يحدث ولن يحدث وبقليل من التفكير يمكن أن نفهم أن دولة أمنية كمصر يترأسها رجل عسكري مثل "حسني مبارك" لا يمكن أن تهب جيشها للدفاع عن أهالي مصر والانقلاب على رئيسها!!!
بل انه حتى الأمن الوطني، لا يظهر له اثر فحسب العديد من المتظاهرين والمسئولين لا يوجد اثر لأمن مصر لا في أقسام البوليس ولا في المخافر والشعب يتولى الدفاع عن نفسه بنفسه من النهب بحمله سكاكين وعصي وتكوين لجان من اجل ذلك، العديد من المتظاهرين مسكوا تحريات لا لشيء إلا لأنهم يمسكون سكينا أو سلاحا ابيضا وقيل أنهم كانوا ينهبون ويشاغبون في شوارع ومتحف مصر، فبات الخيار أن يدافع المواطن عن نفسه بحمله لسلاح ابيض وقد يتعرض للاعتقال إذا اشتبه بإحداثه أحداث شغب أو فقط لغرض في نفس يعقوب، أو أن يتوقف عن الدفاع عن نفسه وينتظر أمنا غير متواجد البتة وجيشا يسعى لرعاية المصالح العليا للدولة وليس الشعب أبدا!!!
كل هذا يدل على أن من فكر في استنساخ ثورة تونس بمصر بدئا من الشباب الذين قاموا بنهج عمل "البوعزيزي" الذي يعد أساسا انتحارا وأمرا محرما هم مخطئون منذ البداية...
"البوعزيزي"، قام بفعلته لأنه تعب ويئس وعبر عن نفسه بهاته الطريقة وندعو الله أن يغفر له فلم يكن في حالته الطبيعية وبديهي أن الجور والظلم يولد الانفجار ولكن من قام باستنساخ فعلته وهو يعلم أن ذلك لن يغير شيئا فهل يستحق الاحترام؟؟؟
إذا كان "بن علي" عدوا لتونس فان "حسني مبارك" عدو لكل الأقطار العربية، فالقمم العربية تتوقف بفضل "جهوداته" و"جهودات" "عمرو موسى"، رغم أن ما يظهر هو العكس، إذ أننا نراه يدافع عن قضايا الأمة العربية و ي الواقع إن تواجد هذه "السوسة" العربية وسط العرب هو من يمنح الفرصة لإسرائيل لتعتي خرابا في منطقة الشرق الأوسط وهو من يمنح الفرصة لأمريكا لتبسط يدها على المنطقة...
"بن علي" كان يهم مصالح فرنسية وأوربية ولم يعودوا بحاجة له بعد الثورة القوية لأهل تونس فتخلوا عنه بكل بساطة...
أمريكا وإسرائيل ما زالت تحتاج ل"حسني مبارك" أو لشخص يشبهه في المنطقة، فمن البديهي أن ثورة ضعيفة لن تجعلهم يرضخون لمطالب الشعب ومن البديهي أن يستمر في السلطة و يعين من يريد...
و هنا نتحدث عن النفاق السياسي و الإعلامي...
في بداية الثورة كان العديد من السياسيين يتوقعون وقال بعضهم انه يكاد يجزم برحيل مبارك بل لم يسميه ب"الرئيس" وكان الكل يردد "مبارك" وذلك تماشيا مع رغبة الشعب الذي كان يقول بعبارة صريحة "غور"، و ليس هناك من كلمة ابلغ ليقول الشخص انه يمقت شخصا آخر ولا يريد حتى شم رائحته و ليس فقط رؤيته...
وسائل الإعلام والمصرية بالخصوص، ركزت على ثورة الشعب وشبابه وبات يظهر أنها إلى جانبهم ونشرت شعاراتهم التي تطالب برحيل "مبارك" و إنهاء الحكم الحالي...
يأتي بعد ذلك الرئيس و بعد أن أوهم الكل بصمته وبمساعدة رئيس مجلس الشعب الذي قال للمصرين أنهم سيسمعون خبرا مهما، تمويه قال بعده سياسيون عدة أنهم يتوقعون بل يجزمون برحيل "مبارك" طبقا للدستور المصري الذي ينص على إعطاء الرئيس استقالته لمجلس الشعب...
كان مجرد تمويه...
فها هو الرئيس يصم أذانه عن رغبة الشعب في رحيله ويقول انه يتفهم مطالب الشعب وفي الوقت نفسه يركز على العنف والشغب والسرقة في شوارع مصر ويقول انه لن يتهاون في أمن المواطنين..
جملة تأذن ببداية تحرك عسكري كبير وتأذن أكثر بأحقية الجيش والأمن في قتل من يراهم مشاغبين و لصوصا، و بصيغة أخرى هو ضوء اخضر لقتل بعض المتمردين سواء كانوا لصوصا أو لا...
و هنا يظهر النفاق السياسي المصري والإعلامي..
نفس السياسيين باتوا يتحدثون عن الشغب وانتهى الحديث عن الثورة، العديد منهم حضروا للقنوات الفضائية ليؤكدوا على ضرورة حماية أثار مصر!!!
حماية الآثار وحماية المتاحف و حماية الممتلكات، هذا بات حديث السياسيين والمثقفين فمن يحمي مطالب المتظاهرين؟؟؟
أيضا ومن المفارقات هو الاستعانة ببعض المشايخ ممن كانوا يؤثرون على شباب مصر من خلال قنوات تلفزيونية تم إيقافها في مصر، لكي يثنوا عبر القنوات التلفزية شباب مصر عما يقومون به من تخريب وشغب!!!
وسائل الإعلام، كفت عن الحديث عن الثورة وعن طلبات المتظاهرين واتجهت نحو الحديث عن الشغب وإظهار التكسير والخراب الذي لحق بمرافق مصرية، وأكثر من هذا إظهار موقوفين يجلسون على الأرض وتقوم بحراستهم عناصر الجيش وتقوم وسائل الإعلام بسؤالهم عما حدث ليعترف الكل بأنه فعلا تورط في أحداث سرقة وشغب ويقروا بأنهم مخطئون!!!
المشهد الأول: شباب ثائر
فاصل: أمريكا تدعم الرئيس المصري والنظام الحاكم لمصر لن يتغير
المشهد الثاني: شعب مشاغب ولصوص ينهبون ومطالب منسية...
و تسدل الستارة على ثورة تظهر مثل تمثيلية مصرية طويلة ولربما تكون موضوع أفلام عديدة على قنوات "نايل" المصرية ومع فارق بسيط هو أن الرئيس سيكون هو البطل والشعب بأكمله مشاغب وظالم وجائر!!
أبعد هذه المفارقات هل تستطيع مصر أن تستنسخ ثورة تونس؟؟؟
من غرائب وسائل الإعلام أيضا وبالتحديد قناة الجزيرة أنها تتجاوز أزمة مصر لتتنبأ بثورات في دول أخرى حسب قول محللين سياسيين لم يذكروا أسماءهم، لا لشيء إلا لكونهم يقطنون كوكب المريخ فلم تسمع عنهم أية قناة ثانية...
الثورة قادمة في كل من الأردن ولبنان والجزائر وبتشديد المذيع على المغرب في آخر تنبؤاته...
فهل تستنسخ قناة الجزيرة وقائع دول أخرى على كل الدول العربية ولصالح من تقوم بذلك؟؟؟
يبقى أن نذكر أن العديد من الشباب بالمملكة المغربية قد انشئوا صفحات على الفيسبوك ينددون بهذا القول ويرددون أنهم يحبون ملكهم وشعبهم وانه لا يوجد بلد يخلو من المشاكل ولكن الثورة يجب أن تكون لها أسباب ولا نثور فقط من اجل الثورة فهذا ما يريده أعداءنا بنا وكم سيكون جميلا لو أنهت كل الدول العربية نفسها بنفسها فلن يبقى للدول "الديمقراطية" الكبرى إلا أن تحتلها كلها بسهولة لتنشر ديمقراطية وحرية تعبير وتشنق الدكتاتوريات المتواجدة بها !!!
على كل الشباب العربي أن يفكر قبل أن يثور، أن يعرف لماذا يثور وكيف يعبر عن نفسه، و ماذا ستكون نهاية ثورته، ومن سيربح من ثورته هاته، لا يتوجب علينا أن ننسخ ثورة بلد على بلد آخر...
لا تجعلوا أعداءكم ينصبون ثوراتكم فخا لكم...
أي نعم بن علي وحسني مبارك يشكلان رمزين للفساد ولكن ليست كل المشاكل بكل البلدان بسبب حكامها وليس كل ما يجوز بالماء يجوز بالتيمم !!!

المملكة المغربية

وانكشفت لعبة الأرقام الانتخابية الرئاسيّة/ علي آل طالب

على الرغم من أن فصول الثورة التونسية لم يُسدل بعد، ولم تتضح معالم نتائجها بشكل نهائي وحاسم، وإلى ما ستؤول إليه الأمور، بالرغم من ذلك إلا أنها استعادت الدور البطولي للحراك الشعبي والتأسيس لصناعة واقع جديد. ثورة الأحرار في تونس انطلقت شرارتها من القهر الذي تعرض له الشاب محمد بوعزيزي؛ ليتحول الشعب إلى كتلة من غضب، حيث كان المدخل هو الخبز أو البطالة أو غلاء المعيشة، حتى بلغت الذورة وأطاحت بأحد أشرس الأنظمة العربية البوليسية (حكومة بن علي). هذه الثورة لو لم تكن قدمت عنصر المباغتة والمفاجأة، وأتت أُكلها مبكرًا؛ لما استطعنا اليوم قياس مستوى وعي الجماهير وإيمانها بالتغيير والإصلاح. في حراك تعبوي ينسجم وحجم الأهداف والطموحات التي تليق بمكانة وعنفوان هذا الشعب الأبي.
قدمت الثورة الفرنسية درسًا خالصًا في مضمون الإرادة الشعبية، بعد أن أعادت للإنسان العربي الثقة بالنفس والقدرة على التغيير؛ بل وحفّزت الشعوب المجاورة للتحرك إزاء الرفض للفساد والظلم؛ مهما كان مقدار وحجم الاستبداد السياسي. وما موجة الاحتجاجات الواسعة والمطالبة بإصلاحات سياسية واجتماعية والتي تشهدها بعض الدول العربية كاليمن ومصر والجزائر إلا مؤشر لمضمون حراك الشعوب الرافض للفساد والتزوير وكافة أشكال القمع والدكتاتورية. وبكلام آخر: هذه الثورة أعطت الكثير من الدروس والعبر، عبر رسائل مفتوحة للأنظمة الدكتاتورية وللمجتمعات الحرة ولكافة النخب والقوى الاجتماعية، فالدروس عديدة، لكن الأبرز ما فيها هو انكشاف حالة التزوير في الأرقام الانتخابية والتي لم تكن في لحظة ما؛ تعبر عن إرادة شعبية حقيقية، فالمخيال العربي ظل مرهونًا بالأرقام الفلكية العالية التي يحصل عليها الرؤساء والحكام جراء نسبة التصويت الجماهيرية.
ثورة الأحرار في تونس وموجة الغضب الشعبية المستمرة والتي يشهدها الشارع في كل من مصر واليمن تحديدًا، كشفت عن تلك الغرف السوداء التي كانت وما زالت ضالعة في عمليات التزوير لانتخاب الرئيس فيها. ناهيك عن التلاعب بالدستور ومحاولات تطويعه إلى الحد الذي يضمن بقاء الرئيس لأمد بعيد جدًا. وفي تونس أُجري تعديل دستوري عام 2002م يقضي بعدم تحديد ولايات رئيس الجمهورية، فضلا عن رفع سن الترشح لرئاسة الجمهورية إلى 75 سنة. بعدما كان الدستور قد حدد الحكم في ثلاث ولايات، وحصر سن المرشح للرئاسة ما بين 40 سنة وألا يزيد عن السبعين. الأهم هو أن يكون الدستور بمقاس شخص الرئيس وذاته!. وما يثير الدهشة هو ما أسفرت عليه نتائج الانتخابات الرئاسية في 25 أكتوبر 2009م والتي فاز فيها زين العابدي بن علي بولاية خامسة بعد أن حاز على نسبة عالية من الأصوات قُدرت 89.62% ، بينما وبعد مرور عام تقريبًا، أي في 14 يناير 2011م أطاحت الثورة بالرئيس نفسه والذي حَظي بتلك النسبة من الأصوات!.
يتماهى المشهد اليوم مع مصر أيضًا، وحسني مبارك هو رئيس لهذا البلد منذ 14 أكتوبر 1981م. وتم تجديد رئاسته لولاية خامسة مدتها 6 سنوات بعد فوزه في 7 سبتمبر 2005م. بعد أن حاز على نسبة تصويت عالية أيضا قُدرت بـ 6ر88% ، انفجار الشارع المصري اليوم والذي وصف بغير المسبوق يكشف النقاب عن حجم التلاعب والتزوير بنتائج التصويت والذي شمل عمليات الانتخاب الرئاسية طيلة العقود الثلاثة الماضية.
ولا يختلف المشهد في اليمن أيضًا، فقد لعبت لغة الأرقام الفلكية دورها في العمل بمبدأ الاقطاع السياسي واختزال الإرادة الشعبية في شخص الرئيس علي عبد الله صالح منذ 32 عامًا، وقد حصل منصب الرئيس في 2005م نسبةً قُدرت بـ 17ر77%، بعد أن كانت النسبة في انتخابات سبتمبر 1999م مرتفعة جدًا حيث حظي علي عبد الله صالح بنسبة 96% من أصوات المقترعين، بالإضافة إلى سلسلة التعديلات المستمرة للدستور والتي تصب في خانة بقاء شخص الرئيس أكبر قدر ممكن في الحكم، وآخرها الدعوة إلى تقليص مدة الحكم من سبع سنوات إلى خمس على أن يحق للرئيس الحالي الترشح في عملية انتخابات جديدة بعد أن استنفدت مواد الدستور تلك الصلاحية، وهذا يعني أن منصب الرئيس مكفول له مدى الحياة!.
الشعوب العربية في هذه البلدان وحدها هي من يدرك حجم المخاطر المحدقة بها، فقد تكون في لحظة من اللحظات التاريخ البائسة قد أصابها الاسبات والخضوع، لا لشيء سوى من أجل التحلي بالصبر وإعطاء أكبر قدر من الفرصة للتغيير والإصلاح والتصحيح، غير أن معظم هؤلاء الرؤساء كان بعيدًا جدًّا عن هذا الحس الوطني والشعبي، فقد بلغ الهامش الطبقي مبلغة في فئات المجتمع، حتى أصبح غالبية الشعب محاربًا في لقمة عيشه، جراء انعدام الوظيفة، وارتفاع نسبة البطالة وغلاء الأسعار ، واستشراء الفساد المالي والإداري. هاهي الشعوب تستيقظ من جديد بعد أن دخلت في موجة من الغضب العارم، وبعد أن أكسبتها التجارب الماضية؛ أن اقتصار حجم المطالبة على ما يحسن الأوضاع المعيشية لن يجدي نفعًا، لذا جاء زمن الشعوب التي هي اليوم أكثر شفافية ووضوحًا، وهي لا تقبل بأقل من إسقاط حكوماتها الفاسدة والدكتاتورية!.

مركز آفاق للدراسات – السعودية
a.altaleb@yahoo.com

الأنظمة بين رياح من صنعتهم وغضب من استعبدتهم/ ماجد هديب


إن المتتبع لمجريات الأمور في العالم العربي بشكل عام, وعلى الساحة الشرق أوسطية على وجه الخصوص, يدرك بأن أية رياح لتغيير الأنظمة ما كان لها أن تنجح إلا إذا كانت مدعومة بقوة مساندة وعوامل تم تهيئتها تتغير بتغيير الظروف والوقائع, وحيث أن ما يعانيه العالم العربي من انحطاط على كافة المستويات منذ عقود لم يكن إلا نتيجة للتحالف الاستعماري الذي جاء برياح التغيير في الحرب الأولى بعد أن أشبع هذا التحالف تلك الرياح بغيوم رسموها بألوان العروبة والدين, فان ما نشهده اليوم من رياح تغيير الأنظمة العربية ما كان لها أن تتم أيضا ما لم تكن مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية كقوة استعمارية في ظل عالم أحادي تتحكم في كل ما تشاء,حيث نجدها تدفع هي الأخرى كوريثة للتحالف الاستعماري القديم برياح إعادة صياغة الأنظمة العربية بما يحقق نظام شرق أوسطي تستطيع إسرائيل من خلاله بناء دولتها الكبرى .

إن معرفة الاتجاهات التي تسلكها رياح التغيير وانعكاساتها على المناطق التي ستصلها وفق المنخفض الذي تم الإعداد له والتهيئة له يستوجب منا أن نحاول معا استقراء الأسباب التي هبت فيها أول رياح تغيير على العالم العربي والإسلامي,ولماذا أفرزت تلك الرياح في حينه أنظمة شمولية مواليه للاستعمار وركائز جديدة تخدم مصالحه الآنية والمستقبلية؟.

كما علينا أن نعرف الأسباب التي أدت إلى هبوب رياح التغيير السريعة لتغيير الأنظمة الشمولية؟, بعد أن كانت تلك الأنظمة وفية لصانعيها ,حيث إننا نجدها اليوم ما بين رياح من صنعتهم وغضب من استعبدتهم,وما هي الأسباب التي حملت الإدارة الأمريكية بتغيير قواعد لعبة الرياح بان تجعل من الجماهير العربية نفسها هي من تحرك اتجاهاتها بعد أن كانت تلك الجماهير في حالة عبودية لأنظمتها بطلب منها وفقا للعبتها القديمة؟ وهل يمكن أن تأتي هذه الرياح بنتائج عكس ما تم التخطيط إليها ؟.

لنحاول الإجابة على تلك التساؤلات وذلك بعد إعطاء لمحة عن رياح التغيير التي جاء بها التحالف الاستعماري على مر العقود وذلك تحت مسميات مختلفة ولنبدأ من حيث بدأت تلك الرياح في إلقاء أعاصيرها التدميرية للهوية العربية الإسلامية وتذويب انتماء جماهيرها لعقود خلت:

رياح العروبة والدين:

كانت دولة الخلافة العثمانية بنظر الانجليز عقبة تقف في طريق توسعهم واستعمارهم, ولذلك تم الاتفاق في مؤتمر كامبل الذي حضرته الدول الاستعمارية في حينه على تجزئة الولايات الإسلامية والإبقاء على تفككها , والعمل على فصل الجزئيين الأفريقي والأسيوي عن الآخر وإقامة حاجز بشري قوي وغريب في نقطة التقاء الجزئيين يمكن للاستعمار أن يستخدمه أداة طيعة في تحقيق أغراضه.

إن حركة الاستعمار المتنافسة في حينه قد استطاعت جذب الهاشميين والصهيونيين للعمل خدمة لمخططاتها التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر كامبل, والذي تقرر فيه إنهاء الدولة العثمانية وتقسيم ممتلكاتها في الوقت الذي كان فيه العداء المشترك للدولة العثمانية بمثابة بداية تحالف مشترك بين هؤلاء جميعا بهدف القضاء على تلك الدولة وصولا لأهداف تطلعوا إلى تحقيقها، فالهاشميون كانوا يتطلعون لبناء دولة عربية في ظل زعامة هاشمية ، في حين تطلع الصهيونيين إلى تحقيق حلمهم في بناء الدولة اليهودية ، ولا يمكن تحقيق كل من تلك الدولتين الهاشمية والصهيونية لتحقيق المصالح الاستعمارية دون انهيار الدولة العثمانية وتجزئتها كما سعى إلى ذلك الغرب الصليبي منذ مئات السنين, ولذلك تم الإعداد لرياح التغيير فكانت العروبة هي عنوان تلك الرياح لإنجاح ما تطلع محركيها إلى تحقيقه .

من هنا بدأت معالم المنخفض الذي بدأت أثاره في الحرب العالمية الأولى لتنفيذ هذا المخطط ولذلك كان لا بد من تهيئة العوامل المساندة لإنجاح ذلك المخطط بإيجاد ما سمي في حينه الثورة العربية الكبرى التي البسوا رياحها رداء العروبة والإسلام وقد نجحت في حينه الدول الاستعمارية بما سعت إلى تحقيقه فجاء الانهيار السريع للدولة العثمانية وتقسيم ممتلكاتها والإعلان عن تأسيس الركائز الاستعمارية الجديدة لحماية المصالح الاستعمارية وحماية دولة إسرائيل الموعودة ومنع أي اعتداء عليها ,كما كان إنشاء الكيانات الخليجية بعد أن كانت قبائل بدوية متناحرة في الصحراء وذلك ثمن ملاحقتهم لجنود الدولة العثمانية والإغارة على قوافلهم العسكرية وطعنها من الخلف .

رياح الانقلابات العسكرية لإنهاء المد القومي والتحرري :

لم تخلو الدول العربية في تاريخنا المعاصر من الانقلابات العسكرية رغم اختلاف ظروف كل منها وتسمياتها والأهداف المرجوة منها, فمع انتهاء الحرب العالمية الأولى والثانية وتيقظ الشعور الثوري في الشارع العربي والإسلامي نتيجة المخططات الاستعمارية التي اكتشفتها الجماهير العربية في وقت متأخر كان لا بد من إيقاف هذا المد وانحساره ,فجاءت موجة الانقلابات العسكرية بحجة القضاء على الدكتاتوريات تارة ,وتارة أخرى بحجة القضاء على الدعم النازي لبعض الكيانات , ولم تتوقف تلك الانقلابات,بل أنها كانت تأتي بالتتالي كلما دعت الحاجة الاستعمارية إليها, وذلك حتى بداية العقد السبعيني ,فإذا ما كانت الانقلابات التي تمت بعد الحرب الثانية قد تمت لإنهاء المد الثوري كما حدث لثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق ضد الركيزة الاستعمارية فيه, فان الانقلابات التي تمت بعد نكبة فلسطين كانت أيضا للحفاظ على الدولة اليهودية التي تم إعلانها بعد سيناريو حرب ال1948, ولم تكن ثورة مصر في حينه التي البسوها رداء العروبة أيضا أن تتمم لولا أن هيؤا لها عوامل إنجاحها بحجة الانقلاب على النظام الملكي الفاسد في الوقت الذي كان فيه الملك فاروق يعمل جاهدا لفضح المتآمرين على فلسطين وسعى صادقا إلى تحريرها .

ومع إعادة الشعور الوطني ورفض تلك السياسات وبداية انحسار الأنظمة والكيانات الاستعمارية في ظل النفوذ الفدائي وتصاعد عملياته جاء الانقلاب العلوي سريعا على الحكومة التي أعطت الأوامر بحماية المد الثوري حيث استطاع حافظ الأسد وفقا للأوامر الأمريكية في حينه بالاستيلاء على مقاليد الأمور في سوريا للمساعدة في الحفاظ على الركيزة الاستعمارية في شرقي الأردن بان أوقف الإمدادات التي كانت في طريقها إلى حماية الثورة الفلسطينية هناك .

رياح التغيير لبناء الشرق الأوسط الجديد

بعد الانفراد الأميركي في العالم والاتجاه نحو إعادة صياغة التوازن الدولي بطريقة شاملة وفق رؤية تخدم مصالحه الجديدة كان لا بد من الاتجاه نحو إعادة صياغة الأنظمة العربية عمليا لإقامة نظام شرق أوسطي بديل عن النظام العربي, إلا أن أميركا لم تجعل ذلك يحدث بالتوافق مع ما كان يحدث في جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقا , لان الظروف لم تكن مهيأة للحفاظ على إسرائيل في حالة سقوط تلك الأنظمة ,ولذلك كان لا بد من الإعداد للثورات على تلك الأنظمة التي حمتها لعقود من اجل إعادة فك وتركيب الخريطة السياسية والجغرافية للمنطقة من حيث زوال دول أو تقليصها جغرافيا، اوإقامة دول أخرى جديدة على أقاليم مستقطعة من هذا الكيان أو ذاك, ولم تكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر باعتقادي إلا مقدمة لهذا التغيير وإعادة بناء المنطقة يقوم أساسه على الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقة سياسية وإستراتيجية معها والعمل أيضا على إنهاء الجامعة العربية كمنظمة إقليمية ذات طابع قومي وصولا لتسوية القضية الفلسطينية سياسيا، وبما يتماشى مع الرؤى الإسرائيلية والأمريكية، وبما يحقق أمن إسرائيل المطلق وهيمنتها الإقليمية.

إن النجاح الأميركي في إسقاط هذه الأنظمة بالتتابع ما كان له أن يحدث سريعا إلا بتوفير عوامل مساعدة ومن بينها تعزيز مؤسسات المجتمع المدني في الدول المرشحة لإسقاط الأنظمة فيها , بالإضافة إلى الجيوش العربية نفسها حيث إننا نلاحظ بان من يحرك الجماهير العربية اليوم ليست الأحزاب التي اكتوت بنار تلك الأنظمة لأنها فقدت هي الأخرى مصداقيتها لارتمائها في أحضان الأنظمة ومغازلتها بين الحين والأخر, بل إن الحركات الاجتماعية التي قامت أميركا بتغذيتها ومدها بأدوات الدعم باسم الجمعيات الأهلية ومؤسسات حقوق الإنسان هي التي تقوم بذلك فأصبحت المحركة لعواطف الجماهير بعد دغدغتها لمشاكلهم والمطالبة بتحقيق احتياجاتهم وقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية أيضا منذ مجيء بوش على الاتصال المباشر بقادة الجيوش العربية لتتويج تلك النجاحات واستثمار رياح التغيير فكان شراء الذمم والو لاءات للقيادات تلك الجيوش بما يحقق متطلباتها عندما تقرر تلك الإدارة عزل أنظمتها الشمولية الفاسدة وتركهم دون حماية من شعوبهم بعد إتمام لعبة إسقاطها وهذا ماحدث من الجيش التونسي ويحاول الجيش المصري الآن تكريسه بعد أن طلبت منه الإدارة الأمريكية رسميا بالتدخل تحت مسمى ضبط الأمن.

باعتقادي بان جميع الرياح التي هبت وما زالت تهب على المنطقة العربية ما هي إلا رياح صناعية اعد لها إلا ستعمار بتعاقب مسمياته وألوانه بعوامل تحريكها أدت إلى تقسيم المنطقة وفق أهدافها ومصالحها ,وأفرزت ممالك ومشيخات ككيانات استعمارية تقوم على حماية تلك المصالح , كما إن ما نشهده اليوم من رياح تهب سريعة على منطقتنا العربية ما هي إلا لتحقيق بذور الانقسام والتشتت والانفصال للتيه سنين بحثا عن الذات والهوية وإشغالنا بهموم داخلية وقضايا هامشية تأخذنا بعيدا عن مواجهة أية أخطار كان تحاول إسرائيل أن تعيد تنفيذ أحلامها وتحقيق دولتها الكبرى وإن ما يحدث الآن في السودان ، لبنان ,اليمن, وفي مناطق السلطة الفلسطينية, وربما دول الخليج غدا إلا المقدمات لما نتخوف منه.

إن ما نراه اليوم من تغيير تلك الأنظمة الشمولية لوجودها بين رياح من صنعتهم وغضب من استعبدتهم, إلا الخطوة الأولى نحو تحقيق تلك الأهداف, وان ما نلمسه اليوم من قناة الجزيرة يذكرنا بما قامت به الأقلام العربية المأجورة التي طالبت قبيل الحرب العالمية الأولى بضرورة إنهاء دولة الخلافة الإسلامية باسم العروبة ,كما إن ما يصدر عن القرضاوي اليوم من تصريحات يذكرنا بما قام به بعض علماء المسلمين في التحريض على دولة الخلافة ووجوب مقاتلتها جنبا إلى جنب مع الجيش الاستعماري عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى ,فهل يمكن لأميركا وأدواتها في المنطقة أن تنجح في إعادة بناء الأنظمة العربية وفق ما يخدم مخططها الجديد؟, أو أن هذه الرياح ستأتي بنتائج عكس ما تم التخطيط إليها فهذا ما ستحمله لنا الأيام القادمة والأيام دوما حبلى بالمفاجآت ؟.


مصر أمام إستحقاق التغيير: تغيير في السياسة.. أم في الأشخاص والنظام فقط؟/ صبحي غندور

قيل سابقاً عن شعب مصر إنّه كنهر النيل يبقى هادئاً خامداً لكن حينما يثور فإنّه يحدث الطوفان. ما يحدث في مصر الآن هو تأكيدٌ لذلك، وهو إثبات أنّ إرادة شعب مصر لم تنم وإنّما كانت معصوبة العينين واليدين، وهاهي الآن تكسر قيودها وتحرّر نفسها من سلاسل الخوف بعدما وصلها شعاعُ نورٍ من شمس الإرادة الشعبية التي بزغت مؤخّراً في تونس.

ومهما كان هناك من ملاحظات وتساؤلات مشروعة على ما حدث في تونس وعلى ما يحدث في مصر، فإنّ هذه التطورات المهمّة الجارية الآن على أرض العرب، تحمل إيجابيات كثيرة أهمّها تحطيم جدار الخوف النفسي الذي كان يفصل بين المواطن وحقوقه في الوطن، ومن ثمّ إعادة الإعتبار لدور الناس في عمليات التغيير المطلوبة بالمجتمعات بعدما كانت في السابق حكراً إمّا على المؤسسات العسكرية أو المراهنة على التدخّل الخارجي.

أيضاً، أهمّية ما يحدث الآن هو إحياء الأمل لدى عامّة العرب بإمكان التغيير وعدم الاستسلام لليأس القاتل لأحلام الشعوب بمستقبل أفضل. وهناك إيجابية أخرى مهمّة لما نشهده الآن من حيث تراجع الطروحات الانقسامية في المجتمعات العربية، والتي سادت في الفترة الأخيرة بأشكال طائفية ومذهبية، فإذا بالتطوّرات الجارية تصحّح طبيعة هذه الانقسامات لتجعلها بين حاكم ظالم وحكومات فاسدة من جهة، وبين مواطنين ومحكومين مظلومين ينتمون لكل الطوائف والمذاهب والعقائد، من جهة أخرى.

لكن هذه المتغيّرات السياسية، التي تحدث الآن في مصر وفي المنطقة العربية، لا يمكن النظر اليها دون الالتفات أيضاً إلى استمرار "ثوابت" الصراع العربي/الإسرائيلي في محيط هذه المتغيّرات، وإلى استمرار التنافس والصراع الدولي والإقليمي على الهيمنة المنشودة على الأرض العربية وعلى ثرواتها ومواقعها الإستراتجية شرقاً وغرباً، كما لا يمكن ترقّب نتائج هذه التطورات من دون الحذر ممّا جرى حدوثه مؤخّراً من قرارٍ بسلخ جنوب السودان عن شماله، ومن إثارةٍ مفتعلة لأحداث عنفية طائفية في مصر وفي بلدان عربية أخرى.

لذلك هو أمر مهمٌّ جداً أن لا يتمّ فصل المسألة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية عن قضايا الوحدة الوطنية والتحرّر من هيمنة الخارج والتأكيد على الهويّة العربية للأوطان وللمواطنين في عموم البلاد العربية.

فالإدارات الأميركية المختلفة كانت مع الديمقراطية في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة بمقدار ما تكون هذه "الديمقراطيات" منفصلة عن قضية التحرّر الوطني وعن مسألة الهوية العربية. وستكون الإدارة الأميركية الآن مع الديمقراطية في تونس ومصر وغيرهما بمقدار بُعد هذه "الديمقراطية" عن المسّ بالسياسات الخارجية التي كانت عليها الحكومات السابقة في هذه البلدان، وبما لا يؤثّر سلباً على العلاقات التي كانت قائمة بين هذه البلدان وبين إسرائيل!.

إنّ القضايا التي تُحرّك الشارع المصري الآن، كما كانت في تونس وكما هي الآن في الأردن، تتمحور حول "الإصلاحات السياسية والاقتصادية" وقضايا الغلاء والفقر وفساد الحكم وانعدام فرص العمل أمام الجيل الجديد، وهي كلّها مسائل مرتبطة بالسياسة "الداخلية"، وهذا ما تدركه واشنطن ولا تمانع من تغييره. فما يهمّ الحاكم في واشنطن ليس من يحكم في بلدان المنطقة، بل بقاء هذه البلدان تسبح في الفلك الأميركي وبالوفاء بالالتزامات التي كانت عليها الحكومات السابقة تجاه أميركا وتجاه إسرائيل أيضاً.

من المهمّ أن لا ننسى كيف وصل الرئيس حسني مبارك للحكم. فهو قال ليل الجمعة الماضي في كلمته "أنّ الأقدار شاءت ذلك"، وهو طبعاً يقصد اغتيال الرئيس السابق أنور السادات يوم 6 أكتوبر من العام 1981، وكان حسني مبارك حينها نائباً للرئيس. وذلك ربّما يُفسّر سبب امتناع الرئيس مبارك طيلة ثلاثين عاماً عن اختيار نائبٍ له!! لكن اغتيال السادات لم يؤثّر على السياسة الخارجية المصرية ولا على المعاهدة مع إسرائيل ولا على العلاقات الخاصّة مع واشنطن!!.

إنّ موقف الولايات المتحدة تجاه بلدان المنطقة العربية الآن سيكون كما كان تجاه دول أوروبا الشرقية في مطلع التسعينات: تشجيع على التغيير الداخلي وبناء حكومات ديمقراطية شرط إقامة علاقات خاصة مع واشنطن والحلف الأطلسي. المشكلة بالنسبة لواشنطن في المنطقة العربية أنّ معظم الحكومات فيها تسير في الفلك الأميركي لكن بلا ضمانات داخلية باستمرار هذه الحكومات نتيجة مشكلتيْ الاستبداد والفساد، وهاهي واشنطن الآن، في موقفها من انتفاضة مصر، تستفيد من تجربتها مع انتفاضة تونس عندما تجاهلت لأسابيع ما كان يحدث ثم حاولت استدراك ذلك من خلال قول السفير فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الأميركية بأنّ ما حدث في تونس نموذج مهم لكل المنطقة!!.

الشباب العربي في مصر استفاد أيضاً من تجربة الشباب العربي في تونس واتّبع أساليب التحرّك نفسها وأدوات التواصل ذاتها وعدم انتظار الأحزاب والحركات السياسية من أجل المبادرة والتحرك والانتفاضة ضدّ النظام الحاكم.. كلُّ ذلك هو بالأمر الجيد والمهم، لكن الثورات وحركات التغيير ليست هدمَ ما هو موجود فقط بل هي بناءٌ لما هو مطلوب، وهذا يعني عملياً ضرورة الربط والتلازم بين الفكر والقيادة والأسلوب.

حتى الآن لم تتّضح ماهية "الأفكار" ولا طبيعة "القيادات" التي تقف خلف "الأساليب" الجيّدة التي يقوم بها الشباب العربي المنتفض في تونس ومصر وغيرهما. إذ لا يجوز أن يرضى هولاء الشباب الذين يضحّون الآن بأنفسهم أن تكون "أساليبهم" السليمة هي لخدمة أفكار ومشاريع وقيادات غير سليمة تسرق تضحياتهم وإنجازاتهم الكبرى وتُعيد تكرار ما حدث في السابق في المنطقة العربية من تغييرات كانت تحدث من خلال الانقلابات العسكرية أو الميليشيات المسلحة ثم تتحوّل إلى أسوأ ممّا كان قبلها من واقع.

إنّ الديمقراطية السليمة والعدل السياسي والاجتماعي مطلوبان فعلاً في دول المنطقة، بل في أنحاء العالم كلّه، والحاجة ماسّة لهما كذلك في مجال العلاقات بين الدول، وفي ضرورة احترام خيارات الشعوب لصيغ الحياة الدستورية فيها، وفي عدم تدخّل أيّة دولة (كبرى أو صغرى) في شؤون الدول الأخرى.

إنّ الديمقراطية هي وجهٌ من وجهي الحرّية، وهي صيغة حكم مطلوبة في التعامل بين أبناء البلد الواحد، لكنّها ليست بديلة عن وجه الحرّية الآخر، أي حرّية الوطن وأرضه من كل هيمنة خارجية.

للأسف، فإنّ الواقع العربي ومعظم الطروحات الفكرية فيه، والممارسات العملية على أرضه، لا تقيم التوازن السليم المطلوب بين شعارات: الديمقراطية والعدالة والتحرّر ومسألة الهوية العربية.

فمعيار التغيير الإيجابي المطلوب في عموم المنطقة العربية هو مدى تحقيق هذه الشعارات معاً.

إنّ البلاد العربية هي أحوج ما تكون الآن إلى حركة جيل عربي جديد تتّصف بالديمقراطية والتحرّر الوطني والعروبة. حركة تستند إلى توازن سليم في الفكر والممارسة بين شعارات الديمقراطية والتحرّر الوطني والهوية العربية، حركة شبابية تجمع ولا تفرّق داخل الوطن الواحد، وبين جميع أبناء الأمَّة العربية..

إنّ قلب العرب جميعاً الآن على مصر وهم معها ومع حركتها للتغيير، وكلّهم أملٌ بأن تعود مصر لدورها الريادي العربي وأن تتحرّر مصر من قيود "كامب ديفيد" التي كبّلتها لأكثر من ثلاثة عقود فأضعفتها داخلياً وخارجياً.

مصر لها الدور الريادي في التاريخ القديم والحديث للمنطقة، ومصر لا يمكن أن تعيش منعزلة عن محيطها العربي وعمّا يحدث في جناحيْ الأمّة بالمشرق والمغرب، فمصر هي في موقع القلب، وأمن مصر وتقدّمها يرتبطان بالتطوّرات التي تحدث حولها. فالاختلال بتوازن مصر وبدورها يعني اختلالاً في توازن الأمّة العربية كلّها، وهذا ما حصل فعلاً بعد وفاة جمال عبد الناصر وبعد معاهدة كامب ديفيد.

جسد الأمة العربية يحتاج الآن بشدّة لإعادة الحيوية النابضة في قلبه المصري، في ظلّ أوضاع عربية كانت تسير من سيء إلى أسوأ، ومن هيمنة غير مباشرة لأطراف دولية وإقليمية إلى تدخّل مباشر في بلدان الأمّة، بل في احتلال بعضها كما حدث أميركياً في العراق، وإسرائيلياً في لبنان وفلسطين، وغير ذلك على الأبواب الأفريقية والآسيوية للأمّة العربية التي بدأت كياناتها الكبرى بالتصدّع كما هو حال العراق والسودان.

الأمّة العربية قبل هذه الإنتفاضات الشبابية كانت تعيش كابوس خطر تقسيم كلّ قطر على أسس عرقية وإثنية وطائفية ومذهبية. وكانت الأمّة تخشى على نفسها من نفسها أكثر ممّا يجب أن تخشاه من المحتلّين لبعض أرضها والساعين إلى السيطرة الكاملة على ثرواتها ومقدّراتها.

فضعف جسم الأمّة العربية كان من ضعف قلبها في مصر، ومن استمرار عقل هذه الأمّة محبوساً في قوالب فكرية جامدة يفرز بعضها خطب الفتنة والانقسام بدلاً من التآلف والتوحّد.

حبّذا لو تكون حركة الشباب العربي الآن من أجل كسر هذه القوالب المتحجّرة، وأن يتمّ وضع أهداف فكرية مشتركة لما تحتاجه الأمّة الآن من عناصر لنهضة عربية جديدة، وأن يتمّ استخلاص الدروس والعبر من تجارب الماضي، بإيجابياتها وسلبياتها معاً، وأن تكون حركة الشباب العربي اليوم بداية لعودة الوعي والروح إلى الأمة كلّها.

الشعب المصري قال كلمته...فتحية له/ محمود كعوش


لطالما راهنا على الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج ولم نُسقط المراهنة عليها في يوم من الأيام. ولطالما قلنا ولم نزل نقول أن هذه الشعوب حليمة وصبورة وصدورها رحبة وقد تحتمل الضيم والظلم والقهر والقمع والتعذيب والجوع وكل صنوف وأنواع الحرمان، لكن إلى حين وليس طول العمر ولا إلى نهاية أعمار حكامها الذين نصبوا أنفسهم ولاة أمور عليها بالزيف والتزوير والبلطجة وقوة الحديد والنار.
والشعب المصري البطل هو جزء غالٍ ومهم جداً من هذه الشعوب العربية، بل كان على مر التاريخ ولم يزل وسيبقى قدوتها وفخرها وعزها. ولم نتوقف يوماً عن قولنا للمتطاولين والمفترين على هذا الشعب الذين اتهموه ظلماً وعدواناً وزوراً وبهتاناً بالضعف والوهن والخذلان والاستكانة وألاستسلام، أن افتراءاتهم واتهاماتهم هي مجرد هراء ومردودة عليهم ولا مكان أو محل لها من الإعراب في قاموس النضال الوطني والقومي. فصدى صوت المارد العربي والعالمي التاريخي جمال عبد الناصر المدوي والهادر لم يزل كما كان من حيث تأثيره على عقول وقلوب وضمائر كل أبناء الشعوب العربية الوطنية والشريفة، تماماً كما لم يزل فكر ثورة 23 تموز المجيدة كما كان من حيث تأثيره على هذه العقول والقلوب والضمائر، بالرغم من مضي 41 عاماً على رحيل المارد و59 عاماً على تفجر الثورة، وفي الطليعة طبعاً أبناء الشعب المصري.
قد يرتضي الشعب المصري رئيساً متهاوناً لا تهمه غير مصالحه الشخصية ومصالح عائلته وأعوانه ومحازبيه وأسياده في واشنطن وسلامته وسلامتهم وأمنه وأمنهم، والحفاظ على التزاماته تجاه "إسرائل" وقادتها استجابة لمتطلبات إتفاقيات كامب دافيد المشؤومة. وقد يرتضي حكومة هزيلة لا مسؤولة ولامبالية وغير مكترثة إلا لخدمة أهواء الرئيس الشخصية والعائلية والمحسوبية والحزبية والمصلحة الأميركية - "الإسرائلية".المشتركة. وقد يرتضي ويرضى بهذا كله بكثير من الصبر والمكابرة وجلد الذات وكظم الغيض وشد الحزام، لكن إلى حين وليس طول العمر ولا إلى نهاية أعمار رئيسه ورئيس حكومته ووزرائه بمن فيهم وزير خارجيته "العتيد" الذي لا يعرف حقيقة الشعب المصري كما يجب ولا يعرف كيف يقرأ نفسيته ومشاعره وأحاسيسه وحاجاته ومتطلباته إلا في حدود لا تتجاوز أنفه، تماماً كمعرفته وقراءته للأوضاع العربية والإقليمية والإسلامية والدولية.
لا أظن أن أحداً فينا نسي ما قاله قبل أيام وزير الخارجية هذا المدعو أحمد أبو الغيط، بكثير من قصر النظر والعنجهية والأبهة والعظمة والمنفخة حول انتفاضة الشعب التونسي البطل "إن حركة تونس لن تصل غير تونس" وإن ذلك مجرد "حكي فاضي"، حسب تعبيره. حينها عرفنا أن شرر انتفاضة تونس قد طال بالفعل مصر وزلزل نظامها وأنه لن تنطفئ جذوته ويتوقف عند حدودهما، بل سيتعداهما ليطال كل الأنظمة العربية والحكام العرب، وأن ذلك الشرر سيُلِمُ بمخادع هؤلاء الحكام كالنازلة تماماً ولن يرحمهم لا هم ولا مخادعهم.
عندها وعندها فقط سيقتص الشعب المصري من نظامه الشمولي البائس كما ستقتص الشعوب العربية الأخرى من أنظمتها الشمولية البائسة، بعد أن لوثت هذه الأنظمة طعم رغيف الخبز بالعلقم والمرارة لصالح المحسوبيات والكروش المتخمة التي أصبحت تعجن خبز البلاد بالسم والقهر والذل والمهانة والخسة وفقدان الكرامة والإرادة.
لقد تحمل الشعب المصري من النظام ورئيسه وعائلته وأعوانه ومحازبيه وإرهاصات علاقاته مع واشنطن وتل أبيب من الإذلال ما جعل الكيل عنده يفيض وصبره ينفجر. ولقد ارتضى مرغماً وتحت التهديد بالحديد والنار والتجويع والإفقار أن ينعم أقل من 5 بالمئة منه بخيرات البلاد طوال أكثر من 30 عاماً. فوفق تقارير لصندوق النقد الدولي للتنمية الزراعية ولجنة الأمم المتحدة للتنمية الإدارية ولجنة الإنتاج الزراعي بمجلس الشورى المصري "إن فى مصر 48 مليون فقير يعيشون فى 1109 مناطق عشوائية أي 45% من المصريين وإن بها 2.5 مليون مصرى يعيشون فى فقر مدقع، وإن 45% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر ويحصلون على أقل من دولار واحد فى اليوم. واستناداً لتقرير التنمية البشرية العربية لعام 2009 فإن 41% من اجمالى عدد السكان فى مصر فقراء و 12 مليون مصرى ليس لديهم مأوى منهم 1.5 مليون يعيشون فى المقابر، و 16% من دخل الفرد فى مصر ينفق على الطعام والشراب. واستناداً لتقرير أصدرته "شعبة الخدمات الصحية والسكان بالمجلس القومى للخدمات والتنمية الاجتماعية التابع للمجالس القومية المتخصصة المصرية" فإن 46 % من الأسر المصرية لا تجد الطعام الكافى للحركة والنشاط وإن فى مصر 10 مليون عاطل عن العمل أي 21.7% من اجمالى قوة العمل، وإن مصر تحتل الرقم 115 من 134 دولة على مستوى مؤشرات الفساد بين المسئولين.
إن أي مراقب محلي أو دولي قُيض له الاطلاع على هذه الأرقام وغيرها من خفايا مصر كان لا بد وانه يتكهن بان الانفجار فيها لا محالة قادم، ما لم تتم معالجة الأسباب التى أدت إلى هذه النتائج والأرقام المخيفة. .Iمن هنا فإني لا أرى ما يدعو للغرابة في كل ما تشهده مصر الآن من مظاهرات واعتصامات احتجاجية كثيفة ومتواصلة. فقد بلغ السيل الزبى عند الشعب المصري إلى درجة فقد معها قدرته على الاحتمال واضطر للخروج من "قمقمه" غاضباً ليصرخ من فرط ألمه ويقول كفى كفى كفى، ويتدفق زرافات ووحدانا إلى الشوارع والميادين العامة مطالباً النظام بالرحيل السريع أو المضي في مطالبته إلى حين إسقاطه وإحداث التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مصر.
هوذا الشعب المصري البطل الذي قال اليوم كلمته بكل جرأة وانتصاب قامة وعزة وكرامة. فلا لا لا للضيم والظلم والقهر والقمع والتعذيب والجوع...ولا لا لا لكل صنوف وأنواع الحرمان والتجويع والإفقار...لا لنظام وأعوان وحزبيين ينبطحون ويستسلمون لمشيئة بقايا المتصهينين من المحافظين الجدد في واشنطن وحثالة الإرهابيين في تل أبيب... لا وألف ألف لا ولا لرئيس لا يطيب له النوم إلا في حضني الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، اللذين يتوسم فيهما راحته وطمأنينته وأمنه وأمانه وسلامته ويرى فيهما صديقين صدوقين وموثوقين على حساب وطنية شعبه وأمته...لا وألف ألف لا ولا لرئيس يتخلى عن كرامته للعدو ويرى في أبناء شعبه "قطعاناً وحجارة شطرنج" يحركها كما يشاء ويتهاون في حفظ كراماتها ويحاول بشتى الوسائل غير المشروعة والتي تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان كسر إراداتها.
نعم هوذا الشعب المصري قد عاد الآن لأصالته المصرية - العربية وانتفض بإصرار وحزم شديدين لاستعادة كرامته وإرادته اللتين سلبتا منه على مدار ما يزيد على ثلاثة عقود. هوذا الشعب المصري الذي لا ولن يرضى بعد الآن بديلاً لحريته والذي قال كلمته ولن يتراجع عنها مهما غلت التضحيات...فألف ألف تحية له.
بوركت أيها الشعب البطل وهنيئاً لك ولنا والنصر لا محالة قادم...قادم....قادم.

أن تكون فايسبوكيا ..أو لا تكون/ علي مسعاد

أن تكون " فايسبوكيا " اليوم ، في المغرب ، فالأمر قد لا يتطلب منك غير 5 دقائق وبلا شروط ، فالحساب مجاني وهناك العديد من الصديقات والأصدقاء في انتظار إضافتك لهم ومن مختلف بقاع العالم .
أن تكون ابن زمانك ، اليوم ، يعني أوتوماتيكيا ، أن لديك حسابا على "الفايس بوك "أو "التويتر" أو "الماي سبايس" أو غيرها من المواقع الإجتماعية الأقل شهرة .
وإن كان العكس ، فأنت مازلت بدائيا وخارج التغطية ولا علاقة لك بالتكنولوجيا الحديثة ، التي زاحمت الكتاب ، الصحف ،التلفزيون والأسرة وغيرت الكثير من المفاهيم ، التي كانت إلى وقت قريب تعني الشيء الكثير ، لكن مع تسونامي " الفايس " فقدت معانيها التقليدية ولبست لبوسا جديدا ، مغايرا ، عن دلالاتها السابقة .
فهل " الزمن " ، " المكان " وغيرها من المفاهيم التي لا تعد ولا تحصى ، التي تغيرت بقوة التكنولوجيا والثورة المعلوماتية ، هي نفسها في زمن النت ، فالفايسبوكي ، قد يحاور في الآن عينه ، حيث هو ، شخصا في أمريكا و آخر في الصين ، في الزمن نفسه ، باللغة التي يتقنها ، والتي غالبا ما تكون لغة عالمية .
وقل الشيء ذاته ، عن الصحافة الإلكترونية ، فهي متجددة ، متفاعلة و آنية ، ساهمت بدور كبير في سحب البساط من الوسائط التقليدية وأصبحت في فترة وجيزة من الزمن ، البديل والمتنفس للعديد من شابات وشباب اليوم.
فعبر النت والشبكات الاجتماعية على الخصوص ، وجدت " ثورة الياسمين " المرور عبر العالم ، بسهولة وبدون رقابة أو مقص الرقيب ، الذي غالبا ما كان يحول دون وصول " المعلومة " كما هي لا كما أريد لها أن تكون .
وما حدث ويحدث وسيحدث ، اليوم ، ما كان له أن يعرف طريقه إلى العالم بأسره لولا تسونامي " اليوتوب " ، " الفايس بوك " ،" الدالي موشن " ،" التويتر" ، الوسائل الأكثر تطورا وحداثة في التواصل والإخبار .
فأن تكون فيسبوكيا ، اليوم ، في العالم العربي ، يعني أوتوماتيكيا ، أنك معني بالذي يحدث من حولك ، من متغيرات وتحولات ، قد تخطئ طريقها إلى الصحافة الورقية كما إلى الإعلام العمومي التقليدي ، لكنها حتما ، ستجد من يحتضنها وبالمجان وبلا شروط ، على الشبكة .
الشبكة التي " هزمت " كل أشكال الرقابة واستطاعت ، في ظرف وجيز ، أن تجد لها مبحرين ومن مختلف الأعمار والجنسيات واللغات ، لا لشيء إلا لأنها تنقل الحقيقة ، كما هي ، ب"الكلمة " ، "الصوت " و" الصورة " ، خاصة وأننا نعيش زمنا سمعيا بصريا و بامتياز .
أن تكون " فيسوبوكيا " في مصر ، تونس ، فلسطين ، الأردن وغيرها من الدول العربية ، التي تعيش على إيقاع الإحتجاجات اليومية ، بسبب غلاء المعيشة ، البطالة ، الفقر ، الدونية ، المحسوبية ، الزبونية و اختر ما شئت من الكلمات التي تنهل من معجم " الذل " ،" المهانة " و" الحكرة " التي لها وقع شديد ، على قلوب الكثير من الفايسبوكيين ، اليوم ، لا لشيء إلا لأنها كلمات لا تشبه كل الكلمات ولا علاقة لها ، البتة ، بلغة الخشب و " كولو العام زين " .
فأن تكون " فيسبوكيا " فاعلا ، اليوم في العالم العربي ، هذا لا يعني أن تكون " نامبر وان " في اصطياد الفتيات القاصرات أو في ممارسة التحرش الجنسي أو نشر صور أفلام الجنس والشات من أجل قتل الوقت أو في النصب والاحتيال على الآخرين وما شئت من السلوكات الهجينة ، التي انتشرت كالنار في الهشيم ، على الشبكة العنكبوتية ، من أشخاص مرضى نفسانيا ، يعانون من الهوس والشذوذ الجنسي وهم أكثر من الهم على القلب على النت .
أن تكون فيسبوكيا ، اليوم ، يعني أن تقول كلمتك في الذي حدث ويحدث وسيحدث ، أن تقول الحقيقة كما يفترض أن تقال ، بلا زيادة أو نقصان أو لخدمة جهة على حساب جهة أخرى أو تزوير الحقائق وفبركتها لمصلحة ما ، هي أبعد ما تكون خدمة للقارئ " الإلكتروني " وتنويره عوضا عن تمويهه وتعتيمه .
فأن تكون فايسبوكيا ..أو لا تكون ؟ا ذلك هو سؤال المرحلة .


إما لبنان برئاسة الحريري أو "غزة ثانية" برئاسة ميقاتي/ راسم عبيدات


......مراجل تغلي ورياح تغير قوية تهب على المنطقة العربية،ويبدو أن الانتفاضات والثورات الشعبية،انتفاضات الخبز والكرامة بعد نجاح ثورة الياسمينة التونسية بدأت تتدحرج ككرة الثلج ولتطال أكثر من نظام عربي موال لأمريكا،ورغم ما يشكله ذلك من مخاطر جدية على الوجود والمصالح الأمريكية في المنطقة،وبما يؤشر الى ما قاله سماحة الشيخ حسن نصر الله بأن المنطقة على أعتاب تحولات تاريخية،تحولات تحسم أمر المنطقة ومصيرها بالكامل لعقود طويلة إيجابا أو سلباً،وهذا رهناً بالنجاحات والإخفاقات التي تحققها أو تمنى بها الانتفاضات والثورات الشعبية وقوى الممانعة والمقاومة العربية،ولعل ما تنظر إليه أمريكا وأوروبا الغربية وإسرائيل على درجة عالية من الخطورة ما يحدث على الساحة اللبنانية،حيث أن قوى المقاومة والمعارضة اللبنانية،خلطت الأوراق وقلبت الطاولة على رأس قوى الرابع عشر من آذار ومن خلفها أمريكا وأوروبا الغربية وإسرائيل،حيث نجحت في حسم الصراع على السلطة لصالحها من خلال إسقاط الحكومة اللبنانية وإعادة تشكيلها دستورياً برئاسة مرشحها للحكومة اللبنانية "ميقاتي"،وهذا النجاح كشف قوى الرابع عشر من آذار على حقيقتها ،فهي لم تقبل أو تسلم بهذا الانتقال السلمي للسلطة،حيث أطلقت العنان لأعمال شغب وتدمير ممتلكات وإغلاق طرق واعتداء على الطواقم الإعلامية ورفع شعارات طائفية ومذهبية،ناهيك عن حملة قدح وتشهير بحق قوى المقاومة اللبنانية وفي المقدمة منها حزب الله،وبما يشكك ويطعن في صدقية ما ترفعه وتطرحه من شعارات وبرامج حول الديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة ودولة المؤسسات واحترام وسيادة القانون وغيرها من شعارات وفذلكات كلامية ثبت زيفها على أرض الواقع،فهي لا تؤمن بالديمقراطية إلا التي تبقيها على رأس وقمة السلطة،وتجرد لبنان من سلاح المقاومة وتشرعن الفساد وبقاء لبنان تحت حكم وسيطرة السفارات الغربية،وما دون ذلك فهذا يعني وقوع لبنان تحت سلطة "ولاية الفقيه والفرس والمجوس وحلف طهران- دمشق،والخطر على وحدة لبنان أرضاً وشعباً وكذلك على الديمقراطية والحريات العامة".

فما أن أعلن عن نجاح مرشح قوى المقاومة والممانعة"ميقاتي"لرئاسة الحكومة اللبنانية حتى أعلنت الحرب عليها من قبل قوى الرابع عشر من آذار وأمريكا وأوروبا الغربية وإسرائيل،فقوى الرابع عشر أعلنت مقاطعتها للحكومة اللبنانية،ودعت أنصارها إلى اعتصامات مفتوحة دعماً للمحكمة الدولية المتعلقة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري،وأمريكا وأوروبا الغربية "حاميتا حمى قيم ومبادئ الديمقراطية والحرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها"،تلك الأكاذيب التي ثبت وكشف زيفها وانتقائيتها وازدواجيتها في أكثر من انتخابات تشريعية،أعلنت رفضها التعامل مع حكومة لبنانية يسيطر عليها حزب الله،ولعل الجميع يتذكر جيداً ماذا حصل مع الشعب الفلسطيني،فما أن أفرزت الانتخابات التشريعية الديمقراطية الفلسطينية التي وافقت عليها أمريكا وأوروبا الغربية وإسرائيل في كانون ثاني/2006 قوى سياسية لا تتوافق أهدافها وبرامجها ورؤيتها مع المشروع والبرنامج والرؤيا والأهداف الإسرائيلية والأمريكية،حتى جرى إعلان حرب شاملة على الشعب الفلسطيني مقاطعة وحصار وحروب واعتداءات مستمرة حتى الآن،ومن المتوقع أن تواجه الحكومة اللبنانية برئاسة"ميقاتي" نفس المصير،حصار ومقاطعة من قبل أمريكا وأوروبا الغربية،مع تهيئة للأجواء والذرائع من أجل شن حرب عليها،فهذه الحرب نرى أنها واقعة لا محالة،حيث جوهر الأزمة اللبنانية القائمة حالياً هي سلاح المقاومة،فأمريكا وإسرائيل عدا عن حصارهم ومقاطعتهم للحكومة اللبنانية،ستدفعان نحو تأزيم الوضع الداخلي اللبناني،فالحكومة الجديدة أمامها العديد من الملفات الكبرى والخطيرة،والتي كل واحد منها مرشح لدفع الأمور نحو الاحتراب والاقتتال الطائفي والمذهبي والحرب الأهلية،فهناك ملفات المحكمة الدولية وشهود الزور والفساد والتعيينات الكبرى وقطاع الاتصالات والأجهزة الأمنية وغيرها وكيفية التعاطي معها كفيلة بدفع الأمور للحرب الأهلية،وأنا أرى أن ملف المحكمة الدولية وما سيصدر عنها من قرارات ظنية واتهامات،ستكون بمثابة الذريعة لشن الحرب على لبنان والمقاومة،فمن المتوقع أن الحكومة اللبنانية برئاسة "ميقاتي" سترفض تسليم أي من المتهمين من حزب الله بهذا القرار الظني،وبهذا ستكون أمريكا وإسرائيل وأوروبا الغربية قد وفرتا الذريعة لشن الحرب على لبنان،حرب يراد لها إنهاء سيطرة المقاومة على لبنان،ومنع خروج لبنان خارج إطار السيطرة الأمريكية،فخروج لبنان خارج تلك الدائرة،يعني تمدد وتطور وتوسع حضور ووجود وفعل وتأثير معسكر وقوى المقاومة والممانعة العربية،وبما يشكل ليس خطراً على المصالح الأمريكية في المنطقة،بل على وجود الدولة العبرية،فهي تدرك أنها لم تنجح في تدمير سلاح المقاومة في حربها العدوانية تموز/2006،بل طرأ تطور وتحسن على قدرات حزب الله وقوى المقاومة العسكرية،وهذا يعني تغير واخلال في ميزان القوى القائم،والحد من قوة الردع الإسرائيلية،وبالتالي هذه الحرب ضرورية ولا مناص منها لإسرائيل،والتي ترى فيها حرباً للدفاع عن وجودها ودورها،حرباً تبقي لبنان تحت السيطرة والهيمنة للسفارات الغربية،وتجرد المقاومة من سلاحها.

ما تريده أمريكا وحلفائها للمنطقة العربية كاملة،فوضى خلاقة تلك السياسة التي يجري تطبيقها في العراق،ومحاولة نقلها وتعميمها عربياً الى أكثر من دولة،حروب عرقية وطائفية ومذهبية وأثنية واحتراب عشائري وقبلي وجهوي نشهده في أكثر من دولة عربية اليمن والصومال والسودان والحبل على الجرار،على أن يترافق ذلك مع تفكيك الجغرافيا العربية تقسيماً وتجزئة وتذريراً وإعادة تركيبها بما يتفق ويخدم أهدافها ومصالحها في المنطقة السودان والعراق مثالاً،ولكن يبدو أن هذه السياسة ستواجه تحدياً واختباراً كبيرين في ظل رياح التغير الكبرى التي تجتاح المنطقة العربية،وخصوصاً أن الانتفاضات الشعبية بدأت تطيح بعروش أنظمة الاعتدال العربي الدائرة في الفلك الأمريكي،ومن شأن تمدد مفاعيل تلك الثورات والانتفاضات الشعبية إلى أكثر من نظام عربي،أن يعيد الحسابات الأمريكية والإسرائيلية،وأن يحد من اندفاعاتها لشن حرب على لبنان والمقاومة هناك،وقد يخلط الأوراق ويخرج السيناريوهات المرسومة للمنطقة أمريكياً وإسرائيليا عن سياقاتها ويجعلها خارج إطار السيطرة والإيقاعات المرسومة.

ولكن ما هو واضح وما نحن متأكدين منه أن جماعة الحريري وقوى الرابع عشر من آذار قد حسمت أمرها حتى اللحظة الراهنة،إما حكومة برئاسة الحريري أو "غزة ثانية" برئاسة ميقاتي،فلسان حالها يقول إما نحن أو من بعدنا فليأتي الطوفان،وبقاءها على هذا الموقف أيضاً رهن بما يجري من رياح التغير الكبرى التي تهب على المنطقة العربية،هذه الرياح إذا ما عصفت وأطاحت بأصدقاء وحلفاء جماعة الحريري والرابع عشر من آذار على المستوى العربي،من شأن ذلك أن يخفف من حدة الاحتقان الداخلي في لبنان،ويلجم اندفاعات تلك القوى لتفجير الوضع الداخلي اللبناني،وبانتظار ما تسفر عنه تلك التطورات ستبقى الساحة اللبنانية مفتوحة على أكثر من سيناريو،مع بقاء سيناريو الذبح العسكري وتصفية المقاومة اللبنانية في رأس سلم أولويات أمريكا وإسرائيل.

هل أتاك حديث الجاهلين بأمريكا/ نافزعلوان



يا أخي لا أعلم من أين يأتي بعض الكتاب العرب والصحف العربية بأمنياتهم عن قرب إفلاس أمريكا وإنهيار أمريكا وهذا السيل من الخرافات التي لا تنم إلا عن جهل ليس بأمريكا وماهي أمريكا بل ينم أيضاً عن جهلهم بأبسط قواعد الإقتصاد الأمريكي وعلي ماذا يعتمد، والمضحك أن في كل ما ( يقصون ويلصقون ) الأخوة الكتاب العرب عن بلوغ الولايات المتحدة الحد الأقصي الذي يسمح للحكومة الأمريكية بالإقتراض وإن دل هذا علي شيئ فهو يدل علي جهل عميق وراء السبب الحقيقي في أن الولايات المتحدة تقوم بالإقتراض بل وما الذي يمكنها من الإقتراض بهذه الكثافة المالية وهل تستطيع أي دولة في العالم أن تقترض كما يمكن للولايات المتحدة أن تقترض من أي دولة تشاء في هذا العالم?

أولاً لا يوجد هناك دولة في العالم لديها حصيلة ومدخرات ودخل عام كالذي لدي الولايات المتحدة تمكنها من الإقتراض، وقبل أن نطلعكم علي الأسباب التي من أجلها تقترض الولايات المتحدة نحب أن يعرف القارئ العزيز أن القروض التي تقترضها الولايات المتحدة هي إحدي قنوات الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لدول العالم المختلفة.

مع نهاية الحرب العالمية الثانية أخذ الحجم التجاري والاقتصادي في الولايات المتحدة في النمو وبلغ فائض المدخرات إلي أرقام خيالية بينما بقية دول العالم الخارجة لتوها من الحرب العالمية الثانية شبه منهارة ومنهكة إقتصادياً، ولكن لا زالت تملك أرصدة مالية لا تمكنها مع توافرها من أن تقوم تلك الدول بتشغيلها وجلب موارد لتلك الدول تتناسب مع حجم وكم مصروفاتها قرر الكونجرس الأمريكي أن من أجل دعم بقية دول العالم ومنع إنهيارها بالكامل أن يصدر قراراً يسمح للحكومة الأمريكية الإستدانة من تلك الدول بضمان الإقتصاد الأمريكي الجبار بفوائد مرتفعة من الدول التي تقرر الولايات المتحدة أن تستدين منها وبذلك يكون العائد المادي علي تلك الدول من جراء تسليف أموالها إلي الولايات المتحدة أكثر بكثير من ما كانت ستجنيه تلك الدول لو قامت بإستثمار أموالها في ظروف دولهم المنهارة تحت بند المكسب والخسارة، فدولة كاليابان علي سبيل المثال وألمانيا وبريطانيا ومعظم دول الغرب كانت لديها أرصدة مالية ظخمة ولكن لا وسيلة لها أن تقوم بإقحام تلك الأموال في مشاريع تدر أرباحاً علي المدي القريب وهناك من كان محضور عليهم إنشاء أي صناعات كاليابان وألمانيا فكان لا بد من إيجاد وسيلة تقوم بتحصيل مدخول لتلك الدول وكانت إدانة الأموال للولايات المتحدة هي أفضل وسيلة لتشغيل تلك الأموال.

وعندما تصل الولايات المتحدة إلي الحد الأدني المسموح به أن تستدين الحكومة الأمريكية فإن هذا لا يعني قرب ولا حتي مجرد أن يجول بالحسبان أن الولايات المتحدة علي وشك الإفلاس، كل ما يعنيه هذا الأمر هو أن الولايات المتحدة غير مسموح لها بالإستدانة إلا بقرار من الكونجرس برفع سقف الإستدانة هذا وبلوغ الولايات المتحدة هذا السقف هو في الحقيقة كارثة علي الدول التي تستدين منها الولايات المتحدة لأن هذا يعني إنقطاع دخل جديد عن تلك الدول ومجرد أن تواصل الولايات المتحدة دفع الدفعات المترتبة عليها لتلك الدول بدون دخل جديد فإن هذا يعني جموداً في إقتصاد بعض دول العالم والتي في بعضها تعتمد تلك الدول إعتماداً شبه كلي علي إدانة أموالها لدولة مضمونة كالولايات المتحدة، ومن يحسب أن شركات الصناعات اليابانية علي سبيل المثال والحكومة اليابانية تجني أرباحاً طائلة من صناعة السيارات أو بقية الصناعات الأخري فهو لا يعلم أبجديات الأقتصاد الصناعي الدائر في العالم، الشركات الصناعية الظخمة تستمد معظم دخلها من إعادة تسليف أموالها سواء للدول أو للأفراد لأنها تجارة مربحة لا تستطيع بمنتجها الصناعي أياً كان أن تقترب مجرد الإقتراب من حجم الأرباح التي تدره عملية تسليف الأموال وإعادة تسليفها.

يتضح من ما تقدم وعلي عكس ما يهلل به من لا يزالون يعيشون من دعم الولايات المحتدة ولا تزال حساباتهم الشخصية في البنوك بالدولار الأمريكي ودولهم التي تقوم علي دعم الولايات المتحدة، يتضح لهم أن من العار والعيب عليهم أن يخوضوا مجرد الخوض في الأقتصاد الأمريكي وهو الذي أكبر من أن تستوعبه عقولهم المحدودة وليذهبوا إلي مقاعد الدراسة ويجلسوا بأدب شديد ليتعلموا أن الاقتصاد الأمريكي يستند علي العديد من عوامل الأمان وأن حجم الصناعات في الولايات المتحدة وإستثماراته لو توقفت فإن هذا يعني شلالاً تاماً للعالم لا يدرك ولا يقترب كل الكتاب العرب من معني ما يكتبون عن الإقتصاد الأمريكي. رحم الله أمرئ عرف قدره فوقف عنده.

 - لوس أنجليس

استشهاد زعيم التيار العوني برسم زعماء حزب الله/ لاحظ س حداد


إستدراج زعيم الرابية حزب الله، وجحافل المقاومة وأحزاب تكتله التغييري الإصلاحي إلى مواجهة دول الأرض، العربية منها والقابضة على مجلس الأمن الدولي وسواد دول أوروبا غربية وشرقية، للقضاء على هذا الحزب واقتلاعه لفتح طريق الوصول إلى من هم وراءه، قد تكون خدمة استشهادية لهذا الزعيم يقدمها من أجل لبنان دون أن يدري مستعيضاً عن رئاسة دولة لن يتبوّءها بنصب تذكاري كنصب محرر بوليفيا!

مؤامرة مزدوجة
للمؤامرات سبل متعددة، فليس من الضروري قط أن تحاك المؤامرات تحت ضوء الشمس وغالباً ما تُبْرَم أكثر من اتفاقية واحدة، بواسطة أجهزة مخابرات متنوعة، تنصب إحداها الفخاخ فتنتفخ أوداج الداعي لمعارضة ما اتُفق عليه في الأولى تمويها لتمرير ما اتفق عليه في الثانية فتصبح الأولى ضحية الثانية..
المُأمّل أن تكشف ويكيليس أوراق المؤامرة الأولى الأساسية التي جاهر زعيم الرابية فيها بأبوة القرار 1559 ثم أنكرها، تماهياً لتنفيذ المؤامرة الثانية، لتسهيل إلباسها للغير فيكتشف الجميع أسباب اندافع هذا الزعيم غير المسبوق لتدمير كافة مبادئه اللبنانية الهوى وإنقلابه الغريب باتجاه كل ما هو غير لبناني..

ترى هل يكتشف حزب الله خيوط المؤامرة الأولى ويتهرب من نصيبه في العقاب أم أن الغرور القاتل سيقوده إلى تحقيق تنفيذ خيوط المؤامرة الثانية التي انجرّ إلى تنفيذها بإيحاء من المُخَطط الأكبر، الذي منذُ البدء انخرط في الأولى، فتتحقق نتيجتها في اقتناصه ووقف تمدد الثورة الفقيهية والفكاك منها معاً..

كلبنانيين نأمل أن يستيقط زعيم حزب الله من غفلة تُعدّ له فيها "مكيدة كبرى" فيستعيد لبنانيته من أيدي لا يمكن أن تريد له الخير بل استعملته، وتستعمله إلى اليوم "كبش فداء" لمصالحها وستستغني عنه فور الانتهاء من حاجتها إليه..

وليتذكر هذا الحزب أن أحداً لم يدافع عنه عند الأزمات الحقيقية سوى أبناء بلده ولا مصلحة له اليوم في الانقضاض عليه بل على العكس تماماً فإن مصلحته الوطنية اللبنانية أمست الملجأ الأخير وواجبه الأول، كما فعل جنبلاط، إنقاذ أبناء عشيرته ومنع هدر المزيد من دمائهم اللبنانية كرمى أناس لم يمدوا له قط يد مساعدة بسوى الكلام التناظري أو تزيده بمعدّات لن تعود عليه وعلى عشيرته وشركائه في الوطن إلاّ بالويل والثبور وعظائم الأمور..

وليتذكر أيضاً، أن من سفك وسيسفك من أجلهم دماء عشيرته وشركائه في الوطن قد تخلوا منذ زمن بعيد عن غوغائيتهم وعشوائيتهم ورفضوا كافة مسارب السلام واعتكفوا إلى منابر السفسطائية المقيتة التي أعاقت حتى اليوم كل جهد عربي وغير عربي كي يتسنى لهم البقاء في مواقعهم ذات المال والسلطة..

من اتّعظ سلم
التيار السيادي اللبناني في العالم

أين المجتمع العربي من الثقافة السياسية؟/ مأمون شحادة


أسئلة كثيرة تجلّت في الساحة السياسية العربية منذ القدم: ما هو السبب؟ وأين هو السبب؟ وكيف كان السبب؟ متجاهلين في ذلك فحوى السبب والاجابة!! فهل اجتماع سقيفة بني ساعدة، في ظل عدم وجود نظام سياسي يحدد طبيعة الحكم، هو السبب؟ ام ان جمود الفكر «السياسي» العربي، وعودة القبلية العصبية، والتناحر على السلطة، وسياسة التوريث، هي السبب؟!

أسئلة كثيرة امام احداث مصيرية عديدة، ادت الى استمرار التأزم السياسي العربي، مروراً بموقعة الجمل وصفين وتبعاتهما، وتغيرات الحكم، التي انتهجها معاوية بتولية ابنه يزيد بالقوة، مجسداً في ذلك حكماً أموياً، يليه انتقام عباسي مسيطر على سدة الحكم، وتبع ذلك صراع سياسي ما بين البداوة العربية والبداوة الآسيوية، ادى الى انقسام الدولة العباسية، وسقوط السلطة المركزية، ثم احتضارها، الذي اوقع المجتمع العربي في الضياع وسط تعدد القوميات، والإثنيات، ما جعل من المنطقة العربية لوحة فسيفسائية سريالية عصيّة على الحل.

وسط هذا الزحام للاستيلاء على السلطة، كان الفرد العربي مغيبا عن خوض الحراك السياسي، بسبب صنمية الحكم التقليدي، والقرارات الإقصائية، وغياب التنشئة والثقافة السياسية، ليتبلور في ذلك مفهوم سياسي مبني على تداول الدولة وليس السلطة.

ان فترة الخلافة العربية لم تستطع ان توظف عامل القومية كعامل اتصال ما بين الحاكم والمجتمع لبلورة ثقافة سياسية، بل تم اقصاء الرابطة القومية لمصلحة الرابطة الدينية، من دون ان تمر في عملية الصهر والمزج، حتى أخذ المجتمع بالانزواء تحت راية القبيلة والعشيرة، لان فترة تلك الحقبة ركزت على الحروب والفتوحات، فكيف يتم صهر المجتمعات غير العربية في المجتمع العربي، في الوقت الذي لم يستطع فيه صهر القومية العربية (عربياً) بين الحاكم والمحكوم من اجل انشاء وصياغة رابطة الانتماء الطوعي؟.. الى ان جاءت فترة التنوير العباسية المتأثرة بالفكر اليوناني والفارسي، فلم تجد طريقاً للنجاح، لأن عملية الصهر الداخلي ما بين «القومية والاسلام» لم تتم، وكذلك هناك الكثير من الارهاصات الفكرية، والثورية، الأمر الذي أدى الى بزوغ الدويلات، وسيطرة البداوة الآسيوية لأكثر من ألف عام، الى ان بدا واضحاً مرض تلك البداوة وظهور الدولة القطرية.

هكذا هي الساحة العربية، جمود في الفكر السياسي، وحقبة طويلة أدت الى تغييب الفرد العربي عن معترك السياسة، بدل لغة المشاركة السياسية، ما جعل من هذا الفرد يتمرد على كل السلطات الآنية، لينادي باسم القومية العربية واحيائها، لبناء دولة عربية تحمل في حناياها وحدة العرب التكوينية، وهو الشيء عينه الذي جعل من الاسلاميين (السلفيين) ينادون بارجاع الخلافة الاسلامية الى اصحابها العرب، فدخلت المنطقة العربية في صراع الضد بين الفكر القومي والفكر السلفي وسط الاتهام والاقصاء.

ومع انهيار السلطنة العثمانية وقدوم الاستعمار، تناست الحركات القومية والاسلامية «السلفية» وجوب التحرر من ثقافة الاستبداد اولا، فالحلول المستقبلية تستوجب علاجاً داخلياً وجوهرياً، وكما قال هشام شرابي «يجب احداث ثورة داخل الثورة»، من دون الاندفاع الى طريق مجهول لا يحمل الا المناكفة.

اندفعت تلك الحركات لتدخل معترك المجال السياسي وفق خطاب ديماغوجي، ودون الاهتمام بالمجالات الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، لتبقى المنطقة العربية في مخاض صعب لبناء تلك المجالات، ذلك لأن من أساسيات المجال السياسي وجود مجال اجتماعي تصاحبه مسؤولية فردية مبنية على الواجب، وان تحقيق المجال الاقتصادي، والمجال الاجتماعي من ضمن المجال السياسي (التحرري) يتطلب اطلاق الحريات، التي تمثل «المصلحة» بين الأفراد.

ليتبين ان الحركات الاصلاحية ما بين النظرية والتطبيق، لم تراعِ أن المجال الثقافي هو مجال يؤدلج المجال السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، يؤثر ويتأثر بها من خلال إنتاجها الفكري (ينتجها ويمنتجها)، لأن جميع المجالات الحياتية، تتجلى في الإطار الثقافي لبيئة المجتمعات.

حاولت الدولة القطرية ان تلبس نفسها ثوب التحديث، من خلال نماذج عدة مستوردة، كالاشتراكية، والجمهورية، والرأسمالية، لكنها فشلت في استثمار تلك النماذج، لانها لم تنبع من ذاتية وخصوصية المنطقة العربية، وبذورها لا تتلاءم مع التربة العربية، فكان من الواجب تبيئة تلك النماذج لتتمازج وتتلاءم مع البيئة العربية، ولكن.. أليس هذا ناتجاً عن تراكم زمني سببه ان الفرد العربي لم يتعود فيه على نظام سياسي واضح لتداول السلطة، بل على نظام اقصائي، وفق مفهوم التداول، وليس ثبوت الدولة، غير متناسين في الوقت عينه، ان الحكم القبلي العربي أقصي عن السلطة والحكم لمدة الف عام خلال فترة حكم البداوة الاسيوية؟!

يتضح من ذلك ان الجسم العربي يعاني من معضلة اجتماعية وسياسية قديمة، يلزمها وصفة سياسية تسمى بـ «التنشئة والثقافة السياسية»، لتجعل منه قادراً على تبييء تلك النماذج بالشكل الصحيح، وليس تبييئها بثقافة الاستبداد الموروثة، فظهرت المؤسسة العربية مشوهة بطابع القبلية، والشخصانية، والارتباط العائلي، ما يعني ان حال الماضي مشابه لحال اليوم. فالرابطة الاقصائية مازالت مسيطرة على رابطة الانتماء الطوعي، التي يُفَسَّرُ من خلالها ان الدولة هي القبيلة او الحزب، وسقوطهما يعني سقوط الدولة.

من هنا يظهر ان تحرير الفرد خطوة اساسية لتحرير المجتمع، وان خوض معركة الحضارة سابقة على خوض معركة السياسة، من اجل بناء قواعد الدولة، ومفهوم المواطنة، التي يجتمع عليها افراد المجتمع نحو طريق واقعي واحد، وثقافة سياسية واحدة، بعيدا عن الهيام التاريخي وتجميل الماضي، والاستغراب، والمثالية الديماغوجية.

الخيانة وسرقة موقع رئاسة الوزراء اللبناني/ الياس بجاني

الخيانة عاهة إبليسية تسللت إلى فكر وعقل وممارسات الإنسان منذ أن استوطن الأرض بعد أن طرد الله أدم وحواء من جنة عدن وقد تجلت بقوة في حقد قايين الذي لم يحتمل قبول الله ذبيحة أخيه هابيل فقتله مرتكباً أول جريمة في التاريخ الإنساني. كما كانت الخيانة فاقعة في تصرف إخوة يوسف الذين وعلى خلفية الحسد والغيرة وضعوه في بئر ومن ثم باعوه للإسماعيليين بعشرين من الفضة. أما خيانة الإسخريوتي للسيد المسيح مقابل ثلاثين من فضة فقد أمست نموذجاً للخساسة ودناءة النفس.

السيد المسيح وصف بدقة هذه الآفة التي تقتلع المحبة من القلوب وتخدر الضمائر فيخون الناس بعضهم البعض: "ويرتد عن الإيمان كثير من الناس، ويخون بعضهم بعضا ويبغض واحدهم الآخر. ويظهر أنبياء كذابون كثيرون ويضللون كثيرا من الناس. ويعم الفساد، فتبرد المحبة في أكثر القلوب. ومن يثبت إلى النهاية يخلص". (24/10-13)

في القرآن الكريم آيات كثيرة عن الخيانة من بينها:
"فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ". (سورة البقرة آية 283)
"إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا" (سورة النساء آية 58)
"إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ (سورة الأنفال آية 58)

التاريخ العربي مليء بالخونة ومن أشهرهم أحد الخوارج المدعو عبد الرحمن بن ملجم الذي خان علي بن أبي طالب حين ضربه بسيف مسموم على رأسه فيما كان يؤم المسلمين بصلاة الفجر في مسجد الكوفة. وصفة الطروادي التي تستعمل لنعت الخونة مستقاة من أسطورة إغريقية قديمة مفادها أن جيش إحدى مدن الإغريق أهدى أعداءهم حصاناً خشبياً كبيراً، فقبلوه وجاءوا به إلى بلدتهم، وفي الليل فُتِح الحصان فخرج منه جنود استطاعوا السيطرة على مدينتهم. وفي الشعر العربي كم كبير من الأبيات تحكي الخيانة منها قول علي بن مقرّب: "لا تركنَنَّ إلى من لا وفاءَ له الذئبُ من طبعهِ إن يقتدرْ يثبِ”.

ومن الحقبة الرومانية يستحضرنا قول يوليوس قيصر الشهير لأخلص خلصائة واصدق اصدقائة بروتس: "حتى أنت يا بروتس" وذلك عندما شارك بروتس أعضاء مجالس روما في قتله وطعنه بخنجر.

لبنان وطن القداسة والمحبة والرسالة مهدد اليوم من جراء ممارسات قادة وسياسيين ومسؤولين خونة خافوا على حياتهم ومالهم والنفوذ ولم يخافوا الله وعقابه فرضخوا صاغرين لمشيئة الإرهاب الإيراني والسوري. تجابنوا وخافوا فخانوا وكالة الناس التي مُنِحت لهم في الانتخابات النيابية وأوصلتهم إلى مجلس النواب. خانوا وعودهم ونقضوا عهودهم وغيروا مواقفهم وتحالفاتهم وماشوا الأبالسة العاملين ليلاً نهاراً على إسقاط النظام اللبناني الحضاري والتعايشي والحر لاستبداله بجمهورية ملالي أصولية على شاكلة تلك المفروضة على الشعب الإيراني بالقوة وكل وسائل الإجرام والبلطجة.

يواجه لبنان اليوم هجمة سورية وإيرانية مباشرة ومن خلال عصاباتهما المسلحة بهدف اقتلاع هويته ونحر تاريخه والتنكر لشهدائه وتعطيل الديموقراطية والحريات فيه وفرض ثقافة الموت والانتحار والتقوقع وشرعة الغاب على أهله. من المؤسف والحالة على ما هي عليه أن نرى قادة وسياسيين ونواب ومسؤولين يخونون الوطن والمواطن ويماشون قوى الشر والإرهاب التي تعمل جاهدة وبالقوة على استعباد واحتلال لبنان وتحويله ساحة ومنطلقاً لمشروع سوري وإيراني أصولي وشمولي ومذهبي وإرهابي وتوسعي هدفه الواضح والجلي إسقاط كل الأنظمة العربية لمصلحة مشروع إحياء الإمبراطورية الفارسية الخمينية ونشر الفوضى في كل أرجاء العالم.

المطلوب من الشعب اللبناني لفظ كل الخونة وسحب الوكالة النيابية منهم والوقوف بشجاعة في وجه مشروع حزب الله الجهنمي وإجهاضه. أحرار وطن الأرز سيسقطون كل الخونة والمترددين والوصوليين والصنوج والأبواق والمرتزقة. أما النصر في النهاية فلن يكون إلا للبنان الحر السيد المستقل، وللبناني الأبي المؤمن الذي لا يخاف إلا الله سبحانه تعالي ويعمل بتعاليمه ويلتزم بشرعته. لبنان عصي على كل المحتلين وجماعات الإرهاب والأصوليين.

لا لرئيس وزراء ينتعله حزب الله وقراره يأتي من سوريا وإيران،
لا لوزارة تعمل على إلغاء المحكمة الدولية وضرب أسس النظام اللبناني،
لا لسلاح حزب الله ولا لدويلته الإيرانية ولا مشروع ولاية الفقيه،
لا لنواب خانوا وكالة من أوصلهم إلى مجلس النواب،
لا لأحزاب غير لبنانية في عقيدتها وفكرها، وتمويلها ومرجعيتها، وممارساتها وثقافتها،
لا لمقاومة كاذبة ولتحرير هو دجل فاضح وتجارة رخيصة،
لا لغير لبنان التعايش والمحبة والحريات، وألف لا لكل أطماع سوريا ومشاريع إيران التوسعية،
لا للخونة والمارقين وضعفاء النفوس والطرواديين والخائفين، ونعم وألف نعم للبنان الرسالة والقداسة والعنفوان.

مساجد المسلمين في غزة ليست دورا للعبادة/ عبـد الكـريم عليـان


لم نكن نعرف في السابق أن كثرة بناء المساجد في غزة ستصبح يوما قواعدا تنظيمية لفصيل أو حزب سياسي بقدرما هي دورا للعبادة والتواصل بين العبد وربه..؟ وعلى سبيل المثال: مخيم جباليا الكائن شمالي مدينة غزة وصل عدد سكانه لأكثر من تسعين ألف نسمة عام 1990 في مساحة لا تزيد عن الكيلو متر المربع، جميعهم من اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من أراضيهم وبلداتهم الفلسطينية عام 1948، وحتى عام 1990 كان في المخيم عشرة مدارس أساسية تديرها منظمة الأونروا الدولية بالإضافة لمدرسة حكومية واحدة ثانوية ومع ذلك كان يتلقى فيها التعليم الثانوي كل أبناء محافظة شمال غزة، وما يهمنا في هذا المقال أنه كان في المخيم مسجدان فقط مع إمامين رئيسيين، وأضيف لذلك مسجدان في أطراف المخيم الذي بدأ يتسع شمالا وشرقا، أما اليوم فوصل عدد المساجد داخل المخيم ما يزيد على عشرين مسجدا موزعة في كافة حاراته.. أي تضاعفت بنسبة 500 في المائة أما المدارس فبقيت كما هي سوى أنها أصبحت فترتين وبني فيما بعد ثلاثة مدارس بعيدة عن المخيم، وحسب ما هو متداول حاليا بين الناس أن هذه المساجد تسيطر عليها حركة حماس، عدا مسجدين تسيطر عليهما حركة الجهاد الإسلامي.

في الانتفاضة الأولى التي فجرها مخيم جباليا عام 1987، بدأت حركة حماس نشاطها في شهر شباط من العام التالي، وفي أثناء الانتفاضة تصادمت مع العديد من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية كل على حدا، وكذلك حركة الجهاد الإسلامي.. ووصل بها الأمر في استخدام أحد المساجد معتقلا لمنافسيها من تلك التنظيمات، وعلى سبيل المثال: حدث مرة أن كان أحد النشطاء ضد الاحتلال هاربا من دورية إسرائيلية فلم يجد أمامه إلا اللجوء للمسجد كي يحتمي فيه، ولأنه كان معروفا لديهم ومن تنظيم غير تنظيمهم؛ فما كان منهم إلا تقييده والتوسع فيه ضربا مبرحا، وبعد تدخل بعض الوجهاء في المنطقة أخلوا سبيله.. ومنذ ذلك الوقت زاد اهتمام حركة حماس بالمساجد وبنائها في كل حارة كي يكون المسجد قاعدة حزبية لهم، وأصبح المسجد هو الخلية التنظيمية الأولى، وصار الأمير فيه وأعوانه من التنظيم يقود الإمام ويحدد له الخطوات والسياسة التي يجب أن يتبعها، ومن هنا وفرت المساجد في جميع محافظات غزة قاعدة جماهيرية قوية لم تتوفر لأي تنظيم آخر..

قبل فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية حدثت اشتباكات بين قوات الأمن الفلسطينية المتمركزة في مقر للشرطة وعددا من مسلحي حماس والجهاد في مخيم جباليا، ولسنا هنا في معرض الحديث عن ذاك الحادث.. إلا أن ذلك صار بفعل التحريض الكبير من الجوامع ومكبرات الصوت التي تعلو مآذنها إضافة لما يبث من سموم داخلها ليلا نهارا، وفي ذلك الحادث قتل ستة أطفال وجرح عدد آخر، ولم تعرف الجهة التي قتلتهم، لكنهم اُحتسبوا شهداء لحركة الجهاد الإسلامي.. وأذكر بعدها أنني قمت برفقة صديق لمقر الأمن الوقائي وقابلنا المدير وطالبناه بعمل اللازم لوقف استخدام المساجد في التحريض ضد السلطة التي تقدم الدعم المالي والإداري لهذه المساجد، لكنه لم يعر طلبنا أي اهتمام..؟! ومن هنا تتحمل السلطة والأحزاب كل المسئولية عما يجري؛ وفي هذا المجال يقع العبء الأكبر على النواب في المجلس التشريعي حينها حيث كانت كتلة فتح البرلمانية هي الأكبر، ولا ندري لماذا لم تناقش تسييس المساجد؟ وكيف أنها لم تكن تدرك ما يدور؟ وأن ذلك سينعكس سلبيا على العملية الديمقراطية برمتها ؟ إذ من الواضح أن معظم التشريعات في العالم تمنع استخدام دور العبادة للتجنيد السياسي، وكذلك لا ترخيص للأحزاب الدينية، ولعل ذلك حصيلة حروب طاحنة بين الكنيسة والقوى السياسية في أوروبا استمرت قرونا طويلة حتى فصلت الدين عن الدولة.. نعتقد أن ما جرى في غزة هو نتاج لتطور طبيعي للعملية الديمقراطية المشوهة، وكان يجب على دهاقنة السياسة والقانون الانتباه لما سيجرى.. لاسيما أن العالم الديمقراطي (ليس ديمقراطية العرب وإسرائيل) تحرم وجود أحزاب دينية.. إن حادثة مخيم جباليا كان يجب أن تنذر بالكارثة، كما أن سكوت السلطات على جريمة جباليا أيضا التي راح ضحيتها ما يقارب أربعين مواطنا عندما انفجرت صواريخ حماس التي كانت تستعرض بها في مهرجان لها، ولم تحاسب السلطة حينها المسئول عن تلك الجريمة، وكذلك لم تتفحص أو تضع شروطا تحافظ على أمن المواطنين في مهرجان كهذا وسط مخيم جباليا.. إن السكوت على تلك الجرائم، وكذلك عدم الانتباه لحاجتنا للتشريع بالتأكيد سوف نصل لما وصلنا إليه..!

في مخيم جباليا كما في أماكن عدة من غزة هناك أكثر من مسجد في شارع لا يتعدى ثلاثمائة متر.. فهل يعقل هذا..؟؟ والغريب أيضا في هذا المجال أنه عندما يقام الآذان في أي وقت للصلاة فإنك لا تفهم شيء من الآذان لعدم توافق مؤذني الجوامع في الصوت، وهذا يؤدي إلى تشويش كبير وإرهاق في السمع لسكان المنطقة، أو المارين من هناك.. فهل هذا يجوز؟ ونحن في عصر التكنولوجيا ويمكن حل هذه المشكلة بتوحيد الآذان في هذه المساجد؟؟ أو أن الأمر يتعلق بالسياسة لأن أحد تلك الجوامع يتبع تنظيم الجهاد الإسلامي والمساجد الأخرى محسوبة لحركة حماس؟؟ كما هو مؤسف جدا أن يبنى مسجدا حديثا ويؤثث على أحدث طراز وسط بيوت فقيرة ومنازل آيلة للسقوط ، ولا تتوفر فيها أدنى الشروط الصحية التي تحافظ على الإنسان.. وكأنّ في الأصل البناء، وليس الإنسان..؟! أليس أجدر وأثوب أن نهتم بالإنسان الذي يعيش في هذه المنطقة؟؟ وبدلا من بناء المسجد أن نرمم تلك البيوت ونحسن من الشروط الصحية لسكانها؟؟ أهذا ما أوصانا به الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: "لأن هدم الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من إراقة دم امرئ مسلم" أليس في ذلك حفاظا وقوة للإنسان التي تقبل صلاته في أي مكان..؟ هذا غير القصص والجرائم اللا أخلاقية مع الأطفال التي ترتكب بين وقت وآخر في عدد من مساجد غزة، ولعل ملفات الشرطة والمباحث تحوي الكثير من تلك القصص والجرائم.. والأفضل أن ننهي مقالتنا بما روي عن أحد الصحابة الجلل ـ رضوان الله وصلواته عليهم ـ حيث "حدثنا أنس بن عياض قال سمعت هشام بن عروة يقول لما اتخذ عروة بن الزبير قصره بالعقيق قال له الناس قد جفوت عن مسجد رسول الله قال إني رأيت مساجدكم لاهية وأسواقكم لاغية والفاحشة في فجاجكم عالية وكان فيما هنالك عما أنتم فيه عافية ..."