سياسة أردوغان العربية في سياقها الاستراتيجي/ نقولا ناصر


(الاستقالة الجماعية غير المسبوقة لرئيس هيئة الأركان وأعضاء القيادة العسكرية التركية يوم الجمعة الماضي هي مؤشر أكيد على أن الولايات التحدة قد انحازت لأول مرة الى جانب الحكومة التركية في صراعها مع الجيش المستمر منذ عام 1924)

كان رئيس الوزراء الأردني د. معروف البخيت مصيبا عندما قال خلال لقائه الأخير مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان في اسطنبول إن العلاقات الثنائية تستند "على القاعدة التاريخية المتينة للعلاقات الأردنية التركية في كافة الحقب والمراحل التاريخية"، لكنه كان أقل دقة عندما أثنى على الجهود التركية "على المستوى الاقليمي لدعم الاستقرار"، إذ لا يمكن وصف السياسة الخارجية التركية وبخاصة خلال العام الجاري بأنها تدعم الاستقرار إقليميا وهي تغذي حربا أهلية تحت مظلة التدخل العسكري الأجنبي الذي يعرقل الحل السياسي في ليبيا بينما لا يمكن وصف هذه السياسة سوى بأنها في الأقل تغذي عدم الاستقرار في سورية.

ولأن كل الانقلابات العسكرية التركية على الحكومات المنتخبة السابقة ما كانت لتتم دون ضوء أخضر من القيادة الأميركية لحلف شمال الأطلسي "ناتو" الذي يضم في عضويته تركيا الدولة المسلمة الوحيدة فيه، فإن الاستقالة الجماعية غير المسبوقة لرئيس هيئة الأركان وأعضاء القيادة العسكرية التركية يوم الجمعة الماضي هي مؤشر أكيد على أن الولايات التحدة قد انحازت لأول مرة الى جانب الحكومة التركية في صراعها مع الجيش المستمر منذ صوت البرلمان التركي على إلغاء نظام الخلافة الاسلامية وإسقاطه في الثالث من الشهر الثالث عام 1924، ولا يمكن لواشنطن أن تقدم على انحياز تاريخي كهذا لو لم تكن متأكدة من أن رئيس الوزراء أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي يقوده قد حلا محل الجيش كضامن لعلمانية الدولة التركية ولالتزاماتها تجاه حلف الناتو ولعلاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة التي قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مؤخرا إنها "تجاوزت كون البلدين حليفين استراتيجيين، إذ توجد الآن شراكة معاصرة" بينهما. وفي هذا السياق فقط يمكن فهم المواقف التركية تجاه القضايا العربية وبخاصة ثلاثة منها ساخنة حاليا في فلسطين والعراق وسوريا.

لقد حرصت كل الدول العربية على عدم التدخل في الشأن التركي الداخلي وفي اختيارات الشعب التركي السياسية داخليا وخارجيا، وحرصت جميعها حتى عندما كانت منقسمة بين "تقدمية" متحالفة مع الاتحاد السوفياتي السابق وبين "رجعية" متحالفة مع الولايات المتحدة الأميركية خلال الحرب الباردة على "تحييد" تركيا في صراعها مع دولة الاحتلال الاسرائيلي في الأقل إن لم تستطع أن تكسب تأييدها في هذا الصراع، لكن دون طائل، حتى لاحت بارقة أمل في تغيير الموقف التركي بوصول الزعيم التركي الاسلامي الراحل نجم الدين أربكان الى رئاسة الوزراء قبل أن ينقلب الجيش التركي على حكومته عام 1997، ثم تجددت الآمال العربية في تغيير تركي كهذا بعد وصول حزب العدالة والتنمية الى الحكم عام 2002 بسبب الخلفية "الاسلامية" لهذا الحزب المنشق عن أربكان.

ولم يخيب حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان وعبد الله جول رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية الحاليين على التوالي الآمال العربية، فاعادوا السلطة الى الشعب التركي المسلم في أغلبيته الساحقة بعد احتكار الجيش لها طيلة ما يزيد على تسعين عاما، واعتمدوا لغة القرآن الكريم العربية لغة تدريس رسمية وإن لم يعتمدوا حروفها التي استبدلها أتاتورك بالأحرف اللاتينية، وألغوا التأشيرة مع العديد من الدول العربية التي ما زال زائرها العربي بحاجة الى تأشيرة للانتقال بينها، وانفتحت الأسواق العربية أمام تجارتهم واستثماراتهم وتدفق على بلادهم السياح والاستثمارات العربية بالملايين والمليارات، ولامس خطابهم الفلسطيني أفئدة العرب حتى كاد زعيمهم أردوغان ينافس قادة عرب تاريخيين على مكانتهم في القلوب العربية، وبلغ فتحهم السياسي العربي ذروته باستشهاد تسعة نشطاء سلام أتراك قتلتهم قوات الاحتلال الاسرائيلي عندما هاجمت سفينة مرمرة ضمن أسطول الحرية لغزة آخر الشهر الخامس من عام 2010.

لكن منذ هذا التاريخ بدت أنقرة كمن يسير في اتجاه عكسي حتى كشفت أزمة الاصلاح في سورية أن تركيا عندما خيرتها هذه الأزمة بين التزاماتها الاستراتيجية تجاه حلف الناتو والولايات المتحدة وبين تحويل توجهها العربي – الاسلامي الى التزام استراتيجي فإنها اختارت السلامة بمواصلة الالتزام بإرث أتاتورك في سياستها الخارجية، وليس الالتزام بإرث نجم الدين أربكان المناهض للصهيونية وصاحب المشروع المقدم الى مجلس النواب التركي عام 1980 بقطع العلاقات التركية مع دولة الاحتلال الاسرائيلي والذي نظم في السنة ذاتها مظاهرة من اضخم ما شهدته تركيا المعاصرة ضد قرارها بضم مدينة القدس في انتهاك للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وفي رأسها قرار التقسيم رقم 181 الذي أنشئت بموجبه، مما يدفع المراقب العربي الآن الى مراجعة التوجه العربي لتركيا من منظور نقدي. وكان حزب العدالة والتنمية قد واجه خيارا مماثلا فرضه عليه الغزو الأميركي للعراق قبل ثماني سنوات.



وكون المصالح لا المبادئ، إسلامية كانت أم غير إسلامية، هي التي تحكم السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية التركي حقيقة تتضح في موقف الحزب من الغزو فالاحتلال الأميركي للعراق. لقد هلل العرب عندما رفض البرلمان التركي عام 2003 السماح للولايات المتحدة باستخدام الأراضي التركية لغزو العراق، لكن الحقيقة التي غيبتها الفرحة العربية بهذا القرار التركي هي أن الفضل فيه لا يعود إلى أردوغان وحزبه إذ كان لهما موقف مختلف دفع أكثر من (100) نائب في البرلمان من أعضاء الحزب الى الانضمام الى حزب الشعب الجمهوري المعارض في التصويت ضد مشروع قرار قدمه أردوغان وحزبه يجيز الغزو الأميركي العراق من الأراضي التركية. لكن هذا البرلمان نفسه، بطلب أميركي، وافق في السابع من تشرين الأول / أكتوبر من العام ذاته على نشر "قوات تركية في المناطق السنية" في العراق لاحتواء المقاومة العراقية للغزو الأميركي فيها، بتأييد من أردوغان وحزبه، والسبب الوحيد لعدم نشر القوات التركية الى جانب قوات الغزو الأميركي كان معارضة القيادات الكردية العراقية لانتشارها لأسباب واضحة.



إن زيارة أردوغان وجول لبغداد وهي تحت الاحتلال، وكون تركيا اليوم هي المستثمر الأول في العراق عربيا ودوليا، ووجود مجلس مشترك للتعاون الاستراتيجي بين البلدين يرأسه أردوغان ونظيره في الحكومة المنبثقة عن الاحتلال الأميركي نوري المالكي ينسجم تماما مع الموقف الأصلي لحزب العدالة والتنمية وزعيمه من الغزو الأميركي للعراق، فمثل هذه العلاقات "ألاستراتيجية" في ظل الاحتلال لا يمكن الا أن تساهم في تعزيز الاحتلال والنظام المنبثق عنه. إن معارضة الاحتلال الأجنبي مسألة مبدئية لا تتجزأ، فتأييد الحزب للاحتلال في العراق يثير شكوكا في جدية معارضته للاحتلال في فلسطين.



وكان العنوان الفلسطيني للتوجه التركي عربيا قد شهد مؤخرا مجموعة مؤشرات تركيه تضعه في سياق أكثر موضوعية من الحماس العاطفي الذي يثيره خطاب أردوغان الفلسطيني، ليتبين الآن أن تركيا لم تلغ أيا من اتفاقياتها مع دولة الاحتلال الاسرائيلي، وأنها في الجوهر إنما تحرك دبلوماسيتها كي تكون متوازنة وبالتالي مؤهلة للتوسط في الصراع العربي – الاسرائيلي، كما أثبتت وساطتها في إجراء مباحثات غير مباشرة سورية – إسرائيلية، وليس كي تصطف اصطفافا حاسما الى جانب القضية العربية – الفلسطينية العادلة ضد الاحتلال الاسرائيلي.



فهي لم تكتف بعدم المشاركة في أسطول الحرية لغزة – 2 فحسب بل إنها منعت سفن هذا الاسطول من الانطلاق من موانئها بعد أن منعتها أثينا من الابحار من الموانئ اليونانية، ليكتشف الفلسطينيون أنهم قد خسروا اليونان ولم يكسبوا تركيا في معركتهم لكسر حصار قطاع غزة. ثم جاءت استضافة اسطنبول الأسبوع الماضي لمؤتمر سفراء فلسطين وتكريم هذا المؤتمر بمخاطبة أردوغان له مباشرة لتكشف ان تركيا بالرغم من خطابها الذي يدعو صادقا الى فك الحصار عن قطاع غزة فإنها منحازة الى "عملية السلام" ومفاوضها الفلسطيني وليس الى المقاومة المحاصرة في القطاع.



ويتعزز هذا الاستنتاج بزيارة وزير داخلية سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية في رام الله سعيد أبو علي لأنقرة يوم الاثنين الماضي ليتبين بأن "تركيا كانت تدرب ضباط شرطة فلسطين منذ عام 1996" وأنه "حتى الآن تدرب 973 ضابط فلسطيني في تركيا منهم 61 قائد شرطة" كما قال نظيره التركي نعيم شاهين، مما يشير بدوره الى أن فتح أبواب تركيا لحركة المقاومة الاسلامية "حماس" التي يصنفها الحليف الأميركي لتركيا بأنها منظمة "إرهابية" لا يعكس اختلافا استراتيجيا بين الحليفين، وإلا لصنفت واشطنن تركيا "دولة راعية للإرهاب"، مثل تصنيفها لسورية، بقدر ما يعكس غض نظر أميركي عن محاولة تركية لتطويع حماس واستيعابها ضمن "عملية السلام".



إن تجدد الحديث مؤخرا عن زيارة ينوي أردوغان القيام بها الى قطاع غزة جدير بوقفة نقدية، إذ كان قد أعلن عن نية مماثلة لأول مرة في أعقاب الهجوم الاسرائلي على سفينة مرمرة، لكنها ظلت زيارة "نوايا طيبة" حتى الآن، إذ دفع إعلان نيته تلك الرئيس الأميركي باراك أوباما الى تحذيره من الاقدام على خطوة "استفزازية للغاية" كهذه، فاستنكف أردوغان عن القيام بها. وجدد أردوغان نيته في زيارة قطاع غزة من مصر أثناء زيارته المرتقبة للقاهرة في آب / أغسطس المقبل "إذا سمحت الظروف" كما أعلن في التاسع عشر من هذا الشهر، لكنه اشترط لعدم زيارتها صدور اعتذار اسرائيلي عن قتل تسعة ناشطين أتراك العام الماضي وتعويض أسر الضحايا عن قتلهم، مما يذكر بتبادلية تشبه الصفقات التجارية طالما اتسمت بها سياسات الكثير من الدول العربية في تعاطيها مع القضية الفلسطينية. وطبعا لا يمكن أن يكون أردوغان عربيا أكثر من العرب أنفسهم، لكن القادة العرب جميعا تخلوا منذ مدة طويلة عن الخطاب الفلسطيني الذي أكسب أردوغان شعبية عربية مؤخرا. إن عدم زيارته لغزة يظهر عمق التزاماته الاستراتيجية تجاه الغرب والولايات المتحدة من ناحية ويظهر من ناحية ثانية حدود المساحة السياسية التي تستطيع طموحات سياسته الخارجية التحرك فيها بصورة مستقلة في إطار هذه الالتزامات.



وسورية هي بوابة تركيا الى عمقها الاستراتيجي العربي في الجنوب وهي كذلك بوابة العرب الى عمقهم الاستراتيجي التركي في الشمال. وقد حرم كل من الطرفين من عمقه الاستراتيجي أولا بسبب الفصل التعسفي بين الجانبين سياسيا ودينيا وثقافيا ولغويا منذ قرر أبو تركيا الحديثة الزعيم الراحل كمال أتاتورك بعد الحرب العالمية الأولى التوجه الى الارتباط استراتيجيا بالغرب وخصوصا بالدول الغربية الراعية للمشروع الصهيوني في فلسطين، بعد أن صوت البرلمان التركي على إلغاء نظام الخلافة الاسلامية وإسقاطه في الثالث من الشهر الثالث عام 1924 مما قاد كرد فعل مباشر الى تأسيس "جماعة الاخوان المسلمين" في مصر "بعد فشل الجهود التي بذلت لاحياء الخلافة الاسلامية" كما كت د. محمد عمارة، وثانيا بسبب التحالف التركي الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية، وثالثا بسبب الانضمام عسكريا الى حلف شمال الأطلسي "ناتو" طوال حقبة الحرب الباردة وحتى الآن. وفي هذا السياق الاستراتيجي التركي كان من الطبيعي أن تكون تركيا في الخندق الآخر للصراع العربي الاسرائيلي وكان التحالف الاستراتيجي التركي – الاسرائيلي تحصيل حاصل.



صحيح أن تركيا لم تنضم الى العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على سورية، وهي تعلن معارضتها للتدخل الأجنبي فيها، لكن عضوية تركيا في حلف الناتو ترشحها موضوعيا كي تكون هي البوابة العملية الوحيدة لتكرار السناريو الليبي في سورية، وبالتالي فإن المسؤولية عن دحض ونفي أي سناريو كهذا تقع على عاتق أنقرة في المقام الأول. ومع أن الأداء السوري يؤكد حتى الآن بأن دمشق ما زالت حريصة تماما على البناء على العلاقات التي وصفها الجانبان ب"الاستراتيجية" بين البلدين الجارين خلال السنوات القليلة الماضية، فإن الأداء السياسي التركي تجاه الأزمة في سورية يشير الى العكس، بل يشير حتى الآن الى أن التدخل الأجنبي الوحيد الملموس والظاهر في الشان الداخلي السوري هو تدخل تركي.



ومنذ اندلعت الاحتجاجات الشعبية السورية في 15 آذار / نيسان الماضي مصحوبة منذ البداية بعمليات مسلحة ضد الجيش وقوى الأمن وبأعمال حرق وتخريب وقطع طرق مواصلات وتعطيل خدمات عامة استضافت تركيا خمس مؤتمرات ل"المعارضة" السورية، دعا الى بعضها أحد "نمور الأناضول" للعولمة والخوصصة عمر جهاد فاردان المقرب من أردوغان ورئيس جمعية موصياد لرجال الأعمال الأتراك، وكان آخرها المؤتمر الذي استغرق أربعة أيام من الأربعاء حتى السبت الماضيين لتطوير "التنسيق" بين مجموعات "الثورة" وبحث "العمل الثوري" قانونيا وسياسيا واعلاميا ولوجستيا. وكان الهدف المعلن للمؤتمرات جميعها هو "اسقاط النظام".



وكانت حجة أنقرة في استضافتها هي ان تركيا دولة "ديموقراطية" ولذلك لا تستطيع منعها. ويتضح الانقلاب في الموقف التركي باستذكار ما أعلنه وزير الخارجية التركي والرئيس الحالي عبد الله جول بعد مباحثات مع مستشار الأمن القومي الأميركي ستيفن هادلي في الشهر التاسع من عام 2005. قال جول آنذاك: "حذر رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان واشنطن من أن اللعب مع سوريا سوف يكون خطيرا جدا لأن سورية سوف تكون أسوأ من العراق" وكشف آنذاك بأن المباحثات تطرقت الى سيناريو ل"تغيير النظام" السوري ليعلن وقتها: "لا تستطيع تركيا التدخل في شؤون البلدان الأخرى". فما الذي تغير بعد أن أصبح جول رئيسا للجمهورية التركية!



وعندما يستذكر المراقب أن تركيا هددت سورية ب"الحرب" عندما كانت تستضيف "سرا" قيادة حزب العمال الكردستاني التركي دون أي استفزاز تحريضي علني مدعوم بتصريحات كبار المسؤولين كما هو الحال مع "الاستضافة" التركية "الديموقراطية" الحالية لمن يعملون على اسقاط النظام في سورية لا يسعه الا التساؤل عما سيكون عليه رد الفعل التركي اليوم لو كان الحال معكوسا.



إن انقلاب أنقرة حزب العدالة والتنمية المفاجئ على علاقاتها "الاستراتيجية" مع سورية وعلى تبادل تجاري ضخم بمليارات الدولارات الأميركية مع ليبيا، وعلى علاقات تركية مماثلة مع العراق قبل الاحتلال الأميركي، هو عامل عدم استقرار في سياستها الخارجية يجعل الثقة العربية في هذه السياسة جهدا صعبا جدا، وهو انقلاب لا يمكن تفسيره بالمصالح لأنه يتعارض مع المصالح الضخمة التي أقامتها تركيا مع هذه البلدان العربية الثلاث، ولا تفسير له حتى الآن سوى تعليق نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، عثمان كوروترك، في الثاني والعشرين من الشهر الجاري على انتقال حزب العدالة والتنمية "غالبا من جانب الى آخر في أية لحظة" نتيجة ل"سياسة خارجية" يتم انتهاجها "بتعليمات من الرئيس الأميركي" باراك أوباما.



* كاتب عربي من فلسطين

* nassernicola@ymail.com

موضوع للنّقاش: الحوار والتّعايش أم المقاطعة؟/ د. حبيب بولس


يدور في أوساطنا اليوم نقاش حول قضيّة الحوار أم المقاطعة- وهذا النّقاش على ما يبدو بدأ بعد هبّة أكتوبر 2000- وما تلاها من تداعيات وازداد اليوم على ضوء ما تسنّه أكثر حكومات اسرائيل تطرّفا وعنصريّة من قوانين مغرقة في العنصريّة- أعني حكومة نتنياهو/ براك/ ليبرمان.
على ضوء هذا النّقاش تأتي هذه المساهمة وهي حتما قابلة للقبول أو للرّفض ذلك لأنّها وجهة نظر شخصيّة ترتكز على قناعات صاحبها.
قابضون على الجمر باليسرى وعلى باقة ورد باليمنى ننقّلُ خطانا على أرض ملتهبةٍ ساخنة مليئة بالبثور، ونحيا مع يقينيّات تنهارُ وأخرى تتبرعم. وفي طريقنا الشّائك هذا لم يهُن عزمنا ولم يطأطأ لنا رأس. نعاينُ الأيّام ونرصدها ولا نفرّط بجمرة ولا بوردة.
جمرة للّذي يرى فينا مطيّة وأبناء جارية وأنصاف بشر، ويعتقد أنّه بالحديد وبالنّار يمكن له أن يجعلنا نذوب ونصهرُ ونتلاشى، ووردة للّذي يرانا كاملي الحقوق متساوين، من حقّنا أن نعيش على أرض وطننا الّذي لا وطن لنا سواه بكرامة. نحن مع الورد واليه نصبو، ولن يُزعزعنا شيء عن تحقيق الحلم.
منذ نصف قرن أو يزيد والمحاولة تقفو المحاولة من قبل السّلطة لتخويفنا ولتحييدنا عن هويّتنا وانتمائنا القومي. كأقليّة قوميّة تعيش على تراب وطنها وكجزء لا يتجزّأ من الشّعب الفلسطينيّ. سواء كان ذلك عن طريق مناهج تعليميّة هزيلة أو برامج اذاعيّة غثّة، أو عن طريق تشويه تاريخنا وطمس معالم حضارتنا. ولكن هذه المحاولات كلّها باءت بالفشل، ذلك لوعي جماهيرنا بأهميّة الانتماء وأهميّة الهويّة وأهميّة التّمسّك بالوطن.
ورغم كلّ ما اشاعته السّلطة من أن هويّتنا مركّبة وعصيّة وهي كعب أخيل الّذي يقودنا الى التّمزّق والضّياع. فهمنا اللّعبة، وفوّتنا على السّلطة الفرصة. وعرفنا أنّ دورنا كبير.
انّ قضيّة الهويّة المركّبة- كعب أخيل- الّتي تروّج لها السّلطة الاسرائيليّة، قضيّة مضحكة. نحن ندرك هذه التّركيبة ونعي في الوقت نفسه أهمّيتها ونرى الى أنّها لأنّها كذلك تصبح مهمّة.
نحن نعرف أنّ عبئاً كبيرًا يقع علينا، فدورنا دوران، وعلينا أن نمارسهما بنجاح وبصبر. الأوّل: دورنا كجزء من المجتمع الاسرائيليّ الّذي نعيش فيه، والّذي بحكم التّجربة صرنا نعرف خباياه وخفاياه وقضاياه وعقليّة أبنائه وحكّامه، وأحلامه وأفراحه وأحزانه، ونقاط ضعفه ونقاط قوّته. والثّاني: دورنا كجزء من الشّعب الفلسطينيّ، هذا الشّعب الّذي لا يمكن لقوّة مهما تجبّرت أن نفصم عرى ارتباطنا به، هذا الشّعب الّذي نعرف معاناته وأحلامه ونرى الى أنّه لا يمكن له ولا للآخر أن يعيش بهدوء وباستقرار وبانتعاش اقتصاديّ اذا لم يتحقّق الحلم، حلم السّلام بين الشّعبين، السّلام المتكافئ.
دورنا اذًا متميّز مميّز مقارنة مع الآخرين، ولأنّه كذلك دفعنا المهرغاليا وصرنا أصحاب تجربة نعرف من أين تؤكل الكتف. نرفع صوتنا عاليا ضدّ كلّ ممارسة خاطئة تقوم السّلطة بها ضدّ شعبنا، وكذلك نوجّه النّقد بجرأة لشعبنا حين يخطئ. نتضامن ونثور ونعلن عن غضبنا ازاء كلّ عمليّة سلبيّة، ونصفّق لكلّ خطوة ايجابيّة بامكانها أن تقرّب بين الشّعبين. دورُنا كبير فنحن نرى الى أنّنا الوحيدون القادرون على أن يكونوا جسرًا للسّلام.
لقد جرّبنا الاحتلال وما سكتنا عنه، حتّى أنجزنا الكثير ولن نهدأ لأنّنا ندرك أنّ أمامنا بعد الكثير الكثير. فعلى شعبنا أن يعرف بحكم هذه التّجربة الطّويلة والمريرة، أنّه لا يمكن أن يصل الى ما يصبو اليه بالطّريق الخطأ. يمكن أن يعتمد على تجربتنا. عليه ألاّ يساوم على حقّ مشروع، ولكن عليه من أخرى أن يجد الوسيلة الصّحيحة. انّ القتل والدّمار من الطّرفين مستنكر. فالقوّة لا تثمر الاّ حقدا والعنف لا يولّد الاّ عنفا، والقتل لا يجلب الاّ قتلا. وكلّ ذلك يبعدنا عن تحقيق الحلم.
علينا ألاّ نوفّر بتصرّفاتنا وممارساتنا ونهجنا الأعذار للعدو، علينا أن نتقن اللّعبة، كي نفوّت عليه الفرصة وألاّ نقدّم له الفرج على صينيّة من ذهب.
العدوّ ذكيّ، وعلينا أن نرتفع الى مستوى ذكائه. ذكيّ في مكيجة الاحتلال وتزيين القمع. ذكيّ في استخدام الاعلام على أنواعه. ذكيّ في تقديم نفسه للغرب على أنّه امتدادٌ له في مستنقع جاهل آسنة مياهه. ذكيّ في تسويق وتصوير نفسه للغرب على أنّه الضّحيّة. ذكيّ في تحميل الغرب مسؤوليّة كونه الضّحيّة. علينا أن نعرّي الأمر بالوسائل المقبولة على الغرب.
وكي يتم لنا ذلك علينا معرفة عقليّة الغرب، علينا أن نفتّش عن الوسائل الّتي من خلالها نصل الى فكره وعواطفه كي نزيل عن عينيه الغشاوة ليبصر حقيقة الجلّاد الّذي يتمظهر بمظهر الضّحيّة.
ونحن قادرون على ذلك، ولكن ونحن نفعل يجب ألّا يغيب عن بالنا أنّنا نحن العرب الفلسطينيّين المتشبّثين بتراب وطننا تقع علينا المهمّة المركّبة. مهمّة فضح الممارسات من جهة، ومهمّة التّشبّث بالدّولة الفلسطينيّة وعاصمتها القدس الشّريف من أخرى.
مهمّة الحياة الحرّة الكريمة في وطننا من جهة، ومهمّة الصّمود أمام كلّ محاولات تغييب هويّتنا وطمس حضارتنا من أخرى. مهمّة الحرص على كرامتنا كأقليّة قوميّة كاملة الحقوق من جهة، ومهمّة مقاومة النّظرة الفوقيّة والتّطلّع الينا كأبناء جارية من أخرى.
والمزعج في كلّ ما ذكر هو أنّنا حين بدأنا نشعر بصدق طريقنا وحين بدأنا نرى الانفراج وشعرنا بثمار كفاحنا في نسيج التّعايش بين الشّعبين، حين بدأنا وبعد طول نضال نلمس بوادر الحلم ، جاءت الضّربة في اكتوبر عام ألفين فإذا الأمر يرتدّ إلى البداية ، وإذا الحلم يتهاوى، ففي هبّة الأقصى الّتي أعقبتها أيّام الغضب عندنا ظهرت السّلطة الاسرائيليّة عارية تماما، فبممارساتها حينه مزّقت النّسيج الّذي حكناه بدمع العين وارتدّت بنا الى الوراء نصف قرن من الزّمان. وكان هذا الأمر علينا صعبا، لا بل أكثر من ذلك.
اذ ما أصعب أن يشعر الانسان بعد نصف قرن من الزّمان أو يزيد من الكفاح الدّؤوب والمتواصل، من أجل حياة حرّة كريمة، تقوم على المساواة والعدل والتّعايش السّليم مع الآخر، أنّه مجرّد صفر.
ما أصعب أن يشعر بعد كلّ هذه السّنين من النّضال من أجل أخوّة الشّعبين أنّه لا شيء. بمعنى انّه رغم مواطنته وحقّه فيها، محظور عليه أن يرفع صوته، أن يحتجّ، أن يتضامن، ومع من؟ مع أخوة له أحسّ بصدق قضيّتهم وعدالتها. واذا فعل يصبح عدوّا خائنا فتصوّب الى صدره البنادق ويطلق عليه الرّصاص المطّاطيّ والحيّ، ويتساقط العزّل أمام آلة حرب مدجّجة بالسّلاح، ولا يرفّ للقاتل أو للمسؤول عنه رمش ولا تهتزّ له جارحة، بل اللّوم يكون على الضّحيّة. فهذا "الضّحيّة" خرق القانون. كيف؟ صرخ تضامن، احتجّ، تظاهر رفع شعارات تندّد بالاحتلال، هتف ضد تدنيس المقدّسات في دولة تزعم صباح مساء أنّها أم الدمقراطيّة!!! ولجميع مواطنيها!!!
هكذا، هكذا وبكلّ بساطة، ويعد هذا العمر الطّويل، تريد السّلطة من مواطنيها أن يصبحوا طاقات مشيّأة، لا حول لهم ولا قوّة ولا رأي. هذا من جهة، كما أنّها تريد أن تسلخهم من جلودهم وأن يعلنوا القطيعة مع شعبهم من أخرى. فكيف يمكن ذلك؟ ومن يرضى به؟!! أربع عشرة ضحيّة ومئات الجرحى، حصاد هذا التّعامل الغريب، ثمن هذه النّظرة الفوقيّة، القوميّة الضّيّقة.
وبالتّالي كيف يمكن لنا كشعب له جذوره وتراثه ووطنه ونحن في الألفيّة الثّالثة أن نقبل مثل هذا التّعامل؟ كيف يمكن لنا كشعب أصيل يفتخر بماضيه وبكلّ ما أنجزه في الحاضر، وبعد هذا العمر الطّويل من المحايأة على ما فيها من عراقيل وصعوبات أن نقبل الكيل بمكيالين، أن نرضى بالنّظرة العنصريّة الّتي تقول صراحة: نحن أبناء السّيّدة، أمّا أنتم فأبناء الجارية؟!
كيف يمكن لنا وبعد أن قطعنا شوطا كبيرا من طريقنا الشّائك في الحياة مع الآخر،أن نقبل تصرّف الشّرطة الحاقد وهي تصبّ جامَ غضبها وحقدها على شعب أعزل لتخنق صوته؟ الحقيقة الصّارخة والمؤلمة في آن، والّتي لا يمكن أن نسكت عنها تقول: انّ السّلطة الحاكمة في اسرائيل، هي سلطة ظالمة تمارس ضدّنا كلّ ألوان سياسة التّمييز القوميّ والقمع والخنق والحصار السّياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ والثّقافيّ.
وبهذه السّياسة تحاول كمّ أصواتنا بحيث لا يسمعُنا الآخرون محليّا وعالميّا. هكذا كان وهذا هو الكائن رغم كلّ هذه السّنين. وقد ثبت هذا وللأسف في أحداث اكتوبر 2000 بعدما كنّا حسبنا أنّ الأمور قد تغيّرت، وأنّ وجودنا قد ترسّخ. لقد فضحت الأحداث سنة 2000 وما بعدها وبشكل معيب كلّ ما تقدّم وخاصّة تعاون الشّرطة مع المعتدين العنصريّين على النّاصرة وعلى غيرها. والاّ كيف يمكن أن نفسّر سقوط القتلى واصابة الجرحى من العرب، فقط؟! وعلى ضوء ما تقدّم ماذا كانت السّلطة تتوقّع منّا؟!
ما ذُكر هو حقائق يعرفها الجميع، ويعترف بها الكثيرون من اليهود العقلاء. والسّؤال الّذي يرتفع بعد كلّ ما ذكر هو: كيف يمكن لي أن أشعر بالأمان في وطني؟ في دولة تقتل مواطنيها؟ كيف يمكن لي أنا المواطن أن أثق بشرطة واجبها الأساس الحماية وليس القتل؟ كيف يمكن لي أن أشعر بحياة هادئة بعد موجة الكره الّتي طغت على السّطح والّتي لا مبرّر لها اطلاقا من جهة، والّتي طفحت بها وجوه الشّبّان العنصريّين في النّاصرة وفي غيرها من أخرى.
والأنكى من ذلك كلّه، أنا الضّحيّة عليّ أن أجد المخرج والجواب لكلّ هذه المساءلات الحارقة؟ أليس هذا أمرا مضحكا ومبكيا في آن معا. أنا الضّحيّة عليّ أن أفكّر ورقبتي تحت المقصلة كي أجد الطّريق، فكيف ذلك؟ أليس هذا من المفارقات الدّراميّة الغريبة؟!
وحين أقول الضّحيّة لا أقصد أن أقول إنّنا كشعب كاملون لا نقص فينا. وحين نوجّه اصبع الاتّهام للسّلطة لا يعني هذا أنّنا لا نخطئ؟ الضّحيّة هنا وفي هذا السّياق تعني أنّها ليست منزهة عن الخطأ مطلقا، انّما المقصود أنّنا كضحيّة علينا أن نفضح مسلك السّلطة الّتي هي من جهة سلطة ومن أخرى تريد تحميل الضّحيّة المسؤولية.. بمعنى علينا كضحيّة أن نفضح القاتل الذّي هو قاتل ومن أخرى يريد تحميل الضّحيّة الجريمة. فهل يعقل هذا؟ وهل يمكن للضحيّة أن تلام؟ أو أن تقع المسؤوليّة عليها؟!!
رغم كلّ ما ذكر يظلّ السّؤال الكبير هل نقبل ما نحن فيه ونقول: السّلطة هي المسؤولة فقط فنلعنها ونرتاح؟ أم علينا رغم كوننا الضّحيّة أن نجد البوصلة والمعادلة الصّحيحة لحياة هي أثمن ما نملك؟!
للاجابة أقول: بداية نحن شعب عاقل يريد الحياة ويحبّها ولأنّنا كذلك نسعى اليها لا الى الموت. انّ تجربتنا الطّويلة المرّة على مدى ستّين عاما أو يزيد تطرح ما مفاده: انّنا نريد أكثر ما يمكن من المكاسب بأقلّ ما يمكن من الخسائر. لا نريد الموت لأبنائنا ولا نريد السّجون والمعتقلات. نريد أن نسيّر معاركنا النّضاليّة بعقلانيّة، دفاعا عن حقوقنا وعن مصالحنا العامّة، وذلك بمسؤوليّة وطنيّة تجمع وتُوائم بين الاقتحام الشّجاع، لتحقيق الأهداف الصّحيحة والواقعيّة، من خلال الجمع الذّكي بين الواقعيّة والثّوريّة. لأنّنا شعب يريد الحياة ويحبّها من جهة، لأنّنا شعب يريد أن يحقّق المكاسب من أخرى، لأنّنا شعب يريد حماية مصالحه والدّفاع عنها بعقلانيّة من ثالثة. اذن لا بدّ من التّفكير بالبدائل. لا بدّ من ايجاد المعادلة الصّحيحة. من هنا أقول: علينا أن نقبل بما أفرزه النّزاع القوميّ الفلسطينيّ/ اليهوديّ، بعد النّكبة، هذا النّزاع الّذي أفرز حالة صرنا معها أقليّة داخل دولة اسرائيل ذات الأكثريّة اليهوديّة والطّابع اليهوديّ. لقد سقط المشروع القوميّ العربيّ وتحوّلت مع هذا السّقوط الاستراتيجيّة من تحرير الوطن كلّه الى استعداد للسّلام بين الشّعبين على أساس مبدأ ( دولتان لشعبين).
فهل نريد والعمليّة السّلميّة الآن في مأزق أن نحيي السّلام ام نقتله؟ أين مصلحتنا، معه أم ضدّه؟ نحن اليوم أحوج ما يكون للنّضال على محورين، وهذه هي المعادلة: محور يؤكّد ويحمي مكانتنا وحقوقنا كأقليّة قوميّة فلسطينيّة- مواطنين في دولة اسرائيل. ومحور يلحّ على بذل الجهد من أجل تحقيق اقامة الدّولة الفلسطينيّة المستقلّة في الضّفة والقطاع وعاصمتها القدس الشّرقيّة الى جانب دولة اسرائيل.
هذان هما المحوران الأساسيّان اللّذان يجب أن نناضل ضمنهما. والنّضال ضمنهما ومن أجلهما ماذا يتطلّب؟ هل يتطلّب أن نتقوقع على أنفسنا ونجترّ الماضي ونلعن السّلطة والشّرطة ونكرّس حالة الكره والحقد الّتي واجهناها مؤخّرا أم أن نسعى لفضح سياسة السّلطة والسّعي لعزلها وبالتّالي الى تغييرها؟!
هل نكتفي بما جرى ونسعى الى قطيعة تامّة مع الآخر/ الأكثريّة، أم نجتهد لنجد المحاور الصّحيحة لمحاورة المجتمع اليهوديّ والتّأثير عليه؟! هل ننكفئ على أنفسنا، أم نتّكل عليها لنصوغ برنامجا مفصّلا يطرح قضيّتنا العادلة بأدوات عادلة؟!.
هل نضرب بكلّ التّحالفات عرض الحائط ونقول لقد سقطت جميعها مع التّجربة، أم نسعى الى ترسيخها والى بنائها مع القوى العاقلة في الشّعب الآخر الّذي هو الأكثريّة؟.
هل نقول أنّ التّعاون اليهوديّ العربيّ لم يثمر ونكتفي بذلك، أم علينا أن نفتح باب التّحاور من جديد؟! وبالتّالي هل نحن من القوّة بحيث نستطيع أن نستغني عن التّحالف اليهوديّ العربيّ؟!.
الاجابة طبعا لا نستطيع. صحيح أنّ معسكر السّلام اليهوديّ صمت وكان صمته معيبا وغير مقبول ولكنّه انطلق الآن.
فهل لأجل ذلك ندينه ونتخلّى عن التّعاون معه؟ أسئلة حارقة كثير تطرحها المرحلة، بقدر ما هي حارقة بقدر ما هي تلحّ علينا كي نعيد اللّحمة الى النّسيج الجميل الّذي حاكه الشّعبان بدموع العين. ولكن اعادة اللّحمة تتطلّب أوّلا وقبل كلّ شيء ازالة العوائق والعقبات الّتي تعترض طريقها. وهذه هي مسؤوليّة السّلطة لا الضّحيّة. من هنا أقول كي نحقّق ذلك: على السّلطة وعلى الشّعب اليهوديّ أن يفهما ما يلي:
1. نحن جزء لا يتجزّأ من شعب له تاريخه، هو الشّعب الفلسطينيّ، وكلّ هزّة تصيبه تهزّنا وتؤلمنا. ومن حقّنا أن نتظاهر وأن نحتج وأن نتضامن معه.
2. نحن كأقليّة قوميّة في وطنها تعاني أقسى أنواع التّمييز القوميّ على جميع الأصعدة. وهذا تعترف به جميع الوزارات والحكومات المتعاقبة. وكي نبني مجتمعا سليما معافى يتعايش بمحبّة وسلام، على السّلطة ازالة كلّ الغبن اللاّحق بالجماهير العربيّة. انّ تراكم المرارة أمر خطير ولا بدّ من ازالتها سريعا.
3. يجب على السّلطة ان تتعامل معنا كمواطنين لنا كامل الحقوق.
4. على السّلطة استخلاص النّتائج والعبر ممّا جرى ودفع الأمور الى أمام اذ لا يمكن لنا أن نرضى بعد اليوم وخاصّة بعد اراقة الدّماء مجّانا لأربع عشرة ضحيّة أن تذهب هذه الدّماء سدى.
5. الامتناع عن سياسة الكيل بمكيالين اذ لا يمكن أن نقبل أن نكون بعد اليوم أبناء الجارية. أمّا كيف نعيد اللّحمة الى النّسيج، فانّ ذلك لن يتمّ دون المبادرة الى الحوار العربيّ/ اليهوديّ وعلى كافّة المستويات، والمحاور والأطر: السّياسة/ الثّقافيّة/ الفنيّة/ الاقتصاديّة. كيف؟ ليس هذا شأن الضّحيّة، انّما هو شأن من يملك القوّة والسّلطة والمال.

علينا جميعا فلسطينيّين ويهودا أن ندرك أنّه: أمامنا طريقان لا ثالث لهما: أمّا طريق المقاطعة الّتي يدعو لها بعض المتزمّتين، وامّا طريق المعايشة الصّحيحة الّتي تقوم على الاحترام والمساواة والعدل.
أي امّا طريق الحرب وامّا طريق السّلام.
فماذا نختار؟ أساسا هل نملك خيارا. قابضون على الجمر بيد وعلى الورد بأخرى. جمرة لأعداء السّلام ووردة لمحبّي ذلك.

ونحن متفائلون.
drhbolus@yahoo.com

مجدى الجلاد .. المحرض على تخريب سيناء والعريش/ مجدى نجيب وهبة


** عندما دعا الجلاد من خلال جريدة "المصرى اليوم" أسطول الحرية 2 للإبحار إلى غزة من أحد الموانئ المصرية والذى إعتبره الجلاد رسالة أمل جديدة بأن الثورة لا تسعى لتغيير الواقع الداخلى بل تسعى أن تكون سياستنا الخارجية والتى تلقفت المبادرة "حماس وفتح" وإعتبروها خطوة إيجابية لكسر الحصار على القطاع ، وهو ما أسعد القيادى فى حماس "محمود الزهار" وإعتبر أن هذه الدعوة هى ما تحتاجه القضية الفلسطينية الذى يتواكب مع فتح معبر رفح ..
** نعم لقد إنطلقت الأصوات من التحرير كنعيق البوم وعلى رأس هذه الأصوات صوت الشيخ يوسف القرضاوى وتلاه أصوات صفوت حجازى والبلتاجى وسعد الكتاتنى وخيرت الشاطر لتنفيذ الخطة المعدة لتطويق مصر وإحتلالها من الداخل ومن الخارج .. والتى كلل كل هذه الدعاوى المحرض الأعظم مجدى الجلاد ، وها هى الخطة منشورة فى مقالنا المنشور بتاريخ 6/7/2011 بعنوان "المصرى اليوم والرقص مع الذئاب" .. وها هى الأفاعى والذئاب والإرهابين يرقصون على أنغام المصرى اليوم ويقتحمون الأقسام ويقتلون ضباط الشرطة وضباط الجيش وهو ما حذرنا من حدوثه قبل ذلك ولكن التكبر والتعالى والغطرسة يجعل الأخرين لا ينصتون لصوت الحق ..
• 12/4/2011 كتبنا سيناريو المؤامرة بين الإخوان المسلمين وإسرائيل لهدم مصر .
• 21/4/2011 بعد أحداث قنا كتبنا ماتت مصر والعزاء بمسجد عبد الرحيم القناوى .. وإنطلقت الأقلام السفيهة والحقيرة ، البعض يهاجمنا والبعض الأخر يستهزئ بأفكارنا ، أما الفئة المدركة والمثقفة والواعية فأنا أنحنى لهم على تعليقاتهم الرائعة والمشجعة ..
• 26/4/2011 كتبنا السيناتور محمد حسان وفضيلة الإمام أوباما .
• 29/5/2011 كتبنا المجلس العسكرى واخد مصر على فين .
• 6/6/2011 كتبنا إلى المجلس العسكرى لا تدعو مصر تلفظ أنفاسها .
• 9/6/2011 كتبنا كشف الأسرار وجماعة الإخوان المضللون .
• 18/6/2011 كتبنا الإخوان المسلمين وحركة حماس الخطر الأعظم على أمن مصر .
• 30/6/2011 كتبنا صحى النوم أيها المجلس العسكرى .
** ومع ذلك لم يكن الجلاد هو المحرض الوحيد ضد مصر ، فكان الإعلام المصرى بالكامل شارك فى التحريض ضد مصر ومباركة تنظيم القسام أو منظمة حماس فى إقتحام العريش وذلك من خلال تجاهلهم التام والمثير للتساؤل لمصلحة من يعمل هذا الإعلام ..
** أما أحدث النكات فهى زيارة مجالس حقوق الإنسان لسجن طرة رغم الأحداث الدامية التى تقع على حدود مصر وفى أحد محافظاتها العريش فى شمال سيناء ، ومن سمح لكل من حافظ أبو سعدة ومن يدعى أمير سالم وبعض المنظمات الحقوقية بهذه الزيارة الميمونة .. وبدلا من قيام هذا الوفد الباحث عن الشهرة والتلميع الإعلامى زيارة العريش كواجب وطنى من الدرجة الأولى وفضح عناصر الإرهاب المتواطئة فى تخريب مصر نفاجئ بزيارتهم الغريبة لتفقد حالة المساجين الذين مازالوا رغم التحقيقات وليس من سلطة أى أحد أن يقتحم محابسهم أو يفتش عنهم أو يطلب مقابلتهم إلا بموافقتهم هم فقط .. ولكن ما يحدث هو تنفيذ أجندة الإخوان الذين يسعون لإخراج هؤلاء المساجين وإعدامهم بميدان عام حتى تبرد نيرانهم .. والأن الجميع ينفذون هذه التخلفات العقلية .. ولم يتبقى إلا المجلس العسكرى لنقول له ونكرر مصر رايحة على فين ؟!! ..
** وأعيد نشر المقال الذى سبق أن نشر بتاريخ 6/7/2011 بعنوان "المصرى اليوم والرقص مع الذئاب" .. ونطالب بتقديم الجلاد للمحاكمة العسكرية بتهمة التحريض على تخريب مصر من قبل عناصر مخربة ..

** عندما أطلقنا على المصرى اليوم لقب "المصرى الإخوانية" .. لم يكن هذا اللقب هو وليد الصدفة أو أتى من فراغ ، وإنما من سياسة الجريدة وإصرارها على أن تكون منبرا "للجماعة المحظورة" .. وبوق لتصريحات قيادات الإخوان حتى لو كانت ضد مصالح الوطن .. ويبدو أن السحر إنقلب على الساحر ، أو أن المصرى اليوم تقوم بدور "التقية" الذى تعلمته من كوادر وسياسة "الإخوان" ، فقد بدأت اللعبة بالهجوم المفاجئ من الجريدة على "جماعة الإخوان" ، وعلى حزبهم "الحرية والعدالة" .. ففى الأعداد قبل الأخيرة قامت جريدة المصرى اليوم بنشر كلمة الدكتور محمد مرسى رئيس حزب الحرية والعدالة الذى وجه هجوما شرسا على جميع القوى الوطنية السياسية والتى تطالب بتأجيل الإنتخابات البرلمانية ووصفهم "المرسى" "بالمرجفين والمثبطين وإتهمهم بالسعى لتحقيق مصالح الصهاينة والأمريكان" ، بل أكد أنهم هم أنفسهم الصهاينة وأذناب الصهاينة وأذناب النظام الساقط وهم يهدفون إلى محاولة إلتقاط الأنفاس ليعيدوا ترتيب أوراقهم مع جميع الأحزاب ..
** على الجانب الأخر هدد "المجلس الوطنى والوطنية للتغيير" بمقاضاة قيادات الإخوان بسبب تصريحات "مرسى" ، وطالبت الجمعية والمجلس فى بيان مشترك بثته وكالة أنباء الشرق الأوسط أن يتوجه المصريين إلى ميدان التحرير يوم الجمعة المقبل لحماية الثورة مما سمياه مخاطر الإنقضاض عليها وإجهاضها .. نعم هذه المسرحية تدور فصولها بين "جماعة الإخوان" وبعض الأحزاب والمصرى اليوم والمطلوب منا أن نصدق أن ديل (....) هايتعدل .. ولكن يبدو أن (....) لن يتعدل ولا ديله ، فهناك مؤامرة خطيرة يتم طبخها وإعدادها عن طريق جريدة المصرى اليوم ..
** على طريقة "وردة" .. و"فلة" التى قدمها مجدى الجلاد عقب أحداث موقعة الخرطوم والهجوم الشرس على جمهور مصر الوفى الذى ذهب لمشاهدة مباراة لكرة القدم فى تصفيات الأمم الأفريقية بين الفريق المصرى والفريق الجزائرى والذى تعرض فيه الفريق والجمهور إلى أقصى درجات إمتهانة لكرامة الإنسان المصرى مما تسبب فى أزمة .. هذه الأزمة كادت أن تشعل الحرب بين شعب الجزائر وشعب مصر ، إلا أن تعامل قيادة حسنى مبارك مع الموقف بهدوء أوقف هذه الحملات التحريضية بين الشعبين ، وفى مباراة العودة وتأهب رجل الشارع بإستقبال فريق الجزائر أطلق مجدى الجلاد مبادرته التى أطلق عليها "وردة وفلة لكل مواطن" .. وللأسف لم نجد لا وردة ولا فلة بل بدأ فريق الجزائر بإستفزاز الشعب المصرى عقب قدومه بالمطار وإتهم الجمهور بقذف أتوبيس الفريق بالحجارة ، وتحولوا البلطجية والجناة إلى مجنى عليهم بل ودفعت مصر تعويضات باهظة .
** ويبدو أن الجلاد نسى الوردة ونسى الفلة وعاد وأطلق مبادرة "خبيثة" مستغلا تشرذم الشارع المصرى وحالة الفوضى الخلاقة التى يعيشها الشارع الأن وإنعدام الأمن بالكامل وظهور فلول الجماعات الإرهابية فى كل شبر من أرجاء "المكسورة" .. "المحروسة سابقا" ، فقرر الرقص مع الذئاب الضالة غير عابئا بالفتن التى تحيط بالوطن فى هذه الظروف المأوساوية التى تعيشها مصر .. وهو ما دعا الجلاد إلى مبادرته بدعوة "أسطول الحرية 2" للإبحار إلى غزة من أحد الموانئ المصرية ، فبعيدا عن قرب المسافة وما يوفره ذلك من فوائد لوجستية وإستراتيجية ولكنها رسالة سياسية من منطق ثورة 25 يناير .. وهو ما إعتبره الجلاد رسالة أمل جديدة بأن الثورة لا تسعى لتغيير الواقع الداخلى وحده بل تسعى أن تكون سياستنا الخارجية معبرة عن أصواتنا التى أسقطت أعتى نظام حاكم فى المنطقة .. وبالطبع رحبت "حماس" و"فتح" بالمبادرة معتبرين أنها خطوة "إيجابية" ومهمة فى إطار الجهود الداعية لكسر الحصار على القطاع .. وعبر "القيادى" فى حماس "محمود الزهار" أن هذه المبادرة تنسجم مع الدور المصرى المنتظر خاصة بعد ثورة 25 يناير وهو ما تحتاجه القضية الفلسطينية والذى يأتى متواكبا مع فتح معبر رفح أيضا .. كما رحبت نقابة الصحفيين وأعرب مكرم محمد أحمد عن سعادته البالغة للمبادرة والتى إعتبر أنها تعيد مكانة مصر ودورها العربى والإقليمى .. كما وصفها حمدى خليفة بأنها "مهمة وواجب وطنى" ، وإعتبر نعيم الغندور رئيس إتحاد المسلمين فى اليونان وأحد مسئولى ومنظمى "أسطول الحرية 2" أن المبادرة سببت سعادة غامرة بكل منظمى ومسئولى الأسطول من شواطئ اليونان .. وذكر أنه سيكون على رأس المشاركين فى الأسطول حتى بعد أن وضعت إسرائيل إسمه على رأس قائمة المطلوبين ووزعت بذلك نشرة على جميع سفاراتها بالخارج .
** أما الموقف الذى أضحكنى على طريقة "سامحنى" .. "لا .. مش هاسامحك .. ده أنا واخد على خاطرى" .. فقد رفض العديد من القائمين على إتحاد الأطباء العرب التعليق على المبادرة نظرا لإنتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين والتى تتخذ موقف هو مقاطعة "المصرى اليوم" دون الفصل بين العمل النقابى والمهنى والإنتماء السياسى لهم .. أما المستشار السابق الإخوانى محمود الخضيرى فقد أبدى سعادته بالمبادرة ودعا وزارة الخارجية إلى تحمل مسئولياتها تجاه "مصر الثورة" ، وحث كل الشعوب العربية على دعوة القافلة للإبحار من مصر وأضاف الخضيرى أن خروج القافلة من مصر تعبير بسيط للإخوة الفلسطينيين الذين نتضامن معهم .. وقال سأنادى فى ميدان التحرير يوم الجمعة المقبل بتحقيق تلك المبادرة ..
** أما القيادى بحزب التجمع حسين عبد الرازق فقال أؤيد المبادرة بكل قوة فبعد الثورة من المفترض أن تعود مصر لممارسة دورها العربى والإقليمى والدولى الذى فقدته فى السنوات الماضية .. ومن أهم ملامح هذا الدور مساندة الشعب الفلسطينى فى نضاله من أجل إقامة الدولة الفلسطينية وعبر البعض عن سعادتهم بفتح أبواب الفداء والنضال المسلح مرة ثالثة !! .. هذا ما تم نشره فى جريدة المصرى اليوم بالأمس واليوم ولم نسمع تصريح واحد من المجلس العسكرى .. صاحب أكبر بيانات عسكرية على الفيس بوك ، وهكذا أصبحت مصر "دكان وصالون للبيع" ، فيتم عرض المناقصات بصالة المزاد العالمية بميدان التحرير لبيع الوطن عن طريق جريدة المصرى اليوم بزعامة رئيس تحريرها الوطنى والمخلص حتى النخاع السيد "مجدى الجلاد" .
** لقد قرر الجلاد أن يكون المسئول السياسى الأول فى مصر وهو يقدم مبادرته ويتلقى حملات التأييد .. كما حظيت المبادرة بإقبال كبير ومساندة من مستخدمى المواقع الإجتماعية على شبكة الإنترنت ، وتويتر والفيس بوك ، وإعتبروها إستكمالا لمسيرة الثورة .. وعلق البعض وقال "لا بد أن تخرج القافلة من مصر .. قافلة كسر الحصار عن أهلنا فى غزة بعد أن كسرنا الحصار المفروض علينا فى الداخل بالثورة المجيدة" ، وقال أخر "غزة لنا فكيف نترك غيرنا يساعدها ، فلنمض سويا إلى بلدنا وأهلنا فى غزة جرحنا الغائر" .. أما عن بعض عواصم العالم فنقلا عن وكالات الأنباء ... أعلن البعض أن السفينة الفرنسية "كرامة" غادرت المياه الإقليمية متجهة إلى قطاع غزة .. فى تحد للحظر اليونانى ، فيما إعترضت السلطات اليونانية مركب كنديا ينتمى إلى أسطول المساعدات الإنسانية الذى ينوى التوجه إلى قطاع غزة ، وذلك بعد 10 دقائق من إبحاره من جزيرة كريت مما إضطر المركب إلى العودة .. هذا وقد إقترحت الحكومة اليونانية على السلطة الفلسطينية أن تقوم هى بنقل المساعدات التى جمعها منظمو الأسطول الذى يضم عشرة مراكب تحمل أعلاما مختلفة وإنسحب العديد منها ..
** لقد إستهلت مقالى بعبارة "هام وخطير" .. ليس من باب الدعاية ولكن لأنه فعلا خطير فما طرحته جريدة المصرى اليوم ليس مجرد مبادرة حسنة النية كما تصورها البعض ، بل إنها مبادرة شيطانية ضمن مخطط التقسيم الذى ستدفع له مصر ثمنا فادحا ..
** ولذلك فنحن نحذر ونناشد المجلس العسكرى بما يحيك من مؤامرات ودسائس حول مصر .. حذرنا كثيرا منها .. لذا فنحن نحمل المجلس العسكرى مسئولية هذه الفوضى التى يدعو لها الجلاد ويزعم أنها مبادرة وذلك لأن المجلس العسكرى هو الجهة السيادية الوحيدة صاحبة القرار ، وهو المجلس الذى يعلم معنى الحروب التى خاضتها مصر منذ عام 1948 ، وكم التضحيات التى قدمتها مصر ولا زالت حتى الأن ولم تنقطع خدمات القيادة المصرية منذ عبد الناصر وحتى الأن .. أما أن ينطلق فلول الإخوان بنشر الأكاذيب عن تخلى نظام مبارك لمساندة القضية الفلسطينية فهذا هراء وكذب والهدف من ذلك هو زعزعة الثقة فى المجلس العسكرى والإنسياق وراء هذه الحملة التى يقودها الإخوان وحماس وهم عملة واحدة لوجه ردئ لها أهداف يعلمها الجميع وعلى رأسهم المجلس العسكرى ، وهو ما دعا أحد القيادات بحماس يعلن أن وصول الإخوان للحكم هو نصر لحماس ، وسوف يكون لنا نفوذ للسيطرة على المنطقة بأكملها ..
** لقد سبق أن قدمت مصر العديد من المساعدات الإنسانية لقطاع غزة وقوبلت هذه المساعدات من الطرف الأخر بالجحود ونكران الجميل ، بل وقامت بعض العناصر من قطاع غزة ومن تنظيم حماس بالهجوم على معبر رفح 2008 ، ثم توالت الحملات الترهيبية من حماس ضد القيادات المصرية ، وبعد أن أقيل الرئيس السابق محمد حسنى مبارك أعلن الإخوان والحمساويين أن الطريق صار ممهدا أمامهم .. نعم لقد إنطلقت الأصوات من ميدان التحرير والتى بدأها الشيخ يوسف القرضاوى للمطالبة بفتح معبر رفح وعدم غلقه نهائيا ، وقد إستجاب المجلس العسكرى وفتح المعبر .. ولسبب ما أرادت السيادة المصرية أن تغلق المعبر أربعة أيام لإجراء بعض الإصلاحات فكان كالعادة مهاجمة المعبر وقذف القوات المصرية "بالحجارة" ، وقتل ضابط شرطة وأصيب العديد من الجنود ، وللأسف لم يفتح أى تحقيق فى هذا الإنفلات بل تمادت شرطة حماس حتى بعد فتح المعبر وأغلقته من جهتها وأعلنت أنها تدرس الموقف المصرى ، فهل وصلت بنا المهانة إلى ذلك ..
** نعود للقافلة "أسطول الحرية 2" فالسيناريو سيكون كالأتى .. سينطلق أسطول الحرية 2 من أحد موانى مصر وسوف يتعرض للتخريب من جهة الشرطة الإسرائيلية .. يعقب ذلك تسخين الشارع المصرى وتنطلق من التحرير شرارة الدعوة للزحف إلى معبر رفح وسوف تحدث حالة هرج ومرج على الحدود بين قذائف القسام الفاشينكية التى تطلقها حماس داخل إسرائيل وهو ما يدعو إسرائيل للرد على هذه القذائف بطلعات جوية وبرية ضد القطاع .. يعقب ذلك حالة إندفاع همجى غير مسبق داخل جنوب سيناء والأراضى المصرية بزعم الهروب من جحيم المواجهة بين حماس وإسرائيل .. وبالقطع الهدف منها هو الدفع بمهاجرين من قطاع غزة داخل أراضى سيناء .. ثم يتدخل مجلس الأمن لوقف العمليات العسكرية ولكن بعد أن يتأكد أن هناك إستيطان فى سيناء مدفوعا بتأييد من جماعة الإخوان والشارع المصرى بعد إشعاله ، ويبقى الوضع كما هو عليه لأنه ستنطلق المليونيات من ميدان التحرير تطالب بدولة "مصرية فلسطينية" واحدة ، فى الوقت الذى يدفع النظام الحالى المجتمع إلى جماعة الإخوان المسلمين ، فهل يظل المجلس العسكرى يراسلنا عبر الفيس بوك ومصر تضيع وتنهار ، هل يظل المجلس العسكرى يستجيب لمطالب الإخوان منذ 25 يناير حتى الأن والذى وصلت خطورته إلى حل المحليات حتى يتم التحكم فى جميع الأحياء عن طريقهم ثم المطالبة بإقالة جميع أساتذة الجماعات التى تمكن الخطورة أن يتم أسلمة جميع جامعات مصر وهى الخطوة التى سعى إليها الإخوان منذ 40 عاما ، إن الخطورة ما يتم فى الشارع المصرى والإغفال عنه أو تهميشه ، وقد حذرنا منه مرارا وتكرارا .. كتبنا فى مقالات عديدة "إغلقوا التحرير قبل إحتلال مصر" .. ومازال التحرير مثال الفوضى والتخريب .. كتبنا العديد والعديد من المقالات نحذر ونصرخ ولا أحد يهتم ولم نجد إستجابة بل كل ما قرأناه هو بيانات تحذيرية من المجلس العسكرى لشعب مصر .. بعض هذه البيانات يحذر من مؤامرة خارجية والبعض الأخر يحذر من الإنسياق وراء الشائعات بثصد عمل وقيعة بين الجيش المصرى والشعب العظيم ، ورغم ذلك مازال الشارع المصرى يعج بالفوضى والفساد والبلطجة ، ورغم ذلك مازالت قنوات الدولة منبرا للبلطجية ولجماعة طظ فى مصر .. والجماعات الحقوقية التى قبضت ثمنا باهظا وهى تصدر البيان تلو الأخر لمحاولة الطعن فى جهاز الشرطة والدفاع عن بلطجية التحرير فى صورة فجة عفنة لم نعتاد أن نقرأها عبر الإعلام المصرى الذى إنزلق لست أدرى بتعليمات أو دون إلى المساهمة فى تخريب مصر .. وأحذر ربما نرى غدا إحتلال سيناء بالكامل وتضيع معها كل روح ضحت على أرضها لتحرير تراب هذا الوطن الغالى .. هذا المقال أقدمه لكل الشرفاء والباكين على مستقبل مصر ..
** كلمة أخيرة لأقباط مصر .. ففى مداخلة تليفونية بقناة c.t.v أجراها أحد الأقباط العاملين فى بلجيكا سأل الأستاذ إيهاب صبحى المتصل كيف توصلت لرقم القناة بسهولة رغم الشكاوى العديدة من صعوبة الإتصال .. وبكل أسف أجاب الشاب أن الحلقة كانت سياسية وهو ما سهل لى الإتصال فالأقباط لا يهتمون بالسياسة .. نعم لقد قال المتحدث الحقيقة والصواب ، فالأقباط فى عالم أخر رغم المشاكل التى يواجهها أقباط مصر فهم صامتون ، لا يتكلمون ولا يتحدثون إلا مع وقوع مشاكل أو أحداث طائفية ، كما أن البعض لا يتحدث إلا لإستعراض المعلومات .. متى نفيق من هذه الغفوة .. متى ندرك معنى الكوارث التى تنتظرنا فى مصر .. متى نقرأ المستقبل حتى لو تلونت الأفاعى والحيات فالمستقبل مظلم .. مظلم .. مظلم .. ومازال البعض منا يعتقد أن التحرير هو الحل علما بأن التخريب والتركيع لمصر بدأ من التحرير .. فهل وصل الغباء إلى هذه الدرجة .. إصرار البعض على التفاخر بالتحرير أم أن التفاهة التى يعانون منها جعلتهم يتقمصون دور البطولة المحررين مصر من الفساد ..
** أخيرا نقول لمجدى الجلاد .. لقد تناسيت أنه لولا الجيش أراد أن تستمر المظاهرات التى إندلعت فى 25 يناير ووقف بجوارها وحماها وأيد طلبات الشعب المشروعة التى زايد عليهم الإخوان فيما بعد لما نجحت هذه الثورة .. وكفاكم تضليل وتخريب فى عقولكم وعقول الأخرين ..
** كلمة أخيرة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ، الموقف الأن فى مصر ينذر بالخطورة البالغة .. هل أن الأوان لنضع حد لهذه الفوضى وهذا التسيب الذى أصاب مصر ، فالخسائر بالمليارات وقد تعدت قيمة الخسائر منذ قيام ثورة 25 يناير ما نهب من مصر خلال الثلاثين عاما الماضية .. بل نحن صرنا أضحوكة أمام العالم الذى أسعده أن يرى مصر فى هذه الفوضى التى أرادوها لها ..

الإنسحاب الأمريكي من العراق ... هذا ما لا يريده الإيرانيون في الوقت الراهن/ محمد الياسين


 ..قراءة تحليلية في دلالات الأسباب والمصالح الإيرانية
تباينت تصريحات السفير الأمريكي في العراق بين الاشارة الى موافقة أغلبية نواب البرلمان العراقي على بقاء القوات الأمريكية و تأكيده في تصريحاً اخر على إنسحاب القوات في الموعد المقرر العام الجاري ، حول هذه القضية نطرح بعض التساؤلات عن الرغبة والموقف الحقيقيين للكتل السياسية من تمديد او عدم تمديد بقاء القوات الامريكية بسبب غموض المواقف وتضارب التصريحات داخل الكتلة الواحدة ، الى ذلك نجد في ثنايا تصريحات الرئيسان الطالباني و المالكي رغبة في التمديد ، حيث قال المالكي : ان القوات العراقية بحاجة الى بقاء مدربين ومستشارين امريكيين .علماً ان تسليح الجيش العراقي من مناشئ غير أمريكية لا يستوجب الابقاء على مدربين امريكيين ! حسبما قال بعض العسكريين واعضاء لجنة الامن والدفاع في مجلس النواب. كذلك قول الطالباني : بأن التقارير تؤكد عدم جاهزية قواتنا في حماية الحدود وصد الاعتداءات الخارجية.
تأت تناقضات البرلمانيون في مواقفهم الخجولة حول الانسحاب من عدمه في ظل ازمة سياسية خانقه ، افتعلت في بعضا من جوانبها ، وتدهور أمني واسع تزامناً مع إقتراب موعد الإنسحاب الأمريكي يحملنا على توجيه اصابع الاتهام لجهات واطراف سياسية و مسلحة مدعومه إقليمياً و لها مصالح في بقاء القوات الأميركية . فندرج التصريحات المتضاربة للساسة العراقيين وتناقضاتهم في خانة الممهدات السياسية والإعلامية لتمديد بقاء القوات الأمريكية .
نتعجب تصريحات بعض الساسة النواب و رجال السلطة قولهم بأنه لا مبرر لبقاء القوات الامريكية ! في حين اداؤهم وسلوكهم السيئ على مدى سنوات طوال في حكم العراق اسهما في خلق المبررات و الذرائع للأميركيين في مطالباتهم ، فعدم التوصل لحكومة شراكة وطنية واستفراد الحاكم بالسلطة و غياب مفهوم المواطنة من ذهنية القادة الجدد ،و سوء الخدمات المقدمة للمواطن وإستشراء الفساد المالي والإداري في مفاصل الدولة ، وعدم جاهزية الجيش والاجهزة الامنية وقدرتها على حماية البلاد . هذه الكوارث والازمات انتجت حالة مأساويه يعيشها العراقيون بسبب فشل القيادات السياسية في إدارة شؤون البلاد وعدم تمكنهم من بناء دولة مؤسسات ديمقراطية تحترم المواطن فوجد الاميركيون فيها ضالتهم لتبريرهم المطالبة في بقاء قواتهم العسكرية .
استكمالا لما استعرضناه من وقائع نتطرق لحقيقة جوهرية في هذه القضية تتجسد في رغبة إيران بقاء القوات الامريكية تحقيقاً لمصالحها في إستمرار بقاء هذه القوات داخل حدود الملعب الإيراني على الارض العراقية . فتأت موافقة ايران بقاء القوات الامريكية وضمانة ان لا تستهدفها ميليشياتها وجماعاتها المسلحة نضير ان توقف الولايات المتحدة الأمريكية ضغطها الدولي والإقليمي الذي تمارسه على سوريا ،وفي ذلك نستعرض الرسالة التي حملها الرئيس الطالباني من علي خامنئي مرشد الجمهورية الاسلامية الى كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية اثناء مشاركته في مؤتمر مكافحة الارهاب الذي عقد في طهران !! ، مفادها "إذا ظل الأميركيون يضغطون على سوريا كما يفعلون حالياً، فإننا سنزيد الضغط عليهم في العراق.". وللدلالة على ذلك نستعرض الاحداث التالية : تصعيد ايران العسكري على الحدود العراقية و تكثيف قصف المدفعية لمناطق وقرى في إقليم كردستان ، توغل القوات البرية داخل الاراضي العراقية ، لتبيان عدم جاهزية القوات العراقية على صد الاعتداءات الخارجية وحماية الحدود تبريراً للحاجة العراقية ببقاء القوات الامريكية للحماية من تدخلات ايرانية لم تتوقف اثناء وجود القوات الأمريكية ، اذن كيف سيكون الحال بعد انسحابها ، هذه الفكره نجدها وردت فعلاً في تصريح للرئيس الطالباني ، سنتطرق اليه لاحقاً .
قيام السلطات الإيرانية بقطع مياه نهر الوند عن العراق ، ادى الى حدوث كارثة انسانية و زراعية اصابت مئات الدونمات من الاراضي الزراعية والبساتين وعشرات القرى المستفيدة من مياه النهر ، فأستنجد السكان بالحكومة العراقية دون رداً يذكر منها على الجانب الإيراني ، بمعنى ان هذا الخرق السافر على العراق لم يقابله رداً مناسب من حكومة بغداد ! ، القصد منه اشهار ضعف الحكومة وعدم قدرتها على حماية حقوق ابناء شعبها .
تصريحات الرئيسين العراقيين الصديقين و المقربين لإيران تمهدان لموقف سياسي يوافق على تمديد بقاء القوات الامريكية . ناهيك عن تصريحات الإيرانيين وتأكيدهم للمرة الثانية قدرتهم على ملأ الفراغ الأمني الذي سيخلفه الإنسحاب الأمريكي ، لإشاعة الرعب والرهبة في نفوس العراقيين من نتائج ما بعد الإنسحاب ، فإيران بنفوذها المستشري في مفاصل الدولة والحياة العامة مهيمنه على صناعة القرار العراقي ولن تكون بحاجة في المرحلة الراهنة إلى زج قواتها العسكرية في العراق ، فهدفها إستعمار العراق بأسلوب مختلف عن التواجد العسكري المباشر.
أقتبس فكرة الكاتب والسياسي الفلسطيني المعروف عبد الباري عطوان من مقال سابق له بعنوان " انسحاب من العراق للحرب على إيران " حيث أعتبر ان تقليص عدد القوات الامريكية ربما يكون في اطار الاستعدادات لحرب اخرى، او هروبا من نتائجها، قد تستهدف لبنان اولا، والمنشآت النووية والبنى التحتية الايرانية ثانيا، او الاثنين معا " ويستطرد القول "الامريكيون يعلمون جيدا ان اي ضربة لايران او لحزب الله في لبنان، قد ترتد جحيما على قواتهم في العراق حيث النفوذ الايراني في ذروته، وحيث يتوقع الكثير من المحللين ان تقع القوات الامريكية فيه فريسة سهلة لانصار ايران وحلفائها وهم الاغلبية ." ، تؤكد لنا هذه القراءة ان إنسحاب القوات الامريكية من العراق يتقاطع تماماً مع المصالح الإيرانية لما يلحق فيها من ضرراً بالغاً .
الخلاصة تكمن في ان تمديد بقاء القوات الامريكية في المرحلة الراهنة مصلحة إيرانية ، عكس ما يروج إعلاميا عن رفض إيران للتواجد الأمريكي في العراق ، لإستمرار نزيف القوات وبقاء المواقف الأمريكية تحت ضغط المطرقة الإيرانية . فرضية نيل بعض حلفاء طهران نصيب من الثورات الشعبيه وتحولاتها الجذرية في المنطقة العربية كابوس يراود قادة النظام الإيراني بأن يتحول الى حقيقة فيستثمر امريكياً وينعكس سلباً على مشروعهم الإستعماري في المنطقة ، لذا فبقاء الاميركيون في العراق يحول دون ذلك .
انصياعاً لرغبات ومطامح إيران في العراق وتغاضي الأميركيون عن تدخلاتها السافرة في دول الخليج والمنطقة العربية عموماً .كما ان جلاء القوات الى القواعد العسكرية في الخليج يعزز من تواجدها العسكري في المنطقة و كذلك الموقف السياسي للإدارة الأمريكية نسبياً ، مما ينذر دخول الصراع الامريكي الايراني مرحلة التصعيد ضد طهران او احتمالية نشوب حربا اقليمية شرسة لتقويض النظام الإيراني او الاطاحة به في حال توفرت العوامل المساعدة على ذلك . بعد ان يتخلص الاميركيون من جحيم المستنقع العراقي الذي شكل عبئا كبيراً عليهم ، وهذا ما لا يريده الإيرانيون في الوقت الراهن.

نتائج الثانوية العامة 2011 تحت المجهر/ عبد الكــريم عليــان


المدرسة سجن والامتحانات التي تجريها إرهاب!

كالعادة كما في كل عام حالما تصدر نتيجة الثانوية العامة في غزة، تزغرد أمهات الناجحين والمتفوقين، على اعتبار أن نجاح أبنائهن وبناتهن هو من صنيعهن، وتنفق محلات بيع الحلوى ما قد حضّرته من حلويات لهذه المناسبة.. ولعلع الرصاص في أحياء غزة مما أودى بحياة طالبة متفوقة، وبدأت الصحافة والتلفزيونات بنشر التقارير عن المتفوقين وأهاليهم، وكذلك يزيد الاهتمام بالفئة المتفوقة فتنهال عليهم المكرمات الرئاسية والمنح الجامعية، للعشر الأوائل منحة كاملة من الرئيس! ومن رئيس غزة عشرة لغزة.. لم نسمع أي اهتمام من أي جهة بالنسبة للفئة الراسبة والتي تخلفت عن النجاح، أو كما يقولون : ( لم يحالفهم الحظ ! ) وكأن هؤلاء لم تشكلهم الظروف التي نعرفها ، ولم تتأثر بما يجري في محيطها.. وأن الجهاز التعليمي الذي يديره السياسيون المنقسمون غير مسئولين عن هذا الفشل الذريع..؟ في الدول المتقدمة، نعم ! يهتمون بالفئة المتقدمة لكنهم يهتمون أكثر بالفئة المتأخرة أيضا، ويحكمون على نتيجة الامتحان بأن الجهاز التعليمي والجهاز الحكومي كله مسئولا عن النتيجة ! وإذا ما ظهرت النسبة بأن الناجحين كانوا 50 % مثلا؛ فهذا يعني أن الجهاز التعليمي لم يقم بواجبه بقدر 50% أيضا، ويجب تشديد الرقابة علية وزيادة ميزانيته بشكل يضمن تحسين قدرته على العمل.. ويبدو أن القائمين على الامتحانات لم يكن لديهم فلسفة التقويم لعملهم وكل همهم هو فرز أبنائنا وتصنيفهم بما يروق لهم ويتلذذون بخراب المجتمع وعدم الاكتراث بالنتائج المدمرة لعملهم.. وهنا نذكر : " بأن وظائف القياس (الامتحان) لم تعد مقصورة على تحديد الدرجات وتكوين الأحكام الخاصة بالترفيع والترسيب، وإنما أصبحت بالإضافة لذلك وسيلة تهدف للحصول على المعلومات ومعالجتها بقصد تحسين عمليات التعلم والتعليم، وهي تستند إلى أكبر قدر من البيانات يمكن توفيرها عن الأفراد، وهي وسائل ضبط لنوعية العملية التربوية بحيث يتم الحكم في نهاية كل مرحلة على ما إذا كانت تلك فعالة، ولا مانع من الاستمرار بها، أو أنها تحتاج إلى إيقاف أو تعديل بالإضافة إلى أنها وسائل تساعد على التعرف على ما إذا كانت الأبدال المختلفة للممارسات التربوية فعالة أم لا في تحقيق الأهداف والغايات التربوية المنشودة .." وكذلك تؤكد نظريات القياس والتقويم بأن الامتحانات التحريرية بالطريقة التقليدية القائمة لدينا، ومهما كانت درجة دقتها وصدقها؛ فلا يمكنها قياس قدرات الطلاب بدرجة لا تزيد عن 70%. " لا توجد هناك أداة قياس تعطي نتائج أو قياسات دقيقة بشكل مطلق، وفي العادة تكون نتائج القياس تقريبية تعتمد في دقتها على دقة أدوات القياس المستخدمة. وكذلك أن مجرد النجاح في الثانوية لا يعني ضمان النجاح في الدراسة الجامعية.." (ثورانديك، روبرت، هيجن، اليزابيث: القياس والتقويم في علم النفس والتربية، ترجمة: كيلاني، عبدالله، عدس، عبد الرحمن، مركز الكتب الأردني، عمان:1984).

على كل حال كما عودنا قرائنا والمسئولين وأصحاب الرأي بتحليل وتقويم علمي مختصر لنتائج الثانوية العامة لكي تكون الصورة شاملة واضحة دون غش أو خداع، وقبل البدء بعرض النتائج وتحليلها نشير إلى صعوبة الحصول على البيانات المطلوبة لعملية التحليل، وكأنه مقصودا ذلك من وزارة التربية والتعليم، أو أن الجهاز التعليمي مهلهل ولا يعمل بالشكل الصحيح، وفي كلا الحالتين مطلوب تغيير جذري للهيكل التعليمي لا يغش نفسه ويغش مجتمعه ويعمل على إصلاح التعليم، منهاجا وأنشطة، يلائم ظروف مجتمعنا ومتطلباته العصرية والمستقبلية.. وتجدر الإشارة أيضا أن هذا التقييم يقتصر على نتائج الثانوية في غزة دون الضفة الغربية، وذلك لمعرفتنا ومعايشتنا لظروف غزة على أمل أن يحذو حذونا أحدهم من الضفة..

بلغ عدد المتقدمين لامتحان الثانوية العامة في غزة هذا العام ما مجموعه 36401 طالبا وطالبة موزعين على كافة الفروع في كافة محافظات غزة، تقدم منهم للفرع العلمي 6325 طالبا ، والعلوم الإنسانية 29820 طالبا، وباقي العلوم (الاقتصاد المنزلي، العلوم التجارية، الزراعية، والصناعية) بلغوا 256 طالبا فقط ! من هذا التوزيع يمكننا ملاحظة الخلل الكبير الذي لحق بالجهاز التعليمي، وعدم ربطه بالحياة العامة؛ إذ كيف نفهم تحول طلبتنا من الأقسام العلمية والمهنية المهمة والضرورية لتنمية المجتمع، المطلوبة لسوق العمل إلى العلوم الإنسانية التي يكتظ بها مجتمعنا؟؟ هل السبب هو في المنهاج؟ أم في المدرسة؟ مهما كان السبب؛ فمن الواضح أن الحياة التعليمية والجامعية تعيش في فوضى عارمة بدون تخطيط واستراتيجيات تعمل على إشباع حاجات ورغبات مجتمعنا.. لقد نجح في الامتحان ما مجموعه 19708 في كافة الفروع أي ما نسبته 54.14 % وهي نسبة لا تختلف كثيرا عن السنوات الثلاث الماضية كما هو مبين في الجدول التالي:

السنة
2008
2009
2010
2011

نسبة النجاح العامة
52.19%
49.70%
54.67%
54.14%

نسبة النجاح في العلوم الإنسانية
54.78%
46.60%
49.77%
50.22%

نسبة النجاح في الفرع العلمي
74.3%
72.38%
78.06%
72.33%

لم يظهر الجدول أي تغير يذكر في نسب النجاح العامة خلال السنوات الأربعة الأخيرة، مما يدل على أن الجهاز التعليمي غير معني بتقويم العملية التعليمية، ولم يجتهد في عمل برامج وأنشطة تساهم في تحسين مستويات التعليم لدى أبنائنا، وقد يكون مرد ذلك إلى ظروف الانقسام السياسي الذي يعيشه شعبنا للسنة الخامسة على التوالي، والذي انعكس بشكل واضح على مجمل أنشطة المجتمع المختلفة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، لكن ذلك لا يعني من المحاسبة والمتابعة من الجهات العليا في السلطة التنفيذية والتشريعية..

كي نقوم بتحليل دقيق للنتائج، قمنا بتصنيف الناجحين إلى فئات هي: الفئة الضعيفة والتي حصلت على معدل نجاح يتراوح بين 50 درجة إلى أقل من 60 درجة، والفئة المتوسطة والتي حصلت على معدل يتراوح ما بين 60 إلى أقل من 70، وكذلك فئة الجيدة ما بين 70 إلى أقل من 80 درجة، والفئة جيدة جدا ما بين 80 إلى أقل من 90 درجة، والفئة الممتازة ما بين 90 إلى أقل من 100 درجة، وظهرت النتائج كما هي في الجدول التالي:

الفئة
العلوم
الإنسانية
الفرع
العلمي
باقي الفروع
المجموع

 
الناجحين
النسبة %
الناجحين
النسبة %
الناجحين


ضعيف (50 ≤ 60)
6915
46.18%
225
4.92%
27
7167

متوسط (60 ≤ 70)
3448
23.02%
914
19.97%
58
4420

جيد (70 ≤ 80)
2450
16.36%
1263
27.60%
37
3750

جيد جدا (80 ≤ 90)
1574
10.51%
1346
29.42%
23
2943

ممتاز (90 ≤ 100)
589
3.93%
827
18.09%
12
1428


14976

4575

157
19708

إذا ما نظرنا للفئات كما حصل عليها الطلبة الناجحون في محافظات غزة سنجد الفئة الأكبر هي الفئة الضعيفة حيث بلغت نسبتهم 36.37% من الطلبة الناجحين وبلغ عددهم 7116 طالبا، وحيث أن هؤلاء لا تمكنهم درجاتهم من دخول الجامعة لأن قانون القبول في الجامعات هو 60 درجة فما فوق، وبالتالي يرتفع عدد الراسبين في غزة إلى 23860 طالبا من أصل 36401 طالبا أي ما نسبته 65.55% ( راسبين ) من مجمل الطلبة، وهذا يعني أن عددا قليلا من هؤلاء سوف يعيد الثانوية ليجرب حظه مرة أخرى، والعدد الأكبر منه أصيب بالإحباط الشديد ويحتاج إلى رعاية نفسية مكثفة حتى يتمكن من قبول الحياة وإعادة التأهيل.. وسبب ذلك ليس المرحلة الثانوية فقط ! بل هو عملية تراكمية من بداية المرحلة التأسيسية، لكنها انكشفت عند امتحانات الثانوية.. أي امتحانات هذه..؟ وأي نظام تعليمي هذا الذي يصل بأبنائنا ومجتمعنا إلى هذه الحالة..؟! لماذا بقيت الامتحانات مواقف للخوف والريبة إلى حد الإرهاب؟؟ هذا يقودنا للتساؤل مرة أخرى لماذا تغير المنهاج الفلسطيني إلى منهاج حديث يلاءم الحياة التي نعيشها، لكن النظام التعليمي ومفاهيمه لم تتغير بعد..؟ تغير المنهاج ولم تتغير البرامج والأنشطة والنظام لتلاءم هذا المنهاج.. والأفظع من ذلك كله أن معظم المعلمين والمشرفين لم تتغير مفاهيمهم وفق المنهاج الحديث، فهم ما زالوا يعلمون أبنائنا وفق الطريقة البنكية في تلقين المعلومات وتحصيل المعرفة، ولم تصبح بعد الامتحانات مواقف تعليمية للطالب، ولا تقويمية للمدرسة والجهاز التعليمي...

نعود إلى النتائج كما ظهرت في قسم العلوم الإنسانية فجاءت الفئة الضعيفة هي الأكبر، ومن ثم المتوسطة، فالجيدة والجيدة جدا وأخيرا الفئة الممتازة التي جاءت بنسبة مقبولة باعتبار أن هذه الفئة هي فئة العباقرة ويجب أن لا تزيد عن 2.5% من الناجحين في أي مجتمع كان، وإن ظهرت لدينا بزيادة نسبتها 1.5% وتعتبر زيادة كبيرة لمجتمع مثل مجتمعنا.. لكن التوزيع غير طبيعي في النتيجة التي ظهرت مختلة تماما، وعلينا أن نتساءل لماذا كانت الفئة الضعيفة كبيرة جدا؟؟ هل هو ناتج عن ترفيع آلي للراسبين الذين حصلوا على درجات أقل من 50% فتضخمت هذه الفئة بدرجة كبيرة؟؟ أم أن الامتحانات ليست موضوعية، وغير دقيقة، أم أن هناك خلل كبير في تصحيح إجابات الطلبة.. هذا ما يمكن أن يجيب عليه المشرفون المسئولون عن التصحيح والنتائج.. وليس أمامنا إلا أن نقول: أن الامتحانات لا تتصف بالصدق والثبات، وبالتالي لا يمكننا أن نمنح الثقة لكل العاملين في الجهاز التربوي.. لو كانت النتيجة قريبة من التوزيع الطبيعي والفروق الفردية لظهرت النتيجة بشكل متزن حيث تتقارب الفئة الضعيفة مع الفئة الممتازة بنسبة لا تزيد عن 3% لكل فئة لترتفع بالتدريج حيث تقابل الفئة المتوسطة فئة الجيدة جدا لتبقى الفئة الأكبر هي فئة الجيدة وتحوز على العدد الأكبر من الناجحين..

أما نتائج الفرع العلمي فظهرت بشكل معاكس لفرع العلوم الإنسانية، إذ حازت الفئة الممتازة والتي يفترض فيها أن تكون فئة العباقرة على نسبة 18.09% من عدد الطلبة الناجحين، وهذا لم يحصل في دولة من دول العالم التي لا تزيد فيها هذه الفئة كما ذكرنا عن 2.5%. إذن كيف خرجت هذه النسبة لدينا ؟؟ مرة أخرى نقول إن الامتحانات لا تتصف بالصدق والثبات، وكذلك النتيجة قد تكون تغيرت عن الحقيقة ولعبوا فيها كما يحصل كل عام، ويمكن تفسير ذلك بما يلي: نعرف أن وزارة التربية والتعليم ستعمل على رفع نسبة الناجحين في المواد التي سيكون فيها نسبة الرسوب عالية حتى تخفف من الصدمة المتوقعة في نسبة الرسوب إذا كانت عالية، والطريقة التي يتبعونها في الترفيع هي : يتم إضافة عدد من الدرجات للراسبين، ويتم تحديدها بناء على عدد الراسبين والذين يرغب بترفيعهم، ولو افترضنا أن الراسبين في الفيزياء مثلا 50 % من الطلبة وترغب الوزارة بترفيع 20 % منهم؛ فسوف تقيس أدنى درجة من الـ 20 % وتحسب كم درجة تحتاج للنجاح، ونفرض أنها تحتاج إلى 15 درجة للنجاح فيتم إضافة 15 درجة لكل من هو أقل من خمسين وحتى من هو حاصل على 70 درجة مثلا وأحيانا لمن هو حاصل على 85 درجة كما عملت بذلك في سنوات سابقة؛ فهل هذه هي الطريقة الصحيحة في ترفيع هؤلاء؟! إن هذه الطريقة تخل كثيرا بالميزان، وتظلم كثيرا من الطلبة المتفوقين لأنهم سيحرمون من الدرجات الـ 15 التي تم إضافتها لعدد كبير من الطلبة، وسوف نجد الطلبة ممن هم في الفئة الوسطى سينتقلون إلى الفئة الممتازة بما لا يستحقون، ومن هنا تظهر نتائج عالية في الفئة الممتازة والفئة التي تليها في الترتيب.. إن ذلك لا يجوز في علم القياس، ولا يمكننا عمل تقييم لهكذا نتائج، من هنا يبدو أن وزارة التربية لا تقوم بعمل تقييم شامل للعملية التعليمية وخاصة للمرحلة الثانوية ؟! وهذا يدل على الفوضى والتخبط في العمل .. وإذا ما أردنا تأكيد ذلك فلنفحص علامات الطلبة في الصفوف العاشر والحادي عشر فهل تتطابق هذه العلامات مع علامات الثانوية العامة ؟ لا نعتقد أنها تتطابق أو تتقارب إلا عند قلة قليلة من هؤلاء، بدليل أنه كيف لهؤلاء يكونوا قد ترفعوا للصف الثاني عشر..؟ هنا يكمن الخلل إما في طرق التدريس وإدارة المدرسة، أو في الامتحانات النهائية المعدة للثانوية العامة إذا ما كانت الامتحانات أداة لقياس مدى تحقق الأهداف التربوية..؟! إذن امتحانات كهذه لا يمكن أن تكون ( محكية المرجع ) ويمكن اعتبارها ( معيارية المرجع ) ونعتقد أن معظم الجامعات في الدول المتقدمة تقوم بعمل مقاييس قدرات خاصة لكل كلية أو تخصص ولا ينظر لشهادة الثانوية إلا خطوة أولى لدخول الجامعة، حتى من حصل على علامات عالية فيها إذا لم يستطع عبور امتحان القدرات الذي حددته الجامعة فلن يدخل الجامعة..! فلماذا لا تقوم جامعاتنا بعمل مثل هذه الامتحانات؟؟ وبهذا نكون قد تخلصنا من مشكلة القبول التي حددت بـمعدل 60% فما فوق؟ ونمنح فرصة أخرى لكل الناجحين..؟

مهما يكن ، فقد أصبح واضحا للجميع أن هذه السنة لا تختلف كثيرا عن السنوات السابقة إن لم تكن مطابقة لها، وأن الانقسام وحالة التشرذم السياسي كان لهما العامل الرئيسي في وصولنا إلى هذه الحالة المتردية، إضافة إلى الحصار الظالم على شعبنا، وكذلك انقطاع الكهرباء، والظروف الاقتصادية السيئة، كما هي الحالة في جميع مناحي الحياة المختلفة في محافظات غزة ، فهل أدرك السياسيون والقادة حجم الخلل والدمار الذي أنتجوه، وبدلا من التباهي والاحتفال بالفئة المتفوقة يقوموا بعمل جلسات نقاش وإعادة حساباتهم ومدركاتهم... لتكون بداية لإعادة اللحمة لشعبنا وتوحيد صفوفه لمواجهة التحديات المقبلة بدلا من حسابات فئوية ضيقة..؟! نعتقد أننا بحاجة لتغيير نظرتنا عن مركزية القرار وإعطاء الفرصة لمدارسنا ويمكن اعتمادنا لمعايير الجودة لهذه المدارس فيما بعد ولجامعاتنا كذلك.. ما دام أن جميع مؤسساتنا تقوم بعمل امتحان لخريجي الجامعات في حال توظيفهم أو تشغيلهم في تلك المؤسسات.. وفي الختام لا يسعنا إلا أن نقدم التهنئة للناجحين، والوقوف بجانب الذين تخلفوا عن الانتقال من هذه المرحلة ليقوموا من جديد كدافع للتقدم والنجاح...

آليات عمل هيئة الإنصاف والمصالحة الفلسطينية/ د. مصطفى يوسف اللداوي

مازالت هيئة الإنصاف والمصالحة المغربية تقدم بحبٍ نصحها إلى الشعب الفلسطيني، وتضع بين أيديهم خلاصة تجربتها الرائدة في عمل الهيئة خلال السنوات الماضية، وتبين القواعد الأساسية التي انطلقت على أساسها، والعوامل التي ساعدت في نجاحها، والآليات التي اعتمدتها في عملها، والصعاب والعقبات التي اعترضتها، وعرقلت جهودها، وأخرت ظهور نتائج عملها، ولكنها ترى أنها نجحت في نهاية المطاف في إرساء قواعدِ هيئةٍ وطنية مستقلة، تعتمد المهنية في عملها، والصدقية في توصياتها، وحافظت على المنطلقات الأساسية لحقوق الإنسان، وثبتت قوانين وتشريعات تحول دون خرقها، وتعمل على صيانتها وتطويرها وفق مفاهيم الحاجة والزمن، وترى أنها نجحت في الحد من السلطات الأمنية الاستنسابية، وقيدت عمل المؤسسات الأمنية ورجال التحقيق، وألزمت القضاء بأن يتحرى العدالة والإنصاف في أحكامه، ونأت به من خلال توصياتها عن التبعية والاحتكام إلى مراكز القوة والسلطة والنفوذ، ونجحت أخيراً في دسترة توصياتها، واعتمادها أصولاً وثوابت في الدستور المغربي، لتحميها من محاولات التغيير والتحريف المجهولة.

واستفادة من التجربة المغربية ينبغي على ثلةٍ فلسطينية من المثقفين ورجال القانون والعاملين في المجالات السياسية والفكرية، ومن المنشغلين في علوم النفس والصحة العامة، من الرجال والنساء، ممن يتصفون بالاستقلالية والمهنية والعلمية والعدلية والنزاهة وطهارة الكف وحسن السيرة، وممن يؤمنون بالعمل الوطني العام، وتهمهم المصلحة الوطنية، وتتقدم عندهم على المصالح الشخصية والفئوية والحزبية، أن يتنادوا جميعاً لتأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة الفلسطينية، على أن تكون هيئة مستقلة عن الجهات التنفيذية جميعها، وأن يكون ارتباطها بالمجلس التشريعي الفلسطيني، وبالمجلس الوطني حال إعادة تشكيله وفق أسسٍ وطنية جديدة، وأن تكون أبوابها مشرعة دون عقباتٍ أو اشتراطات لجميع المواطنين في داخل الوطن وخارجه، من المتضررين شخصياً أو ورثتهم، أو غيرهم ممن يرى ضرورة تقديم شكوى تظلم لصالح أحد الفلسطينيين، أو شكوى ضد أحد الأشخاص العموميين أو ضد جهاتٍ رسمية معينة، وأن يكون في قدرة الهيئة تحريك أي قضية من طرفها مباشرة، ودون الحاجة إلى قيام أحد أطرافها بطلب فتح الملفات المتعلقة بها، كما يجب عليها أن تكون قادرة على تقديم الطعون القضائية ضد أي حكمٍ قضائي ترى أنه جائر، ومخالفٌ للأصول القانونية، أو أنه يفتقر في صدوره إلى إجراءات المحاكمة العادلة، وأن تكون متابعاتها القضائية والقانونية معفاة من أي رسومٍ أو تكاليفٍ مالية، في الوقت الذي يعفى فيه المستدعون من دفع أي رسوم مالية لتحريك قضاياهم.

وينبغي أن يتمتع أعضاء الهيئة بالحصانة التامة أمام مختلف الجهات التنفيذية، وأن تتشكل آلية دقيقة لانتقائهم وتعينهم، بما لا يسمح للجهات التنفيذية بالتدخل في شؤونهم، والتأثير عليهم، أو الاعتراض على بعضهم، وأن تكون الهيئة قادرة على مساءلة أي شخصية عامة، سواء كانت على رأس عملها أو انتهت منه لتقاعدٍ أو استقالةٍ أو إقالة، على أن تكون ملزمة بتقديم إجاباتٍ وتوضيحات وتفسيراتٍ لكل الأسئلة التي تطرح عليهم، وألا تقبل الهيئة بتبريرات الضرورات الأمنية وأسرار الوطن والمصالح القومية العليا للبلاد، وأن تكون الهيئة على اتصالٍ دائم بوزارتي العدل والداخلية، بما يمكنها من حرية الإطلاع على جميع الملفات القضائية، والحالات المعروضة على القضاء قبل صدور الأحكام عليها أو بعدها، والتأكد من سلامة إجراءات المحاكمات، وأن يكون من حقها زيارة المعتقلين والاستماع إليهم، والتعرف على ظروف اعتقالهم وكيفية التعامل معهم، وأن تكون قادرة على الزيارات الفجائية والمنظمة إلى كل مراكز الاعتقال والاحتجاز السرية والعلنية التابعة لوزارة الداخلية والأجهزة الأمنية الفلسطينية، وأن تطلع على وسائل التحقيق والمساءلة، وأن تزور الموقوفين وتراقب أماكن احتجازهم وظروف عيشهم، وتستمع إلى شكواهم وتتعرف على حالتهم الصحية.

لا يقتصر عمل هيئة المصالحة الفلسطينية على القضايا الراهنة والملفات المفتوحة، وإن كانت آنيتها تفرض الأولوية وتمنحها صفة الاستعجال والضرورة، إلا أن الهيئة يجب أن تولي اهتماماً كبيراً بالملفات السابقة، والمخالفات القديمة، والتجاوزات التي وقعت في السنوات الماضية، لأنها هي التي تسببت في تمزيق لحمة الشعب الفلسطيني، وأدت إلى تعميق الشرخ الاجتماعي الذي شاركت في تأزمه الأجهزة الأمنية الرسمية وممارسات الثورية النضالية، في ظل غياب الرقابة والمتابعة وسلطة القوانين الإنسانية العادلة، إذ أن متابعة الملفات القديمة تحقق العدالة، وتنزع أساب الغل والحقد والكره والتباغض في المجتمع، وتخلق كياناً متماسكاً متحاباً خالياً من عوامل الفرقة والانقسام، في الوقت الذي تساهم فيه محاسبة المسؤولين السابقين على جرائمهم ومخالفاتهم في خلق مجتمع القانون والعدالة، الذي يعني أنه لا يوجد أحدٌ فوق القانون، كما لا يوجد شخصٌ لا تطاله المساءلة والتحقيق، وأنه لا يوجد أحد يستطيع الإفلات من العقاب، والتخلص من تبعة مسؤوليته عن الجرائم التي ارتكبها، إذ لم يعد هناك مكان للظلم، ولا مكانٌ للتفرد في وضع القوانين الاستنسابية التي خلقت السجون والتعذيب والعزل والنفي والتصفية والقتل، فقضايا الشعوب لا تموت، والملفات لا تغلق، والحق لا ينسى، والظلم لا يسود، والعدل باقٍ لم يرفع، فهو قانون السماء الأبدي السرمدي الخالد.

أما توصيات هيئة المصالحة الفلسطينية فينبغي أن تحولها الهيئات التشريعية الفلسطينية إلى قوانين وقرارات، وأن تمنحها صفة القانون، وأن تدرج بعضها ضمن دستور البلاد وأنظمة القضاء، ولوائح العمل الضابطة في الوزارات المختلفة خاصةً وزارتي العدل والداخلية، بما يضمن كرامة المواطنين، ويحفظ حقوقهم وامتيازاتهم، من أجل ضمان عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الفلسطيني، ولتحقيق منهج الإصلاح القضائي والأمني والارتقاء فيه، وأن تكون لجان الهيئة المنتشرة في كل أرجاء الوطن، قادرة على تلمس حاجات المواطنين ورغباتهم، لترفعها إلى الجهات التشريعية لتضمنها الدستور، وتدرجها ضمن القوانين والتشريعات، لتبقى دائماً في خدمة المواطنين، وقادرة على حراسة حاضرهم وضمان العدالة لماضيهم.

نحن الفلسطينيين في أمس الحاجة إلى هذه الهيئة العدلية المستقلة، القادرة على مساءلة المسؤولين ومحاسبة المتهمين في مختلف السلطات الرسمية والنضالية، فقد ضحى الشعب الفلسطيني كثيراً في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وقدم على مدى سنواتٍ طويلة من عمر الاحتلال زهرة شبابه وربيع عمره من أجل حرية وكرامة هذا الوطن، وحريٌ به ألا تظلمه مؤسساته، وألا تتغول عليه قياداته، وألا تمارس أجهزة بلاده ضده ما مارسه الاحتلال الإسرائيلي ضدهم من اضطهادٍ وتعذيبٍ وحرمانٍ وتضييقٍ، واعتقالٍ ونفيٍ وإقصاء وتغريبٍ، وليس ما يحمي شعبنا من ظلم مؤسساته وتغول قياداته سوى رجال قوامهم العدل والمسؤولية الوطنية، لا يخافون في الله لومة لائم، ولا توقفهم عن خطواتهم سلطاتُ أمنٍ ونفوذُ حاكمٍ، وهالةُ قائدٍ، وقداسةُ مسؤولٍ.


أنتم من رسمها، أنتم من وضعها!/ عـادل عطيـة

لوحة "جرنيكا".. واحدة من أهم أعمال الرسام الإسباني، أبو التكعبية، بابلو بيكاسو، شعبية.
صوّر فيها: الغارة البشعة العنيفة والقاسية والمدمرة على قرية جرنيكا الصغيرة الوادعة والقابعة في اقليم الباسك في أسبانيا، التي قام بها طيران النظام النازي، بغية اخافة معارضي الديكتاتور فرانسيسكو فرانكو، الذي كان يدعمه هتلر، ولتدريب الطيران الحربي الالماني استعداداً للحرب الهائلة التي سيُفجع بها العالم بعد سنتين من تلك الغارة.
اثارت تلك اللوحة أثناء عرضها عام 1937 في ما يعرف بمعرض القاعة الإسبانية في مدينة باريس، حيث كان بيكاسو يقيم ذاك الوقت، الكثير من ردود الافعال المتضاربة بعد أن شاهدها عدد لا يحصى من النظارة بما فيهم مواطنون ألمان يدينون بالولاء للنظام النازي.
في احدى المرات، جاء ضابط من الجيش الألماني لزيارة مرسم بيكاسو في باريس. وهناك وقعت عيناه عن نسخة من "جرنيكا"، فتملكته مشاعر الغضب كشخص يعلم تماماً موضوع اللوحة التي ينظر إليها وبعد تفرّس في وجهه لفترة، سأل الضابط بيكاسو بلهجة لا تخلو من احتقار ووعيد: "إذن، أنتَ من رسم تلك اللوحة".. مرت بضعة ثوانٍ نظر فيها بيكاسو بثبات في عينيّ الضابط قبل أن يجيبه بترفعه المعروف عنه: "كلا، بل أنتم من رسمها".
"أنتم من رسمها"، "أنتم من فعل هذا".. تأخذني تلك الكلمات إلى هؤلاء الغائصين إلى الركب في وحل الادانة والترهيب لشخص رجل الاعمال نجيب ساويرس، الذي قام بنشر صورة على حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، يظهر فيها ميكي ماوس ملتحياً ومرتدياً العقال العربي، ويظهر بجانبه حبيبته مرتدية للنقاب.. متجاهلين أن الصورة منقولة عن مصدر عربي اسلامي، وأن الرجل أعتذر لمن يأخذ الصورة على محمل المزاح، مؤكداً بأنه لم يعني بنشرها عدم احترام لأي أحد.
في خضم السباب واللعنات، أجدني أنظر إليهم بشجاعة بيكاسو، والقول لهم: "أنتم من رسمها"، "أنتم من فعل هذا".. عندما جعلتم للدولة دين، وللدين زيي، وللزيي قداسة بلا قداسة!...

هيئة الإنصاف والمصالحة الفلسطينية/ د. مصطفى يوسف اللداوي


يقدم الشعب المغربي بصدقٍ وإخلاصٍ ومحبةٍ وحرصٍ أخويٍ كريم، إلى الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات النصح والتوجيه والإرشاد، من منطلق حبهم في رؤية الشعب الفلسطيني متفقاً موحداً، خالياً من الخلافات والصراعات والتناقضات، متعالياً على الجراحات والأحزان والآلام التي سببتها السنوات الماضية، فيتخلص مما راكمته بعض الأخطاء والتجاوزات خلال سني نضالهم المجيدة، ويدعوهم للاستفادة من التجربة المغربية الرائدة، التي نجحت في تأسيس هيئةٍ وطنية مستقلة للحقيقة والإنصاف والمصالحة، للبحث عن أفضل السبل وأكثرها وطنية لتسوية ملفات ونزاعات الماضي، وحلها بشكلٍ منصفٍ وعادل، لخلق مجتمعٍ فلسطينيٍ منسجمٍ ومتآلف، يخلو من معاني الكراهية والظلم، فكانت هيئة المصالحة والإنصاف المغربية آلية حقيقية لتحقيق العدالة الوطنية، ونزع الحقد والغل والغضب من نفوس آلاف المغاربة، الذين تركت فيهم سنوات ما بعد الاستقلال جروحاً بالغة، وتسببت لهم في مآسي كبيرة، تركت آثارها على الأشخاص والمؤسسات، وورث نتائجها الأبناءُ والأسرُ والعائلات، وشكلت مرحلة مريرة وقاسية من عمر الشعب المغربي، سجلت فيها انتهاكاتٌ جسيمة وخطيرة لحقوق الإنسان إلا أن الهيئة مكنتهم عبر جهودٍ كبيرة من المتابعة والتحقيق والتحري من الوصول إلى الحقيقة في أغلب القضايا التي لم يطوها الزمن، ولم تتمكن الأيام من نسيانها، وأعادت لكثيرٍ من المتضررين حقوقهم المادية والمعنوية، وعوضتهم عن كثيرٍ مما فاتهم.

يرى المغاربة أصحاب الخبرة والتجربة، ممن خاضوا تجربة نزع فتائل الانفجار وعوامل التجزئة والانقسام، ووضعوا حداً برضا ومحبةٍ وتفاهم لكثيرٍ من المشاكل وموروثات الماضي، أن الشعب الفلسطيني وهو في طريقه إلى الوحدة والاتفاق والمصالحة، ليتمكن من تحصين مصالحته الوطنية بنجاح، وتثبيتها ومنعها من السقوط والانحدار من جديد، فإنه في حاجةٍ ماسة لخلق هيئة إنصافٍ ومصالحة وطنية، تقوم على أسسٍ وطنية سليمة، تعتمد المهنية في عملها، وتتوخى الحقيقة في تحقيقاتها، وتكون جريئة في فتح كل الملفات، وتعقب كل الجرائم، ومتابعة كل الجهات المتورطة في انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني، وأن تكون مستقلة عن كل مراكز القوى، وغير خاضعةٍ إلى حساباتٍ خاصة، ولا مرتبطة بأجنداتٍ حزبية وفصائلية، وأن تمتلك الإرادة السياسية للقيام بأعمال الإصلاح وعدم التوقف أمام العقبات والصعاب التي تعترضها.

الشعب الفلسطيني يعيش منذ سنواتٍ مرحلة انتقالٍ سياسي فارقة، تختلف في كثيرٍ من جوانبها عن مرحلة الاحتلال الإسرائيلي المباشر، ولكنها تمتد لتشمل سنوات النضال الوطني الفلسطيني، التي بدت في بعض مراحلها منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 وحتى اليوم بعض الخروقات اللافتة لحقوق الإنسان الفلسطيني، والتي تمثلت في قتل العشرات من الفلسطينيين بتهمة العمالة والتعاون مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ونفذت فيهم أحكام القتل دون إجراء محاكماتٍ عادلة لهم، كما لم تمكن كثيرٍ منهم من حق الدفاع عن أنفسهم، وتفنيد الاتهامات الموجهة ضدهم، فضلاً عن أعمال القمع والضرب الموجع التي تعرض لها آخرون بنفس التهمة، والتي تركت آثاراً اجتماعية سلبية وخطيرة على أسرهم وذويهم، وليس في هذا دفاعٌ عن المتورطين والمدانين أبداً، بل لعل القتل الذي طال المدانين والمتورطين منهم أقل بكثيرٍ مما يستحقونه من عقابٍ، بقدر ما هو مسعىً لإنهاء المشاكل الاجتماعية، وإغلاق ملفات بعض الأسر التي تطالب بحقها في الإنصاف ومعرفة الحقيقة، وجلاء الصورة، وتعويض المظلومين منهم، ورد الاعتبار إلى من وقع في حقهم أخطاءٌ وتجاوزات، خلقت لهم ولأسرهم مشاكل وتحدياتٍ اجتماعية خطيرة.

ويلزم هيئة الإنصاف والمصالحة الفلسطينية أن تنظر في مئات المظالم التي تعرض لها الفلسطينيون في السجون الفلسطينية، والانتهاكات الجسيمة التي اقترفتها الأجهزة الأمنية بحقهم، وأشكال التعذيب المهولة التي مورست ضدهم، فضلاً عن وفاة بعض المعتقلين في السجون الفلسطينية جراء التعذيب وسوء المعاملة، وغيرها كثير من الإصابات والأمراض التي لحقت ببعضهم، والتي سببت لهم إعاقاتٍ دائمة وعاهاتٍ مستديمة، على أن يتم تحديد الجهات السياسية والأمنية التي قامت بالفعل أو شرعت له، أو شكلت للقائمين عليه حماية وحصانة من الملاحقة والمساءلة، وهي قضايا كثيرة دائمة ومتجددة، وتهدد نسيج المجتمع الفلسطيني كله، وتحكم بالفشل على كل جهود المصالحة والاتفاق، ويجب عليها أن تنظر في آلاف حالات الطرد من الوظائف، والحرمان من العمل، وحجب الرواتب والحقوق بناءاً على خلفياتٍ حزبية وفصائلية وخلافاتٍ شخصية، وعلى قاعدة الانتماء السياسي والعمل الحزبي، التي فرضت في المجتمع الفلسطيني ما عرف باسم "السلامة الأمنية"، التي تسببت في تسريح آلاف الموظفين من وظائفهم، وحرمتهم من حقهم في العمل والكسب ضمن مؤسسات الوطن، وعليها أن تنظر في أسباب خوف بعض المواطنين الفلسطينيين من العودة إلى بيوتهم وبلداتهم، وتوفير الأجواء النفسية والقانونية الملائمة لضمان عودتهم إلى بيوتهم وأسرهم، وضمان حقوقهم المالية والمعنوية، وعدم التغول عليها بالقوة بعيداً عن القانون والمحاكمات العادلة.

لا تقتصر مهام هيئة الإنصاف والمصالحة الوطنية الفلسطينية على النظر في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الفلسطيني في السنوات الماضية، وتعويض المتضررين مادياً من الظلم والتعسف الذي لحق بهم، وجبر الأضرار وتعويض الضحايا، وتمكينهم من الانخراط في المجتمع، وتسوية مشاكلهم التي خلقتها الممارسات المنافية لحقوق الإنسان التي تعرضوا لها، وإنما على الهيئة أن تقوم بقطع المرحلة الماضية، ووضع حدٍ فاصلٍ لها، وعزلها كلياً عن التأثير على مستقبل الحياة الفلسطينية، وأن تعمل على ضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات، وعدم الوقوع في أسبابها من جديد، وأن تؤسس لسيادة القانون العادل والمنصف، الذي يراعي حقوق الإنسان، ويجرم أي انتهاك له، ويعطي الحق للمواطن في ملاحقة ومتابعة ومحاسبة كل من أجرم بحقه، وانتهك حقوقه، وأن تعمل على بناء مؤسسات الدولة والقانون التي لا تسمح بالتجاوز، ولا تشرع الأخطاء، ولا تحمي المجرمين، ولا تزيد في جرح المظلومين.

الفلسطينيون في أمس الحاجة إلى العدالة والإنصاف، وإلى بيان الحقائق وجلاء الصور، وإعادة الحقوق واستيفاء الأمانات، وإبراء النفوس وشفاء الجراح، فما زالت آثار الاعتداءات الإسرائيلية الصارخة بحقهم ماثلة ومستمرة، وهم لم ينسوا جرائمه، ولم يتمكنوا من وضع حدٍ لها، وهم منه لا يتوقعون شيئاً غير الظلم والبغي والاعتداء، لهذا فإنهم يتوقون إلى العدالة الوطنية، وإلى الصدق الوطني الذي يعوضهم خيراً عما أصابهم، ويمكنهم من جبر كسر السنين الماضية، وتعويض المتضررين جميعاً بما يخلق مجتمعاً فلسطينياً متحاباً متراصاً متوافقاً، وإلا فإن أسباب الخصومة ستبقى، وعوامل التفجير ستتعزز، ولن ينعم الفلسطينيون بحياةٍ آمنة مطمئنة، وستبقى حياتهم رهينة مظالم الماضي وتجاوزات اليوم.


إسرائيل تبحث عن مصيرها المشترك!/ مأمون شحادة

في ظل تقوقع “اسرائيل” وهي تبحث عن ذاتها بجدار يرسم إطار حدودها الإقليمية، تطل علينا اليوم بمشروع يهدف الى نقاء دولتها “ضمنياً” باليهودية، ولكن ثمة أسئلة تقف أمام تلك الأطروحات “الإسرائيلية”، عن أي نقاء يتحدثون؟ وهل سيُجنبها هذا النقاء معركة صراع الأضداد الاجتماعية الداخلية؟
اسئلة حجمها اكبر من حجم عقلها التلمودي، وحيثياتها تدور في فنجان يبحث عن زوبعة خالية من خليط ثقافي ينخر جسم كيانهم.

فالأجدر بـ”إسرائيل” ان تُفعِل مطبخها السوسيولوجي للبحث عن مستقبلها، وليس التطرق الى اسلوب يجسد عنصرة اجتماعية في واقع “اسرائيلي” عصي على الاندماج الثقافي.

ان طرد العرب –كمقايضة- من اطار اطروحاتهم لن يكون الحل الامثل، ولن يكون عصاً سحرية ترمي بظلالها على المجتمع “الإسرائيلي”. فالنقاء لن يكون بطرد هؤلاء، ولن يكون الحل الامثل لمعضلة “اسرائيل” الداخلية.

صحيح ان دولة الكيان تلعب على وتر الحس القومي المغلف بالتلمود باستهدافها مدينة القدس وشد الحبل في إطار المسجد الأقصى، كاسلوب يوحد الاطياف الداخلية في لون واحد، في إشارة إلى أن عرب الداخل وفق عنصرهم القومي يشكلون عائقاً أمام صوغ معادلة يهودية توحد ثقافة الضد الداخلية.
ولكن عن أي توّحدٍ تبحث “إسرائيل”؟ وما هي المعادلة التي توحد عناصرها المبعثرة؟

فلو بحثنا في كينونتها الداخلية، لوجدنا أن هذا الكيان لا يعيش ضمن اطار دولة، ولا وحدة لغوية، ولا وحدة ثقافية تجمعهم، ولا حتى وحدة تاريخية تدعم مصيرهم المشترك.

الناظر لدولة الكيان “المُستوردة” يجد انها تفتقد العامل الحدودي، واللغة ركيكة متشظية “اسرائيليا”ً، والثقافة خليط غير متجانس، والتاريخ مبعثر يأكله الليل دون فجر يجدده، اما المصير المشترك فهو الذي تبحث عنه “اسرائيل” لتجميع تناقضاتها الداخلية، وأعمدتها الاجتماعية المتآكلة.

لو نظرنا الى ما وراء عقلية الفرد “الاسرائيلي” لوجدنا انه يفتقد عنصر الدولة في مخيلته الانتمائية، ويعيش حالة مخيالية ترتبط بالمجتمع الاصلي الذي آتى منه، مجسداً انتماء يتجه الى اطار المجتمعات الخارجية، المصدرة للعنصر “الإسرائيلي”، أكثر من انتمائه الى بقعة الكيان المستورد.

بناء على هذه التخبطات الفكرية التي يعيشها الكيان الاسرائيلي، فإن الأخير مهتم بديمومة وتضخيم عدوه الخارجي، ولا يستطيع العيش بدونه، ذلك لانه يستعمله كشماعة لتوحيد أطرافه الاجتماعية المتشظية، ليكون قالباً واحداً في وجه عدو يؤهله لصوغ بصيص نور موحد يجتمع في أطيافه تجانس انتمائي فكري مؤدلج.

ما يعني ان البروباجاندا “الإسرائيلية” تحاول دائماً تضخيم عدوها الخارجي- ليس لانه عدوها - بل لانه طوق نجاة يسرع في تشكيل لحمتها الداخلية، حيث ان هالة الخوف المتراكمة جراء هذا العدو تجعل من الفرد “الإسرائيلي” موحداً ثقافياً، ضمن إطار الدولة المُستورِدة لذلك العنصر، لمجابهة هذا العدو، ونحن نتذكر ما فعلته “إسرائيل” حينما حاربت اندماج اليهود في المجتمعات الاوروبية عن طريق اخافتهم بالهولوكوست ومعاداة السامية، كطريقة لتوريدهم الى فلسطين، وها هي اليوم تعمل بنفس الفكر السابق ولكن بهدف مغاير لدمج المجتمع ضمن مصير وتجانس مشترك على الارض التي استوردته.

ان المهاجرين الروس، والبالغ عددهم مليون مهاجر، مثالاً، يشكلون عائقاً امام الاندماج المصيري المشترك للمعادلة المنوي صوغها “اسرائيلياً”، فالعقلية الروسية عصية على الاندماج في اطار “الاسرلة” المجتمعية، حيث يعتبرون انفسهم جالية مقيمة في “اسرائيل”، وليس مواطنين.

فالمافية الروسية تنخر جدران المشروع المنوي احداثه، فمناطق مثل تل أبيب، وايلات تمثل معقلاً مافيوياً، وكأنها دولة في اطار دولة، وقد نشرت أرقام في الصحف “الإسرائيلية” تقول أن 82 % من “الإسرائيليين” يؤكدون أن الوضع الإجرامي في “إسرائيل” يزداد سوءاً، هذا إضافة إلى انها تحتل المرتبة السابعة عالمياً في مجال إجرام المراهقين، وهذا ما أكده سفير أمريكا في “إسرائيل”، من خلال برقية أرسلها لوزارة الخارجية الأمريكية والشرطة الفيدرالية في العام 2009، أن الجريمة المنظمة في الداخل “الإسرائيلي” هي التي تهدد “إسرائيل”، لان جذورها عميقة للغاية.

أمام تلك الإشكاليات والمعضلات الاجتماعية السريالية والفسيفسائية نطرح أسئلة جوهرية على طاولة الاستيراد “الإسرائيلية”: ماذا ستفعل دولة الكيان بمعضلاتها الداخلية ان تصالحت مع من حولها؟ ومتى ستنتهي من خزعبلاتها الإعلانية بطرد العرب من إطار لوحتها السريالية الفسيفسائية؟ وهل يوجد فكر “إسرائيلي” موحد؟ ولماذا “إسرائيل” تخالف واقع العولمة(العالم قرية صغيرة) في ظل تقوقعها الداخلي المتشظي؟ وهل ستبرر طاولة الاستيراد تقوقعها خلف الجدار بحجة اشعار الفرد “الاسرائيلي” انه يعيش في اطار دولة لها حدود- ولو لفترة محددة - من اجل خلق المصير المشترك الذي تبحث عنه!



كاتب فلسطيني مختص بالشئون الإقليمية

بيت لحم – فلسطين

wonpalestine@yahoo.com