آمَالَ القلبِ والرُّوح/ حاتم جوعيه

قرَعَ الحُبُّ شبابيكَ  فؤادي  فازْدَهَى الكونُ جمالا ً   
وَعَلتْ  في أفقيَ المُلتاع ِ أصداءُ النَّشيدْ     
وبدَا الفجرُ بعينينا  خلُوبًا  رائعًا   
وتهادَتْ  في جنان ِالرُّوح ِآلافُ الوُرودْ  
فانطلقنا في متاهاتِ الأماني نملأ الدنيا  بهاءً  مثلَ أطيافِ الخلودْ  
إنَّ  " كيوبيدَ " رمَانا  بسهام ٍ ذهبيَّهْ   
أشعلَ  " كيوبيدُ " بقلبينا  الغرامْ   
فسَمَونا فوقَ دنيا البشريَّهْ  //   نتحَدَّى  الأبَدِيَّهْ 
رَتعَ الفنُّ على بوَّابةِ العُمرِ وقد وَلَّتْ أعاصيرُ الشِّتاءْ  
قبلَ أن أهواكِ ما كانَ لعيشي  ووجودي أيُّ معنًى ...أيُّ  َطعم ٍ وهناءْ 
يا فتاة ً سَكبتْ  " فينوسُ " عطرَ الخُلدِ  والسِّحر عليها  
فبدَتْ  كالكوكبِ الدًّرِّيِّ  في أحلى رُوَاءْ   
سوفَ آتيكِ  فتاتي  أفرشُ  الدَّربَ  ورُودًا وضياءْ 
وسآتي  بكنوز ِالأرض ِ لو شئتِ وأهديها إليكِ  
وَسَآتيكِ بشعر ٍ وكلام ٍ لمْ  يقُلْهُ الشُّعراءْ 
يا أمالَ القلبِ ضُمِّيني حبيبًا  يتلظَّى وإلهًا  قهرَ الموتَ وأهوالَ الشَّقاءْ  
أنتِ فجري وحياتي ... أنتِ  دنيا الحُبِّ  يا نبعَ  السَّناءْ  
كلَّما  صوتُكِ نادَى منْ  بعيدٍ 
مُترَعًا بالدِّفْءِ عذبًا مثلَ أنسام ِالصَّبا  
صوتُ  موسيقى  تهادَتْ  في سمائي  
وأزالتْ عنْ عيون ِ الحُزن ِ غيمًا أسودَا 
كم  َكنار ٍ في فؤادي غرَّدا   
فتجلَّى الرَّبُّ  في أغوارِ روحي  
والأماني  فرَشَتْ   لي  مَوْعِدَا 
يا  أمالَ القلبِ  ما أحلى الغرامْ 
طيفُكِ العذبُ معي في كلِّ دربِ   
يا حياة  َالرُّوح ِ أسكرتِ  فؤادي المُسْتهَامْ 
كلُّ أرض ٍ تحتَ أقدامِيَ   َتسْجُو   
وتُغنِّي  للدُّنى  قصَّة َ حُبِّي   
عندَما  تأتينَ نحوي وبقربي  تجلسينْ  
يهربُ الحُزنُ  بعيدًا  
ونغنِّي لثُغُور ِالفُلِّ  دنيا الياسمينْ ... 
مثلَ   كلِّ  العاشقينْ 
أنتِ  وردُ  الرَّوض ِ، والخمرُ المُصَفَّى والسُّلافَهْ   
صوتُكِ الشَّهدُ  وأنغامُ  السَّلامْ  
شعرُكِ  الأشقرُ  نورُ الشَّمس ِ سحرًا... كالدَّراري كالشُّهُبْ  
رائعًا يلمعُ في عتم ِ الدَّيَاجي  كثريَّاتِ الذَّهَبْ  
حُبُّنا العُذريُّ  قد  صارَ حديثَ العاشقينْ   
خالدًا  يبقى لدهر ِ الدَّاهرينْ 
قد قرأتِ الحظَّ  لي يا  ُمنيَة َ القلبِ  وقلتِ .. قُلتِ إنِّي في مَدار ِ المجدِ سائرْ 
طالعي  فوقَ  الثُّريَّا  والنُّجومْ  
إنَّني  كالأسدِ  قلبًا عُنفواني  كالنسورْ  
وبريىءٌ مثل أطفال ِ بلادي  وجميلٌ مثلُ كلِّ الأنبياءْ 
صامدًا  أبقى  كصُوَّان ِ " الجليلْ  "  
يا  لعينيكِ امتدادُ النور ِفي دربي الطويلْ 
أنتِ دنيا السِّحر ِوالإلهام ِوالعيش ِالجميلْ 
أنتتِ قيثارة ُ عُمري وعَزاءُ الرُّوح ِ في الأرض ِ الخرابْ                                  
 لستُ أنساكِ حياتي  للمَدَى  لو كفَّنوني  َميِّتًا  تحتَ التُّرابْ  
فأنا النِّسرُ الذي  رَفضَ العيشَ ذليلا ً بينَ قضبان ِ السًّجونْ 
وتحّدَّى القيدَ  والأهوالَ  والخطبَ  الجليلْ 
وأنا أحلى شهيدٍ  أغرمَتْ  فيهِ العذارى والنِّساءْ 
وأميرُ الشُّعراءْ ونبيُّ الأنبياءْ                                                             
 يا  أمالَ القلبِ  إنِّي  في غرامي  لن أخونْ   
وبجسمي وبروحي وكياني لكِ دومًا سأكونْ   
إنِّني أرسُمُ  تاريخي وميلادي الجديدْ 
باسم ِ أرضي وبلادي باسمكِ السَّاطع ِمثل ِالشَّمس ِ في أغوارِ نفسي  
يا  أمالَ  الرُّوح ِ يا  فجري السَّعيدْ   

معركتنا معركة وجود... وأن نكون أو لا نكون/ راسم عبيدات

المشروع الأمريكي للمنطقة،مشروع الفوضى الخلاقة،مشروع تقسيم المقسم والتجزئة والتفتيت،وإعادة تركيب الجغرافيا العربية خدمة لهذه المشاريع،يبدو ان وتائره تسير بشكل سريع،وسيصبح التقسيم فعلي وقائم،إذا لم تتكاتف وتتوحد كل القوى،قوى المقاومة من طهران وحتى فلسطين،جيوش وقوى مقاومة شعبية وشعوب،حيث التحالف القائم بين القوى الإستعمارية وفي مقدمتها أمريكا وفرنسا ومشيخات النفط والخليج العربي وجماعة التتريك و"اسرائيل"،يعبر عن أهدافه الخبيثة الآن بشكل جلي وواضح،فنائب الرئيس الأمريكي "جو بايدن" تحدث علناً عن تقسيم العراق الى ثلاث دويلات(سنية،شيعية وكردية" وساق الحج والذرائع لذلك،وهذا المشروع سيطال سوريا والأردن ومصر ولبنان وليبيا واليمن،والسعودية المتورطة فيه لن تكون بمنأى عنه.
ساحة الإشتباك بين مشروع المقاومة،مشروع حماية الأمة والدفاع عن وجودها وكرامتها وعزتها،وبين المشروع المعادي ممتدة من صنعاء وحتى فلسطين.هذه المعركة تزج فيها القوى المعادية بكل ثقلها وإمكانياتها وطاقاتها،مستعينة بالقوى التكفيرية التذبيحية الداعشية بتشكيلاتها المختلفة "داعش" و"نصرة" قاعدة" "جيش الفتح "و"السلفية الجهادية" وغيرها من المنتوجات والمسميات واليافطات والعناوين لنفس المصنع،تتبدل وتتغير فقط للمهمة ولجهة التسويق والهدف منها.
حلقات الإشتباك مترابطة ولا يمكن فصلها،والتصعيد الجاري حالياً والدفع ب"داعش" لاحتلال الرمادي في العراق وتدمر في سوريا،لها علاقة بهذا المشروع،مشروع التقسيم والتجزئة،وكذلك هذا مرتبط بشكل وثيق وقوي بإقتراب موعد التوقيع على الإتفاق النهائي بين طهران وواشنطن على البرنامج النووي الإيراني في نهاية شهر حزيران القادم،حيث أن التصعيد السعودي تجاه اليمن و"الحوثيين" على وجه التحديد،ورفضها لأية حلول سياسية يكون الحوثيين جزء أساسي منها،وتزويد "الدواعش" و"النصرة" بأسلحة حديثة جداً وضخ أضخم احتياط بشري تكفيري شيشاني وتركماني وعربي وعجمي وأجنبي عبر تركيا الى سوريا وإحتلالهم لادلب والشاغور وتدمر،بالتزامن مع احتلال"الدواعش" للرمادي في العراق،وخلق حالة من التواصل بين باديتي الشام والعراق،والسيطرة على الحدود العراقية السورية،في ظل صمت وتواطؤ أمريكي-اوروبي غربي،يثبت بأن ما يجري هو بدعم ومشاركة امريكية.

السعودية وتركيا و"إسرائيل" تريد إجهاض الاتفاق النووي الإيراني بكل طرق،وتعتقد بأن تعديل ميزان القوى العسكري على الأرض وإحداث اختراقات جدية في الساحتين السورية والعراقية،سيضعف ايران،ويحد من قدراتها على دعم حلفائها في العراق وسوريا واليمن،ويجبرها على تقديم تنازلات جدية في إطار التوقيع على الاتفاق مع أمريكا،لأن توقيع الإتفاق يعني تحرر الإقتصاد الإيراني من الضغوطات ومضاعفة انتاجها البترولي بشكل كبير والإفراج عن اموالها المحتجزة،وهذا سيمكن ايران من أن تفرض نفسها كقوة إقليمية مقررة في شؤون المنطقة،وبما يعزز من دورها وحضورها ودور وحضور حلفائها.

غزوة وفتوحات "داعش" للرمادي وتدمر مرتبطة بهذا الإتفاق،ولذلك ردت ايران بشكل قوي على التصريحات الإمريكية،بأن توقيع الإتفاق مع ايران يشمل استجواب علمائها وتفتيش منشأتها العسكرية،حيث قالت قيادتها السياسية والعسكرية بأنها لن تسمح بأي شكل بتفتيش منشأتها واستجواب علمائها حتى لو أجهض الإتفاق.

المشروع الذي يتهدد دول المنطقة وشعوب المنطقة ومجتمعات المنطقة وجيوش المنطقة هو هذا المشروع التكفيري والتذبيحي المتوحش الذي نشهده الآن.

نحن الآن امام خطر وجدي حقيقي،مشروع يوازي في خطورته المشروع الصهيوني،نحن امام مشروع قائم ويتحرك ويمشي على الأرض،يقتل،يدمر،يسفك دماء يفجر دور عبادة،ينهب ويدمر تراث وحضارات عريقة،يهجر طوائف واقليات،مشروع الداعشية،مشروع المعاداة للبشرية والإنسانية والحضارة،هذا المشروع ممتد من جبال طورا بورا في افغانستان وفي الشيشان وباكستان والعراق وسوريا وليبيا ومصر اليمن وحتى شمال افريقيا ونيجيريا،جماعة بوكو حرام بايعت خليفة داعش،وداعش عبرت عن وجودها في السعودية بتفجير جامع القطيف،يعني جماعة لها فكر ومنهج واتباع وبيئة حاضنة.
نحن الان امام معركة وجود نكون او لا نكون،وامام خطر لم تشهده المنطقة في السابق لا قديماً ولا حديثاً،عرفت المنقطة الإحتلالات بانواعها المختلفة،كان الإستعمار ياتي لكي يحتل الأرض،يسيطر على الثروات والمال والمياه والسلطة،وكذك الان على الغاز والبترول والأسواق والقرار السياسي،ولكن لم تكن لديهم مشكلة في ان يبقى السكان بمختلف مذاهبهم ومشاربهم الفكرية والدينية وطوائفهم في العيش في إطار المنطقة الجغرافية والدولة.

الآن نحن امام فكر لا مثيل له في التاريخ،ويشكل خطر ويستهدف الوجودات البشرية الأخرى،نحن نواجه عصابات مجرمة تمارس القتل من اجل القتل،لا علاقة لها بفكر ولا منهج ولا رؤية ولا فقه، نحن اليوم أمام مشروع، أمام جماعات، أمام خطر، هو لا يتحمل وجود الآخرين، هنا خطأ أن يصف أحد، وأن يقول هذا وضع سني في مقابل الشيعة، أو وضع سني في مقابل المسيحيين، أو وضع سني في مقابل بقية الطوائف والاتجاهات الدينية، أبداً. هذا وضع متوحش تكفيري في مواجهة كل شعوب هذه المنطقة.

الخيار الحقيقي والصحيح هو أن تعتمد الدول المستهدفة قيادة ومقاومة وشعوب (عراقيون ،سوريون،يمنيون وغيرهم) وكل شعوب المنطقة،كما قال سماحة السيد حسن نصرالله" على أنفسهم، أن يشحذوا هممهم، أن يثقوا بقدراتهم، أن يتعاونوا ويتكاتفوا ويعضدوا بعضهم بعضاً، وأن يبحثوا عن الأصدقاء الحقيقيين الصادقين ليقدموا لهم الدعم والمساندة، ،أن يعلموا أنهم بالوعي والإرادة قادرون على إلحاق الهزيمة بهذا المشروع التكفيري الظلامي المتوحش. هم ليسوا أقوى من إسرائيل، هم ليسوا اقوى من أميركا، وحركات المقاومة وشعوب المقاومة في هذه المنطقة ألحقت الهزيمة بإسرائيل والهزيمة بأميركا. الذي يلعب هنا هو التضليل، هو العبث، هو الفراغ، هو الحيرة. يجب أن نخرج من هذه المرحلة ونعلم أننا قادرون باعتمادنا على قدراتنا الوطنية، على شبابنا، وعلى جيوشنا، وأن يحلّوا خلافاتهم والملفات المتنازع عليها بينهم في كل هذه البلدان، لأن المعركة معركة وجود، هي معركة وجود العراق وشعب العراق، معركة وجود سوريا وشعب سوريا، معركة وجود لبنان وشعب لبنان".

عفوُ الربِ وحقدُ العبدِ/ د. مصطفى يوسف اللداوي

الإنسان إلا من رحمه الله واجتباه، وامتن عليه وعلمه، وأدبه وهذبه، وأنعم عليه وأكرمه، ظلومٌ كفارٌ، جاحدٌ جاهلٌ، ظالمٌ مقتصدٌ، كاذبٌ إذا وعد، وفاجرٌ إذا خاصم، وحاقدٌ إذا كره، وظالم إذا حكم، ومستبدٌ إذا ملك، وكزٌ بخيل إذا فتحت الدنيا عليه أبوابها، وناكرٌ للجميل إذا وجد البديل، وكافرٌ للعشير إذا ذُكِّر بالمعروف، لا حدود لظلمه، ولا نهاية لبغيه، ولا نجاة من كيده، ولا سلامة من شره، دساسٌ نمامٌ، مغتابٌ أبداً وحاقدٌ دوماً، متآمرٌ كالعدو، وخبيثٌ كالشيطان، لا يفكر إلا في نفسه، ولا يسعى إلا إلى مصلحته، ولا حسن للنية عنده، ولا نقاء سريرةٍ في نفسه، في الشر يفكر وهو إليه سباق، وبالخير لا يسعى وهو منه بعيد.
ذلك هو الإنسان الذي يعيش لنفسه، ولا يفكر إلا في ذاته، ولا يخطط إلا لمصالحه، لا يهمه الآخر، ولا يفكر فيه، ولا يعنيه أمره، ولا يهتم لشأنه، وينسى أنه لا يستغني عن غيره، ولا يستطيع العيش دونه، وأنه مهما كان وضعه، وسمت منزلته، وارتفعت درجته، فإنه يحتاج إلى غيره، وينشد وده، ويطلب الحاجة منه، إذ لا تستقيم الحياة بدونهم، فهم على بساطتهم ونقاء سريرتهم صبغة الأرض وطيب الحياة، ولكن الإنسان الباغي المستبد، الظالم الجهول، يأبى أن يتعلم، ويرفض أن يأخذ العبرة من غيره، ويستفيد من تجارب من سبقه، فيمضي قدماً في غيه، سادراً أعمى لا يرى، وجاهلاً لا يفقه ولا يتعلم، فلا يرده موتٌ ولا يصده عن ظلمه مصيبة.
قد يقترف الإنسان معصيةً ويرتكب إثماً، وقد يخطئ في جنب الله عز وجل وفي حق الناس، في لحظات السهو والغفلة، أو في ساعات الضعف والفطرة، وهو الخطاء ذو المعصية، التي بها عُرف وعنها قد أُثر، وقد يندم ويتوب، ويعقد العزم على ترك المعصية والتخلي عن الخطيئة. 
لكن الإنسان يتربص بأخيه ويكيد له، ويراقبه ويتصيد أخطاءه، ويقسو عليه ولا يرحمه، بل يحزن إن أصاب وأجاد، ويفرح إن أخطأ وعصى، ويمد له في المعصية لئلا يتوب، ويوغر صدره لئلا تصفو نفسه ويتراجع، ولا يهمه من أمره الستر أو التوبة، إنما غايته الفضيحة والابتعاد أكثر عن الطريق السوي والفضيلة، فتراه يغلق في وجهه الأبواب، ويعقد أمامه السبل، ويوغر ضده القلوب، إذ لا يرضيه منه الصفاء، ولا يعجبه منه الرضا، وهو يعلم أن العبد إذا تاب وآب، نال رضا رب العباد، وحاز على الخير والبركة. 
ولكن الله سبحانه وتعالى وهو الرحمن الرحيم، الغفور الودود، فتح للإنسان العاصي، وللعبد المخطئ ألف بابٍ وبابٍ للتوبة، فلا يغلق دونه باب، ولا يعقد أمامه سبيل، ولا يحكم عليه بالمستحيل، بل ييسر له كل شئٍ ليكفر عن معصيته، ويقلع عن ذنبه، ويتوقف عن خطأه، فهو جلَّ في علاه يفتح أبواب التوبة على اتساعها، وينزل من عليائه في كل ليلة، يجيب دعوة الداعي، وتوبة التائب، ويعفو عن المخطئ، ويسامح المسيئ، ويبارك في خطا العبد، ويمد له في عمره، وينسأ له في أثره، ويفتح عليه من واسع رزقه، ويفرح له إذا أقبل، ويبش في وجهه إذا استغفر، ويسعد به إذا ندم وعزم على التوبة والإنابة.
وقد تكفل الله سبحانه وتعالى وهو القادر على كل شئ، بستر عبده إذا تاب، والعفو عنه إن استغفر، وقبول توبته إن ندم وعزم صادقاً، وأصر أن يقلع ولا يعود، ويستقيم ولا ينحرف، ويصيب ولا يخطئ، فلا يفضحه في المجالس، ولا يشيع معصيته بين الخلق، ولا يدعو لكشف ستره، وفضح نفسه، وتعميم خطأه، بل يرعاه سبحانه بالستر، ويكلأه بالحفظ، ويجعل صورته بين العباد مقبولة، وسيرته عند الخلق محمودة، وقد علَّم رسوله الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم هذا الأدب، وأنشأه على هذه الخلق، فكان خير خلق الله أدباً وخلقاً.
الله سبحانه وتعالى لا يطلب من عبده إذا أناب إليه وتاب، إن كانت معصيته بينه وبين الله عز وجل، ولا علاقة لها بالعباد، ولا حقوق لهم عليه، ولا مظالم في عنقه تجاههم، سوى أن يكون صادقاً ذا عزمٍ وإصرار، يمضي بها بلا تردد، ويواصل بها بلا انكفاء، وألا يكون بتوبته خواراً ضعيف العريكة خائب العزيمة، سريع العطب كثير الخطأ، قليل الأوبة كثير المعصية.
أما العبيد، شرار الخلق، أهل السوء، قرون الشيطان، فلا يرضيهم ما ارتضاه الله سبحانه وتعالى لنفسه العلية، ولا ما قبل به وهو الإله الكبير المتعال، المتفضل عليهم وعلى كل العباد، فلا يقبلون توبة الإنسان وهو منهم، ولا ينسون زلته وهم سببها، وعندهم مثلها، وهم منه أسوأ، وأكثر خطأً، وأشد فحشاً، وأقبح نفساً، ولكنها طبيعتهم المعوجة، وقلوبهم العفنة المقيتة، ونفوسهم المريضة السقيمة، وحقدهم الأسود، وعيونهم الضيقة، وحسدهم الأعمى، وضيق صدورهم، وقلة بصيرتهم، وانحراف فطرتهم. 
هم يظنون أنهم أحسن حالاً، وأفضل نفساً، وأنقى سريرةً، وأنهم بعيدون عن الخطأ، ومحصنون من المعصية، أو أنهم بعيدون فلا يراهم أحد، ومخفيون فلا يكشف سريرتهم إنسان، ولا يفضح سلوكهم آخر، ونسوا بأن الله سبحانه وتعالى قد توعد أن يفضحهم ولو كانوا في بيوتهم، وفي أسرهم وبين أطفالهم، أما علموا أن من تتبع عورة امرئٍ تعقب الله عورته وفضحه ولو في عقر داره، ألا يعلمون أن الله لا يحب فضح عبده، ولا يرغب في أن يكسر نفسه، ويريد له أن يكون بين الناس عزيزاً إذا تاب، وكريماً إذا أناب، وذا سيرةٍ حسنةٍ وسمعةٍ طيبةٍ إن آب واستقام.
لكنهم يأبون الستر، ويحبون الفضح، ويفرحون بالإساءة، ويسعدون بالمضرة، ولا يعنيهم كسر النفس، وإعطاب الروح، إنهم بسلوكهم الشائن يفسدون ويضرون، ويجرمون ويعتدون، ويخالفون الله ولا يطيعون، ويعارضون رسوله الكريم ولا يتبعون، إنهم شياطينٌ في أفعالهم، ويهودٌ في سلوكياتهم، وإن لبسوا الأبيض، وحملوا المسبحة، وتمتموا بألسنتهم تسبيحاً، وطأطأوا الرؤوس سجوداً، وحنوا الظهور ركوعاً، وظهروا أمام الناس وهم يصلون، وبدوا وكأنهم صالحون صادقون، يصلحون ولا يفسدون، ويحسنون ولا يسيؤون، يقولون أطيب الكلام، ويأتون بأفضل الأفعال، ظانين أنهم الأحسن، ولكنهم في الحقيقة هم الأخسرين أعمالاً، الذين ضل سعهيم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
أيها العبيد لا تكونوا عوناً للشيطان على إخوانكم، فلا تتعقبوا عوراتهم، ولا تفضحوا معاصيهم، بل أعينوهم على التوبة، وساعدوهم وعلى الأوبة، وكونوا لهم عوناً وسنداً، مدوا إليهم الأيادي، وانتشلوهم بنبلٍ، وخذوا بأيديهم بشهامة، وتعانوا معهم بعزةٍ وأنفةٍ وكرامة، ولا تكونوا سبباً في انحراف المخطئين أكثر، ولا سبباً في إصرارهم وأخذهم العزة بالإثم، فأنتم من يتحمل المسؤولية، وعلى عاتقكم يقع وزرهم، وعند الله عز وجل في الدنيا ويوم القيامة حسابكم.
إنه الإنسان المغرور التافه، الذي يظن نفسه ويوهمها أنه قيمة كبيرة، وصاحب منزلةٍ عاليةٍ رفيعة، ومسؤولية عظيمة، يتصدر المجالس، ويتقدم الصفوف، ويسمع له الناس وينصتون، ويتحدث ويسمعون، فيغتاب ويفضح، وينم ويهزأ، ويتهكم ويسخر، ويحكم ويتسلط، معتقداً أنه ظل الله على أرضه، وخليفته بين خلقه، يصنفهم كيف يشاء، ويقسمهم كما يريد، ويسميهم ويعددهم، وفق معاييره، وحسب مقاييسه، ولو كانت عوجاءٌ وعرجاءٌ وهي في الغالب كذلك وأسوأ، بل هي شوهاء وعمياء، وباطلة وظالمة، ولا فرق عنده في المعايير، طالما أن الناس تسمع كلامه، وتأخذ بأحكامه، وتقبل بتوصيفاته.

لا دين فى العلم ولا علم فى الدين/ الدكتور ماهر حبيب

تماما كما أنه لا يجب خلط الدين بالسياسة كذلك لا يجب أن نربط العلم بالدين فربط الثابت بالمتحرك يتسبب فى كوارث لأننا لو إفترضنا أنه تم ربط إنسان بقطار سريع وبدأوا فى التحرك سويا فهذا الإنسان الذى خلق ذلك القطار وسخره لخدمته ولأن وظيفة الإثنان مختلفة فعندما سيسرع القطار ستختل المعادلة وتتضارب الوظائف حتى تتحول الأمور إلى كارثة.
فالله الخالق بعد أن خلق الإنسان على أحسن تكوين خلق له العقل وأعطاه الحرية فى أن يتسلط على الأرض وأن يسمى آدم مخلوقات الله من حيوانات وكافة المخلوقات وأعطاه سلطانا أن يسود على الأرض وأعطاه العقل الذى يفكر به ثم أعطى الله الدين للبشرية ليتحكم الإنسان فى نفسه وأن يخشى خالقه ويطيعه وأن يقّوم سلوكه فلا يتحول لوحش كاسر بلا أخلاق ولا ضمير وأيضا ترك الله له كامل الحرية ليختار بين الخير والشر لكى يستحق ان يحاسبه بعد مماته.
فنخلص من ذلك أن العقل والعلم أعطاهما الله للإنسان ثم منحه نعمة الدين منفصلة ليقوم الإنسان بتقويم نفسه ومراعاة ضميره من ناحية أخرى أما خلط الوظائف معا يؤدى إلى تعارض و تضارب لأن قواعد الدين ثابتة لا تتغير منذ بدء الخليقة حتى الأن أما العلم فيتغير كل لحظة وما نظنه أنه صحيحا 100% نجد أنه مرفوضا عقليا وعلميا بعد فترة من التجارب والخبرة والزمن .
فلم يعطنا الله علاجا للسرطان فى كل الأديان ولم يذكر لنا أى كتاب دين سماوى أو غير سماوى أنواع فيروس الأيدز أو تحورات فيروس الأنفلونزا السنوى و كذلك لم يذكر شيئا عن الكومبيوتر أو التابلت أو الأيفون فكل تلك المواضيع تندرج ناحية العقل الذى منحنا إياه الخالق فعندما نفتش فى الكتب السماوية ونحاول أن نخترع علما غير موجود فنحن نضحك على أنفسنا و يضحك علينا من يريد أن يختلق ذلك العلم المزعوم.
وبسبب هذا الكلام المنطقى نخلص إلى  أنه لا علم فى الدين ولا دين فى العلم فالدين ليس بعلم ولكنه رسالة سماوية لتقويم الإنسان.. غير متغير ولا متحول أما من يحاولون أن يحشروا الدين فى العلم أو العلم فى الدين فهم تجار تجارة فاسدة فمن يحاول خلط العلم بالدين هو جاهل أما من يخلط الدين فى العلم فهو دجال يحاول أن يضحك على الناس بما هو ليس بموجود .....فهل سنظل نسمع للجهلة والدجالين أم سنصرخ فى وجوههم كفاكم عبثا فلا دين فى العلم ولا علم فى الدين 

ليست الولايات المتحدة وحدها هي العقبة/ نقولا ناصر

(الولايات المتحدة ليست هي وحدها العقبة، ف"المجتمع الدولي" ما زال حتى الآن قاصرا في رؤيته لحل عادل للقضية الفلسطينية أو عاجزا كجامعة الدول العربية أو لا يجد مقاومة فلسطينية جادة تضع الجامعة والمجتمع الدولي معا أمام مسؤولياتهم)

كان لافتا للنظر أن يقول الرئيس السابق للمؤتمر اليهودي الأميركي هنري سيجمان ما يحجم حتى الآن عن قوله "الشركاء" العرب في "عملية السلام" مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ففي مقال له نشرته النيويورك تايمز الثلاثاء الماضي لم يترك سيجمان مجالا للشك في ان الولايات المتحدة التي كانت حتى الآن تحتكر رعاية هذه العملية كانت وما زالت هي العقبة الرئاسية أمام نجاحها، وأنها تتحمل المسؤولية عن فشل المجتمع الدولي ممثلا في مجلس أمن الأمم المتحدة في إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطين.

فاستمرار "الالتزام الأميركي غير المشروط بأمن إسرائيل" مقرونا ب"استمرار إدارة (الرئيس باراك) أوباما في منع مجلس الأمن" الدولي من التوصل لاتفاق على حل الدولتين واستمرارها في الوقت ذاته في "تزويد إسرائيل بالمساعدات العسكرية التي تساعد في الإبقاء على احتلالها" هو وضع يجعل "اميركا تبدو في هذه الحالة كمن يتعاون مع حكومة (رئيس الوزراء بنيامين) نتنياهو في الاستمرار في إخضاع الفلسطينيين" كما كتب سيجمان الذي يرأس حاليا "مشروع الولايات المتحدة/ الشرق الأوسط".

ولاحظ سيجمان أن الرئيس أوباما يعلم بان "حماس" دولة الاحتلال "لاستمرار محادثات السلام مع الفلسطينيين لم يخدم أي هدف غير توفير غطاء لاستمرار إسرائيل في توسيع المستوطنات اليهودية واستباق ظهور أي شيئ يشبه دولة فلسطينية في الضفة الغربية"، قبل أن يدعو الولايات المتحدة إلى دعم قرار من مجلس الأمن الدولي "باستئناف محادثات السلام خلال إطار زمني محدد"، وفي حال رفضت دولة الاحتلال أو فلسطين ذلك فإنه يدعوها إلى الانضمام لدول أخرى في مطالبة المجلس بحل "قضايا الوضع النهائي العالقة" وإلى دفع المجلس للعمل من أجل وضع "نهاية للاحتلال وتمهيد الطريق لقيام دولة فلسطينية".

ومن الواضح أن الولايات المتحدة لم يبدر منها حتى الآن ما يثبت أنها تفكر حتى في إزالة العقبة الأميركية التي تحول دون مجلس الأمن والقيام بدوره في ايجاد حل سلمي عادل للصراع في فلسطين وعليها، وبالرغم من وفرة التقارير الإعلامية التي تتحدث عن احتمال عدم معارضتها لمشاريع قرارات عربية وأوروبية مرتقبة في مجلس الأمن، فإن الإدارة الأميركية التي عارضت في السابق مثل هذه القرارات في المجلس وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة لم يصدر عنها حتى الآن ما يؤكد هذا الاحتمال، لا بل إن واشنطن قد طلبت تأجيل مشروع قرار مماثل فرنسي – نيوزيلاندي إلى ما بعد انقضاء الموعد النهائي لإبرام اتفاق دولي على البرنامج النووي الإيراني في الثلاثين من حزيران/ يونيو المقبل.

غير أن كل الدلائل تشير إلى أن الولايات المتحدة ليست هي وحدها العقبة، ف"المجتمع الدولي" ما زال حتى الآن قاصرا في رؤيته لحل عادل للقضية الفلسطينية أو عاجزا كجامعة الدول العربية عن وضع رؤيته موضع التنفيذ أو لا يجد مقاومة فلسطينية جادة تضع الجامعة والمجتمع الدولي معا أمام مسؤولياتهم.

أثناء اجتماعه مع نتنياهو الأربعاء الماضي حذر بورج بريندى وزير خارجة النرويج، راعية "اتفاق اوسلو" سيئ الصيت، مضيفه من أن "الضغط الدولي" على دولة الاحتلال سوف يزداد بعد الثلاثين من الشهر المقبل، وحثه على تقديم مبادرة لاستئناف المحادثات قبل ذلك التاريخ.

وفي العشرين من هذا الشهر سارع نتنياهو الذي يرأس للمرة الرابعة حكومة حرب واستيطان وتوسع وتهويد الى التقاط دعوة بريندى ليجدد التزامه اللفظي ب"حل الدولتين" ليقول: "موقفي لم يتغير. أنا لا أؤيد حل الدولة الواحدة. إنني أؤيد رؤية دولتين لشعبين – دولة فلسطينية مجردة من السلاح تعترف بالدولة اليهودية" كما نقلت عنه "هآرتس"، ليعين نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية سيلفان شالوم المعروف بمعارضته القوية لإقامة أي دولة فلسطينية كبيرا للمفاوضين على مفاوضات لا وجود لها وإن استؤنفت فإنها مطلوبة لذاتها إسرائيليا ك"غطاء لاستمرار إسرائيل في توسيع المستوطنات اليهودية واستباق ظهور أي شيئ يشبه دولة فلسطينية في الضفة الغربية" كما كتب سيجمان.

وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد اشترط تجميد الاستيطان، والدفاع عن دفعة جديدة من أسرى ما قبل اتفاق أوسلو، وبدء مفاوضات متواصلة لمدة عام تنتهي بجدول زمني لانسحاب قوات احتلال عام 1967 قبل نهاية عام 2017، وهذه شروط وصفها المحلل السياسي الفلسطيني هاني المصري بأنها "ليّنة حتى لواحد مثل نتنياهو"، قبل أن يستنتج بأن الأخير يمكن أن يعتبرها "طوق نجاة له ... من شانه وقف سياسة التدويل" التي لجأ اليها عباس، "وقطع الطريق على العزلة الدولية والعقوبات المحتملة" على دولة الاحتلال، و"إضعاف الدور المأمول لمحكمة الجنيات الدولية" بعد انضمام فلسطين إليها.

وتحذير بريندى هذا، ومشروع القرار الأممي الفرنسي – النيوزيلاندي، وزيارة مفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فديريكا موغريني لفلسطين المحتلة الأربعاء والخميس الماضيين هي ثلاث مؤشرات حديثة لما وصفه بريندى ب"الضغط الدولي" على دولة الاحتلال لاستئناف المفاوضات، ف"المجتمع الدولي" الذي تراهن عليه رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية بديلا لمقاومة الاحتلال يتحرك كما يبدو في الظاهر، لكن التدقيق في تفاصيل هذا التحرك يؤكد أنها حركة لا بركة فيها.

لكن رئاسة المنظمة منذ يئست من الرعاية الأميركية لاستراتيجية المفاوضات التي تنتهجها فتوجهت قبل ثلاث سنوات إلى الأمم المتحدة بديلا لها تدرك أكثر من غيرها أن هذا "المجتمع الدولي" إنما يسعى للضغط على دولة الاحتلال من أجل استئناف المفاوضات ليس من أجل إنهاء احتلال عام 1967 بل من أجل ضمان أمن دولة الاحتلال، وهي تدرك كذلك أن لا تغيير جوهريا حتى الآن في الموقف الأميركي.

فعلى سبيل المثال، ما الذي يمنع النرويج من الاعتراف بدولة فلسطين كالسويد بعد أكثر من عشرين سنة من اختبارها لصدقية منظمة التحرير في السعي من أجل "السلام" استجابة لاتفاق "أوسلو" الذي رعته!

وتقول فديريكا موغريني، كمثال آخر، إن الاتحاد الأوروبي "جاهز ومستعد للعب دور رئيسي في إعادة إطلاق" المفاوضات، ولهذا الغرض أعلنت مؤخرا تعيين الايطالي فرناندو جنتيليني ممثلا خاصا للاتحاد في المنطقة وتعيين موفد دائم للاتحاد في القدس، وإن الاتحاد يسعى إلى إحياء دور (اللجنة) الرباعية" الدولية (الولايات والأمم المتحدة والاتحادان الأوروبي والروسي).

لكنها لا تريد تغيير ممثل الرباعية في المنطقة توني بلير لأن "مسؤوليته تركزت على دعم التنمية الاقتصادية للفلسطينيين"، بالرغم من فشله الذريع بعد ثماني سنوات من توليه مهام منصبه سياسيا واقتصاديا على حد سواء، ليتساءل المراقب لماذا لا تسعى موغريني جادة إلى التنسيق مع روسيا والأمم المتحدة في تبني مبادرة مشتركة في الأمم المتحدة لإنهاء احتلال عام 1967 والاعتراف بدولة فلسطين على اساس "حل الدولتين" الذي تكرر التزامها به كوسيلة لعزل المعارضة الأميركية لدور "المجتمع الدولي" في ايجاد حل عادل للصراع عبر المنظمة الأممية!

أما مشروع القرار الأممي الفرنسي – النيوزيلاندي، كمثال ثالث، فإنه خير دليل على أن رهان رئاسة المنظمة على "المجتمع الدولي" بديلا للمقاومة الوطنية للاحتلال هو رهان خاسر من دون أن تردفه مقاومة شاملة بكل الأشكال للاحتلال على الأرض.

لقد ذكرت "هآرتس" العبرية الأربعاء الماضي أن فرنسا قد استجابت للطلب الأميركي بتأجيل عرض مشروع قرارها على التصويت في مجلس الأمن الدولي إلى ما بعد الثلاثين من الشهر المقبل، لكن وزارة خارجيتها وزعت مسودته على دول الجامعة العربية واعضاء مجلس الأمن، وقد حصلت "لوفيغارو" الفرنسية على نص مشروع القرار فنشرته نهاية الأسبوع الماضي، وهذا النص يمثل فضيحة فلسطينية لاستمرار الرهان على هكذا مجتمع دولي.

لقد رشت فرنسا منظمة التحرير بوعد منها للاعتراف بدولة فلسطين من جانب واحد في حال لم يتوصل مفاوضو المنظمة مع دولة الاحتلال بعد ثمانية عشر شهرا إلى اتفاق على "سلام عادل ودائم وشامل"، لكن هذا الوعد بالكاد يغطي على التنازلات الفلسطينية التي ينص مشروع القرار الفرنسي عليها.

فتبني مشروع القرار لصيغة "دولتين لشعبين" هو دعوة لإلزام منظمة التحرير بالاعتراف ب"يهودية" دولة الاحتلال بصيغة غير مباشرة، وهو ما تكرر رئاسة المنظمة رفضها له، ليتحول بذلك المشروع الفرنسي عمليا إلى وسيلة ضغط على المفاوض الفلسطيني لا على دولة الاحتلال.

وينص مشروع القرار على "تبادل الأراضي" كمدخل لانتزاع موافقة المنظمة على الاستجابة ل"الاهتمامات الأمنية" لدولة الاحتلال التي تسعى إلى تقاسم الضفة الغربية بينها وبين المنظمة بضم المستعمرات الاستيطانية الكبرى ووادي الأردن إلى دولة الاحتلال، وكون معظم هذه المستعمرات يقع في شرقي القدس أو في محيطها المباشر يفسر الصيغة الغامضة في نص المشروع على أن تكون القدس هي "العاصمة لدولتين في المستقبل".

ويدعو المشروع الى احترام "سيادة الدولة الفلسطينية المجردة من السلاح"، ويدعو كذلك إلى "انسحاب على مراحل" لقوات الاحتلال "خلال مرحلة انتقالية يتفق الطرفان على طولها".

كما يدعو النص الفرنسي إلى "حل عادل ومتوازن وواقعي لمشكلة اللاجئين" الفلسطينيين على أساس "آلية التعويض".

ونص مشروع القرار الفرنسي ربما يفسر التقارير الإعلامية التي تتحدث احتمال عدم استخدام الولايات المتحدة لحقها في النقض "الفيتو" ضده في مجلس الأمن الدولي.

وسواء نقضت الولايات المتحدة مشروع القرار الفرنسي أم لم تنقضه، فإنه إصداره لن يحدث أي فارق على الأرض الفلسطينية المحتلة، فعشرات القرارات التي أصدرها مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان وغيره من المنظمات الأممية التابعة لها كانت وما زالت مجرد حبر على ورق بانتظار "مجتمع دولي" ينفذها على الأرض، ووجود مثل هذا المجتمع ليس متوقعا في أي مستقبل منظور، أو بانتظار مقاومة فلسطينية وعربية وإسلامية تترجم إرادة المجتمع الدولي الذي أصدر تلك القرارات فعلا ملموسا على الأرض المحتلة.

لكن صمت منظمة التحرير عن التعليق سلبا أو ايجابا على نص مشروع القرار الفرنسي هو صمت مريب، ولا يسوغه ترحيل المنظمة لمسؤوليتها عن قبول مثل هذا المشروع إلى لجنة المتابعة في الجامعة العربية للتداول بشأنه كما أعلن كبير مفاوضيها صائب عريقات يوم الثلاثاء الماضي، فموافقة الجامعة العربية في وضعها البائس الراهن على المشروع أمر مفروغ منه، ما يدفع المراقب إلى التساؤل عما كان يعنيه الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة بقوله في الثامن عشر من هذا الشهر إن "المرحلة القادمة هي مرحلة مواجهة سياسية كبرى"!

* كاتب عربي من فلسطين
* nassernicola@ymail.com

القدس مخاطر جدية.. وجولات تصعيد قادمة/ راسم عبيدات

واضح انه في ظل حكومة اليمين "الإسرائيلي" المتطرف،فإن وضع المقدسيين العرب سيشهد المزيد من التدهور وتضيق الخناق عليهم،ومحاربتهم في تفاصيل حياتهم اليومية.وسن المزيد من القوانين والتشريعات العنصرية،وإتخاذ قرارات لها أبعاد خطيرة بعمليات التطهير العرقي والتهجير القسري للمقدسيين.

منذ بداية تشكل الحكومة "الإسرائيلية" الحالية، والحديث يجري عن أيام سوداء ومراحل عصبية تنتظر سكان العرب المقدسيين،حيث شهدنا حالة وخطوات من التصعيد غير المسبوق ضد القدس والمقدسيين،فكان هناك قرار للجنة البناء والتخطيط بإقامة (90) وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة جبل أبو غنيم(هارحومه) جنوب القدس،وقد استبقت الحكومة الإسرائيلية هذا القرار بقرارات لها مخاطر وأبعاد استراتيجية على الوجود والطابع العربي- الإسلامي للمدينة،فقد اتخذت حكومة الإحتلال في اجتماعها الثلاثاء الماضي في ما يسمى ب"متحف اسرائيل"  عدة قرارات تصب في تهويد المدينة وتعزيز السيطرة عليها ومنع إعادة تقسيمها،وبما يمنع أية إمكانية لحل سياسي يقوم على أساس الدولتين،وبأن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة،فقد تم نقل وزارة شؤون القدس  لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مباشرة،بعد أن تم فصلها عن يهود الشتات،وهذا يعني بأن نتنياهو سيكون مسؤولاً عن كافة القرارات والمشاريع المتعلقة بالإستيطان والتهويد،وكذلك تم المصادقة على عدد من القرارات التي من شأنها تعزيز "يهودية" المدينة" في إطار "توحيد المدينة"،ومن هذه القرارات تشكيل لجنة رسمية من اجل إحياء "اليوبيل الذهبي" لإحتلال المدينة في عام 2017،ذكرى مرور خمسين عاماً على احتلال القسم الشرقي من مدينة القدس،وعملية الإحياء تلك تشمل اقامة فعاليات ثقافية،رياضية،تعليمية،تراثية،فنية ..الخ،وأيضا من ضمن القرارات المتخذة خطة خماسية تمتد من 2016 – 2020 ،تهدف لتعزيز السيطرة "الإسرائيلية" على المدينة،يجري من خلالها  تحسين البنية التحتية وسد الثغرات في هذا الجانب ما بين القسمين الشرقي والغربي من المدينة، وكذلك زيادة  وتكثيف زيارة المستوطنين الى حائط البراق،وتنفيذ مشاريع في حائط البراق،واستمرار العمل بحفر الانفاق اسفل وحول المسجد الأقصى وتحسين بنية النقل العام وتوسيع جولات الطلاب والجنود التعليمية للقدس وحائط البراق،وتخصيص ابنية في القدس الشرقية للمؤسسات الثقافية والرياضية والفنية وغيرها.

هذه القرارات الحكومية لها ابعاد هامة واستراتيجية في احكام السيطرة على مدينة القدس،مدينة القدس التي يقول نتنياهو بالحرف الواحد مخاطباً زعيم البيت الصهيوني هرتصوغ" سنستمر في البناء في القدس،وستبقى عاصمة "دولتنا" الأبدية،ولا عودة الى قدس مقسمة تنصب فيها الأسلاك الشائكة،او يقف القناصة على أسوارها.

وفي هذا السياق ولتحقيق هذا الغرض اعلنت وزير الثقافة والرياضة "الإسرائيلية" المتطرفة "ميري ريغب" من البيت اليهودي عن نقل مقر الوزارة من تل ابيب الى القدس،ودعا اوروي ارئيل وزير الزراعة ونفتالي بينت وزير التعليم من نفس الحزب الى تمكين اليهود من الصلاة بحرية وإقامة صلواتهم التلمودية والتوراتية في المسجد الأقصى،وقالا بأن ذلك سيتحقق قريباً.

اسرائيل لا تكتفي بالخطط النظرية ولا بالشعارات ولا بالبيانات،هي تقوم بعمليات التنفيذ على الأرض لكي تغير من الوقائع والحقائق،وتحدث تغيراً جوهريا في البنية الديمغرافية في المدينة لصالح المستوطنين،وبما يحول العرب المقدسيين الى جزر متناثرة في محيط اسرائيلي واسع.حيث قامت بافتتاح مركزين جديدين للشرطة واحد في جسر "أم البنات" خلف المدرسة التنكيزية،وأقيم على آثار اسلامية من الفترتين المملوكية والعثمانية في إطار توسيع ما يسمى ببيت"شتراوس" التوراتي والذي لا يبعد سوى عشرات الأمتار عن الحائط الغربي للأقصى،والمركز الآخر في منطقة باب النبي داود على وقف ال الدجاني.وهذا ترافق مع تصعيد ميداني كبير،عمليات هدم للمنازل  والمحلات التجارية في  منطقة واد قدوم وسلوان وغيرها من البلدات المقدسية،ناهيك عن توزيع عشرات أوامر الهدم الإداري،وقيام بلدية الإحتلال بتصوير احياء كاملة كما حدث في عين اللوزة بسلوان.

وحكومة الإحتلال لم تكتفي بذلك بل عمدت الى تصفية الشهيد عمران ابودهيم أمس الأربعاء في مفترق جبل الزيتون بالطور،عندما قام بتجاوز احدى سيارة شرطة الإحتلال بسبب حالة الإزدحام هناك،ليطلق عليه جنود الإحتلال النار بدم بارد ويستشهد في مشهد أصبح مالوفا ودون أي حسيب او رقيب،حيث كل فلسطيني مقدسي يفقد السيطرة على مركبته او سيارته لخطأ بشري او خلل ميكانيكي في السيارة تطلق عليه النار بدون سابق انذار،والحجج والذرائع جاهزة حاول دهس مجموعة من الجنود او المستوطنين،أوامر بالقتل وأحياناً إشادة بالقتلة ولا محاسبة لهم.

العقوبات الجماعية بحق المقدسيين ستصاعد،والإحتلال يعلن عن ان محاكمات المقدسيين المتهمين بالتحريض على مواقع التواصل الإجتماعي ستتواصل وتتوسع،حيث حكم على البعض منهم بأحكام قاسية،في حين المحرضين من المستوطنين على قتل العرب وطردهم وترحيلهم،لم يتم مساءلتهم وليس محاكمتهم،وليس هذا فحسب فنحن نشهد تصاعد كبير في عمليات الإعتقال للقاصرين والأطفال المقدسيين،وتفرض عليهم احكام جائرة وظالمة،ومن يطلق سراحه منهم،يجري إبعاده عن مكان سكنه او يفرض عليهم حبس منزلي وغرامات باهظة لحين المحاكمة.

والأقصى نشهد ارتفاع كبير في وتائر اقتحامه،مع سماح  ما يسمى بمحكمة العدل الإسرائيلية للمتطرف الصهيوني "يهودا غليك" بالعودة لإقتحامات الأقصى من جديد،ونحن شاهدنا في مسيرة ما يسمى ب"توحيد القدس" قبل أيام كيف استباح الألآف  من زعران المستوطنين بحماية المئات من عناصر الجيش والشرطة الإسرائيلية والخيالة المدينة وأقصاها،ومارسوا شذوذهم وعربدتهم بالصراخ و"العواء" والإعتداء على المواطنين العرب،والغناء والرقص بحلقات استفزازية ماسة بمشاعر وكرامة العرب المقدسيين ،وترديد عبارات وشعارات"القدس لنا" و"الموت للعرب" ،إرحلوا أيها العرب القذرين وغيرها من العبارات والشعارات العنصرية.

نحن الان في القدس وفي ظل هذه الحكومة اليمينية المتطرفة،نقف أمام مخاطر جدية على عروبة وإسلامية المدينة،وعلى كل ما يمت لوجدنا فيها بصلة،حرب على كل شبر وزقة وزاوية وشارع،وجولات تصعيد قادمة تنذر بعواقب كبيرة للمقدسيين،الذين يقفون وحدهم في حرب المواجهة والتصدي لعدو يمتلك ويسخر كل الطاقات والإمكانيات من أجل إقتلاعهم ونفي وجودهم،ولكن كل ذلك يتحطم على صخرة صمود المقدسيين وتشبثهم بالبقاء والدفاع عن أرضهم ومقدساتهم ووجودهم.

وثمة من يقول ولكن يا راسم ويا كاتبنا ما العمل..؟؟ والعمل أن نعتمد ونعول على ذاتنا وطاقتنا وإمكانياتنا،فلا السلطة بوارد حساباتها القدس،والعرب والمسلمين كأمة دخلوا في سبات عميق وحروب تدمير ذاتي مذهبية وطائفية،والأمة تلفظ أنفاسها الأخيرة.

قصيدة حَيِّدْ عن الجيشِي يا غبيشي: أصلُها ومن أين انبَثَقت/ حاتم جوعيه

        إنَّ قصَّة غبيشي التي انبثقت منها هذه القصيدة ُ الشَّعبيَّة ُ البدَّاويَّة ُ المشهورة ُ
مفادُهَا  أنّ شابًّا سشجاعا وسيمَ  الطلعةِ  جريئا  مقداما  يُدعى  "غبيشي " من شرقيِّ  الأردن أحبَّ  فتاة ً رائعة  الجمال  تُدعَى " حسناء "  وكان   ذلك  في  العقد  الرابع  من  القرن العشرين  ( فترة  الإنتداب البريطاني على شرقيّ ِ الأردن وفلسطين )  . وحسناءُ هذه  تنتسبُ لقبيلةٍ  قويَّةٍ وكبيرةٍ وعريقة في الأصالةِ  والمناعةِ والشِّرفِ ..  ولمَّا تقدّمَ غبيشي طالبًا يدَها من  أبيها  رفضَ أبوها  مُصاهرتهُ  لكون  غبيشي فردا  من قبيلةٍ  صغيرةٍ  وقليلة الشأن . ولم  يدع غبيشي  سبيلا أو  دربا إلاَّ  وسلكها  لنيل  مراده  ومبتغاه ... ولكن  دون  فائدةٍ ..   ولأنَّ  حبَّ  غبيشي وحسناء  كان  صادقا  وعميقا وعظيما وروحانيًّا مُنزَّهًا ومُجرَّدًا من النَّزعات والنزواتِ الماديَّة ولا  يبصرُ الفوارقَ الطبقيَّة  والجاهَ  فقد  قرَّرَا  وَعزما النيَّة َ أن  يتزوَّجَا  ويهربا من " الدِّيرة "   أو القبيلة .. وهذا ما حصلَ بالفعل  رغم  المخاطر والأهوال  المرتَّبة  والناتجة  من  ذلك التصرف . فهربا   بدورهما  بعيدا  إلى منطقةٍ وعرةٍ  منيعةٍ  واستقرَّا على قمَّةِ جبل  وهنالك  اتفقا على أن  يسهرَ  كلٌّ  منهما  على الإخر خلال الليل  وذلك  اتقاءً ووقاية ً من  خطر المباغتةِ من  قبل  قبيلة حسناء .. وبعد  هروب حسناء  وعشيقها  غبيشي  جُنَّ  جنون  والد  حسناء  وأقاربها  والعشيرة  بأجمعها   فاستنجدُوا  بالقائد  الإنجليزي  غلوب  باشا (  أبو حنيك ) قائد  قوَّات إمارة  شرق  الأردن  ( في عهد  الإنتداب.. فتعهَّدَ أبو حنيك  بإحضار رأس غبيشي  فاصطحبَ  كتيبة ً  من  الجدنود  والحناطير والمصفحات   ومدجَّجين   بالأسلحة  والرَّشَّاشات  وشرعوا  بالبحث عن  العاشقين  الفارّين  ( غبيشي وحسناء ) .
  وفي  إحدى الليالي، عندما  كان  غبيشي نائما  لاحظنت حسناء  التي كانت  تسهرُ  على زوجِها  وترقبُ المكانَ جلبة ً وضجيجَ عساكر وحناطير  فأيقظتهُ  وطلبت  منهُ      " كفَّ الشَّرّ "  و"التَّحييد " عن الجيش  قبل أن "يطلُّوا "  فأنشدت الكلمات  الشعريَّة الجميلة   الصَّادقة   وَردَّ  عليها   غبيشي   بكلمات  وتعابير   في   منتهى   الصِّدق والرَّوعةِ  والجمال..وكانت هذه القصيدة التي جاءت على  شكل  حوار  بين غبيشي  ومحبوبتهِ حسناء  بعنوان : "حَيِّدْ عن الجيشي يا غبيشي " والتي سرعان ما انتشرت وذاعَ صيتُها في كلِّ  مكان وأصبحَ الناسُ  يُرَدِّدُونها  ويغنُّونهَا في كلِّ  مناسبةٍ ، في الأفراح والأعراس بألحان مختلفةٍ ..وما زالت  تغنَّى  في أعراسنا وليالينا  وأفراحنا  إلى يومنا هذا .  
أمَّا  نصُّ القصيدة  كاملاً  حسب معظم  الروايات  فهو :                            
حسناء : ( " حيِّدْ عنِ  الجيشي  يا  غبيشي     قبل     الحناطير ِ    ما     يطلُّوا    
غبيشي : ( وَاحَيِّدْ  عن ِ  الجيشي   لويشي      ولْ     يِقحَم   غبيشي    يا    ذلُّو  
حسناء : " عين  دربَكْ  زين  شيل  شدّي       واقطع  درب الصِّين  واعَى  تهدِّي 
           تراهُنْ   جايينْ   فندي   وفندِي       معَاهُمْ        مارتينْ      وبرابيلُّو  
غبيشي:( ماخِذْ  متراسي  وقاعِدْ   حاضرْ       فرودي    حُرَّاسي      والخناجرْ 
           وبساحة ْ  برجاسي  مين  يخَاسِرْ      ومِنْ    عنِّة     رصاصي    يولُّو 
حسناء: " يا   ويلي  عليكْ   ويلي   حينَكْ       مالكْ      قبيلهْ     حتى      تعِينَكْ  
          وإن  صابكْ  إشي  وحياة  عينَكْ       لقُصِّ    الجديلهْ    وشعري    حِلُّو 
غبيشي: ( وِينِكْ  يا  حسنا   وقت  العَركِهْ      ودموم     سايلِهْ     مثل     البِركِهْ  
          وإن    قتلوني    إوعِكْ    تبكي        وغبيشي       ارحمنوا      حَسَنلُو 
حسناء: " نزلْ   العسكرْ   ووقف   القايِدْ        وبصوتو   الغدَّارْ    قتلَكْ     رايِدْ   
          يا الله   يا    ستَّارْ   كلّ    سايدْ       وغبيشي      المغوارْ     لا     يذلُّو 
عبيشي: ( قوطرُوا  صوبي   يبغوا  قتلي       مشيوا    دروب   إل   ما     بغتلي 
           سمعت    محبوبي    يزغرتلي        أعطيتهم     نوبِهْ     قلوب    خلُّو  
حسناء: " لوِ   إنَّكْ   جبان    ما   حَبِّيتَكْ         تقهَر      العدوانْ     يُعمُرْ   بيتَكْ 
          باكِرْ  في  البلدانْ  يفقعْ   صيتَكْ         تسمَع  العُربانْ   وتجلُّو  ( تجلُّو ) 
غبيشي :( لا  يهمني  الجيش  ولا  الدولِهْ        بيدي   إم   كركار   وإلهَا   صُولِهْ 
           وقت شبوب  النار  تبقي  تقولي        وغبيشي    الغوار     لا      تذلُّو  
          هَدَر   الماتورْ    وإجَا   العسكَرْ         إثننعشَرْ    طابُورْ    والاَّ     أكثرْ 
          والسيف المشهُورْ  وفردي المَنشرْ       وعددهُم      موفورْ    الله     يقلُّو 
         شوفي  رصاصاتي    ما    يخيبُو        بقلوب   عداتي    دوم     يصيبُو  
         وثلاث   ساعات  قبل   ما   يغيبُو        راحُوا     شتاتي    وما    يندلُّوا 
غبيشي:( " بُو حنيكْ" أعطيتُو  منِّي هديِّهْ         ثلاث    دعيتو      بحالِهْ    رثيِّهْ 
           وخرَّبتْ   بيتُو    بها    العطيِّهْ         وخلفي    رميتُو    بطنُو     يغلُّو 
           حُطّي    إيدِكْ    بيدِي    لنوَلّي        لوين       تريدي    ما       تندَلّي 
           والعيشِهْ    طريدِهْ    ولا   تذلّي        ولا     تقلُّو    سيدي    وتخضعلُو 
           سافرُوا  العشَّاق   بليل   الدَّاجي       يا عناق   وبوس  وضمّ  وغناجي  
           يا  الله   للمشتاق  تقضي  حاجِهْ        والحلو  ما  يِنذاقْ    تا تذوق  خِلُّو

                            (  بقلم : حاتم  جوعيه  -  المغار - الجليل  ) 

وكالة عامة باسم الشعب/ كفاح محمود كريم

     منذ تسلط الأنظمة الشمولية في معظم دول الشرق الأوسط وخاصة تلك التي تمت صناعتها في أقبية وزارتي الخارجية البريطانية والفرنسية إثر انهيار إمبراطورية بني عثمان، وقيام ممالك ومشيخات وجمهوريات الدول العربية، والجميع منح نفسه وكالة عامة مطلقة من تلك الشعوب التي سادتها لعقود ثقيلة ثقافة وسلوكيات القطيع المستكين، تلك الوكالة التي منحت  شرعيتها كيانات وهيئات (نفذ ثم ناقش) إما بمجلس قيادة الثورة أو بصلاحيات ألقذافي الفضائية أو فرمانات الملوك والشيوخ ونزولا إلى فرمانات الأغوات وشيوخ عشائر اليوم الحائرة ( بين الحانة والمانة ) كما يقول العراقيون!؟

     لقد تحولت تلك الممارسات الشمولية إلى ثقافة وسلوك عام يمارسه معظم المسؤولين ابتداءً من رئيس الجمهورية وصولا إلى السلطة السابعة التي يصفها احد مخاتير القرى، والذي يصر على انه هو السلطة السابعة حسب تسلسله الإداري للسلطات التي تبدأ برئيس الجمهورية ثم رئيس الوزراء والوزير وبعده المحافظ ثم القائمقام ومدير الناحية والسابع مختار القرية الذي يؤكد على حقه في التحدث باسم الشعب أي باسم أهل القرية الذين عينوه مختارا، وهي ذات الصلاحية التي يمنحها لنفسه شيخ العشيرة حينما يتحدث ويصرح ويأمر وينهي باسم كل أفراد عشيرته نساءً ورجالاً، أطفالا وشيوخاً، الذين يحبونه والذين يكرهونه أو ينافسونه على كرسي المشيخة، وهكذا دواليك حتى زعماء الأحزاب والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني التي تتكاثر بشكل رهيب، والوزراء والنواب الذين يتكاثرون أكثر من القطط الشباطية، وكل من هب ودب يتكلم باسم الشعب!؟

     والانكى من ذلك حينما يصدر رئيس محكمة أمرا قضائيا باسم الشعب، وهو يدرك إن هذا الكل مجروح على الأقل بذوي المحكوم عليه، فكيف له أن يدعي الحكم باسم الشعب، وكذا الحال بأولئك النكرات الذين أوصلتهم صناديق العشائر والغباء الاجتماعي والسياسي إلى كراسي البرلمان، وهم يتحدثون باسم الشعب كله؟
     حقيقة؛ هناك مهازل لا تعد ولا تحصى في بلد أراد زعماءه الانتقام من بعضهم ففتحوا الأبواب لعصابات الهمجية والجريمة لكي تؤدب مكون مخالف لهم وتكون خنجر خاصرة لقومية مختلفة عنهم، فانقلب السحر على الساحر، والغريب إن الجميع يتحدث نيابة عن الجميع دون تخويل أو وكالة، ابتداءً من فراش المدير وانتهاءً بفخامة نائب رئيس الجمهورية الذي يصر على أن الشعب العراقي سيقاتل أي عملية تسليح للمكونات خارج سلطته، وان برك الدماء تنتظر من ينتقد مؤسساته العسكرية!؟

     قلت الغريب وأنا آسف جدا لأنها في بلدي ليست غريبة إطلاقا، فهي الشائعة وغيرها الاستثناء، فالكل هنا مخول بالحديث والحكم وإبداء الرأي والقرار بدل الكل، لأننا فعلا في مجتمع العرض واحد والجيب واحد والرأي واحد والشعب واحد والحزب واحد والشيخ واحد والملك والرئيس والإمبراطور والرب واحد، وصلوات على الديمقراطية.
kmkinfo@gmail.com


تأثر لغة الملايو باللغة العربية/ د. عبدالله المدني

في سلسلة مقالاتنا عن أنتشار اللغة العربية في الشرق الأقصى والإهتمام المتزايد بها من لدن الشعوب الآسيوية، نتطرق اليوم إلى مدى تأثر لغة الملايو بالعربية، والذي لعب فيه الإسلام دورا محوريا منذ دخوله إلى شبه جزيرة الملايو وما يجاوره من أقطار في جنوب شرق آسيا على أيدي التجار والرحالة العرب، ولاسيما أولئك الأخيار الذين إنطلقوا إليها في القرون الغابرة من اليمن وحضرموت وعمان.

وبداية لابد لنا من الإشارة إلى أن لغة الملايو تسمى "بهاسا ملايو" ويتحدث بها سكان شبه جزيرة الملايو وجنوب تايلاند المسلم وبعض سكان سنغافورة من ذوي العرق الملايوي، إضافة إلى سكان مملكة بروناي وبعض سكان سواحل إقليم بورنيو الماليزي. وعليه فإن عدد المتحدثين بها يصل إلى نحو 30 مليون نسمة. غير أن هذا الرقم يتضاعف لو أخذنا في الحسبان أن "البهاسا"، التي تكتب بالحروف اللاتينية، لا تختلف كثيرا عن اللغة الرسمية الدارجة في أندونيسيا (كبرى الدول الإسلامية لجهة عدد السكان)، وإنْ كانت تحمل إسما مختلفا لأسباب سياسية هو "بهاسا اندونيسيا"، علما بأن المتحدثين بالأخيرة كلغة أم يصل عددهم إلى نحو 30 مليون نسمة، وعدد المتحدثين بها كلغة ثانية بعد الجاوية والمينانكاباوية يصل إلى رقم مشابه أو أكثر.

وكنتيجة لخضوع الجزر والسلطنات والأراضي الاندونيسية والماليزية وما يجاورها عبر الزمن للغزوات الأجنبية والاستعمار الغربي الطويل فإن لغة شعوبها تأثرت بالكثير من مفردات اللغات السنسكريتية والبرتغالية والهولندية والصينية والانجليزية. فعلى سبيل المثال أخذت من السنسكريتية مفردة "بهاسا" التي تعني لغة، ومن الانجليزية مفردات "بوكو" أي الكتاب، و"سيستم" أي المنظومة، و"سينس" أي العلوم. وأخذت من الهولندية مفردة "يا" بمعنى نعم، ومن الصينية مفردة "باك سو" بمعنى كرات اللحم.

على أن "بهاسا ملايو" و"بهاسا أندونيسيا" تزخران بما لا حصر له من مفردات عربية صحيحة أو ذات جذر عربي، كون اللغة العربية دخلت هذه البلاد عبر بوابة الدين الاسلامي الذي تعتنقه الغالبية العظمى من سكان اندونيسيا وماليزيا وجنوب تايلاند وكل سكان مملكة بروناي تقريبا. ونجد تجليات ذلك في عبارات التحية والسلام والوداع والاعتذار. حيث تتردد مفردة "سلامات" في عبارات صباح الخير ومساء الخير وتصبح على خير فيقال "سلامات باغي" و "سلامات بيتانغ" و "سلامات تينغال" على التوالي. وتستخدم مفردة "معاف" العربية في مقابل "عذرا"، ويقال "سايا تيداك فهم" في مقابل "لا أفهم".
ويمكن تقسيم المفردات العربية التي دخلت لغتة الملايو إلى أربعة أقسام:
القسم الأول ويشمل المفردات العربية التي تستخدم كما هي دون تغيير في النطق ومن أمثلتها: زرافة، بدن، الجبر، كتاب، هدية، كرسي، إجازه، جدول، كافر، مجلس، مسجد، موت، مسكين، مفلس، مرتد، نجس، فتوى، ترتيب، وجه، زكاة، زنا، زمن، زيتون، جهنم، ولايه بمعنى الإقليم،  دنيا بمعنى عالم، ، أول بمعنى البداية، أدب بمعنى متحضر، لسان بمعنى الفم، دفتر بمعنى قائمة، يوناني أي من اليونان.
القسم الثاني ويشمل المفردات العربية التي تستخدم مع التغيير في طريقة نطق بعض حروفها الصعبة على لسان غير الناطقين بالضاد. حيث الحاء تقلب هاء، والقاف والخاء تحولان إلى كاف، والضاد تحول إلى دال، والصاد إلى سين، وهكذا. ومن أمثلة هذه المفردات: كاموس(قاموس)، تاريك(تاريخ)، أخلاك(أخلاق)، آكر(آخر) فكير(فقير) أسلي(أصلي)، بهاري(بحري)، هالال(حلال)، هارام(حرام)، هايوان (حيوان)، هيجاب(حجاب)، كربان(قربان بمعنى أضحية)، مآف(معاف من العفو وتستخدم في مقام عذرا)، سبر(صبر)، سوْم(صوم)، سلاة (صلاة)، كيتان (ختان)، واهيد (الرقم واحد)، سنين (يوم الأثنين)، كاميس (يوم الخميس)، سيلاسة(يوم الثلاثاء)، آكيل(عاقل)، منافك(منافق).
القسم الثالث ويشمل المفردات العربية التي تستخدم مع بعض الإضافات، أو تغيير الحروف ولاسيما حرف الشين التي يصعب على أبناء هذه اللغة لفظها فيحولونه إلى السين، ومن أمثلة مفردات هذا القسم: سريئة بمعنى شريعة، سنـّت (السنة)، سورت (سورة) سوكر (شكر)، سحـّت (صحة)، واكتو بمعنى الوقت، جومات(يوم الجمعة)، رابو(يوم الأربعاء من ربوع)، عبدي (الخادم من عبد)، دكوه (دعوه)، مونغكن(ممكن)، علمو(العلم)، جائيل (جاهل)، مكنى (معنى)، أندا(أنتَ)، سابتو(يوم السبت).
القسم الرابع ويشمل المفردات الفارسية أو ذات الجذر الفارسي التي تستخدم في لغة الملايو على أنها من العربية، ومن أمثلتها: بازار(السوق)، بندر(الميناء)، ديوان(المجلس)، ميدان(الساحة)، فردوس(الجنة)، بهلوان(الشجاع)، تاكت(من تخت بمعنى السرير)، سيهبندر(من شاهبندر بمعنى كبير القوم)، كسمس(من كشمش بمعنى الزبيب)، نوكودا (من النوخذا أي قبطان السفينة)، بياله (فنجان الشاي الصغير)، غاندوم (القمح)، أنغور (العنب).

أما عن الجهود التي بذلت وتبذل لتدريس العربية لأبناء الملايو وسواهم من الشعب الماليزي فهي كثيرة ومتنوعة، ولا يقف أمامها عقبات كأداء سوى وجود المدارس المتخصصة ذات الأساليب العلمية في التدريس، وإلا فإن الملايويين منفتحون على تعلمها باعتبارها لغة القرآن، ناهيك عن وجود أكثر من 3300 مصطلح ومفردة عربية ضمن "بهاسا ملايو". ومن المناسب في هذا السياق أن نشير إلى أن الدكتور عبدالله محمد زين المستشار بمكتب رئيس الحكومة الماليزية كان قد أعلن بأن حكومته قررت إعتبار عام 2005 عاما تدرس فيه العربية تحدثا وكتابة وقراءة في جميع المدارس الابتدائية الحكومية كفرض عين. وفي عام 2011 سجل عن عبدالله أحمد بدوي رئيس الحكومة الماليزية السابق قوله في افتتاح مؤتمر "الحضارة الإسلامية والهوية الملايوية" في مدينة ملقا الماليزية "لا مانع أن تكون اللغة العربية جزءا هاما من نظام التعليم الوطني في ماليزيا، فهي هامة جدا للملايو لكونها اللغة التي تحمل تعاليم دينهم الإسلامي, كما أن تعلمها سيضيف بعدا جديدا للعلاقات مع الدول العربية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية"، خصوصا وأن لدى الأعراق الأخرى المكونة للشعب الماليزي مدارسها التي تعلم فيها الصينية الماندرينية، والتاميلية الهندية.
عبارة الهامش:
يمكن تقسيم المفردات العربية التي دخلت لغة الملايو إلى أربعة أقسام
د. عبدالله المدني
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: مايو 2015 
البريد الالكتروني: ELMADANI@BATELCO.COM.BH



أزمة ثقة خليجية في الولايات المتحدة؟/ نقولا ناصر

انتهت القمة الخليجية – الأميركية في كامب ديفيد يوم الخميس الماضي بحصول الولايات المتحدة على ما أرادته من الدعوة إليها، وعدم حصول دول الخليج العربية الست على ما أرادته منها، ليظل حال العلاقات بين الجانبين من دون أي تغيير في الجوهر، ولتظل مضاعفات هذه العلاقات مستمرة إقليميا من دون أي أثر يعد بوقف آثارها المدمرة والدموية على الوطن العربي.

لم يستجب أربعة من قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الست لدعوة الرئيس الأميركي باراك أوباما للقاء قمة في البيت الأبيض في الرابع عشر من هذا الشهر وفي منتجع كامب ديفيد في اليوم التالي، في ما وصفه بن هيوبارد في النيويورك تايمز يوم السبت الماضي ب"أزمة ثقة" في الولايات المتحدة لدى هذه الدول التي كانت تدور في الفلك الأميركي طوال القرن العشرين الماضي حتى الآن.

في النشرة الأسبوعية التي تصدرها، قالت المجموعة الاستشارية الشرقية (OAG) إن قادة الدول الست ذهبوا إلى واشنطن "بحقيبة مليئة بالسياسات الأميركية غير الثابتة، والوعود التي حنثت بها إدارة أوباما، والفشل الإقليمي الذريع للسياسات الأميركية في الشرق الوسط لما يزيد على عشر سنوات الآن، .. وشكوك عميقة في ما تحاول الولايات المتحدة حقا عمله في منطقتهم .. وما يقوله دبلوماسيون عرب على نطاق واسع هو أن الولايات المتحدة حليف لا يمكن الوثوق به".

وانعدام ثقة هؤلاء "الحلفاء" لأميركا فيها إذا أضيف إلى العداء لأميركا المنتشر على نطاق واسع في الوطن العربي على المستوى الشعبي نتيجة الدعم الأميركي غير المحدود لدولة الاحتلال الإسرائيلي، والاحتلال الأميركي للعراق، والحرب بالوكالة بدعم أميركي على سوريا واليمن وليبيا وفي غيرها من الدول العربية التي ترفض أو تتردد في الانصياع للاستراتيجية الأميركية، كان من المفترض أن يضع العلاقات العربية بعامة مع الولايات المتحدة على مفترق طرق تاريخي ليس من المرجح أن تكون قمة كامب ديفيد قد تداركته.

غير أن البيان الختامي لقمة كامب ديفيد بدد كل التكهنات الإعلامية عن أي افتراق حقيقي في علاقات الدول الست مع الولايات المتحدة.

لا بل إن المفارقة العربية المفجعة تتمثل في أن دول الخليج العربية الست التي كانت تسعى قبل القمة إلى تحويل ما وصفه سفير الإمارات العربية المتحدة في واشنطن العاصمة يوسف العتيبة في الثامن من هذا الشهر ب"اتفاق الجنتلمان" السابق بين الطرفين إلى اتفاق "مكتوب"، بمعنى "معاهدة" تلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن الدول الست تحديدا ضد ما تصفه ب"خطر إيراني" محتمل وليس ضد الخطر الإسرائيلي أو الأميركي القائم فعلا على الأرض منذ عقود من الزمن، لأنها بحاجة إلى "شيء مؤسسي".

أو كما قال وزير الخارجية السعودي الجديد عادل الجبير فإن "الرياض تبحث مع الولايات المتحدة كيفية تطوير العلاقة بين دول الخليج وواشنطن والارتقاء بها إلى مستويات أعلى"، لتكون الدول الست كما يقول المثل العربي "كالمستجير من الرمضاء بالنار".

والمفجع أكثر في هذا المسعى أن الولايات المتحدة ترفضه، فالمنسق الرئاسي الأميركي الخاص للشرق الأوسط روبرت موللي قال في مؤتمر صحفي الاثنين الماضي إن بلاده أبلغت حلفاءها في الخليج "قبل أسابيع" بأن إبرام معاهدة عسكرية "لم يكن ممكنا". 

لكن الدول الست أصرت على مسعاها حتى اللحظة الأخيرة قبل انعقاد القمة، إعلاميا في الأقل، وكان إصرارها هذا سببا رئيسيا في استنكاف أربعة من قادتها، وأولهم العاهل السعودي، عن الاستجابة لدعوة أوباما إلى قمة كامب ديفيد، بينما لم تكن حرب "عاصفة الحزم" السعودية على اليمن سوى مخاطرة أو مغامرة عسكرية تعبر عن يأس العربية السعودية وحليفاتها الخليجيات الأربعة من صدقية الولايات المتحدة في الدفاع عنها، لتحكم القمة على هذه "العاصفة" بأنها كانت مجرد هدر للأرواح والأموال والعلاقات العربية – العربية لم يغير في موقف الولايات المتحدة من إيران ولا استطاع وقف الحراك اليمني الشعبي نحو الاستقلال عن هيمنة تحالف "اتفاق الجنتلمان" الأميركي – الخليجي.  

وجاء استنكاف القادة الأربعة بعد سلسة اجتماعات استهدفت التحضير للقمة، بدءا من اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في العشرين من الشهر الماضي، ومؤتمر القمة الخليجية في الرابع من هذا الشهر الذي قاد حضور الرئيس الفرنسي له إلى إرسال قوات سنغالية إلى السعودية، تلاه اجتماع وزيري الخارجية الأميركي والسعودي في الرياض بعد ثلاثة أيام، ثم اجتماع جون كيري مع نظرائه الخليجيين الست في باريس في اليوم التالي. ومن الواضح ان نتيجة هذه السلسلة من اللقاءات كانت سلبية بالنسبة للدول الست ما قاد إلى استنكاف أربعة من قادتها عن الاستجابة لدعوة أوباما إلى كامب ديفيد ليوصلوا إلى إدارته رسالة بعدم رضاهم، لكن هذه "الرسالة لم تصل" كما قال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ايرنست الأحد الماضي.

فبديلا للمعاهدة التي تريدها الدول الست وترفضها واشنطن، عرضت الولايات المتحدة عليها التكامل بين قدراتها الدفاعية الصاروخية كجزء من استراتيجية "الدرع الصاروخية" الأميركية، كما قال نائب مستشار الأمن القومي بنجامين آر. رودس يوم الاثنين الماضي، في مواجهة روسيا والصين وإيران، أي أن واشنطن تسعى إلى زج الدول الست في صراعها الدولي لخوض الحروب الأميركية معها كشرط وحيد للدفاع عنها، وعرضت عليها كذلك تسريع سلسلة من مبيعات الأسلحة الأميركية لها لتعتمد على نفسها في حماية أمنها، وهذا هو ما تضمنه البيان الختامي في الأساس.

علما أن العربية السعودية وحدها أنفقت حوالي (500) مليار دولار أميركي على مشتريات اسلحة معظمها اميركي خلال 20 سنة لتتحول في سنة 2014 الماضية إلى رابع أكبر مستورد للسلاح في العالم كما نقلت "فورين بوليسي" في الحادي عشر من هذا الشهر عن جين فرانسوا سيزنك الاستاذ بجامعة جون هوبكنز!

وفي هذا السياق، لا يوجد أبدا ما يسوغ قول كبير مفاوضي منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات إن القضية الفلسطينية كانت ستكون "حاضرة" في قمة كامب ديفيد، فحسب عادل الجبير يوم الأحد الماضي، كانت القمة ستركز على "ثلاثة محاور رئيسية" لم تكن القضية الفلسطينية بينها، فلم تكن أي من الجلسات الثلاث للقمة مخصصة للقضية الفلسطينية، وجاءت هذه القضية آخرا وهامشية في الجلسة الأخيرة حيث تقدمت عليها في الأولوية كل الصراعات الإقليمية الأخرى. 

لقد كان الهدف الرئيسي لهذه القمة بالنسبة للولايات المتحدة هو انتزاع موافقة الدول الست على الاتفاق الدولي المرتقب مع إيران على برنامجها النووي، وأكد "ترحيب" أمير قطر باسم الدول الست الخميس الماضي بالاتفاق أن واشنطن حققت هدفها، والهدف الرئيسي الثاني هو استنزاف المزيد من عائداتها النفطية ببيعها المزيد من الأسلحة الأميركية التي لا تصلح للدفاع عن الأمن القومي العربي في مواجهة دولة الاحتلال الإسرائيلي لكنها صالحة للاستعمال في الاقتتال العربي – الإسلامي أو في الاقتتال العربي – العربي أو في الحروب الأميركية.

فهذه الأسلحة لن تنتهك التعهد الأميركي بضمان التفوق العسكري النوعي والكمي لدولة الاحتلال على مجموع محيطها العربي والإسلامي.

فمثلا، حسب تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" في الثالث عشر من الشهر الجاري، فإن الجيل الخامس من طائرات الشبح الأميركية اف – 35 وقنابل بي يو – 28 لتفجير التحصينات الأرضية التي زودت الولايات المتحدة دولة الاحتلال الإسرائيلي بها مستبعدة تماما من أي أسلحة قد تكون واشنطن عرضت بيعها لدول الخليج العربية في قمة كامب ديفيد، ناهيك عن حقيقة أنه يجري "التفاوض مسبقا مع إسرائيل" على بيع أي أسلحة لهذه الدول، وهو ما يسوغ "صمت" دولة الاحتلال وذراعها السياسي الأميركي "ايباك" على ما يتم تداوله في هذا الشأن.

وبينما يكاد صوت الدول الست يصم الآذان في استغاثتها بالولايات المتحدة ضد "الخطر الإيراني"، يخرج عليها وزير الخارجية الأميركي جون كيري من انطاليا في تركيا عشية اجتماع لوزراء خارجية حلف "الناتو" الأسبوع الماضي بدعوتها إلى "ترتيبات دفاعية أوضح" مع الولايات المتحدة والحلف .. لكن ضد "الإرهاب". أما روبرت موللي فقد دعا الدول الست إلى "التواصل مع إيران لمحاولة حل مشاكل المنطقة"!

ولا يستطيع المراقب العربي إلا أن يتساءل: ألم يكن التفاهم العربي المباشر مع إيران حول الأمن الإقليمي وتفاهم الدول الخليجية الست مع الدول العربية التي تعمل على"تغيير الأنظمة" الحاكمة فيها أجدى سياسيا وعسكريا ل"الأمن القومي العربي" وللأمن الإقليمي وأقل كلفة في المال والأرواح العربية، وليتساءل أيضا عما إذا كانت توجد حقا أي "أزمة ثقة" في العلاقات الخليجية – الأميركية؟ 

* كاتب عربي من فلسطين
* nassernicola@ymail.com

وقفات على مفارقنا مع الدواعش والمفكّر/ سعيد نفاع

الوقفة الأولى... عدي بن مسافر أو طاووس ملك.
الإيزيديون أو اليزيديون (بـالكردية: Êzidî أو ئێزیدی) هي مجموعة دينية تتمركز في العراق وسوريّة. يعيش أغلبهم قرب الموصل ومنطقة جبال سنجار في العراق، وتعيش مجموعات أصغر في تركيا، وسوريا، وألمانيا، وجورجيا وأرمينيا. ينتمون عرقياً إلى أصلٍ كرديٍ ذي جذور هندية أوروبية مع أنهم متأثرون بمحيطهم الفسيفسائي المتكون من ثقافات عربية وآشورية سريانية، فأزياؤهم الرجالية قريبة من الزي العربي أما أزياؤهم النسائية فسريانية. 
يرى الإيزيديون أن شعبهم ودينهم قد وُجدا منذ وجود آدم وحواء على الأرض، ويرى باحثوهم أن ديانتهم قد انبثقت عن الديانة البابلية القديمة في بلاد ما بين النهرين. ويرى بعض الباحثين الإسلاميين وغيرهم أن الديانة الإيزيدية هي ديانة منشقة ومنحرفة عن الإسلام. ويرى آخرون أن الديانة هي خليط من عدة ديانات قديمة مثل الزردشتية والمانوية أو امتداد للديانة الميثرائية. الشخصيات الأساسية في الديانة الإيزيدية هي عدي بن مسافر وطاووس ملك الذي ينظر إليه بعض الباحثون الإسلاميون على أنه تمثيلٌ لشخصية الشيطان الوارد في الديانة الإسلامية وهذا سبب وصف هؤلاء للإيزيدية بـ"عبدة الشيطان".
هذا كان كاف للدواعش أن يبيدوا الذكور منهم، لكن عبادتهم للشيطان لم تمنع الدواعش من الإبقاء على بناتهم العذارى وبعضهنّ لم يتجاوزن ال-11 سنة رغم أنهن من نسل الشياطين، للترفيه عن أنفسهم بعد معارك الجهاد في سبيل رفعة كلمة الله (!). وحسب التقارير الميدانيّة لبعض القنوات فإن فقراء العراق من الذين لم يتبق لهم من قوت إلا ما تبقى من السمك في الفرات، كانوا يلتقون بأجسادهنّ كل صباح بعد أن قدمنها قربانا لأسماك الفرات هربا بعد أن تمزّقت أسافل بطونهنّ، ليدفنها فقراء العراق على سنّة الله ورسوله.
الوقفة الثانية... اِشْتَبْرَق.
اشتبرق قرية سوريّة في ريف إدلب وقدر سكانها وجرمهم أنهم اختاروا طريقة تخصّهم في التقرّب من الله، وفتحها جيش الفتح "الإسلاميّ" منصورا بإذن الله وبإذن خليفته العثمانيّ الجديد أردوان و"بابه" (وليسمح لي الأخوة الشيعة)، وصدره الأعظم "دود أغلو" هكذا ينطق اسميهما بعض الصحفيين من أبناء عمومتنا، طبعا بعد أن أعادا على مسامع جحافل الفتح وكرّرا وصية أبى بكر الصديق لجنود الإسلام قبل فتح بلاد الشام (12 هجرية)
"قال: يا أيها الناس، قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عنى: لا تخونوا ولا تغلوا، ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع؛ فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له، وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام، فإن أكلتم منها شيئاً بعد شئ فاذكروا اسم الله عليها..."
ولكن ألوية الفتح المنطلقة اليوم (معذورة طبعا) بسبب عدم إلمام مجاهديها باللغة العربيّة، ولأن المترجم العثماني (معذور طبعا) إذ لم يستطع أن يترجم الوصيّة بدقّة لكل اللغات المشاركة في الفتح، ويبدو أن "لا" أبي بكر الصدّيق سقطت سهوا في الترجمة، فدفعت اشتبرق ثمن سقوط ال"لا".   
الوقفة الثالثة... مع المفكّر وصيد السمك.
مرّ بي وأنا شارد في وقفاتي هذه رجل "فاضي الأشغال والأعمال" مثلي، ويبدو أن عمق سرحاني لفته فحشر أنفه مصرّا أن أشاركه همّي،  ولمّا شاركته لأنفضه عنّي راح يحكي: أنه يصيد السمك تكملة لطبق أولاده وقد عجز دخله عن ذلك، ورغم طول شاطيء المتوسط صار يزاحمه منذ مدّة في المنطقة التي اختار، رجل اعتاد أن يشوي ما يصطاد على الطريقة الأميركيّة (باربكيوا) يأكله مع مشروب كل يوم شكل ويغادر دون كلام، قرر مرّة أن يتحشرّ به، وبعد أن أفاده أنه مفكّر يحمل شهادة في الفلسفة ويأتي للصيد للترفيه عن نفسه وراحة لفكره، فقرّر صاحبنا "أن يحكي معه سياسة" فسأله عن سوريّة والعراق معرجّا على اشتبرق وسنجار وقد كانت تصدرت أخبارهما القنوات في الأيام الأخيرة، فأجابه بكلمات، وعلى ذمّته، أنه لم يفهم بعضها وما زال ولكنه حفظها "بَصْم"، قال: 
"ما يجري لليزيديّات في العراق تقشعرّ له الأبدان ويندى له الجبين وهو مدان إنسانيّا وفكريّا، ولكن علينا كمثقفين متنورين أن لا ننسى الحقيقة التاريخيّة الدامغة، أن من يتحمل وزر دماء بكارات الطفلات اليزيديّات في العراق هو صدّام حسين وإيران. وذبح الأطفال والنساء والعجزة والتنكيل في جثامينهم في اشتبرق في سوريّة هي جريمة في حق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من العام 1948 ولكن بشّار الأسد ونظامه الأوتوقراطي الظلاميّ هو من يتحمّل المسؤوليّة الأخلاقيّة". 
الوقفة الثالثة... مع الخيانة.
خانتني ركبتاي فارتميت على مقعد سقيفة الموقف مستغفرا الله العليّ العظيم طالبا إليه أن يرحم فريدريك إنجلز إن كان لم يفعل حين انتقل الرجل إليه !
وصمت محدّثي.           

أواسط أيار 2015

سوريا ما بعد سقوط الأسد/ جمال قارصلي

إن الوقائع والدلائل تشير على أن سقوط بشار الأسد ونظامه بات وشيكا وربما أسرع مما يتوقعه أكثر الناس تفاؤلا, وخاصة إذا تابعت القوى الثورية رص صفوفها كما حصل في الأسابيع القليلة الماضية. سقوط هذا الديكتاتور ونظامه  - الذي رسم وعمل على أن يدوم إلى الأبد - سيكون مدويا وله تبعات كبيرة تتجاوز حدود الوطن ودولا إقليمية عدة. فلهذا علينا جميعا أن نكون مهيئين ومستعدين لسقوط نظام الأسد في كل لحظة وبشكل مفاجيء وأن نكون قد أعددنا العدة لمثل هذا اليوم.
إنطلاقا من هذه المسؤولية وبقناعة تامة بأن ما أطرحه هنا من أفكار وتصورات لا ينطبق عليها صفة النضوج التام أو الكمال, ولكنها مساهمة بسيطة أقدمها لكي تتلاقى وتتكامل مع مساهمات وأفكار أخرى لأناس غيورين على أهلهم ووطنهم.
نحن نعلم بأننا نواجه تحديات كبيرة ومهام جسام, وأن ما سببه نظام الطاغية من كارثة حلّت على سوريا تعتبر الأكبر من نوعها من بعد الحرب العالمية الثانية, فلهذا فإن العمل بعد سقوط نظام الأسد سيكون أصعب بكثير مما كان عليه أثناء الثورة. القضية هنا تمس وجود الوطن ووحدة ترابه, فلهذا تتطلّب منا هذه المرحلة الكثير من التنازلات والتضحيات والإبتعاد عن مطامعنا الشخصية ورؤانا الضيقة وأن نتجاوز كل الأنانيات والأحقاد والثارات وأن نتحلى بروح التسامح والتصالح وأن نضع مصلحة الوطن فوق كل الإعتبارات, بالرغم من أننا نعلم ما هو حجم الآلام وعمق الجراح والثمن الباهظ الذي دفعه الوطن والمواطن من أجل الحرية والكرامة.
إن بعض المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي وكذلك الدول الصديقة للشعب السوري تستطيع أن تساهم بشكل فعّال في الوقوف إلى جانب هذا الشعب للخروج من محنته العصيبة التي يمر بها الآن. الدول الفاعلة والتي لها نفوذ في المنطقة وبالتعاون مع المنظمات الدولية تستطيع أن تقوم برعاية مؤتمر وطني سوري شامل يضم كل القوى السياسية والعسكرية في الداخل والخارج, وأن تضع كل جهودها من أجل إنجاح هذا المؤتمر وذلك في تقليص الفجوات التي نشأت بين مكونات المجتمع السوري تحت حكم هذا النظام.
بعد سقوط نظام الأسد مباشرة يجب علينا جميعا أن نعمل على إنهاء عملية القتل والإقتتال بين السوريين والبدء بخطوات زرع الثقة بين الأطراف المتصارعة وعلى سبيل المثال ولا الحصر هو إطلاق سراح كل المعتقلين والأسرى والقيام بالحملات الإعلامية من أجل بث روح التسامح والتصالح بين أفراد المجتمع, والعمل على التخلص من كل الدخلاء وكذلك المنظمات الإرهابية التي تدعم النظام السوري, ووضع وحدات حماية ومراقبة عربية ودولية في المناطق التي يوجد فيها شيء من التوتر من أجل منع حدوث أي نوع من التجاوزات أو المجازر أو التعديات من فئة على أخرى.
في هذا المؤتمر الآنف الذكر يجب ان يتم وضع خطة مُحكمة لمرحلة إنتقالية توافقية ولمدة عامين للعمل خلالها على إخراج سوريا إلى بر الأمان ووضع الأسس المتينة لمرحلة حكم سياسي ناضج يشعر في ظله كل السوريين بالأمان والإطمئنان والعدالة والمساواة. ويجب الأخذ بعين الإعتبار إستقلالية القضاء وفصل السلطات عن بعضها البعض (التشريعية والقضائية والتنفذية). في ختام هذا المؤتمر يجب ان يكون قد تم تشكيل بعض المؤسسات التي سيكون لها دورا هاما في قيادة البلاد في المرحلة الإنتقالية والتي يجب أن يكون للمرأة نصيبا فيها يناسب نشاطها ودورها في المجتمع:
1. الإتفاق على برلمان مؤقت ولمدة سنتين يمثل كل أطياف المجتمع السوري وجميع مكوناته.
2. تشكيل حكومة كفاءات وطنية مؤقتة.
3. الإتفاق على دستور مؤقت للبلاد.
4. تشكيل لجنة رئاسية مؤقتة تقوم بمهام رئيس الجمهورية.
5. تشكيل جمعية تأسيسية من أجل صياغة دستور جديد للبلاد.
6. تشكيل لجنة عسكرية في وزارة الدفاع وأخرى أمنية في وزارة الداخلية تشرفان على حماية الوطن والمواطن ودمج كتائب الجيش الحر في الوزارات المعنية.
7. تشكيل محكمة خاصة لمجرمي الحرب ولمن تلطخت أياديهم بدماء الشعب السوري على غرار "محكمة نورنبرغ" الألمانية والتي كانت مختصة في محاكمة المجرمين من الحقبة النازية.
8. تشكيل هيئة مختصة لتعويض المتضررين من تبعات الحرب وكذلك من تبعات الظلم الذي حلّ بالشعب خلال الحقبة البعثية وحقبة عائلة الأسد.
9. تشكيل لجنة إعادة إعمار سوريا والتي عليها أن تبدأ عملها بأسرع ما يمكن من اجل تأمين السكن الضروري للمواطنين المهجرين الذين ينتظرون العودة إلى ديارهم بفارغ الصبر.
10. تشكيل لجنة مختصة للمسامحة والمصالحة الوطنية مؤلفة من الوجهاء والزعامات وشيوخ العشائر.

بعض هذه اللجان تتبع لها لجان مصغّرة على مستوى المحافظات وإن تطلّب الأمر حتى على مستوى البلدات الكبيرة. 
بعد نهاية المرحلة الإنتقالية سيتم طرح الدستور الجديد للإستفتاء, فإن حصل على الأغلبية المطلوبة فسيتم إنتخاب البرلمان الجديد بناء على هذا الدستور. بعد ذلك سيتم تشكيل الحكومة الجديدة من طرف الأحزاب التي حصلت على الأغلبية البرلمانية في الإنتخابات ومن ثم يتم إنتخاب رئيس الجمهور من الشعب مباشرة. 
في إنجاز من ذكرناه سابقا يمكننا أن نستفيد من تجارب بعض الدول التي مرت بتجربة مماثلة للتجربة السورية وعلى سبيل المثال تونس الشقيقة ونجاحها في ترتيب بيتها الداخلي في مرحلة إنتقالية بعد إنتصار ثورتها.
علينا أن نعتمد منذ البداية على نظام اللامركزية في إدارة شؤون الدولة وإعطاء صلاحيات واسعة للمحافظات وكذلك تأسيس برلمان خاص بها (برلمان المحافظات Bundesrat ) على غرار النظام الألماني والذي يتم فيه تداول كل شؤون المحافظات فيما بينها وعلاقتها بالدولة المركزية وبهذا نكون قد تجاوزنا المخاوف والنقاشات الكثيرة التي تدور حول كيف سيكون شكل الحكم في سوريا بعد سقوط النظام وهل سيكون فيدرالي أم على شكل كنتونات أم مركزي كما هو عليه الآن.
في الوزارات المختصة يجب أن توضع أنظمة جديدة وخطط مستقبلية تتناسب وروح العصر وتطلعات الثورة وما وصل إليه العلم من مراحل متطورة في كل المجالات وخاصة في التعليم والصحة والإقتصاد وكذلك التخلص من بقايا الأفكار والآليات القديمة التي كان يعمل عليها النظام البائد.
نحن كسوريين علينا أن نعلم بأن مصير وطننا هو بين أيدينا ومطلوب منا جميعا أن نضحي مرة أخرى, وربما أكثر مما ضحينا به سابقا, لكي نستطيع أن ننقذ وطننا من محنته هذه, وعلينا ان نعلم بأن مقياس "سوريتنا" هو مقدار رؤيتنا وتقييمنا للسوري الآخر بأنه سوري في الدرجة الأولى وبعد ذلك وبمسافة طويلة تأتي الإعتبارات الأخرى مثل الدين والمذهب والقومية. وكم ستفرح سوريا الوطن عندما تسمع منا ونحن نخاطب بعضنا البعض ونقول: أنت سوري؟ ... إذا أنت أخي وشريكي في الوطن!
 / نائب ألماني سابق من أصل سوري

سقوط الحضارة/ يوحنا بيداويد

هل بدأت ملامح سقوط الحضارة الإنسانية تظهر اخيرا ؟! انه مجرد سؤال، ولكن هل من سؤال آخر أخطر منه، وكأنما يتساءل المرء متى ستقع الضربة النووية؟ او متى تصطدم الأرض بكوكب آخر؟ ان خطورة الوضع الذي عاشته البشرية في هذا العقد جعلتهم يشعرون بحالة قلق، لهذا طرح هذا السؤال في كثير من المناسبات.

تمر الحضارة الإنسانية في منعطف خطير في هذه الأيام، قد يقود في النهاية إلى سقوطها حسب آراء بعض المفكرين والمصلحين الاجتماعيين، فقبل نصف قرن كتب الكاتب الإنكليزي كولن ولسن كتابه المشهور تحت عنوان "سقوط الحضارة" محذراً احتمالية خطر سقوط الحضارة الغربية المبنية على القيم الفردانية، وذلك من خلال تناوله سيرة عدد كبير من المبدعين والعباقرة في التاريخ الحديث، الذين انتهت حياتهم في الانتحار والموت في البؤس من شدة فقرهم، او اصابتهم بحالة الإحباط النفسي بعد انعزالهم من المجتمع، بعد عجزهم من مواكبة مسيرة الحياة في الحضارة الحديثة المبنية على الفلسفة المادية والفلسفة الفردانية.

من ملامح سقوط الحضارة الإنسانية في هذه الأيام ايضاً هي ظهور حركة الدواعش التي ظهرت في الآونة. ومن منا لم يسمع بهذا البدعة الرجعية او السلفية او الهرطقة؟ اقل ما يقال عن اصحابها، انهم قتلة الأبرياء والأطفال وكبار السن وكل شخص يعارضهم، عن طريق السيوف والسكاكين او الرمي بالرصاص او الحرق، او تفخيخ النفس وتفجيرها في وسط الأسواق او الدوائر الحكومية، او انهم مدمري الاثار والحضارة. حجتهم في فعل لهذه الاعمال القبيحة، هي إن الاخرين لا يستحقون الحياة، لأنهم يختلفون عنهم في ديانتهم او في عبادتهم أو في طريقة ممارسة طقوسهم الدينية أو ارتداء ملابسهم او عيشهم. بل يتجرؤون بالادعاء ان الله امرهم قتل كل نفس لا تسير في طريقه، اي طريق الذي وضعته هذه الحركة الرجعية او الهرطقة الحديثة في عصر كل مظاهره مادية بحتة. الامر الذي جعل العالم أن يصحو من سباته بعد ربع قرن من الهدوء، من بعد زوال الصراع الاشتراكي الرأسمالي والعيش بهدوء.

لكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه مرة أخرى، لماذا ظهرت هذه البدعة بهذه القوة وبهذا الرداء، أي رداء الفكر السلفي الرجعي الذي مضى عليه قرون طويلة الذي لا يلائم الحياة العصرية حتى في ارياف أي بلد من العالم الثالث؟!!. بإختصار ان هذه البدعة لم تظهر من لا شيء، انما كانت مطمورة في طيات الزمان وظهرت الان كنتيجة لرد فعل لعوامل كثيرة، من أهمها هي نظام العولمة والسياسة الدولية للتحالفات الدولية وقذارتها.

ان العالم يشبه قطعة قماش يمسك بطرفيها المجتمع الغربي والمجتمع الشرقية، وكل واحد يسحب من جانبه بكل قوته بغية ان يمزق أكبر رقعه منها. فالحضارة الغربية المنفتحة المبنية على الفلسفة الفردانية وتقديس قيمها على اساس الحرية والديمقراطية وحقوق الفرد، تريد ان يتوسع هذا النظام ليصل الى جميع القارات والشعوب كل البيوت بل تريد جعل تربية الاطفال تتم بموجب هذه الافكار، على أساس ان هذا النظام عادل لأنه يمنح فرصة التنافس بين جميع افراد المجتمع، بالتالي تعطي منتوج أفضل كفاءة واقل كلفة. ولكن الخطورة في هذا النظام من سيكون صاحب القرار؟ وهل سيكون لقيم والعادات والمشاعر والتعاليم الدينية أثر فيها؟ هل سيكون للضمير والاخلاق والقيم مكانة في قلوب مشرعي القوانين تلك الحضارة او الذي يتخذون القرار الذي لا بد ان يتم اتخاذه من قبل جهة ما.


اما المجتمع الشرقي المعتمد على الفكر الديني الذي مضى عليه قرون عديدة، لازالت الكثير من القيم والتقاليد والتعاليم المعتمدة فيه في قوالبها القديمة لا يستطيع احد ان يمسها بسبب ترسخها في المجتمع، هناك نسبة كبيرة من هذا المجتمع فيهم تخلف بل يقدوسون التخلف،قسم متدين من جراء الخوف من العقاب، بدون ان يعرف السبب او الغرض من عبادته والفائدة المرجوة من اتباعه لتعاليم هذه الديانة، فمعظم أفكارهم او قراراتهم ترجع جذورها الى النزعة القبلية الغريزية والانتقام وسلب ممتلكات الاخر، التي لا تعطي الفرد اي حق في التفكير ، على أساس ان مصلحة المجتمع اهم من مصلحة الفرد، التي هي بالحق مناقضة عن القيم الإنسانية او الفلسفة الموضوعية، التي تعطي لكل فرد حقه الوضعي في الوجود بالتالي، حقه في الفكر والعمل والاختيار. 

من الملاحظ هنا ان بعض الفئات من المجتمع الشرقي مثل الدواعش، يعانون من ازدواجية مقيتة، فعلى الرغم من انها تتبنى وتقبل كل ما تنتجه الحضارة الغربية او الإنسانية بصورة عامة في نفس الوقت ترفض المبدأ الذي أدى الى حصول هذا التغير، لأنها اصلا لا تعطي أي قيمة للحقائق العلمية التي وصلتها العلوم الإنسانية والتي عليها ترتكز الحضارة الإنسانية الحالية اليوم.

لكن اين سيقود بنا هذا الصراع؟ وما تأثيره على الإنسانية؟ لمن ستكون الغلبة؟ بلا شك من الناحية الفلسفية الوجود ليس له معنى مالم يكن فيه صراع، بل لا تحصل اي ظاهرة فيزيائية او كيمائية او بيولوجية الا بوجود الصراع في قلبها، فكما يرافق أي جسم ظله، كذلك الوجود مقرون بحالة صراع.

اما ما شدة تأثيره على البشرية؟ ذلك واضح من رجوع الانسان الى الأفكار السلفية القديمة البالية البعيدة من روح العصر وامكانيات الانسان المعرفية، فالصراع بين نظام الفردانية ونظام التوتاليرية (الشمولي) سيكون قائم الى ان يتم خلق نظام آخر يوفق اخر الاثنين او يزيل أحدهما تماما لعدم ملائمته العصر. خلال فترة هذا الصراع سيكون هناك خسائر ومعاناة وبؤس وقتل وجرائم يقوم بها الانسان سواء كان باسم الله او باسم المصلحة العامة، لكن في النهاية سيستقر المجتمع على موقف قد لا يريده لكن يقبل به، لان احداث أخرى مهمة وخطرة ستحصل امام البشرية، حينها سيتوقف الصراع ويذوب أحدهما في الاخر بدون حصول عملية تنقية او بلورة بصورة صحيحة للعملية، أي بدون وصل الظاهرة الى هدفها النهائي التي كانت تود الوصول اليه. بهذا لن تكون هناك غلبة مطلقة وانما غلبة نسبية، بدليل ان الحاضر الذي نعيشه الان، مملوء من الشوائب وشذوذ الماضي. ولكن لحين حصول هذا التوفيق او الاعتدال نحتاج الى وقت طويل، فاسلم طريق للبشرية بناء مجتمعات او مستعمرات بشرية مختلطة وبحسب دساتير متطورة حسب المعرفة والخبرة والحاجة التي تعطي للفرد والمجتمع حقهما معا بصورة انسيابية وموضوعية.