شاهدُ عيَان" على حال الأمَّة ككل!/ صبحي غندور

ما زلت أذكر طرفةً كان يردّدها البعض، لعقودٍ خلت في بيروت، عن قول أحد البيروتيين لصديقٍ له: (عجيبٌ أمْرُ ذلك الشخص "شاهد عيان".. كلَّ يوم أقرأ له تصريحاتٍ في الصحف عن أكثر من قضية، فهو حتماً إنسانٌ مهمٌّ جدّاً، لكن كيف يستطيع السيد "شاهد" أن يكون في أمكنةٍ مختلفة وفي يومٍ واحد؟).

في الأشهر الماضية، كثُر استخدام المحطات الفضائية العربية لظاهرة "السيد شاهد عيان" بل أصبح "هو" مصدر الأخبار بالنسبة لبعضها و"المحلّل السياسي الأول" على هذه المحطات.

طبعاً، من المفهوم سبب الاعتماد على "شاهد عيان" في ظلِّ غياب حرّية العمل الإعلامي، لكن الخوف أن ينتقل المعنى اللغوي الصحيح لتعبير "شاهد عيان": (مَن شاهَدَ بالعين ويشهد على ذلك)، إلى المعنى الخطير في اللهجة العامّية المصرية (عيّان)، أي (شاهد مريض) ولا يُعتدّ بشهادته!.

هناك الآن في الأمَّة العربية الكثير من "شواهد الأعين"، والكثير أيضاً من "الشهداء" الذين يسقطون في معارك "التغيير والديمقراطية" السائدة حالياً، بعدما كان تعبير "الشهداء" يرتبط في ذهن المواطن العربي بمعارك التحرّر من الاستعمار والاحتلال. المؤسف في الواقع الراهن هو الحملة الجارية من بعض مؤيّدي "شهداء الديمقراطية" ضدَّ مناصري "شهداء مقاومة الاحتلال". وكأنّ الخيار الآن في الأمَّة هو بين الشهادة من أجل حرّية المواطن أو الشهادة من أجل حرّية الوطن!.

ما نحتاجه في هذه المرحلة ليس "شهود عيان" فقط على أوضاع "زواريب وأحياء" في هذه المنطقة أو تلك، بل أيضاً "شهود عيان" على أوضاع الأمَّة العربية ككل، وعلى ما يحدث فيها وحولها من متغيّرات سياسية ستُدخِل بعض أوطانها في التاريخ لكن قد تُخرجها من الجغرافيا.

إذ هل هي صدفةٌ أن يبدأ هذا العام "الديمقراطي" الجاري بإعلان تقسيم السودان، وتحويل جنوبه إلى دولة مستقلة وَضَعت في أولويّاتها بناء العلاقة الخاصة مع إسرائيل؟!

ثم هل هي صدفةٌ أيضاً أن تكون القوات الأطلسية قد حطّت رحالها وهيمنتها في معظم أرجاء المنطقة خلال العقد الماضي، وأن يكون العراق الذي خضع للاحتلال الأميركي/البريطاني، ثمّ دولة جنوب السودان الوليدة بفعل دعم أميركي/أوروبي/إسرائيلي، ثمّ ليبيا المتغيّرة الآن بدعم أطلسي، هي كلّها مناطق نفطية هامّة؟!

وهل كانت صدفةً أيضاً أن تتزامن في ظلّ إدارة بوش الدعوة الغربية للديمقراطية في المنطقة مع احتلال العراق أولاً ثمّ ما تبعه من حربين لاحقاً على لبنان وغزّة؟!. ألم يُخصّص الرئيس الأميركي السابق جورج بوش قمّة مجموعة الدول الثمانية، التي انعقدت في ولاية جورجيا الأميركية صيف العام 2004، من أجل موضوع الديمقراطية في المنطقة بعد عامٍ من احتلال العراق! ألم يقل الرئيس بوش في كلمته بقمّة الناتو في إسطنبول، في العام نفسه، إنّ تركيا التي هي عضو في حلف الناتو ولها علاقات مع إسرائيل، تصلح لأن تكون نموذجاً للدول الديمقراطية المنشودة في العالم الإسلامي؟!

تساؤلاتٌ عديدة تفرضها التطوّرات الراهنة في المنطقة العربية، التي تختلط الآن فيها الإيجابيات مع السلبيات دون فرزٍ دقيق بين ما هو مطلوب وما هو مرفوض. فحتماً هي مسألة إيجابية ومطلوبة أن يحدث التغيير في أنظمة الحكم التي قامت على الاستبداد والفساد، وأن ينتفض النّاس من أجل حرّيتهم ومن أجل الديمقراطية والعدالة. لكن معيار هذا التغيير، أولاً وأخيراً، هو وحدة الوطن والشعب واستقلالية الإرادة الشعبية عن التدخّلات الأجنبية. فما قيمة أي حركةٍ ديمقراطية إذا كانت ستؤدّي إلى ما هو أسوأ من الواقع القائم، أي إلى تقسيم الأوطان والشعوب ومشاريع الحروب الأهلية!. ثمّ ما هي ضمانات العلاقة مع الخارج الأجنبي، وما هي شروط هذا الخارج حينما يدعم هذه الانتفاضة الشعبية أو تلك؟!

إنّ المشكلة هنا هي ليست في مبدأ ضرورة التغيير ولا في مبدأ حقّ الشعوب بالانتفاضة على حكّامها الظالمين، بل في الوسائل التي تُعتَمد وفي الغايات التي تُطرَح وفي النتائج التي تتحقَّق أخيراً. وهي كلّها عناصر ترتبط بمقوّمات نجاح أيّة حركة تغييرٍ ثوري، حيث لا فصل ولا انفصال بين ضرورة وضوح وسلامة القيادات والأهداف والأساليب. فلا يمكن حصر المراهنة على أسلوب التغيير، الذي يحدث متزامناً مع بقاء القيادات والغايات والبرامج الفعلية مجهولة التفاصيل، كما لا يمكن أيضاً تجاهل مدى علاقة التغيير الديمقراطي المنشود بمسائل الصراعات الأخرى الدائرة في المنطقة، وفي مقدّمتها الصراع العربي/الصهيوني.

يُذكّرني ما يحدث حالياً بما جرى في فترة الحرب الباردة بالنصف الثاني من القرن العشرين حيث كانت دول العالم الثالث (وهي المنطقة العربية وإفريقيا وأميركا اللاتينية وقسمٌ كبيرمن آسيا) تعيش همّاً يختلف في طبيعته عن هموم دول "العالم الأول" الغربي الديمقراطي، وهموم "العالم الثاني" الشرقي الاشتراكي... فقد كان الهمُّ الأول لدول "العالم الثالث" هو التحرّر الوطني والقومي من القواعد العسكرية الأجنبية، ومن السيطرة الاستعمارية المباشرة التي ميّزت القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين.

ف"الديمقراطية" و"العدالة الاجتماعية" هما أساس لبناء المجتمعات من الداخل حينما يكون هذا الداخل متحرّراً من سيطرة الخارج، لكن عندما يخضع شعبٌ ما للاحتلال أو للسيطرة الخارجية، فإنّ مفاهيم ووسائل تطبيق الديمقراطية أو العدالة الاجتماعية، ستكون حصراً بما يتناسب مع مصالح المحتل أو المسيطر، لا بما يؤدّي إلى التحرّر منه أو من نفوذه المباشر. ويتّضح هذا الأمر أكثر بمراجعة كيفيّة إصرار القطب "الشرقي" الشيوعي العالمي خلال القرن العشرين على تهميش أي دور للإرادة الوطنية الحرّة في المجتمعات التي كانت تسير في فلكه، وعلى تهميشه، بل ورفضه، لأي طرح ديمقراطي وطني مستقل. وكذلك الأمر كان مشابهاً على الطرف الآخر الرأسمالي "الغربي"، الذي كان يريد تهميش كلّ طرحٍ يرتبط بتحرّرٍ وطني أو دعوةٍ لنظامٍ اجتماعيٍّ عادل، ويعمل على إبقاء السيطرة الاقتصادية للشركات الغربية الكبرى، تحت حجَّة "حرّية السوق" والنظام الاقتصادي الحر وشعارات الديمقراطية الرنَّانة.

وقد سعى آنذاك "الشرق" الشيوعي و"الغرب" الرأسمالي، إلى وضع العالم كلّه أمام خيار "الديمقراطية" أو "الإشتراكية"، فإمّا مع هذا الطرف فكرياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً، بل وحتّى ثقافياً، وإمّا ضدَّه بالكامل إذا جرى الاعتراض أو الاختلاف مع بعض طروحاته!

الآن، وفي بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، ووحدانية السيطرة العالمية لمفاهيم القطب الغربي الرأسمالي.. يشهد العالم حالة فوضى من الطروحات التي تتفاعل داخل كلِّ مجتمع.. لكن لم تستطع هذه المتغيّرات الدولية أن تلغي حاجة شعوب العالم كلّهم إلى التلازم: بين الديمقراطية والعدالة الإجتماعية، بين التحرّر الوطني وحرّية المواطنين، بين رفض الاستبداد ومقاومة الاحتلال معاً، بين الانفتاح على العالم وبين الحرص على الهُويّة الوطنية والقومية والحضارية.

أعين العالم كلّه مشدودةٌ الآن إلى ما يحدث في المنطقة العربية من تحوّلات، فهي منطقة الثروات والموقع الإستراتيجي ومقرّ المقدّسات الدينية. لكن بعض هذا "العالم" لا يكتفي بدور "شاهد العيان" أو بالنّظر من بعيد، بل يمدّ يداه ويحاول وضع قدميه أيضاً في أرض هذه التحوّلات ومع صانعيها. لذلك، فإنّ الأمَّة العربية بحاجةٍ الآن إلى "شهود بصائر"، ينظرون إلى ما يحدث في أوطانهم وأمّتهم بقوّة البصيرة لا بما تشاهده الأبصار أو تسمعه الآذان فحسب. الأمّة بحاجةٍ إلى حكّامٍ ومعارضين يدركون ما الذي يفعلونه ببلدانهم، ولا يكتفون بالمراهنة؛ على قوّة الأمن، أو قوّة الشارع، أو قوّة الدعم الخارجي ..

العيد في حضرة الأسرى والشهداء/ د. مصطفى يوسف اللداوي

أليس من حقنا نحن الفلسطينيين أن نفرح كغيرنا من العرب والمسلمين في يوم عيدنا، فهذا يومٌ أراده الله لنا لنفرح فيه، نلبس فيه الجديد، ونزور فيه القرب والبعيد، ونقدم فيه الهدايا للصغير والكبير، ونخرج إلى الشوارع مبتهجين، ونأخذ معنا أطفالنا إلى الملاهي ومراجيح العيد، نربت على ظهورهم، ونملأ جيوبهم بالحلوى وبنقودٍ من حديد، نفرح ونحن نرى البسمة على شفاههم، وهم يركضون ويلعبون ويمرحون، ويقفزون ويتمرجحون، يسابقون بعضهم، ويلفتون أنظار أهلهم، يلوحون لهم بأيدهم الصغيرة، وينادون عليهم لينظروا إليهم، ينفقون ما بقي في جيوبهم على ألعابٍ انتظروها وعشقوها، ودراجاتٍ يحبون أن يركبوها، وخيولٍ يتمنون أن يمتطوها، إنه يوم الزينة والفرحة، ومناسبة البسمة والرحمة، يومٌ ننسى فيه الحزن ونستولد منه الفرحة، نمسح فيه الدمعة ونرسم مكانها البسمة، نعض على جراحنا ونكابر، ننسى همومنا وأحزاننا ونحيي مكانها أحلامنا وآمالنا.

أكثر من ستين عاماً مضت علينا ونحن نستقبل أعيادنا في المقابر، نزور شهداءنا، ونطرح عليهم السلام، ونقدم لهم التهنئة في يوم العيد، وشهداؤنا يزدادون عاماً بعد آخر، يصلون القديم بالجديد، والولد بأبيه، والشقيق بأخيه، يحافظون على دفق الدم، وعبق رائحته، مقابرنا لم تعد تتسع لمزيدٍ من الشهداء، فآلة البطش والقتل الإسرائيلية الهمجية لا تتوقف، وأعمال القنص والغدر والاغتيال والتوغل تتواصل، وشعبنا يتمنى المواجهة ولا يخشى القتل، لا يجبن ولا يخاف، ولا يفر ولا يهرب، ولا يتوب ولا يندم، يتقدم ولا يتأخر، يعشق الشهادة ولا يخاف من الموت، يخلق من الموت لأمته الحياة، ولشعبه الخلود والبقاء.

في يوم العيد منذ أكثر من ستين سنة ونحن نزور مقابر الشهداء، نجدد البيعة لمن سبق من الشهداء، ونجدد العهد معهم، أننا ماضون على ذات الدرب، متمسكين بحقوقنا، ثابتين على نهجنا، راضين بقدرنا، سعداء بما لحق بنا، مستبشرين بنصر الله لنا، لا نفرط ولا نساوم، لا نسالم ولا نستسلم، ولا نخون ولا نغدر، نحفظ العهد، ونصون الأرض، وندافع عن الحق والوطن والمقدسات، ولكن يحزننا أن يحل علينا العيد وهم عنا غائبين، ومن أولادهم محرومين، لا يستطيعون أن يقبلوا يد أمهاتهم، ولا أن يصافحوا إخوانهم، ولا أن يدخلوا الفرحة إلى قلوب أطفالهم، والبهجة والمسرة إلى صدور أمهاتهم وأخواتهم وأحبابهم، ولكنهم ينتظرون أحبتهم ممن بقوا خلفهم، ليأخذوا بأيديهم إلى جناتٍ عرضها السماوات والأرض، ليكونوا في صحبة رسول الله وخيرة الخلق من النبيين والشهداء والصالحين في مقعدِ صدقٍ عند مليكٍ مقتدر.

منذ أكثر من ستين عاماً ونحن نستقبل العيد وعشرات الآلاف من رجالنا الأبطال خلف السجون والقضبان، مغيبين عن الحياة، بعيدين عن الناس، محرومين من الأهل والأحباب، وممنوعين من الاتصال بأسرهم أو الحديث مع أطفالهم، يعانون من ضيق السجن وقسوة القيد وحقد السجان، يواجهون بإرادتهم الصلبة إجراءات سلطات الاحتلال التي حرمتهم من كثيرٍ من حقوقهم، فمنعت زيارتهم، وحرمتهم من حقهم في لقاء محاميهم، ومنعتهم من مواصلة تعليمهم، وزادت في إجراءات عزلهم وعقابهم، وباعدت بينهم في السجون، وأقصت كثيراً منهم في عمق الصحراء أو في منافي السجون، وقد بالغت في محاكمتهم، فاشتطت في أحكامها، وضاعفت في سني اعتقالهم وسنوات سجنهم، وعقدت ظروف اعتقالهم، وتشددت في شروطها عليهم.

في يوم العيد منذ أكثر من ستين عاماً ونحن نحلم أن يلتئم شملنا مع من نحب من أسرانا ومعتقلينا، ونتطلع إلى اليوم الذي نراهم فيه أحراراً، يغدون مثلنا ويروحون، يزورون ويزارون، يخلعون بزاتهم البنية والبرتقالية، ويلبسون مكانها أبهى حلة وأجمل زينة، والفرحة تلون وجوههم، والبسمة تزين شفاههم، يجتمعون بأطفالهم كغيرهم، يعطونهم العيدية التي ينتظرونها، ويحملونهم معهم إلى الملاهي والمراجيح ليفرحوا كما كل أطفال الدنيا، ولكن الأسرى لا يخرجون، وفي السجون يزدادون ولا ينقصون، ولكنهم ثابتون صامدون، يقوون ولا يضعفون، يتشامخون ولا يتضاءلون، ترتفع أصواتهم ولا تخفت، وتشتد عزيمتهم ولا تضعف، ويتعاظم لديهم الأمل لا يضعف، فغداً سيغدون أحراراً رغم أنف الاحتلال، وسيجبرونه على فتح أبواب السجن، وكسر أغلال القيد.

إنه من حقنا في يوم عيدنا كغيرنا أن نفرح، وأن نبتهج ونسعد مع أهلنا وأحبابنا، بلا حزنٍ يلون أيامنا، ولا آهةٍ تضعف أصواتنا، ولا غائبٍ سجينٍ أو مشتت نتحسر على غيابه، ونتمنى حضوره، ونتطلع إلى يوم عودته، ولا شهيدٍ قتله العدو فواريناه الثرى، فغاب عن عيوننا، ولم يعد بيننا رغم أنه مازال يسكن في قلوبنا، ويحوز على ذاكرتنا، فهو حاضرٌ في حياتنا بأفكاره وثوابته وحقوقه ووصاياه وكلماته الأخيرة، ليكون وصياً على العهود، أميناً على الحقوق، فنحفظها ولا نفرط بها.

إنه من حقنا في يوم عيدنا بعد أكثر من ستين عاماً من الحزن والحرقة والألم أن نفرح في ظل دولتنا وعلى أرض وطننا، وراية علمنا تخفق فوق رؤوسنا، وشمس الحرية تسطع فوق رؤوسنا، نتمتع بسيادتنا على كامل أرضنا، فلا عدو يحتل أرضنا، ويستولي على ممتلكاتنا، ويسلبنا حقوقنا، ويقتل أبناءنا، ويعتقل رجالنا، ويشرد أهلنا، فقد آن الأوان لأن يكون لنا يوم عيد، نفرح فيه مع أسرانا الأحرار، بعد أن نكسر قيدهم، ، ونفكهم من أغلالهم، ونحررهم من سجنهم، ولا يكون فيه شهداءٌ جدد، ولا رجالٌ يوارون الثرى بعد أن نسكت فوهات مدافع الاحتلال، ونعطل آلة القتل عنده، لنشد الرحال، ونغذ الخطى نحو القدس، لنصلي في مسجدها الأقصى صلاة العيد، رجالاً ونساءاً، كباراً وصغاراً.

طلب الحق حرفه يا سادة/ رأفت محمد السيد

نسى هواة الإعتصام من المصريين أن يقوموا بعمل وقفة إحتجاجية أمام مجلس الوزراء بسبب موجة الحر الشديدة التى شهدناها الايام الماضية ، مطالبين الحكومة بمايوه وبلاج لكل مواطن لكسر حدة الحرارة القاتلة نتيجة الرطوبه العالية لاسيما وأن الإعتصامات والوقفات الإحتجاجيه فى مصر قد أصبحت "موضة جديدة" لم نكن نراها من قبل بهذه الصورة الفجة ،والسؤال هل إستيقظ هؤلاء الناس فجأة من سباتهم ؟ وأين كانوا من قبل ؟ وهل هذا هو الاسلوب اللائق للمطالبة بشى حتى لو كان "حق ضائع" فى مثل هذه الظروف التى تمر بها البلاد ؟ أنا لست ضد الإعتصامات ولا الوقفات الإحتجاجية بل أنا معها وأؤيدها ولكن بشروط : أولها إستنفاذ كافة السبل الودية فى المطالبة بالحقوق الشرعية وفى موضوعات حيوية وهامة ومصيرية ، فقد أصبحنا نرى أن كل من يعترض على أمر من الأمور مهما بلغت تفاهته يعتصم إما فى ميدان التحرير أو أمام مجلس الوزراء اوأمام ماسبيرو وهو شئ مضحك بصراحة وياليت الامر يقف عند هذا الحد فقط بل قد يتعدى الأمر إلى أكثر من ذلك فيصل إلى التخريب وإثارة البلبلة والفتن والقلائل التى ليست فى صالح مصرنا الحبيبة فى هذه المرحلة الإنتقالية الحرجة التى تحدد ملامح مستقبل مصر القادم ، فهناك قنوات شرعية يمكن التوجه إليها والمطالبة بالحقوق المشروعة من خلالها لاسيما وأن الثورة قد خلقت نوع من الإهتمام النسبى لدى كثير من المسئولين بمطالب وشكاوى المواطنين ومحاولة إيجاد الحلول لها وهو شئ إيجابى يحسب للثورة فقد كان فى السابق لامجيب لمطالبنا بل كنا لانجد من يستمع حتى إلى شكوانا وكأننا كنا " نؤذن فى مالطة" أو "ننفخ فى إربة مقطوعة" وهى أمثال خرجت من المصريين نتيجة المعاناة والذل والقهر الذى كانوا يعيشونه إبان العصر البائد ، أنا أعلم وأعى جيدا ان هناك حقوقا ضائعة ومسلوبة من المواطنين لابد وان تعود إليهم ولكن فى نفس الوقت علينا ان نتفهم ونكون منطقيين أن الحكومة لاتملك عصا سحرية للإستجابة لكل هذه الطلبات فى وقت قصير بل فى مرحلة إنتقالية تتطلب تضافر الجهود والصبر قليلا حتى تنهض مصر من جديد ، وليكن شعارنا فى المرحلة الجديدة والذى لن نحيد عنه " لايضيع حق وراءه مطالب " فلنحاول مرات ومرات المطالبة بحقوقنا ولنطرق كل الأبواب ، فمن غير المعقول أن تكون جميع الأبواب مغلقة إن الاساليب الجديدة التى نراها اليوم من بعض الفئات والتى تؤثر على حركة المجتمع بالسلب للضغط على الحكومة هو أمر غير مقبول بالمرة ، وأخرها إضراب سائقى القطارات عن العمل للمطالبة بزيادة الحوافز ليخلقوا حالة من الضغط على الحكومة للإستجابة لطلباتهم ، فقد رأيت زحاما أشبه بيوم الحشر في محطة مصر يوم هذا الإضراب ، هذا هو المشهد الذي سيطر علي الأرصفة والساحات بعد الزحام الرهيب من المواطنين بسبب الشلل التام لحركة القطارات? والغريب أن سائقى الميكروباص أيضا قاموا باستغلال الموقف عن طريق زيادة ومضاعفة الأسعار التي وصلت إلي75 جنيها للإسكندرية, و25 جنيها للمحلة الكبري مطبقين المثل السئ " مصائب قوم عند قوم فوائد " حتى أن ردود الفعل كانت غاضبة من جانب المواطنين والمسافرين, بسبب تعطيل مصالحهم والتكدس الشديد بسبب وقف حركة القطارات إلي درجة أن عددا كبيرا منهم طالب بتحويل السائقين المضربين إلي تحقيقات عاجلة. إن مايحدث من مطالب فئوية بهذه الصورة ليس من الشهامة المصرية التى نشتهر بها وحدنا على مستوى العالم العربى والتى أصبحت بكل الاسف والاسى تتلاشى شيئا فشيئا ويوما بعد يوم ، لقد هتف سائقوا القطارات أثناء إعتصامهم "بالروح بالدم رزق عيالنا أهم" اعتراضا علي رفض الهيئة صرف بعض المستحقات المالية لهم،وأقول لهم إن كان رزق ابنائكم متوقف على الهيئة فهذا نقص إيمان فالرزق فى السماء والرزاق هو الله وأبنائكم لن يرضيهم أن يحصلوا على رزقهم بهذه الصورة التى أضرت بإخوان لكم منهم المريض ومنهم صاحب الحاجة ، فالحصول على الحق يجب أن يكون بلا ضرر ولااضرار ، إن حديثى ليس موجها لسائقى القطارات بعينهم ولكن لكل الفئات التى قد تتسبب فى إلحاق الضرر بإخوانهم ، ومازلت أكرر أطلب حقك كما شئت ولكن بطريقة مشروعة ومتحضرة ، فساعتها فقط سيتعاطف الجميع معكم بل قد يعتصمون إلى جواركم لمؤزراتكم للحصول على حقوقكم ولكن المهم علينا ان نتعلم من جديد كيف يكون طلب الحق ؟ فطلب الحق حرفة .. طلب الحق حرفة ياسادة .


رسالة موجهة الى شعب الكويت: ماذا لو سامحتمونا قليلا؟/ ولاء تمراز

اذا كان ما حدث في دولة الكويت في صباح اول يوم للغزو العراقي , تطلب منا وقتا لتصديق وغرابة وهول هذا الحدث , فان الكتابة عنه , بقدر من الموضوعية والانسانية , يحتاج الى فعلا الى بعض الوقت , والسبب كي نتجاوز الاحاسيس الاولى الخاطئة , ونحن نرى العراق ينهار في مشهد فادح بعد سقوط نظام صدام حسين , ولعني الى تلك الشطحة الغبية احدى شطحات النظام السابق في بغداد , والتي كانت مركز الجشع الغريب !! والتي سعد الملايين من مظلومين وجياع العراق , وهم يشاهدون انهيار وسقوط نظام صدام حسين وحرسة الجمهوري بقيادة ابنه قصي , لم يكن انهيار الجيش العراقي بقيادته مجرد جيش عادي يناطحه الغرور , بل كان 3 او 4 اقوى جيش في العالم حيث اودى العشرات البشر الابرياء , الذين لن يعرفوا يوما لماذا التحقوا بهذا الجيش ولماذا ما تو من اجله ؟ والذين كانوا لحظة سقوط النظام وسقوط بغداد يدفنون تحت الانقاض , ويموت العشرات منهم محترقين بجنون العظمة والشطحة الغبية التي قادهم لها صدام حسين , ولن يتمكن اهلهم حتى من التعرف على اشلائهم , حتى يكون لهم عزاء الشهداء او دفنهم ومن ثم زيارتهم فيما بعد .

لم تكن المباني في بغداد مجرد كارتون اور ورق , كالتي يتم تجسيمها في المدن الاعلامية , عندما يتعلق الامر بإنتاج فلم حربي يصور حربا وانهيار دولة ...مثل فلم " السقوط العظيم " للأخر ايام الزعيم النازي هتلر ... فكيف انهارت بغداد بتلك السرعة المذهلة ؟

يوم 24ساعة فقط , هو الوقت الذي احتاجته قوى التحالف لاجتياح العاصمة العراقية بغداد , وشحن الهجوم الاخير والكاسح في اول كتيبة تدخل بغداد في وضح النهار ..!؟اذا عرفنا ان الوقت الحقيقي للاجتياح مخيم جنين عام 2001 بداية الانتفاضة الثانية , كان 12 يوم متواصلة ؟!بينما تطلب انجاز هذه المهمة عدد لا يقل عن 90 مدرعة مدفعية وعدد62ناقلة جند و18طائرة مروحية من نوع اباتشي , وتكلفة الارواح من الشهداء بلغت ارقاما خرافية في تاريخ المجازر الفلسطينية حيث بلغ عدد الشهداء في معركة مخيم جنين 92شهيدا ...

أخواني شعب الكويت... أدركنا هشاشة كل ما يزهو به الانسان وبغيرة من علامات الوجاهة والقمامة والثراء , كتلك الايام البغيضة في زمن صدام حسين , لهو دليلا على التقنيات البشرية المتقدمة التي يتحدى بها حينا , لان يسكن اضخم وافخم القصور واغلاها , او ليجلس في اعلى الابراج السكنية واغلاها ..

العراق الذي خرج الينا بوحه ما عرفناه سابقا , الان مرعوب , مفجوع , يتنقل شعبة مذهولين , وقد اطبقت عليهم حرب الخليج وغطى سماء العراق عشرات الصواريخ حيث غطى الغبار ملامح الحضارة العراقية واخرجها من سياق التاريخ , والسؤال هنا أكان العراق يحتاج الى مصاب كهذا ؟؟ وفاجعة على هذا القدر من الدمار , ليشطح النظام السابق ويغزوا الكويت .لنتوقع قليلا اخوتي شعب الكويت , نحن سكان الكره الارضية , الذين قبلنا ان نعيش عليها معززين مكرمين , غير مذلين او مهانين , ذلك انه منذ زمان , وصدام حسين كان يحاول ان يقنعنا انه ينتمي الى هذه الارض , هو الجالس فوق المبادئ وفوق الحق , وفوق الضمير ... حتى فوتنا , على علو مئة سنة من مآسينا ؟ .. فضللنا كثيرا كثيرا .. لكننا بكينا على موتى كلا الشعبين الكويتي والعراقي , واشعلنا الشموع من اجلهم , عندما اكتشفنا اننا بشر نخطأ احيانا وقد نصيب احيانا , ودعونا من قلوبنا ان ينهي الله هذا الموت المرعب الفظيع الذي حل بمنطقة الخليج .كنا وللأسف الشديد نقابل محب من اطلق على الجولة الاولى في حرب الخليج لحربه باسم " أم المعارك " بحزن كبير , فنحن هنا سادة الحزن , خفضنا جناحنا أمام جلال المصاب ..

اخوتي شعب الكويت : لم يكن اذن ما رأيناه مشهدا من فلم عودتنا الى اراضينا المحتلة عام 48كان هذا فلم حقيقيا بدمار حقيقي وقتلا حقيقيين , فالفلم هنا كان السيناريو جاهزا بأعداد جاهزين لمثل هذا الحدث , المفاجأة انه سيتم سحق دوله عظمى واخراجها خارج التاريخ .

في النهاية : لا جدوى ايها الشعب الكويتي من نسيان الماضي ولكن ... الشعب النبيل هو الذي يختار, في هذا الحدث الطويل الذي ترك جروحا ستدوم سنوات وسنوات, من سيسامح من وحتى, فهو شعب الكويت العظيم الذي يقرر لمن سيسند دور الشعب الرحيم !!

الناشطة المقدسية عبير ابو خضير امرأة تستحق التكريم/ راسم عبيدات


...... في هذا الزمن الرديء يختلط الحابل بالنابل،حيث تقرأ وتسمع كل يوم عن رجال ونساء يتم تكريمهم/ن لدورهم/ن الانساني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والوطني..الخ في خدمة شعبهم ووطنهم وقضيتهم وقدسهم،وأحياناً كثيرة وانت تقرأ الأسماء أو تسمع عنها، لا تعوزك الفطنة أو الذكاء لكي تدرك ان المكرمين/ات ولجوا ونالوا شرف التكريم ليس من خلال تلك الأبواب المذكورة،بل جزء منه له علاقة بالنفاق والتزلف الاجتماعي وفي إطار ترتيب و"تسليك المصالح" وأحياناً تلعب الاعتبارات الشخصية والحزبية والفئوية دوراً لا بأس به في هذا المجال،وبما يفرغ عمليات التكريم تلك من مضمونها ومحتواها،وبما يجعل احتفالات التكريم تلك عرضة "للتنكيت والتطقيس" من قبل الكثيرين من الناس العارفين ببواطن وخفايا الأمور والناس الذين جرى تكريمهم.

ولكن بما أن هذا الزمن على رأي الراحل الكاتب الجزائري الكبير الطاهر وطار هو زمن حراشي فكل شيء ليس بالمستغرب او غير المعقول،ومن هنا فإن مناضلة كالسيدة عبير ابو خضير التي وهبت نفسها واسرتها هي وزجها الاسير المناضل ناصر ابو خضير للوطن والقدس فهما لا تنطبق عليهما معايير ومقاييس تكريم هذا الزمان،فعبير وبدون شهادة من احد حاضرة في كل المناشطات والفعاليات الوطنية والجماهيرية والشعبية في المدينة ومدافعة شرسة وعنيدة ليس عن حقوق المرأة الفلسطينية فقط من زاوية الجندر،بل عن حقوق كل المظلومين والمضطهدين،ففي مسيرة للدفاع عن الجدار تجدها ،وأخرى للاحتجاج على مصادرة ارض او الاستيلاء على بيت أو عقار،او مسيرة تضامن مع الأسرى،أو مسيرات وطنية دعماً لصمود المقدسيين وبقائهم على أرضهم وفي قدسهم هي حاضرة،حاضرة وبشكل فعال ليس مجرد مشاركة عادية،بل تتقدم وتتصدر الصفوف،وهذا عرضها للاعتقال والقمع والتعذيب أكثر من مرة،وفي المرة الأخيرة يوم الأربعاء24/8/2011 عندما عادت عبير هي وأبنائها وبناتها (أصالة وصمود وديار) من زيارة زوجها ناصر الموقوف في معتقل عوفر،وما تحمله تلك الزيارة من مضايقات وتفتيشات مذلة ومهينة من قبل ادارة المعتقل بحق الأهالي،وبالذات لعبير وأسرتها،حيث أنهم كأسرة مستهدفين من قبل الاحتلال وأجهزة مخابراته،وما أن دخلت عبير البيت عصراً حتى اقتحم جنود الاحتلال وأجهزة مخابراته البيت،الذي تعودوا على اقتحامه عشرات المرات،من أجل اعتقال عنان ابن الأربعة عشر ربيعاً بتهمة المشاركة في القاء الحجارة على القطار الخفيف المار من أراضي شعفاط المصادرة لصالح قطار يستخدم أرض محتلة وفق القانون الدولي ولخدمة سكان المستوطنات المقامة أيضاً على أراضي شعفاط وبيت حنينا المصادرة،حضرت لاعتقاله مدججة بالأسلحة والعصي والهروات والغاز،حضرت بطريقة وحشية واستفزازية،من أجل ان تبث الرعب والخوف بين أفراد الأسرة،ولكن أسرة تعودت على ذلك لم يرهبها لا رصاص ولا غاز ولا هروات ولا غطرسة وعنجهية ولا ما تثيره القوة المقتحمة من جلبة وضوضاء،وقد طلب ضابط المخابرات المرافق للحملة العسكرية الكبيرة القادمة لاعتقال طفل بعمر الورد من عبير احضار بطاقتها الشخصية ومفاتيح سيارتها لمرافقتهم الى مركز تحقيق المسكوبية من أجل حضور التحقيق مع طفلها عنان،وقد أدخل عنان الى غرفة لكي يرتدي ملابسه كانت شقيقتاه أصالة وصمود تحاولان مرافقته والشد من أزره وحثه على عدم الخوف والصمود "انت بطل وأبوك بطل وطول عمرنا رافعين روسنا" وفي هذا الأثناء انهالت احدى المجندات عليهما بالضرب بالهراوة وساعدها أحد جنود الحملة حيث أمسك صمود من رقبتها وحاول خنقها،وتصف عبير هذا الموقف بالقول"تم احتجازي في زاوية المنزل ومنعت من الاقتراب من ابنتاي اللتان تتعرضان للضرب بشكل عنيف ووحشي وبعد نقاش وشد وجذب وصراخ أخلي المنزل واعتقل عنان،وأثناء حديثي مع القوة المهاجمة والمقتحمة،فجأة عاد الجنود الى المنزل من أجل اعتقال ابنتي صمود،وهنا بدأت بالصراخ والسؤال عن الحجة والذريعة لاعتقالها،وخلال ذلك حدثت مشادات ومشاحنات بيني وبين القوة المقتحمة،وقام الجنود بسحبي وجري من شعري لمسافة طويلة،لإبعادي عن صمود،رغم أنني كنت أقول الجندي اتركني أستطيع المشي لوحدي،ولكنه لم يكترث وفقدت على أثر ذلك الوعي،وخلال ذلك حضرت ابنتي أصالة لإسعافي والإطمئنان علي إلا أن الجنود سحبوني واعتدوا على ابنتي بوحشية بالضرب،وتضيف عبير بعد أن استعدت وعيي كانت أصالة معتقلة في سيارة شرطة وصمود في سيارة أخرى وكذلك ابني عنان في سيارة ثالثة،وأنا وضعت في سيارة أخرى"

ولم يتقف المسلسل الى هنا فمن شعفاط الى مركز تحقيق المسكوبية تعرضت أسرة ناصر ابو خضير الزوجة عبير والبنات أصالة وصمود والابن عنان الى الضرب بالهروات والأيدي على يد المخابرات والجنود والشتم والسب بألفاظ جارحة وبذيئة،وليستكمل الجنود والمخابرات طقوسهم السادية بالاعتداء على أسرة عزلاء في المسكوبية،حيث قام ثلاثة من رجال المخابرات بسحب عبير من شعرها وضرب رأسها بالحائط،ثم تم وضعها بين خزانتين والقيت عليها حاوية مليئة بالنفايات ،وبعدها وضعت الحاوية على رأسها،أما كريمتاها أصالة وصمود فقد تعرضن الى الضرب المبرح من قبل المجندات والجنود ورجال المخابرات،ناهيك عن السب والشتم بكل ما تتفوه به تلك العصابة من قذارة وأوساخ،وكذلك محاولة الاستهزاء من والدهن الاسير القائد ناصر ابو خضير الموقوف في معتقل عوفر.

هذا غيض من فيض مما تعرضت له عبير وأبنائها عنان وبناتها أصالة وصمود من تعذيب وتحقير قبل أن يفرج عنهم بالكفالة المالية والحبس المنزلي لحين المحاكمة.

أبناء وبنات يضربون أمام والدتهم،ودون مراعاة لأية مشاعر إنسانية،يضربون من أجل كي وعيهم ومن أجل ردعهم عن أن يكونوا عنواناً ورمزاً للصمود والمقاومة والتحدي.

أسرة بهذه المواصفات في هذا الزمن الرديء والحراشي،لا تستحق أن تكرم؟،أما الذين/تي لم يقدموا/ن للمجتمع او الوطن او القدس واحد بالمائة مما قدمت هذه الأسرة المناضلة تصبغ عليهم النياشين والأوسمة والالقاب فرسان الوطن والقدس ورموز التضحية والعطاء؟.

الاحتلال لا يفزعه أن تصبغ وتمنح الالقاب والنياشين والأوسمة والدروع لأناس لا يستحقونها،بل هذا مصدر سعادة للا حتلال،أما ما يفزع الاحتلال ويرعبه أن تمنح تلك الالقاب والأوسمة والنياشين لمن يستحقونها عن جدارة واستحقاق،ومن هنا رأينا كيف كان الاحتلال مرعوباً من مجرد تسمية دوار وإقامة نصب تذكاري للشهيدة دلال المغربي في رام الله،وكذلك رفض مجرد ان تقيم عائلة الحكيم جورج حبش بيت عزاء له في القدس،هؤلاء الذين يخافهم الاحتلال ويرهبهم أمثال الشهيدات شاديا ابو غزالة ولينا المغربي والمناضلة ليلى خالد وغيرهن من مناضلات وشهيدات شعبنا،فمجرد منح الأوسمة والنياشين والالقاب لمثل هؤلاء المستحقين/ات لها عن جدارة واستحقاق كابوس للاحتلال.

ومن هنا من واجب كل القوى والمؤسسات الاهلية والمجتمعية في القدس ان تكرم مثل هذه الأسرة،وفي المقدمة منها المناضلة عبير ابو خضير،هذه المناضلة هي وعائلتها مصدر فخر واعتزاز لهذا الشعب وهذا الوطن، وبمثل هؤلاء تسمو وتفخر القدس وفلسطين.


عن طغاة الثقافة... و"شبّيحتها" أيضا!/ سعيد الشيخ

ماذا يفعل الشاعر أمام تعنّت المحرر الثقافي في تغييب قصيدته؟ والى أين تذهب قصائد الشعراء أمام طغيان المحرر الثقافي الذي يعلن: ان لا شاعر سواي.
شخصيا ومنذ زمن ضوئي تراودني نفسي الكف عن كتابة القصيدة من أجل عينيّ المحرر الثقافي، التي اقرر ان أشفق عليها وأعفيها من قراءة ما أكتبه من رداءة.
أحسب ما أكتبه من قصائد هي من ضمن قصائد الرداءة التي تنتشر هذه الايام..وإلا ما كان من المحرر الثقافي ان يعطّلها، على نقيض ان يسارع الى نشرها على انها تحمل صبغات من التجديد وتنتمي الى الحداثة اللامتناهية. أليس دوره أن يقرر ويميّز بين الحداثة والرداءة؟
ولكن هل قام بهذا الدور لصالح ثقافة تنعم بالعافية وخالية من التشوّهات؟.. ثقافة جلية بلا التباسات؟
منذ زمن ضوئي ونفسي تراودني...
والمحرر الضوئي ذاته على كرسي التحرير..لا كانت قصيدتي تتطوّر حسب مذاقه، ولا هو يريد تغيير ذائقته أو ان يمتلك ذائقة شاملة كالناقد الحر والمستقل. وأنا لا يهمني ان كان هذا المحرر شاعرا أو روائيا أو حتى أنه مجرد مدير علاقات عامة. كل ما يهمني كما كل مبدع ان تمضي قصيدتي بسلام في فضاء ثقافي حيوي، ولكنها كانت دائما تقف عند أبوابه وحواجزه بلا رجاء. وشخصيا لا احب ان أرجو لقضاء مصلحة. ومصلحة القصيدة والابداع عموما هي النشر تحت شمس دافئة.
للمحرر الثقافي أبوابه العالية وحواجزه المسنّنة.. لقد كتبت قبل سنتين مقالتي في هذا الخصوص تحت عنوان "المحرر الثقافي مستبدا" حمّلتها نفس الشكوى عن نفس الطراز من هؤلاء المحررين الذين ينتشرون كالفقع على مساحات واسعة في الصحافة العربية، ساقتهم صدفة عمياء للجلوس على قبة عالية، تجيز لهم سلطة يؤدونها لذاتهم كي تبدو هذه الذات في العلو، وما عداها يظل هامش لاكتمال القبة.
والمشكلة ما زالت عالقة بالرغم من مرور الزمن الضوئي.. ومشكلة المحرر الثقافي مع تغييرات المشهد العربي السياسي والاجتماعي المنعطف نحو الحرية برغبة عارمة لاسقاط الديكتاتور الحاكم، ما عادت تجيز له ان يظل يلعب على الثقافة وجمهورها.. يجب ان يكف باعتبار نفسه انه جزء من حركة التغييرأو حتى انه رائد من روادها.
ان التغيير يجب ان يسري عليه كصاحب سلطة .. يجب اعادة سلطته الى مجال الحرية وبما تحوي الحرية من دور رائد في تطور وتقدم الشعوب في حياة من الانتاج، ولتصير وارفة المعاني تظلل في آن واحد السياسة وما يدور حولها من ثقافة وفنون.
****
شاخت قصيدتي وشخت أنا، وطبعا شاخ المحرر الثقافي الذي ما زال ممسكا بكرسيه مثل الحاكم العربي بكل أضراسه وأنيابه وقواه المكشوفة والمستترة، وينظر الى قصيدتي على انها ما زالت طفلة تلعب بالماء والطين.. ولا بأس ان وقعت ارضا وبان شيئا من لحمها البض.. فهي طفلة!
يقيني انها ليست طفلة في شيخوختها، وقد مرّت عليها أسئلة الخصب والابتكار واقتربت من اماكن الاشتعال في فرادتها وحداثتها وغاصت في التجربة بما لا تشبه أحد. لا تشبه المحرر الثقافي.. لا تريد ان تشبهه، ولا تريد ان تنصبغ بصبغته، لا بمقاهيه ولا بمفردات صحراءه... القصائد تشبه أصحابها، كما هي كصنف أدبي إبنة شرعية لبيئتها.
أما ان يتعنت المحرر الثقافي في عطبها من خلال تغييبها..حينذاك لا تصبح المسألة ثقافية، هي كيدية شخصية تطفو على جوهر الفن،هو مرض خاص يخص المحرر الثقافي دون سواه، وهي الاستبدادية التي لا نكف عن التحذير منها على كل المستويات.
كمبدعين، هل يحق لنا التدخل في عمل المحرر الثقافي؟ .. هو سؤال يشبه السؤال: هل يحق للمواطنين التدخل في عمل السلطات التشريعية والتنفيذية؟
عندما يطغى الفساد، وتصبح الثقافة ايضا في متناول "الشبيحة"،أو يتحول المحرر الثقافي الى "شبّيح" وله آليات عمل العصابات، فأن صرخة المبدع تصبح أكثر من ضرورية وحاجة ملحّة لاسقاط التمادي في اللعب على الايدولوجيا والقضية..
غالبا ما يضبط المحرر الثقافي وهو منحاز الى عشيرته والى اقليميته والى شلّته، ينحاز بمزاج عالي الوتائر الى نفسه كنرجسي ممتاز وفائق الجودة.. وهو هناك في منصبه باسم قضية ما.. ثقافية أو أيديولوجية.
يتعين علينا معرفة المقاييس التي تحدد عمر الاجيال الادبية..كي يتسنى لنا معرفة صلاحية استمرار وظيفة المحرر الثقافي في ذات الجريدة او الوزارة أو دار النشر، كي لا يتحول بعد أكثر من عشرين عاما في وظيفته الى صنم من سلاسة القديسين نكتب لاجله وكما يشتهي.
*****
أعود الى سؤالي الذي ابتدأت منه: ماذا يفعل المبدع امام طغيان المحرر الثقافي؟
المبدع الذي تراوده نفسه الكف عن الكتابة، ألا يشبه المواطن الذي يفكر بالهجرة عن وطنه؟ أليست النتيجة في كلتا الحالتين هي من فعل الطغيان؟
هل نتوقف عن الكتابة .. كمبدعين؟
هل نفرّغ الوطن .. كمواطنين؟
الثورة الشعبية قد ابتدأت في الوطن العربي وبدأت تعطي ثمارها.. فمتى نمتلك ثورة ثقافية تنهي عهودا طويلة وأزمانا ضوئية لاستبداد دعاة الثقافة بالجسد الثقافي.

سعيد الشيخ/مديرموقع الوان عربية
www.alwanarabiya.se


مليونية العيد لوقف فيلم شارع الهرم/ فاطمة الزهراء فلا‏


بكل الأسف والهم والنكد أتابع المهزلة الحقيرة والمؤامرة القذرة التي تدبر ضد مصر , وثورتها التي أطاحت بنظام فاسد استمر عقودا ثلاثة ..ستسألوني خير كفي الله الشر وماذا حدث ؟ والاجابة إن مايحدث هو كم الإعلانات المثيرة للغيظ والاشمئزاز في آن واحد لأفلام العيد الأول بعدالثورة وكلها تفاهة وقلة ذوق حتي أسماءها شئ لايمكن أن يقبله شعب أثبت أنه عظيم وقد يصبر لكن لصبره حدود ..فهذا فيلم يحمل عنوان شارع الهرم ومجموعة كبيرة من اللقطات الخادشة لحياء أي أسرة ونسوة ساقطات يعثن فسادا في الفيلم وكأننا لم نخرج من ثورة تحدث عنها العالم , إنها مصيبة يجب أن تتوقف فورا وإلا ستعود الأوضاع القديمة كلها ..لقد اتهم الفنانون العهد البائد بأنه قضي علي إبداعاتهم بسبب الرقابة والتجسس والخوف والآن بعد زوال السبب ما الذي يمنعنا من الفن الجيد إن ما أراه لا يمكن أن يكون إلا مؤامرة دنيئة لتشويه صورة الثورة وأن هذه الثورة لم تؤثر لا في العقول ولا في الأخلاق ولا المبادي ..بمن أستغيث لتتوقف هذه المهازل شارع الهرم بأبطاله الذين تجاوزوا حدود الأدب, واللمبي الذي أفرزه نظام مبارك ليعود لنا بالتك ..تك..بوم .
حزينة جدا وأفكر متي تخرج مصرمن أزمتها ؟ متي يعود لها فارس يعشقها يطير بها علي حصان الحلم الذي اشتقنا إليه سنوات طفح فيها الكيل ..لازالت مصر تترنح بآلامها فمن يحمل عنها هذه الأحلام حتي الإبداع استكثره عليها الأبناء فراحوا يتفننون في إحباطها , كنت أتمني كمصرية أن آخذ أفراد أسرتي واتخذ مقعدا في دار عرض وأشاهد عملا أفخر به بعد الثورة وأقول لهم شايفين يا ولاد آدي الإبداع وإلا فلا لكن خابت كل أحلامي وأنا أتواري خجلا أمام لقطة لرجل يقضي حاجته في دورة مياه ..بدلا من أضع صورة لشهيد داسته سيارة النظام لأنه طالب بالحرية في عصر مبارك , وماذا بعد يامن تصنعون الإبداع ؟ لهذا يجب أن تنظم مليونية أمام أي دار عرض تعرض هذه المهزلة وتطالب بمحاكمة من قدمها ومن قام بالتمثيل فيها وسأكون أنا أول من يقف فيها لأني قررت ألا أساير الباطل حتي وإن ضاع عمري ..أيها السادة انتبهوا قبل أن يضيع الوطن بعد أن عاد أو هكذا خيل لنا

عهداً لفلسطين في يوم القدس/ د. مصطفى يوسف اللداوي

القدس تستحق منا أكثر من يوم، وأكثر من سنة، إنها تستحق منا العمر كله، نبذله من أجلها، ونفنيه لنستعيدها، لا نحتفي بها بل نقاتل من أجلها، ولا نحتفل بيومها بل نخطط لاستعادتها، ولا نبكي على ماضيها بل نجدد العهد لنستبقيها، ولا نستسلم أمام محتليها بل نعمل لتحريرها، ولا نقبل بصلاتهم فيها بل نطهرهم منها، ولا نسمح لهم بالسكن فيها بل نحرمهم الأمن فيها، ولا نغيب عنها ليستوطنوا فيها بل نزرع أقدامنا فيها، ونرفع في سماءها هاماتنا، ونصدح فوق مآذنها بالآذان، ونصلي في محرابها ما بقي الزمان، نرسم فوق ثراها صوراً ذات ألوان، ونكتب على جبينها آيات الرحمن، أن هذه الأرض لنا ما عمرها الإنسان، ولن تكون لغيرنا بنص القرآن، وسيعيدها إلينا يوماً رجالها الشجعان، فهذا وعدٌ خالدٌ، ويقينٌ ثابتٌ، نؤمن به ونتوارثه، نحفظه ونتواصى به.

ينبغي على المسلمين جميعاً في يوم القدس أن يدركوا أن القدس أضحت في خطرٍ شديد، فقد تاهت ملامحها، واختلطت معالمها، وزيفت هويتها، وزورت وثائقها، وسرقت مستنداتها، واعتدي على مقابرها، وأخرج منها رفات أمواتها، وتبدل سكانها، وتغيرت لغتها، وسميت شوارعها بغير أسمائها، واستبدلت أسماء بلداتها وحارتها بأخرى غريبة، وتناقصت أرض سكانها العرب، واتسعت حدودها لغيرهم من اليهود، وقد أصبح مسجدها الأقصى على شفا جرفٍ هارٍ قد ينهار في أي لحظة، فقد تصدعت جدرانه، ونقبت أساساته، ونهبت آثاره، واعتدي على مقدساته، وانتهكت حرماته، والإسرائيليون في المدينة أعدادهم تزداد، وأحلامهم تتعاظم، وجهودهم تتضاعف، واستيطانهم يتوسع، وأطماعهم في باحات الأقصى لا تتوقف، واقتحامهم لساحاته تتواصل، وجيشهم يحرس مستوطنيهم، وحكومتهم ترعى متشدديهم، وأحزابهم الدينية المتطرفة تخطط وتنظم وتنفذ.

القدس في يومها العالمي تتطلع إلى العرب والمسلمين أن يقوموا بواجبهم تجاهها، وأن تتحد جهودهم لتخليصها، وأن تتضافر مساعيهم لتطهيرها، وأن تتقدم أولوياتها لتكون القدس هي الغاية والهدف، فهي ترنو أن تعود إلى عمقها العربي والإسلامي، وأن تعود لتلبس ثوبها المقدسي القديم، فقد طال غيابها، وطغى فيها المحتلون، وعبثوا بها، وتآمروا عليها، ويطمحون أن يستخلصوها لليهود وحدهم، عاصمةً أبديةً موحدة.

القدس في يومها العالمي تؤكد بأنها ضاعت يوم أن ضاعت فلسطين، وسقطت في براثن الاحتلال الصهيوني البغيض يوم أن سقطت الأرض العربية الفلسطينية تحت الاحتلال، فهي جزءٌ غالٍ وعزيز من الأرض الفلسطينية، بل هي القلب من فلسطين والأمة العربية والإسلامية، وهي لن تنعم بالحرية والطهر إلا يوم أن تتحرر فلسطين كلها، وتعود إلى أهلها وأصحابها الشرعيين، ولكن تحريرها لا يكون بالأماني والدعوات، ولا بالخطب والابتهالات، ولن تجدي الأمنياتُ بصلاةٍ في مسجدها الأقصى قبل الممات في تخليصها من نير وبطش الاحتلال، فتحريرها الذي هو مسؤولية عربية وإسلامية مشتركة، يتطلب إرادةً حقيقية تقف في مواجهة الأحلام الإسرائيلية، تضع حداً لها، وتصدها بكل قوة، وتواجهها بكل حزم.

في يوم القدس على العرب والمسلمين ألا يتركوا الفلسطينيين وحدهم في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وألا يتخلوا عنهم في محنتهم، وألا يألوا جهداً معهم في الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية للقدس، فهذا أقل الواجب تجاهها، وحتى يبارك الله في جهودهم، وتثمر مساعيهم، فإن عليهم إسناد المقاومة، ودعم إرادة القتال والمواجهة، فالقدس التي هي حلم الإسرائيليين، ومبكى اليهود، وقلب المشروع الصهيوني، لن يتخلوا عنها بغير القوة، ولن يرحلوا عنها بغير المواجهة، فلا سلامٌ يرحلهم، ولا مفاوضاتٌ تقنعهم بأنهم ليسوا أصحاب حق، ولا وساطاتٍ ومساعٍ دولية، وحلولٍ أممية ترضيهم، فهم عنها لا يرحلون إلا إذا فقدوا أمنهم فيها، وتعرضوا للموت بين أسوارها، وتأكدوا بأن أهلها وأمتها جادين في استنقاذها، وعلى استعدادٍ للتضحية من أجلها.

القدس في يومها الذي أراده المسلمون يوماً عالمياً يجددون فيه العهد مع الله ألا يتخلوا عنها، وألا يتركوها وحدها تواجه الأطماع الصهيونية، تجدد عهدها مع فلسطين، وانتماءها إليها، وارتباطها بها، ورفضها الانسلاخ عن الوطن الأم لتكون عاصمةً للدولة اللقيطة، فهي قلب هذا الجسد، وروح هذا الوطن، وعين هذه الأمة، فلن تقبل بكل مساعي التغريب، وجهود التهويد، ولن تخضع لقرارات الضم ومشاريع الاحتواء، ولن تطفئ جذوتها أدوات الاحتلال وسلطات القمع والتنكيل، ولن تخيفها سياسات نتنياهو ومساعي عمدتها، ولن تقبل إلا أن تكون جزءاً من هذا الوطن العزيز، وما على العرب والمسلمين إلا أن يؤكدوا على عروبة القدس وأصالة انتمائها، وأن يرفضوا الاعتراف بمحاولات فرض الأمر الواقع الإسرائيلي، كقرارات الضم وبسط السيادة، وتوسيع الحدود ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات، فلا اعتراف بأنها عاصمةً لكيانهم، ولا سكوت عن محاولة تهويدها، ولا قبول بمساعي عزلها وفصلها عن الوطن.

في يوم القدس العالمي نجدد العهد لفلسطين كلها أنها أرضنا ووطننا، وأن يوم عودتها مهما طال فهو قريب، وأن غربتها لن تدوم، واحتلالها لن يبقى، وأهلها إليها سيعودون فاتحين محررين، وستعود إليها حاميتها العربية والإسلامية، لتبقى القدس في قلب فلسطين الشامة الغراء، ولن تبقى أمانينا أضغاث أحلامٍ أو تنبؤات عارف، بل ستصدقها المقاومة، وتؤكدها إرادة الصمود والثبات، وقوة التحدي والمواجهة، وصدق الأهل وإخلاص رجالها المدافعين، ولن يكون بإذن الله إلا وعده الخالد للأمة "فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُئُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا".


سراب الفؤاد/ المحامي جواد بولس


أقنعني أحد أصدقائي قبل مدة أن أكتب مقالًا بالعبرية وكفل هو أن ينشر في صحيفة "يديعوت أحرونوت". كتبت ونشرت الصحيفة المقال. تهافتت تعليقات القرّاء التي كانت بمعظمها "نابحةً جائحةً"، فأصحابها تسابقوا بالهجوم عليّ والتفنن بوصفي عدوّا ولا ساميا. معظمهم أجمع بأنني خائن للدولة وجاحد لما منّت به عليّ من نِعَم وفي طليعتها بقائي على قيد الحياة على ثرى أرضٍ مقدسّة خصّها الرب لأبناء شعبه المختار.
قرأت وأقرّ أنني امتعضت وتحسّرت وندمت. بعد يوم هاتفني المحرر المسؤول في الجريدة ليهنئني على مقالتي. ظننت أنه يعزّيني ويشد من آزري، لكنه أصر على موقفه بأنه مهنئ وليس بمعزٍّ، وعززه بأنه كمحرر يعتبر هذا الكم الاستثنائي من الهجوم والتهديد المبطن شهادةً على مكانة المقالة وسببًا لمدحها. محادثة ذلك المحرر علمتني مجددًا أن أحاول التريّث قبل أن أتّخذ موقفًا والحكم على ظاهرة ما أو على فعل أو على تصريح لقائد أو زعيم أو مفكّر أو غيرهم!
كانت محادثه هذا الصحفيّ معزِّزَةً ومذكّرة لما تعلمته على خشبة مسرح حياتي وعن ما يمكن لنبأ أو خبر أو مقالة أن توهم به أو تنقله أو تخفيه. وللحقيقة لم أكن بحاجة لمحادثته لأتيقن أنه لا ينبغي للحكيم الحليم المجرب أن يطير على جناحيّ صرخة تدوي من على منصة، خاصة إن كانت من تلك المكتظّة بالقادة والزعماء، أو اندفاع حنجرة تتميّز وتبرق بشعار يسبق السرب، يحلق عاليّا ويخلّف الجمع والربع من وراء ضباب وسراب!
وإن كنت قد كتبت في الأسبوع الفائت عن بسمة استدعتها ذكرى ذلك الزمن الشاب النضر يوم كنا نأكل من كتف "رومانسية ثورية"، سأشاركك اليوم، أيها القارئ، بتداعيات زيارة يتيمة حظيت بها قبل أكثر من عام بقليل لإمارة قطر، شاغلة الدنيا والناس.
في قطر شهدنا ثورية صارخة مكتنزة داهمة لا تعرف المواربة ولا الاستحياء. لم نلمس أية رومانسية أو عذرية، بل قولَ فصل وتحدٍّ. دعينا للمشاركة في مؤتمر عن الديمقراطية والتنمية. للحقيقة لا شأن للعناوين والأسماء، فالدوحة، منذ حكمها "خليفتها" المستورث أباه عنوة، أعلنت عن نفسها عاصمةً أبديةً للمؤتمرات، وهكذا ينبئك الشعار حال وصولك إليها.
وصلنا إلى مطار الدوحة وسبقتنا أخبار الاعتداء الإسرائيلي على أسطول الحرية المبحر إلى غزة المحاصرة. بعد دقائق سمعنا عن فظاعة الاعتداء ووحشيته وعن وجود قتلى وجرحى. اعتلينا حافلة لتقلنا إلى صالة التشريفات وفوجئنا بوجود السيد بنيامين بن اليعيزر "فؤاد" يجلس برفقة وفد واسع الانتشار والبسمات في جنبات الحافلة. ألقينا التحية ورد بأحسن منها .
"ماذا تفعلون هنا في قطر؟" سأل صديقي النائب فؤادًا باستهجان. "ألم تسمعوا ما فعلت حكومتكم بأسطول الحرية؟". لم يبدُ أي ضيق على وجه "فؤاد" فلقد بقيت حمرته متوردة من فائض سمنة وضيق نفس أججه لهيب الصحراء وارتفاع في رطوبة الجو. ضحك بسخرية خافتة وأجاب نافيًا أي حرج أو قلق. كان الصوت كمن خبِر قادة العرب، لا سيما الأمراء منهم، مَن ورث أو ورَّث أو استورث، أو من لم يزل حاديًا يستدعي الحظ ورضا "الفؤاد" هناك على جنبات قوافل الصحراء.
حاولنا أن نستفز هدوءه ونشرح له عن ما رشح من غضب وأكثر في العالم العربي والإسلامي. لم يبدِ أي اهتمام خاص، وأخبرنا أنه في قطر ضيف لدى الدولة ولدى الأمير تحديدًا، وأنه مشارك في مؤتمر اقتصادي هام ولذا جاء إلى قطر بوفد كبير وبعدة مستويات وخبراء!
أنهى حديثه بشبه تحدٍّ مداعبٍ قائلًا لنا: "سنصل بعد لحظات لقاعة الاستقبال وسترون كيف سنؤخذ نحن إلى صالة الشرف الأولى وأنتم، أخبروني ما سيحصل معكم!".
وصلنا وانقض المضيفون على وفد "الفؤاد" وكان العناق وكانت القبل وكان غياب أحضان على أكتاف. اختفوا جميعهم وفي البهو الأميري الأنيق. بقايا نظرات طيّرها الوزير الإسرائيلي المحتفى بوصوله، من فوق أكتاف معانقيه القطريين، إلى صوبنا وكأنه يريد أن يقول: "ألم أقل لكم يا أصدقائي العرب؟ أتريدون مساعدة ما؟". لم يقل فلقد طغى العناق وغاب أدعياء الصحافة الحرة، من عربية وجزيرة، في جزر السياسة والمصالح والمصالحة.
في المساء اجتمعنا في صالة فاخرة في أحد الفنادق، الكل ينتظر وصول الأمير"المفدّى". وفي الساعة المقررة يحضر الأمير. يعتلي المنصة ليفتتح مؤتمر الديمقراطية والتنمية. يصفق الحضور مرحبين بصاحب البلاد والجاه والسلطان. يتكلم الأمير ويستهل حديثه بأقسى عبارات الشجب والإدانة لإسرائيل لاعتدائها على أبطال الحرية. يصف الأمير هجوم إسرائيل بقرصنة دولة والضحايا شهداء. يستنكر الأمير ويشجب ويطالب ويصلي للجرحى ولغزة. القاعة تسمع ويعلو التصفيق ويقف الجمع لتحية الأمير ولشكره على ما يقدمه للمقاومة وفلسطين وأحرار العالم. يترك الأمير في صباح اليوم التالي قطر فميعاد عطلته السنوية مقرر منذ زمن ولا وقت لديه لتغيير جدول الأعمال والشجب والاستنكار.
نحن في قطر نسمع محاضرات ومداخلات عن الحرية والتنمية والديمقراطية. في فندق قريب منا تجتمع وفود عالية المستوى لتبحث في شؤون المال والاستثمار وبقاء الأنظمة الحاكمة الموالية والقريبة على "الفؤاد" والمعدة.
لم نقابل "فؤاد" في قطر ولم نقابله في إسرائيل، ولا أعرف ماذا كان ليقول لنا لو التقينا. يقيني أنه ما كان ليشمت بنا فالشماتة نصيب الضعفاء.

أبو علي مصطفى: لك دينك ولنا دين/ عطا مناع

جاءت الذكرى، ذكرى تحمل لنا اللاشيء، كأنك القادم من زمن أخر، لا نعرفك، لكننا نستعين بك أحيانا على المرحلة التي طحنت ما تبقى فينا، فللمرحلة أبجدياتها ونواميسها التي لا تتقاطع معك، فأنت يا سيدي تنتمي لزمن" الإرهابيين" زمن الذين حدقوا يعيون من نار وقالوا هي لنا، عشنا فيها ونموت فيها، لأننا نعرفها حجراً حجر، لأننا تنشقنا هواءها وتعمدنا في ترابها.
يا أبو علي مصطفى، قلها لكل من سبقوك لكم دينكم ولنا دين ، ما عدنا نعرفكم، ولا ننتمي لثقافتكم، وفي الذكرى تحملنا أقدامنا بتثاقل ونجلس في الصفوف الأولى يرافقنا الخجل والسؤال، الم اقل لك أننا لا ننتمي إلى زمنك، وان أبو الخيزران القي بنا في الخزان وحذرانا من قرع جدرانه، أو مجرد التفكير لا المحاولة.
أصدقك القول: نحن نعيش زمن أبو الخيزران الذي يرسم لنا خارطة الوطن،فالوطن ما عاد من النهر إلى البحر، فالوطن جدار وحصار وبساط احمر وربطة عنق، والوطن دولة نفتش عنها في جنبات أيلول، يا أبو علي مصطفى ما عدنا نريدك، لك دينك ولنا دين.
اخرج من عالمنا، وعد إلى عالمك، فأنت تنتمي إلى زمن المقاومة، ونحن نعلنها بالصوت العالي إننا نتبنى إستراتيجية المساومة، الم اقل أن لك زمنك ولنا زمننا، فنحن وضعنا كما القردة في القفص عاجزين عن الوصول إلى الموز، ونحن والحمد للة نرضى بالمقسوم ومنح الولايات المتحدة، صحيح أننا ندفع ثمن لقمة العيش وطننا لكننا متصالحين مع أنفسنا، فيكفي أننا نعيش دولة القانون في شقي الوطن.
نحن الفلسطينيون الجدد نحترم القانون، ونقف في وجة من يفكر بخرقة، فأبواب السجون مفتوحة، وبالطبع نحن عززنا الحريات والديمقراطية، لكن ديمقراطيتنا لها سقف ونحن نقبل بهذا السقف حتى لو وصل إلى حد انحناء الظهر، صحيح سقفنا واطي كما شعاراتنا، لكننا تأقلمنا وتعايشنا مع كل ما هو واطي، تذكر: نحن الفلسطينيون الجدد وبدون استئناء.
عفوا سيدي: لا بأس من بعض الحقيقة وخاصة انك تنتمي إلى زمن الحقيقة كل الحقيقة للجماهير، استميحك عذراً، فنحن نعيش فترة النقاهة من زمن ما عاد لنا، انة زمنكم الذي نعتبره زمن"الإرهابيين" الذين يعكرون صفو السلم العالمي، زمنكم الذي زرع فينا "أفكار الشر" وعدم الانفتاح على الأخر وتقبله، وفي زمننا ننسق مع الأخر كيف نتعامل مع الذين رفضوا العلاج واستمروا في قرع جدران الخزان، بصراحة علينا معالجتهم بالقانون والسجون، لا تخف سجوننا مختلفة فهي تخضع للمواصفات الدولية، وقوانيننا ما عليها غبار، إنها تتعاطى مع المستجدات والفلسطيني الجديد.
عليك أنت وكل" الإرهابيين" أن تتقبلوا الحقيقة، فالفلسطيني الجديد في غنى عن المشاكل، نحن لا نريد قذف جنود الاحتلال.... عفوا الطرف الأخر حتى بوردة، ونحن ضد إطلاق الصوريح المحلية الصنع وغيرها من قطاع غزة ولذلك نلاحق هؤلاء" الغير معالجين" لنمنعهم من المساس بأنفسهم وتعكير الأجواء مع الأخر، ونحن مع حق العودة والاحتفال بذكرى النكبة ولكن في ساحات المدن، ونحن مع مقاطعة بضائع المستوطنات ومع رامي ليفي رغم أنة يغذينا بمنتجات المستوطنات.
نحن مع أوسلو وضد أوسلو، مع حل السلطة والإبقاء عليها، ونحن ضد أمريكيا راس الحية ومعها، نحن ضد وكالة التنمية الأمريكية التي تصفنا بالإرهاب ومعها، ونحن يا سيدي نحن مع ذهاب الانقسام إلى جهنم ومع بقاءه رابض على صدورنا، الم اقل لك نحن الفلسطينيون الجدد.
نحن الفلسطينيون الجدد يا أبو علي مصطفي، نحن الخليط الُمطعم بجينات دايتون وإيران والقاعدة ومنظمة التحرير التي ما عادت منظمتك، ونحن الفلسطينيون الجدد الذين ندعوا اللة بإطالة عمر الدكتور الذي هو وحدة من يقدر على توفير الرواتب لنا، ونحن الفلسطينيون الجدد الذين نطلب منك عدم اقتحام عالمنا الوردي عالم وطن ع وتر.
اخشي اللحظة التي نمر على عالمك كالغرباء، وان يذكرنا الأخر بكم، اخشي عليكم من الثقافة المسطحة التي تسمى حرية رأي والتي تأتي على مقاس أمين السر، واخشي أن تكون في يوم من الأيام موضوع حلقة من حلقاتهم باسم حرية التعبير وعلى طريقة الفلسطينيين الجدد الذين تبرؤا من مرحلتكم أولا وباتوا يخجلوا بكم أمام الخواجا، لذلك اخرج من عالمنا ولا تعد فانتم يا أصحاب الزمن الفلسطيني الحقيقي لكم دينكم ولنا دين.

أصنام تتهاوى يا دمشق؟/ كفاح محمود كريم



وأخيرا سقط صنم آخر من أصنام الشرق الأوسط الموبوء بالصنمية المقيتة منذ مئات السنين، وتهاوت تلك العروش الهاوية وغدت تلك النمور الورقية التي طالما كانت تتبختر من على شاشات التلفزة بأمراضها البشعة في النرجسية وانفصام الشخصية واشد حالات السادية وأشكالها في علم أمراض النفس والأخلاق والتربية؟

سقط القذافي كما سقط صدام وسقطت معهم تلك الأحزاب الرثة المليئة بالفاشية والشعور بالنقص والمهانة، ومجاميع من المجرمين والمعاقين نفسيا وتربويا وأخلاقيا ممن تسلطوا على رقاب شعوبهم لما يقرب من نصف قرن، ونجحوا في تدمير دولهم وما حولها حتى لا تكاد تصدق ان هذه البلاد تنتمي لهذا الزمن او العصر؟

منذ نصف قرن وهم يمتصون دماء هذا الشعب بشعارات تافهة وكاذبة وعدو مصنوع في مخيلاتهم المريضة حتى أوهموا الناس بأن كل العالم المتحضر عدوهم ويبيت لهم شرا وحقدا وحسدا، حتى امتلأت الأرض بمقابرهم الجماعية وجفت الاهوار وانفلت الأرض وساكنيها في كوردستان!؟

سقط القذافي وقبله صدام حسين وما بينهما، مبارك وزين العابدين، وتلحقهم غدا او بعد غد بقايا الفاشية في دمشق، الشق الثاني من فاشيي البعث، وذلك القابع في مآسي اليمن، وأمثالهم كثيرون ممن يصرون على تدمير بلدانهم وتحطيم شعوبهم قبل أن يولوا هاربين خاسئين، لتظهر عوراتهم وتنكشف أكاذيبهم وهم يشحنون المغلوبين على أمرهم بشعارات وادعاءات اقلها ان الرب والملائكة يقاتلون معهم وان الأعداء سينتحرون عند أسوار عواصمهم التي هدمت فوق رؤوسهم وهم هاربين او صاغرين او قابعين في حفر الخزي والعار؟

حقا انها فرحة تُدمع القلوب والعيون، لكنها ايضا حينما تجف تلك الدموع ويبرد الجرح كما يقولون، وينقشع الدخان فيبدو الوطن جميلا جدا بدونهم، لكن جروحهم غائرة وآثار تخريبهم للنفس البشرية بالغة، فقد افسدوا البلاد والعباد، ودمروا الزرع والضرع حتى انهاروا خاسئين أذلاء دونما خجل او حياء، بعد أن دمروا البلاد واستقدموا الآخرين لتحريرها من براثنهم وآثامهم؟

العار الكبير انهم يشهدون سقوطهم واحدا تلو الآخر ولا يتعظون، فالذي يحصل اليوم في سوريا على أيدي النظام منذ عدة أشهر، وفي اليمن هو استنساخ لما حصل في العراق إبان انتفاضة الربيع عام 1991م وما حصل في مصر وتونس وليبيا قبل سقوط أصنامهم، لكنما دون جدوى فهم مصرون على البقاء حتى تدمير البلاد وبنيتها التحتية بالكامل وإغراقها ببحور من الدموع والدماء، ولن ينتصروا بل سيشهدوا ايضا نهايتهم المحتومة التي شهدناها جميعا في بغداد وتونس والقاهرة وطرابلس؟

شمس جديدة تشرق على ليبيا وتزيح كتل الليل المدلهم، وأصنام تتهاوى وعارات تنكشف عنها الستائر كما انكشفت عن مخازي القائد الضرورة من قبلهم، أصنام تتهاوى يا دمشق فهيئي حالك غدا تشرق الشمس في سماوات الشام ليسقط آخر الأصنام!

فلسطين قيادة بلا شعب/ ماجد هديب


مع بناء السلطة الوطنية وفقا لاتفاقات أوسلو فان الأنظار كانت قد اتجهت في حينه إلى مأسسة النظام السياسي الفلسطيني مع العمل على إضفاء صفة الشرعية الدستورية على السلطة الوطنية استنادا لقاعدة الديمقراطية التي جاءت امتدادا للشرعية الثورية ,أو ما كان يعرف بديمقراطية غابة البنادق حيث كان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قد تطلع في حينه إلى إقامة قيادة وطنية موحدة تضطلع بمسؤولية النظام والقرار السياسي الفلسطيني في الوقت الذي كانت عيونه مفتوحة ما بين أهداف ثورة الفاتح من يناير, وسلطة تعمل على إرساء معالم دولة فلسطينية تمهيدا لإعلانها على حدود الرابع من حزيران كخطوة نحو توازن استراتيجي تؤدي إلى الدولة الفلسطينية الكاملة , إلا أن الفلسطينيين ونتيجة لأخطائهم التاريخية المتراكمة ,ونتيجة إصرارهم أيضا الإبقاء في حالة الانقسام على النفس كانوا قد خذلوا زعيمهم الراحل رغم حبهم له, وتقديرهم لتاريخه ,ورغم إيمانهم بحنكته وتخطيطه ,تماما كما كانوا قد خذلوا زعماء من قبله وقدموا فلسطين للإنجليز والحركة الصهيونية نتيجة هذا التخاذل والانقسام على طبق من ذهب , فالفلسطينيون ورغم تضحياتهم الجسام والتي فاقت كل تصور يبدو أنهم كتبوا على أنفسهم وتعهدوا على أن يبقوا بعيدون عما تقرره قياداتهم دون إستراتيجية توحدهم أو برامج يستندون عليها ,ولنا في التاريخ الفلسطيني الحديث وقائع كثيرة, إلا أن تلك الوقائع لم يحاول الفلسطينيون استخلاص العبر والدروس منها لتكون فلسطين قيادة بشعب يلتف حولها.
فقبيل الحرب العالمية الأولى ,وفي الوقت الذي كانت قوى الاستعمار قد تكالبت فيه لتنفيذ مخططاتها وصولا لأطماع تطلعوا إلى تحقيقها, فإن الفلسطينيين كانوا قد تزعموا في حينه الحركة الوطنية العربية بشكل عام والحركة الإصلاحية داخل دولة الخلافة الإسلامية بشكل خاص, إلا انه ومع بداية الحرب الأولى واشتراك الدولة العثمانية كأحد أطرافها فقد إنقسم الفلسطينيون على أنفسهم ما بين مؤيد للدولة العثمانية وداعيا لوجوب المقاتلة بجانبها وطنيا ودينيا, وما بين معارض لتلك الدولة مع تشديده على ضرورة التحالف مع قوى الاستعمار لمقاتلتها وهذا ما انعكس أيضا على الحركة العربية وقيادتها من الفلسطينيين,ومنذ ذلك الوقت, ونتيجة لهذا الانقسام ,وفي ظل محاولات الفلسطينيين الفوضوية لبلورة الهوية الفلسطينية وذلك في إطار الصدام الفكري والفعلي أيضا بين الحين والآخر, فان الفلسطينيين قد ظلوا وحتى الآن بعيدين عما تقرره قياداتهم وهذا ما كان قد أضفى صفة الشرعية على الاحتلال الإنجليزي لفلسطين كما هو حالهم اليوم عندما يساهمون نتيجة انقسامهم في إضفاء صورة زائفة لوجه الاحتلال الإسرائيلي وشرعية وجوده ,ليس لدى الرأي العام الغربي والعالمي فقط, وإنما لدى بعض القيادات العربية الرسمية أيضا.

إن حالة الفرقة والتشرذم التي يعيشها الشعب الفلسطيني اليوم لا تعتبر انعكاسا لما قامت به حركة حماس من انقلاب ,أو انه جاء احد إفرازات هذا الانقلاب ,بل إن الانقلاب ما كان له أن يحدث لولا حالة الانقسام التي يعيشها الفلسطينيون منذ ظهور الحركة الصهيونية واتجاه هذه الأخيرة نحو تنفيذ أطماعها , حيث برز هذا الانقسام في حينه بتدخل من بعض الزعامات العربية التي كانت الدول الاستعمارية قد صنعت لها كيانات وعروش, فقد عمل هؤلاء في التدخل بقرار الفلسطينيين واتجاهاتهم بهدف حماية إسرائيل الوليدة ومنع أي اعتداء عليها من خلال تشتيت جهد الفلسطينيين وبعثرة قواهم السياسية والعسكرية , مع منعهم الاتفاق فيما بينهما على إستراتيجية يحددون فيها أهداف ثورتهم وأولوياتهم وأساليبهم ,وبذلك فان الفلسطيني قد أصبح إما رهينة لسياسة الأحلاف وشعارات العرب الثورية المخادعة واستراتيجياتهم الزائفة التي حرفت مسيرة نضاله ونالت من إرادته وخدعته ,وإما رهينة ما يطلق عليهم أنظمة الاعتدال .
ولم يحاول الفلسطينيون بوعي وإرادة منهم أو دون وعي الالتفاف حول قياداتهم لفرض معادلة ثالثة لمصلحة قضيتهم, فهل كان يمكن للإنجليز مثلا احتلال فلسطين فيما لو أن الفلسطينيين لم يتحالفوا مع الانجليز ضد الدولة العثمانية؟,وهل كان يمكن لقوى الاستعمار تمرير اتفاقية سايكس بيكو وتنفيذ معاهدة سان ريمو وإطلاق وعد بلفور فيما لو توحد الشعب الفلسطيني وتراجع عن مبايعته للهاشميين كقادة لهم وممثلين لهم في كافة المؤتمرات وخاصة مؤتمر الصلح الذي شاع في أعقابه اعتراف الهاشميين بكل ما جاء في تلك المؤتمرات الاستعمارية من مقررات بينها وعد بلفور والتعهد بالمساهمة في تنفيذه؟,وهل كان يمكن أيضا للحركة الصهيونية أن تنفذ أهدافها وتحقق أطماعها بامتلاك نسبة من الأراضي,وبتأسيس جيش داخل مستوطناتها كمقدمة لإرساء معالم دولة إسرائيل فيما لو لم ينقسم الفلسطينيون على أنفسهم في أوج ثوراتهم المتعاقبة أبان فترة العقد الثلاثيني ما بين مؤيد لمشاريع الملك عبدا لله الأول الوحدوية مع اليهود للاستفادة كما قال في حينه من أموالهم وخبراتهم وما بين معارض لها دونما أي فعل أو موقف عملي يتوافق مع خطورة الطرح ومحاولات تسويقه؟.
وهل كان يمكن للحركة الصهيونية أن تنجح في إعلان دولة إسرائيل عام 1948 فيما لو تراجع الفلسطينيون عن انقسامهم وتوحدوا خلف قيادة الحركة الوطنية في حينه وجيش الجهاد المقدس ولم يتحالفوا مع العاهل الهاشمي في شرقي الأردن ضد حكومة عموم فلسطين ولم يمنحوا ثقتهم أيضا لجيشه الذي ما كان له أن يتأسس بقيادة انجليزية صرفة وعناصر بدوية إلا لتنفيذ أهداف الحركة الصهيونية وتنفيذ سيناريو الحرب الذي أخرجه الانجليز بدقة بما يضمن انتصار الجيش الصهيوني وإعلان دولته ,حيث أثبتت وقائع ذلك السيناريو فيما بعد بل وحتى خلال الحرب دور جيش الأردن الهاشمي بإعلان دولة إسرائيل وفقا لما قاله قادة حرب فلسطين الميدانيين في مذكراتهم عن نكبة فلسطين؟, وهل كان يمكن للثورة الفلسطينية بعد حرب بيروت أن تتعرض إلى ما تعرضت له من انشقاقات ومن حرب دموية ,وكذلك للانتفاضة الفلسطينية الثانية أن تتعرض لانتكاسة وهزيمة رغم تضحيات الشعب الفلسطيني الجسام فيما لو توحد الفلسطينيون واستندوا على إستراتيجية نضالية وبرنامج سياسي واحد ولم تصبح الثورة و الانتفاضة مجرد ساحات اختبار ترى فيها الأنظمة العربية قدراتها في اختراق الفلسطينيين وتحديد نسبة ذلك الاختراق والتأثير لتعزيز أوراقها السياسية في القضية الفلسطينية كما فعل النظام السوري وما زال ؟.
أسئلة كثيرة لا تحتاج الإجابة عليها إلى الغوص في جدلية التاريخ الفلسطيني وتحليل سياسة أصحاب القرار لاستنباط الحقائق ,لان استقراء الوقائع بنظرة ميتافيزيقية يؤكد لنا صحة ما افترضناه من أن فلسطين شعب لا يؤمن بقيادته,وبأن القيادة تحتاج إلى شعب يلتف حولها لاختصار طريق النصر وتحقيق الأهداف وإنهاء التدخلات والتبعية والوصاية والاحتواء ,فماذا يعني عسكرة الانتفاضة والإصرار على الاستمرار فيها رغم ما جلبته للشعب والقضية من كوارث؟, وماذا يعني أن تنشا ميليشيات لا ماض لها أو حاضر لتؤثر بالقرار الفلسطيني ولتخلق حالة من الفوضى والتي جاءت كمقدمة لانقسام ليس سياسيا فقط ,وإنما حتى اجتماعيا واقتصاديا ما زال الشعب يعاني من أثاره النفسية حتى الآن؟.
إن الخروج من هذه الحالة يشكل أولوية مهمة وخاصة ونحن نرى القضية الفلسطينية تمر في لحظاتها الحرجة ,فإما أن يكون الشعب الفلسطيني فيها ويحقق دولته, وإما أن لا يكون ومن اجل أن يكون ويبقى الشعب الفلسطيني رقما صعبا ليجسد فلسطين جغرافيا كما جسدتها قيادته سياسيا, فانه لزاما على الإنسان الفلسطيني التحرر من أوهامه والتخلص من تلك الشعارات وكذلك التحلل من التبعية والاحتواء ووصاية الغير, مع ضرورة التخلص أيضا من الارتهان للسياسات الإقليمية التي أوهنت عزيمته وحرفت مسيرة نضاله وذلك من أجل أن يتجاوز مرحلة الانقسام وحشد كل الطاقات باتجاه إعلان الدولة وكسب التأييد لها والاعتراف بها , ففي ذلك صمام أمان لقضية فلسطين ومسيرة التحرير من خلال الالتفاف حول قيادة فلسطينية تحظى بإجماع الكل الوطني استنادا إلى الميثاق الوطني والى ما أقرته المجالس الوطنية الفلسطينية من برامج سياسية من بينها حل الدولتين, وانه آن الأوان أن يعلم الشعب الفلسطيني أيضا في ظل تساقط الدكتاتوريات العربية , وفي ظل فصائل وقوى عملت على توظيف المشاعر الدينية وتجييشها وتحويل العمل السياسي والحزبي إلى عمل تسويقي تجاري يتأسس على منطق الرابح لا المحرر بأن الإستراتيجيات الزائفة, والشعارات الثورية التي لا تغني ولا تسمن من جوع كانت قد خدعته دهراً لإبقاء الانقسام تشتيتا للجهد الفلسطيني وتمزيقا لصفوفه,وقد آن الأوان أن تتوقف أيضا تلك الفصائل عن المتاجرة بالشعب وقضيته وان تشارك بالنظام السياسي في إطار الواقعية السياسية لعدم تكرر أخطاء الماضي.
إن ما نراه من أفعال وما نسمعه من سجال ما بين مؤيد لاستحقاق أيلول ومشجع للقيادة ومحفزا لها بعدم التراجع عن هذا الاستحقاق, وما بين مشكك غير مبال ومهاجم لتلك الخطوة ومخون لمن يعمل من اجلها ما هو إلا نتيجة لغياب الإستراتيجية بالإضافة إلى ما ذكرناه سابقا من عوامل تاريخية للانقسام والتشرذم, حيث أصبح هنالك خلط واضح ما بين الإستراتيجية والتكتيك, وما بين البرامج وهذا ما أدى ليس فقط إلى غياب رؤية واضحة للجمع ما بين المقاومة والتسوية , بل وحتى إلى تعميق الهوة والانقسام أيضا, كما إن عدم الاتفاق على أساليب العمل المقاوم بما يخدم البرنامج السياسي أدى بالقضية الفلسطينية إلى تراجع ليس لعقود فقط ’وإنما إلى انحسارها و لولا القيادة الفلسطينية التي استندت على علاقاتها التاريخية مع الدول المحبة للسلام والمؤيدة للشعب الفلسطيني والداعمة إلى تحرره واستقلاله, وكذلك بالاستناد إلى الرؤى المستقبلية لكانت القضية الفلسطينية في إطار التغييب الكامل ليس عن المحافل العالمية فقط,وإنما حتى عن اجتماعات العرب الرسمية.
إن إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية التي يتفق الجميع علي تفعيل دورها في إطار الإصلاح الشامل و ضبط الحالة الأمنية في مناطق السلطة الوطنية عن طريق البدء بتطوير أنظمة أمنية موحدة وإصلاح الأجهزة الأمنية المتخصصة ضمن إستراتيجية أمنية وطنية واضحة على قاعدة حفظ الأمن والنظام في المجتمع الفلسطيني، والتأكيد علي الطبيعة المهنية والتخصصية لعمل الأجهزة الأمنية بعيدا عن تدخلاتها في السياسة والاقتصاد والمجتمع والثقافة خطوة مهمة وضرورية لتجاوز الأزمة في الحياة الفلسطينية, إلا إن الأهم من كل ذلك الآن باعتقادي هو ضرورة تحديد الأولويات، وتقديم المصلحة العامة على المصالح الذاتية والعائلية والفصائلية، مع استخلاص العبر والدروس من المحنة التي مر بها الشعب الفلسطيني عبر مسيرة نضاله الطويلة من اجل معالجة الأخطاء وعدم تكرارها, وان واهم ما نحن بحاجة إلى استخلاصه الآن هو أن يلتف الشعب حول قيادته مع تقديم كل الدعم والتأييد له في استحقاق أيلول عندما تذهب السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة لنيل اعتراف بدولة فلسطينية مستقلة كاملة العضوية ضمن حدود حزيران يونيو 1967لان استحقاق أيلول محطة نضالية هامة تقتضي من الجميع التوحد لان ما يحصل من حراك دبلوماسي بحاجة إلى إسناد شعبي, ولا يليق بأي فصيل أن ينظر إلى تلك المحطة بعيون الريبة والشك مع التمني لها بالفشل والخذلان ,فهل يمكن لنا أن نشهد الاعتصامات المليونية من جماهير الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده لدعم القيادة الفلسطينية وهي تتقدم للأمم المتحدة بطلب الاعتراف بدولة فلسطين؟.
إن تلك الاعتصامات الشعبية, وذلك الحشد الإعلامي الذي يجب أن يكون من كافة قوى وفصائل العمل الوطني وفي مقدمتها حركة حماس هي المقدمة الحقيقية ليس للمصالحة فقط ,وإنما لان تكون فلسطين قيادة بشعب , أما إذا اختار الشعب مع فصائله أن يبقى رهينة لسياسات إقليمية ومصالح ضيقة فلن تكون لفلسطين قائمة وستبقى القيادة بلا شعب لعقود أخرى.

majedhudaib68@yahoo.com


تحررت ليبيا .. وانتصرت أخلاق الثورة/ د. عيدة المطلق قناة


عاشت شعوب أمتنا في ظل موجة عاتية من الظلم والقهر وحكم الدكتاتوريات المستبدة .. وبات وطننا ً خليطاً عجيباً من قصور وخيام وبيوت الصفيح .. ومن زنازين وأقفاص وسجون.. شعب مفقر .. وشباب محبط مهمش .. في ظل غياب لمعايير العدل الاجتماعي.. واختلال جوهري في التوزيع العادل للثروة ، وتفش لمظاهر الفساد والإفساد.. وإهمال للتعليم والصحة والتنمية البشرية والاقتصادية والإنسانية!!

ولكن ومنذ مطلع هذا العام تعيش ذات الأمة حالة نهوض تاريخية غير مسبوقة .. إذ تفجرت الانتفاضات في غير مكان من هذا الوطن الممتد من المحيط إلى المحيط .. وأخذت كرة الثلج تتدحرج من تونس غربًا وحتى سوريا شرقًا.. ومن ليبيا شمالاً إلى اليمن جنوباً .. ثورات ما فتئت أن قوبلت جميعها بالعنف والقسوة.. ولكن كلما ازداد عنف المواجهة وازدادت القسوة كلما اشتد عود هذه الثورات وتنامت .. حتى أصبحت كل قطرة دم عربية بمثابة شرارة تذكي اشتعال الثورة..

ولكن حتى تاريخه تبدو مجريات الثورة الليبية وربما السورية معها .. حالة متطرفة من المواجهة العنفية الاستئصالية .. فالليبيون يواجهون:
• نظاماً مهووساً استعلائياً سفيها سيء الخلق ..اتسم بالتخلف والجهل والفوضى .. وإهدار قيمة الإنسان وامتهان كرامته
• نظاماً استعذب القتل والدم والإيذاء .. وقام على شلة من المتهافتين والمنتفعين .. والراقصين على كل الحبال.. والآكلين على كل الموائد ..
• نظاماً "أسروياً" ً قام على الفساد والاستبداد.. فلم يحسب للشعب حساباً ، بل اعتبره جزءاً من ممتلكاته الخاصة .. وحول الوطن – كل الوطن – إلى عزبة ..واستخدمه أداة لتحقيق أغراضه وأحلامه الشخصية ومشروعاته وأمجاده الفردية على حساب تطلعات الشعب الليبي الحقيقية.
• نظاماً فردياً مطلقاً .. أبطل الدستور، وجرم الحزبية وأمم الصحافة .. ومنع قيام مجتمع مدني .. وأفسد الحياة الاقتصادية .. ونشر الفساد المالي والإداري في كل مرافق الدولة، فتدهور التعليم والصحة والبيئة وعمت البطالة والفقر..
• نظاماً مفرطاً في الغرائزية .. قام على التسكيت والتفتيت والتشكيك.. فاستحق لقب " الطاغية الأكثر كراهية لشعبه"

فجاءت الثورة الليبية على نظام هذه الأسرة التي أنشبت أظفارها في رقاب الشعب وممتلكاته ومقدراته وثرواته.. وتربعت على كل مرافق الدولة ومؤسساتها.. ووقفت حجرعثرة أمام التغيير الشعبي السلمي ... ولم تضع في حسبانها أن الشعوب لا تموت .. فراحت تتهدد وتتوعد بجعل ليبيا خراباً وأرضاً محروقة .. فصدرت الأوامر من رأس الهرم السلطوي "بالقتل والحرق والتدمير والاغتصاب" .. ومضى في تنفيذ أكبر عملية تدمير للوطن – ربما في التاريخ – وإن كان العالم قد شهد على جريمة ممتدة ومتصلة طيلة أربعة عقود .. إلا أنه شهد في الشهور الستة من عمر الثورة جرائم لم تشهدها حروباً عالمية كبرى .. لقد كانت حصيلة "حرب القذافي" على شعبه (خلال هذه الشهور الستة فقط) عشرات الآلاف من الضحايا ما بين شهيد وجريح ومعاق ومفقود وسجين ومغتصبة .. ودمار شامل نال من كافة البنى التحتية والفوقية للدولة الليبية .. فضلا عن الدمار الإنساني الذي ربما يحتاج لأجيال قادمة حتى يتمكن الليبيون من تجاوز آثاره .. ناهيك عن المئات من مليارات الدولارات التي تم تبديدها في هذه الحرب المسعورة التي فتحها هذا النظام البائس على كل الليبيين دون هوادة..

واستمر الثوار يتقدمون يوما ًبعد يوم .. حتى كان موعدها مع العشر الأواخر من رمضان الفتح والنصر والتحرير .. حين انتفضت طرابلس .. وزحف الثوار من كل حدب وصوب لاستنقاذ عاصمتهم.. فدخلوها مكبرين وأشرقت شمسها بالحرية والفخار والعزة والكرامة.. !!

لقد سقط الطاغية الذي ظن أنه سيظل أبدا فوق رقاب العباد.. .. سقط مذموماً مدحوراً تلاحقه لعنة التاريخ.. ولعنات الشهداء والأمهات الثكالى والأرامل .. وآنات المعذبين والمستضعفين والمعوقين ..
لقد انهار نظام استبدادي آخر دفعة واحدة .. وسيكون لهذا الانهيار ما بعده عربياً وعالمياً وستتلوه انهيارات أخرى في جدار الاستبداد العربي السميك!!

فهنيئاً لشعب طويت له كل الأرض الليبية الفسيحة ليتدفق ثواره ذات فجر رائع .. فيصنعون "فجر عروس البحر" .. طرابلس العزيزة..

وهنيئا لشعب ليبيا العظيم انتصاره بالدم والشهداء.. والشجاعة الأسطورية .. وهنيئاً لهم ثوار أبوا وهم في غمرة الانتشاء بالنصر المضمخ بالدم والتضحيات الجسام.. إلا أن يتساموا على كل الجراح .. فكان المشهد الآسر وكانت الدهشة .. إذ حلت مفردات القوة والشجاعة والرقي والحكمة ، محل مفردات السفاهة وسوء الخلق .. فجاءت كلمات الثوار رصينة قوية واثقة تنضح بالحكمة وأخلاق الثورة .. تعلن انتهاء مرحلة الجهاد الأصغر ، وإطلاق مرحلة الجهاد الأكبر .. وتبشر بمستقبل رائع لليبيا وشعبها العظيم..

إننا نتطلع كما يتطلع الليبيون إلى مستقبل يقوم على دستور يعبر عن تطلعات الشعوب بالحرية والكرامة ... دستور ينظم الحقوق والواجبات ويحدد شكل الدولة ونظام الحكم .. دستور يرسي دولة القانون والحق والعدل .. ويقطع دابر الاستبداد والتفرد.. ويقر بدقة وشفافية عالية جملة من المبادئ الأساسية ومنها أن:
• الشعب وحده مصدر كل السلطات ..
• الرئيس خادم الشعب لا حاكمه .. وأنه رمز الدولة .. لا رأس السلطات فيها!
• لا رئاسة مدى الحياة
• لا توريث لابن أو صهر أو قريب !

وفي سياق انطلاقة مرحلة البناء والجهاد الأكبر يمكن التذكير ببعض الملاحظات ومنها :
• أن الثورة فصل تاريخي شعبي مداده الدماء..
• وأن الربيع العربي لم يكن نزوة عابرة بمقدار ما هو طوفان لن يتوقف قبل تحقيق أهداف الشعوب ..
• وأنه حين تثور الجماهير وتنتصر فإنها لا ترتضي المساومة وأنصاف الحلول.. أو النكوص عن غاياتها. ..
• وأن كل الشعوب العربية تتشابه حتى في الحالات الثورية.
• وأن فساد الحكام .. ونهجهم الظالم هو ما عرض دولنا وشعوبنا لأطماع الدول الكبرى..
• وأن "نهاية القذافي" درس لزعماء المنطقة الذين يتجاهلون مطالب التغيير التي ترفعها شعوبهم.؟؟
وختاماً
هنيئاً لشعب يؤوب ثواره للحكمة والرشد في لحظات النشوة والانتصار ..

eidehqanah@yahoo.com

نصرٌ يكتمل بالتَّكامل مع مصر وتونس/ صبحي غندور


في 20 أغسطس من العام 1971، أعلنت مصر وسوريا وليبيا دستور "اتحاد الجمهوريات العربية". وانطلق هذا الإعلان آنذاك من فكرة تكامل هذه الدول الثلاث في إطار اتّحادٍ يُعزّز القدرة على مواجهة إسرائيل، ويؤكّد على ما جاء سابقاً في قرارات القمّة العربية في الخرطوم بأن لا صلح ولا تفاوض مع إسرائيل ولا تفريط في القضية الفلسطينية، وعلى أهمّية العمل من أجل تحرير الأراضي العربية المحتلة وتسخير كافّة الإمكانات والطاقات العربية من أجل ذلك، إضافةً إلى التأكيد على الهويّة العربية المشتركة.

طبعاً، لم تُكتَب الحياة طويلاً لهذه التجربة الاتحادية العربية، خاصّةً بعد حرب أكتوبر 1973 والتي شهدت فعلاً تنسيقاً هاماً وتكاملاً بين مصر وسوريا ودول النفط العربي أدّى إلى انتصار أكتوبر، لكن ما حدث فيما بعد على الجبهة المصرية من اتفاقاتٍ مع إسرائيل، برعايةٍ أميركية، أخرج مصر من دائرة الصراع العربي/الإسرائيلي وحتّى من الجامعة العربية نفسها، وانتهت بذلك تجربة "اتحاد الجمهوريات العربية".

كم هي ماسّةٌ الحاجة الآن لإعلان "اتحاد الجمهوريات الثورية العربية" بعد نجاح شعوب تونس ومصر وليبيا بتغيير أنظمتها، وإن بأساليب وظروف مختلفة. فتونس ومصر وليبيا تربط الآن بينهم وحدة حال ووحدة آمال ووحدة مصالح ووحدة مخاطر ووحدة أرض، إضافةً إلى ما يربط بينهم وبين كلّ العرب من وحدة ثقافة وتاريخ ومستقبل. وهذه الدول الثلاث تحتاج حالياً إلى بعضها البعض لإعادة الأمن والاستقرار على أراضيها بلا تدخّلٍ أجنبيٍّ طامع بالسيطرة على الأوطان والثروات، أو مُهدَّدٍ بوقف مساعدات. وهي أيضاً بلدانٌ تُكمّل بعضها البعض في المسائل الاقتصادية والتنموية، المطلوبة في المرحلة القادمة.

فانتصار الشعب الليبي في ثورته سيكون عند محكٍّ هو كيفيّة التعامل مع تحدّياتٍ تفرض نفسها الآن على ليبيا. فالمخاوف هي كبيرةٌ على وحدة القوى الشعبية الليبية وعلى وحدة الوطن نفسه. والتساؤلات هي عديدةٌ حول كيفيّة بناء مؤسسات الدولة، بعد أربعين عاماً من غياب "دولة المؤسسات"، خاصّةً "المؤسسة العسكرية" التي عليها يتوقّف ضبط الأمن وتحقيق الأمان والاستقرار في عموم ليبيا. ثمَّ الخوف هو أيضاً من انعكاس التنوّع القبلي وتعدّد المدارس الفكرية، وسط الجماعات الليبية المتآلفة الآن، على مستقبل النظام السياسي المنشود. فهاهما مصر وتونس تشهدان غلياناً فكرياً وسياسياً حول موضوعات الدستور والانتخابات ومصادر التشريع وتفاصيله، وهما لم تشهدا الحالة العنفية الطويلة التي سادت في ليبيا، ولم تتفكّك فيهما المؤسسات الأمنية والعسكرية، ولم تسيطر على شوارعهما قوًى عسكرية غير نظامية.

أيضاً، أسئلةٌ كثيرة تطرح الآن نفسها حول مستقبل العلاقة مع "حلف الناتو"، وعن مدى تأثير الغرب مستقبلاً في القرار الوطني الليبي وفي الثروة النفطية وفي الأموال الليبية المحجوزة في الدول الغربية. وهذا أمرٌ يرتبط أيضاً بمصير السياسة الخارجية الليبية، وكيف سيكون عليه موقف الحكم الجديد من إسرائيل والقضية الفلسطينية، ومن مسألة "هُويّة" ليبيا، بعدما أبحر حكم القذافي فيها من "العروبة" إلى "الأفرقة" إلى "العالمية" وصولاً إلى ضياع الهويّة نفسها.

هذه المخاوف والتساؤلات المشروعة عن ليبيا وعن مستقبل الحكم والسياسة فيها، يمكن الحدُّ منها إذا أسرع "المجلس الانتقالي" في طلب المساعدة الأمنية من مصر- قبل أن تبادر دول "حلف الناتو" بفرض نفسها- لإعادة بناء المؤسّسات الأمنية الليبية، ثم إقامة تنسيقٍ وتكاملٍ مع مصر وتونس في العديد من المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث تشترك الآن هذه الأوطان في الظروف وفي المصالح وفي التواصل الجغرافي والثقافي.

فالمنطقة العربية بحاجةٍ الآن لهذا النموذج "الاتحادي الثوري العربي"، الذي يؤكّد على ضرورة التلازم بين البناء الديمقراطي وبين الهويّة العربية ورفض الهيمنة الأجنبية.

إنّ المنطقة العربية تعيش مرحلةً خطيرة من الاستقطابات الدولية/الإقليمية في ظلّ غيابٍ متواصل لمشروعٍ عربيٍّ مشترَك ولإرادةٍ عربية مشترَكة.

والآن تنتظر المنطقة العربية نتائج التحوّل السياسي الذي يحدث في مصر بعد "ثورة يناير" لمعرفة كيف سيكون عليه الدور المصري في عموم المنطقة، وما مدى تأثيراته المرتَقبة على المشاريع الدولية والإقليمية.

فالأمل بغدٍ أفضل لا يرتبط بوجود ثوراتٍ وحركات تغييرٍ فقط، بل الأساس هو مرسى هذا التغيير ونتائجه. إذ هل الديمقراطية السليمة، القائمة على وحدةٍ وطنية شعبية وعلى ترسيخ الولاء الوطني وعلى الهويّة العربية وعلى التمسّك بوحدة الكيان الوطني، هي البديل لأنظمةٍ دكتاتورية، أم سيكون بديلَها صراعاتٌ أهلية وتقسيماتٌ جغرافية وتدويلٌ أجنبي؟ وما هي ضمانات حدوث التحوّل نحو الديمقراطية السليمة طالما أنّ المجتمعات العربية موبوءة بأمراض التحزّب القبلي والطائفي والمذهبي والإثني؟ وطالما أنّ هناك أيضاً مشاريع فتنة وتقسيم وتدويل لدول المنطقة؟!

هناك بلا شك إيجابياتٌ تحقّقت حتى الآن، لكن مظلّة السلبيات ما زالت تغطّي سماء المنطقة وتحجب شروق شمس التغيير السليم المنشود فيها. فثورتا تونس ومصر اتّسمتا بالأسلوب السلمي وبالطابع الوطني التوحيدي وبغياب مخاطر التقسيم والتدويل، وبالأمل في تغييرٍ سياسي يصبّ في صالح الوطن والعروبة ونهج المقاومة، لا في صالح الأجانب وإسرائيل ونهج الشرذمة، بينما القلق يحيط بانتفاضاتٍ وثوراتٍ عربية في بلدان أخرى حيث بعضها مُهدَّد بخطر التقسيم، والبعض الآخر بخطر التدويل، والكلُّ بمخاطر الحروب الأهلية والتدخّل الأجنبي.

لقد حدثت على الأرض العربية في هذا العام نماذج إيجابية وسلبية: فالسودان خسر جنوبه بعد حربٍ أهلية وتدويلٍ لأزماته وتدخّلٍ أجنبيٍّ سافر في ظلّ عجزٍ رسمي عربي. ثم جاءت ثورتا تونس ومصر لتشعلا الأمل بمستقبلٍ عربيٍّ أفضل، من حيث أسلوب التغيير الذي جرى في هذين البلدين وسلمية التحرك الشعبي والبعد الوطني التوحيدي فيهما. وهاهي الأمَّة العربية تشهد الآن سقوطاً لحكم العقيد القذافي، الذي استمرّ لأربعة عقودٍ سادها الظلم والظلام والاستبداد، ولم يحدث خلالها أي بناءٍ جاد لمؤسسات الدولة، بما فيها المؤسسة العسكرية. فالمؤسسة العسكرية في كلٍّ من مصر وتونس لعبت دوراً هاماً في إجبار بن علي ومبارك على الاستقالة، كما أنّ دورها الأساس كان، وما زال، هو في حفظ الأمن والاستقرار خلال هذه المرحلة الانتقالية. فما نجح من أسلوبٍ وأهداف في تجربتيْ مصر وتونس لم يُكتَب له بعدُ النجاح في أمكنةٍ عربية أخرى. فالظروف مختلفة، كما هي أيضاً القوى الفاعلة في مصير هذه البلدان الأخرى.

الانتفاضات الشعبية العربية لم تنتظر نضوج الأمور الداخلية في مصر حتّى تبدأ حركتها، وكذلك فعلت القوى الإقليمية والدولية، والتي سبقت أصلاً هذه الانتفاضات بوضع مشاريع وخطط تضمن مصالحها في المنطقة العربية كيفما جاء اتجاه رياح التغيير فيها.

آمال العرب هي على مصر وعلى التكامل معها، لأنّ مصر هي القوّة العربية الأساس في كلّ مواجهة خاضتها الأمَّة العربية على مرِّ التاريخ، ولأنّ المنطقة خضعت دوماً لتأثيرات الدور المصري، إيجاباً كان هذا الدور أم سلباً. لكن التاريخ يؤكّد أيضاً أنّ أمن مصر هو من أمن العرب، وأنّ استقرارها وتقدّمها مرهونان أيضاً بما يحدث في جوارها العربي.

حكومة بالوكالة!/ محمد الياسين


لم تفض نتائج الإنتخابات النيابية العراقية سوى عن كثير من مزايدات الوطنية وشعارات براقة واكاذيب ، فالحديث عن حكومة شراكة وطنية " أكذوبة كبرى " أطلقها الساسة وصدقها البعض منهم ، ما يقرب العام على إنتهاء " العرس الإنتخابي " دون أن يكتمل تشكيل الوزارة ، في جواً شحن بالكثير من الخلافات" الشخصسياسية " أي خلافات شخصية أخذت طابع واطار سياسي .

في شد وجذب بين القيادات السياسية ، لم يتمكن قادة الكتل في التغلب على عقدة الجاه والسلطة المسيطرة على عقولهم ، تنازلاً لمصالح جمهورهم وناخبيهم. حكومة ترضية سياسية وليس شراكة وطنية ، اسماها الكثير من المراقبين والساسة لما جاء فيها من استحداث لوزارات " شكلية " يُنصب وزراء فيها من هذا الطرف او ذاك ، دون أدنى مراعاة للمصلحة الوطنية العامة. تطبيقاً لمفهوم المحاصصة ، ما أرهق خزينة الدولة وتفاقم الفساد في مؤسسات الحكومة ، لما شكلته المحاصصة من ادخال لاجسام غريبة وطفيلية على هيكل الدولة والحكومة العراقية .

نص دستور العراق في احدى فقراته على وجوب تشكيل حكومة خلال شهر بعد إنتهاء الانتخابات واعلان النتائج ، ألا ان تأخر تشكيلها مدة زادت عن تسعة اشهر تقريباً بسبب خلافات قادة الكتل على رئاسة الحكومة ، ومدى استحقاق كل طرف منهم في " غنيمة " العراق! طامة كبرى دفع ثمنها المواطن. توصل قادة الكتل لصيغة تشكيل حكومة بعد سلسلة مفاوضات ضمنت في اتفاق اربيل دون ان تفعل فقرات الاتفاق الجوهرية ، وضلت نقاط خلافية بين القانون و العراقية ، فرفض الرئيس المالكي مرشحي القائمة العراقية لشغل الدفاع ،وصلاحيات مجلس السياسات الاستراتيجية تعد ابرز قضايا الخلاف بين القائمتين . ناهيك عن مبدأ الشراكة في صناعة القرار السياسي ، والتوازن " الوطني " كما يسميه البعض في دوائر ووزارات الدولة .

عودة للإدارة بالوكالة ، فبقاء وزارات الدفاع و الداخلية و الامن الوطني وجهاز المخابرات بدون وزراء اصليين مخالفة قانونية واضحة لنص الدستور اعلاه ، و فيه تعطيل للعمل الحكومي بأهم جانب حيوي للمجتمع ، إذ ارجع مواطنون ومراقبون للشان الامني اسباب تدهور الامن الى غياب الوزراء الامنيين خاصة ان ملف الامن يعد من اكثر ملفات العراق سخونة و اهمية تتعدى البعد الامني للسياسي المحلي و الاقليمي .

التحاق وزارة الكهرباء بعد استقالة الوزير بركب الوزارات الشاغرة ، كإحدى ابرز واهم الوزارات الخدمية دليل فشل حقيقي يتحمله الساسة ،على الرغم من ان رغبة المالكي بترشيق الحكومة تبدوا في محلها الا ان حاجة الشارع العراقي الى افعال وليس اقوال ،فنترقب الى الان اعلان الترشيق الحكومي رسميا ، و تسمية الوزراء الامنيين وملئ المراكز الشاغرة او التي تدار بالوكالة . وفق معيار الكفاءة والنزاهة لا المحاصصة المقيتة التي ادخلت البلاد في دوامة من الكوارث والمآسي دفع العراقيون ثمنها باهظا على مدى سنوات طوال.وهذا ما لا نتوقعه من حكومة ركن فيها الاستحقاق الانتخابي للجماهير على جنب و تشكلت على أسس محاصصة سياسية طائفية قطعت شوط كبير من عمرها تدار بالوكالة ! .

الواثقون بالله/ رأفت محمد السيد


"الثقة " من الموضوعات الشائكة التى قلما نجدها بين الناس فى هذا الزمان ، فالثقة فى معناها هى صفه رائعه تنشأ بين الافراد وتتولد نتيجة موقف أو عدة مواقف إيجابية تحدث فتعكس نوع من الإرتياح والإطمئنان لدى شخص أو مجموعة أشخاص ، والثقة أنواع فمنها الثقة بالنفس والثقة بالأخرين ، والثقة بالله وهى أعظم أنواع الثقة والتى لو تحققت بإيمان صادق وعقيدة قوية لتحققت ثقة الإنسان بنفسه وكذلك ثقته فى الاخرين وثقتهم به، فالثقة بالله هى أمر عظيم قد نغفل عنه كثيراً فى حياتنا لاسيما وأن أغلبنا لم يتعلم حتى هذه اللحظة كيف يثق بالله ؟ فما أعظم الثقة بالله ، ومااجل ثمارها ، وماأحوجنا اليوم إلى هذه الثقة لنعيد بها توازن الحياة التى إنهارت من حولنا ، وإذا أردنا أن نتدبر كيف وثق السابقون بالله فأمدهم بثقة فى انفسهم وثقة الأخرين فيهم ، فعلينا أن نتدبر فى الامثلة التى وردت بالقرأن الكريم وسيرة الانبياء والصحابة رضوان الله عليهم جميعا ، تلك الامثلة التى ضربها الله لعباده للتدبر والتعلم والإستفادة منها ، ولنبدأ بسيد الخلق وحبيب الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما كان فى غار حراء هو ورفيقه سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه وارضاه وكان الكفار يقفون على باب الغار فيقول أبو بكر للنبى صلى الله عليه وسلم "لو نظر احدهم تحت قدميه لرأنا " فيرد النبى بنبرة الواثق فى الله ويقول له ياأبا بكر ماظنك فى إثنثن الله ثالثهما : إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ‏}‏ ‏[‏سورة التوبة‏:‏ آية 40‏] لو تدبرنا هذه الايه جيدا لوجدنا مدى ثقة الرسول صلى الله عليه وسلم فى ربه وثقته بأن النصر من عنده فكانت نتيجة هذه الثقة سكينة واطمئنان أنزله الله على قلب نبيه ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أيد الله نبيه بجنود الخفاء من الملائكة تؤازره وتقف إلى جواره وهذه هى نتيجة الثقة بالله والتوكل على الله ، فالثقة بالله تعطى للإنسان الثقة بنفسه وثقة الأخرين به – ولنتذكر معا قصة سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء عليه وعلى نبينا افضل السلام مع الملك الطاغية "النمروذ " فعندما ألقي سيدنا إبراهيم في النار ، لم يخف ولم ترتعد فرائسه لأنه كان واثقا فى أن الله لن يتركه ولن يخذله أبدا فقال بعزة الواثق بالله "حسبنا الله ونعم الوكيل" فجاء الأمر الإلهي ردا طبيعيا على ثقة إبراهيم بربه القدير القوى " يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم" فتصير النار بأمر من يقول للشئ "كن فيكون " بردا وسلاما على نبى الله وخليله فلو قال الله يانار كونى بردا على إبراهيم لمات إبراهيم من شدة البرد ، ولكنه أراد حفظ إبراهيم من حرارة النيران وكذلك من شدة البروده التى ستكون عليها النار بالأمر الإلهى "كونى بردا " فكانت بردا يطيقة أبو الأنبياء ليخرج سالما دون أذى - الامثلة كثيرة ولناخذ منها العبر والثقة بالله فهذه هى السيدة هاجر التى تركها زوجها سيدنا إبراهيم هى ورضيعها سيدنا إسماعيل في واد غير ذي زرع فى صحراء قاحلة وشمس ملتهبة ووحشة وهى تسأله يا إبراهيم لمن تتركنا ؟! قالتها وهى فى داخلها ثقة بالله ربها ورب إبراهيم لكنها قالتها فقط لتسمع من زوجها إبراهيم كلمة يطمئن بها قلبها فلما علمت أنه أمر إلهي قالت بعزة الواثق بالله "إذا لن يضيعنا " ماأعظم هذه الثقة بالله ، فما كان من الله نتيجة ثقة السيدة هاجر واطمئنانها بأن الله لن يضيعها هى ووليدها أن فجر لها ماء زمزم وخلد سعيها .. ولو أنها جزعت وهرعت لما تنعمنا اليوم ببركة ماء زمزم ، هذا مثال أخر أسوقه لنتعلم كيف نثق بالله فلنتامل في أولئك القوم الذين قيل لهم "إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم" .. ولكن ثقتهم بالله أكبر من قوة أعدائهم وعدتهم .. فقالوا بعزة الواثق بالله "حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء" الثقة بالله يجب ان تعود من جديد حتى نذوق حلاوتها فما أجمل أن تجدها في ذلك المهموم الذي هام على وجهه متوسلا إلى الله فى نفسه مناجيا الله بعزة الواثق بالله أن يقضي دينه أو يحمل عنه شيئاً من عبئه فيجد الله إلى جواره ملبيا دعوة الداع له ، إن الثقة بالله تجدها في ذلك الذي مشى شامخاً معتزاً بدينه هامته في السماء بين قوم طأطأوا رؤوسهم يخشون كلام الناس ، الثقة بالله فى كل الأمور وأولها أن الله هو الرزاق فلا يخشى واثق بالله أن رزق الله لن يأتيه ولكن بشرط السعى من اجل الحصول على هذا الرزق فقد صدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عندما قال " لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم مثل الطير تغدو خماصا وتعود بطانا " ومعنى حق توكله هى أن يكون لديك الثقة بالله فى انه سيرزقك ولكن عليك أن تكون كالطير تخرج فى الصباح جائعة خاوية بطونها ولكنها اثقة فى خالقها أنه سيرزقها فتعود بثقة الله مليئة البطون ، أخى فى الله يجب أن تمتد ثقتك بالله فى أن أحدا لايمكن أن يصيبك بضرر أو بنفع مهما بلغت قوته أو منصبه إلا إذا أراد الله لك هذا الضرر أو هذا النفع مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " قل لو إجتمع الإنس والجن على أن ينفعوك بشئ لن ينفعوك بشئ إلا بشئ قد كتبه الله لك ، ولو إجتمع الجن والإنس على أن يضروك بشئ لن يضروك بشئ إلا بشئ قد كتبه الله عليك – إن الواثقون بالله هم الاعلون دائما لأنهم بإيمان المتوكل وضعوا ثقتهم بالله فلم يضيعهم ، أليس من العقل والحكمة أن نتعلم كيف نثق بالله لنذوق حلاوة هذه الثقة ونحظى بمنزلة الواثقون بالله .