أطلقوا شباب الثورة من سجون.. مبارك!/ جورج هاشم

الثورة المصرية لم تصل بعد الى وزارة الداخلية والى رجال الشرطة التي كانت ممارساتهم احد اهم الاسباب التي اشعلت الشارع المصري. وايقونة الثورة، خالد سعيد، مات تحت الضرب والتعذيب فكان الشرارة التي أضاءت الطريق لملايين المصريين الذين كسروا حواجز الخوف واسقطوا في ثورتين متتاليتين دكتاتوريتين عاتيتين: واحدة عسكرية والثانية دينية، بعد ان دفعوا الثمن غالياً الوف الشهداء والمشوهين والمفقودين. وبدل محاكمة قتلة الثوار نجد اليوم الكثير من رفاق الشهداء في قفص الاتهام ومنهم من صدرت بحقهم احكام قاسية.
ففي 2/12/2013 اثناء جلسة محاكمة قتلة خالد سعيد في الاسكندرية، وقف بعض رفاق خالد امام المحكمة يحملون لافتات تطالب بالقصاص من قتلته. فجأة انهال احد الضباط ضرباً على احد الواقفين. تقدم رفيق له ليدافع عنه فالقي القبض عليه ايضاً، بعد ضربه بالطبع. تقدم الشاعر عمر حاذق من الضابط وسأله عن سبب القاء القبض على زميليه فكان نصيبه القاء القبض عليه ايضاً وتحويله الى المحاكمة بتهم:" تخريب المنشآت، تحطيم سيارات الشرطة، الاعتداء على الجنود والضباط، اتلاف الممتلكات العامة، مقاومة السلطة، التظاهر دون ترخيص، وتكدير الامن العام..." وبفترة زمنية قصيرة، لم تعرفها المحاكم المصرية، صدر الحكم على الشاعر والروائي عمر حاذق بالسجن سنتين وبدفع غرامة مالية قدرها 50 الف جنيه. كما صدر الحكم نفسه على الموقوفين الاخرين وبالتهم نفسها... مع العلم ان قتلة خالد سعيد، الذي استشهد سنة 2010 لا زالوا يحاكمون. ولم يصدر حتى الان اي حكم على من قتل وشوه الاف المتظاهرين المسالمين والذين لولا تضحياتهم لما وصل من وصل الى الحكم اليوم في مصر.
الشاعر الرومانسي عمر حاذق، الحاصل على الجائزة الاولى في الشعر في مهرجان الحب والعدالة والسلام في العالم بايطاليا، كتب من وراء القضبان لاصدقائه:" انا مشتاق لكم يا اصدقائي، يا اخوتي في الحرية وفي محبة هذا الوطن المسكين... " وحين استلم النسخة الاولى من روايته الاولى" لا احب هذه المدينة"، في سجنه قال:" انا اتمتع بطعم حريتي وقيمتي كانسان حر... اشهد اني هنا اعيش حياة حقيقية لا زيف فيها..." وعمر موظف في مكتبة الاسكندرية. تصدى سنة 2011 للفساد  فصدر قرار بفصله من عمله. لكن تكاتف زملائه اجبر الادارة على التراجع... في بلاد العالم يحتفلون بشعرائهم بينما انظمتنا العربية تحتفل بشعرائها وكتابها ومفكريها خلف قضبان السجون. عمر الذي يكتب رواية جديدة في سجنه يقول:... ولكنني خائف لان هذا الزمان عدو لقلبي. لا تخف يا عمر. ألسْتَ انت القائل:" نحن قمحُكِ يا مصرُ لن يخبزونا..."  وهل يمكن لمصر ان تعيش من  دون قمح؟
شباب الثورة يقبعون اليوم بالمئات خلف القضبان. منهم: المدون والمبرمج والناشط والحقوقي علاء عبد الفتاح. والده المحامي والحقوقي والناشط السياسي احمد سيف الاسلام وامه الدكتورة ليلى سويف استاذة الرياضيات بكلية علوم جامعة القاهرة والناشطة السياسية ايضاً. وُلِدَ طفله الاول خالد، على اسم خالد سعيد، وهو في سجن طرة على خلفية احداث ماسبيرو. اعتقل عدة مرات على ايام مبارك والمجلس العسكري ومحمد مرسي. واليوم على ايام الثورة التي شارك بصنعها. والتهمة هي نفسها في العهود الاربعة: التحريض والاشتراك في التعدي على افراد القوات المسلحة واتلاف معدات تخص القوات المسلحة والتظاهر والتجمهر وتكدير الامن والسلم العام... قضى فترات تتراوح بين ال 26 يوماً وال 45 يوماً.  وكل مرة كان قاضي التحقيق يُطلق سراحه. فلو كانت التهم اعلاه صحيحة لكان يجب ان يبقى في السجن لاعوام طويلة. لكن لائحة التهم المهزلة والجاهزة كان قد نساها حبيب العادلي على مكتبه في وزارة الداخلية ويشهرها خلفاؤه في وجه الناشطين ساعة يشاؤون. وكأن العادلي لا زال في مكتبه. وكأن نظام مبارك لم يتغير فيه الا الرأس... في نوفمبر 2013 أعتقل بتهمة التحريض ضد الدستور وباقي اللائحة. اقتحم عشرون من رجال الشرطة منزله. كسروا الابواب. صادروا اجهزة الكمبيوتر، سلاحه الاقوى، صادروا تلفونات العائلة... عندما سألهم عن المذكرة القضائية الخاصة بالقبض عليه، اعتدت الشرطة عليه جسدياً وعلى زوجته... ولا زال محبوساً. كتب من سجنه :اعلم ان اليأس خيانة. لكن الثائر في وطني – لو كان نبياً معصوماً – ورأى... تمكين الطاغية بأمر المظلوم/ وتهليل الفقراء/ سيفقد ايمانه... في كوابيسي يحيطون بامي راغبين في طردها من الميدان. تقاومهم ليلى سويف التي وُلِدت في رحم الهزائم فنزلت الميدان سنة 1972 ولم تعدْ للآن. لم يجرؤ اليأس على الاقتراب منها ومع ذلك خوّنوها ليطردوا شكوكهم وهزائمهم...( في اولى جلسات المحاكمة في 23/3/2014 أخلت المحكمة سبيله بكفالة مالية قدرها عشرة الاف جنيه).
لؤي قهوجي، ناشط آخر، دخل سجون مبارك والمجلس العسكري ومرسي. هذه الانظمة، حسب رأيه، يجب ان ترحل لانها " لم تقدم شيئاً للشعب المصري ليأتي بديلاً منها انظمة تحقق العدالة الاجتماعية وتحقق مبادىء الديموقراطية..." وبفضل الناشطين وملايين المصريين رحلت هذه الانظمة. ولكن البديل، بدل ان يحاكم قتلة الثوار، نراه وكأنه ينتقم ممن اسقط هذه الانظمة. فلؤي اليوم يقضي حكماً بالسجن سنتين في احد  سجون " الثورة" ولائحة التهم نفسها. اضافة الى 50 الف جنيه. لؤي قهوجي لم يترك ميدان التحرير طوال ثورة 25 يناير. كان يأمل ان يُحاكَم قتلة خالد سعيد وقتلة الثوار ولم يكن يتصور بالطبع انه هو من سيقف في قفص الاتهام في عهد الثورة.
اسلام حسنسن، شاب صغير في التاسعة عشرة من عمره، يدرس في معهد بمنطقة المنشية. كان ماراً، مصادفة، بجوار المحكمة القريبة من المعهد، حيث كانت تجري محاكمة قتلة خالد سعيد. نزل من الباص ليتفاجأ بالاشتباكات واعتداءات الامن على المتظاهرين... القوا القبض عليه بعد ان البسوه لائحة التهم اعلاه. وبعد ان اخذ الحكم اعلاه ايضاً.
أحمد دومة: ناشط سياسي وكاتب صحفي ومتحدث سابق باسم "ائتلاف شباب الثورة". سُجِنَ 18 مرة في عهد مبارك وامتداده المجلس العسكري. سجن مرتين في عهد مرسي. عضو مؤسس في اغلب الحركات الاحتجاجية والمعارضة منذ 2004 مع ظهور حركة كفاية. عضو اتحاد كتاب مصر. يقضي عقوبة بالسجن حالياً لمدة ثلاث سنوات بتهمة التظاهر وبقية اللائحة... محامي الدفاع يقول ان دومة تعرض للضرب مع زميليه احمد ماهر ومحمد عادل، من قبل قوات حرس المحكمة خلال جلسة محاكمته. واحمد ماهر، احد اشهر الناشطين الشباب. مهندس مدني والمنسق العام ومؤسس حركة 6 ابريل التي انطلقت في ابريل 2008 تضامناً مع اضرابات عمال المحلة الكبرى والتي كان لها الدور البارز في كل التحركات. احمد ماهر موجود اليوم في السجن بالتهم نفسها...
ولائحة النشطاء خلف القضبان تطول. .. والاخطر الحملة المبرمجة التي تقف وراءها بعض وسائل الاعلام، وبعض الاعلاميين المتمسحين بالسلطة الجديدة، وكل سلطة. فهناك دعايات تُروَج تتهم الناشطين بالعمالة وتلقي اموال من الخارج واذاعة اشرطة توحي انهم عملاء...رغم ان الناشطين المذكورين اعلاه، وغيرهم الكثيرين، مثلوا امام القضاء وحُكِمَ عليهم بتهم التظاهر من دون ترخيص، وتكدير الامن العام و ...الى آخر اللائحة... ولم يُتهموا ابداً بما الصقه ببعضهم بعض الفضائيات. فالداخلية التي تعودت، خلال عقود، على فبركة التهم الجاهزة، لن تعف عن تهم مثل العمالة وقبض اموال من الخارج لو كانت صحيحة...
هذه الممارسات تنعكس، اول ما تنعكس، على حاكم مصر الفعلي منذ 30 يونيووحتى الان، و رئيس مصر القادم، المشير عبد الفتاح السيسي، وربما تعطي دلالة على اتجاه نظامه المقبل. ولا تبشر بدولة القانون والعدالة الاجتماعية التي دفعت مصر من اجلها الكثير. فقانون منع التظاهر لا يليق بثورة لم تكتمل بعد. ولو تقيَّدَ شباب مصر بهذا القانون طوال عهود مبارك والمجلس العسكري ومرسي لما كان اليوم السيسي حبيب الجماهير ومرشحهم المفضل، ورئيس مصر القادم. يجب التفريق بين متظاهرين مسالمين يطالبون بتطبيق العدالة وبين متظاهرين ارهابيين يروعون العباد والبلاد. الامن مهم جداً ولكن ليس على حساب الديموقراطية. وشعار " لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"  تركنا  في احضان الديكتاتوريات، لعقود طويلة ..وتحصين  قرارات اللجنة العليا للانتخابات لا تبشر ايضاً بخير. وتذكر بتحصين قرارات مرسي ووضع نفسه فوق القانون...وممارسات الامن ووزارة الداخلية تقول ان نظام مبارك لا زال حياً يقمع... وان سجونه لا زالت تغلق ابوابها على الاحرار والنشطاء...
السيسي امام خيارين: إما ان يدخل التاريخ كأحد من ركبوا الثورة المصرية وأعاد توجيهها باتجاه نظام مبارك. فيعيد الاعتبار لاركانه ولممارساته القمعية والتي نرى بعضها الان... وإما كأول مؤسس لنظام ديموقراطي عربي وذلك باصدار القوانين التي تتلاءم مع تطلعات شباب مصر وتنفيذ مطالب الثورة، وتثبيت دولة العدالة الاجتماعية وتطبيق الديموقراطية الصحيحة ومنها الغاء قانون منع التظاهر وبالتالي اطلاق سراح شباب الثورة اذ ينتفي السبب  لمحاكمتهم. فشباب مصر مكانهم الطبيعي هو المساهمة الايجابية في بناء مستقبل افضل لمصر. وليس مكانهم سجون مبارك...

عمّا تَبْحث/ شوقي مسلماني

 1 (حسام السراي) 
"مِن أشعار أبي تمام الذي دمّرتْ "داعش" تمثاله في العراق أخيراً: "إذا جَارَيْتَ في خُلُقٍ دَنِيئاً / فأنتَ ومنْ تجارِيه سواءُ \ فلا واللهِ ما في العيشِ خيرٌ/ ولا الدُّنيا إذا ذَهبَ الحَياءُ". 
**

2 (الشمس) 
تشرق الشمس من منطقة يتعذّب أهلها بالحرّ: "حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا" (قرآن كريم ـ سورة الكهف). وتغرب في عين حمئة. والعين قد تكون عين ماء. وحمئة! تعني الوحل الأسود: "حتى إذا بلغ مغرب الشمس (ذو القرنين) وجدها تغرب في عين حمئة" (قرآن ـ الكهف). وإن اعتقدوا غير ذلك!. 
**

3 (فضل عبد الحي)  
الإكراه في الدين ينبذه القرآن، والدليل يظهر فيما يظهر في سورة الكهف لقوله تعالى: "إنّهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملّتهم". فالذي يمارس الإكراه هو الذي يرجم "المرتدّ" أو يقتله، كما يدعو بعض المسلمين المتطرّفين اليوم، أو يعيده بالقوّة إلى الملّة. 
**

4 (قال)  
"... كان ذلك قبل سنتين، حين التقيتُه بالصدفة جالساً هو والشاعر وديع سعادة في مقهى بمنطقة الحمرا (بيروت). قال لي ولأصدقاء، بعد حديث في الشأن الداخلي السوري، وبألم ظاهر وصوت عطوف: "كونوا مع الثورة وانتقدوها بشدّة". وبعدما غادرناهما بسبب ارتباط سريع سألني صديق عمّن يكون الذي حدّثنا قلت: "إنّه... شوقي مسلماني... يرفض الوقوع في سلّة أميركا والأطلسي...". (من كلمة صديق سوري معارض).  
**

5 (مثلاً)    
بسهولة يمكن تحويل السلبي إلى إيجابي، ومثلاً تنزعج، وأنت منهمك بالكومبيوتر، من نقْرِ القطّ على النافذة، يريد أن يأكل، ولكن هذا الإنزعاج يمكن أن ينقلب إلى ارتياح فيما لو اعتبرتَ أنّ القطّ الذي يريد أن يأكل هو يقول لك أيضاً، وهو ينقر على النافذة: "أنت منذ ساعتين خلف الكومبيوتر، في وضع واحد ثابت، قم واجعل الدم يتحرّك في جسمك"!. 
**

6  (جرمانوس جرمانوس)  
أ ـ "الإيدْ مَحْرِمْة الومَا
العَينْ تابوت العَمَى 
حزني عم يْنَقّطْ شَمعْ 
صَوْتي عَم يْنَقّط دَمعْ
ولْوَينْ بِتْروح السَما"؟!. 
** 
ب ـ ".. وأبْعَدْ نجِمْ
أقرَبْ لَ إيدي من قلم
هُوّي وْعَم يْوَشْوِشْ إدنْ لوراقْ 
... 
وبيضلّ خيّاط البكي قْبالي
بيشدّ فيّي جَرّب خْيالي"!.
**

7 (النيهوم)   
سئل صادق النيهوم: "عمّا تبحث عندما تقرأ"؟. قال: "أبحث عن أي شيء يساوي وجودي". 
Shawki1@optusnet.com.au

حول تصريحات محمود عباس في جدة/ شاكر فريد حسن

 
         
أثارت تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مؤتمر جدة ، الأسبوع الماضي ، في أعقاب اختفاء ثلاثة من المستوطنين ، بخصوص التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي ، ردود فعل سلبية وغاضبة في الشارع الفلسطيني ، خصوصاً في الضفة الغربية ، وبين الفصائل الفلسطينية ، التي رأت فيها تصريحات مشينة تسيء للنضال الوطني والمقاومة الفلسطينية وبمثابة خدمة مجانية لحكومة الاحتلال ، ودعماً لعمليتها العسكرية واسعة النطاق بحثاً عن المستوطنين المختفين أو المختطفين ، الذين لم تعلن حتى هذه اللحظة أية جهة فلسطينية مسؤوليتها عن الاختطاف ، في الوقت الذي تلقى فيه عباس صفعة قوية من نتنياهو برفض المصالحة معه ..!
ولا شك أن تصريحات عباس وتهديده أبناء شعبه ، ودفاعه الشرس والمستميت عن مصالح إسرائيل الأمنية ، تظهره فاقداً للشرعية وخائناً لمصالح شعبه وخارج الإجماع الوطني والشعبي الفلسطيني ، ومتملقاً لساسة وحكام إسرائيل .
وهذه ليست المرة التي ينزلق فيها عباس ويلقي بالكلام على عواهنه دون تروٍ ، ناسياً أنه رئيس وقائد لشعب يطمح ويحلم بالتحرر والاستقلال . ويبدو أن خرف الشيخوخة أصابه وأثر عليه ، ولم يعد صالحاً لقيادة شعبه الرازح تحت نير القهر والظلم والحصار الاحتلالي .
وعباس بتصريحاته هذه ، التي تأتي في إطار ما يسميها بـ "السياسية العقلانية" يغرد خارج سرب شعبه وقواه الوطنية والفصائلية ، وكان من واجبه ومسؤوليته أن يتحدث في مؤتمر جدة عن معاناة الشعب الفلسطيني في ظل الحصار المتواصل ، وعن إضراب أسرى الحرية ، ويدين عمليات القمع والبطش والاعتقال التي تقوم فيها سلطات الاحتلال ضمن حملتها العسكرية الواسعة ، التي سارعت إلى شنها الحكومة الإسرائيلية بحثاُ عن المستوطنين الثلاثة ، بدلاً من تهديد ومعاقبة أبناء شعبه .
إن خطاب عباس يتناقض مع المواقف الشعبية والوطنية الفلسطينية بخصوص التنسيق الأمني ، ويشكل صدمة للوعي الفلسطيني ، ويلحق الأذى بالقضية ، ويشوه نضال شعبنا الثوري لأجل الحرية والهوية وبناء وطن الغد السعيد ، وتهديداته لا مكان لها في الحالة الفلسطينية . وكنا نتمنى لو إننا لم نسمع مثل هذه التصريحات ، التي بتنا نخجل منها ، وخاصة إنها تصدر عن زعيم ورئيس للشعب الفلسطيني .

أطفال الشوارع في مصر/ محمد فاروق الإمام

لم يعد يعيب مصر السيسي أحكام الإعدام بالجملة والتي شملت المئات من طيف سياسي محدد، ولم يعد يعيب مصر السيسي القمع الممنهج الذي تواجه به أجهزته الأمنية بعصاها الغليظة كل الأطياف المعارضة، ولم يعد يعيب مصر السيسي عمليات التحرش الجنسي بحق الفتيات المصريات في واضحة النهار في الساحات العامة والشوارع المكتظة بالمارة تحت سمع وبصر أجهزة الأمن والتي يشارك أكثرها في مثل هذا الفعل البهيمي، ولم يعد يعيب مصر السيسي تكميم الأفواه وملاحقة الإعلاميين وإغلاق القنوات التلفزيونية المعارضة وحتى الحيادية وسجن واعتقال العاملين فيها، ولم يعد يعيب مصر السيسي إغلاق المئات من المساجد والجوامع والزوايا ومنع الصلاة وإلقاء الخطب فيها، ولم يعد يعيب مصر السيسي تسريح ومنع آلاف الخطباء والأئمة الأزهريين من أداء مهامهم الدينية، ولم يعد يعيب مصر السيسي منع المسلمين من الاعتكاف بالمساجد إلا بعد أخذ الإذن من دوائر الأمن وموافقتها، ولم يعد يعيب مصر السيسي إغلاق معبر رفح وخنق أهلنا في غزة الصامدة والتنسيق الأمني مع العدو الصهيوني للتضييق على إخوتنا الفلسطينيين، ولم يعد يعيب مصر السيسي التضييق على اللاجئين السوريين وحرمانهم من الإقامة وملاحقتهم واعتقالهم، ولم يعد يعيب مصر السيسي تجييش الآلاف من المثقفين المنحرفين والفاشلين ليكونوا أبواقاً لأباطيله وأكاذيبه، ولم يعد يعيب مصر السيسي الالتفاف على الثورة العظيمة التي أطاحت بنظام مبارك القمعي الفاسد، وذبح أول تجربة ديمقراطية عرفتها مصر في العصر الحديث.
مصر السيسي اليوم هي ضحية عصابة من العسكر المستظلين بخيمة بعض السياسيين الشواذ والمنحرفين والفاشلين الذين لفظهم الشارع المصري ولم يمنحهم ثقته في أي عملية انتخابية خاضها بعد ثورة 25 يناير، العسكر الذين حرفوا الثورة وانقضوا عليها وأعادوا عقارب الساعة إلى الوراء وفتحوا أبواب الحكم والسلطة لرجال العهد البائد ليعودا إلى تسنم المناصب الوزارية لينتقموا من الشعب المصري الذي ثار عليهم وفضح أفعالهم.
وشر البلية ما يضحك أن أحد أساتذة الجامعات في مصر الدكتور نصار عبد الله أستاذ الفلسفة بكلية الآداب بجامعة سوهاج والشاعر المعروف خرج علينا بما أسماه التجربة البرازيلية للتخلص من أزمة أطفال الشوارع.
وجاء الحل الذي طرحه الدكتور الهمام لحل مشكلة أطفال الشوارع في مصر اقتداء بما فعلته حكومة  البرازيل، حسب مقال نشر يوم أمس الجمعة 20/6/2014 في جريدة "المصري اليوم" والمتلخص "بقتل آلاف الأطفال في الشوارع كما فعلت شرطة البرازيل، في حملة مسعورة شنتها عليهم، وسط صمت كل القوى السياسية والإعلامية، وحتى منظمات حقوق الإنسان؛ لأنهم جميعًا يعلمون ما تشكله ظاهرة أطفال الشوارع -حسب وصفه- من خطورة".
وأضاف نصار في مقاله، "أن السلطة القضائية - برغم بحور الدم - لم تقدم شرطيًا واحدًا للمحاكمة، وهكذا انتهت مشكلة أطفال الشوارع"، بل ويؤكد نصار في مقاله "أن البرازيل تحولت إلى دولة متقدمة، وقضت على الظاهرة بسبب توافر – إرادة الإصلاح - وإيجاد حلول لمشكلاتها المزمنة"، مؤكدًا "أن هذا هو الدرس الذي ينبغي أن يعيه كل من يحاول أن يتعلم شيئًا ما من التجربة البرازيلية". 
ودعوة نصار للاقتداء بما فعلته البرازيل هو تحريض على الكراهية والقتل، ومنافياً لما قاله الله تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) وقال: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيرا)، والمعيب والمقزز أن جريدة المصري اليوم قررت حذف المقال بعد نشره وقد انطلقت الرصاصة بالفعل إلى صدر أطفال الشعب المصري عبر هذا المقال المغلف بالدم والدعوة إلى سفكه، وعللت قرار حذفه بقولها:
 "إيماناً من الجريدة بالعهد الذي قطعته للقارئ، وكما اعتادت فتحت صفحاتها أمام كل الأقلام في مختلف الاتجاهات دون سقف إلا ما يخالف القانون، وتجديداً لهذا الالتزام، وبناء على ردود الأفعال غير المرحبة بمقال الدكتور نصار عبد الله، أستاذ الفلسفة بجامعة سوهاج "أطفال الشوارع: الحل البرازيلي"، عرضت إدارة الجريدة المقال المذكور على الشؤون القانونية للمؤسسة، التي نصحت إدارة الجريدة بحذف المقال لما يحتوي عليه من تحريض على العنف".
ولو رجعنا إلى الدراسات التي تهتم بشؤون الطفل في مصر لوجدنا أن الفقر يلعب دوراً خطيراً في تزايد ظاهرة أطفال الشوارع فربما هو أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور هذه الظاهرة واستفحالها بهذا الشكل، حيث أنه يدفع فقر الآباء لإلقاء أولادهم إلى الشارع والبداية تكون في تشغيلهم في بيع بعض السلع البسيطة على أرصفة الشوارع مثل مناديل الورق أو حتى حلوى الأطفال كما يدفعونهم أيضا للتسول، وهذا يؤدي بهؤلاء الأطفال إلى وجودهم بمفردهم لساعات طويلة في الشوارع، مما يعرضهم للعديد من المخاطر من قِبل أُناس معدومي الضمير، سواء كانت هذه المخاطر الاغتصاب، أو الاستغلال الجنسي لهم، أو استغلالهم في الإتجار بالمخدرات، أو التسول لحساب أحد .
فيما أشارت دراسات أخرى إلى أن المشاكل الأسرية كالعنف بين الزوجين والتي لا يخلو بيت منها الآن تكون بمثابة الدافع والحافز الذي يدفع الأطفال إلي الهروب من البيت واللجوء إلي الشارع، بالإضافة إلي أن معظم هذه المشاكل تنتهي بالطلاق الذي ارتفعت نسبته في مصر إلى 45% أو الانفصال بين الزوجين وبالتالي ضياع الأطفال.
ومن هنا تتحول براءة الأطفال هذه إلى قوة تدميرية لا أحد يعرف أين ستنفجر المرة القادمة خصوصاً وأن كلفة استقطابهم من أي جهة معادية لا تتكلف سوى 50 جنيها، هي في نظرهم ثمن بيع انسانيتهم بل ووطنهم خصوصاً وأنهم إفراز طبيعي للجهل والفقر والتهميش والبطالة الذي رسّب داخلهم عدم الانتماء لهذا البلد، ومن ثم يسهل توجيههم للقيام بأعمال غير مشروعة لعدم وجود انتماء لديهم تجاه الوطن فبداخلهم حقد تجاه المجتمع وتجاه الناس، وهم معذورون بسبب نشأتهم والظروف الصعبة التي عاشوا فيها وخرجوا بسببها للشارع ونظرة الناس لهم، والخطر الأكبر هو سهولة تحريك أولاد الشوارع واستخدامهم بسهولة في توقيت معين. 
وقد فرضت ظاهرة "أولاد الشوارع" نفسها على مسرح الأحداث خلال أحداث ثورة 25 يناير 2011 التي وجدوا فرصة ذهبية ليطفوا على السطح في أمان، فهذه هي المرة الوحيدة التي شعروا فيها بقوتهم ودورهم فالمتتبع لهم منذ الثورة سيجد أن لهم خيمة ثابتة لم تتزحزح بميدان التحرير منذ 25 يناير، وهم لا يخفون سعادتهم الغامرة بالثورة ووجودهم بين الثوار حيث لا يسألهم أحد عن أصلهم ولا يصفهم بأولاد الشوارع.
فيما أشارت دراسات أخرى أنه من الصعب المساواة بين البلطجية وأولاد الشوارع، فالبلطجية صنعهم نظام مبارك السابق ويستخدمهم بعد تدريبهم وتأهيلهم وهم يعرفون ماذا يفعلون، لكن أولاد الشوارع مغيبون وعندما يتم تأجيرهم للتخريب بمقابل يقومون بهذه الأعمال وهم يتصورون أنها من قبيل البطولة، ولكى تعالج هذه الظاهرة كان على الحكومة المصرية والنخب المصرية أن تفتش عن أنجع الوسائل التي تكفل رعاية هؤلاء الأطفال ليكونوا ذخيرة لمصر وعنصر بناء، لا أن يكون القتل والذبح هو الطريق الأنجع والسريع لحل هذه المعضلة التي تعاني منها مصر.

أفتونا يرحمكم الله‏/ كافي علي

انتهى دور السياسة ولم تعد طوق نجاة أو رصاصة موت. حان وقت التخبط في متاهات العقل. لم يعد هناك ما يفصل بين الحق والباطل سوى الرحمة، والرحمة لا تحتاج الإيمان بالعقل والاتكال عليه بل إلى اليقين بعبثية الوجود ولا جدواه.
لم يتسبب هروب الجيش أمام مجموعة من المسلحين في ثاني أكبر مدينة عراقية بطريقة مخزية بصدمة لاتباع المذهب الشيعي من الوطنين الملزمين بالولاء للوطن قبل الطائفة. أن الصدمة الحقيقة تمثلت بالزمن القياسي الذي اصدر فيه المرجع الاعلى للمذهب الشيعي في النجف فتوى لم يسبقه إليها احد من المراجع.
في عام 1991 هجم صدام حسين بالحرس الجمهوري بكل ما يُعرف عنه من قوة وشراسة ومهارات عسكرية عالية على جميع المدن ذات الغالبية الشيعية ومنها النجف وكربلاء وكان ضرب ضريحي الإماميين علي والحسين  (ع) نتيجة من نتائج ذلك الهجوم الذي اهلك الحرث والنسل، لكن لم نسمع بأن المرجع الخوئي أفتى بالقتال أو القتال الكفائي. هل بحكمته ادرك مقدار الخطر في كلمة تصدر منه وأنها بالتأكيد ستتجاوز أبعاد الأزمة بين شريحة من شعب وسلطة لتشمل العالم الإسلامي ؟ ربما! من الصعب التوغل في عمق الفقه المذهبي ومعرفة الأسباب التي منعته من اصدار الفتوى ولكن من حقنا كمثقفين البوح بتساؤلاتنا واستنتاجاتنا عسى أن يجد لها أصحاب الشأن حلول تنتشل المغلوبين على امرهم من واقعهم المأسوي. 
كيف يمكن لمجاميع من السلفيين المتطرفين، تسللوا من خلف الحدود بسبب خلل في منظومة الدولة العسكرية أن تدفع المرجعية لفتوى تدعم الحكومة وتجعل من العراق ثكنة عسكرية طائفية تتغنى ببطولات القتلة من امثال ابو درع وابو عمر البغدادي؟ المرجعية التي صمتت كل تلك السنين على نخر الدولة من قبل حكومة جاهلة فاسدة؟ أليس من حقنا طرح هذه التساؤلات أم الامر يتوجب الصمت والانزواء في ركن الطائفة حفاظا على سلامتنا من داعش؟
رغم الإحباط من فوز المجرم نوري المالكي في الانتخابات إلا اننا استبشرنا خيراً بانفصال خطاب المرجعية عن الخطاب السياسي لدولة اللاقانون. توسمنا بأنها ادركت حقيقتها كمنهل للفقه الشيعي وليس مركزاً للاستشارات السياسية، وأنها بادرت كالازهر في مصر بغسل اردان المذهب من فسق الساسة وفجورهم. لم نكن نعلم بأننا بحاجة إلى بعض المجاميع المسلحة من داعش لتبديد أوهامنا ووضعنا أمام جدلاً أكثر خطورة من البحث عن الدوافع وراء صمتها على المالكي وحكومته. هل ما يعانيه العراق كل هذه السنوات نتاج تعاون مشترك بين الحكومة والمرجعية؟ بعد أن وجد المالكي نفسه في منزلق خطير يهدد ولايته الثالثة. سارعت المرجعية ،دون أن تضيع الوقت، بانتشاله بفتوى تعسكر البلد وتزج شبابه وأطفاله في قتال هرب منه جيش بكامل عدده وعدته. فتوى تشرع للسفاحين الذبح على الهوية وتستبيح دماء نصف الشعب بحجة القضاء على الإرهاب.
بعد كل أزمة عنصرية طائفية يختلقها المالكي لإثارة النزاع بين ابناء الشعب الواحد، وبعد كل أزمة اجتماعية سببها الفساد وغياب الخدمات، وبعد كل أزمة أخلاقية سببها سرقة المسؤولين للمال العام والفرار خارج البلاد، وبعد كل مجزرة ترتكبها الحكومة من أجل السلطة، نجد بأن المرجعية تكتفي بالشجب والادانة. لماذا سقوط الموصل اخترق حاجز صمتها ونطقت بالفتوى؟
هل من حقنا الشك بأن المسألة لا تتعلق بمسلحين داعش ولا سقوط المدينة تلو الأخرى بقدر ما تتعلق بالمصالح المشتركة بين المرجعية متمثلة بالسيد السيستاني والمالكي وحكومته؟ كان من السهل جدا احتوى الأزمة لو أمرت المرجعية اتباعها من السياسيين بإقصاء المالكي وتشكيل حكومة وطنية من الكفاءات يطمئن لها الشعب العراقي بكل طوائفه وقوميات. حكومة تكون بذرة للتغير وحافزا لعودة اللحمة بين أبناء الشعب الواحد، تدفعهم بلا ريب لحماية الارض وطرد الخطر القادم من خلف الحدود.

بِدون حرِّيـة.. لا قيـمة/ مهندس عزمي إبراهيم


خلـَقنــا اللــــه في حُـرِّيــَـة      نعيش في الدنيـــا وندَبــَّــر
عطـانا الكــون بكل ما فيـه      لا حاش عنـا ولا استخْسَـر
عطانـا طريق بوَرد وشوك      وفيه يابِــس وفيه أخضـَـر
وقـال المَـــرء فيـه يختــار      ما يرضي اللــه.. ويقَــــرَّر
وحَط ف راسـه عقـل كبيـر      وقال لُه استعملــه وفكــَّــر
***

في مَــرَّة نزلــت للروضــة      أحيِّيــها.. نسيـم وغصـون
وُرُود في الروضـة بتفَتَّـح      وبتلـَـوِّن رحــــاب الـكـــون
عبيـــرها الحلـــو بيفــَـرَّح      وبينعِــش قـلـوب وعيــون
عجبـني الـــورد وعبيـــره      عبيــــر... خــلاني أتمــنـَّى
ورغــم الشــوك يِحَــذَّرني      قطفـــت الــورد م الجَـنـــَّـة
وحـطيتـــه فـي زهـريـــــة
لقيــــتـه إبـتـــــدا يدبَـــــل!
سألـت: إزاي وانا قـصـدي      أوَفـــَّـرْ له حـيــاة أفـضَـل؟
ورَدِّت نفـسـي.. قالـتـــلي:      فـكــَّــر... قـبْــل ما تســـأل!
***

ومَـــرَّة.. نزلــت للروضــة      أحَــــيِّي ريشــــة الفنــــان
طيــور في السـمـا مَرِحَـــة      تشـيـل وتحُـط في الوديـان
بتمــلا الـدنيــــا بالفَـرحــَـة      وترسـم في الفضـا ألــوان
عجبــني طيــــر وألحــانـه      قفشـته.. وقلـت دا طيـــري
أخدتــه لنفسي انـا وحـدي      ما حَــدِّش يسمَعُــه غيــري
وحطيته في قفـص دَهَــبي
لقيــــتـه إبـتـــــدا يدبَـــــل!
سألـت: إزاي وانا قـصـدي      أوَفـــَّـرْ له حـيــاة أفـضَـل؟
ورَدِّت نفـسـي.. قالـتـــلي:      فـكــَّــر... قـبْــل ما تســـأل!
***

سألـت النفــس ليـه الـورد      فَـقَــد العِطــْــر والألـــوان؟
وليـه الطيـــــر لا بيغــــني      ولا فرحــان زي ما كـــان؟
وجــاني الـــرد من نفـسـي      من الأعمـاق من الوجـدان
أخـدت الـورد من رُوضـُــه      حَرَمت الطير من الطيران
حيـــاتـهم إنـــهم أحـــــرار      كنـور الشمـس والآغصان
وجيــت إنـت بقيـت جــاني      بقيـت القــاضي والسَّـجَّـان
***

مشيت في الشـرق وبـلاده      لقيـت الشعــب فيه غلبـــان
سقوه ديــن بس.. فاتخَـدَّر       ونـام في عَنكبـوت أديــان
شـالـوا العِـلـــم من فِـكــره      فنسَى إنـه "كـان" إنسـان
لا بيصنـــع... ولا بينتــــج      ولا مُبْـــــدِع... ولا فـنــــان
بيمشي، إن مشى.. للخلف      ويقـف.. إن وقـف.. حَيران
عـايِش عالـــة على غيـره      ويلعَنـــهم بألــــف لســــان
وغيره في فكــرهم أحـرار      نسور طايرة في كل ميـدان
عَمـار الكـون على ايديـهم      وإحنــا.. بنهْـــدِم العمــران
بدون العلــم.. بَحـث وفِكـر      جنب الدين.. ضياع وهَوان
***
بـدون حُـرّيـــة.. لا قـيـــمة
لِــوَرد.. لِـطيــر
ولا لإنسـان
******
مهندس عزمي إبراهيـم

ملوك الطوائف وأنظمة العرب/ د. مصطفى يوسف اللداوي

أهي صدفةٌ أم أنه قدرٌ مكتوب، وتاريخٌ مسجلٌ من قديمٍ في اللوح المحفوظ، بأن يكون العربُ اثنتين وعشرين دولة، ممزقين ومشتتين، متحاربين ومتقاتلين، أعداءً وخصوماً، وممالك وإماراتٍ ومشايخ وجمهورياتٍ ودولاً، تفصل بينهم الحدود، ويقف على بواباتهم الجنود والحراس، ولكلٍ دولةٍ منهم جيشٌ وعلمٌ ورايةٌ وشعارٌ، وملكٌ وحاكمٌ وحاجبٌ وحكومةٌ، وسجنٌ وسجانٌ، ومحاكمٌ وقضاءٌ وسؤالٌ وتحقيقٌ وتعذيب، ولكلٍ منها قوانينها الخاصة، وأنظمتها المختلفة، وأزاياءها المميزة، وثقافتها الفارقة، وغير ذلك مما يجعل من كل دولةٍ كياناً خاصاً سيداً حراً مستقلاً، لا تربطها بغيرها علاقة، ولا توحدها مع جارتها رابطةُ لغةٍ أو عرقٍ أو دين، رغم أنهم ينتمون جميعاً إلى دينٍ واحدٍ، وحضارةٍ عظيمة واحدة.
تماماً كما كان أسلافنا العرب في القرن الخامس الهجري، الثالث عشر الميلادي، ذات الصورة والمشهد، ونفس الحال والمصير، فقد انقسم المسلمون في الأندلس، وتمزقوا شر ممزق، وجلهم من العرب والبربر، مصريين وعدنانيين وقحطانيين وحجازيين وشاميين، إلى اثنتين وعشرين مملكة، فيما عرف بعصر الطوائف، الذي كان العصر الأسوأ في تاريخ العرب في الأندلس، والأكثر دموية وقسوة، والأكثر غدراً وخيانة، والأقل شرفاً ووفاءاً، وقد خلا ملوكهم من المروءة والرجولة، ومن القيم والشيم، فكانوا عبيداً لشهواتهم، وأجراء عند أسيادهم، لا يهمهم من الأمر إلا الحكم ومباهجه، والملك ومتعه، ومنه كانت بداية الرحيل والاندثار، والإيذان بالغياب والاضمحلال، لدولٍ لا تستحق البقاء، ولملوكٍ لا يستأهلون الحياة.  
حيث أصبح لكلِ طائفةٍ من العرب والمولدين والبربر مملكة، ولهم ملكٌ يحكم، وجيشٌ يدافع ويحارب، ويقاتل ويهاجم، ولكلِ مملكة أسوارٌ وحصون، وبواباتٌ عالية، وحراسٌ لا ينامون ولا يتعبون، يدققون في وجوه الداخلين والخارجين، فلا يسمحون لغريبٍ بالدخول، ولا يقبولون بمواطني الممالك الأخرى بالعبور، ولو كان لهم في هذه المملكةِ أهلٌ وأقارب، أو تجارةٌ ومصالح، فمن التزم بالقرار عاد ورجع، وإلا دُقَ عنقه، أو علق مصلوباً أو مشنوقاً على بوابات المملكة، يراه الداخلون والخارجون، ليخافوا ويتعظوا، أو يقطع رأسه، ويرسل مع غيره إلى مملكته، ليكون رسالةً إلى ملكهم، وعبرةً لشعبهم، أن هذا مصيره وجنده، إن فكر بالغزو، أو خطط للهجوم والاجتياح.
في الوقت الذي كان فيه الفرنجه وغيرهم من سكان الممالك النصرانية القريبة والبعيدة، يدخلون إلى بلادنا معززين مكرمين، تفتح لهم الأبواب، وتقدم لهم الهدايا، وتيسر لهم الطريق، يشترون ويبتاعون، ويسهرون ويستمتعون، ويتعلمون ويدرسون، فلا يعتدي عليهم أحد، ولا يسألهم الحراس عن أسباب الزيارة، وأذونات الدخول الرسمية، كما كان سفراؤهم يجوبون بلادنا، ويتنقلون بين ممالكنا، بحريةٍ ودون خوف، وكأنهم أصحاب الحق، وأهل الحل والعقد، فقد كان أمراء العرب يدينون بذلٍ لهم، ويخضعون بمهانةٍ لشروطهم، وينزلون عند قراراتهم، ولو كان فيها حيفاً وظلماً، وتعدياً واستكباراً. 
إنه تاريخٌ واحدٌ متشابهٌ إلى درجةٍ كبيرة، لا لجهة عدد الدول فقط، وإنما لجهة السياسات والتحالفات، واهتمامات الحكام وهوايات الملوك، وانحطاط قيمهم وثورة غرائزهم، وحرصهم على تيجانهم وإقطاعاتهم، وحبهم للمال والبذخ، والزينة والزخرف، والقينات والمعازف، والراقصات والمغنيات، وقد كانت على حساب الكرامة والدين، والأرض والشرف والوطن. 
أخشى أن تكون نتائجه أيضاً متشابهة، وأن يكون مآل الأنظمة والحكومات، كمآل ممالك الطوائف، وأن يكون مصير القادة والحكام في زماننا، كمصير مملوك طوائف الأندلس، الذين قتلوا أولادهم، وتآمروا على إخوانهم، وانقلبوا على حلفائهم، حتى كان الحتف مصيرهم جميعاً، والفناء آخرتهم بلا استثناء.
في عصر ممالك الطوائف، احترب الملوك وتقاتلوا، وأدخلوا شعوبهم في أتونِ حروبٍ طاحنةٍ لا تنتهي، بعد أن قطعوا الأواصر التي تربطهم، ونفوا الروابط التي تجمعهم، بل إنهم تصالحوا مع أعدائهم، وتحالفوا مع خصومهم، من ملوك قشتالة وليون وبرشلونة وأراجون وغيرها، ومنحوهم أجزاءً من أرضهم، وتنازلوا لهم عن حصونهم وقلاعهم، وأقطعوهم من أرضهم قواعد لهم، وقاموا بتجهيز جيوشهم، وتمويل حملاتهم العسكرية، وأعطوا كل جنديٍ في جيوشهم راتباً شهرياً، ومكافئاتٍ مجزلة جداً لقادة الفرق والجيوش، فضلاً عن الآمرين والمنظمين وأصحاب القرارات في الممالك، شرط أن يقاتلوا معهم، أو نيابةً عنهم، ولهم بعد ذلك عن كل قتيلٍ مكافأة، وعن كل مدينةٍ تسقط علاوةً جديدة، وبدل كل أسيرٍ إضافة. 
ومن ناحيةٍ أخرى فإن لهم كل سبيٍ يسبونه، ولهم كل ما يضع جنودهم عليه، من أموالٍ ومواشي ومقتنياتٍ، فضلاً عن النساء والغلمان، فإنهن سباياهم، يفعلون بهم ما يشاؤون، بيعاً واستباحة، وخدمةً واستمتاعاً، وقد كان العرب يرون بناتهم يساقون أبكاراً إلى حلفائهم، ثمناً للخيانة، وبدلاً عن الدفاع والنصرة، والحماية والقتال إلى جانبهم ضد إخوانهم وأبناء دينهم.
ألا ترون أن التاريخ يتكرر، وأن واقع حال الممالك الإثنتين والعشرين يشبه حال دولنا الاثنتين والعشرين، فلا فرق في الظروف والوقائع، ولا اختلاف في الأحلاف والسياسات، أولئك كانوا يمنحون ملوك الحلفاء ذهباً ومالاً وأرضاً ونساءً، ودولنا اليوم تمنح دول الحلفاء نفطاً وذهباً ومالاً وقواعد عسكرية، ونفوذاً اقتصادياً وسياسياً، وغير ذلك مما يخفى علينا، ويصعب علينا التعرف عليه لسريته، وإن كنا نعرف يقيناً أن للعدو في بلادنا مصالح، وله على أرضنا قواعد، تحميه قوانيننا، وتدافع عنه أنظمتنا.
أولئك الملوك الذين كانوا مثالاً في السوء والفحش، ونموذجاً في الخيانة والغدر، قد سقطوا جميعاً واندثروا، تعددت نهاياتهم واختلفت خواتيمهم، لكن مصيرهم كان واحداً، فقد قتلوا على أيدي حلفائهم، أو بسيوف جنودهم، أو تآمراً من أصدقائهم، واحتلت بلادهم، ودمرت ممالكهم، وانتهت أحلامهم، ثم طرد شعبهم، واستباح العدو أرضهم، وأقام لهم فيها محاكم للتفتيش ما زالت آثارها حتى اليوم باقية، فهل يتكرر التاريخ، ويعود بنا الزمان، ويستحق حكامنا، الملوك والقادة والأمراء، النهاية المحتومة، ويقفون كأسلافهم فوق الأطلال، يبكون عليها كما النساء، وقد أضاعوا ملكاً لم يدافعوا عنه دفاع الرجال.

الإختبار الاول لحكومة السيسى/ أشرف حلمى

فى سابقة ليست الاولى من نوعها تجاه ما يحدث لاقباط مصر وخاصة فى محافظة المنيا ولكنها تعتبر الاولى فى ظل الحكومة الجديدة وعهد الرئيس  الجديد السيسى والمنتخب باغلبية ساحقة من الشعب والتى تعد إختباراَ حقيقياً لنجاح ثورة ٣٠ يونيو من حيث تحقيق المساواة والعدالة الإجتماعية من جهه و ولإداء الحكومة مستقبلاً فى تفيذ القرارات من جهة أخرى .
ففى محافظة المنيا اصدر السيد / صلاح زيادة محافظ المنيا يوم الخميس الماضي قراراً بإطلاق إسم أشرف ألهم  مدرس بمدرسة  قرية مرزوق الإعدادية التابعة لمركز مطاى والذى لقى مصرعه على يد احد طلاب المدرسة نتيجة طلق خرطوش بالرأس أطلق عليه فى إبريل الماضى وذلك بسبب منع القتيل محاولات الطالب القاتل الغش اثناء الإمتحانات , الإ أن أسرة المدرس فوجئت بتوقف تنفيذ القرار بحجة أن تنفيذه سوف يؤدى لوجود أزمة طائفية بين مسلمى وأقباط القرية .
هذا ومن المعروف لدينا ان محافظ المنيا هذا ومدير الامن هناك قد فشلوا فشلاً ذريعاً فى تحقيق الأمن اثناء وبعد ثورة يونيو وجعلوا من الاقباط فى المنيا فريسة سهلة فى ايادى الارهابيين وخاصة فى قرية دلجا التى فرضت عليهم أتاوات خرافية فى مقابل الإحتفاظ بأراضيهم من قبل الإرهابيين المتاسلمين ومن العجيب انهما مازلا فى موقعهما منذ حكم المعزول حتى وقتنا هذا رغم تغيير الحكومة اكثر من مرة وكان الحكومة المصرية تكافئهم على تقاعسهم فى حماية المواطنين بالمحافظة رغم مطالبة العديد من النشطاء السياسيين بإقالتهم .
فعدم تنفيذ قرار اتخذه محافظ  المنيا بحجة أن تنفيذه سوف يؤدى لوجود أزمة طائفية بين مسلمين وأقباط يمثل صفعة قوية لثورة يونيو واهدفها وايضاً يؤكد ضعف قدرة تلك المحافظ ومدير الامن على القيام باعمالهما والحفاظ على الامن العام لهذه المحافظة وإستهتار شعب المحافظة ايضاً بالمحافظ زعدم إحترام قراراتة .
وتهاون الحكومة الجديدة بقيادة محلب فى تنفيذ هذا القرار سيعتبر مؤشراً سيئاً لأداء الحكومة وسوف يكون بداية عهداً جديداً لاستمرار سياسة تهميش الاقباط وحقوقهم التى اتبعتها جميع الحكومات السابقة وعجزها فى تحقيق كل من قرارات الحكومة وقوانين الدوله مما سيؤدى حتماٌ الى سقوط الحكومة قريباً هذا بالإضافة سيعتبر انتصاراَ للجماعات الظلامية على كل من المحافظة والحكومة فى اول اختبار لهما مع الارهاب مما سيؤدى الى خوف الحكومة بإتخاز قرارات مماثلة كقرار محافظ المنيا مستقبلاً .
فهل سيعمل السيد الرئيس السيسى بإصلاح ما افسدته الحكومات السابقه والضرب من حديد لكل من تخول له نفسه لتعطيل مسيرة الإصلاح سواء كان مسؤلاً بالدولة او احد مواطينها ؟ ام سيترك الامر كما هو عليه لحين ميسرة كما فعل السابقون !!!! 
وفى النهاية اود ان اذكر السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى بتفويض الشعب لشخصك بمحاربة كافة انواع الإرهاب سواء كان طائفياً او فكرياً للحفاظ على أمن وسلامة المجتمع من الإرهابيين المتاسلمين .

العراقُ أعرق البلدان على ذمّة المتسلطين والوجدان.. إلامَ الخلفُ بينكمُ إلاما/ كريم مرزة الأسدي

1 - جذور كلمة العراق من أوروك أو عروق وشيوعها في الآفاق :  
يذهب المستشرقون ، وهم على العموم يغرّبون ، أنَّ كلمة العراق أصلها سومري من (أوروك) ، والتي مدّت الآن للوركاء ، ودوّن كلكامش في ملحمته أنه سورها ، وأقام فيها معبداً للآلهة (عشتار) ، وأوروك أو ( أونوك) تعني المستوطن ، وسيأتيك الشاعر العربي و (وطنه) ، فترقبه ، ويذهب العرب أن الكلمة عربية الأصول ، حجازية المنطلق ، إذ يطلق أهل الحجاز كلمة العراق على الشاطئ ، أو سفوح الجبل ، وقيل : سمي عراقا لأنه استكف أرض العرب ، وزعم الأصمعي - كما يذكر ابن منظور في لسانه - : إن تسميتهم العراق اسم عجمي معرب ، إنما هو إيران شهر ، فأعربته العرب فقالت : عراق ، وإيران شهر : موضع الملوك ، قال أبو زبيد:  
مانعي بابة العراق من النا *** س بجرد تغدو بمثل الأسود 
ويروى : باحة العراق ، ومعنى بابة العراق : ناحيته . والباحة : الساحة ، ومنه أباح دارهم . الجوهري : العراق بلاد تذكر وتؤنث ، وهو فارسي معرب ، قال ابن بري : وقد جاء العراق اسما لفناء الدار ، وعليه قول الشاعر: 
وهل بلحاظ الدار والصحن معلم *** ومن آيها بين العراق تلوح 
واللحاظ هاهنا : فناء الدار أيضا (1) ، بينما الخوارزمي يردّها للغة الفارسية من المفردة ( إيراك) أي الأرض السفلى ،لأنها أرض سهلية تقع ما بعد السلاسل الجبلية الفارسية والكردية والآذرية ، ويروي الحموي في (معجم بلدانه) في معرض حديثه عن العراق : " قيل: سميت بذلك لاستواء أرضها حين خلت من جبال تعلو وأودية تنخفض والعراق الاستواء في كلامهم كما قال الشاعر:
سقتم إلى الحق معاً وساقوا *** سياق من ليس له عراق ..." . (2)
ويرى بعضهم أن العراق أصله من عروق دجلة والفرات وروافدهما ، فهي كالأعصاب في بلاد ما بين النهرين ، واجتهد غيرهم ما العراق إلا من تشابك عروق أشجار النخيل في أرض سواده الطيبة ، فهو جمع لعرق ، وقيل من عراقة البلاد العريقة بالقدم ، ومنها الأصل العريق ، ويقول الممزق العبدي في عمرو بن هند أحد ملوك الحيرة ، فهو شاعر جاهلي قديم ، اسمه شاس بن نهار من نكرة ، وما كان ممزقاً ، لولا كلمة القافية من بيته الأول الآتي : 
فإِنْ كُنْتُ مأَكُولاً فكُنْ خَيْرَ آكلٍ ******* وإلاَّ فأدْرِكْني ولمَّــــــا أُمَزَّقِ 
فإنْ يُعْمِنُوا أَشَئِمْ خِلافاً عَلَيْهُمِ ** وإِنْ يُتْهِمُوا مُسْتَحْقِبى الحَرْب أُعْرِق ِ(3)
وأعْرق القوم , بمعنى أتوا العراق ، ومن سخرية الأقدار أنَّ عراق الجاهلية الذي كان ملتمساً آمناً ، طيباً ، شافعاً ، لمن يتهم بالفرارعندما تضيق المخارج آبان الحروب ، أصبح اليوم أشبه بالبلد الغريق على يد أبنائه العماليق ، وليسوا بـ (عماليق) ذاك الزمان ! (4) . مهما يكن من أمر جذور الاسم ، أنا أميل لعراقتها العربية على أرجح ظني ، لأن القاف والعين حرفان عربيان أصليان،لايوجدان في اللغات القديمة ، ولا باللغة الفارسية , والكاف والهمزة أسهل نطقاً وألين على اللسان منهما ، وهما أيضاً من الحروف العربية الأصيلة ، فما هو الموجب لتحويرهما ، وتعقيد نطقهما ، والناس أميل للتسهيل والتخفيف ، ولو أنهما منحا العراق مهابة وشدّة وضخامة ، وخففهما ألف اللين كثيراً ، وزادهما جمالاً ورونقا ، ولكن لماذا لم ينطق العرب الورقاع و عوروقَ ، بدلا من الوركاء وأوروك !! والطيور على أشكالها تقع ، والله الأعلم. 
اسم العراق يشتهر: 
بدأ العراق يكتسي اسمه الواسع منذ سيطرة الساسانيين ، وبزوغ مملكة آل فهم (211 م) في الأنبار والحيرة حتى شاعت الكلمة في القرنين الخامس والسادس الميلاديين ، ووردت في الشعر الجاهلي على لسان الشاعر الفارس جابر بن حُني التغلبي - المعاصر للممزق الآنف الذكر - ، على أغلب الظن توفي التغلبي سنة ميلاد النبي (ص) ( 570 م) ، وذلك في قوله: 
وفي كل أسواق العراق أتاوةٍ***وفي كل ماباع امرؤ مكس درهم ِ 
تعاطى الملوك السلم ماقصدونا ***** وليس علينا قتلهم بمحرم ِ 
ولمّا طلَّ الإسلام ، وبزغ شعاعه ، سئل النبي (ص)عن العراق بعد مباركته الشام والحجاز واليمن ، قال : " إن إبراهيم هم أن يدعو على أهل العراق فأوحى الله تعالى إليه : لا تفعل إني جعلت خزائن علمي فيهم وأسكنت الرحمة قلوبهم. " (5) ، وأخذت تتكرر كثيراً كلمة " يا أهل العراق : ..." في خطب الخطباء كالإمام علي (ع) ، والحجاج بن يوسف الثقفي ، وغيرهما ، تجدها في العديد من المصنفات ، وجمعها الأستاذ أحمد زكي صفوت في كتابه (جمهرة خطب العرب ...) بثلاثة أجزاء .(6) 
ألا يا حمامات العراق أعنني :
واشتهر قيس بن الملوح والملقب بمجنون ليلى ( 24 هـ / 645 م - 68 هـ / 688) ، وما هو بمجنون ، وإنما شاعرغزل عربي ، مرهف الحس من المتيمين ، من أهل نجد بأبياته الشهيرة بذكر ليلاه وعراقها ، الرجل عاش في فترة خلافة مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان في القرن الأول من الهجرة في بادية العرب ، اقرأ ، ولعلك رددتها من قبلُ :  
ألا يا حمامات العراق أعنني *** على شجني ، وابكين مثل بكائيا 
يقولون ليلى بالعراق مريضةٌ *** *فياليتني كنت الطبيب المداويا
وكُرر صدر البيت الأخير في صدر ٍ آخر ، لا أعلم هل الشاعر كرر نفسه ، أم حُشر من قبل غيره تألماً بمريضة العراق ، وشدة الاشتياق : 
يقولون ليلى بالعراق مريضة ٌ **** فمالك لاتضني وانت صديقُ
سقى الله مرضى بالعراق فأنني**على كلِّ مرضى بالعراق شفيقُ
فأن تك ليلى بالعراق مريضة **** فأني في بحر الحتوف غريقُ
أهِيم بأقْطارِ البلادِ وعَرْضِهَا *** * ومالي إلى ليلى الغداة طريـقُ
كفى بقيس وليلى والعراق شهوداً ، وسنتتبع في النقطة الثانية 2 - الربط بين كلمتي العراق والوطن 
كيما تـرى (أهل العراق) أنني *** أوطنت أرضا لم تكن من (وطني) 
أول بلد في التاريخ العربي ينتزع لقب وطن هو العراق ،إذ ْكانت كلمة الوطن تطلق على السكن أو المنزل الذي يأمن به الإنسان العربي من فتك الحيونات المفترسة الناهشة ، والأعداء المتوحشة الكاسرة ، ويلجأ إليه من أهوال عواصف الرياح العاتية ، والأنواء الجوية القاسية ، يألف فيه الفرد والخلان و العائلة ، قال طرفة :  
على موطن يخشى الفتى عنده الردى *** متى تعترك فيه الفرائص ترعد
وفي القرآن الكريم : " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة..." - التوبة 25 - ومواطن : جمع موطن ، والموطن أصله مكان التوطن ، أي الإقامة . ويطلق على مقام الحرب وموقفها ، أي نصركم في مواقع حروب كثيرة (7) .
ويقال : واطنت فلانا على هذا الأمر إذا جعلا في أنفسهما أن يفعلاه ، وتوطين النفس على الشيء : كالتمهيد . ويقول ابن سيده : وطن نفسه على الشيء وله فتوطنت حملها عليه فتحملت وذلت له ، وقيل : وطن نفسه على الشيء وله فتوطنت حملها عليه ، قال كثير : 
فقلت لها يا عز كل مصيبة *** إذا وطنت يوما لها النفس ذلت (8) 
أول من وظـّف كلمة وطن وربطها مع السكان عربياً رؤبة بن العجاج التميمي من أعراب البصرة ، توفي فيها ( 145 هـ / 762 م) ، راجزاً مهوساً :  
أوطنتُ وطـْناً لم يكنْ من وطني 
لو لمْ تكـــــنْ عاملها لم أســكن ِ 
بها ولم أرجن بها فـي الرجــن 
كيما تـــــــرى (أهل العراق) أنني 
أوطنت أرضا لم تكن من (وطني) (9)
الرجن الإقامة في المكان ، لا يهمنا من رؤبة التميمي البصري سوى الربط بين (أهل العراق) و(وطني) ، يا ترى من هم أهل العراق ؟ ولماذا خصهم بالذات دون غيرهم ؟! لولا الإحساس بالمواطنة والانتماء ، وإن كان العراق عراقيَن ، عراق العرب ويشمل جغرافياً سهل وادي الرافديَن ، ويمتد انخفاضاً حتى بلاد المصريَن الكوفة والبصرة ، ومعظمه العراق الحالي بعد أن قـُرضت منه أجزاء من قبل الترك والفرس !! ، وهو أصل التسمية ، وعراق العجم ، إذ أطلق في العصر الأموي ، لكي يتبع سلطة والي العراق ، إدارياً و أقتصادياً وعسكرياً ، ويقع شرق عراق العرب، أو ما يسمى قديماً بإقليم الجبال، إذ يمتد شرقاً إلى أصفهان والري وقزوين وكرمنشاه .. والفاصل بينهما سلسلة جبال زاجروس ، بل يذهب الحموي إلى أبعد من ذلك إداريا في العصر الأموي المذكور ، قائلاً : " وقال المدائني عمل العراق من هيت إلى الصين والسند والهند والري وخراسان وسجستان وطبرستان إلى الديلم والجبال..."(10) ، ومن ثمّ بزغت دولة العباسيين ، فأخذت كلمة (العراقيَن) تختص بالبصرة والكوفة دون عجمها وعربها ، أو تطلق عليهما كلمة (المصريَن) .
الربط بين الأوطان والوجدان :  
وذهب ابن الرومي البغدادي الأصيل بثقافته ونشأته وولادته وولائه - كما ذكرنا في مقالة سابقة ، ونكررهنا الأبيات لعمقها في الوجدان الإنساني - إلى الربط بين النفس وخوالجها ، والوطن وظليله ، وإن كان وطن الرومي سكناً ، إذ كان له جار اسمه ابن ابي كامل ، في رواية (زهر الاداب ) ، أغتصب بعض جدر داره , و أجبره على بيعها , ففزع ابن الرومي الى سليمان بن عبد الله بن طاهرشاكيا وذاكرا تلك الدار او ذلك الوطن ، اقرأ يا عزيزي الآهات والونـّات على الوطن الصغير ، فما بالك بالكبير ! : 
ولي وطن آليــــت الا أبيعـــــه*** وألا أرى غيري له الدهر مالكا
عهدت به شرخ الشباب ونعمة*** كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكـا
وحبّبَ أوطان الرجــال اليـــهمُ ***مآرب قضاها الشبـــــاب هنالكا
اذا ذكروا أوطانهم ذكرتهـــــم ***عهود الصـــبا فيها فحنوا لذالكا
فقد آلفته النفــــــــس حتى كأنه** لها جسد ان بان غــــودر هالكـا
أعتقد أنه لم يسبق لأحد أن أستعمل كلمة (وطن ) بهذا العشق الوجداني غيرالبغدادي عشقاً ، والرومي عسفاً ، و ان حدث ذلك ، كما هو حال (الرؤبة) ، فبكل تأكيد ، كان ابن الرومي أول من حلل تحليلا نفسيا رائعا لعلاقة الانسان بوطنه ، ويتدرج بهذا التدرج المنطقي المتسلسل من عهود الصبا الى شرخ الشباب حتى تألفه النفس، ويصبح كالجسد ، وبدونه يحل الهلاك .
البلد والبلدة: 
وله أبيات جميلة أخرى في التعلق بالبلدان ، وما البلدان إلا الأوطان ، وإنْ اختلف المدلولان ، ومدى تمثلها بالضمير: 
بلد صحبت به الطفولة والصبـا*** ولبستُ ثوب العمر وهو جديدُ
فاذا تمثل في الضمير رأيتــــــه*** وعليه أغصان الشباب تميــــدُ
كأنني به لهذا التشبث بوطنيته وصدق ايمانه بعروبته ، يتنصل من كنيته المفروضة عليه ، وكأنه يعلم ما يجرُّ النسب عليه مما ليس بيديه ، والوطن يكبر بحجم العقول وسعة إدراكها ، فبأي ثمن تباع القبلية والطائفية ، والإثنية ، والمناطقية ، والعنصرية ،إذا باع الإنسان وطنه وأهله وتاريخه بالمجان ، على يد غيره من الجان
الحلقة الثانية : العراق عريق والوطن غريق .. إلامَ الخلفُ بينكمُ إلاما../ كريم مرزة الأسدي . 
وندع أحمد شوقي يخاطبكم ، بما خاطب به أهل (مصره) ، في رائعة ( شهيد حقــّه ) ، كمال مصطفى في ذكرى وفاته السابعة : 
إلام الخلفُ بينكم إلاما ؟ *** وهذي الضجة ُالكبرى علاما ؟
وفيمَ يكيد بعضكم لبعض ٍ**** وتبدون العداوة والخصـاما
وأين ذهبتمُ بالحق لمّـــا ***** ركبتمْ في قضيته الظـــلاما ؟
تراميتم فقال الناس : قومٌ*** ** إلى الخذلان أمرهمُ ترامى
إذا كان الرّماةُ رماة َ سوءٍ ****أحلـّوا خير مرماها السهاما (14)
شتان بين مَن يضربون الدرهم والدينار ، والريال والدولار ، وبين مَن يُضربون بها
والبلد فرد البلدان ، وجنس المكان كالعراق و الشام ، والبلدة : الجزء المخصص منه كالبصرة و دمشق ، والبلد والبلدة : التراب . والبلد : ما لم يحفر من الأرض ولم يوقد فيه ، قال الراعي 
وموقد النار قد بادت حمامته *** ما إن تبيّنه في جدة البلد (11)
والراعي النُمَيري (ت 90 هـ / 708 م) ، هو عُبَيد بن حُصين النميري ، ونعت بالراعي لكثرة وصفه الأبل . 
البحتري والمتنبي والمعري ...والعراق : 
ولا أطيل عليك ، ولو في الإطالة إفادة ، صار العراق محط أقوال عمالقة الشعر العربي ، فهذا أبو عبادة البحتري (ت 284 هـ / 897 م) ، معاصر ابن الرومي يقول في تفضيل بلاده الشام مناخاً ، وجوّاً :
نصب إلى طيب العراق وحسنها ******ويمنع منها قيظها وحرورها
هي الأرض نهواها إذا طاب فصلها**ونهرب منها حين يحمى هجيرها
عشيقتنا الأولى وخلتنا التي ****** تحب وأن أضحت دمشق تغيرهــا
وأختلف أهل ذلك الزمان ، ومن قبله و بعده ، من شعراء وأدباء ، في مناخ العراق وطيبه ، بل بالغوا في حسنه ولطفه , ونقصر قولنا على ما قال ياقوتنا الحموي في (معجمه ...) السابق " 
والعراق أعدل أرض الله هواء وأصحها مزاجا وماء فلذلك كان أهل العراق هم أهل العقول الصحيحة والآراء الراجحة والشهوات المحمودة والشمائل الظريفة والبراعة في كل صناعة مع اعتدال الأعضاء واستواء الأخلاط وسمرة الألوان ... قالوا وليس بالعراق مشات كمشاتي الجبال ولا مصيف كمصيف عمان ولا صواعق كصواعق تهامة ولا دماميل كدماميل الجزيرة ولا جرب كجرب الزنج ولا طواعين كطواعين الشام ولا طحال كطحال البحرين ولا حمى كحمى خيبر ولا كزلازل سيراف ولا كحرارات الأهواز ولا كأفاعي سجستان وثعابين مصر وعقارب نصيبين ولا تلون هوائها تلون هواء مصر ..." (12) ،
والحقيقة ، الحموي شهاب الدين أبو عبد الله ، الذي سمّى نفسه عبد الرحمن ، (574 هـ / 1178 م - 622 هـ / 1224 م ) قد بالغ في قوله , وذهب بعيدا في تطرفه , فحذفنا ما حذفنا من نيل وتمييز ، ولكن من المهم أن نذكر أنّ الرجل بالرغم من أنه عالم جليل ، وأديب قدير ، ومؤلف كبير , فهو رحّالة ، جاب الدنيا (13)، وتعمق في البلدان ، ودوّن ما صكّته الأذنان، وصافحته العينان ، والرجل إضافة لذلك كلـّه خدم لدى بعض تجار بغداد ، وفتح دكاناً صغيراً في كرخها المزدان , ومما ذكرناه يجب أنْ تتأمل العقول ، وتتفكر الأذهان ، في العديد من الحقائق ، مما ذكره هو في (معجم البلدان ) ! ، والمعري من قبله ، (ت 449 هـ / 1057 م ) ، لم يكن أقل تعلقاً بالعراق , ووصفه لبغداد ، اقرأ في حق بغداد ودجلتها : 
فبئس البديل الشام منكم وأهله ***على أنهم قومي وبينهم ربعي 
ألا زودوني شربة ولو أننـــي *** قدرتُ إذاً أفنيت دجلـــة بالكرع
إذن أهل الشام هم أهله وقومه ، فبئس البديل هو المناخ والأجواء ، ربما العلاقات الاجتماعية الموسعة ، والصرح الثقافية العامرة منها , ولكن ليس الأخلاقيات قطعاً , بدليل - ولا حاجة لدليل - البيت الثاني ، والإيحاء بمرامه المحال بكرع ماء دجلة حتى الفناء ! المهم كفـّى ووفى , وأزيدك الظل الظليل للعراق الجميل : ِ 
أسالت أتي الدمع فوق أسيل *** ومالت لظل بالعراق ظليل
ومن الناحية السياسية ساوى بين النطرين ، والسياسيين الشياطين: 
إن العراق وإن الشام من زمن *** صفران ما بهما للملك سلطان
ساس الأنام شياطين مسلطة *** في كل مصر من الوالين شيطان
قالت العرب ما قالت ، وروت ما روت ، ونقلت ما نقلت ، ويبقى اسم العراق من أوائل أسماء البلدان العربية ، ولو أنّ معظمها أوائل ، وأول من أ ُطلِق عليه كلمة الوطن بما نفهمه ونتفهمه اليوم تقريباً دون أن يسبقه إليه العرب الآخرون ، وتسابق على الاعتزاز بذكره معظم عمالقة شعراء العرب القدماء , وآخرهم وليس بأخيرهم المتنبي العظيم ، إذ يتلهف للقائه ، ويناجي ناقته قائلاً 
وقلنا لها أين أرض العراق *** فقالت ونحن بتربان هــا
وهبت بحسمى هبوب الدبو*** ر مستقبلات مهب الصبا
وأخيراً أحمد شوقي ...وإلمَ الخلف بينكم ؟! 
هذا أسم العراق عمقاً ، ومدلول توطنه سكناً ، والارتباط به شجناً ، منذ أقدم العصور، فكيف أنتم ممزقون ؟! وماذا تريدون ؟! وأين سترسون ؟ وندع أحمد شوقي يخاطبكم ، بما خاطب به أهل (مصره) ، في رائعة ( شهيد حقــّه ) ، كمال مصطفى في ذكرى وفاته السابعة 
إلام الخلفُ بينكم إلاما ؟ *** وهذي الضجة ُالكبرى علاما ؟
وفيمَ يكيد بعضكم لبعض ٍ**** وتبدون العداوة والخصـاما
وأين ذهبتمُ بالحق لمّـــا ***** ركبتمْ في قضيته الظـــلاما ؟
تراميتم فقال الناس : قومٌ*** * إلى الخذلان أمرهمُ ترامى
إذا كان الرّماةُ رماة َ سوءٍ ****أحلـّوا خير مرماها السهاما (14)
شتان بين مَن يضربون الدرهم والدينار ، والريال والدولار ، وبين مَن يُضربون بها ، فالتسقيط جاهز ، والجهل سائد , ولكن العراق لا يعدم رجاله ، وتبقى الأمور في ذمّة الله والتاريخ والأجيال , وكلُّ ما فوق الترابِ ترابُ :
إذا كانت النفوسُ كباراً *** تعبتْ قي مرادها الأجسامُ
ولله الأمرُ مِن قبلُ ومِن بعدُ . فهو نعم المولى ، ونعم النصير !! 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) نظراً للظروف المأساوية الطارئة - إن شاء الله - التي يمرّ بها عراقنا الحبيب ، وهو على حافة الخطر  ، نقدم بحوثنا عن عراقة عراقنا لدواعي وطنية وإنسانية ، لعلهم يتذكرون ، والتاريخ لن يرحم أحداً ، ونؤجل بحوثنا عن العبقرية والرثاء والغزل ، وفصيدتي الجديدة،  للأسابيع القادمة ، والله من وراء القصد .      
(1) (لسان العرب) : أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم (ابن منظور) ج10 ص 115 - 120- دار صادر - 2003 بيروت . 
.  معجم البلدان) : ياقوت الحموي - 3 / 207 - الوراق - الموسوعة الشاملة )(2) 
 راجع : (الشعر والشعراء) ت احمد محمد شاكر ، ص 399 ، دار المعارف - 1966م - مصر.
((3) (الاصمعيات) : أبو سعيد عبد الملك بن قريب ت 216 ، تحقيق : احمد محمد شاكر وعبد السلام هرون ، الطبعة الثالثة ص164 ، دار المعار ، مصر. .
(4) العماليق : من أول الشعوب السامية القديمة التي هاجرت من الجزيرة العربية باتجاه العراق وسوريا وذلك حوالي 2500 ق.م.، منهم قبائل االأموريين في سواد العراق , والكنعانيين في بلاد الشام , أسسوا بعض الممالك فيهما , يرجع نسبهم إلى عمليق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح ، ويقال : إنهم كانوا أقوياء ، عظماء القامة.  
  (5) (كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال) : علي بن حسام الدين المتقي الهندي 12 / 170 - رقم الحديث - 34128 - مؤسسة الرسالة - 1989 م - بيروت . .
 (6) (جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة ) : أحمد زكي صفوت- ثلاثة أجزاء - 1 / 422 ، 2 /293 ... - المكتبة العلمية - بيروت . 
 ((7) (التحرير والتنوير) : محمد الطاهر ابن عاشور - ج 11 - ص 155 - سورة التوبة - الآية 25 - دار سحنون . 
 (8) (لسان العرب ) : ابن منظور - ج 15 - ص 239 - م . س. 
 (9) م . ن.
 . (10) (معجم البلدان) : م . س 
 (11) (تاج العروس من جواهر القاموس ) : الزبيدي , الحسيني محمد بن محمد , 1 / 1902 - - الوراق - الموسوعة الشاملة. 
 (12) راجع لترجمته (وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ) : شمس الدين أحمد ابن خلكان ، تح : محمد محي الدين - ج 5 ص 173 - 1449م - مطبعة النضة - مصر. 
(13) أعيان الزمان وجيران النعمان في مقبرة الخيزران ) : وليد الأعظمي - مكتبة الرقيم - بغداد 2001م - صفحة 73 - 74 - , واسمه عنده : مهذب الدين. .
  (14) (الشوقيات) : أحمد شوقي - تح علي العسيلي - ج1 ص 185 - مؤسسة الأعلمي - ط1 - 1998م بيروت.

بريطانيا تتشدد اخيرا مع الارهابيين/ د. عبدالله المدني

الاخبار الواردة من بريطانيا في الفترة الاخيرة توحي بأن حكومة السيد ديفيد كاميرون قد حزمت أمرها، من بعدد تردد طويل ، حيال تنظيف بيتها الداخلي من الافراد والجماعات الارهابية التي استغلت الانظمة والقوانين البريطانية المتعلقة بحقوق الانسان وحرية التعبير والتنقل والعمل أسوأ إستغلال، وبصورة أثرت على علاقات الدولة البريطانية بعدد من أصدقائها وحلفائها. فمن بعد تسليم الداعية الأهوج منظر تنظيم القاعدة في أوروبا المدعو أبوقتادة إلى الأردن، وتسليم المحرض على الجهاد في المساجد البريطانية أبوحمزة المصري إلى السلطات الامريكية، والتحقق من انشطة وسجلات جماعة الأخوان المسلمين ومدى خطورتها على المصالح القومية البريطانية، هاهي الشرطة البريطانية تقبض على الباكستاني "ألطاف حسين" بتهمة تبييض الأموال، والاختلاس، والقتل. وعلى الرغم من أن الأخير لم ينتهج نهج أبي قتادة وأبي حمزة المصري، واقتصر نشاطه على تزعم "حركة المهاجرين القومية" الباكستانية وحشد التأييد المعنوي والمادي لها من الخارج، فإن هناك الكثير من علامات الاستفهام حول تحركاته وما راكمه من أموال ساعده في تأجيج العنف في كبرى مدن باكستان وعاصمتها الاقتصادية، كراتشي، فضلا عن علاقته المزعومة باغتيال أحد منافسيه السياسيين في لندن في عام 2010  وهو الدكتور عمران فاروق الذي يعتبر من قادة ومؤسسي الحركة المرموقين..
فمن هو الطاف حسين هذا؟ وإلى ماذا تهدف حركته؟ وما مدى ثقله ووزن حركته في الحياة السياسية الباكستانية؟
لنبدأ بالاجابة على السؤال الأخير الذي سينقلنا تباعا إلى الإجابات الأخرى. يدّعي الطاف حسين (60 عاما)، في مقابلة أجرتها معه جريدة الحياة اللندنية في يوليو 1995 ، أنه يمثل نحو 22 مليون نسمة من الباكستانيين الذين نزحوا إلى باكستان واتخذوا منها موطنا بديلا عن الهند على إثر تقسيم شبه القارة الهندية في عام 1947 . ومعظم هؤلاء يعيشون اليوم في كراتشي العاصمة السياسية السابقة لباكستان وعاصمة إقليم السند، التي صارت من أكثر مدن العالم ازدحاما وكآبة وبؤسا وانفلاتا امنيا وحاجة إلى الخدمات، من بعد أن كانت في زمن الانجليز إحدى أجمل مدن الهند البريطانية وأكثرها رخاء. 
وانطلاقا مما سبق، لم يكن غريبا أن تــُعلن حالة التأهب الأمني في المدينة ويقوم سكانها بتخزين الماء والطعام ويهرع تجارها الى إغلاق محالهم، خوفا من أن يؤدي شيوع خبر القبض على الطاف حسين في لندن إلى رد فعل عنيف من قبل أنصاره الكثر كما جرت العادة كلما داست الحكومة او مؤسسة الجيش على طرف أحدهم. وهؤلاء الانصار ينضوون تحت جناح "الحركة القومية المتحدة"، التي ولدت من رحم مؤتمر طلابي عقد في عام 1978  في جامعة كراتشي، وتم إشهارها في عام 1984  زمن حكم الجنرال ضياء الحق تحت إسم "حركة المهاجرين القومية"، لكن كلمة "المهاجرين" أزيلت من إسمها في عام 1997. وهي تعتبر من حيث الثقل أكبر حزب على الاطلاق في كراتشي التي يقطنها نحو 20 مليون نسمة، وثاني أكبر أحزاب إقليم السند ــ له 37 من أصل 130 مقعدا في المجلس التشريعي المحلي ــ ورابع أكبر الاحزاب الباكستانية على الاطلاق بعد حزب الرابطة الإسلامية "جناح نواز"، وحزب الشعب، وحزب تحريك إنصاف. إلى ذلك فإن الحركة بسبب توجهاتها العلمانية تعتبر أكبر قوة مناوئة لحركة طالبان وحلفائها. 
وتسعى هذه الحركة، التي انشقت على نفسها فتمخض عن ذلك حركة أخرى تحت إسم "حركة المهاجرين الحقيقية" وهي حركة يصف الطاف حسين مؤسسيها وأتباعها بـ "مجموعة من اللصوص والمرتزقة العاملين لحساب جهاز المخابرات الباكستاني"، إلى بناء وطن مستقل للذين هاجروا من الهند إلى باكستان في فترة التقسيم، وجلهم من الفقراء الذين مُورس ضدهم التمييز والتهميش ــ وعوملوا معاملة مواطنين من الدرجة الثالثة على الرغم من تضحيتهم بنحو مليوني شهيد من أجل قيام باكستان كما يقول الطاف حسين ــ ولم يمكنوا من الحصول على أراض زراعية يمارسون فيها مهنتهم الوحيدة. أما زعيمها الطاف حسين، المولود في أغرا الهندية في عام 1953 لعائلة متدينة والحاصل على بكالوريوس الصيدلة من جامعة كراتشي والمؤدي للخدمة العسكرية في فوج البلوش بالجيش الباكستاني، فقد فرّ إلى بريطانيا في عام 1992 ويعيش مذاك هناك كلاجيء سياسي بسبب وجود نحو مائة قضية جنائية ضده في المحاكم الباكستانية، وخوفه من الاغتيال السياسي. ومن لندن ادار الرجل تنظيمه بقبضة حديدية إلى الحد الذي قيل معه أنه لا يتردد في التخلص من منافسيه على الزعامة قتلا. ومن هنا قيل باحتمال أن يكون لالطاف حسين يد في مقتل عمران فاروق داخل منزله في لندن في سبتمبر 2010. والجدير بالذكر أن فاروق انتخب سكرتيرًا عامًا للحركة القومية المتحدة، ولكنه اختفى في عام 1992م عندما بدأ الجيش حملة تطهير ضد معاقل قادة المهاجرين في كراتشي بسبب تورطهم في عدد من الجرائم. وظل فاروق يدير الحزب من أماكن سرية في كراتشي. وفي 1999م تمكن من الهرب من باكستان بجواز سفر مزيف ووصل إلى لندن وحصل على اللجوء السياسي فيها. وكانت الشرطة الباكستانية اتهمته بارتكاب جرائم قتل واختطاف وتعذيب وأصدرت أوامر بإلقاء القبض عليه.
والحقيقة أن الطاف حسين وحركته واتباعه صاروا الشغل الشاغل لأجهزة الأمن والمخابرات الباكستانية التي لم تترك حادثة دموية الا ونسبتها إليهم، ولم تترك صفة قبيحة إلا وأسبغتها عليهم، وعلى رأسها بطبيعة الحال التحرك بأوامر من الهند والعمل لصالحها، متخذة من تصريح الطاف حسين المتكرر بأن "تقسيم شبه القارة الهندية كان أكبر خطأ في تاريخ البشرية" مبررا لإطلاق تلك التهم. ولعل أكثر الفترات التي عانت فيها الحركة من الاضطهاد والملاحقة والتضييق هي تلك التي كانت فيها باكستان تحت حكم العسكر، وخصوصا في التسعينات حينما كان الجنرال برويز مشرف في السلطة. أما قادة البلاد المدنيين فقد كانوا أكثر رأفة بها، وحاولوا مرارا ــ دون تحقيق أي نجاح ــ أن يتوصلوا معها إلى حلول وسط حول مطالبها. تلك المطالب التي تشمل: وقف العمليات الامنية ضد المهاجرين، سحب الجيش من مناطقهم، اقرار مبدأ التمثيل النسبي في البرلمات الاتحادية والاقليمية ومجلس الشيوخ الاتحادي، زيادة حصص الخدمات المقدمة للمهاجرين في المدن والقرى، منح منصب حاكم ولاية السند إلى المهاجرين والسنود بالتناوب، تعويض أعضاء الحركة ممن قتلوا او اصيبوا أو لحقت خسائر بممتلكاتهم على يد الجيش والشرطة، وإسقاط جميع القضايا المرفوعة ضد قادة الحركة من دون قيد او شرط.
والحال أن بريطانيا تحسن فعلا بتخلصها ممن يستغلون أراضيها وكرمها لارتكاب أعمال الارهاب والعنف، او التحريض عليه، او تجنيد الانصار من أجله، أو بث الكراهية الدينية والمذهبية. ونعتقد أنه قد حان الوقت لتوسع السلطات بريطانية دائرة جهودها فتشمل الجماعات الخليجية المارقة التي تستهدف أوطانها من عاصمة الضباب.
تنويه: اثناء تحرير المقال افرجت بريطانيا عن الطاف بكفالة على أن يمثل لاحقا أمام العدالة.

د. عبدالله المدني
* باحث ومحاضر أكاديمي متخصص في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: يونيو 2014 
الايميل: Elmadani@batelco.com.bh


لو يعملوني مَلِـك.. الأخلاق قبل الدين/ مهندس عزمي إبراهيم


لـو يعملــوني مـلــــك.... أحَكِّــم الأخــلاق... قبــــل الديـــن
***
أرمي الصولجـان والتـاج.. واخللي لِبـس ابن البلــد لِبسـي
وف أعظــم ميـــدان في البلــــد.. أحــط المشنقـــة بنَفسـي
وأربُــط حِبـالــها بإيـــدي على رقبـــة كل مُغتصِـب جِنسـي
واسيب بنات البلد اسبوع يِتِفُّوا عليه.. ودي مقدمة دَرسـي
***
فين نخوة المرجلـة.. بيهتِـك عـرض البنـات بدل ما يحميـه
لو كانت الضحية اختـه أو أمُّـه أو مراتـه.. كان يحس بإيـه
ياريتــهم..... قبـل ما ينشنــق... ييجـوا... يفقعــوله عينيـه
فاســـد، وصايــع، وضايــع... ولازم المجتمـــــع يجـازيــه
***
لو يعملــوني مـلــــك.... أُعـاقَــب المُغتصِـب.. في الحــــال
وعشـان يِـدوق من "فِعــــــــــــــالـه" طعـم الـذل والإذلال
حاجيبله "العسكري الاسـود" يِدِّيلـه قبل المشنقة درسيـن
بَسْ اعملــوني مـلــــك... وأحَكِّــم الأخـــلاق.. قبـل الديـــن
*******

المجلات الثقافية والفكرية في بلادنا: مجلات لم تعش طويلاً..!/ شاكر فريد حسن

كان قد صدر في هذه البلاد الكثير من المجلات الأسبوعية والشهرية والفصلية والدورية، التي لم تعش طويلاً واحتجبت مبكراً، نذكر منها مجلة "الحوار" الأسبوعية الشاملة التي صدرت  بالناصرة في الثمانينات ، عن مؤسسة "الحوار " للعلاقات العامة ، وكان يحررها ويشرف عليها المحامي زهير سعد ، واهتمت بالشأن السياسي المحلي والفلسطيني والعربي.
ومجلة " الفكر الجديد" الفصلية للبحوث والثقافة التي صدر عددها الأول في آب 1989 لصاحبها ورئيس تحريرها الصحفي والسياسي صليبا خميس ، الذي كان يطمح بان تكون صفحات المجلة مفتوحة لكل أصحاب وجهات النظر من إخواننا الفلسطينيين على اختلاف معتقداتهم الأيديولوجية والفكرية والسياسية . وقد أفردت مساحاتها لنشر الدراسات والأبحاث المتعلقة بالقضية الوطنية الفلسطينية والثقافة والتراث الفلسطيني ،ولكن حلم صاحبها لم  يتحقق باستمرارية وبقاء المجلة.
ومنها ايضاً مجلة "اللاز "الثقافية الأدبية الفنية الشاملة ، التي صدرت في التسعينات عن مؤسسة اللاز للصحافة والإعلام في ام الفحم . وكان رئيس مجلس إدارتها وتحريرها محمود شفيق اغبارية ، ومدير تحريرها محمود الشرقاوي ، وسكرتير تحريرها الكاتب عدنان عباس ، أما التخطيط والمونتاج فللخطاط احمد فريد حسن . وعلى صفحات المجلة قرانا الكثير من المقالات والنصوص في مواضيع مختلفة شارك فيها د. فاروق مواسي ، عدنان عباس، شاكر فريد حسن ، ياسر بقاعي، د. توفيق مصالحة، وجدي حسن جميل ، محمود الشرقاوي وغيرهم.
ومنها كذلك مجلة "الهوية " التي كانت تصدرها الحركة الوطنية "أبناء البلد" كلسان حال لها . وتركزت موضوعاتها في الشأن السياسي الفلسطيني والهم الإنساني التقدمي.
وكذلك مجلة "شؤون أكاديمية" الفكرية الثقافية الفصلية ، التي كانت تصدر في القدس في أواخر الثمانينيات ، بالتعاون مع مؤسسة "حلقة الأكاديميين العرب" للأبحاث والدراسات التنموية . وكان صاحب امتيازها ورئيس تحريرها الدكتور احمد الطيبي، وسكرتير تحريرها الشاعر عبد الناصر صالح، ومستشار البحث العلمي مازن ابو عيطه.
وعملت هذه المجلة على نشر الأبحاث والدراسات الأدبية والتاريخية والعلمية والتراثية.
بالإضافة إلى مجلة "48" الفصلية التي أخذت على عاتقها نشر نتاجات أعضاء الاتحاد في ألوان الأدب المختلفة ، ومجلة "اضاءات " التي كان يرأس تحريرها الشاعر سميح القاسم ، ومحررها المسؤول وعضو هيئة تحررها الكاتب الناقد نبيه القاسم ، وتخصصت في نشر الإنتاج الأدبي والشعري والقصصي والنقدي المحلي .وأيضاً مجلة "الطلائع" السياسية والثقافية الشهرية ، التي أصدرها الشاعر الراحل مصطفى مراد في يافة الناصرة سنة 1992، وتوقفت عن الصدور بعد نحو عام .   

حين يحنُّ الليلُ يجنُّ الحنين!/ آمال عواد رضوان

أقام المنتدى الثقافي في جاليري البادية-عسفيا الكرمل أمسية شعرية، احتفاءً بديوان "حِينَ يُجَنُّ الحَنين"- حنان جريس خوري، في نهاية أيار/مايو2014، وسط عدد من الأدباء والشعراء والأصدقاء، وقد تولى عرافة الأمسية الأستاذ رشدي الماضي، ومداخلة كل من الكاتب والمؤرخ الأستاذ إسكندر عمل، حول دَور الفرح في ديوانها، ومداخلة الأستاذ فتحي الفوراني حول مواكبته مشوارها الشعري، من لحظة ميلادها شعريا حتى إصدار ديوانها الأول، وقد تخللت المداخلات هذه قراءات شعرية بصوت حنان خوري، للقصائد: "رَقصٌ في ذاكِرَتي"، "حُرَّةٌ أَنا"، و"ڤِيا دِيلّا روسّا الحزين"، ومن ثم كانت مداخلات من الحضور والتقاط الصور التذكارية.
جاء في كلمة رشدي الماضي: المركزية في "دولة الثقافة" تحتّم علينا أن نُحدث منعطفًا في المشهد الثقافيّ، لكسرٍ إيجابي ّلهذه المركزيّة، وفتح الأبواب لاقتحام فرسان الانفجار الإبداعيّ.
حنان فارستي القادمة على صهوة الشعر، لقد قرأت قاموسك شعرًا مفتوحًا على أسئلة الحياة، يجري بسيولة تعبيريّة هامسة، صوتها وشوشة الإنسان للإنسان، شعرًا يَجري ويُغري القارئ أن يجري معه، فيضًا رهين المشاعر والحواسّ. شاعرتي الفارسة دخلته مفرداتٍ نابضةً، ركضتُ بين السطور، لا لأسرق عفة النصّ، بل لأفكّ كيمياء عبارات شاردة، من زمن إبداع سقط من زمن الإبداع. ألم أقُل لك: "أنتِ وُلدتِ وفي فمك ملعقة من الشعر؟" اِمضي شاعرةً كي نمضي كذلك نحن معك.
وفي مداخلة الأستاذ إسكندر عمل بعنوان "الفرح في جنون حنين حنان": 
قبل أن أبدأ كلمتي في هذه النّدوة الأدبيّة المخصّصة للديوان الأول للشّاعرة حنان جريس خوري "حين يُجنُّ الحنين"، أودّ أن أشير إلى أنّ وصالي الأول مع بدايات حنان الشّعريّة كان في جريدة الشّعب "الاتّحاد"، في بداية التّسعينيات من القرن الماضي، وكنت محرّرًا لصفحتي الطّالب و "قوس قُزح"، وكانت تأتي إلى مكاتب التّحرير في شارع الحريري، حيث كنّا نناقش محاولاتها الشّعريّة، ثمّ كنت أنشرها في صفحة قوس قُزح.
هنا لا بدّ من التّأكيد على حقيقة، وهي أنّ التّوقف عن الحديث عن دور "الاتّحاد" كمدرسة تخرّج منها الشعراء والأدباء من الرّعيل الأول بعد النّكبة فقط، كتوفيق زيّاد، وسميح القاسم، ومحمود درويش، وسميح صبّاغ، وإميل حبيبي، ومحمد علي طه، وفتحي فوراني، وحنّا أبو حنّا، وغيرهم من المبدعين الّذين نفخر بهم، هو ظلم للاتّحاد ولعشرات الكتّاب والشّعراء، الّذين بدؤوا مسيراتهم الإبداعيّة على صفحاتها بعد هؤلاء الأدباء الأفذاذ، ولاقوا كل دعم وتشجيع من محرّريها. حنان واحدة من كثيرات وكثيرين بدؤوا في صفحة الطّالب وهم في الصّفوف الابتدائيّة، أو في قوس قزح في الصّفوف الثّانويّة، ثمّ أكملوا الطّريق في الصّفحات الأدبيّة الأخرى في "الاتّحاد"، كميسون أسدي، ورجاء بكريّة، وصفاء نعامنة، ودريد زرقاوي، ود. جريس خوري، وآخرين كثيرين واكبت انتاجهم الأدبي وهم في أول الطّريق.
قرأت الدّيوان وشدّني الفرح الّذي فيه، في الكلمات والعبارات والمعاني والصّور الشّعريّة والموسيقى، فقرّرت أن أتتبّع هذا الفرح بكل أشكاله. الفرح أصبح عملة نادرة في هذا الزّمن، وفي هذه الظّروف الّتي نعيشها ونعايشها. فلا يمرّ يوم الّا ويتناقص الرّفاه في "دولة الرّفاه"، فمن أين سيأتي الفرح، والغلاء يستفحش، والبطالة تتفاقم، والحرب سيف مُصَلّت على رقاب العباد. لكن رغم كل ما ذكرت أبت حنان إلّا أن تكون فرحة تارة، أو هازمة للحزن حينًا، أو متمرّدة على مسبّبات الألم والمعاناة دومًا، فالحبّ فرح، والنّغم العذب والأغنية والمنى والبشائر والدّمعة، آخر دمعة فرح.
من تاريخ منهار ومن بردٍ وليل صواعقَ ارتقت، وحلمت وأصرّت أن تكبر وتكبر، "حتّى يموج الفرح ويترقرق". رغم الجراح والضّياع والإعصار غنّت للشّمس للحرّيّة، والحبّ تدفّقَ من شعرها وقلبها أَنهارَ أمنيات. الأمل بالفرح عند حنان لا يقاوَم، فهو لا بدّ قادم، وستدخله من بوابة القمر، رغم غدر الحبيب والزّمان والسّفر، تخاف أن يحرقها فرح الكلمات الّذي غرقت به وتلاطمت أمواجه، لكنّها تستدرك وتتحدّى:
"لا .... تقهرني قيود، ولا تحجبني عن المحال دمعة، فخطوي نار نار وَورود، ومن دمعيَ تولد شموس وآفاق ووعود". 
حتّى بعد الطّوفان، وكم من طوفان يغمر حياتنا، أتت غصنًا أخضر يبشّر بنهار جديد، وفجر جديد، وفرحٍ فرحٍ أكيد: "سأقطف نهارًا من القلب المجرّح/ وأحرق ليلًا بفجرٍ يتفتّح، ويأكل العناصر والأشياء سأفرح/ أنا سأفرح." لا تنسى حنان وطنها وإن نسيته الأحلام، فهي تبشّره بحياة عذبة، وفجر منبلج، وألحان خضراء:
"إليك الحياة فلتفرح ولتفرح يا وطن الأحلام المنسيّة".
في قصيدة "حرّة أنا" لا تذكر لفظ الفرح، ولكنّ الفرح يحلّق في أجواء القصيدة، وتبدو حنان فراشة أو نحلة أو بلبلًا مغرّدًا يأبى القيود. حنان تحلم بغدٍ يزرع في دربها فرح الحياة، وحتّى في ليلها تغزو النّجوم لتصل إلى الفرح، وهو قادم لا محالة. الصّور الشّعريّة والأبيات تقفز فرحة سلسة عذبة، ينساب القارئ، السّامع، معها، لا يعتريه ملل ولا يشعر بثقل.
أرقص ملء الدّهر/ أغزل من رقّة ليل/ أجمل عمر/ لي عمر من وردٍ/ لي دهر من شهدٍ/ لي صوت/ وصدى/ لي سِفرٌ/ وسحرٌ/ وبريقْ/ صديقي/ أمسح ليلك بالوعد / وأملأ ثغرك بالورد
يا شعرُ/ خُذني اليكَ/ حيث تمرُّ عيوني/ حين هدوئي... وجنوني/ خُذني اليكَ/ حيثُ لا زمنَ/ لا وطنَ/ سوى عينيكَ/ ويكون عزفٌ ويكونْ/ عزفٌ دافئٌ... حنون/ يملؤني رقصًا/ رقصًا/ رقصًا وجنونْ.
 حرّة أنا قالت في إحدى القصائد، فجابت الطّبيعة والحلم والحبّ، وتحرّرت من قيود الوزن حينًا، ومن الحرف والقافية أحيانًا، وصاغت من الكلمات لآلئ، ورسمت لوحات شعريّة خاطبت الرّوح والفكر والعاطفة، فاهْنئي يا حنان بهذه البواكير، ونحن بانتظار حصادٍ خيّر قريب. 

ثمّ كانت الكلمة للأستاذ فتحي فوراني، مُدرّسها في الكلية الأرثوذكسيّة العربيّة في حيفا، فتحدّث عن اكتشافه موهبتها الواعدة، فقال: لن أقوم هذا المساء بدور النّاقد، فقد آثرت أن ألعب دور الشّاهد! سأحكي لكم حكاية طريفة. حكاية ميلاد الديوان.. «حين يُجنّ الحنين»! واسمحوا لي، بدءًا، أن أعترف أمامكم بالتّهمة المنسوبة إليّ. إنّي أعترف بالذنب الجميل الذي اقترفته. أعترف بحصّتي في ارتكاب الخطيئة.. خطيئة الإبداع! وأنا سعيد بهذا الاعتراف".ومن ثم روى الحكاية ودوره في مواكبة وتشجيع الشّاعرة منذ اللّحظة الشّعريّة الأولى، وحثّها على مواصلة العمليّة الإبداعيّة، وصولًا إلى إصدار الديوان.
"رَقصٌ في ذاكِرَتي"/ حنان جريس خوري- قَلبٌ .. وَحَبَق/ وَ قَمَرٌ مَنثورٌ عَلى وَرَق/ وَ أَلفُ قَصيدَةٍ/ تَغسِلُ الَّليلَ / بِرَوعَةِ غَسَق.../ هَمسٌ .. وَ حَنين/ وَ قُبَلُ قُرُنفُلٍ لِعَينَيكَ/ لِلمَوجِ الحَزين .../ تَمُرُّ قَوافِلُ صَدى/ تَرسُمُ في الصَّفَحاتِ/ دَمعًا.. وَ نَدى/ وَ مِن حُلمٍ مُقمِرٍ / يُولَدُ عُمرٌ .../ وَ يَصحو مَدى
رَقصٌ رَقصٌ في ذاكِرَتي/ وَنَهارٌ يطلعُ مِن نافِذَتي / وَ آلِهَةُ عِشقِ/ تَهِفُّ عَلى عُمقي / ..وَ يَكونُ قَلبٌ 
وَ يَكونُ حَبَق/ وَ قَمَرُ حُبٍّ مَنثورٌ على وَرَق / وَ أَلفُ قَصيدَةٍ/ تَغسِلُ الَّليلَ / بِرَوعَةِ غَسَق......
ڤِيا دِيلا روسّا اٌلحَزِين/ حنان جريس خوري                         
ڤِيا دِيلا روسّا اٌلحَزِين/ يا أَلفَ قَصيدةٍ/ مُعتَّقَةٍ.../ يا أَرْوِقَةً مِن حَنينْ/ يا نَهراً من رُؤىً مُقَدَّسَةٍ/ يا دَهراً من لَيلٍ و أَنينْ/ تَحمِلُني إِليكَ رُوحي/ تُعَمِّدُني/ تُقَطِّرُني/ ماءَ زَهرٍ ...رَياحِين 
هَل تَلمحُ خَيالاتِ حُبٍّ جَديدْ ؟/ هَل تَلمَحُ عِندَ غَيهَبِ العمرِ/ عُمراً آخَرَ.../ ...يَنثُرُ شُموساً/ يَهمِسُ : قُدُّوساً/ قُدُّوساً/ قُدُّوساً .... مِن بعِيدْ ؟...
يا ڤِيا دِيلا روسّا الحزينْ/ هَوَت نَفسِي في نَفسِكَ/ وَ أَمسِي تَوارى في أَمسِكَ/ فَانتصرتَ كالنُّورْ .../ يا دَربَ الآلام المُعَطَّرِ / يا دَربَ رَعَشاتٍ مَلهوفَةٍ/ يا دَربَ فَرَحٍ مَهجورْ... / هَل تَلمَحُ ؟.../ سَحاباتٍ مِن دَمعٍ و بَخور  .../ هَل تَلمَحُني أُعانِقُ أَوراقَ الوَردِ ؟/ هَل تَلمَحُني حِينَ اندثارِ البَردِ؟
يا ڤِيا دِيلا روسّا الحَزين / كُلُّ خُطُواتي تَحمِلُني إِليكَ / كُلُّ دَمْعاتي تَصيرُ عَينَيكَ/ كُلُّ الدُّروبِ/ وَ الطُّيوبِ/ 
تُسافِرُ في راحَتَيكَ / حَيثُ يُجَنُّ الحَنينْ/ يا ڤِيا دِيلا رُوسّا الحَزينْ..........

حُرَّةٌ أَنا/ حنان جريس خوري
حُرَّةٌ أَنا/ مِثلُ غُصنِ زَيتونِ/ حُرَّةٌ أَنا/ وَمِثلُ أَجملِ جُنون/ مِثلُ مخاضِ شِعر/ عِندَ حُدودِ الكِلمِ/ حُرَّةٌ أَنا/ مِثلُ السَّماء.../ ومازالَ في القلبِ/ بَعضُ سماءْ/ بَعضُ جَنَّةٍ وضِياءْ/ ومازالِ في العمرِ/ بَعضُ دُهور/ ودِفءُ صَلاةٍ يَملَأُني سِرًّا/ وَنُورْ
ومازالَ في الدّربِ/ بَعضُ ياسَمين/ هَمَساتِ صَيفٍ/ وَدَمعاتِ حَنين/ وَمازالَ مَوسِمُ حُبٍّ/ وَجَنى/ وحُرَّةٌ/ حُرَّةٌ .. مثلُ اللَّونِ أَنا/ مِثلُ لَونِ قَصيدَة/ مِثلُ كونِ أسطورةٍ جَديدَة/ ومِثلُ زَهرِ لَونٍ وليدْ/ ونَهرُ حُبٍّ وَعيدْ/ مِثلُ أَسراب المُنى/ حُرَّةٌ.. حُرَّةٌ../ حُرَّةٌ أنا...
آلِهَةُ الطَّريقِ آلِهَةُ الطَّريقِ/ حنان جريس خوري
لِي عُمْرٌ مِنْ وَرْدِ/ لِي دَهرٌ مِنْ شَهْدِ/ وَلِي ليلٌ وَقَمرَ/ وَأَبَدِيَّةٌ مِن نَهرْ
وَلي.. سرٌّ في القَلْبِ/ وَأَجْمَلُ حُبٍّ في الدَّربِ/ وَليَ دَمْعٌ مِن نَدى/ وَلي صوتٌ .../ وَصَدَى
ولِي سِفْرٌ/ وسِحْرٌ/ وَبَريقْ/ وَهُنا أنا... آلِهَةُ الطَّريقِ ...

القدس... وازمة مؤسساتها/ راسم عبيدات

من الواضح بان اعباء المقدسيين وهمومهم ومشاكلهم تزداد وتتصاعد يوماً بعد يوم...وهذه الأزمات والهموم،ليس بفعل إجراءات وممارسات الاحتلال وحدها،بل العديد من هذه المشاكل والأزمات نحن المسؤولين عنها سواء كمقدسيين او كفلسطنيين،فالمؤسسات الصحية في القدس،وبالتحديد مستشفى المقاصد مشاكله وهموم عامليه تزداد وتكبر يوما عن يوم،حيث ان السلطه لم تف بإلتزاماتها بدفع الأموال المستحقة عليها للمستشفى،وبما يفاقم من الأزمة هناك،وقد اخذت الإجراءات النقابية والعمالية بالتصاعد،من اعتصامات واضرابات جزئية،حيث ان عدم وفاء السلطة لإلتزامتها،يجعل المؤسسة غير قادرة على دفع رواتب موظفيها،والذي من شأنه المس بظروف حياتهم ومعيشتهم،وقدرتهم على الصمود والبقاء في المدينة،فكيف لمن لم يتلقى راتبه بشكل منتظم منذ شهر تشرين اول/2013،ان يتدبر اموره الحياتية،فالبعض من الموظفين لم يعد قادراً على الوصول لمكان عمله بالمستشفى لضيق الحال وعدم توفر المال،وكذلك يلقي ذلك بظلاله على الخدمات الطبية والصحية التي يقدمها المستشفى لأهالي القدس والحالات المحولة من الضفة الغربية والقطاع،وإستمرار هذا الوضع قد يكون له الكثير من التداعيات،والتي قد تصل حد اغلاق هذه المؤسسة الحيوية والرائدة في المدينة،والتي تعتبر احد دعائم وركائز الوجود الوطني في مدينة القدس،وكصرح له اسمه وتاريخه الوطني الذي يجب الحفاظ عليه،وهل ما يحدث في المقاصد وغيرها من مؤسسات القدس،يستقيم مع الشعارات و"الطخ" الإعلامي والأسطوانة المشروخة بأن القدس عاصمتنا الأبدية؟؟،ولماذا يطلق وزراء السلطة ومسؤوليها التصريحات الصحفية كشيكات بدون رصيد؟،ولنجد صورهم واخبارهم متصدرة في الجرائد المحلية،بأن السلطة قد عملت على حل مشكلة مستشفى المقاصد،فأين السلطة من الوعود التي قطعها وزراءها في الإجتماع الذي عقد قبل شهرين من الزمان،.في المستشفى وضم كل من وزير المالية ووزير الصحة ووزير شؤون القدس ومحافظها وكبار الموظفين في هذه الوزارات،حيث تم الاتفاق على تغطية كافة مستحقات المستشفى لدى وزارة الصحة في موعد اقصاه 15/4/2014 والبالغة في حينه قرابة ثمانية وثلاثون مليون شيكل، الا ان هذا الوعد ذهب ادراج الرياح شأنه شأن كافة الوعود السابقة.

حتى ترسخ لدى كافة العاملين الشعور بان هناك مخطط ينفذ من قبل بعض صانعي القرار يهدف الى تصفية هذه المؤسسة،وبالتالي تصفية الوجود الفلسطيني في القدس الشريف؟؟،نعم نحن كمقدسيين نتهم بأن البعض  في قمة هرم السلطة يقود اجندة مشبوهة لتصفية مؤسسات القدس وقضية القدس،ونطالب قيادة المنظمة ورئيس السلطة الوطنية الرئيس أبا مازن،بإجراء مساءلة وتحقيق جدي،عمن يقوم بمثل هذا السلوك وتلك الممارسات بحق القدس والمقدسيين والتي هدفها تصفية مؤسساتهم ووجودهم.

والأمور ليست وقفاً على مستشفى المقاصد فهناك شركة كهرباء القدس،والتي بفعل الديون المتراكمة عليها لشركة الكهرباء القطرية  الإسرائيلية،والتي جاوزت المليار شيكل،أصبح خطر السيطرة على امتيازها وممتلكاتها من قبل حكومة الإحتلال جدياً وحقيقياً،ولتفادي هذه الخطر وبالذات قامت الشركة بتحويل عامليها الى جباة من اجل تفادي وضع يد الإحتلال على الشركة،ونحن نرى بان من يتحمل المسؤولية المباشرة عن ذلك السلطة الفلسطينية  أيضاً،وكذلك المواطن الفلسطيني،حيث ان السلطة أيضاً لم تفي بالتزاماتها المالية تجاه الشركة،وكذلك عدم دفع أثمان التيار الكهربائي والسرقات،تثقل كاهل الشركة،ورغم كل المناشدات والأحاديث التي توجه فيها مدير الشركه المهندس هشام العمري الى الجهات المسؤولة والى المشتركين،بضرورة الوقوف عند مسؤولياتهم،وإنقاذ الشركة من خطر الضياع،ولكن كل تلك الصرخات والنداءات تذهب وذهبت ادراج الرياح،وكان هناك من يسهم عن عمد في تدمير وضياع هذا الصرح الوطني في قلب مدينة القدس،وبما ينم عن عقلية ارتزاقية نفعية،ناهيك عن ان هناك "بلطجة" و"زعرنات"من أفراد وجماعات غير مسؤوله لا وطنياً ولا اخلاقياً،تقوم بعمليات السرقة بشكل ممنهج ومنظم،بضاف الى ذلك بعض من يتمسحون ويتاجرون بالدين،هناك من يشجع على سرقة التيار الكهربائي، في تشريع للصوصية والحرمنة في تناقض واضح ومخالفة للتعاليم الدينية إسلامية ومسيحية وبوذية.

وحال مجلس الإسكان الفلسطيني،ليس بأفضل حال من المشافي وشركة كهرباء القدس،فهناك ما لا يقل عن عشرة ملايين من الدولارات على المقترضين،والذين رغم ان جزء منهم تخلفه عن الدفع مرتبط بصعوبة ظروفه واوضاعه الإقتصادية،والتي يجب مراعاتها،والعمل على إعادة  جدولة ديونه وفق آليات يجري التوافق عليها،ولكن هناك جزء اقترض وأدار ظهره للمجلس،ولم يقم بالتسديد،وهذا الجزء يجب ان تجري ملاحقته من كل الغيورين على مصلحة القدس والوطن،وعليه أن يغادر عقلية الإنتفاع والإرتزاق،ولا اظن بأن أي وطني شريف يستطيع أن يدافع عن مثل هؤلاء المقترضين،فهم جزء من الأزمة وليس الحل،ولذلك وجب فضحهم وتعريتهم،وليس "الطبطبة"  والتستر عليهم،ونحن اذا نقول بأن الخط الناظم لمؤسساتنا في مدينة القدس،يجب ان يكون عدم رفع القضايا على المتخلفين عن الدفع والسداد أمام المحاكم الإسرائيلية،ولكن هذا يجب ان لا يشكل تشريعاً او صكاً للبعض للتهرب من السداد،ويجب ان يجد المقدسيون قوى ومؤسسات وكذلك السلطة والمنظمة الطرق والآليات التي تجبر مثل هؤلاء على تسديد القروض،لكي يستفيد منها غيرهم.

وأيضاً نحن نرى بأن السلطة والمنظمة تتحملان المسؤولية الأولى عن إستمرار أزمة مجلس الإسكان وإنقسامه بين شركة الإسكان في القدس ومجلس الإسكان في الضفة الغربية،حيث ان البعض وجد ضالته في هذا الإنقسام ،للتهرب من الدفع وتسديد القرض.

ما ينطبق على هذه المؤسسات،ينطبق على غيرها من المؤسسات الأخرى،فجزء منها اغلق بفعل سياسات الإحتلال وإجراءاته التعسفية،اكثر من 32 منذ بداية الإحتلال وفي مقدمتها بيت الشرق وغيرها،جرى إغلاقها تحت حجج وذرائع الصلة والعلاقة بالسلطة والفصائل الفلسطينية،والعديد أيضاً رحل قسراً او طوعاً الى خارج مدينة القدس،ولذلك وجب على المنظمة والسلطة تحمل مسؤولياتها العملية تجاه مؤسسات القدس لدعم صمودها ووجودها،وليس فقط التنظير والشعارات والبيانات في وسائل الإعلام المختلفة،فالوضع لم يعد يحتمل المزيد في القدس.

رشوة اب/ الدكتور رافد علاء الخزاعي

اليوم  وانا ادخل المستشفى عصرا  بعد يوم مرهق   لاني كنت احضر احدى الندوات عن  حوكمة  الانظمة الامنية وسيادة القانون  واثرها في الامن الانساني والتنمية والعدالة  الاجتماعية في انظمة الحكم الانتقالية طرح فيها خبراء من منظمة الامم المتحدة عصارة التجارب العالمية من اجل الرقي  والاصلاح القانوني في العراق.
 شاهدت صبيا يقود اخيه الاكبر وهو مجبرا ذراعه الايسر بالجبس (لديه كسر  بسيط في عظم الزند الايسر وقد عولج تحفظيا بالساندة الجبسية) وعندها قلت له خير عمو ليش ماتدير بالك من تسوق (تركب البايسكل ) الدراجة وحسبت نفسي فطننا وواكملت سؤالي وابوك اشتراها بمناسبة نجاحك .... لان الان موسم توزيع النتائج والاباء يشترون هدايا لابنائهم الناجحين..........
بكى الولد المكسور ونزلت من عينيه الدموع وضحك بقهقهة عاليا اخيه الصبي الصغير فتهت في تفكيري بين هذا الموقف الازدواجي بين بكاء الولد المكسور و الضحك الهستيري لاخيه الصبي الصغير.......
وضاع عني التبصر والاستقراء للموقف الازدواجي بين الضحك والبكاء لاكتشف سخرية القدر.....
اجابني الصبي الصغير عمو ان كسر يد اخي نتيجة لتلقيه ضربات ابي شرطي المرور بعد عودته من يوم متعب ودامي في بغداد......
وانا كأني عباس المستعجل في التصريحات كما يقول المثل البغدادي ومثل باقي العرب والعراقيين لنا الظاهر من الامر  ونسرع بالحكم ونبني عليه تفكيرنا بدون تفحص  ودراية  شمولية كافيةوهاي خصلة حتى في الانبياء كما في قصة سيدنا موسى عليه السلام والعبد الصالح.....
فانبريت للصبي وهل شاهده ابيك يقود دراجته عكس السير او يقودها في الطرق العامة.......
فاجابني الصبي بخباثة عمو شبيك مستعجل احنا حتى دراجة ماعدنا بس انا قلت لاستعلامات المستشفى حتى احمي ابي من المسائلة والعدالة وتم معالجة اخي اسرع وهكذا نسجل جميع حوادثنا قضاء وقدر.....
 عمو عفية دوختني وانا دايخ بالوضع العراقي وارهاب داعش.....
الصبي وهو يضحك عمو داعش مالهم علاقة هاي امي النادرة من شافت ابوي تعبان من الشغل قالت له ابشرك الولد جابوا شهايدهم (نتائجهم ) فاخرج ابي صفارته من جيبه وصفر ثلاث مرات وهو يدعونا للتجمع للاطلاع على نتائجئنا......
فبرز له اخي المسكين هذا بنتيجته المصبغة بالدوائر الحمراء الخمسة فنظر ابي له شزرا مزرا وانهال عليه بالضرب والنطح والبوكسيات والراشديات حتى كسر له يده.....
 فقلت له عفية عليك عمو انت ناجح وقد قللت من غضب ابيك وحزنه على رسوب اخيك بنجاحك......
اجابني الصبي لا عمو اني هم راسب وشهادتي محمرة ......
قلت له اذا لماذا يضربك ابيك مثل اخيك.......
ضحك الصبي عاليا وقال عموا انا وضعت في وسط شهادتي عشرة الالاف دينار واعطيتها لابي.......
قلت له وماذا فعل ابيك حينها.........
قال عموا دس العشرة في جيبه  وقال لي وليدي انت بعدك صغير وامامك متسعا من الوقت لغرض ان تنجح.........
وقتها ضحكت وبكيت في ان واحد وكررت المثل العراقي قيم الركاع من ديرة عفك...........