على عتبة السقوط وبين نهايات الطغاة اي نهاية سيختار بشار الاسد/ لافا خالد

سؤال الساعات الاولى للثورة. (هل تستمر المظاهرات ام تتوقف؟ ) استمرت الساحة وانتظمت الشعارات لتتحول الثورة الى افق وقزح، بعد تعمق وانتشار ومد ثوري ما زال يمد بموجه رحلة المركب السوري نحو الانعتاق من عبودية اربعين عاما من حكم عائلة الاسد التي اهلكت البلاد والعباد وعاثت في الارض قتلا ونهبا وخرابا ودمارا .
سؤال الاسابيع الاولى للثورة، (هل يُسقط الشعب نظام القمع ام يخرج نظام العائلة الممتزجة بهرمية الحزب واجهزة القمع من فوهة البركان مُسقطا للشعب)؟ ، لم يدون التاريخ قط ان نظاما اسقط ارادة شعب حر اختار الحرية مطلبا والثورة سبيلا للحياة ، فبرزت اسئلة مختلفة تصب في ذات الهدف، (كيف تكون نهاية النظام)؟. بتدخل دولي ام اصطفاف مختلف للجيش، من خلال انهيار مؤسسات الحكم في نقلة تحول تراكم كمي لبدايات حلم نوعي ومتنوع، هي اسئلة الاسابيع الاخيرة لنهاية نظام دموي يسبح في بركة الدم كي ينقذ مراكب قمعه من الغرق .
ان تناولنا نهاية النظام في ضوء تعليق الجامعة العربية لعضوية اعضاءها ,ومن ثم العقوبات وارسال مراقبين وتجميد عملهم على خلفية تصاعد العنف الممنهج ضد الشعب الاعزل من قبل النظام القاتل واليوم بتوجه الجامعة العربية لمجلس الامن للخروج بموقف موحد لاجبار الاسد على التنحي قبل أن يجر البلاد لما هو كارثي أكثر
، فهناك ثلاث تعليقات، وثلاث نهايات، لثلاث انظمة حكم عربية.
التعليق الاول كانت لعضوية مصر في عهد "السادات" بعد توقعيه لمعاهدة الصلح مع اسرائيل في كامب ديفد، نهاية النظام كان باغتيال السادات وابقاء الخطوط العامة لنظامه، لان جوهر النظام كانت متوافقا مع الخط العام للسياسات العربية والاقليمية والدولية. احتمال اغتيال رأس النظام واردة في المشهد السوري، ان كان العملية ضمن مؤسسة النظام او خارجه فان الاغتيال لن يوقف عملية التغيير الكبرى التي تطالب بها القوى والاحزاب والتنسيقيات الشبابية في سوريا وخاصة ان تغيير النظام تغيرا فوقيا مع ابقاء الخطوط العامة لسياسات سوريا الاسد الثاني وريث الاسد الاب لا يتناغم مع المطالب الاقليمية والدولية المتصاعدة فرض اجندتها ونظرتها ورؤاها للشرق الاوسط الكبير. اذن عملية الاغتيال لن تنجح بالمحافظة على النظام بل تمثل ضربة قوية لانهاءه.
التعليق الثاني كان لعضوية العراق بعد احتلاله للكويت، لم يكن التعليق منطلقا من فراغ سياسي، كانت اجابة عربية اكثر من كونها رسالة للمنظمة العربية، كان تناسقا وتناغما للجهد العربي مع الاقليمي والدولي لإنهاء نظام البعث في بغداد. السيناريو انتهى بنهاية نظام صدام حسين ولكن بعد حروب وصراعات قومية ومذهبية في العراق انتهى بتدخل دولي لم ينهي الصراع الهوياتي في العراق، عمقه تحول المحرر الاميركي من وجهة نظر الشارع العراقي الى محتل لدى شريحة واسعة من العراقيين. الموقف العربي بتعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية هي رسالة جوابية للموقف الاقليمي والدولي تجاه النظام، هو بداية تدخل اقليمي ودولي في الشأن السوري، بداية تحرر سوريا من نظام قمعي شوفيني. ويبقى السؤال المطروح بجوانبه الايجابية والمخيفة ( هل سيتكرر المشهد العراقي بتفاصيله في سوريا)؟ ان بعض الاجابات تتحدد مسبقا من خلال طبيعة النظام الحاكم في سوريا ما بعد الاسد وطريقة تعاطيها مع بناء دولة مدنية ديمقراطية تضمن حقوق الانسان والقوميات والديانات المختلفة في سوريا. ان حالة التشتت والتنافر بين اطراف المعارضة السورية وعدم طرح المعارضات السورية رؤيتها الواضحة على صعيد طبيعة النظام السياسي يقلق الكثيرين لا في داخل اطراف المعارضة بل وقبلها بين ابناء الشعب السوري المتنوع في هوياته.
التعليق الثالث كان من حصة ليبيا معمر القذافي. جاء التعليق بعد فشل الجامعة التي لا تملك الادوات في ترجمة قراراتها على ارض الواقع ومن ثم اعطاء الضوء الاخضر عربيا للتدخل الدولي. التدخل جاء بعد تحرر عدة مدن ليبية ومن ثم تحول تلك المدن لبؤرة ثورية ومنطلق صوب العاصمة. السيناريو الليبي محتمل بل ومرجح تكراره في سوريا، فبعض المدن الكبيرة محررة بشكل عملي ولا تخضع لسلطة الاسد، مدن ترتكب فيها فضائع وجرائم، مدن قد تتحرر من سيف ديموقليس البعث المسلط ان قرر المجتمع الدولي بحمايتها. هكذا سيناريو يصطدم بمواقف اقليمية مؤثرة مازالت تراهن على بقاء النظام بل ومتخندق معها من منطلقات مذهبية كما هو الحال مع الموقف الايراني والعراقي وحزب الله حيث نزعوا عباءة البعث عن النظام السوري والبسوه عباءة مذهبية لم ولن يدعيها النظام الا كورقة اخيرة لتحويل الصراع الى صراع مذهبي طائفي .
بين نهايات، السادات، وصدام، والقذافي، يبحث الاسد عن نهاية مختلفة وهو يدرك اكثر من غيره بان كل الطرقات تؤدي لنهايته بالسقوط الحتمي . وخياره هو ان يختار أية نهاية، قبل ان يقرر ثوري من ثوارنا الشباب طريقه وطريقته.

سنة أولى حراك .. مفرداتها ومنطلقاتها/ د. عيدة المطلق قناة

عام مضى شهد الأردن خلاله وما يزال "انتفاضة سياسية شعبية" تطالب بالإصلاح .. انتفاضة ضد الاستبداد والانفراد والاستئثار .. وضد الفساد .. خاصة وأن مؤسسة الفساد قد تغولت عبر إسناد أمني وحملات ضارية تستهدف تكميم الأفواه وكسر الأقلام وقطع الألسن.. حملات وضعت قوى الإصلاح- وفي مقدمتها الحركة الإسلامية – في بؤرة الاستهداف تحريضاً وتجييشاً وتشويها واغتيالاً للشخصية وتشكيكاً بالنوايا والمواقف..

واليوم يجد الأردنيون أنفسهم في مواجهة مع أزمات مركبة تتعدد ملفاتها .. وفي جوف كل ملف منها يكمن العديد من الأورام وصواعق التفجير.. حتى بات الوضع سوريالياً يستعصي على التفكيك والفهم السوي .. وضع تتعدد مفرداته وتجلياته لعل منها :
1. مجلس أمة - بشقيه - تحول من حصن للشعب وعين على الحكومة .. إلى خصم للشعب .. مجلس يهرب النصاب بأوامر حين تكون ملفات الخصخصة والفساد على جدول أعماله .. جدول يغادر دوره ليتفرغ للتوعد والتهديد بتكسير الرؤوس بـ"القنوة" تارة .. وبيد من حديد تارة أخرى..!!
2. حكومات عاجزة عن قيادة البلاد ؛ تراهن على الوقت والتعب والملل.. لا إصلاح في الأفق، بل استغراق بالانشغالات اليومية وبالوعود التي سرعان ما تتهرب منها الحكومات عند أول مفترق ..
3. ذهنية أمنية تصر على إبقاء قبضتها الحديدية على الحياة السياسية .. فتحول دورها من حماية الشعب ومقدرات الوطن وحماية الانتخابات وإرادة الشعب الحرة المستقلة ..إلى ضرب الشعب وقمعه وإجهاض حراكه والاستهتار بغضبه بلغ حد التباهي بالاعتراف العلني بالتزوير..
4. ممارسات رسمية متناقضة يشوبها المراوغة والتلاعب بسنن التغيير.. ومحاولات التفاف على مطالب الإصلاح وإيقاف عجلته ووأد الحراك الشعبي !!
5. قوى الشد العكسي : تعمل هذه القوى ضد رموز الوطن وقياداته وقواه الإصلاحية.. مهمتها وضع العصي في دواليب الإصلاح .. وتأزيم الوضع كلما تحركت ملفات الفساد، حتى قال فيها "الملك" بأنها "تقف في وجه الإصلاح" ..
6. لجان التحقيق المتكاثرة : فأعمال العنف وتخريب ممتلكات المواطنيين والاعتداءات المتكررة عليهم، وارتفاع وتيرة التوتر دفعت بالحكومة إلى تشكيل العديد من لجان التحقيق ولكن هذه اللجان لم تسفر عن شيء حتى تاريخه .. مما يتسبب في ارتفاع منسوب التوتر المجتمعي .. حتى... " طفح الكيل"!!
7. المشككون والمتربصون والمصابون بالعمى السياسي: دأبوا على نفث سموم الفتنة والتأجيج والتهويل .. فانحصرت مقارباتهم لقضايا الوطن الكبرى بالتخويف من فزاعات الإسلاميين والجغرافيا والديمغرافيا.. خطابهم متناقضاً .. محملاً برسائل التضليل والاستخفاف بوعي الناس وعقولهم..

كلها مفردات لنهج سياسي أمني يستهدف إعادة إنتاج الخوف .. بإطلاق فزاعات الإيديولوجيا والمنابت والأصول والوطن البديل.. وافتعال الصراعات .. والعبث بالنسيج الاجتماعي.. والاستقواء بحلف غير مقدس بين أصحاب النفوذ والمال لضرب الحراك الإصلاحي .. وترسم المشهد السياسي المجتمعي القائم على التأليب المنهجي لمكونات من المجتمع ضد مكونات أخرى ، وعلى التهميش والاستقواء بالبلطجة (التي أخذت تزداد شراسة مع ارتفاع وتيرة الحراك والمطالب) ..

مفردات أنتجت حالة استقطاب مركبة .. نشأ على ضفافها حملة أمنية منظمة.. وتجييش غير مسبوق .. وسعي لا هوادة فيه لتشويه صورة الحراك الإصلاحي بعامة والحركة الإسلامية بخاصة ..

مفردات المرحلة ومخرجاتها وحالة الاستقطاب كلها وضعت قوى الإصلاح أمام تحديات واستحقاقات أولها تحدي التوحد على الأهداف الكبرى دونما الاستغراق بالتفاصيل .. كما وضعتها أمام استحقاقات أهمها ضرورة المراجعة وإعادة النظر في الوسائل والأدوات انطلاقاً ..وأمام الانطلاق للمرحلة التالية بالتخطيط ومراعاة جملة من القواعد الأساسية لعل منها :
1. حق الشعب الأردني - كما الشعوب العربية- بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة.. وهذا يقتضي مسار ديمقراطي ممنهج يوحد الجميع تحت مظلة وطنية جامعة ومتماسكة..
2. الإصلاح مسيرة دائمة طالما أن هدف الإصلاح النهائي هو تحقيق مبدأ "الشعب مصدر السلطات" .. وإعمال مبدأ تداول السلطة ، بالاحتكام الدوري لصناديق الاقتراع
3. الحراك الإصلاحي في الأردن ليس ترفا ولا محاكاة.. بل هو ضرورة حتمية .. يستمد شرعيته وقوته من قوة الحق وسلمية الوسائل .. فـ{ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب}!
4. الإصلاح ينهض على أكتاف كل الأردنيين ولمصلحتهم جميعا .. ويتطلب تعزيز الوحدة بين جميع مكونات الشعب .. واحترام هذه المكونات ..
5. الحركة الإسلامية جزء مهم من نسيج الوطن ، وعنصراً مهماً من حراكه السياسي ورأس حربة في مشروعه الإصلاحي..
6. هيبة الدولة تتحقق بالنزاهة والشفافية والمصداقية والعدل بين الناس... ورفع الحصانة عن الفاسدين .. وتقديمهم إلى المساءلة القانونية
7. المشاركة الحقيقية في الحياة السياسية تتطلب إرادة حقيقية للسير نحو الإصلاح الجذري بالقوانين والتشريعات والممارسات،

الأردن اليوم أمام تحديات داخلية وتهديدات خارجية .. ولا يمكن الوقوف في وجه هذه التحديات والتهديدات إلا بإعادة السلطة للشعب.. وكف أيدي العابثين .. فالأردنيون يريدون وطنا آمنا ًمستقراً..و دولة مدنية ديمقراطية .. ووطناً خالياً من الفساد والأزمات !!

eidehqanah@yahoo.com

تجديدُ جُدُرُ الحمايةِ ضد الغزو الصهيوني/ دكتور أحمد محمد المزعنن

(مقاربة منهجية لبناء مقياس سيكوـ سوسيولوجي) (في ضوء الآية 82 من سورة المائدة)

مدخل معرفي

في هذا الجو المليىء بالفوضى المعرفية،اختلطت المفاهيم نتيجة لتشابك المواقف السياسية التي تمليها سياسات مكنت للعدو اليهودي الصهيوني،واخترق هذا العدو جُدُر الحماية من ثغرات طالما خدمت أغراضه،ووفرت له الوصول إلى المفاصل الضعيفة في جسد الأمة،ولم يأبه الكثيرون لمقياس يقاس به القول والعمل في علاقتهما بالإيمان وبأركانه فيما يتعلق بالمواقف من هذا العدو اليهودي الصهيوني الغازي المتحالف مع الكنيسة الكاثوليكية،والمسخر لطاقات المسيحيين ممثلة حاليًا في السيطرة على أصحاب القرار في الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ توريط اليهود لتلك الإدارات في حروب خارج القارة الأمريكية كاسرة بذلك مبدأ العزلة الذي فرضه مبدأ مونرو James Monroe([1])الذي صدر عن الرئيس الخامس للولايات المتحدة جيمس مونرو الذي عاش بين (1758م – 1831م) وتولى الرئاسة في الثلث الأول من القرن التاسع عشر بين (1817م -1825م)،وأغرقوها في أوحال سياسات العالم القديم،وهم قليلو الخبرة في استيعاب ثوابته ومتغيراته؛مما فتح المجال للكيد والحقد اليهودي الصهيوني للعبث بمقدرات المنطقة،وأتاح لهؤلاء اليهود فرصة للتطلع إلى آفاق لا تعلو إليها رقابهم القاصرة وهم المغضوب عليهم والملعونون من الله ومن الإنسانية التي تنشد الحق والدل والمساواة والتقدم والسلام.

وهذا مقترح مقياس يعتمد على أصل معرفي ورد في الآية 82 من سورة المائدة،وهذه الدراسة المبسطة تذكير وتنبيه إلى أصل من أصول ثقافة الخبر يقدم له الواقع المعيش أوضح الأدلة الواقعية على الصدق البنائي للمقياس المقترح .

تظهر في الحياة الحيوانية بعض الأمثلة على ما يحدث في حياة الجماعات الإنسانية من تحكم قوانين تنظم حياة الجماعة ، ويظهر فعل هذه القوانين التي تطَّرد في تأسيس الحياة الجمعية والمجتمعية في بعض الحالات التي تغزو فيها بعض الحيوانات المجال الحيوي لحيوانات أخرى. يحدث ذلك في مستعمرات النمل وغيرها من الحيوانات ، ولدى بعض الحيوانات قدرات غرزية على تمثل الكثير من معطيات الواقع فتحولها إلى جدر حماية ، وتظهر هذه القدرة الفطرية عند أصغر الكائنات الحية مثل البكتيريا والجراثيم التي تتحوصل وتصنع لنفسها مجالاً حيويًا يحميها من متغيرات البيئة المحيطة إذا أحست بما يهدد حياتها، وفي حياة الإنسان ميول وقدرات لتطبيق تلك الأمثلة ولكن من منطلق تمويهي،ويظهر ذلك لدى الجماعات التي تعيش مرحلة ما بعد الغزو التي عادة ما تتلبس الغزاة فيها حالة من النشوة والشعور بالتفوق الثقافي والحضاري على الطرف المهزوم ؛ فيدفعهم ذلك إلى إخضاع المحيط الطبيعي والبشري لتثبيت المكاسب ، وحماية الأهداف البعيدة بعد تحقيق معظم الأهداف القريبة ، يحدث ذلك من منطلق أمني بكل مفاهيم الأمن الذي تتطور صورته، وتتعدد أشكاله، وتتصاعد ضروراته كلما تحول الطرف الغازي إلى مأسسة المكونات الاجتماعية في الكيان المصطنع،ويخيل للبعض ممن اشترك في إنشاء كيان اجتماعي في وسط غريب بتحكيم منطق القوة أنه بالإمكان فرض ثقافته ونظام حياته،والنمط السياسي والاقتصادي الذي ينشأ ويتطور بمرور الوقت ، ويحاول فرض سيطرة تصوره لأبعاد المكان والزمان،وإعادة صياغة الواقع وفق ما تمليه متغيرات البيئة التي أقام فيها كيانه في وسط معادٍ،هذه الحالة تمثل شروطًا منطقية للسلوك التنظيمي للكيانات الطارئة،وتهون عنده مكونات المحيط وخصائصه العرقية والثقافية،ولهذا الوضع أمثلة كثيرة في التاريخ القديم والحديث والمعاصر،وأصدق هذه الأمثلة دلالة الإحلال البشري التعسفي في العالم الجديد(الأمريكتين وأستراليا) وفي جنوب أفريقيا،وفي الجزائر قبل الاستقلال،وفي روديسيا التي تعرف حاليًا بزيمبابوي والمستعمرون الغربيون في المستعمرات على درجات متفاوتة،ومارسه العرب المسلمون في الأندلس (مع الفارق في المنطلق العقدي والهدف التنويري النهضوي )،وأقوى هذه الأمثلة دلالة على النزعة عند الفريق المسيطر ما حدث ويحدث في فلسطين منذ ما يقرب من قرن من الزمان.

المبرر المعرفي لهذه المقاربة المنهجية:

يستند المبرر المعرفي لبناء ونشر هذه المقاربة المنهجية إلى الأصول المعرفية التي تستمد ثوابتها من القرآن الكريم ومن نصوص السنة النبوية وأحداث السيرة ،ومن الأصول الفكرية والمعرفية والواقعية الثابتة شدة عداوة اليهود للذين آمنوا وعملوا الصالحات،وعداؤهم الصريح الذي ينبع من طبيعة منهجهم المطرد في الفساد والإفساد،وبعد أن مكن لهم الغرب المسيحي من احتلال فلسطين،وعزز وجودهم الأنظمة العربية الفاسدة المتخاذلة المتتابعة فقد نجم وظهر للعيان النمطلق العنصري الإجرامي للطبيعة الإجرامية للمنطلقات الصهيونية منذ أن تجمعت على هيئة عصابات إجرامية احترافية في روسيا وبولندا ووسط أوروبا بعد التخلص من قيود الغيتو اليهودي،وبلغت أقصى مداها في الإجرام على يد شارون الهالك وأركان المدرسة الصهيونية الإشكنازية،وقطع جميع السبل لاحتمال التآلف مع المحيط الذي آواهم بعد أن هربوا من الهولوكست الأوروبي الذي تخلص منهم وقذفهم كالنفايات إلى وطننا في الأرض المقدسة،فهم في الوقت الراهن يصدرون سلوكًا وفكرًا وإجرامًا من المنطلقات اليهودية الإفسادية الإجرامية التي التصقت بهم،ويمعنون في كل ما يتناقض مع الفطرة الإنسانية،ويعاندون السنن الإلهية،ويخالفون النواميس والشرائع التي عملت على إحلال التوازن في الكون.

ومن هذا المنطلق فإننا نؤصل لمرحلة جديدة من مقاومة هذا السلوك الإجرامي الإفسادي اليهودي ،ونذكر بجدر الحماية الفكرية والثقافية التي ثبتت صلاحيتها وصدقها في مواجهة الإفساد اليهودي الذي تمكن من رقاب البشر حاليًا،ويوشك أن يصير منهجًا إفساديًا عامًا أفقد الكثير من الناس مجرد أمل في المواجهة.

ويحاول العدو الصهيوني حاليًا وبدعم من مصادر الإسناد التاريخية في الغرب إقناع الآخرين بتوفر شروط النظام الاجتماعي الطبيعي لديه،ويسوِّق لاحتمال التطبيع مع المحيط الذي اخترق بعض ثغرات حصونه لمعادلة جديدة (التطبيع والاعتراف بلا ثمن مشخص ملموس) ، بهدف خداع مكونات المحيط الطبيعية في المجال؛مما يجعل كل من يقوم بمقاربة منهجية يصدق أنه نظام أصلي في المحيط الذي أُلْصِقَ به،وتوظيف عنصر الزمن ومتعلقاته المادية والثقافية ، وتراكم التراث الإجرامي لمكونات الكيان الصهيوني المدنية والعسكرية التي كانت سببًا رئيسًا في تدمير المحيط حوله،وإرباك إن لم يكن إجهاض كل العمليات الحضارية البنائية في هذا المحيط؛بحيث يستحيل قبول أي حجة داحضة من حجج قبوله في الوسط الطبيعي والإنساني ، وما فعله في قطاع غزة على سبيل المثال (من 27ديسمبر 2008م ـ 21 يناير 2009م) ليس آخر الجرائم التي قام بها من منطلق غطرسة القوة،وتهدف هذه الدراسة إلى تأصيل العداوة الصهيونية في ضوء الواقع الذي توثقه الآية 82 من سورة المائدة ، واستشراف إمكانية بناء مقياس سيكو ـ سوسولوجي يصبح أحد جُدُر الحماية المعرفية في وجه الغزو الصهيوني المهدِد للكيان العربي،والذي يمارس الإفساد والتخريب في الوسط الإسلامي والدولي العام.

المقياس المقترح مقياس ذاتي بمعنى أنه ينطبق على كل حالة فردية،لكنه يعتمد على أصدق المؤشرات العلمية وأعلاها توثيقًا؛نظرًا لأنه ورد في سياق علمي مُنَزَّلٍ من الله سبحانه وتعالى،وهو قابل للتطبيق والقياس وفق خصائص المنهج القرآني،ويعتمد على البناء المعرفي للعلم القرآني،وبرهانه البيان،ومادته العقيدة الصحيحة بأدلتها التي تمثل ثوابت علمية.

أولاً: من وحي بعض متغيرات المرحلة الراهنة

1. (أغلى حذاء في التاريخ:حذاء منتظر الزيدي) لطالما انتظر العرب جميعًا وبلا استثناء هذا الحذاء،وجاءهم وهم في وهدة اليأس والتخبط،فبعث فيهم هذا السحر الدفين من العداء للصهاينة الغزاة،ولرمز رأس الشر والعدوان في العالم (جورج بوش الابن)،إن هذا الحذاء يمثل أكبر مؤشر على ما ينبغي الالتزام به نحو هؤلاء الأعداء، لقد أسقط كل مقولات السفسطة في التعامل مع الصهاينة وحلفائهم (الحوار ومبادرة السلام والتطبيع والمفاوضات) كلها سقطت بضربة أخطأت رأس الشر،ولكنها لم تبتعد كثيرًا عن رمزه ، ومُحال أن تغيب صورتها عن الذاكرة الفردية والجمعية.

2. الدعوات المحمومة لتسويق السلام بلا ثمن: ومنها دعوة وزير خارجية فرنسا العرب إلى التطبيع العملي (مبادرات تطبيعية ورحلات طيران وتطبيع اقتصادي واستثمارات الجمعة 19 / 12 / 2008م) مقابل وقف الاستيطان وليس مقابل الحل الشامل الذي تبناه النظام الرسمي العربي فيما يعرف بالمبادرة العربية للسلام.

3. الشعور المتنامي بالخوف لدى أصحاب مشروع أوسلو مما يحمله عام 2009م من احتمالات بعد ظهور نتائج الانتخابات الصهيونية(نجاح الليكود بزعامة نتنياهو في تشكيل حكومة وحدة صهيونية عنصرية من عتاة الصهاينة اليهود، وتصاعد موجات الاحتجاج والنقد وأحيانًا الإدانة ضدهم وضد مشروعهم ونتائجه التدميرية على الشعب الفلسطيني، وانكشاف عورات منهجهم قبل وأثناء وبعد مذبحة غزة ، وظهور الكثير من الروايات التي تدل على تورط بعض رموز هذا المشروع في العمليات الاستخبارية لصالح العدو الصهيوني في عملية اجتياح قطاع غزة ، وربما من أجل ذلك صدر القرار رقم 1850 عن مجلس الأمن في سابقة جديدة لدعمهم بعد رحلة رايس الأخيرة إلى المنطقة، وإسراع محمود عباس إلى جورج بوش في أواخر أيامه لعله يوصي الإدارة الجديدة ببعض العناية به وبمشروعه ،مع أن الجميع يعلمون هبوط أسهم هذا الرجل بين شعبه،وضعف إن لم يكن انعدام تأثيره في وطنه مع قرب نهاية ولايته،وبعد الحملة النفسية والإعلامية الشعواء عليه بعد حادثة الحذاء، وربما من بين أسباب ذلك كانت المسرحيات المكشوفة في أكثر من عاصمة،التي لعبها رموز النظام العربي الرسمي بهدف التمكين لليهود من تدمير نهج المقاومة،واستمرت طوال العمليات العسكرية في قطاع غزة طوال ما يزيد عن ثلاثة أسابيع وصدور القرار 1860 عن مجلس الأمن الذي تسيطر عليه الصهيونية عبر الولايات المتحدة وحلفائها .

4. التضليل المعرفي وتعدد صور الشرعيات تحت وطاة العجز والانقسام : تتعرض ثوابت القضية الفلسطينية الحالية لعبث مقصود يهدف إلى اختراق الثوابت التي لم يتجرأ إلا القليلون على المساس بها،وحتى هذا البعض فقد تسلل إلى تلك الثوابت تحت ستار تمويهي سالكين طرقًا (التفافية) أوهموا فيها أصحاب الحقوق الثابتة بأنهم يقومون بعمل شرعيٍّ مرحليٍّ وصولاً إلى الحلم الحقيقة الذي يسكن وجدان وضمائر شعب طُرِد من أرضه في أزهى عصور التنوير ، وكان الجميع يعتقدون أنهم راجعون(غدًا) إلى منازلهم وأراضيهم ، حتى صدمتهم جبال الواقع التي جعلت هذا(الغد)يستطيل ليغدو عقودًا من المستحيلات التي كرستها عوامل الداخل والخارج، وكانت سلطة أوسلو وفريق عباس أبشع تجسيد لها ، ويدور حاليًا حوار بين النخب في الواجهة الثقافية للأمة يتناول قضية تجنَّب الكثيرون الخوض فيها من منطلقات عقدية خشية الوصم بدعوى (السامية واللاسامية)التي ابتدعها الفكر الصهيوني الغائي كدعم احتياطي لابتزاز كل من يدخل في دائرة الوصم لأي فريق يصنفونه بأنه عقبة في طريق تحقيق خططهم التدميرية الإفسادية.

5. شدة عداوة اليهود الصهاينة الغزاة المحتلين (للذين آمنوا)الذي تجسد في كل (الذين آمنوا) من الشعب الفلسطيني وكل (الذين آمنوا ) من بني البشر مما يتناقض مع (ما يؤمن به) الغزاة الصهاينة المحتلون من أشكال التزييف ، وأنواع القهر والظلم ، وكل الممارسات السلوكية المرضية التي كان بعض من ينتمون إليهم أكثر توفيقًا في تجليتها في الشخصية السيكوباتية من منطلقات إنسانية ، فليس صدفة أن يكون سيجموند فريد ومعظم علماء التحليل النفسي الذين كشفوا عن هذه السمات بطرق علمية موضوعية هم من اليهود .

عداوة اليهود للذين آمنوا موضوع تناوله القرآن الكريم في منهج كامل ، ويسميهم باسمهم الذي يصرون حاليًا على الرجوع به إلى الواجهة الحضارية والثقافية ليكون دليلاً وجوديًا معاصرًا على إعجاز العلم القرآني في البيان والإخبار بما كان،وتفسيرًا لما هو كائن في كل مرحلة من مراحل الحضارة الإنسانية،ووصفًا لما سيكون؛بحيث يراه الناظر في النصوص القرآنية وأحداث السيرة النبوية المشرفة رأي العين المشاهدة،والأذن السامعة المستقبلة لمؤثرات الواقع،ويلمسه لمس اليد الحاسة للمدركات،ويشم روائحه المادية والمعنوية ،كما يحدث عندما يدخل الفرد تجربة حسية حقيقية،مع توفر شروط سلامة التجربة الذاتية والموضوعية .

6. المتغير الفارق في المرحلة الحالية:هو ما يُعرف بالمبادرة العربية للسلام التي جرى نفض الغبار عنها ،والترويج لها في بعض الصحف ، ومواقع شبكة الإنترنت ، وأعيد تكرار الالتزام بها ف يقمة الكويت والمناسبات التي تلتها كورقة رهان لتجار أوسلو الذين ألصقوها بالأمتين العربية والإسلامية ، وما هي إلا إفراز لحالة الضياع والتخبط والتشتت التي تعيشها هذه الأمة ، وتعبير عن أزمة ثقافية ومعرفية خلفتها عقود من البعد عن الثوابت ، وإحياء النعرات ، وغلبة الخلافات ،والإفراط في التقوقع القطري ودلالاته المادية والثقاقية ، وتحكمُ بعض الأقليات من أهل الأهواء في مصائر شعوب أمة غير قابلة للقسمة إلا على الواحد الصحيح،وجريُّ البعض وراء سراب تقليد الأجانب في الهابط من القيم والمتدني من الغايات، بدلا من تقليدهم في مناهج الفكر التي تبني الحياة بناءً قويمًا،وتسخر في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية التي تتراكم في الأبنية الاجتماعية لشعوب ومجتمعات الأمة، فتفجر الخلافات،وتزيد من عقبات العيش السلمي بين الجماعات التي عاشت قرونًا طويلة في وئام وتماسك وتكافل وتساند، والتقاعس عن البحث عن الأمور المشتركة التي توحد ولا تفرق،تجمع ولا تشتت،تلك الحالة التي كرست نوعًا من الفصام بين العقيدة والسلوك ،بين التاريخ والواقع ، بين الساسة وولاة الأمور والشعوب،ومثل هذه الحالة تشكل عوائق أمام أي عمل نهضوي حقيقي،فهي تنشر مشاعر الضعف والإحباط ، وتولد الأحقاد والضغائن،وتعيق الحركة العامة للأمة في سعيها لبناء كياناتها،والإعدادالمستقبل لصالح الأجيال القادمة.

7. ويبدو أن القصد الواضح من نشر هذه (الوثيقة) بعد أن تجاوزتها الأحداث، وطواها النسيان،واندفاع عباس وفريقه في طريق الكذب الممنهج هو الترويج لمنهج متهافت ابتدعه المذكور وفريق أوسلو المشؤومة،وتقديم الدعم لما يُطلِق عليه الساسة العرب (الشرعية الفلسطينية) حيث دفعوا هذا الفريق إلى الواجهة في مغامرات عشوائية (غير محسوبة العواقب) تهربًا من مجمل الأمة عن تحمل تبعات المرحلة،وتخليًا عن المسؤولية الدينية والقانونية والأدبية والأخلاقية التي تفرضها تبعات مواجهة الصهاينة في هذه الظروف الحالية التي تمر بها القضية الفلسطينية؛ولما لمسوه في الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى من مظاهر الممانعة والمعارضة المتصاعدة ، والتي تتجلى في رفض منهج الانهزام ، والتسليم بما يطالب به الصهاينة وحلفاؤهم مما يتصادم مع أصول وثوابت عقيدة الأمتين العربية والإسلامية ، ويتناقض مع مصالحهما الحقيقية،ونتيجة لظهور الدعوات في كل مكان للوقوف في وجه العدو الصهيوني الغازي،وتسفيه ما أقدم عليه عباس وفريقه من التنازلات ، وضرورة دعم منظمة حماس التي فازت في الانتخابات عام 2006 م ، ورفضت السير في طريق أوسلو بلا ثمن ملموس يوازي التضحيات في سبيل الوصول إلى الاعتراف بالحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني التي لا تسقط بالتقادم ، ولا بالتنازل الذي لا يستند إلى تفويض حقيقي من أصحاب تلك الحقوق،وكما هو معلوم من نتائج المفاوضات العبثية لسنوات طويلة بلا جدوى.

8. قد يبدو في لحظة من اللحظات أن جُدر الحماية لدى الأمة قد تصدعت أو انهارت،وأنه لا مناص من الاعتراف بالعدو الصهيوني الغريب ليصبح جزءًا من الكيان المعرفي والواقعي في المنطقة العربية،وإذا كانت الأنظمة الرسمية قد سارت قدمًا في هذا الطريق كتعبير عن تلاقي المصالح بين بعض قطاعات تلك النظم مع الصهاينة في المجالات الاقتصادية،فإن التنافر الثقافي والعقدي والتاريخي والوجودي بين الغالبية العظمى من الشعب العربي وبين الصهاينة يفرض نفسه كحقيقة أزلية بموجب الأصول الوجودية لهذه الأمة،وتفعيلاً للشروط الموضوعية للبقاء التي لا تستثني أي جماعة بشرية طبيعية أصلية نقيضة للغزاة الصهاينة المحالين،وعلى الشعوب العربية أن تعيد تجديد (جُدُرِ الحماية) التي تحافظ بها على سلامة أبنيتها المعرفية،وأن تصر على فعالية تلك الجدر،ودوام أدائها لوظائفها الأزلية،فالمواجهة مع اليهود الغزاة من الصهاينة الحاليين مواجهة أزلية حتمية قدرية،وحسمها لن يتأتى بأي حال من الأحوال بالطرق السلمية مهما تصاعدت هنا وهناك الدعوات التي تصدر عن حالة الضعف والتشتت والانهزام،فإذا انهارت جُدُر الحماية في محيط الحكام وولاة الأمور من الساسة،ومن يحيط بهم،فإن لدى الشعوب العربية والإسلامية طاقات هائلة من الإمكانات لتجديد بناء جدر الحماية المعرفية والثقافية لعزل العدو الغازي كحتمية لحفظ البقاء،وتأسيسًا لمرحلة قادمة حاسمة،ومنعه من اختراق الحصون العقدية والفكرية في كل مستويات الأنساق الاجتماعية في أقطار الأمة،وهذا أمر لا دخل فيه لكل من يغفل عن قراءة التاريخ والواقع وفهم متغيراته بأسلوب علمي ، ولا يقوى أحد على التدخل في صياغته أو تشكيله إلا في حدود ضيقة،فالأمم والأوطان هي الباقية،والحكام زائلون،والأيام دول،والأرض لله يورثها من يشاء من عباده،هكذا ينبغي أن تفسر الحالة الراهنة في هذا الوقت الصعب من حالة الأزمة.

9. ومن المتغيرات الفارقة أيضًا اندفاع فريق أوسلو المشؤومة في طريق الكذب الممنهج،والعبث في ثوابت القضية الفلسطينية ،وفي ظل الفوضى المعرفية التي نتجت عن مشروع أوسلو،وفي إطار بحثه عما (يُبَيِّض وجهَه) يندفع فريق أوسلو في طريق ممنهج من الكذب بصيغ جديدة بهدف تثبيت الأمر الواقع الذي وصل إلى طريق مسدود،والاستمرار في العبث في ثوابت القضية الفلسطينية،فتجمعوا في موسم الحج لهذا العام (1429هـ ) استغلالاً لما يوفره لهم النظام الرسمي العربي حاليًا باعترافه لهم بشرعية ناقصة مشوهة،تبريرًا لحالة التهرب والعجز بحجة استقلال القرار الفلسطيني،وظهرت بعض أهداف عباس من حضوره موسم الحج عندما فاجأ الجميع وهو بملابس الإحرام في يوم التروية بكذبة ملفقة ساوى فيها بين موقف حماس من مشكلة حجاج غزة وبين منع مشركي قريش للحج،وممارسات القرامطة في مكة المكرمة عام 319هـ،عندما قام زعيمهم المعروف بسليمان بن الحسن بن بهرام المعروف بأبي طاهر بمهاجمة مكة المكرمة، وقتل من الحجاج أكثر من عشرين ألفًا،وهدم زمزم،وملأ المسجد بالقتلى، ونزع الكسوة، واقتلع الحجر الأسود من جدار الكعبة،وسرقه إلى مقرهم بالأحساء،وبقي الحجر هناك عشرين سنة إلى عام 339هـ (تاريخ مكة للأزرقي).

10. تكريس الانقسام في الموقف الفلسطيني،والانحياز العربي الرسمي كليًا إلى سلطة أوسلو العميلة ناقصة الشرعية،واعتراف فريق أوسلو (ظاهريًا)بفشل نهج المفاوضات العبثية،ورغم ذلك فإن هذه السلطة العميلة بممثليها هابطي المؤهلات،فاقدي الأهلية والشرعية،فاسدي الذمم الوطنية لا زالت على نهجها في الكيد لنهج المقاومة والأحرار من الشعب الفلسطيني.

11. تمايز المكون الانحرافي الإجرامي بمكوناته وخصائصه التي بسطناها في موضع سابق،وسكوته أو تأييده للحرب على المقاومة الفلسطينية فيما بين العامين الميلاديين (2008م و 2009م)وتدمير غزة وحصارها،وإصرار مصر على تركيع المقاومة،وإذلال الشعب في غزة ببناء الجدار الفولاذي بتمويل أمريكي.

12. سقوط وانهيار الثوابت العربية العامة التي حكمت الصراع مع هذا العدو اليهودي الصهيوني الغازي،وضرورة إعادة تفسير الصراع على أسس جديدة،واحتمال أن تستغرق التغيرات الكبرى التي وقعت في البلاد العربية،وتتطور إلى أحداث جزئية تستنفذ طاقات الامة نوتربك قواها السياسية،وتستنزف قدراتها البشرية والمادية،وتحرفها عن مسارها كما حدث في مصر ،وما يحدث في سوريا وفي ليبيا،وما تنذر به الأحداث في أكثر من موقع من العالم العربي ،ويبدو من سياق تلك الأحداث أنها ستصرف الأمة نهائيًا عن الصراع مع اليهود المحتلين،هذا إذا لم يكن بعض ما تسفر عنه الانجراف الكلي نحو التطبيع مع اليهود كمظهر من مظاهر الاعتراف بالجميل للغرب والقوى الخارجية من الأنظمة الجديدة ،أو كنوع من استهواء الذات بالرغبة في الظهور بمظهر الأنظمة الإنسانية التي قد تقع في شرك الشعارات اليهودية البراقة الخادعة في التقارب بين الأديان أو التسامح حتى مع محتلي الأوطان،وهذا متوقع من الممثلين الجدد الذين تأتي بهم الانتخابات من الطرفين المتناقضين.

ثانيًا:ثوابت الواقع المعرفي

1. حقيقة طبيعة الكيان الصهيوني: الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين كيان عدو عداوة أولية ،ونقيض تاريخي ووجودي وعقدي،ولا عبرة بما طرأ على العلاقات مع هذا الكيان العدو من اتفاقيات فرضتها متغيرات مرحلة يُفترض أن يعاد النظر في أوضاعها،ومن لديه أدنى شك أو اعتراض على هذه الواقع التاريخي والمادي والوجودي فليراجع سلوك جنود الصهاينة الذين كانوا يقرأون كتبهم التي تحثهم على ممارسة الإجرام،وعلينا جميعًا أن نتذكر ممارسات هؤلاء اليهود في قطاع غزة طوال ما يزيد على ثلاثة أسابيع .

2. الأصول المنهجية للعداء الإسلامي العربي ليهود الخزر الصهاينة المحتلين لفلسطين وبعض الأراضي العربية ينبع من الحق الطبيعي للدفاع عن النفس والوطن،وهو حق فطري كفلته الشرائع السماوية والقوانين الوضعية التي تواطأت العقول السليمة على احترامها والإقرار بها،وأصبحت ثوابت إنسانية لا جدال فيها.

3. لا عبرة بما نتج عن المعاهدات التي عقدتها بعض الأنظمة العربية مع العدو الصهيوني، فالشرائع السماوية،والقوانين الوضعية تقر قاعدة وجودية أساسية في الحياة الإنسانية هي:قاعدة (القديم على قِدمه) فالقديم هو كون فلسطين كمكون جغرافي تاريخي إثني ثقافي معرفي إنساني سابقة على الوجود اليهودي الخزري المحتل،وهي أقدم من كل المكونات الانحرافية الإجرامية المنحازة إلى اليهود المعتدين،والتي أفرزتها مراحل الصراع منذ ظهور هذا الكيان الاستعماري الاحتلالي الإحلالي.

4. مصدر الشرعية لأي عمل يمس الحياة الاجتماعية يأتي من أصول عقيدة الشعب ومقتضيات الواقع الحقيقية،وبالنسسبة للأمة العربية بعد مجىء الإسلام وظهوره وهيمنته على غيره من الأديان فقد رسخ وتواتر فيهما العلم بأن:أصول العقيدة هما كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم،ومنهما تأتي القوانين والأنظمة التي تنظم حياة البشر،ولا عبرة بما يخالفهما من النظم التي تحكم حياة بعض الأقليات المتناثرة هنا وهناك في المنطقة الجغرافية التي يطلق عليها(الوطن العربي)،ويتعارف عليها البشر كما يتعارفون على مناطق حياة بقية الأجناس كالجنس السلافي الذي تنتمي إليها روسيا،والجنس الجرماني الذي ينتشر في وسط أوروبا،والجنس المغولي الذي يكوِّن السواد الأعظم من الصين واليابان وأقطار جنوب وجنوبي شرق آسيا،الأمة العربية حقيقة وجودية أزلية ذات أبعاد معرفية معززة بأكبر رصيد من الأدلة العلمية الواقعية المنتشرة في كل ربوعها،تصل الماضي بالحاضر،وترسم آفاق المستقبل،ولا يؤثر فيها ما نتج عن تبعات الغزو (الصهيو أنجلو أمريكي) الذي وفد على المنطقة العصر الحديث،كحلقة في سلسلة من الغزو المتوالي الذي بدأ بالغزو الصهيوني منذ 1917م ثم الغزو الثلاثي (الصهاينة والفرنسيين والبريطانيين) لقلب الأمة في مصر في خريف 1956م وفي صيف عام 1967م لمصر وسوريا والأردن وفي شتاء عام 1991م للعراق،ثم احتلال العراق كله منذ عام 2003م.

5. إن المعرفة تولد السلوك،والسلوك الفردي أصل في صناعة الإجماع وفق قوانين التفاعل والدور والوظيفة وقوانين الاتصال والإدارة،وفي هذا الإطار ينبغي الإصرار على تعريف مكونات الصراع مع العدو الصهيوني،وبيان سبل التحكم في تلك المكونات،والثبات على منهج موحد في التعريف والتوصيف؛بحيث تجد الأجيال المتعاقبة في أقطار الأمة تراثًا تراكميًا لهذا الجانب المعرفي ضمن مكونات التراث التراكمي العام.

6. العداء الشديد من اليهود للذين آمنوا عداء يتجدد ويتلون بأسلوب منهجي من السلوك الانحرافي بأي شكل ضد من يطلق عليه اليهود (الجوييم أو الأغراب ،ويعبر عن نفسه بأقصى درجات العنف،وهذه الحالة تشبه الأمور القدرية،وفيها دليل على صدق المنهج القرآني في تفسير التناقض الأولي بين الأمة وعدوها النقيض.

ثالثًا : الفهم المعرفي للوضع الراهن في ضوء آية من آيات القرآن الكريم

· إن الوظيفة الأساسية للقرآن الكريم هي الدعوة إلى عقيدة التوحيد بالبيان والبلاغ المبين الواضح الذي يختصر المسافة الزمنية والنفسية للقبول والتسليم بصدق ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام مبلغًا عن ربه جلَّ وعلا،وتجديدًا للدين الصحيح،واستمرارًا لدعوة البشرية إلى الحق والخير والسلام والعدل والحرية التي هي جوهر دعوات الأنبياء والرسل.

· فالوظيفة البيانية للقرآن الكريم تأتي في مقدمة وظائفه،والفهم الواضح لدلالات البيان القرآني في النصوص هو الباب الصحيح والمباشر لعرض تلك الوظائف العقدية والتشريعية عرضًا واضحًا،ويمثل ذلك أيسر السبل لفهم النصوص وتطبيق الأحكام،لأن وظيفة البيان هو الإقناع،والتسليم بعد الإقناع هو الطريق المنطقي للدخول في الدين الحق وتطبيق أحكامه والثبات عليه .وتلعب اللغة دورًا فاعلاً في القيام بهذه الوظيفة الاتصالية البيانية، وتثبيت قواعد الدين،وبيان الحق.

· الوظيفة البيانية كما وردت في الآية الكريمة رقم 82 من سورة المائدة ونصها :((لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ. ))(المائدة :82)

تقدم لنا هذه الآية الكريمة منهجًا معرفيًا كاملاً يفسر مكونات الوضع الراهن للصراع مع العدو الصهيوني الغازي الغريب.وتفصيل جوانب البيان في هذه الآية يطلعنا على قضايا معرفية كثيرة تمثل حصونًا وجدرَ حماية معرفية تؤكد ما ذهبنا إليه في الدعوة إلى ضرورة تجديد أبنية جدر الحماية تلك،ومن هذه الجوانب:

1. جملة ( لَتَجدَنَّ ) :الخطاب موجه إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم،ومن باب الأوْلى إلى أمته في زمنه ومن بعده،ولا يوجد ما يمنع من أن يكون عامًا إلى كل البشر لأن فيه نظرية معرفية متكاملة الأركان من المنطق الواضح الصريح ،والبيان الصحيح الذي يخاطب العقل،وقوانين الإقناع التي يقدم لها الواقع الإنساني الحالي بجميع أبعاده ومكوناته الأدلة التجريبية الواقعية الواضحة على صدقها.

2. ( لَ ) لام القَسم،الله سبحانه وتعالى يقسم بأن الأمور التي تتناولها الآية هي حقائق معرفية ووجودية ثابتة مؤكدة بالقسَم الإلهي،وكلام الله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى توكيد،ولكن التوكيد يلزم هنا لمناسبته فهم المخاطبين من البشر.

3. ( تجدَ ) فعل مضارع له خاصية الدوام ، فالمضارع في اللغة العربية ينسحب على المستقبل كما يفيد وقوع الفعل في الحاضر،أي أنك يا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو أيها القارىء أو المستمع من المسلمين ومن غيرهم،عليك أن تتأكد أن ما أقسم الله عليه هو واقع لا محالة،يتكرر في كل زمان ومكان ،وهو هنا شدة عداوة اليهود للذين آمنوا أينما وجد هذان النقيضان على مسرح الأحداث.

4. (الفاعل) ضمير مستتر تقديره أنتَ،وإضمار الفاعل نوع من التوكيد الذي يقوي توكيد القسم.

5. ( النون المشددة ) هي نون التوكيد،وهي أداة توكيد آخر لما يفيده الفعل المضارع،وهنا تبرز قضية معرفية وجودية جديرة بالتوقف والتأمل والتحليل المعرفي:وهي استخدام الفعل( تجد ) وهو صيغة المضارع من نفس الجذر اللغوي للمصدر ( الوجود ) بكل أبعاده وتفريعاته الفلسفية والبيانية،فكأن من خصائص الوجود الإنساني أن يكون هناك القضية ونقيضها( اليهود ×الذين آمنوا) اللتان تصنعان قضية وجودية ثالثة حسب الديكالتيك الهيجلي،فهل يمكن تفسير بعض جوانب الثراء الفكري والعملي والتطبيقي لهذه الحقيقة المعرفية الوجودية؟وخاصة أننا بعد قليل سنتعرف على إمكانية استنباط مقياس واقعي تتوفر له شروط القياس (السيكومتري ) على المستوى الفردي والاجتماعي.

6. (أشد) أفعل تفضيل وهو مضاف،وكل لفظ من هذه النوع يمكن قياسه كميًا على متصل بحدين (أعلى وأدنى) دون الخوض في تفاصيل الكيف،مع أن الدراسات الكيفية في الوقت الراهن بدأت تجنح إلى القياس الكمي كشرط من شروط الموضوعية.

7. (الناس) مضاف إلى أفعل التفضيل .

8. (عداوةً)تمييز منصوب،"وهي اسمٌ عامٌ من العَدُوِّ،يُقال:عدوٌّ بّيِّنُ العداوة،وفلان يُعادي بين فلان.(ابن منظور ،لسان العرب :9/95)" والعَداءُ:البعدُ" ،واستخدام لفظ العداوة فيه زيادة في إيضاح للمقصود من عرض خاصية من خواص اليهود اللصيقة بهم،وهي معاداة المؤمنين(الذين آمنوا)،واستعمال لفظ (أشد)فيه تحذير واضح للمؤمنين من هؤلاء الناس الذين يمثلون حقيقة استقرائية تاريخية وجودية زاد تجسدها وتمثل خصائصها عندما ساعدتهم دولة الشر التي خانت الأمانة (بريطانيا) ومعها الدول الأوروبية على التجمع في فلسطين وطرد أهلها منها ولا يزال الدور البريطاني والأوروبي فاعلاً لتثبيت الظلم،وخفض مقاومات الجسد العربي،والبيئة الثقافية للجسم الصهيوني الغريب (راجع دور توني بلير في غزو العراق وإرغامه على الاستقالة وبقاء وجوده في غمار الصراع داعمًا للوجود الصهيوني ممثلاً لما يُعرف باللجنة الرباعية)،وكل ذلك يعزز دور الصهاينة في نشر الفتن والحروب والخراب والدمار منذ أكثر من قرن من الزمان .

9. واستعمال لفظ (الناس) فيه عموم وحصر،فالعموم لأن الناس اسم جنس يشمل أنواعًا وأصناف وتفاصيل وسلالاتٍ وفصائل وتفريعات ثقافية ودينية وعرقية كثيرة،ومن بين هذه الأصناف فإن صنف اليهود هم أشد الناس عداوة للمؤمنين كما يقرر العلم الإلهي في القرآن الكريم،والحصر لإخراج غيره من أجناس المخلوقات،فهؤلاء اليهود من جنس الناس وليسوا من الجن مثلاً ، وربما كان ذلك لتثبيت (الذين آمنوا) وتوجيههم وطمأنة قلوبهم ، وبث الأمل في نفوسهم بأن هؤلاء اليهود الذين قرر القرآن أنهم أشد عداوة لهم هم بشر مقدور عليهم، وفيهم نقاط ضعف ومثالب يمكن طعنهم منها في مقتل ، ويمكن مواجهتهم وقهرهم إذا أخذ الذين آمنوا بأسباب القوة ، وتنبهوا إلى خصائصهم الإفسادية وأعدوا لهم العدة،ودرسوا طرق كيدهم،وتمكنوا من العلوم والمعارف التي جعلت عداوتهم لهم تنجم وتظهر وتتعاظم في هذا العصر،فيوفروا من الأسباب ما يرد كيدهم إلى نحورهم.القرآن الكريم والحديث النبوي الصحيح اللذان يتناولان هذه القضية من أهم وأنجع طرق الإسناد المعنوي والتعزيز المعرفي ، وفيهما منهج مثالي لتجديد أبنية جدر الحماية المعرفية والثقافية عند وجود منافذ للتهرب من المسؤولية والتخلي عن الواجب.

10. ( للذين آمنوا ) لم يقل للمؤمنين ؛ لأن استخدام الفعل أقوى في الدلالة على السلوك من استخدام مكونٍ يدل على فئة بعينها ، ولم يقل أشد عداوة للمسلمين أو للذين أسلموا وذلك لما يأتي :

· إن محل الإيمان هو القلب،وأركانه ستة:الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره،والله سبحانه وتعالى هو المطَّلع على ما في القلوب،المتحكم فيها،وللإيمان علامات وأدلة منها ما ورد في سورة المؤمنون:قدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) وغيرها من المواضع الكثيرة التي عُنيَ بها من العلماء مَنْ يهتم بالبحث الموضوعي في القرآن الكريم .

· وقد ورد في الحديث النبوي بالكتب التسعة في باب الإيمان يزيد وينقص ما مجموعه7852حديثًا ، وهذا دليل على قابلية مؤشرات الإيمان للقياس .

أمثلة على علامات الإيمان :

· عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ

· عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ.

· عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ.

· مقترح مقياس سيكومتري ،أو سيكوـ سوسيلوجي:

شدة عداوة اليهود للذين آمنوا مقياس للإيمان : ولأن الإيمان يزيد وينقص كما ورد في الحديث،فيكون الإحساس بشدة عداوة اليهود لإنسان ما هو ارتفاع درجة إيمانه بالأركان الستة،فعداوة اليهود مقياس لدرجة الإيمان،وهو مقياس ذاتي لكل فرد له علاقة بقضية الصراع معهم في كل زمن أو مكان،وهذا المقياس حقيقة وجودية واقعية أثبتت صدقه الوقائع التجريبية في التعامل مع هذا الصنف من البشر .

· وهو مقياس فردي :بمعنى أنه قائم على الاختيار ، فالفرد لديه الإرادة في الدخول في دائرة المؤمنين (الذين آمنوا)أو الخروج منها بتطبيق هذا المقياس (مقياس شدة عداوة اليهود له التي تترتب على إدراكهم لأفعاله) ، وللفرد وحده بينه وبين ربه أن يحدد درجة إيمانه في ضوء هذا المقياس ، فمن وجد من نفسه في لحظة ضعف أو غفلة أو نقص في العلم أو انجراف نحو عرض من أعراض الدنيا ضعفًا شعر معه بقلة عداوة اليهود التي توجب كراهيتهم والحذر منهم ، وقهرهم قبل أن يقهروه ، فقد خرج في هذه الحالة من دائرة الإيمان بالدرجة التي تحددها عداوتهم أو مودتهم ، ولم يخرج من دائرة الإسلام أي بالكفر ، وعليه أن يشك في درجة إيمانه بأركان العقيدة الستة ، وأن يراجع نفسه ، فشدة عداء اليهود دليل على قوة الإيمان ، وبمفهوم المخالفة فإن الانجذاب نحوهم يجعل الفرد داخل دائرة الشك في إيمانه الذي هو في غالبيته أمر بينه وبين ربه ، وهذا من فضل الله وواسع كرمه على المؤمن إذ منحه الله سبحانه وتعالى فرصة مراجعة السلوك والتوبة، والرجوع إلى دائرة الإيمان بقرار منه مرتبط بقوانين الإدراك العادية وإعمال النظر والبصيرة، وبتأثير المتغيرات،والاستفادة من كل ما يقع حوله من أشكال النكارة والنقد ، والأمر متعلق في النهاية بتوفيق الله وقضائه وقدره .

· لماذا جُعِل الإيمان وليس الإسلام هو المقياس ؟

الجواب :لأن الإسلام أفعال وأقوال ظاهرة شرطها الرئيس هو العلن ، فجميع أركان الإسلام الخمسة علنية إعلامية ظاهرة ، وهي شعارات تميز المسلم عن غيره في الأداء والسلوك الظاهري ، وهي خصائص تعريفية تمييزية فاصلة فارقة ، فالشهادتان علنية ، والصلاة الفردية الجمعية سلوك ظاهري في جميع أشكالها وأسمائها وحالاتها، والزكاة علنية ، والصوم علني ، والحج علني جماهيري أممي على مستوى الإنسانية كافة .

أما أصل الإيمان فهو التصديق،والتصديق يكون بالقلب واللسان والجوارح،لكن الأصل أنه متعلق بالقلب،وهو علاقة بين الإنسان وخالقه،فقد يُظهر الإنسان الإسلام ويبطن الكفر وهو الحالة المعروفة بالنفاق،وقد يمارس الكذب الذي لا يجتمع مع الإيمان ولكن ذلك لا ينفي عنه صفة الإسلام إذا واظب بطريقة أو بأخرى على أداء الواجبات الدينية العلنية.

· مؤشرات مقياس العداوة:المعتمد في اعتبار هذه المؤشرات هو مدخل الفعل،والفعل فقط؛لأن محاولة الخوض في الأيديولوجيا يدخلنا في متاهات التعريف للذاتي،والبعد عن الموضوعي،والأصل في القياس السيكومتري هو الموضوعي،فوقوف الخواطر والأفكار والأيديولوجي عند مستوى الشعور فقط يمنع من دخولها في مؤشرات المقياس،والعداوة مشاعر وخواطر وأفكار وأقوال وأفعال تحدد وجود هذه الحالة السلوكية والوجودية في الفرد والجماعة،وفي هذه الآية قصرٌ لشدة عداوة اليهود على المؤمنين المتصفين بأفعال الإيمان (للذين آمنوا).وعند تحليل عناصر هذه الحالة السلبية (العداوة) نجدها تقع على درجات مقياس متصل يكون بالشعور الذي يولد أشكال الحسد والكيد والكراهية والبغضاء،ويبدأ بالخاطرة التي قد تتحول إلى فكرة تمهد للفعل البسيط،ثم الأفعال والسلوكيات المعقدة والمركبة مثل المؤامرات والتحالفات والتخطيط العدواني بكل مستوياته،وينتهي بالتصفية الجسدية (القتل) والتدمير وهدم البيوت والحصار وكل أشكال الإجرام الفردي والجمعي التي يمارسها الصهاينة على الشعب الفلسطيني وعلى كل من يقف إلى جانبه ويساعده هي من هذا النوع،وهي أفعال من كثرتها يصعب حصرها ووصفها،ويتفنن اليهود في كل ساعة في ابتكار أشكال الأفعال التي تؤجج العداوة،وتنشر الفساد في المحيط الذي يجدون أنفسهم فيه،وهذا ما يفهم من عموم صفة(الذين آمنوا) فليس شرطًا أن يكون (الذين آمنوا) من المسلمين فقط،بل إن ذلك بالضرورة يشمل كل إنسان من أي مذهب أو دين يشرح الله قلبه للمعرفة الحقة بالله،ويهبه القدرة على التمييز بين الخير والشر بالمقاييس الصحيحة كما وردت في الكتاب والسنة،وما تواطأ عليه عقلاء البشر مما يتفق مع الفطرة السوية الصافية النقية؛ فينتصر وينحاز للأول ويمقت ويقاوم الثاني ، حتى ولو كان من اليهود أنفسهم ، أو من النصارى أتباع عيسى عليه السلام .

· وقائع تجريبية:يتكون المقياس من درجات تمثل وقائع تجريبية قابلة للقياس ،ويمكن تمثيله بأنه يقع على متصل يبدأ بالصفر وما دونه،وينتهي بالرقم عشرة أو مائة مثلاً،ويمثل الصفر الحقيقي انعدام العداوة وهو حالة من الحياد السلوكي ، أما ما تحت الصفر فتقل العداوة نزولاً ويحل محلها الولاء والمودة المنهي عنها في النصوص الشرعية . أما ما فوق الصفر فيمثل درجات العداوة التي تقابلها درجات الإيمان بالأركان الستة .

· أمثلة واقعية يمكن اعتمادها كمؤشرات لبناء المقياس :

من الصعب إن لم يكن من المستحيل حصر الأفعال الإجرامية لليهود منذ أن أصبحوا طرفًا عدوانيًا نقيضًا للمسلمين والمؤمنين ، فقد نجم عداؤهم على زمن الرسالة الخاتمة،وإن كان قد خبا وخفت في عصور الازدهار الإسلامي،واكتفوا بممارسة عقائدهم التي كفلها لهم الإسلام،وساهموا في الإنتاج الحضاري الإنساني،وكانت للكثيرين منهم أعمال معروفة على مستوى التطبيق والفعل،أما وقد نجمت عداوتهم منذ أن تحركت سموم الأفعى الصهيونية منذ الثورة الفرنسية 1789م،وبدأت نيرانها في الاشتعال العلني منذ وعد بلفور 1917م ، وبلغت ذروتها في الإجرامي اليهودي في المذابح التي ارتكبوها عام 1948م ، وفي السنوات التي بدأت بالمواجهات مع الصهاينة منذ عام 1987م حتى الوقت الحاضر الذي جاوزا فيه كل الحدود في العداوة.

· علاقات إحصائية مستنبطة تعزز مؤشرات القياس:

ـ توجد علاقة طردية بين شدة عداوة اليهود لإنسان ما ودرجة قوة إيمانه بالأركان الستة .

ـ وبمفهوم المخالفة فتوجد علاقة طردية بين محبة اليهود للفرد ومقدار ما يستشعره من الضعف بالالتزام بأركان الإيمان .

11. (اليهود) ( أل ) أل العهد،ومعناه أن هؤلاء الذين يتصفون بشدة العداوة للذين آمنوا هم اليهود الذين عهدتهم يا محمد،صلى الله عليه وسلم أو يا قارىء،أو يا مستمع،أو يا إنسان،وهم جنس من البشر لهم خصائص فكرية وسلوكية،وتجلت خصائصهم أوضح جلاء بعد أن تجمعوا في فلسطين بعد اغتصابها وطرد أهلها منها منذ سنة 1948هـ وحتى الوقت الحالي،ومنذ ذلك الحين وهم يشيعون الخراب والحروب والفتن والدمار في المحيط الذي استطاعوا فيه أن ينشئوا ما يعرف بدولة (إسرائيل)،ولم تقتصر جرائمهم ومفاسدهم على شعب فلسطين بل تعدته إلى شعوب المنطقة كلها،ولا زالوا يمارسون أبشع الجرائم التي التصقت بهم،وأصبحت من أكثر الأفعال دلالة على دخائل نفوسهم،ومكونات عقولهم،وهذا أصل معرفي،وجدار حماية قرآني هدية من الله خالق البشر،يهدي بها من أراد بهم خيرًا،فيحدد لهم أعداءهم،ويصفهم وصف المشاهدة العيانية،والسماع والبيان المباشرين،في كتاب دائم قائم تكفل منزله بحفظه،ولا يزيده كيد الكائدين إلا سيادةً وقوةً وانتشارًا فلله الحمد والمنة،وله وحده الفضل.

ويفهم من سياق الآية أنه ليس بالضرورة أن يكون لدى (الذين آمنوا ) كراهية لليهود الذين هم (أشد عداوة) لأن الإيمان في إحدى صوره يحب الخير لجميع البشر،ومن الأمور المندوبة أن يرجو المؤمن أن يهدي البشر جميعًا إل طريق الخير،مع الحذر الدائم من مصدرية أشد الناس عداوة.

12. ( والذين أشركوا) استخدم الفعل للدلالة على استمرار الأفعال الشركية في الجنس البشري حتى مع وجود أكمل الأديان وانتشار وتواتر دعوته ومبادئه بكل طرق النشر والنقل، وانتصار وظهور دعوة التوحيد،ودليل ذلك قول الله تعالى : ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون. ) (يوسف:106) .

تقدم ذكر اليهود على المشركين في شدة العداوة للذين آمنوا، وهذا دليل على خطورة هذا الصنف من البشر،وله دلالة تاريخية ووجودية،فالمشرك ربما توصل إلى الحق ودخل في الإسلام،وأصبح من المؤمنين المسلمين أو غيرهم من أتباع الديانات،أي أنه حصل له من أنواع الهداية ما أخرجه من الأفعال والمعتقدات الشركية،أما اليهودي فلا ينتظر منه ذلك،ثم تُذكِّر الآية بمعزز معرفي يشخص النقيض اليهودي الصهيوني بذكر المؤمنين من الذين (قالوا إنا نصارى) الذين عرفوا الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وصدقوه،وأنهم أقرب الناس مودة من الذين آمنوا؛لأن منهم قسيسيين ورهبانًا وأنهم لا يستكبرون،وأن لديهم قلوبًا رقيقة،تجعل عيونهم تفيض من الدمع عندما يسمعون الحق ويعرفون أنه منزل من الله،ويتأكدون من صدق النبي الصادق المصدوق ... إلى آخر ما ورد في هذه الآية.

13. ويجب التنويه بأن من لا يدخل دخولاً أوليًا في جماعة (الذين آمنوا) فهو خارج عن القضية،ولا علاقة له بمنهج القرآن في تحديد العداوة والمحبة فيما يتعلق باليهود،استنادًا إلى أدلة وشواهد تجريبية واقعية تتجلى في بعض من انحازوا إليهم ، أو شككوا في ( شدة عداوتهم ) أو تجاهلوا أفعالهم الإفسادية في الشعب الفلسطيني ومحيطه الداعم المساند،أو اعتقد لحظة أن السلام ممكن مع وجود(مصدر أشد الناس عداوة ) يمارس الإفساد في المحيط العربي،ومن هؤلاء مَنْ نقص إيمانه بالتحول إلى الأيديولوجيات الغريبة ، أو فسر الصراع تفسيرات مصلحية شخصية،كما هو لدى بعض أتباع الأحزاب والتنظيمات السياسية وغيرهم،أو من انحرف بالتفسير الخاطىء للثوابت العقدية والتاريخية والوطنية ،أو تجاهل الأخطار المحدقة بالوطن والأمة بتأثير الضغوط الخارجية .

رابعًا: الأمة إلى أين في صراع الوجود مع موجات الغزو الصهيوني ؟

1. هل إلى طريق المبادرات والدعوات التي تتصادم مع ثوابت فكر الأمة، والتفريط في وسائل إقامة وتجديد جُدُرُ الحماية (Firewalls) وتجاهل ثوابت ومتغيرات الواقع والتاريخ،ودعم الفريق المفرط في حقوق شعبه،المتهافت على التطبيع مع الصهاينة وموالاتهم بحجج ضعيفة؟

2. أم إلى طريق المنهج القرآني الذي نزل في كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،تنزيل من حكيم حميد،نزَّله روح القدس على قلب خير البشر،نبيٍّ لا ينطق عن الهوى،إن هو إلا وحيٌّ يوحى؟



خامسًا : مقترح لطرق تجديد جُدُرِ الحماية أمام الغزو الصهيوني :

1. التمسك بالثوابت الثقافية والمعرفية التي تستند إلى أصول فكر الأمة،والمحافظة على درجة من الوعي بهذه الثوابت،ومقاومة محاولات استبدالها أو التقليل من شأنها،وذلك بالتذكير الدائم بها،وعرضها بطرق وأساليب عصرية تستخدم أساليب الإقناع في العرض والقبول.

2. تجديد جدر الحماية التربوية في الأسرة والمدرسة والمؤسسات التربوية على أسس بنائية،بحيث يتم إعداد الأجيال بطريقة معرفية معاصرة تساعدهم على الارتفاع إلى مستوى التحديات التي تفرضها الحياة الحديثة مما لم تكن موجود في حياة الآباء.

3. اعتماد العلم التجريبي في بناء نسق الأبنية الاجتماعية،وتنظيم العلاقات بين مكونات تلك النسق،والوعي بالوظائف والأدوار الاجتماعية في تلك الأنساق.

4. زيادة درجة التماسك البيني داخل الجماعات المحلية والوطنية ، مع المحافظة على درجة من التناقض الدائم مع الكيان الصهيوني الغازي الغريب من منطلق أنه مصدر (لأشد العداوة للذين آمنوا).

5. وهذا يتطلب تعزيز الخصائص الإيمانية لأبنية (الذين آمنوا) في الأمة المقصودة في جميع أقطارها ،وتكثير هذه الفئة لمواجهة مصدر العداء الشديد.

6. تشخيص معالم المشروع النهضوي العربي،وحشد الأنصار له من كل الاتجاهات،واعتماد الأسلوب التعاوني في الفعل الفردي والاجتماعي .

7. سد الذرائع أمام دعوات الانهزام والتفريط ، وكشف وفضح أي مظهر من مظاهر الخلل التي قد يتسلل منها الانهزاميون،أو يقومون عن طريقها بعملية التفاف على الثوابت،أو يستغلون حالات الضعف والتحلل الوظيفي الجزئي أو الإقليمي للترويج لمشاريع والتفريط في المصالح الحقيقية للأمة،تلك الدعوات التي تصادر حقها في بناء مستقبلها،وتوفير شروط العيش الآمن لأقطارها،وحماية الجماعات المكونة لبنائها العضوي.

هذا والله أعلى وأعلم،وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(...والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)(سورة يوسف :21)

--------------------------------------

[1] مبدأ مونرو Monroe Doctorine كان سياسة أمريكية قـُدِّمت في 2 ديسمبر 1832، قالت أن المحاولات الاضافية من الدول الاوروبية لاستعمار أراضي أو التدخل في شئون دول الأمريكتين ستعتبره الولايات المتحدة عملاً عدائياً يتطلب تدخل أمريكي.[1] وقد أكد مبدأ مونرو على أن نصف الكرة الغربي يجب ألا يتعرض للمزيد من الاستعمار من قبل البلدان الاوروبية، وأن الولايات المتحدة لن تتدخل في المستعمرات الاوروبية المتواجدة بالفعل ولا في الشئون الداخلية للبلدان الاوروبية. صدر المبدأ في وقت كانت فيه العديد من بلدان أمريكا الجنوبية على وشك الاستقلال عن اسبانيا؛ لذا فقد كانت الولايات المتحدة، تعكس مخاوف رددتها بريطانيا العظمى، كانت تأمل في أن ألا تأخذ قوة اوروبية مستعمرات اسبانيا.[2] إلا أن الاستفزاز الفوري كان اوكاسه 1821 حين قامت روسيا بتأكيد حقوقها في الشمال الغربي ومنعت السفن غير الروسية من الاقتراب من الساحل.[3][4] (المصدرhttp://www.marefa.org/index.php 5.20صباح الأحد 29 يناير 2012م)

غزة أمانة في عنق مجلس الشعب المصري/ د. مصطفى يوسف اللداوي

بفارغ الصبر ينتظر سكان قطاع غزة المحاصرين منذ أكثر من ستة سنواتٍ، بنيران ودبابات وطائرات وبوارج وأسلاك الاحتلال الإسرائيلي، المحصنة بقوانينه وإجراءاته العسكرية والأمنية الغاشمة، والممزوجة بحقدهم وكرههم وخبثهم وتآمرهم، ومحاولاتهم المستميتة لقتل الشعب الفلسطيني، والنيل من إرادته وعزمه ومضائه، إذ لا تهمهم حياته، ولا تعنيهم حقوقه، ولا تحرك ضمائرهم معاناته وآلامه، ولا تردعهم عن أفعالهم المشينة حكوماتٌ ودول، ولا تمنعهم عن ممارساتهم الباغية قوانينٌ ونظم، إذ لا خلق عندهم، ولا قيم تحكمهم، ولا نبل أو شهامة فيهم، ولا معاني إنسانية لديهم.

الفلسطينيون لا ينتظرون منه غير ذلك، فهو عدوهم المبين وخصمهم الأثيم، فلا يتوقعون منه وهو الوحش الضاري والذئب المفترس، أن يستحيل فجأةً إلى حملٍ وديع وصديقٍ ودود، إنهم لا يأملون منه أن يحزن من أجلهم، أو أن يهب لنجدتهم، أو أن ينتفض لمصالحهم، ولا يسألونه الرحمة ولا الرأفة ولا الشفقة بهم، ولا يتوقعون منه أن يجلب لأطفالهم الحليب، ولمرضاهم الدواء، ولجرحاهم العلاج، ولمحتاجهم الطعام والشراب، أو أن يستجيب لنداءاتهم فيرفع الحصار، أو يصغي السمع لبكاء الأطفال وآهات النساء، فيخفف من المعاناة التي هو فيها السبب، إنه العدو الذي منه لا يرتجى الخير ولا الندى، ومنه لا يتوقع غير الضرر والأذى.

بارك الفلسطينيون جميعاً لمصر وشعبها ثورتها المجيدة، وانتصاراتها العظيمة، واستعادتها لكرامتها المهدورة وعزها الضائع، ومجدها المفقود، وفرحوا كثيراً بالتئام برلمان مصر، واجتماع شمل مجلس شعبها تحت قبة برلمانها التاريخي، الذي تأسس في ماضٍ عريق وفي ظل ثورةٍ عظيمة قادت لاستقلال مصر وتحررها، فأعتقتها من نير الاحتلال وذل التبعية، على أيدي رجال حفظوا اسم مصر وعملوا من أجلها، وحافظ أعضاء مجلس الشعب فيها على اسم مصر ناصعاً، وعلى دورها كبيراً، وعلى قيادتها رائدة، وأبقوا على تاريخها المشرق، وانتصاراتها المجيدة، وجعلوا منها الشقيق الأكبر لكل الدول العربية، والأخ الكبير الحاني على كل شعوبها وأهلها، فكانت مصر بجهودهم أم الدنيا العربية، ووطن العرب جميعاً، سماؤها عالية، ونجومها زاهرة، وراياتها خفاقة، وبيارقها منصوبة، وشعاراتها خالدة، ومبادئها صادقة، أعطت لفلسطين من جهدها ومالها ورجالها أكثر مما أعطت لنفسها، وضحت في سبيل فلسطين بكل غالٍ وثمين، فلم تبخل ولم تتردد ولم تجبن ولم تتراجع.

اليوم الفلسطينيون عموماً وسكان قطاع غزة على وجه الخصوص يتطلعون إلى برلمان مصر الجديد، الذي اختاره شعب مصرَ بإرادةٍ حرةٍ نزيهة، دون ضغطٍ أو إكراه، ودون تزييفٍ أو خداع، في انتخاباتٍ حقيقية شارك فيها كل الشعب المصري، وصوت لكل الذين آمنوا بمطالب الثورة المصرية، ووقفوا إلى جانب الثوار الشباب، وحملوا مواقفهم وآمنوا بأفكارهم، وكانت مطالب قطاع غزة حاضرةً في الميادين، وبارزةً في الشعارات، وطاغيةً في المظاهرات، فقد رفض الشعب المصري أن تشارك حكومة بلادهم في حصار قطاع غزة، وأن تساند العدو الإسرائيلي في مؤامراته ومخططاته، وأن تكون نصيراً له ضد أهلهم وإخوانهم في قطاع غزة، ورفض المصريون الناخبون أن تتأخر بلادهم عن نصرة الفلسطينيين ومساندتهم، وأن تغلق الأبواب في وجوههم، وأن تحول دون دخولهم أو عبورهم من مصر، أو أن تمنع المتضامنين معهم من الوصول إلى غزة، أو إيصال المعونات والمساعدات لهم، أو أن تكون شريكاً مع عدوهم في التآمر عليهم، فكان صوت الناخب المصري لكل الثائرين على ظلم سكان غزة، والرافضين لاستفراد العدو بهم، ولكل المنادين بتحسين ظروفهم، ورفع الحصار عنهم، وتأييدهم في نيل حقوقهم، ومساندتهم في نضالهم ومقاومتهم المشروعة.

أهل غزة يتطلعون من أعضاء مجلس الشعب المصري الحر الأصيل، الذي جاء هذه المرة من قلب الشعب المصري، ومن عمق الشارع المصري الطيب البسيط، الذي يعبر بصدقٍ عن أحاسيس المصريين ومشاعرهم تجاه إخوانهم الفلسطينيين وخاصة جيرانهم في قطاع غزة، أن يؤسسوا لفتح المعابر بين مصر وقطاع غزة بصورة دائمة، وأن ييسروا سفر الفلسطينيين وانتقالهم من قطاع غزة وإليه، وأن يوقفوا ما يسمى بالتنسيق الأمني المسبق كشرطٍ للدخول أو العبور، وأن تتوقف إجراءات الترحيل والإعادة، فلا يمنعون فلسطينياً من العودة إلى بيته وأهله في غزة، ولا يحولون دون فلسطيني يرغب في أن يلتحق بعمله في الخارج، أو يدرك جامعته ودراسته، أو من يرغب في العودة إلى حيث يقيم، ويتمنون أن ينتهي زمن أقبية مطار القاهرة، وأن ينتهي زمن حجز الفلسطينيين فيها تمهيداً لترحيلهم، وأن يتوقف أمن مصر عن احتجاز أحدٍ من الفلسطينيين الذين يحبون مصر، ويعشقون ترابها، ويتغنون بمجدها، ويحرصون على أمنها، ويؤمنون بدورها.

سكان غزة يهيبون بمجلس الشعب المصري أن ينشط التجارة والأعمال الحرة بين مصر وقطاع غزة، فالفلسطينيون في غزة في حاجةٍ ماسة إلى كثيرٍ من المنتوجات المصرية، التي يفضلونها على مثيلاتها الإسرائيلية، التي تنافس وتزاحم المنتوجات الوطنية المصرية، ولكنهم يتمنون أن تفتح المعابر التجارية، وأن تتيسر عمليات انتقال البضائع من مصر إلى القطاع وبالعكس، لتنشط التجارة بين الطرفين، ولتعود أموال الشعب الفلسطيني التي تردها من الشعوب العربية والإسلامية إلى المواطن المصري، وإلى التاجر والعامل والممول المصري، فهم أحق بها من الإسرائيليين، وأولى بها من الخزينة الإسرائيلية التي تتطلع لأن تبتلع كل أموال الدعم العربية الموجودة في قطاع غزة، فهي تتربص بالأموال التي تصل إلى القطاع، وتفكر في السيطرة عليها بكل السبل الممكنة، فهي أموالٌ كثيرة، وعملةٌ صعبة، قادرة على حقن اقتصادهم وإنعاشه.

كثيرةٌ وعظيمة هي الآمال التي يعلقها سكان قطاع غزة على مجلس الشعب المصري، إنها أكثر من معبرٍ وتجارة، وأكبر من سفرٍ وانتقال، وتتجاوز المنافع والأموال، إنها قيمٌ وأخلاقٌ ومفاهيم، وثابتٌ قومية ومنطلقاتٌ عربية وإسلامية أصيلة، يدرك الفلسطينيون أن مجلس شعب مصر لن يقبل لأجهزته الأمنية بأن تهين مواطناً غزاوياً، وأن تشارك في إذلال سكان القطاع، ولن يقبلوا بما يريد الاحتلال ويتمنى، ولن يتخلوا عن دورهم الرائد في الانتصار لقضايا الأمة وحقوق الشعب، وسيكون لهذا المجلس الجديد دورٌ يحفظه التاريخ لهم ولمصر، يعيدون به مصر إلى عمقها القومي والحضاري والتاريخي، وسيذكره الفلسطينيون علامةً فارقة، وتاريخاً مميزاً، انتصر فيه المصريون لإخوانهم، وهبوا فيه لنجدتهم، ولم يتأخروا فيه عن نصرتهم.

شبكة أمان عربية" ... لمن؟/ نقولا ناصر

انتهت في السادس والعشرين من الشهر الجاري المحادثات "الاستكشافية" بين مفاوضي منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال الاسرائيلي في العاصمة الأردنية دون إعلان التوصل الى اتفاق، كما كان متوقعا، وأعلن الرئيس محمود عباس يوم الأربعاء الماضي أنه ذاهب الى اجتماع ينعقد في القاهرةعلى مستوى وزراء الخارجية للجنة "مبادرة السلام العربية" المنبثقة عن جامعة الدول العربية من أجل "التشاور" حول تمديد تلك المحادثات أو عدم تمديدها.

لقد تحولت مبادرة السلام العربية إلى مشجب يعلق عليه مفاوض المنظمة فشله التاريخي، و"شرعية عربية" يسوغ بها الاستمرار في دبلوماسيته التفاوضية الفاشلة يشهرها في وجه الرفض الشعبي الفلسطيني لمفاوضاته ولمرجعيتها العربية معا، ويتخذ منها غطاء عربيا لتسويغ تراجعاته وتنازلاته المتتالية، وتحولت هذه المبادرة التي ما زالت بانتظار موافقة دولة الاحتلال وراعيها الأميركي عليها إلى غطاء للعجز العربي والاخفاق السياسي الفلسطيني بقدر ما هي ضوء اخضر عربي وفلسطيني لمواصلة تهويد الأرض العربية في فلسطين دون حتى التلويح برادع عربي.

وفي المقابل تحول مفاوض منظمة التحرير بدوره إلى مشجب يعلق عليه القادة العرب عجزهم، فهم يتذرعون بالحجة المتهافتة بانهم لا يمكن ان يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين انفسهم، بالرغم من استمرارهم في الوقت ذاته في امتصاص غضب جماهيرهم على سياستهم تجاه اغتصاب فلسطين واحتلال أرضها بالقول إن قضيتها هي قضيتهم المركزية وقول الكثير منهم إنها تمثل قضية وطنية لهم، مع أن أحدا منهم لم يعد يجرؤ على وصف فلسطين بأنها أرض عربية أو وقف اسلامي.

و"التشاور" الذي ينويه عباس، كما أعلن، مع اللجنة الوزارية لمتابعة مبادرة السلام العربية ليس فيه من التشاور شيئا، فاستمرار التفاوض هو قرار مسبق للجنة المتابعة العربية ولمشاورها الفلسطيني على حد سواء، فاستمرار التفاوض هو مسوغ وجود مفاوض منظمة التحرير وتلك اللجنة معا، وليس من المتوقع ان أن يشير أي طرف منهما على الاخر باي بديل للتفاوض.

لذلك فإن اجتماع لجنة المتابعة الذي أعلنت جامعة الدول العربية في بيان رسمي أنه كان سينعقد في التاسع والعشرين من هذا الشهر ثم أعلن عباس انه سوف ينعقد في العاصمة المصرية في الرابع من شباط / فبراير المقبل سوف يكون مجرد إخراج إعلامي لقرار مسبق لن يسمح بأي تشاور جاد للبحث عن بديل له، لا من طرف الجامعة العربية المنشغلة بترتيب البيت العربي وتهيئته لتطبيق مبادرة السلام العربية بالشروط الأميركية - الاسرائيلية عن طريق التخلص من مواقع المقاومة الفلسطينية والعربية لهذه الشروط، ولا من طرف مفاوض المنظمة بالرغم من إعلان عباس بأن "كل الخيارات تظل مفتوحة" بعد تاريخ السادس والعشرين من هذا الشهر، فكل مسار مبادرة السلام العربية، بشقيها الفلسطيني والعربي، يؤكد على إغلاق كل الخيارات الأخرى باستثنائها.

وبالتالي فإن تمديد المحادثات "الاستكشافية" بعد السادس والعشرين من كانون الثاني / يناير الجاري يبدو قرارا جاهزا ينتظر فقط توقيتا مناسبا لإعلانه.

لقد أقر مؤتمر القمة العربية المنعقد في العاصمة اللبنانية بيروت عام 2002 المبادرة بينما كانت دبابات الاحتلال الاسرائيلي تحاصر رئيس الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، الراحل ياسر عرفات، في مقره برام الله المحتلة مما حال دون حضوره تلك القمة لا بل وحال دون تمكنه حتى من مخاطبتها لا بالصوت ولا بالصورة ولا بهما معا، وكان حصاره سببا كافيا كي لا يلوح القادة العرب بأي غصن زيتون لدولة الاحتلال، وكي يؤجلوا كأضعف الايمان إعلان تبنيهم لتلك المبادرة في الأقل إلى ما بعد فك الحصار عنه، لكنهم لم يفعلوا، بينما اعتمدت القيادة التي خلفت عرفات هذه المبادرة التي اقرت في غيابه مرجعية لها اعتبرت "نجاحها" في تضمين إشارة اليها في قرارات للأمم المتحدة وبيانات اللجنة الرباعية الدولية كواحدة من مرجعيات ما يسمى "عملية السلام" انجازا من انجازاتها.

وكان الأمين العام المساعد للجامعة العربية، محمد صبيح، قد أشاد أوائل الأسبوع الماضي بما سماه "شبكة الأمان العربية" التي وفرتها الجامعة العربية لمفاوض منظمة التحرير ومفاوضاته مع دولة الاحتلال منذ انطلاقها علنا عام 1993 وسرا قبل ذلك، وهي شبكة الأمان التي كان وزير الخارجية السوري وليد المعلم قد وصفها في تصريح سابق له ب"غطاء عربي للقرار الفلسطيني المتخذ مسبقا"، بالرغم من موافقة بلاده على المبادرة وعضويتها في اللجنة الوزارية المؤلفة لمتابعتها.

استحلفك بالله يا أبا العبد/ د. إبراهيم حمّامي

 رسالة من القلب للقلب أتوجه بها للسيد اسماعيل هنية راجياً أن تجد القبول لديكم.

فقد بلغني كما بلغ غيري أنكم عقدتم العزم على القيام بجولة عربية واسلامية جديدة بنهاية هذا الشهر، بعد النجاح منقطع النظير والاستقبال الجماهيري والرسمي الذي حظيتم به في تركيا وتونس، والذي كان له بالغ الأثر في نفوسنا جميعاً.

وقد بلغني كما بلغ غيري ومن خلال التصريحات الرسمية أنكم قررتم أن تزوروا فيما تزورون ايران، بعد أن أرسل لكم رئيسها أحمدي نجاد دعوة بذلك.

أما سبب كتابة هذه الرسالة وهذا النداء فهو مناشدتكم إعادة النظر في قراركم وبرنامجكم لزيارة ايران، والتي اتخذت موقف العداء الواضح والصريح ضد تطلعات الشعب السوري الأبي، والذي يتعرض لأبشع مجزرة على يد قوات النظام وشبيحته.

طالب الشعب الفلسطيني وعلى مدار عقود من الزمان الشعوب العربية قاطبة أن تقف معه وتدعمه ضد ظلم الاحتلال وطغيانه، ولا يمكن إلا أن نقف مع الشعوب العربية اليوم في مواجهة ظلم وطغيان من نوع لا يقل همجية ووحشية، يُمارس ضد الشعب السوري الذي لم يقصّر يومنا بواجبه تجاه القضية الفلسطينية.

حتى من المنظور الفلسطيني البحت فإن مضار تلك الزيارة أكبر بكثير من فوائدها، وبالنسبة لحماس أكثر ضرراً، خاصة في ظل ما يشاع من قبل المتربصين بأنها تحت العباءة الايرانية، تتحرك بأوامرها، وتعمل بتوجيهاتها.

لقد دفع الشعب الفلسطيني ثمناً باهظاً لحسابات كارثية إبان الغزو العراقي للكويت، ما زالت آثاره بارزة، وبغض النظر عن التشبيه والمقارنة، إلا أن ضرر مثل تلك الزيارة سيكون بعيد المدى، ومن النوع الذي يصعب إصلاحه في المستقبل القريب.

لسنا ممن ينكر الجميل، لكن مع من يستحق، لسنا من الجاحدين، لكن مع من يقدر، وإن قطرة دم سورية واحدة أغلى من كنوز الأرض مجتمعة، كما هي قطرة دم أي مسلم أغلى من الكعبة ولو هدمت حجراً حجر.

تاجر النظام السوري بالقضية الفلسطينية وما زال، وها هي ايران تبحث عن تجارة من نوع جديد، على حسابكم وحساب شعبنا، لتخرج من عزلتها ، وتورّط الفلسطينيين في مواجهة الشعوب العربية.

نقبل ونعلم أنه في عالم السياسة تختلف حسابات الشارع عن حسابات الساسة، وما تريده الشعوب قد لا يناسب القادة، لكن رهاننا كان ويجب أن يبقى مع الشعوب ونبضها وتوجهها، هي بوصلتنا الحقيقية.

أستحلفكم بالله أن لا تخسروا الشعب السوري من أجل زيارة، أناشدكم أن لا تخسروا الجماهير العربية التي تتفاعل وتغلي غضباً وحنقاً على النظام السوري وجرائمه، أطالبكم أن تعيدوا النظر في زيارتكم!

اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.

نمورٌ وقطط/ جواد بولس

استوقفني، قبل أيام، تصريح أدلت به عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومسؤولة ملف الإعلام فيها الدكتورة حنان عشراوي، وفيه ثمَّنت الموقف الأوروبي الأخير إزاء القدس وخاصة ما رصده تقرير أوروبي رسمي من انتهاكات وخروقات إسرائيلية خطيرة على مدى سنين طويلة، وطالبت الدكتورة حنان الدول الأوروبية بتبني خطط ملموسة لمساءلة إسرائيل ومعالجة الخروقات والتصدي لها بوسائل عملية على الأرض.
التقرير الأوروبي يعد تقريرًا مهمًّا، لكنّه سيبقى مجرَّد كومةِ أوراق قد يلجأ إليها لاحقًا مفسرو الأحلام الخائبة أو خبراء التنبيش عن الكنوز الضائعة. فأوروبا ستحمي قدسها هي ولن تحمي قدس الفلسطينيين وأوروبا ستتصدى لخروقات إسرائيل بما سيكفل، ربما، عدم المساس بما حصّلته من امتيازات ابتزَّتها أوروبا تلك من ذلك الرجل المريض في نهاية القرن التاسع عشر.
أوروبا لن تقاتل إلّا من أجل قبر ودرب آلام وبعض قيم تتذكرها لمامًا، قيم ورثتها من زمن غابر، يوم كان الاسم "روسو" مفخرة لفرنسا وقدوة في أوروبا، وأوروبا لن تتصدى إذا نام أصحابُ السور والقلعة. وهي لن ترفع المشاعل إذا استمرَّ زعماء وقادة و"مناضلون" فلسطينيون يلعنون الظلام ويأكلون الكعك وقد عزّ النوم والخبز والسلوى عند أبناء "القفص".
لا لومَ على قادة ما زالوا يتغنّون بقدس عرفوها قبل ما حملت على دين رب لا يتكلّم العربيّة، ولا لوم على قيادة تشتهي القدس بهيّة، كما كانت قبلما نفخت بها شهوة ذلك الربّ وحوّلتها مسخًا صقلته شفرات البولدوزر الإسرائيلي، فصار ككماشة وأقرب إلى كسارة بندق عملاقة تتلوّى ببراعة "أناكوندا" وتعصف بما كان حلمًا وصلاة أمّة، تبخّره، تهشّمه وتبلعه بلذة وبضراوةِ مَن خِبر أن البقاء للمثابر الحكيم الأقوى.
لا أعرف لماذا كلّما تُصرع سنونوة في باحة حوش مقدسيّ "أمشي إلى حلمي فتسبقني الخناجر، آه من حلمي ومن روما.."، أمشي إليك يا فيصل، يا حلمي ويا جرح القدس المفتوح، يوم كنت الوعدَ وكنت كذلك الخنجر. فأنت لم تنم وبقيت سيّد الأسوار تشرّع أبواب الشمس في القلعة.
ويوم حاول سلطان ذلك الزمن، بيبي نتياهو، غمزَ جانبِك، مستقويًا على صرح حوّلته بيتًا للعزة والكرامة للشرق وجميع جهات الريح، هزمتَه، لأنك وقتها عرفت، كما كل الأحرار الكبار، أن لا طعم لحياة مع المذلة، فكنتَ الصدر والترس والرمح. بيبي وحاشيته يتوعّدون ويتعهدون أن البيت سيغلق، وأنت، بيقين قائد مؤمن، حوّلت الموقع إلى مزار وكأن في أكنافه جميع القديسين والصديقين يباركون. في الليل أصبح مأوى لكل من كانت القدس أغلى لديهم من عشيقة وأنفس من مهجة وبؤبؤ عين. عندها، تيّقنت أوروبا أنّك الفيصل ابن هذا التراب، صادق كالنبع، حالم كطفل جائع، صلب كعاشق. وخبِرت كذلك أنّك تناضل من أجل بقاء وليس من أجل موقع و"بطاقة بَراك الدين". ولأجل انعتاق من نير ظلمة وظلم محتلّ وقريب. شهدوا على حبّك للصباح وحنانك على حارات القدس وشوارعها، "هوسك" على أهلها: فقرائها، بسطائها، نسائها، عمالها، مسيحييها وشبابها. اقتربوا منك فتكشّفتَ لهم قائدًا يعطي كما الشمس ويقاوم كأم تصد ضاريًا يهاجم صغارها، يقارع يراوغ يهادن ولا يساوم. قائد فرضَ على "روما" الحياء، فجاءته وأعلنت: نحن معك، يا صاحبَ الحق والدار، في بيت الشرق سنبقى وما سيقع عليكم سنتقبله معًا.
فيا كلَّ من نسي أو يتناسى، هذا هو النهج وهذا هو الطريق فقبل عقد وأكثر، حكومات أوروبيّة تأمر قناصلها أن تشارك وتتصدّى بأجسادها لمشاريع إسرائيلية في القدس، لكنّهم ما كانوا ليفعلوا لولا ما سجّلته دولهم وتيقنت منه، فأهل البيت في الساحات ينامون على حد نصل، نخب وأصحاب مال وسياسيون يتمثلون بقدوة فيلتحقون مدركين أن الحرية والكرامة أثمن وأبقى من مال وسيجار وساعة روليكس. والأهم كان ويبقى ابن البلد، عاشق هوائها، لا يخشى غازهم المسيِّل للدموع وللشقاء. بيارقه تشمخ في الميادين، ففيها دائمًا هو الأول ودومًا في المقدمة يصارع مستعدًا لظلام زنزانة مستغبطًا جنات خلد.
فأين منّي اليوم تلك القدس؟ وأين من عينيَّ ذيّاك العاشق الفريد؟ وكيف لنا مطالبة أوروبا "الفرنجة" بالتأهب ومساءلة إسرائيل وكل يوم تداس فيها كوفيّات وتئن حرائر وحاجب الأبواب غائب؟
لماذا نستصرخ أوروبا "الغازية ومرتع الفواحش" وكل يوم تتمايل نجمة داود من على شرفة، تبكي زمن النفاق وتصفيق العاجزين والصمت القاتل؟
وكيف لأوروبا أن تتصدى لإسرائيل ولم تشهد، منذ غاب ابن القدس فيصل، حشدًا حقيقيًا واحدًا لسواعد تطال الغيم تحلبه دموعاً ومطرًا؟
لن تتصدى أوروبا لإسرائيل إلّا إذا عادت ديوك القدس تصيح كل صباح وتطرد ما ادلهمَّ من ليلٍ وشظايا تاريخ وليد ليالي الخوف وسفاح العبيد. ولن تكون هنالك حاجة للاستصراخ، إذا عادت نمور القدس تزمجر لا تموء.
فكيف لأوروبا أن تتصدى لإسرائيل والقدس تبكي فوارسها الذين تركوها صيدًا مريئًا ورحلوا إلى حيث الراحة والسلام خلف الضباب واستقرّوا في عدسة كاميرا أو تصريح عنيف سخيف، أو حلّقوا على كتف صلاة وأدعية الولائم.
القدس تنتظركم، أن تستتيبوا وتصحوا لأنها، قبل أوروبا، هي بحاجة لأبنائها ولأهلها وبحاجة لحراس أمينين لمعابدها وحجّاب أشدّاء لا يُقهرون وإن قضوا فعلى أبوابها.
القدس دُجِّنت فمن يشفيها من خدر؟ القدس أدمنت فكيف يكون فطامها؟، القدس رُوِّضت وصار القفص مدينة والنمور أصبحت مواطنين. فهل من سيّاط وقفص؟.

دستور بلا عنصرية/ عباس علي مراد

لقد أصبح اليوم الوطني الأسترالي اضافة الى الاحتفالية التي ترافقه مناسبة لإثارة قضايا وطنية عديدة مثل التعددية الثقافية، العنصرية، تحويل استراليا الى جمهورية ودعوات لتغيير العلم ومن هو الأسترالي وهل اليوم هو يوم احتلال كما يراه السكان الاصليون وغيرها من القضايا الأقل أهمية وتندرج في باب تحقيق الأهداف والمكاسب السياسية بين الأحزاب الأسترالية كقضية طالبي اللجوء.
لم تشذ الذكرى الوطنية هذا العام عن القاعدة، وقد استأثرت مسألة العنصرية بالإهتمام لسببين، الأول ما قاله الدكتور شارل ثيوس في كلمته في مناسبة يوم استراليا من ان هناك عنصرية خفية وعلنية بعض الأحيان. الثاني: التوصية التي خرجت بها اللجنة المؤلفة من مجموعة تضم 22 من الخبراء مؤلفة من سياسيين من كل الإتجاهات، محامين، وزعماء من السكان الأصليين والتي كلفتها رئيسة الوزراء جوليا غيلارد إعادة ا لنظر في الدستور الذي ما زال يتضمن مواد عنصرية يستثنى بموجبها بعض المواطنين من التصويت على أسس عنصرية بالإضافة الى مواد أخرى تسمح للحكومة بوضع قوانين خاصة لسكان معينين على أساس العرق .
لا شك ان العنصرية موجودة بشكل او بآخر، وهذا ما بينه استطلاع اجرته جامعه غرب سيدني ( بعنوان تحديات العنصرية) حيث وجدت ان 84.4% من المستطلعين ان هناك عنصرية وأحكام مسبقة (س. م. ه. ص11- 26/01/2012).
بالعودة الى تقرير لجنة الخبراء والذي يتألف من 300 صفحة وسلم للحكومة قبل يوم استراليا والذي قضت اللجنة فترة عمل لأكثر من عامين لأعداده تضمنها العديد من اللقاءات في كل البلاد وشمل الالاف من المواطنين والاختصاصيين ، فقد اقترح التقرير الإعتراف بأسبقية السكان الأصليين وسكان جزر مضيق طوروس والإعتراف بإستمرار تلك العلاقة مع الأرض والماء وثقافة السكان ولغتهم وتراثهم. وطالب التقرير بالإعتراف بالحاجة الى تأمين تقدم السكان الأصليين وسكان الجزر، واقترح تحريم التمييز العنصري على أساس العرق، اللون، او الأثنية.
لاقى التقرير ردود فعل إيجابية من كل من رئيسة الوزراء جوليا غيلارد وزعيم المعارضة طوني أبوت. رئيسة الوزراء قالت: لقد حان الوقت لنفهم ماضينا أكثر، ونعم لتغيير الدستور، ونعم لمستقبل أكثر اتحاداً واكثر مصالحة من اي وقت مضى.
زعيم المعارضة رحّب بالتقرير وتعهد بأن يكون هدفه العمل للوحدة وتقبل فكرة إدخال الإعتراف بالسكان الأصليين في صلب الدستور كما يأمل ملايين الأستراليين.
تنوي الحكومة وضع توصيات تقرير اللجنة لإستقتاء عام قبل أو أثناء إجراء انتخابات العام 2013 الفيدرالية، وهناك تخوف من عدم نجاح الإستقتاء لأنه منذ قيام الفيدرالية جرى 44 استفتاءاً لم ينجح منها إلا ثمانية، حيث يتطلب نجاح اي استفتاء الحصول على دعم اكثرية المواطنين الأستراليين وعلى الأكثرية في أكثرية الولايات أيضاً.
نائب رئيس اللجنة باتريك دادسون قال ان مسألة تغيير الدستور قد لا تمر بدون صعوبات، حيث أن تاريخنا يشهد على ذلك بالإشارة الى فشل أكثرية الإستفتاءات السابقة، لذلك اقترحت اللجنة عدم اجراء الأستفتاء الا اذا حصل على توافق ودعم الأحزاب الرئيسية وأكثرية حكومات الولايات.
إذن الكرة الآن في ملعب رئيسة الوزراء وملعب زعيم المعارضة، فهل يكونا بمستوى التحدي وإلتقاط الفرصة التاريخية والعمل سوياً من أجل انجاح ذلك التعديل وترك الخلافات السياسية جانباً مؤقتاً، وإكمال المسيرة التي بدأت العام 1967، حيث تم منح السكان الأصليين المواطنة من خلال شملهم بالإحصاء العام، ومن ثم مسيرة المصالحة التي سارت على جسر الهاربر في سيدني في العام 2000 أثناء الدورة الألمبية والإعتذار التي تقدمت به حكومة كيفن راد في العام 2008.
الخوف من فشل الإستفتاء له ما يبرره لأنه سيبقي العنصرية مصانة في الدستور، وما قد يتركه هذا الأمر على السكان الأصليين وعلى سمعة البلاد.
نتمنى ان تكون مناسبة يوم أستراليا والعام الجديد العام الذي ندق آخر مسمار في نعش العنصرية، من أجل استمرار تقدم وازدهار استراليا، والتي ساهم ويساهم في استمرار ازدهارها ورخائها وأمنها كل المواطنين، سواء كانوا قبل الإستيطان الأبيض او المحكومين الذين نفتهم بريطانيا أو المهاجرين الجدد وحتى طالبي اللجوء والذين قطعوا الأميال الصعبة بقوارب متهالكة من أجل الوصول الى بر الأمان. عندها نحصل على المصالحة الحقيقية والإندماج في وطنية ووحدة وتعددية ثقافية تكون مثالاً للآخرين، ولا شك اننا كأسترالين قادرون على ذلك رغم بعض الأصوات المتطرفة التي قد تأتي من جهة اليمين أو اليسار.
لقد حان الوقت في استراليا القرن الحادي والعشرون ليكون لنا دستور خالٍ من النصوص العنصرية.

سيدني

كنتُ في بغداد (8)/ د. عدنان الظاهر

( تشرين الثاني ـ كانون الأول 2011 )
1 ـ مواعيد عرقوب
خارج نطاق مراجعات الدوائر الحكومية قابلت زملاء قدامى وأصدقاء ومعارف ربطتني بهم روابط وعلاقات متباينة فأحدهم كان زميل الدارسة في دار المعلمين العالية في فترة الحكم الملكي . لم يصعد كثيراً زمان البعث لكنه لم يصبه ما أصاب الكثيرين من زملائه من أساتذة الجامعات العراقية . كان خبيراً في لعبة التوازنات كما كان متحفظاً في علاقاته مع الآخرين وفي عموم مسلكه . لم يصعد في أفضل ظروفه إلى أكثر من معاون عميد أو رئيس قسم وكان راضياً بما قُسمَ له . كان دائب السؤال عني فيما سلفَ من سنين خصبة وعِجاف . عرف في سفرتي الأخيرة أني في بغداد فترك رقم تلفونه مع إحدى قريباتي وهي من زميلاته السابقات في جامعة بغداد عارضاً أنْ نلتقي . عرفت أنه اليوم يمارس مسؤولية حسّاسة في جهة عالية فقلت لقريبتي أمامنا فُرصة جيدة لعل هذا الزميل القديم يفيدني في أمر ما وفي مرحلة ما من المراحل المتبقية في طريق إسترداد حقوقي التقاعدية . زرناه في بيته وكان الإستقبالُ وديّاً حاراً إذْ إفترقنا لعقود وعقود . سألني عن موضوعي فشرحت له ما أراد . قال إذا وصلت معاملتك إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي خابرني . حين بلغت معاملتي أبواب هذه الوزارة خابرته فلم يبدِ أي إستعداد لمتابعة الموضوع واكتفى بالقول : إنها ستمشي لوحدها ! شكرته ولم أتصلْ به فيما بعد .
2 ـ وفاء البنات
شتّان ما بين زميل سابق وأستاذ جامعي يمارس اليوم مسؤوليات غير قليلة الجسامة وفتاة تعمل مدرّسة في إحدى كليات جامعة بغداد . لم نلتقِ قبلاَ سوى على صفحات النت لأمور تتعلق بإختصاصها ومستقبل دراستها . عرفت أني سأزور العراق فأصرّت أنْ تراني . لم تتوقف الإتصالات التلفونية بيننا وأنا في بغداد تسألُ عني وعن سير المعاملات وتأمل في لقاء حتى صادف أنْ كنتُ منتصف يوم خميس في مكتب معاون عميد كلية العلوم للشؤون العلمية إذْ أخبرتني عَبرَ الموبايل أنها في الجادرية فقلتُ لها حَسَناً ، أنا كذلك في الجادرية وفي المكان الفلاني . بعد فترة قصيرة فاجأتني لحظةَ مغادرتي مكتب معاون العميد فعرفتني قبل أنْ أعرفها . تصافحنا وتبادلنا السلام ثم قادتني إلى كافيتيريا وقدّمت لي الهامبركر مع الشاي ثم القهوة المُرّة وما كنتُ لأصدّق ما كان يحدث أمامي . شابّة يافعة طويلة القامة كل ما فيها جذّاب وجميل لم تلتقِ بي سابقاً تكّرمني كل ذاك التكريم وتحتفي بي وتعاملني كأب حقيقي . أزفَ وقت المغادرة فعرضت عليها أنْ تصطحبني في سيارة التاكسي لإيصالها حتى باب بيت ذويها فقبلتْ الفكرة . ما كان أعظمها في نظري وما كان أرفعها قَدْراً والوفاء والشرف يرسمان ملامح شخصيتها وتقاسيم وجهها السمح الكريم . ما تفسير الفرق بين سلوك الناس وما أسباب هذا الفرق ؟ طبيعة الإنسان الأولى والطينة التي جُبلَ منها أم تعقيدات الظروف السياسية وتقلبات الزمان ثم حركة المصالح وإتجاهات الريح ؟ لم يُقدّم الأستاذ الذي زرته في بيته إلاّ ربع قدح من مشروب الميراندا ( نعم ، رُبْع كلاص ! ) أعقبه ستكان شاي واحد فقط لم يعرض غيره ! صرت ساعتها أردد قول المتنبي :
صَحِبَ الناسُ قبلنا ذا الزمانا
وعناهمْ من أمرهِ ما عنانا
لا ينسى رجلٌ مثلي من أمثالك يا فتاة وسيّدة نفسها وتصرفاتها فهل هي التربية الشخصية أم التربية العائلية أو كلتاهما معاً ؟
3 ـ وفاء الكُتّاب ورجال الفكر والثقافة
زارني في بيتي ولمرتين الإنسان والمفكّر والكاتب الرائع الأستاذ وجيه عبّاس الموسوي ، أبو علي . كان اللقاءان مثل خطفة خيال ! أهذا هو وجيه عبّاس نفسه الذي واكبتُ مطالعَ كتاباته الأولى وما كان الرجل يومذاك معروفاً إلاّ للقلّة القليلة من الناس ؟ كتبتُ له يومذاك معرباً عن إعجابي بكتاباته وشجعته على المضيّ قُدُما في نهجه وأسلوبه في الكتابة . ردَّ على رسالتي فوراً شاكراً وكان رده في غاية الأدب والتواضع مع ثقة عالية بالنفس والمستقبل . إتفقنا على أنْ نلتقي في شارع معين أمام مخزن معين في حي أور وكان اللقاء الأول إذْ شخّصته على الفور فوجهه هو هو كما هو معروف في الكثير من وسائل الإعلام لا تُخطئه عينُ الرائي أبداً . كان اللقاء الأول في بيت أقاربي قصيراً مختصراً شرب فيه فنجان قهوة لا أكثر لكنه قدّم لي كتابيه الضخمين الأول بعنوان ( عولمة بالدهن الحُر / 1040 صفحة ) الذي نشره تباعاً على شكل حلقات قرأت أغلبها أو جميعها في العديد من المواقع . كتابه الثاني بعنوان ( هكذا تكلّمَ بابُ فاطمة / 575 صفحة ) جديدٌ عليَّ جلُّ ما فيه. تصفحته في بعض الأماسي في البيت وقرأتُ منه ما تيسّر وما سنحت لي به ظروف البيت والصحة . يعرض الأستاذ وجيه في هذا الكتاب نظريات أو فرضيات أو وجهات نظر جديدة جريئة في مسائل قديمة خاض فيها كثيرون قبله فيما يخص خلافات مستعصية وجدت لها المناخات الملائمة بعد وفاة نبي الإسلام محمد بن عبد الله . الجديد هو تفسيرات أبو علي الأكثر من جريئة وقد قلت له في اللقاء الثاني إنها تفسيرات ووجهات نظر قابلة للنقاش والجدل . في لقائنا الثاني جاءنا تحت قيادته سيارة فورد جميلة رباعية الدفع . في هذا اللقاء كان أبو علي أكثر إنفتاحاً فتناقشنا في أمور شتّى والحديث معه مُغرٍ لا يُملُّ . عرض لي مشروعاً ثورياً غير مسبوق يتناول فيه قضيه إكتشافه لوزن أو بحر أو تفعيلة جديدة تنتظم آي السور القرآنية قال إنه بصدد نشر تفاصيل هذا الكشف وإني شخصياً أنتظر ما سينشر الأستاذ وجيه بفارغ الصبر لأني مهتمٌّ بمسألة موازين الشعر وإيقاعاته الوزنية وغير الوزنية . وجدتُ أبا علي بحراً ووجدته موسوعة ثقافية متعددة الجوانب ثم وجدته شاباً خجولاً كثير التواضع لا يمتُّ بأيّما صلة لموضوعات ما ينشر على الملأ من صرخات وفضائح وشتائم محسوبة وتعبيرات [ سوقية فيها سباب وفشار فاضح ] . إذا ساعدتني الظروف اللعينة المتقلبة فلسوف أكتب عن بعض ما ورد من مقالات في كتابه الثاني ( هكذا تكلم باب فاطمة ) . وجيه عباس عالم متفرّد وإنسكلوبيديا يفتخر العراق بها وبأمثالها .
لم ألتقِ الأستاذ وجيه قبلاً فما تفسير ميله للقاء بي في بغداد ؟ كان دائم السؤال عني عن طريق إبنتي قرطبة والسلام عليَّ ثم فاجأني ذات مساء الأستاذ وفاق الجصّاني بأنْ بلّغني سلامَ وجيه عبّاس . نعم ، الحديث عن وجيه عباس حديث ذو نغمة ومذاق خاصين لذا عاهدتُ نفسي أنْ أكرّسَ القدر غير اليسير من جهدي للكتابة عن بعض مقالات وأطروحات كتابه الثاني ( هكذا تلكم بابُ فاطمة ) .
4 ـ كرمُ كرامِ النفوس ووفاءُ كريماتهم
ذكرت في بعض الحلقات السابقة أنَّ مَرَضي المُفاجئ حالَ دون تلبيتي لدعوة على الغداء تفضّلت بها عليَّ إحدى العوائل الحلاوية العريقة . قبلت الدعوة إبتداءً وكنتُ مسروراً أني سأتشرف بالتعرف عن كثب على ربِّ هذه العائلة وأبنائه وبناته وإني سأفتخر وسأفاخر ما حييتُ أني كنتُ ضيف هذه الأسرة الكريمة . تبادلنا الأحاديث التلفونية واتفقنا أنْ أزورهم يوم جمعة فالجمعة عطلة لا دوامَ رسمياً فيها . ثم رتبّت برنامج السفرة للحلة أنْ أصلها بعد ظهر الخميس كما نسّقت مع بعض أقاربي هناك أمر مبيتي وأنْ ألتقي مضيفيَّ نهار الجمعة على أنْ أغادر الحلة صباح السبت . لكن ... تجري الرياحُ ... سقطتُ فجأةً مريضاً في أشدِّ حالات المرض ألماً ومعاناةٍ فاتصلت بهذه العائلة معتذراً أني لا أستطيعُ تنفيد مشروع زيارتهم في الحلة فتأسفوا وتفهّموا ظرفي وحراجة حالي . ألمْ أقلْ إنَّ الناسَ مختلفون باختلاف طبائعهم وتربة نشأتهم والمحيط العائلي الذي تربوا فيه ؟ لماذا حرصت هذه العائلة الأكرم من كل كرم أنْ تستضيفني وأنْ أجرّب طعامهم وأن يروا إنساناً مثلهم حلاوي الأصل ترك الحلة في آب عام 1962 ؟ إنه الدم النبيل يجري في عروقهم الأصيلة حاملاً أقوى وأنقى الجينات فلهم مني التقدير والتبجيل والشكر الجزيل .

التحرك العربي عجز في حماية الشعب السوري/ خليل الوافي

اتفق العرب على الا يتفقوا-مقولة ما تزال تتردد على السنة الناس منذ فجر التاريخ العربي حتى الان.وما شاب المفوضات الماراطونية من انتكاسات متتالية.وتغبير المبادرات العربية التي طرقت كل الابواب دون ان تصل الى نتائج ملموسة على الارض .وزاد التصعيد الامني في قمع التضاهرات.و استفحال مظاهر القتل.و تكثيف الجهود العسكرية و الامنية و الاستخباراتية للقضاء على ثورة الكرامة السورية التي انطلقت في 15 من شهر مارس الماضي.اي في السنة الفارطة من سنة 2011 التي عرفت بثورة الربيع العربي الدي يرخى بظلاله القوية على المشهد السياسي في اكثر من عاصمة عربية.
المازق العربي من الازمة السورية.لم يعد يحتمل من جراء تخاذل جامعة الدول العربية في اتخاذ مواقف حاسمة لتوقيف حمام الدم الذي ينزف في المدن و القرى السورية اكثر من احدى عشر شهرا.وامانة الجامعة مصرة على موقفها الرامي ليظل الحل عربيا.لكن امكانياتها.والياتها وبشاعة تقرير بعثة المراقبين بقيادة مصطفى الرابي شوهت حقيقة الجامعة.وكسرت مفهوما متداولا في الشارع العربي يتجلى في ان جامعة الدول العربية في حقيقتها لا تمثل الشعوب العربية بقدر ما تمثل الانظمة الدكتاتورية.و تضع لجنة المراقبين داخل المشهد السوري لاضفاء الشرعية عن دورها الخجول في تداول الملف السوري بالشكل الذي يبعد المصالح السياسية جانبا.و يضع ارادة الشعوب في المقام الاول.و الدفاع عن حقوق الافراد والجماعات.ولا تبارك القتل العشوائي و المتواصل مما صدر عن تقرير الدابي الذي يخرج عن السياق العام الذي تنشده الجامعة في تطبيق مقتضيات المبادرة العربية لحل الازمة السورية.
وخروج السعودية عن صمتها الا تعبيرا صارخا عن انشقاقات واضحة بين وزراء الخارجية العرب في توحيد الرؤية الاهداف.وهذا الحل السياسي في المواقف المتضاربة يزكي استمرار القتل في السوريا.و يعطي اشارات للنضام في دمشق لممارسة مزيد من القتل.و اعتماد الخيار الامني كتركيبة اساسية في التعاطي مع الثورة الشبابية.وقد اتضحت الصورة الكاملة عندما خرج موقف الجامعة محتشما لا يرضى الى ما تطمح اليه الضمائر الحية التي الا تقبل بهذه الابادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب السوري.
البيان الوزاري لم يخرج عن القاعدة.و كرس اجترار المواقف المتضاربة في تفعيل مقررات المبادرة العربية التي ظلت جامدة في رفوف مكاتب الجامعة.ولم تعترف بها دمشق ضمنيا رغم توقيعها الاخير.و في التوقيت المناسب حتى لا يتم انتقال الملف السوري الى مجلس الامن.الذي يعرقله الفيتوالروسي الذي يدعم مسلسل القتل.ويعزز من دور نظام الاسد في تماديه المعلن و الصارخ لا يعتبر قرارات الجامعة.ولا المنتظم الدولي في احترام و تطبيق حقوق الانسان.وحماية الشعب من القتل الممنهج الذي بدات تعريفه المناطق الساخنة في كل من حمص حماة وادلب التي تعتبر مناطق منكوبة و تحتاج الى مساعدات عاجلة و توفير الامكانيات الاساسية من ماكل و مشرب وغاز في ظل رداءة المناخ.وفصل الشتاء القارص الذي بدات اثاره على السكان الذين فضلوا البقاء في ديارهم المنهارة.واخرون في مخيمات تركية تعاني الامرين.وتحركات واسعة على امتداد الحدود التركية السورية لمنع تدفق اعداد اخرى من اللاجئين الذين ضاق بهم الحال.وهربوا من جحيم الة قتل لا تتوقف ترى في استعمال العنف الرهيب و الاعتقال سلوكات يمكن ان تقوض من عزيمة الثوار والجيش الحر المنشق الذي يؤكد ازدياد اعداد هائلة من المنشقين.و يعطي معطى جديد في حجم المواجهة .و توازن القوى لصالح الجيش الحر في بعض المناطق التي يسيطر عليها احرار الجيش.و هذه المعادلة تضع النظام السوري امام محك حقيقي في مواجهة جيش الثورة و امواج الاحتجاجات في اكثر من نقطة تظاهر.و توسيعها حيث بدات تظهر معالم انتفاضة من داخل دمشق وهذا مؤشر ايجابي يسجل لصالح ثورة التي تواجه الرصاص والاسلحة الثقيلة من اجل مستقبل جديد لسوريا الحرة.وانتقال ديمقراطي وسلس للسلطة الى الشعب الذي يقرر من ينوب عنه في ممارسة دواليب الحكم.وطي صفحة الماضي السحيق الى الابد.
وقد غاب الدور التركي الذي كان متحمسا في البداية للقيام بدور طلائعي .وتوفير غطاء امن للاجئين.ومناطق عازلة لحماية المدنيين.وتقديم الدعم المادي والمعنوي واللوجيستيكي. وتوفير حماية دولية لنزوح افواج اللاجئين الهاربين من بطش النظام الذي لم تسعفه الة الحرب الهمجية في اخضاع شعب بكامله.ويبقى السؤال مطروحا ...لماذا تراجع الدور التركي في لعب دور استراتيجي لتوفير غطاء سياسي وانساني للذين يعانون اصناف المعاناة في مخيمات تنعدم فيها ابسط مظاهر الحياة...
الكل تحالف ضد الشعب السوري حيث جامعة الدول العربية تمدد مهمة بعثة المراقبين شهرا اضافيا وخروج تقرير الدابي الذي استنكره الجميع .وزكى موقف النظام في حكمه المبطن لاشكال القتل .والاسلحة الثقيلة التي تزين المدن والقرى .و المراقبون ذهبوا ليدافعون عن نظام الاسد.وهذا تزوير فاضح للحقائق والمعطيات التي يعرفها الكبير والصغير.وقد وصل عدد القتلى في ظل وجود بعثة المراقبين التي ذهبت لاحصاء القتلى والجرحى والمعتقلين وكمية الذخيرة الحية التي كانت تستعملها السلطة في دمشق اى ازيد من 976 قتيلا.وننتظر من المهلة الجديدة ان يتضاعف فيها العدد.وفي ذلك محاولة للاجهاد على ثورة سليمة مستمرة رغم كل هذا القتل الوحشي في حق شعب اعزل.
القتل لم يعد سرا في سوريا.و انشقاقات الجيش الحر بدات تاخذ معنى جديدا في تغيير موازين القوى في الداخل .وامام هذه الانشقاقات عمدت الاجهزة في نظام الاسد استخدام الطيران الحربي وقصف المدن .وهذا التغيير استراتيجي في تغليب كفة لصالحه رغم ان حجم العتاد والذخيرة .والامكانيات االعسكرية التي يتوفر عليها لا يمكن مقارنتها مع الامكانيات الضئيلة التي يتوفر عليها الجيش الحر الذي يعتمد على ارادته القوية في اثبات وجوده رغم صعوبة المهمة .وامام هذه الصعوبات كان من الاجدر تمويل وتسليح احرار الجيش لحماية المدنيين .والدفاع عنهم في ظل الاستهتار النظام بارواح الشعب الذي يقاوم طوفان المؤسسة الحاكمة الجارف والذي اتى على الاخضر واليابس...
ان عجز الجامعة العربية في حسم الملف السوري.وافتقارها للاليات الاساسية وفرض منطق القوة العسكرية من طرف دول عربية تاخذ المبادرة في ارسال قوات حفظ السلام .لان العنف المسلح لا يقابل الا بمثله .وليس بالصدور العارية التي تسقط على التوالي في الشوارع السورية التي تشهد استمرار عمليات تصفية جسدية وعمليات اغتصاب .ومظاهر كثيرة يندى لها جبين القوى الحية في العالم .وكان لزاما عليها اصدار قرار بالتدخل العسكري .واحالة ملف سوريا الى مجلس الامن رغم الفيتو الروسي والصيني .ومع مرور الوقت يمكن ان تتراجع مواقف الدولتين في صناعة قرار حاسم ينهي نظام استبدادي عمر اكثر من اربعة عقود.
واذا كانت العراقيل السياسية مطروحة في الطريق .هل يمكن ان يظل المجتمع الدولي والاسلامي صامتا .وهل يعقل ان تظل تمارس الحياد والشعب يتعرض لعملية ابادة جماعية لاتقبلها القوانين .والنواميس الدولية .والتشريعات التي تنص على احترام الانسان في تجلياته السامية التي اتت بها الكتب السماوية ...
ان مشروع المبادرة الخليجية نجح في اليمن .وانتقال السلطة الى نائبه. وتخليص الرئيس اليمني علي عبد صالح من المحاكمة .وضع قوانين الحصانة لحمايته من اي نوع من المتابعة القضائية حول الجرائم التي ارتكبها في حق شعبه .وبذلك تكون المبادرة الخليجية قد ساهمت في حماية النظام .وجعلت الشعب يدفع الثمن من ارواحه ومن دمه .ويخرج من البلاد كما ولدته امه .اي قانون هذا يسمح بالانفلات من العقاب والمتابعة .وهذا السيناريو يراد له ان يصاغ في الملف السوري .لكن حيتيات القضية والمناخ السياسي وطبيعته تختلف جملة وتفصيلا مما تعرفه اليمن ..والانظمة لا تحاكم والشعوب تكوى بسياستها الفاصلة في توسيع دائرة الحوار الديمقراطي المطلوب. واعطاء دور جديد للفعاليات المدنية في عملية التداول على السلطة .وتغيب مظاهر الاحتكار .وبسط النفوذ على حساب متطلبات المجتمع .وابعاد التهميش والاقصاء الذي يمارس على العديد من فئات الشعب
لن نفاجا اليوم وغدا من تصريحات الحكومة السورية حول قرارات جامعة الدول العربية .والاستمرار في الطرح القديم الذي تروجه المخابرات السورية في وجود عصابات مسلحة تهدد استقرار الحياة السياسية في بلد يتمتع بسيادة دولته .وهو مجبر لادفاع عن حصن حزب البعث .والشعب اخر شيء يمكن ان يدرج في جدول اعنال مؤسسة النظام ...والصمت احيانا يكون ابلغ من الكلام نظرا لهول الجرائم التي تقترفها ايادي النظام في حق شعب يملك مفاتيح سقوطه