تأثر منظومة الأخلاق والقيم بالأزمة السورية ودور الخطاب الناري المضاد في إنقاذ من سقطوا في مستنقع الذنوب/ كميل العيد

 قبل أن تعصف الأزمة في سورية كان السلم الاجتماعي قاعدة وأصلا ، والمخالفات والجرائم التي ترهب المجتمع  كانت استثناءً ، إلا أن الوضع انقلب وأصبحت الجرائم قاعدة وأصلا ، والسلم استثناءً. فلا يمر يوم دون أن يتحدث الناس عن حوادث وجرائم ترتكب على كافة بقاع الوطن السوري أقلها الخطف والتشليح والسلب والنهب ورشاوى التزوير ، حوادث وذنوب تدق مضاجع المجتمع وتصيبه بالهلع.
  لقد أفرزت الأزمة مصطلحات جديدة لم يكن احد يتجرأ على الخوض فيها  قبل الأحداث كالتعفيش والتكفير والسبي والخطف وسرقة الملكيات ... وغيرها. وانتشرت في أرجاء الوطن المافيات بشماعاتها المختلفة لتخرب النسيج الاجتماعي وتلحق الأذى بالناس مستغلة انشغال الدولة والمؤسسات المعنية بالحرب من جهة  وخروج جزء من القرى والمدن خارج سلطة الدولة من جهة اخرى .     
 لقد انخرط في هذه العصابات الكثير من الأفراد ممن ليس لهم سوابق أفراد جرفتهم تداعيات الأزمة فسقطوا في مستنقعها .
 وما يعنيني في هذا المقال هو العمل مع الجميع من سياسيين ومثقفين وأحزاب وفعاليات مدنية ودينية وباحثين بعلم الاجتماع  أقول ما يعنيني هو الوصول إلى التحليل الدقيق والعلمي والموضوعي لظاهرة كثرة الذنوب وأسبابها وتأثيراتها وآليات معالجتها ، وكيف نجعل ممن فقدوا القيم وسقطوا في مستنقع الذنوب أشخاصا" عاشقين لقيم الجمال والمحبة والحداثة.
 قد لا يكون توصيف الذنوب وأسبابها صعب الاكتشاف ، إلا أن المعضلة هي آليات المعالجة فالقتل والسرقة والخطف والتزوير وغيرها من أفعال لا تحتاج إلى عمق استدلال لتبيان موقعها في المنظومة الأخلاقية لكن مسلمة الخير والشرّ لا تبدو في واقعنا الراهن قانونًا ، فنظرية الحلال والحرام وضعت على الرف ، والكبائر أصبحت صغائر وتماهت وتراجعت الحدود الفاصلة بين الخير والشر وأصبح الكل شعاره " اللهـم نفســي " 
 أولى مظاهر الذنوب هم تجار الحروب فهؤلاء كثر يتلونون كالديدان ويتحركون بالخفاء  فمنهم تجار الأزمات الصغار كمن يبيع قطعة المائة ليرة بالف ليرة  وكصاحب الكازية الذي يتلاعب بعداد الضخ وصاحب الفرن الذي يتلاعب بالكمية والمكيال وكذلك الذين يقومون بعمليات التعفيش ونهب المنازل والممتلكات وسرقة السيارات وتفكيكها وبيع قطعها . اما العصابات وتجار الحروب الكبار كالذين يقومون بتزوير ملكية العقارات واعادة بيعها , والذين يقومون بعمليات الخطف وقبض الفدية , ويرتكبون أشنع الجرائم بحق الناس فهؤلاء وأمثالهم ليسوا أقل خطرا" من الذين  يبيعون السلاح والذخائر لأعداء الوطن ، فهؤلاء هم أخطر أنواع تجار الحروب. كما أني أصنف المسؤولين وأصحاب الشأن الذين لا يبادرون لإنقاذ مؤسساتهم ولا يبادرون لتحسين واقعها والذين لا نراهم الا في المناسبات وعلى شاشة التلفزيونات وفي الفنادق الفاخرة ضمن خانة تجار الحروب.
ان تداعيات ومخاطر هبوط القيم الايجابية في هذه المرحلة سيكون لها نتائج سيئة على التشكيل الاجتماعي المستقبلي وعلى الأجيال القادمة لذلك ومن أجل التخفيف من تداعيات هذا الهيوط ومن أجل تفعيل القيم والمبادىء لا بد من المبادرة من المعنيين يالشأن العام ووسائل الاعلام أولا" ومن النخب السياسية والاجتماعية والفكرية والدينية ثانيا" ومن كافة الأحزاب وقوى المجتمع المدني بما فيهم الأفراد الى:
أ‌- استحضار القيم والمبادىء في الأذهان والوجدان وفي النشاطات والنقاشات المختلفة وابراز مخاطر ابتعاد الانسان عن القيم والمبادىء على السكينة وراحة البال.
ب‌- تفعيل هذه القيم من خلال ممارسة النخب السياسية والعلمية والفكرية والدينية والقادة والمسؤولين والوزراء والمدراء لمهامهم وأن يكونوا قدوة لمرؤوسيهم وجماهيرهم في الممارسة اليومية لكل ما يتعلق بالشأن العام.
ت‌- تحويل هذا الاستحضار للقيم وممارستها لخطب نارية تتكلم عن الأحداث المشابهة في التاريخ والحروب الأهلية وتأثيرها على الأوطان وفضح الدور الذي يلعبه الاستعمار فيها وكذلك كيف تمكن الفرنسيون والاسبان والألمان وغيرهم من الخروج من مستنقع الحروب الأهلية والانتصار على الخلاف وإعادة بناء الأوطان. وتجعل الناس يستمرؤون الفعل الايجابي وفعل الخير ويخجلون من الأفعال المخزية.
ث‌- استهداف المجرمين الكبار من تجار الحروب والحاق الضرر بهم وبمن يستفيد من اجرامهم وبخاصة ذويهم لأن المجرم لا يخشى على نفسه ولكنه يخاف على ذويه وناسه. 
 ان تفعيل القيم ورفع شأنها ضرورة تفرضها المرحلة الحالية من الحرب لتحقيق التكامل والوحدة المعرفية بين مختلف الفئات الشعبية والتي هي محك الخروج من هذه الأزمة وتداعياتها.   

حكومة فاشلة بأمتياز/ أشرف دوس

حكومة فاشلة لأتملك اى حلول غير رفع الأسعار وفى المقابل تدنى واضح لجميع الخدمات المقدمة بصورة يومية من مواصلات لصحة وخلافة ويبدوا أنهم قد اتخذوا قرارهم فعليا بزيادة الأسعار للخدمات المقدمة للمواطن الغليان اللي طفح بيه الكيل مش عارف يلاقيها من زيادة كهرباء ولا بنزين ولا أكل وشرب ولا جشع السائقين ولا سرقة ولا مرتبات فلكية بدون اى مراعاة للحد الأقصى للأجور للأسف القانون لا يطبق غير على الفقير اختفت خلاص الطبقة المتوسطة منهم لله . وانتشرت تجارة المخدرات والدعارة وتجارة السلاح كرد فعل للحالة الاقتصادية والسلوكية للمجتمع بجانب ارتفاع نسبة البطالة لمعدل غير مسبوق .
والواقع انة سوف تلى هذه الزيادات زيادة في أسعار الميكروباص للمحافظات ,,, وكافه أسعار أتوبيسات شرق وجنوب الصعيد وغرب الدلتا .. وزيادة الأسعار رغم سوء الخدمة في القطارات المكيفة وعدم نظافتها
نحن ندعم كل من يساهم فى بناء مصر ولاكن لابد من موقف واضح من الحكومة ولى سؤال انتم عاوزين إيه من الشعب الغليان؟
انت إيه مفيش عندك غير رفع الأسعار نحن نطالب سيادة الرئيس بالتدخل لحمايتنا من هذه الحكومة حكومة الجباية

فرنسا لن تنجح حيث فشلت الولايات المتحدة/ نقولا ناصر

(ما عجزت الولايات المتحدة عنه في الضغط على ربيبها الإسرائيلي للقبول باستحقاقاته ليس من المتوقع ان تنجح فرنسا في تحقيقه)

بغض النظر عن عدم واقعية تنفيذ أي قرار يصدر عن الأمم المتحدة ومجلس أمنها لصالح قضية فلسطين العادلة، فإن مشروع القرار الفرنسي لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يوفر رعاية "دولية" لاستئناف مفاوضات فلسطينية جديدة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي سوف يجبّ كل ما سبق للمنظمة الأممية أن أصدرته من قرارات يستند النضال الوطني الفلسطيني إليها ك"شرعية" دولية ويهدد بخسارة الرصيد القانوني والسياسي الذي تمثله هذه "الشرعية".

ومواقف الفصائل الوطنية والإسلامية الفلسطينية من مبادرة فابيوس إما رافضة أو متحفظة ومشترطة، فحركة "حماس" رفضتها وهي ليست عضوا في منظمة التحرير الفلسطينية، والجبهة الشعبية العضو في المنظمة قالت إنها "خطيرة ويجب رفضها جملة وتفصيلا لأنها بعيدة كل البعد عن قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة" و"متعارضة مع الثوابت الوطنية الفلسطينية".

وبينما يعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أن التوصل إلى "صفقة" سلام فلسطينية مع دولة الاحتلال "مستحيل تقريبا" في المدى المنظور، كما قال لفضائية العربية منتصف أيار/ مايو الماضي، فإن جولة وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في مصر والأردن وفلسطين المحتلة الأسبوع المنصرم التي استهدفت استئناف "عملية السلام" تبدو محكوما عليها مسبقا بالفشل بالرغم من تأكيده على أن جهوده تتم ب"التنسيق" مع الولايات المتحدة.

فما عجزت الولايات المتحدة عنه في الضغط على ربيبها الإسرائيلي للقبول باستحقاقاته ليس من المتوقع ان تنجح فرنسا في تحقيقه.

إن حرص فابيوس خلال يومين من زيارته على تأكيد "التنسيق" مع الولايات المتحدة يرتهن المشروع الفرنسي لشروط الرباعية الدولية التي تلتزم واشنطن بها، ويحوّل أي رعاية دولية أو مؤتمر دولي يقترحهما المشروع إلى مجرد ورقة توت بالكاد تغطي على حقيقة كونه غطاء خادعا جديدا لاستئناف المفاوضات بمرجعياتها السابقة.

فعشية زيارة فابيوس هاتفه نظيره الأميركي جون كيري، وأعلن الوزير الفرنسي أنه "ليس في نية فرنسا إزاحة" الولايات المتحدة لأن "الموقف الفرنسي هو أن الولايات المتحدة قد لعبت وسوف تلعب دورا جوهريا للغاية في المسألة الإسرائيلية – الفلسطينية" ولأنه "لا يوجد أي معنى لاقتراح أي مشروع قرار سوف يصطدم بفيتو" أميركي، كما أعلن فابيوس.

وبالتالي فإن أي مشروع قرار فرنسي لا يعترضه الفيتو الأميركي في مجلس الأمن الدولي، وهو ما يقترحه فابيوس تحديدا، هو مشروع مطعون فيه فلسطينيا ولا توجد أي حاجة وطنية فلسطينية لتجربة المجرب لكن في "إطار" جديد.

فكبير الدبلوماسة الفرنسية بدا معنيا بتحريك "عملية السلام" في سياق الحرص الأميركي – الأوروبي المعهود على "إدارة الصراع" أكثر مما هو معني حقا بحل الصراع.

ف"الفكرة ليست أن نصنع السلام لكن أن ندفع الأطراف نفسها لتصنع السلام"، أي العودة إلى المفاوضات "الثنائية" لكن برعاية ظاهرها دولي هذه المرة، و"علينا أن نبذل قصارى جهدنا كي يبدأ الطرفان المفاوضات مجددا" لأن عدم فعل شيء يخاطر ب"إشعال الصراع" كما قال فابيوس خلال الزيارة.

فأفكاره "تهدف إلى خلق ديناميكية جديدة للمفاوضات تأخذ بالاعتبار التجارب التفاوضية السابقة" كما قال نظيره الفلسطيني رياض المالكي في مؤتمر صحفي مشترك مع ضيفه الفرنسي برام الله.

فأوروبا بعامة وفرنسا بخاصة اعتادت أن تتدخل بعد كل فشل أميركي في مواصلة "عملية السلام" للحفاظ على الاستمرار في إدارة الصراع بالتظاهر بوجود حركة في "العملية"، وأثبتت كل المحاولات الفرنسية والأوروبية السابقة في هذا السياق أن الحركة التي بدأتها كانت مجرد لعب في الوقت الأميركي الضائع، وما تزال الذاكرة الفلسطينية تتذكر مبادرة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي التي لم تكن تقل حماسا عن مبادرة فابيوس الحالية.

ولم تكن مثل هذه الجهود الفرنسية مجانية فقد قبضت ثمنها عقودا تجارية عربية بمليارات الدولارات من دون أن يجني العرب في المقابل أية مكاسب فلسطينية ملموسة سياسية كانت أم غير سياسية.

ومن هنا الحذر الذي أعرب عنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس عندما أعلن عشية زيارة فابيوس أنه "إذا أنضج المشروع الفرنسي في مجلس الأمن (الدولي)، وفيه ما نريد سنرحب به ونقبله، وإذا ليس فيه ما نريده لا نريده وإذا فيه ما لا نرغب لن نقبل به"، وعندما وصف المالكي الزيارة بأنها "استكشافية" ولذا "يجب عدم التسرع في إطلاق الأحكام" عليها.

لكن هذا الحذر يبدو قد تبدد بتأكيد الرئيس عباس والوزير المالكي بعد زيارة فابيوس على "التطابق" في الأفكار وعلى "الالتزام" بالأفكار التي "من شأنها العمل على إطلاق عملية السلام وبدء المفاوضات ... ضمن مفهوم حل الدولتين"، ورحب المالكي بمبادرة فابيوس وقال إن القيادة الفلسطينية ستفعل كل ما يلزم لإنجاحها.

إن الفصائل التي أعلنت معارضتها ل"تدخل" منظمة التحرير الفلسطينية في تأليف حكومة جديدة للسلطة الفلسطينية بديلة لحكومة التوافق الحالية بحجة أن الأخيرة كانت قد تألفت بموجب "اتفاق الشاطئ" لتنفيذ بنود المصالحة الفلسطينية وبالتالي فإن "الإطار القيادي" للمنظمة هو الجهة المخولة بتأليف الحكومة البديلة لها كان الأحرى بها أن تطالب كذلك بأن يكون الإطار القيادي هو المخول بالتعاطي مع أية جهود دولية فرنسية أم غير فرنسية لاستئناف المفاوضات.

فمبادرة فابيوس أخطر كثيرا من تأليف حكومة لسلطة تقول إنها من دون سلطة في ظل الاحتلال، فترك الأمر للمنظمة بوضعها الراهن للتعامل معها يعني الاستمرار في السعي إلى إقامة دولة فلسطينية بموافقة الاحتلال ودولته عبر المفاوضات وهي الاستراتيجية التي أثبتت فشلها باعتراف الرئاسة الفلسطينية وفابيوس نفسه الذي سوغ مبادرته بفشل هذه الاستراتيجية طوال "40 سنة" مضت.  

إن إسقاط الحذر الفلسطيني في التعاطي مع مبادرة فابيوس يبدو محاولة لعدم القطع مع ثوابت الاستراتيجية الفرنسية المعلنة تجاه الصراع العربي مع دولة الاحتلال أكثر مما هو موافقة على مبادرة فابيوس في حد ذاتها.

فعلى موقعها الالكتروني الرسمي تذكر الخارجية الفرنسية "10 مفاتيح لفهم موقف فرنسا": أولها أنها "صديقة لإسرائيل وفلسطين"، فهي طوال خمسة وستين سنة منذ النكبة العربية في فلسطين "تدافع عن حق إسرائيل في الوجود" متغافلة عن عدم وجود أية حدود لها وعن توسعها واحتلالها، وهي التي اعترفت بمنظمة التحرير وأيدت تمثيلها كعضو مراقب في الأمم المتحدة عام 1974 وأدلت بصوتها لصالح فلسطين كدولة مراقبة غير عضو فيها عام 2012 وتحدث رئيسها أمام الكنيست عن إقامة دولة فلسطينية منذ عام 1982.

وثانيها أن فرنسا "تدين بلا تحفظ الأعمال الإرهابية"، أي المقاومة الدفاعية الفلسطينية، و"تلتزم التزاما كاملا بأمن إسرائيل كمبدأ رئيسي لسياستها في المنطقة"، لذلك فإنها تدعو حركة حماس وغيرها من قوى المقاومة الفلسطينية إلى "الالتزام بالشروط التي حددتها الرباعية" الدولية، متجاهلة إرهاب دولة الاحتلال ومكتفية بدعوتها إلى "الالتزام بالقانون الإنساني الدولي" وممارسة "الاستخدام المتناسب للقوة" ضد المقاومة الفلسطينية.

وثالثها أنها "تدين نشاطات الاستيطان، غير القانونية في القانون الدولي" من دون أن تترجم إدانتها إلى أية إجراءات عملية ملموسة ومكتفية ب"إصدار توصيات تحذر" من مخاطرها المالية والقانونية على دولة الاحتلال ومن مخاطرها على سمعتها.

وفي الإجابة على سؤال "عن أي حل تدافع فرنسا" تقول رابعا إن "الصراع يمكن حله بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة وديموقراطية تعيش في أمن وسلام إلى جانب إسرائيل" على أساس بيان مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي لسنة 2009 (حدود 1967 مع "تبادل متكافئ للأراضي"، و"ترتيبات أمنية" للدولتين، و"حل عادل ونزيه ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين"، و"ترتيب يجعل القدس عاصمة للدولتين").

وخامسها أن "فرنسا لا تعترف بأي سيادة في القدس" بانتظار "تسوية متفاوض عليها للصراع" مع احترام "الوضع الراهن" لأماكنها المقدسة حتى ذلك الحين، وهو ما يعني ضمنا اعتبار القدس أرضا متنازعا عليها لا محتلة.

وعما "تفعله" تقول سادسا إن "فرنسا تلعب دورا قياديا" أوروبيا ودوليا في السعي إلى "حل الدولتين" و"تشجع" لهذا الغرض "استئناف المفاوضات" و"تجنب" أية افعال من جانب واحد وأي "تحريض على العنف".

وسابعها تقديم الدعم للرئيس محمود عباس الذي يقف "في جانب السلام"، وثامنها أنها "تشجع المصالحة الفلسطينية" ضمن شروط الرباعية الدولية وهي شروط إسرائيلية في الأصل، وتاسعها أنها تناصر تعبئة عاجلة للمجتمع الدولي للخروج من "الطريق المسدود الراهن لعملية السلام"، وعاشرها أن "فرنسا سوف تعترف بالدولة الفلسطينية".

في الأول من الشهر الجاري، لخص محرر النسخة الانكليزية لصحيفة "هآرتس" العبرية روي اسحاقويتز رأيه في مبادرة فابيوس بقوله إن الفرنسيين إذا أرادوا المشاركة في "حل حقيقي للصراع" فإن عليهم "أن يحددوا علنا بأن الاحتلال الإسرائيلي هو المشكلة الأساسية"، وعليهم أن "ينفذوا إجراءات" عملية مثل فرض "عقوبات" على دولة الاحتلال و"الاعتراف" بدولة "فلسطين الآن بدلا من تضييع الوقت في الأمم المتحدة" حيث "كل ما سوف يفعلونه هو إعطاء غوغاء الاستيطان الإسرائيلي مزيدا من الوقت وذلك بالنسبة لهم هو أوكسجين".

* كاتب عربي من فلسطين
* nassernicola@ymail.com

القمر في لامبيدوزا/ ايمان الدرع

أسند ( طارق ) ظهره إلى حافة المركب، يرسم بريشة أحلامه، على صفحات غيوم دكنٍ ، تنام في حضن البحر، يلتحفها قمر ناعس على صدر السماء. الأجساد مكّدسة أمامه، في حالة تململٍ، وضجر، وترقّب، تحصي الساعات في رحلة طالت..حتى صارت دهراً..وأكثر.. أراد أن يمدّد رجليه، فاصطدمتا بخاصرة شاب نحيل، كان يغطّ في نوم عميق، استفاق ممتعضاً ، فاعتذر يثنيهما، وقد أمسك بهاتفه المحمول، يقلّب في محتوياته، حتى وصل إلى صورتها، رسائلها..همساتها.. قرّب نظارته الطبية، السميكة من ناظريه..واسترسل مجدّفا بين الحروف...استعاد كلماتها: ــ سافر يا حبيبي حين يكون القمر بدراً..فما بين مدٍّ، وجزرٍ سنلتقي..و تجمعنا الأيام من جديد..أحببببببك... سألته امرأة نصف، تشرينية الملامح وهي تزيح عن وجهها شعرها الرمادي الذي تلاعب به الهواء الصاخب..والمركب يعلو، وينخفض ـ خاطِب يا أمي ؟؟!!! ـ أي والله يا أمي خاطِب... وبدّي جيبها لعندي بس أوصل أوروبا إن شا الله.. ــ الله يحميك يا ابني ( قالتها، وهي تضمّ إلى صدرها، حفيدتها الشقراء..حين شهقت من الخوف، طامرة وجهها في عبّها ، لمّا علا الموج، صارخاً من سياط الرياح المجنونة..). هبّ قلبه المشتعل حنينا إلى أمه، يعانقها، يلحّ عليها في الدعاء، والرضا، يتحسّس تعويذتها المعلّقة تحت قميصه، حرزاً له مبسملة..(( إن الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد) ..فاطمأن قلبه. على يمينه، طفل أجعد الشعر، تبدو ملامحه الصامتة، الكئيبة، أكبر من عمره، أمضى الساعات على ركبتي والده، لايفارقه، كأنه يدفن الخوف على منكبيه..ليسترق لحظات مسروقة، من نوم ضنين.. تبسّم له، يودّ لو يعانقه، فلقد وجد فيه ملامح أخيه الصغير، آخر العنقود...ولكنه مشاكس على عكسه تماماً.... ( ضحك في سرّه وهو يقولها).وبعد نظرة شاردة ..ردّ له ابتسامة مقتضبة..ثم عاد يستجدي الدفء بين ذراعي أبيه. بكاء رضيع يشقّ السكون، صرخته تثير الشفقة لعجزها، وتكرارها..وضعفها..والموج لا يرحم..والبرد لايرعوي.. تهدهد الأم رضيعها، تقطر له بضع قطرات من دواء ضدّ المغص، من قارورة صغيرة احتفظتْ بها تحسّباً..فيهدأ مستسلماً لنعاسٍ، أنهك جسده.. يراقص خياله طيف حبيبته، استحضر نغمات أجمل رقصات التانغو، والفالس، والفلامينكو...آااااااااه كم أحبك يا قمري ؟؟!!! كوني معي ..لا تتركيني...من أجلك أسعى..من أجل أحلامنا المصلوبة على صخرة الوطن الذي يحترق، وأحرقنا معه... تدمّر، ودمّرنا..قتلناه بأيدينا، فكنا به القاتل، والمقتول... يقطع أفكاره صوت فتاة ..شاحبة القسمات، تشتكي لمن يرافقها، تشنّجاً معوياً لم تعد تحتمله، لم تكفّ عن الغثيان طيلة الطريق، وقد طوى بطنها تجفاف لا يسدّه البحر.. يقوم أحدهم بتوزيع قطعٍ من البسكويت، في وجبات مدروسة، تكفيهم بعد المسافات.. رجل كهلٌ، قد بلغ القهر مداه في رنة صوته النزقة، يسأل بتأفّف، وضجر وقد بانت أسنانه النخرة، المتآكلة، وهو يزفر الدخان من أنفه: ــ كم بقي من مسافةٍ، ووقت حتى نصل؟؟!!!( تلطمه موجة شديدة، فتخرس الحروف في حنجرته) فينكفئ بخيبته...يجيبه آخر...اقتربنا يا عم من (لامبيدوزا) اقتربنا...صلّ على النبي ياحاج.. ثمة شاب جميل، مكتنز الجسم، لا يملّ من قفشاته التي يرسلها هنا، وهناك، محاولاً تبديد الخوف...والسيطرة نوعاً على بطء الوقت، وثقله على االأرواح القلقة..فيقلّد هذا..ويكشّر في وجه ذاك..ماطاً شفتيه، يمدّ لسانه في حركة تتوافق مع أصابعه فوق أذنيه، مستفزاً من قتلهم الرعب... موال شجي: يردّده ناجي : صاحب الصوت الرنان كالذهب..يثير الدمع في محاجر السامعين: هيهاااااااات يا أمّ الزولوف.....عيني يا مولايّااااااااااا يابلادي أنت السبب ........ لا تعتبي عليّاااااااااااااااا العاصفة تزمجر، والبحر يكيد ، والمركب بينهما كزورقٍ ورقيّ لا قرار له..هدّأ الطاقم من سرعة المركب..إلى الحدّ الأدنى، حتى لتخال أن الحركة قد توقفت تماماً..كنبض قلب ميْت.. المحرك يئن، يعلن ضعف مقاومته لسرعة الريح، وجبال الموج تسدّ الأفق... عرف قائد المركب أنه في ورطة حقيقية...الحمولة ثقيلة. والماء قد بدأ ينسرب إلى الداخل، وفرص الاستمرارية باتت مستحيلة..إنه الآن مرتبك ، وقد فقد السيطرة على القيادة..وتاهت البوصلة. تفرّست العيون الهلعة بملامحه..قرأت مالا يقال...تحوّلت دقات قلوبهم إلى طبولٍ، غلبت الموج بشدة قرعها. وهي تسائله: ـــــ .مااااااااااااااااذا ؟؟!!! ما العمل ؟؟؟؟ ماااااااااااذا ؟؟ ما الحل؟؟؟؟ أين نمضي؟؟؟ يااااااااا إلهي ماذا نفعل؟؟ يا الللللللللللللله ما السبيل؟؟!!! قل شيئا...قل... وابتدأ المركب يترنح مثل جسد أثقله الخمر...قائد المركب بصوت من يستشعر الخطر الحتمي. يجيب:.ساعدوا أنفسكم..حاولوا السباحة..اقتربنا من ( لامبيدوزا) بضع ساعات تفصلنا عنها.. سنحاول أن نقطع الدرب إليها سباحة. ريثما يتمّ إنقاذنا...من لديه سترة إنقاذ فليلبسْها..أعينوا بعضكم..هياااااااااااا أسرعوااااااااا..المركب يغرق...وماكاد يكمل حروفه ..حتى دفع بنفسه ملقياً ذاته في بطن الموج، بمهارة محسوبة..وغاااااااب عن المكان. ألقى الشبان بأنفسهم إلى البحر، تجمعت النسوة في أعلى المركب مع أطفالهن، يسألون السماء ألا يبتلعهم هذا الجوف الشره...ومعجزة ما ترفع المركب، تبعده عن هاوية القاع.. أصوات نحيبهن تضيع وسط العاصفة. .الرجل الكهل يقرأ آيات من القرآن....الدعاء يعانق المدى...كأنما فتحت أبواب السماء على أبواب البحر..حين يأتي القدر.. تتفق الأبواب كلها كنهاية محسومة..توصد الطريق.. المركب يغوص بسرعة لاتمهل أحداً..والأجساد تتطاير كدمى لاوزن لها ..تلهو بها العاصفة.. المرأة التشرينية بدأت تنطق الشهادة، الرضيع ينفلت عن حضن أمه، رغم تشبثها بثيابه العالقة بين أصابعها، الفتاة التي لا تكف عن الغثيان، ابتلعت كلّ الماء لتروي هذا التجفاف الذي أرجف أعطافها، الشاب الضاحك قتلت بسماته دموع كالبحر في ملوحتها، وصاحب الموال..ردّدت الشعاب صداه، فأوجفت خيفة..ووجعاً...وهو يعيد الغناء: يا بلادي أنت السبب..لاتعتبي عليااااااااااا ..... (طارق) يختبئ في حنايا سترة النجاة، وقد هدر في خلاياه الدوار..حتى ليكاد يفقد السمع..فعارك الموج، كمن يتخبّطه المسّ.. الطفل شبيه أخيه يلتصق به، يدنيه منه، يحضنه، الطفلة الشقراء تمسك به من الجانب الآخر..وقد ماجت جدائلها الحريرية مع الماء، فتحسسّتْ عنقه، كملاك رقيق..تمسك يده، تستغيث. ـــ .عمووووو...عم ..وووووو..يضمها معانقا..لاتخافي ياعمو..ستكونين بخير...ويجدّف بالطفلين على غير هدى..قاطعاً مسافة لايدري مداها.....فتلاشت قواه، وتقطّعتْ أنفاسه، سابحاً نحو ضوء أبيض بعيد..عبر به نحو حدائق من عنّاب، يلتقي فيها وجوه جيرانه، أمه، زملائه، إخوته، شوارع مدينته، حقل الزيتون، الكروم، النعناع، والجوريّ في حوض داره....هاهي أنامل حلاّق الحيّ تشدّ أذنه، حين رآه يدخن سيجارة خلف البيت، في أوج مراهقته..ها هو على أعتاب مدرسته، يستذكر دروسه قبيل الامتحان.. أتاه طيف حبيبته...ناجاه: أرأيت يا حبيبتي كم هو مهرك غالٍ؟؟!!! من أجلك قصدت ( لومبيدوزا) خضراء العينين التي لا تشبع من التهام الأجساد السمراء المعروقة، النحيلة..قمرها ساديّ لا يعرف إلا حالة الجزْر.. ولكني أراك الآن أكثر من أي وقت مضى، وأقرأ حروفك، بلا نظارتي التي سحبها الموج بعيداً...أحبك وتبسّم وهو يلتفت نحو وجه أمه التي يخالها دائما كرابعة العدوية.. فناداها مراراً: ـــ يا رابعة يا أمي .. فأتته بثيابها البيضاء،.قبّل يديها متمتماً..: ـــ هاهو حرزك يعينني على اجتياز مسافات النور بلا ألم...أشمّ الآن رائحة طهرك..فعانقيني كما كنت تفعلين، حين أتوجّه نحو حضنك الحنون، ظافراً بقبلة منك..سامحيني أمي ..لم يشأ القدر أن ( يردّني إلى معاد.).وداعاً يا حبيبتي...إني الآن أسبح بين مجرات النجوم..قرب قمر ( لامبيدوزا) ..إنه مؤنس، وإن خان العهود............... فاغتسل بدموعها، ومضى صوب محطته الأخيرة. وعندما تمطّت شمس الصباح، تطرد النعاس عنها، فتح عينيه، ليجد نفسه على سريرٍ، أغطيته بيضاء، قرب نافذةٍ، تطالها شجرة كثيفة الأغصان، تتقافز فوقها العصافير بمرحٍ، وأمان...في مشفى أنيق، وقد التفّ حوله طاقم من الأطباء، يتبادلون التشاور باهتمام، بلغة إيطالية، وطبيب يغرس الأمصال في وريده، يفترّ وجهه المشرب بالحمرة ..عن ابتسامة لطيفة..يقول له: الحمد لله على سلامتك..أنت في (لامبيدوزا)

جنودُ الإله/ كريم عبدالله

جنودكَ المدجّجونَ بــ خيبتهم يجرجونَ تعاسةَ المدينة أمامَ سطوتكَ المتناهية بــ الطغيان الأعمى ينتهكونَ إنسانيتهم وأنتَ لا تعلمُ شيئاً عنْ ضفافِ التضرّع المتسكّع عليها صوتها البعيدَ يتناهى لمسامعِ البحرِ كلّما تبتسمُ أشجارَ الغربةِ ينسكبُ وجه الليلِ المترامي هناكَ يستلقي أمامَ الجنود يفكّكونَ تاريخي الباذخَ على ألسنةِ الحربِ المشؤمةِ .... إقتادوا بقيّة الحلمِ المصلوبَ في مسائكَ المشرق يشعلونهُ أمامَ سخريةِ المحطات يرثيهِ مخاضُ صبحٍ نائمٌ على شفا توهّج إنتظار عودتي المكبّلةِ بــ البنادقِ وهي تشققُ شهقةَ القيامةِ الموشومةِ على أجنحةِ الفراشاتِ الملوّنةِ خلفَ زجاجِ السياراتِ المفخخةِ .... 
ملاحظة :
في الموسيقى السمعية حينما تتعدد الاصوات و بطيفات مختلفة يحصل نظام موسيقي ثلاثي الابعاد . في النص الادبي حينما تتعدد الاصوات و الرؤى يتحقق نظام لغوي ثلاثي الابعاد . حينما تتلون السردية الشعرية بالشخوص و الرؤى و الاصوات و التعبيرات المختبرة تتحقق قصيدة نثر ثلاثية الابعاد .

يا صايغين الدهب/ ايمان الدرع

 قصة قصيرة
 صوته المبحوح، خالط حبات المطر، فارتعد معه الكون الموغل في الظلام ينادي: ـ سعااااااااااد..سعاااااااااااااد ..أينكِ ؟؟!! أين رحتِ ؟؟!!! أبواب العمارة فُتحت تباعاً، تحمل فضول أهلها، عن مصدر قلق جارهم الشاب الفارع، الأسمر، الغارق في حزنه، النزق على الدوام، التفت إليهم، يخاطبهم بانكسار: ـ أستحلفكم بالله، هل رأيتموها..؟؟!! لقد خرجت للتوّ غاضبة، كلمح البصر اختفت، لا أعرف أين!! عييت وأنا أبحث عنها.. البعض أغلق أبوابه معتذراً، وآخرون استنفروا معه، يردّون لهفته، وقد أضناهم البحث، من غير طائل، كاد الانهيار يتمكّن منه ، لولا أن أنقذه صوت جاره الحاج محمود يناديه: ـــ تعال يا ولدي..إنها هنا..في الطابق العلوي المعد للإكساء، ....ملتفتاً نحوها: ـــ أقبلي يا سعاد..هاتي يدك ..لاتخافي ...فارتفع صوت نحيبها: ـــ دخيلك ياعمي..لا أريد ان أذهب إلى هذا الوحش الكاسر، ماعدت أحتمله، لئن قضيت ليلتي هنا، أهون علي ألف مرة، من أن أنام مع هذا المجنون في بيت واحد. الزوج يستعطفها محاولاً سحب يدها ـ تعالي سعاد أرجوك، أنا آسف حبيبتي، هيا إلى الدار، سنتفاهم على كل شيء.. فأجفلت منه مخلّصة ذراعها من أصابعه ـ ابتعد..ابتعد لا تلمسْني..طلّقني..ماعدت أحتملك..ماااااعدت... أطلّت الجارة ( أم عادل ) من بابها، تمطّ رأسها الأشيب بعد أن لفحته بغطاء الصلاة على عجل: ـ اتقِ الله فيها، إنها بنت عالم، وناس، وقد تحمّلتْ من قسوة العيش، و منك الكثير، وأقسم بأنك لن تراها بعد اليوم، لو خرجتْ من دراها غاضبة، واعلم بأننا أهلها هنا، بدل أهلها البعيدين عنها..لا تظنّن بأنها وحدها....( فالتصقت سعاد بها لائذة: ــــ دخيلك ياخالة لقد كرهته، خلّيني عندك حتى الصباح، أريد أن أسافر إلى أهلي، رغم الحرب، والدمار، وخطورة السفر، رغم مغادرتهم حيّهم الذي يحترق، وإقامتهم عند عمي..فذلك أرحم من البقاء عنده.. فأخذ الزوج يدها المرتعشة بين يديه يقبّلها، متمتماً: أرجوك سامحيني أقرّ بذنبي، عودي بقدميك الطاهرتين ..واجتازي العتبة إلى بيتك..أرجوووووك...عووووودي... ولما لاحتْ لها دمعته التي عرّتْ ضعفه أمام الجوار ـ الداعين لهما بصلح الحال، وردّ كيد الشيطان ــ تحرّكتْ الشفقة في قلبها، فخشيت على انكسار رجولته، أن تسفح على أدراجهم، أمام مرآهم ......رافقته حيث يقف طفلهما أمام باب البيت...مهلّلاً، يلثغ بحروف الفرح، يهديها لعبته الأثيرة عنده /السيارة الصغيرة / التي كان يكرجها للتو على بلاطه البارد.. أراد أن يقول شيئاً..أن يعتذر، فانكشف الضماد عن الجرح، وانبجس الدم، وسال أودية ، وأنهاراً : سعااااااااد .....أنااااااااااااااااا ـــ أرجوك..أرجوك...لا تقل شيئاً..أنا متعبة، أريد أن أغفو ـــ متحسّسة كتفها الموجوع من قبضته، حين لّوحها منفعلاً، قبل أن تهرب منه ـــ وافترشت الأرض ، مصوّبة وجهها نحو الحائط، وسط بحر من الدموع، حتى غفتْ. وعلى ضوء شمعة يتطاول لهبها، قبل انطفاءته الأخيرة، تأمّلتها عيناه المبرقتان مطراً كثيفاً ،تخاطبانها: ـــ نحيلة أنت يا حبيبتي، وشاحبة، وشعرك نسي حيوية أمواجه، ثيابك باهتة، رقيقة ..تعجز أن تردّ عنك البرد الذي داهمنا بلا رحمة،..قبل أن نستعد له، فلم يرحم قلة حيلتنا، في بيت نزحنا بثيابنا إليه هرباً من الموت .. ، ليس لنا...ليس عشنا الذي ابتدأنا أيامنا به، آاااااااااااخ يا أميرتي، فلتلعني فارسك ألف لعنة، ذاك الذي رقصت له يوم العرس، والضحكة الخجول تملأ وجهك الجميل، على وقع لحن مازال يجلدني بصداه: (يا صايغين الدهب..حبيت أدلعها...شوفولي خاتم حلو يستاهل اصبعها) حين أخذتك بين ذراعيّ، أحملك ، أدور بك كفراشة بيضاء، والأساور الذهبية تلتمع في زندك زهواً ، وعيون الصبايا تتبعك إعجاباً، وغبطة، وحلماً واعداً يداعبهن في الغد الآتي.. وهاهي أساورك تفقد رنينها ...تتناقص واحدة، فواحدة، وفارسك عاجز عن حمايتك يا ست النساء، يجرّ قدمه المعلولة ، التي أعطبتها الحرب، كجسمٍ غريبٍ، ميْتٍ، منطفئ الإحساس، وربّ العمل... الآمر، الناهي......صار لا يصلح للقيام، حتى بغسل الأدراج، بعد أن كان يملك ورشة كبيرة ..أكلتها النيران، بفكّ شرهٍ لا يعرف الشبع. انهضي هياااااااااااااااا واصفعيني...وارميني أرضاً، وأشبعيني شتماً، وقولي أيها العاجز ..يا صاحب العاهة، ولكن لا تقولي أيها الكاذب...لقد سعيت أن أمنحك كل جمال الكون..كل هداياه..أن أتوّجك حتى كعبيك بالذهب..ولكن قدمي المسلوخة عن أوردة جسدي، نقلت إلى روحي القذى، والدخان، وحرقة النار...فتفجر قلبي...وتناثر...كما تناثرت قطع الورشة وصارت هباء...أريدك أن تكرهيني، أن تستمتعي بشبابك، ربما ...ربما لخيّال آخر يليق بأميرة لا يبيع تاجها من أجل انكسار حاله...ولكنني جبُنت، ما استطعت التخلص منك في قسوة كاذبة...ما استطعت ..فأنا أحبك..أحبك.....لم أستطع أن أوقّع وثيقة إعدامي بيدي... و توجّه إليها، زاحفاً، متّكئاً على قدمه السليمة، يمشّط بأنامله المرتعشة، العاشقة، شعرها الكستنائي الفوضوي الطويل، وانفجر صوت الرجولة المهزوم بين جوانحه ، فألجمه، حين تعبعبتْ أنفاسها في صدره، تشدّه إليها كطفلٍ موجوع يقرّ بذنبه...ويريح بالاعتراف قلبه... همست له: ـ بصوت دافئ : ـــ نم يا محمد... هناك فجر جديد..رغم كل شيء...هناك فجر جديد....فاقترب منها ملاصقاً، محاولاً رمي أحماله بين ذراعيها المفتوحتين، تنتظران عناقه....فانطلقت منهما ضحكة مكتومة...حين قفز الطفل بينهما ...ملتجئاً...يلثغ. بحروفه البريئة، .يريد الدفء، والنوم بين أحضانهما

تحية الى شربل بعيني واسماعيل فاضل/ اكرم برجس المغوّش

الاستاذ شربل بعيني الشاعر والاديب والكاتب المسرحي ورئيس تحرير مؤسسة الغربة الاعلامية 
( تلفزيون / مجلة / راديو ) 
الف مبروك على نيلك وساما ً ودرعا ً وميدالية صديقك الخالد الشاعر السفير الاستاذ عبد الوهاب البياتي الذي عرفته عن كثب في المربد / العراق.
وهل أجمل من أن ينشد قصيدتك (بغداد انت حبيبتي) التي ألقيتها في مهرجان تكريم البياتي الخالد لك ورفاقك الشعراء وقنصل العراق في سيدني النجم الكبير الرائع الاستاذ اسماعيل فاضل 
هذا الوسام الدرع صار اخا ً لعشرات الأوسمة التي زينت صدرك وصالونات قصرك الثقافي وارشيفك العامر بمؤلفاتك الشعرية والأدبية والمسرحية والمؤلفات التي كتبت عنك وما زال الادباء والشعراء يكتبون عن مسيرتك الرائدة. 
في جميع أنحاء العالم حيث ينتشر أحرار العروبة 
حياك الله والف مبروك..
وتبقى انت شربل بعيني الوسام الاكبر لانك أسست جائزة جبران التي توزعها رابطة احياء التراث العربي يوم كنت انا أكرم برجس المغوَش من مؤسيسها وأمين سرها وسكرتيرها ويوم قدمها لك سفير لبنان الدكتور لطيف ابو الحسن لك ولي بالنيابه عن الاديب الخالد نعمان حرب وعلى اثر نجاحاتك وتفوقك وكرمك الأدبي والأخلاقي.
وتفضل الدكتور الاديب الشاعر الخالد عصام حداد، رحمه الله، وكان لي شرف اجراء مقابلة صحفية معه في دارتك العامرة (قصر شربل البعيني الثقافي) في سيدني، وصار معهد جبيل للأبجدية الذي أسسه وكان مديره العام الدكتور عصام حداد يمنح المتفوقين والمتفوقات الذين ينتخبهم جمهور المثقفين العرب في وسع العالم الرحب جوائز باسم (جائزة شربل بعيني) السنوية في عدة حقول ادبية وثقافية واجتماعية ونجاحات في جميع الاختصاصات .. ) وقد حصل لي شرف الفوز بها عن الاعلام منذ عشرين سنة تقريباً.
أخيراً، أحب أن أقول بأن الشاعر حيدر كريم قدّم شربل بعيني ليلقي قصيدته كعميد للأدب المهجري، ولم يحتج أحد من الشعراء والادباء الذين كانوا هناك. لأن الكل يعلم أن شربل بعيني والد الأدب المهجري، وقد اعطاه فكره ووقته وماله، ونشر العشرات من الكتب، وكتبت عنه آلاف المقالات وعشرات المؤلفات، وما زال يعطي. 
ولكي أختبر معدن هذا الصديق الكبير، سألته ونحن عائدان في سيارته:
ـ ألم تفرح بلقب عميد الأدب المهجري الذي قدموك به؟
فضحك وقال:
ـ أنا أفرح باسمي فقط: شربل بعيني.. وما الألقاب سوى ثياب فضفاضة لا يفرح بها سوى أصحاب الرؤوس الفارغة. ولكن لمعلوماتك أخي أكرم هذا اللقب ليس بجديد علي فلقد لقبتني به قامات أدبية كبرى، من بينهم الشاعر العراقي العملاق يحيى السماوي.
فسألته مجدداً:
ـ ألم تنزعج لأنهم تركوك للآخر كي تلقي قصيدتك؟.
ـ أنا من طلب ذلك.. لأنني أؤمن أن الكلمة الجميلة ستشع أينما ألقيت وفي أي وقت كان.
ـ ألم تفرح وانت تستمع الى صوت الفنان الكبير اسماعيل فاضل وهو يغني قصيدتك: بغداد أنت حبيبتي؟.
ـ كدت أطير من الفرح.. وفي نفس الوقت شكرت الله على نعمة الصوت الرائع التي وهبها لأخي وصديقي الفنان القدير اسماعيل فاضل.
هذا هو شربل بعيني لم أسمعه قط يحارب أحداً أو يقف حجر عثرة في طريق تقدم أي كان، لا بل يمد يد المساعدة لمن يطلبها.
اطيب السلام والف مبروك يا أخي شربل.
وأنت أيضاً يا أخي اسماعيل فاضل الف مبروك على تكريمك، لا بل تكريمنا بصوتك الخلاب.
واترككم مع فيديو الأغنية التي ترافقها الأبيات الشعرية على الشاشة مع صور عن بغداد:
أكرم برجس المغوَش 
سيدني / استراليا

الحل.. حكومة "تكنوقراط" توافق وطني سياسي أم ماذا؟/ راسم عبيدات

في ظل انسداد أفق العمل السياسي وتعمق وتكرس الإنقسام وعدم دوران عجلة حكومة الوفاق الوطني،وفي ظل التطورات الجارية على صعيد إنجاز هدنة طويلة الأمد بين "حماس" ودولة الإحتلال،حيث المحادثات بينهما قطعت شوطاً كبيراً برعاية عربية وإقليمية ودولية،بما في ذلك الأمم المتحدة،والمسألة لم تعد مجرد "دردشات" او تفاهمات شفوية،كما يحلو لقياديين في حماس القول.ونحن لسنا بصدد النقاش في هذا الجانب،ولكن المهم هنا  القول بأن تلك من العوامل التي دفعت بحكومة الحمد الله الى تقديم الإستقالة او إقالتها.

 واضح اننا سنعود ل"تجريب المجرب" فنحن في تشكيلات الحكومة السابقة كانت هناك حكومات "تكنوقراط" ومستقلين وحتى حكومة بصيغ وطنية،وهذا الحكومات المتعاقبة لم يحصد القائمين عليها سوى الفشل والإفشال،فهي لم تحقق الهدف الأساسي من التكليف،سواء على صعيد تحقيق تنمية أو معالجة الهموم والمشاكل الحياتية للناس وتثبيت الأمان والإستقرار والسلم الأهلي والتحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية،والحد والتخفيف  من حالة الإحتقان السياسي بين مركبات العمل السياسي الوطني والإسلامي الفلسطينية،وبالذات منها طرفي الإنقسام (فتح وحماس)..

حكومة رامي الحمدالله المستقيلة والتي تشكلت على أساس معالجة الهموم والقضايا الحياتية في قطاع غزة على وجه التخصيص،والقيام بمشاريع تنموية تعمل على تخفيف حدة التناقضات الإجتماعية هناك،وكذلك تقليل نسبة الفقر والجوع والبطالة،والعمل على تحسين شروط وظروف حياة الناس،والتي باتت أقرب الى الجحيم،وهذا يتطلب معالجة ملفات جوهرية  مثل رفع الحصار وإعادة الإعمار وفتح المعابر وبالذات معبر رفح وحل رواتب موظفي سلطة حماس ال(40) ألف وإعادة المشردين الذين شردوا في الحرب الأخيرة بفعل العدوان الإسرائيلي ببناء مساكن لهم.

 هذه الملفات فشلت حكومة الحمدالله في معالجتها على مذبح الأجندات والأهداف والمصالح الخاصة  ل(فتح وحماس) والفئوية والتدخلات العربية والإقليمية والدولية واسرائيل في الشأن الفلسطيني،يضاف لذلك بان وضعاً جديدا نشأ عن هذا الفشل،هو ان قيادة حماس وجدت انه من اجل ضمان بقاء حكومتها وسيطرتها على القطاع وحل مشاكلها المالية والسياسية،وكذلك حل المشاكل الحياتية المتفاقمة للجماهير،من جوع وفقر وبطالة وازمات كهرباء وماء وصرف صحي وبنية تحتية،فإن خيار عقدها لهدنة طويلة مع "اسرائيل" قد يشكل لها مدخلاً مهماً في إيجاد حلول لتلك المشاكل،وهي تقول لسلطة رام الله "ما في حدا أحسن من حدا"،ورغم الخطر الجدي في هذا الخيار من خلق حالة كيانية في قطاع غزة مقابل تحسين ظروف حياتية،ميناء عائم،وايجاد حالة من التقاسم الوظيفي المدني مع السلطة في الضفة وإبتلاع القدس،إلا ان حماس تقول بأنه لن يكون هناك دولة في قطاع غزة،والمسألة ليست بالقول والنوايا،ولكن بما يخطط له الإحتلال.

حل حكومة الحمدالله او تقديمها للإستقالة،قد يكون من اجل ممارسة ضغوط على حماس لثنيها عن الإستمرار في مفاوضاتها مع "اسرائيل"،وحماس تقول بأن حل الحكومة بدون مشاورتها وموافقتها يعني التنصل من اتفاق الشاطىء،وتحلل حماس من التزاماتها تجاه حكومة الوفاق الوطني.

المسألة ليس في تشكيل الحكومة من جديد برئاسة الحمد الله او غيره،والتي على الأرجح ان يكلف بها من جديد بعد لقاءه باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير يوم الإثنين القادم،وليس المهم هي حكومة "تكنوقراط"،أو مستقلين او حكومة توافق وطني سياسي،بل ما هو البرنامج الذي ستقوم عليه هذه الحكومة؟؟؟ وهنا يبنى عليه الفشل والنجاح،فالحكومات يتم استحضارها لتجاوز وحل ازمات وليس تقيدها وتأبيدها، وفي ظل ما نشهده من اتساع حدة وعمق الخلافات بين طرفي الإنقسام،فهذا الإنقسام تستطيل مداياته ويتكرس،ولذلك الأولية يجب أن تكون لإنهاء الإنقسام على تشكيل أي حكومة وتحت أي مسمى،فما فائدة وما هو الإنجاز الوطني الذي سيتحقق من تشكيل حكومة بدون برنامج وطني متفق عليه وطنياً وإسلامياً،وهل الخطوط السياسية هذه ستحترم ام سيضرب بها عرض الحائط؟؟وهل ستنجح تلك الحكومة بخطوطها السياسية في حل مسألة ما يسمى بالمؤسسات السيادية من حيث المهام والوجود والهدف..؟؟فهذه المؤسسات لم تبنى على أساس وطني،بل بنيت على أساس فئوي،نمت فيها مصالح للكثيرين المستعدين لهدم المعبد على من فيه في سبيل الحماية والدفاع عن تلك المصالح،وكذلك مسألة الإنتخابات،هل هي قادرة على الحسم في هذا الجانب؟؟؟،حيث حماس،ترى في الإنتخابات  انها شاملة ومتزامنه مجلس وطني وتشريعي،وفتح بالمقابل تقول بتعذر ذلك.

نحن الآن حقيقة في أزمة مفصلية جداً خطيرة،مرحلة كل المؤشرات تقول بأن المشروع الوطني يجري تفكيكه،والقضية الوطنية تصفى وللأسف بأيدي ومشاركة فلسطينية،أزمتنا لا ينفع ولا يفيد معها  تسمية نوعية الحكومة،فلا يصلح العطار ما أفسده الدهر،فنحن لا نريد حكومة تعيد إعادة إنتاج العقم السياسي والتنموي،بل المطلوب تغيير جوهري في السياسات ومنهج العمل،يجب ان يتم خلق حالة من الوعي والضغط الشعبي من اجل إسقاط ما هو قائم، وقبل تشكيلة أي حكومة مهما كان نوعها وشكلها،فالأولية يجب ان تكون لإنهاء الإنقسام،وعلى الجماهير ان ترفع شعارها الناظم لتحركاتها " لا شرعية لأحد في ظل الإنقسام"،وهذا يحتاج الى تشكيل أطر ولجان جماهيرية حقيقية،بقيادة مركزية تقودها وتوجهها مع امتدادات فرعية لها في كل  القرى والمدن،تأخذ على عاتقها    ومن خلال حواضن تنظيمية من القوى الشعبية والمجتمعية والحزبية العمل على إيجاد أساليب ضغط جماهيرية جدية وفاعلة على السلطة في رام الله وسلطة حماس في القطاع،من أجل وضع حد للإنقسام،كأن يتم الإعتصام الدائم امام مقراتها الرئاسية ورئاسة الوزراء بشكل دائم وبجموع غفيرة،تطالبها بإنهاء الإنقسام.

لن يضيع جبل العرب بين العمائم والياقات؟/ سعيد نفاع

"ما يُرى من هنا لا يُرى من هناك" مقولة متداولة على لسان أحد القادة الإسرائيليّين الذي تغيّرت مواقفه حين تسنّم سدة الحكم عن مواقفه وهو خارج السُدّة، ولا بأس أن نستعيرها في مقالتنا هذه. فما يُرى عبر الإعلام في الصالونات لا يُرى عبر منظار جندي الجيش العربيّ السوريّ في الساحات، ولذا فمن الصعب الحُكم على التحركات الأخيرة التي قام بها هذا الجيش، أحببتَه أم كرهتَه، والذي خاض حتى الآن حربا لخبطت عقول كل الخبراء العسكريّين محبّين وكارهين.
هذا الجيش انسحب من العديد من المواقع، ولم يترك عناصره وحارب بشراسة لإنقاذ من تخلّف منهم لسبب أو لآخر كما حصل في مشفى جسر الشغور ونجح، وما زال يخوض مع حلفائه من المقاومة حربا في القلمون في تضاريس شبه مستحيلة وينتصر، وهذا بحدّ ذاته يجعل المقولة "ما يُرى من هنا لا يُرى من هناك" أكبر زخما، ولذا لن أذهب بعيدا تحليلا لتلك التحركات "الإنسحابيّة" وبناء الخلاصات عليها.
ولكن هذه التحركات أو التموضع وبغض النظر عن دواعيه وأسبابه، وإن كان وبحق يقلق البعض، لم يثر مثل هذه العاصفة الهوجاء التي ثارت عندما قارب هذا التحرّك أو التموضع أكناف جبل العرب. 
فلماذا؟ وهل سيضيع جبل العرب بين العمائم والياقات؟!
جبل العرب كان هدفا للحركة الصهيونيّة منذ أن حلّت في منطقتنا وفي سياقين، الأول: برنامجها الذي أسمته تحالف الأقليّات الدروز والعلويّين والموارنة واليهود وهذا معروف ومشهور، أما الثاني والأقل شهرة ومعرفة: ترحيل دروز فلسطين إلى الجبل والاستيلاء على قراهم وأملاكهم للمهاجرين اليهود مقابل دعمهم ماديّا في الاستيطان في الجبل وتعزيزا لمشروعها أعلاه. (راجع كتابي: العرب الدروز والحركة الوطنيّة الفلسطينيّة حتى ال-48، الفصلان الرابع عشر والخامس عشر)، ويكفي للدلالة الاقتباس الآتي من تقرير لإلياهو أفشتاين المسؤول حينها في القسم السياسي في الوكالة اليهوديّة والمتخصص في شؤون سوريّة ولبنان (أرشيف الهجاناة تل- أبيب المصدر  رقم 5أ-8ب): 
"إسكان الدروز في الأراضي المتروكة في الجبل يجلب الفائدة الاقتصاديّة ويمنع تسلط البدو عليها... سكان الجبل 70 ألفا منهم 57,764 من الدروز، 6 نسمات لكل كم مربع، يعني أخفض النسب في الاكتظاظ في أرض الانتداب الفرنسيّ وإضافة 10 آلاف درزي من أرض إسرائيل أمكانية سهلة... هذا يقوي الدروز في الجبل سياسيّا ويقوي مطالبهم في الاستقلال الذاتي...".                
من نافل القول أن نقرّر أن إسرائيل هي الرابح الوحيد في المنطقة من الأزمة العاصفة اليوم بالدول العربيّة، وهي التي تفرك اليوم أكفها بهناء ما بعده هناء، والمحاولات الحثيثة التي كانت وما زالت لشقّ أبناء الشعب العربيّ السوريّ عن بعضهم البعض وعن قيادتهم هي اليوم أكثر وأخطر، والخوف الأكبر اليوم هو استغلال الواقع الجديد وتهويله لا بل تأجيجه لعلّها تُسقط في شباكها أهل الجبل، وأدواتها ممن يلبسون من نسيجها باطنا، وظاهرا "لبوس الغيرة" على أهل الجبل بحكم الانتماء المذهبيّ.    
ومن باب ذكّر إن نفعت الذكرى، فقد انشغلت مراكز الأبحاث الإسرائيليّة في الأزمة السوريّة من بداياتها، وعكفت بشكل خاص على القيام بمحاولات تسليط الضوء على محتوى ومضمون الحدث السوريّ وتداعياته على الدولة العبريّة، وفي هذا السياق فقد نشر مركز (اورشليم للسياسة العامة)، ومقره القدس الغربيّة العديد من الاوراق البحثية التي حاولت بلورة رؤية محددة ازاء حركات الاحتجاج السياسي الشرق اوسطية، وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بالحدث السوري. 
فما هي مكانة الحدث السوري في الادراك السياسي والاستراتيجي الاسرائيلي وعلى وجه الخصوص الإدراك اليميني، الذي يمثله المركز المذكور؟
نشر المركز على موقعه الالكتروني، ورقة بحث، اعدّها البروفيسور الإسرائيلي أيال زيسر، حملت عنوان (الانتفاضة السورية، التأثيرات على إسرائيل)، ..... "وأما بالنسبة لسورية، فقد اوضح زيسر، الذي يُعتبر مرجعًا في الشؤون السوريّة بالدولة العبريّة، انّه في حالة صعود حركة الاخوان المسلمين السورية (النصرة)، فإنها سوف تدفع باتجاه ابعاد دمشق عن ايران وحزب الله اللبناني، اضافة الى انّ رموز هذه الحركة من خلال علاقاتهم مع النخب الاردنية والسعودية والنخب التركية، والامريكية والغربية الاوروبية، سوف يعملون باتجاه بناء افضل الروابط مع امريكا وبلدان اوروبا الغربية، وخلص البروفيسور زيسر الى القول انّه واذا اضفنا الى ذلك الحقيقة القائلة انّ دمشق البديلة سوف تكون هي دمشق الضعيفة، فانّ خيار صعود جماعة الاخوان المسلمين السورية هو الافضل بالنسبة لإسرائيل". 
جدير بالذكر في هذا السياق الى انّه بالرغم من انّ الخبير الاسرائيليّ يُفضّل خيار استبدال سوريّة القويّة بسوريّة الضعيفة، فقد كان لافتا اعترافه بالحقيقة الاتية: 
"ما زالت فعاليات الحدث السوري الاحتجاجية مقتصرة حصرا على جزء صغير محدود من المجتمع الاسلاميّ السنيّ، وليس كله، بالإضافة الى ذلك، قال انّ المجتمع الدرزي ما زال بعيدًا عن المشاركة في الاحتجاجات، وبالنسبة للمسيحيين السوريين فقد حسموا الامر لجهة خيار دعم نظام البعث القوي، وفي ما يتعلق بالأكراد، فعلى الرغم من خلافهم مع النظام الحاكم في سوريّة، فانّ السواد الاعظم منهم، اصبح حاليا، اكثر اهتماما بالوقوف بعيدا ومراقبة الامور عن كثب، وذلك عملا بالمبدأ القائل: دعنا ننتظر ونرى، على حد تعبيره. 
يُشار الى انّ الموقف الذي طرحه زيسر يتساوق مع موقف رئيس الموساد السابق، مئير دغان، الذي اكد مؤخرا على انّ سقوط نظام البعث في سوريّة، هو الافضل بالنسبة للدولة العبريّة".
قديما كان إن طرأ طاريء في الجبل أو وادي التيم أو الشوف أو الجليل واستدعى طلب الدعم، يكفي أن تشعل النيران على قمة جبل شيحان في الجبل والشيخ في التيم والباروك في الشوف والجرمق في فلسطين، ليتقاطر المتطوعون خيّالة ومشاة إلى مصدر النار دون كثير تمحيص ودون تردد. 
اليوم صارت التخنولوجية تقوم مقام النار، ولكن في تلك الأيام كان القيّم على إشعال النيران معروف ومحدّد، أما اليوم فكل حامل جوّال، وكل صاحب حساب على الفيسبوك، وكل محطة سفك دماء، وكلّ سياسيّ فيهم ومن خارجهم رهن نفسه للشيطان، يُشعلون النار على هواهم، فيتقاطر أصحاب عمائم ملأى بالسياسة والارتباطات إلى الاجتماعات والخطب الناريّة، وذوو ياقات منشاة في عواصم القرار إلى الشاشات، وكلّ يهد ويرعد حاسبا أن زفير الخطب سيطفيء النار التي هبّت مؤخرا عالية على جبل شيحان في الجبل.        
 يبزّ كل هؤلاء "قيادات" درزيّة إسرائيليّة رهنوا أنفسهم منذ أن حلّت إسرائيل وبعضهم قبل حلولها للحركة الصهيونيّة، ليروحوا يدبلجون البيانات و-"ينخّون" بسطاء الناس أن هبّوا لنجدة أخوتنا (طبعا ماديّا والله وحده يعلم إلى أين تذهب تلك الأموال التي يقتطعها البسطاء من قوت أبنائهم)، مروّجين أن إسرائيل هي المنقذ وبعد أن تخلّى النظام عن أهلنا(!). 
فمتى صار هؤلاء أخوتهم ومتى صارت سيدتهم إسرائيل "فاقعة الدرّة" على دروز الجبل وهي التي تمدّ مرتكبي المجازر في حقّهم، جبهة النصرة، بكل أسباب البقاء؟! وفقط بالأمس منعت حتى التواصل معهم، وحاكمت وحكمت بالسجن الفعليّ كل من عمل على هكذا تواصل؟!  
ربّما يبدو كلامي أعلاه للبعض كما "النائح في الحفل"، ولكني على يقين غير متزحزح، وحتى لا يضيع أهل الجبل بين عمائم وياقات كتلك وبالذات الإسرائيليّة، وعمائم وياقات من عندهم المرتبطة بتلك، ما لهم إلا أنفسهم ووحدتهم وأبناء شعبهم السوريّ بكلّ أشرافه من كل شريحة، وقبل كل ذلك جيشهم العربيّ السوريّ وقيادته.
الحرب العدوانيّة على سوريّة هي حرب وجود وحتى إن لم تكن كذلك بداية أو حسبها البعض أنها لم تكن كذلك، فلا هزيمة في حروب الوجود فإما النصر أو النصر، ومثل هكذا حروب هي طويلة، ولا حاجة أن يكون الإنسان خبيرا عسكريّا، ليقرّر أن في مثل هكذا حروب، المحارب بحاجة ل"راحة محارب" وبحاجة لترتيب وإعادة تموضع، والتموضع يتم عادة في الأماكن التي يأمن فيها ظهيره، والجبل لم يكن يوما إلا ظهيرا وطنيّا قوميّا.
أواسط حزيران 2015
Sa.naffaa@gmail.com          

قَـدَّيْـش طَالَتْ قصّـتَـكْ يَـا لَـيْـلْ/ محمود شباط


مهداة إلى ابن أختي الأسير الحبيب وائل
**************** 
قَـدَّيْـش طَالَتْ قصّـتَـكْ يَـا لَـيْـلْ
انشالله ما عاد تْـطَـوِّلْ الـقـصَّـة
وائِـل بْـمَـيْـلْ وطـفـلْـتَـيْـن بْـمَـيْـل 
وأهْـل وأَحِـبَّـه كْـثــار بـالـغَـصَّــه
حَـمْـزه وسُـهَـيْلا صَار نَـجْـمْ سْـهَـيْـلْ
عَـنْـهُـنْ صَـدَى الأخْبَـار يْـتْـقَـصَّـى
أخْـبَـار فِـيْـهَـا ذْرُورْ بَـنّْ وْهَـيْـلْ
وأخْـبَـار فِـيْـهَـا للـنَّوَى مْـنَـصَّـه
وأخْـبَـار فِـيْهَـا من الـمَآسِـي وَيْـلْ
وأخْـبَـار فِـيْـهَـا من الأَمَـلْ حْـصَّـه
طـافُـو الـزُّبَـى مـن سَـيْـل بَـعْـد السَّـيْـلْ
و خِصَّـه !!! كَأنُّـو نَـاسْ مَـا خَـصَّـا !!
طَـافْ الصَّـبْـر من كَـيْـل خَـلْـفْ الْـكَـيْـلْ
و طـلْـعِـتْ أصُولْ الـنَّـصّْ عَـنْ نَـصّـا 
بالله يا اهْـلْ الخَـيْـرْ شـدُّو الْـحَـيْـل 
يـا نَـاس .. يا سلْـطَـاتْ مـخْـتَـصَّـه
لا بْـهَـيْـك بـكْـتَـابُـو دَعَـا الْـفَـادي
ولا بْـهَـيْـكْ شَـرْعْ الـمصْطَـفَى وَصَّى

الخبر في : 18/06/2015


سلالُ البحرِ تشكو الظمأ/ كريم عبدالله

مملكتي مفاتنُ خلجانكِ ../ تعمّدني وصائفُ الينابيع ../ وسماؤكِ تنثُّ عناقيدَ العنب
أحملُ صوتكَ الرقراقَ فوقَ صدري ـــ وشماً بشدوهِ أرشقُ غبارَ السنابل
تقتفي محاراتكِ رمالَ قافلتي ../ تحتاطُ منْ هوسِ الأمواج ../ تمدُّ جذورها جسوراً ../ وعلى نوافذِ الحلم ترتّقُ السواقي
كلّما ترفُّ النداءات ../ يصهلُ صوتكِ ../ يمتطي أوتاري ../ فرساً يعفّرُ عرفهُ بناصيتي
شهقاتٌ تشقّقُ أنينَ سماواتي ـــ وتحتَ ذبولِ خيامكِ تنامُ النجوم
تستيقظُ مرافيءَ كفيّكِ ../ أرصفتها تزخرفُ الأحلامَ ../ تحلّقُ فوقَ أسوارِ فاكهتي
أسماكُ شهواتكِ تلوّنُ التقاويمَ ../ تحطُّ على قفصِ الصدرِ ../ تعلّقُ بوصلةَ العودةِ
أخرجي خناجرَ حنجرتي ../ وقشّري جحيمَ قصائدي ../ فالمرشّاتُ تذرفُ دموعَ النخيل
حلّقي بأجنحتي ../ فالمدائنُ المهدومة ../ تركتْ وحشتها ../ حينَ أطحتِ بصمتِ الأنامل
تعالي وتعرّي عنْ سذاجتكِ ـــ فسلالُ البحرِ تشكو الظمأ
تعالي وأسكبي كنوزَ مناجمكِ ـــ ولُمّي حقائبَ ركاكةِ اللغة
فعندَ الصباحِ ../ ستزهرُ بينَ أقدامي ../ تلويحةُ اللقاء

بغداد
العراق

شيزوفرينيا أم أسر المعنى الجميل للرجولة/ إيمان حجازى

عندما نجد أنفسنا نعاني سجن طرق التربيه التى فرضت علينا ، عندما نجدنا أسرى تفكير غرس في عقولنا ، ونبتت شجيراته في نفوسنا ، فطرح غيطانا من المعتقدات ترسخ ما نعتقد أننا نحاربه ليل نهار .
عندما سألني صديق هل تأثرت شخصيتي بالمجتمع الذكورى الذى يعاني منه مجتمعنا العربي بصفة عامة ومجتمعنا المصرى بصفة خاصة !!؟
عندما سألني صديق عن وضع المرأة في هذا المجتمع وهل هى جاني أم مجني عليه ؟
عندما سألني الصديق لم يكن يدرى أنه يحاصرنى في زاوية ضيقة جدا ، لم يكن يدرى أو ربما كان يدرى أو ربما أراد أن يضيق علي الخناق ليستفز ملكاتى ويخرج محتوى ضميرى نحو هذا الموضوع الشائك .
واكتشفت أننى لكى أجيب على هذه التساؤلات لابد أن أنظر من ثقب الباب على نفسي ﻷرى ما تخبأه لى .... وقد إكتشفت أنني قد تلقيت تربيتي على يد رجل عظيم هو أبى ... 
فقد تعلمت منه ضرورة أن يكون  الإنسان محترما ، تعلمت منه كيف تملكنا الكلمة ومتى وكيف نملكها،  وكيف نستطيع العلو فوق المواقف وكيف نحتفظ بكرامتنا ...
تعلمت منه شرف الكلمة وشرف الفعل وأن الحق يعلو وأن مكانة الإنسان تتحدد بدرجة إحياء ضميره ....
علمنى إن هذه سمات وصفات الرجال ، وعلمنى أن الرجولة صفة جمال لا تقتصر على الذكور فقط ولكن يكون للنساء حظ وفير منها ، وعلمنى ابى أن أكون من النساء ذوات الحظ الوافر من الرجولة.
ولذلك عندما سألني الصديق هل تأثرت المرأة بداخلى بمجتمع الذكور الذى نحيا فيه ....!؟
فوجدتنى لا استطيع الإجابة بكلمة واحدة ...
واعادنى السؤال لسنوات عديدة مضت وقت أن كنت صغيرة ، وقت أن كان والدى رحمة الله عليه على قيد الحياة .
وبعد الكثير من التفكير.....
وبعد المناقشة والأخذ والرد.....
وبعد التذكر والتدبر.....
وجدتني بالفعل واقعة تحت تأثير المجتمع الذكورى
بل وجدتني أسيرة أفكاره وتعاليمه وتقاليده حتى الذى يعتقد أنه متخلف وغير مواكب للأحداث أو للتطور منها .
فأنا مازلت المرأة الشرقية التقليدية التى لا تأتمن الغرباء ، التى لا تحادث المارة في الشارع أو وسائل المواصلات إلا للضرورة القصوى ، التى لا تجرى مكالمات مرئية مع أحد خارج نطاق الأسرة والمحارم ، التى لا تدخل حجرات المحادثات الإجتماعية إلا مع من يتوثق علاقتها بهم سواء من الأصدقاء أو المعارف .
وجدتني المرأة التى مازالت متحفظة فى رفع صورها الشخصية على صفحات التواصل الاجتماعى ، كما وجدتني المرأة التى مازالت متحفظة فى مواعيد خروجها من منزلها وعودتها ،،،،، ووجدت المرأة التى تقع أسيرة كلمتها ولذلك أتصرف بجدية فى محيط عملى وكل ما أقوم به فى أمور حياتى .
وتعجبت من نفسي ....
ﻷني ممن يطالبون بالحرية
وممن يطالبون بالاستقلال عن سجن الرجل أو عن الاحتلال الذكورى فى حياة المرأة .
ولكن أيضا بعد الكثير من الحيرة ، لم يخرجنى منها سوى قبس من نور الرجولة .... بعض من ذكرى أبى ...لأنه حين علمنى الحرية علمنى أيضا قانون هام لا تقوم للحرية قائمة بدونه وهو 
أنت حر ما لم تضر ....مالم تضر نفسك مالم تضر الغير
وإذا كان لكل قانون لائحة تنغيذية له تخبرنا بكيفية التعامل مع بنوده فلائحة هذا القانون التنفيذية هى ....
إن حرية الفرد تقف عند حد حرية الآخرين .......
وهنا كان لابد أن أجيب على الصديق بأن نعم تأثرت شخصيتى جدا بالمجتمع الذكورى الذى تربيت فيه ومن خلاله ولكنى اطبق أحكامه بعقلى الذى يديره التحرر بشرط ألا أجور على حق المجتمع وألا أضيع حق من حقوقي .
فهل أنا هكذا أكون مريضة بالشيزوفرينيا أم مريضة بالرجولة الحقة الجميلة فى مجتمع الذكورة .
إن كان تأثرى بمعنى الرجولة الجميلة فى مجتمع فقد _للأسف الشديد _ معنى الرجولة الجميلة ، النخوة والشهامة والمروءة والدم الحامى والجرأة والكرى،، تأثر مرضى فيا مرحبا به من مرض .
وبعد أجدنى أقر وأعترف بأنى على هذا تربيت وعشت وسوف أظل أحيا ، وإن كنت أستشعر الأسر فسأظل أرحب به حتى وإن رآني البعض متخلفة عن ركب التقدم .
وسأظل المرأة التى تعشق المعنى الجميل للرجولة الحقة البعيدة كل البعد عن معنى الذكورة .
وسأظل الإنسانة التى تطلب التحرر وتطالب به من أسر الذكور ، برغم إيمانها بكل معانى وجمال الرجولة الحقة التى تغلف حياتها .
ليقل من يقول إنها شيزوفرينيا ......
وليرانى مريضة من يري ....
المهم عندى هو ما أعتقده أنا وما أراه صحيح يتطابق مع ما تربيت عليه وقت أن كان يحيي بيننا من رباني وزرع في ما أعتقده من مبادئ تحيي معنى الرجولة 
إلا هل بلغت اللهم فاشهد. .....

لا إعتذار للأقباط وعذركم مقبول/ أشرف حلمى

قبل ان أسطر مقالى هذا أود ان أذكر أولاد المسيح ان دمائكم ليست رخيصة كما انتم تعتقدون بل أنها لا تقدر بمال لانكم صورة وابناء المسيح على الارض فكما كان السيد المسيح له كل مجد مضطهداََ من اليهود فى بلاد اليهودية حينما كانت مصر بلد الامن والأمان والتى أحتمت بها العائلة المقدسة حفاظاََ على طفل المزود ملك الملوك ورب الارباب والإنجيل الذى نؤمن به يشهد بذلك  كذلك انتم مسيحى مصر مضطهدون فى بلادكم منذ الغزو العربى .
فدماء المسيح التى سالت على الصليب كم هى غالية عليكم والتى تحاربون وتتسابقون من أجل تناولها كل قداس هكذا تسابق ابناء المسيح من بعده كى ما تسيل دمائهم نظير تمسكهم بإيمانهم وينعمون بشهادة مقدسة يعترف بها غير المؤمنيين وكتب السنكسار مليئة بالعديد من هؤلاء هكذا انتم الان .
فالمسيح الذى تعذب كثيراََ ومات على خشبة الصليب سامح رؤساء اليهود الظالمين وقادتهم الدينيين الذين حرضوا لهذه العذابات وطلب لهم المغفرة  قائلاََ "يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لو23: 34) ولم يطالبهم بالاعتذار ولانكم اولاده فأنتم غير مطالبون بالإعتذار من أحد كتعاليم الكتاب المقدس بل عليكم بالإعتذار اذ اخطأتم فى حق احد.
فمنذ الغزو العربى لمصر لن ولم نسمع عن اى ملك او رئيس مصرى شجاع قام بالإعتذار لمسيحى واحد فالجرائم التى قام بها الغزاة العرب تجاه المسيحيين لا حصرة لها والجرائم التى مازالوا يعانون منها مستمرة ولم تتوقف لان الرؤساء قد ورثوا سياسة إضطهاد المسيحيين طبقاََ للدساتير البدوية التى اعتبارت المسيحيين مواطنون من الدرجة الترسو فلا إعتذار لهم .
فالمسيحيون شاركوا اخوتهم المسلمون فى جميع الثوارات منذ ثورة 1919 بحثاََ عن الكرامة الضائعة وحقوقهم المسلوبة والعادلة المفقودة والحياة المستقرة ولكن هناك مخططات عربية برؤوس أموال وهابية للقضاء على المسيحية بمشاركة وخيانة لصوص الثورات فلا تنتظروا ايها الاقباط اى إعتذار بل عليكم تقديم الاعذار .
فالرئيس السيسى الذى قام بالاعتذار لجميع المحامين المصريين بعد حادثة أهانه محاميا على يد ضابط شرطة وقف عاجزاََ امام الإعتذار للمسيحيين نتيجة قتل صباح غالى السيدة القبطية بالمقطم على يد ضابط شرطة عديم الضمير داعشى الفكر دون محاكمة فى ذاك الوقت الذى يحكم على الضابط المتهم بقتل  شيماء الصباغ بالسجن المشدد 15 سنة.
فماذا تتوقعون بعد ان صارت مؤسسة الازهر الدينية التابعة للدولة على خطى السلفيين وقامت بإزدرائها الدين المسيحى بعد مطالبة الرئيس عبد الفتاح السيسى بتحسين الخطاب الدينى وذلك بإصدارها وتوزعيها كتابًا مجانيًا  بعنوان« لماذا أنا مسلم ؟ » للإرهابى محمد عمارة رئيس تحرير مجلة الأزهر والذى وصف فيه المسيحية بالديانة الفاشلة بعد ان سبقت وزارة الاوقاف واصدت كتاباََ عام 2007 بعنوان ( فتنة التكفير بين الشيعة والوهابية والصوفية) الذى يحرض فيه عمارة الداعشى على المسيحيين ويصفهم بالكفر , أضف الى هذا ما يعانيه المسيحيين على يد دواعش الوهابية من السلفيين بموافقة الامن والشرطة والقضاء منذ غزوة الخانكة وحتى غزوتى المنيا وبنى سويف مروراََ بمذابح الكشح ونجع حمادى ثم كنيسة القديسين ومجزرة ماسبيرو كذلك مسلسلات حرق الكنائس والاسلمة الجبرية وخطف الاقباط والتهجير القسرى لهم .
فالرئيس السيسى معذوراََ فهو لا يستطيع ان يصلح العقول التى أفسدتها التعاليم البدوية منذ قرون فى عام او اربعة اعوام فالطريق مازال طويل وعلى الاقباط الإنتظار حتى تتحرر هذه العقول وتتطهر جميع مؤسسات الدولة من المتاسلمين المتطرفين دينياََ خاصة الشرطه والقضاء والتعليم وتتمدين الدولة ومن ثم يتاهل الشعب للإعتذارات عن الجرائم والتجاوزات التى ارتكبتها الحكومات السابقة والحالية والقادمة فى حقوق الاقباط , فمازال الامل موجوداََ لدى الاقباط بوجود رئيساََ مدنياََ وأخوة مسلمين ليبراليين يؤمنون بعلمانية ومدنيه الدولة لعودة مصر ام الدنيا الى سابق عهدها بلد الأمن والأمان فالتتمسكوا بالاية الإنجيلية  "بها يبارك رب الجنود قائلا مبارك شعبى مصر" (إشعياء 19 : 25) .      

سياسة التوازن بين الأضداد والإخلال بوحدة المجتمعات/ صبحي غندور

تتميّز السياسة الخارجية الأميركية في مجال العلاقات مع الدول والجماعات بالحرص على اعتماد التوازن بين "الأضداد" في البلد نفسه، أو في الإقليم الجغرافي المشترك. ففي هذا الأسلوب، يمكن للولايات المتحدة أن تستفيد من حاجة كلّ طرف لدعمٍ أميركي ضدّ الآخر، ومن التنافس الذي يحصل بين الأطراف المتناقضة على خدمة المصالح الأميركية. أيضاً، فإنّ هذه السياسة تسمح لواشنطن بتهديد طرفٍ ما أو الضغط عليه من خلال الطرف المحلّي أو الإقليمي الآخر دون الحاجة لتورّط أميركي مباشر.
ولعلّ أمثلة كثيرة توضح هذه السياسة الأميركية التي يسير عليها صانعو القرار الأميركي، بغضِّ النظر عن انتماءاتهم الحزبية أو عن الشخص الحاكم في "البيت الأبيض". فواشنطن مثلاً أقامت علاقاتٍ جيّدة جدّاً مع الصين في فترة "الحرب الباردة" لتعزيز الانقسام في "المعسكر الشيوعي" بين موسكو وبكين، ثمّ احتفظت بهذه العلاقات الخاصّة مع الصين رغم سقوط الاتحاد السوفييتي، ورغم التقارب الكبير الذي أقامه النظام الجديد في موسكو مع واشنطن والغرب في مطلع عقد التسعينات. بل إنّ العلاقة الأميركية الخاصّة مع الصين لم تكن على حساب علاقات واشنطن مع اليابان، رغم الصراع التاريخي بين اليابان والصين. وهكذا نجد سياسة أميركية في شرق آسيا مع عدّة دول متباينة، ومتصارعة أحياناً، لكن كلّها تنشد علاقة خاصّة جيّدة مع واشنطن، بما فيها دول كوريا الجنوبية والفيليبين وفيتنام وغيرها.
أيضاً، تظهر هذه السياسة الأميركية المستفيدة من العلاقات مع "الأضداد" في النهج الأميركي مع باكستان والهند، حيث لم تكن العلاقة التاريخية القويّة بين واشنطن وإسلام آباد مانعاً لتطوير وتحسين العلاقات الأميركية/الهندية. فلم تستبدل واشنطن العلاقة مع باكستان بعلاقات جيدة أقامتها مع الهند، بل يمكن القول إنّ واشنطن غضّت النّظر عن تمكّن البلدين من بناء السلاح النووي لتحقيق توازن تديره واشنطن. وربّما سنشهد قريباً حالة مشابهة من "التوازنات الأميركية" في منطقة الخليج العربي، بحيث تعزّز واشنطن علاقاتها العسكرية والأمنية مع دول "مجلس التعاون" في الوقت نفسه الذي تتحسّن فيه العلاقات الأميركية/الإيرانية، إضافةً إلى استمرار تركيا في عضوية "حلف الناتو"، رغم ما بين هذه الدول في هذا الإقليم الجغرافي من تباينات وصراعات أحياناً.
وعلى صعيد الدول العربية، نجد واشنطن تمارس سياسة "التوازن بين الأضداد" داخل بعض هذه الدول حتّى في مسائل محلّية داخلية. فمؤخّراً زار واشنطن رئيس إقليم كردستان في العراق، مسعود ملّا مصطفى بارزاني، من أجل الحصول على دعم أميركي لإعلان استقلال الإقليم عن العراق، وقبل زيارته شهدت واشنطن لقاءاتٍ مع عددٍ من الزعماء السياسيين العراقيين المنتمين إلى المناطق ذات الغالبية العربية السنّية، والذين يسعون إلى دعم أميركي أوسع لهم في داخل التركيبة السياسية العراقية. وقبل هذا وذاك، زار واشنطن في شهر نيسان/أبريل 2015 رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي لطلب مزيدٍ من السلاح والدعم المالي والسياسي. فالأطراف العراقية الثلاثة، المتباينة فيما بينها، كانت متّفقةً على الحاجة للعلاقة الخاصّة مع واشنطن! عِلماً أنّ واشنطن هي من أطلقت، بعد غزوها للعراق عام 2003، تعبير "المثلّث السنّي/الشيعي/الكردي"، وهي التي فكّكت الجيش العراقي الواحد، وهي التي أقامت حدود إقليم كردستان منذ العام 1991 تحت مبرّر "منطقة الحظر الجوي"، وهي التي دعا فيها نائب الرئيس جو بايدن، حينما كان عضواً في مجلس الشيوخ، إلى تقسيم العراق، وهذا ما يُطالب به الآن أيضاً بعض أعضاء الكونغرس الأميركي، ولعددٍ منهم علاقاتٌ خاصّة جداً مع إسرائيل و"اللوبي الصهيوني" في أميركا.
مثالٌ آخر عاشته السياسة الأميركية في مصر، قبل التغيير الذي حدث في تموز/يوليو 2013، حيث كانت السياسة الأميركية هناك تعتمد على "ثلاثيّة" مصرية متباينة لكن تربط أطرافها جميعاً علاقاتٌ خاصّة مع واشنطن. فواشنطن التي دعمت حكم "الأخوان المسلمين" في مصر وأقامت علاقات جيدة مع الرئيس محمد مرسي، كانت أيضاً تحتفظ بعلاقات قويّة جدّاً مع المؤسسة العسكرية المصرية منذ توقيع "معاهدات كامب ديفيد"، وكانت أيضاً تدعم بشكلٍ واسع "التيّار الليبرالي" في مصر (وفي مقدّمته البرادعي)، ومؤسّسات مدنية عديدة مناهضة لحكم "الأخوان" ولأيِّ دورٍ سياسي للمؤسّسة العسكرية. وكان من مصلحة واشنطن الحرص على التوازن في العلاقة مع هذه "الثلاثيّة" المصرية، واستخدام بعضها كأداة ضغط ضدّ الآخر في حال الاختلاف مع واشنطن، إضافةً إلى أنّ واقعاً سياسياً مصرياً قائماً على التناقضات لن يسمح بقيام دولة مصرية مركزية، ولا بالقدرة على التحرّر من شروط "المعاهدات" مع إسرائيل والولايات المتحدة، ولا طبعاً بالقدرة على لعب دورٍ إقليمي لا ترضى عنه واشنطن.
ولعلّ هذا ما يفسّر سبب غضب الإدارة الأميركية من التغيير الذي حصل في مصر بعد مظاهرات 30 يونيو 2013، والذي أدّى عملياً إلى سقوط "لعبة الثلاثية" وتمركز الحكم بيد قيادة المؤسسة العسكرية، وأنهى أيَّ دورٍ سياسي لجماعة "الأخوان المسلمين"، وهمّش أصوات الجماعات "الليبرالية" المدعومة من أميركا.
ونجد سياسة "التوازن بين الأضداد" تمارسها واشنطن أيضاً في كيفيّة التعامل مع ما يحدث في ليبيا، حيث تقيم الولايات المتحدة علاقاتٍ متوازنة مع الأطراف الليبية المتصارعة الآن، ومع القوى الإقليمية الداعمة لها. وربّما ستكون هكذا أيضاً السياسة الأميركية مع القوى اليمنية المتصارعة الآن، في حال جرى التوصّل لتسوية سياسة للأزمة اليمنية بعد مؤتمر جنيف القادم.
ذلك كلّه يحدث وواشنطن هي الآن طرَفٌ مباشر ومتدخّل في معظم القضايا والأزمات العربية الراهنة. فهي التي أوقفت منذ عقدين من الزمن مرجعية الأمم المتحدة للصراع العربي/الإسرائيلي، وجعلت من نفسها المرجعية والحَكَم بمصير القضية الفلسطينية، في حين أنّها طرفٌ مباشر داعم لإسرائيل في هذا الصراع، و"واشنطن" هي أيضاً عرّاب الاتفاقات والمعاهدات التي حصلت بين مصر والأردن ومنظمّة التحرير مع إسرائيل.
و"واشنطن" كانت قوةً عسكرية محتلّة في العراق، وهي الآن طرف مباشر في تقرير مصيره الأمني والسياسي من خلال المواجهة المفتوحة مع "داعش". وكانت "واشنطن" هي الطرف الحاسم والراعي لما حدث في السودان من انفصال جنوبه عن شماله، كما هي (واشنطن) طرفٌ مباشرٌ في ما حصل ويحصل بما يُسمّى بدول "الثورات العربية" من تطوّرات سياسية وأمنية، وبالجوار الإقليمي لهذه الدول. 
وهناك سعيٌ محمومٌ الآن لتدويل الأزمات الداخلية في المنطقة العربية، ممّا يُعيد معظم أوطانها إلى حال الوصاية الأجنبية التي كانت سائدة في النصف الأول من القرن الماضي. ويترافق مع مشاريع التدويل الجارية حالياً، وجود "واقع حال" إسرائيلي يقوم على سعيٍ متواصل منذ عقد الخمسينات لدعم وجود "دويلات" طائفية وإثنية في المنطقة العربية. وكلّ ذلك يحصل مع استخدام العديد من الجماعات ذات الأسماء الدينية أسلوب العنف المسلّح الذي يستبيح كلّ شيء ويؤدي إلى مزيدٍ من الفتن والتفتّت والصراعات الداخلية.
إنّ التدخل الدولي والإقليمي في شؤون البلاد العربية يتواصل في ظلّ مناخ تزداد فيه الطروحات الانقسامية داخل المجتمعات الوطنية العربية، فما يحدث الآن في عموم أرض العرب، هو تعبيرٌ لا عن خطايا حكومات وأنظمة فقط، بل هو مرآةٌ تعكس الفهم الشعبي العربي الخاطئ للدين وللهويّتين العربية والوطنية، ولمدى خلط بعض المعارضات بين مواجهة الحكومات وبين هدم الكيانات الوطنية، ولسقوط بعض المعارضين والمفكّرين في وحل وهُوّة التفكير الطائفي والمذهبي، وفي التماشي مع رغبات "الخارج" وشروطه للدعم والمساندة!.
*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن
Sobhi@alhewar.com

المصالحة الفلسطينية عقدة المكان أم سوء النوايا/ د. مصطفى يوسف اللداوي

يبدو أن العاصمة الروسية موسكو قد دخلت على خط المصالحة الوطنية الفلسطينية، وأعلنت استعدادها لاستضافة القوى الفلسطينية على اختلاف مشاربها السياسية والعقائدية، إذ أعلن ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسية، ومبعوثها للسلام إلى منطقة الشرق الوسط وشمال أفريقيا، استعداد بلاده لتوجيه دعوةٍ إلى القوى الفلسطينية جميعها للقاء في عاصمة بلاده، وتحت سقف ورعاية الكرملين العريق، لدفع الفلسطينيين للتوافق والاتفاق فيما بينهم، ومساعدتهم على إنهاء الانقسام المرير، بعد أن مضى على القطيعة المفجعة بينهم قرابة عقدٍ من الزمان، وما زال الخلاف مرشحاً لمزيدٍ من سنوات القطيعة والضياع، إذ لا يبدي المتنازعون استعداداً للتوافق، ونيةً صادقةً للتنازل عما يعيق الوفاق ويعقد حل المشاكل القائمة بين الفرقاء، بل يبدو أن الهوة تتسع، والمشاكل تزداد، والتراشق الإعلامي يتصاعد، والاتهامات تتبادل.
فهل تتمكن موسكو من جمع شتات السياسة الفلسطينية، في الوقت الذي عجز فيه الآخرون، وتنجح في رأب الصدع بين الفرقاء، رحمةً بالضعفاء، وإنقاذاً للفقراء، ورأفةً بالشعب المعنى، ومساعدةً للفلسطينيين المحاصرين الممنوعين من السفر والعلاج والعمل، وبل المحرومين من الحياة الكريمة، التي لا يتوفر فيها أبسط أسباب العيش الإنساني، وما كان هذا إلا بسبب الانقسام أولاً، قبل الاحتلال الذي ربما يكون أحد أهم عوامل بقاء الانقسام وتكريس الفرقة والاختلاف بين فئات الشعب الفلسطيني، إذ لا ننكر أنه يعمق الخلاف، وينمي الصراعات، ويرعى الخصومات، ولكن هذا لا يبرئ القيادات الفلسطينية على اختلافها، سلطةً وقوى وفصائل، من تحمل المسؤولية، فهي المدانة لتقصيرها، والمحاسبة عن جريمتها، والمسؤولة عن تأخير حلها.
الأمر غايةٌ في البساطة، وهو ليس معقداً ولا صعباً، ولا شائكاً ولا غامضاً، ولا يحتاج إلى جهودٍ دوليةٍ أو وساطاتٍ إقليمية، فالفلسطينيون ليسوا بحاجةٍ إلى عاصمةٍ عربيةٍ أو أجنبيةٍ لاستضافتهم، وعقد الاجتماعات في بلادهم، ونيل شرف رعايتهم، فأرضهم تتسع للقاء، وهم يعرفون مشاكلهم، ويدركون تناقضاتهم، ويلمسون نقاط الاختلاف وعناوين التوتر، وقد أشبعوها بحثاً، وأغنوها نقاشاً، حتى أصبحت قضاياهم مكرورة، وعناوينهم ممجوجة، يعرفها الجميع، وكأنها نسخة مكررة عن أول اجتماعٍ عقد بينهم، لا اختلاف فيها ولا إضافات عليها، وما على اللجان التحضيرية التي تسبق اللقاءات وتهيئ لها، إلا أن تعد صورةً عن جدول أعمال أول لقاء، ليكون هو برنامج أي حوارٍ فلسطيني جديدٍ في أي عاصمةٍ عربيةٍ أو أجنبيةٍ.
اللهم إلا إذا أرادت قيادات السلطة والقوى والحركات الفلسطينية السفر للاستجمام والسياحة، وقضاء أجمل الأوقات في أضخم الفنادق وأكثرها خدمةً ورفاهية، هم ومرافقتهم ومستشاريهم، وحاشيتهم وأتباعهم، وأحياناً بعض أفراد أسرهم، ينامون فيها ملء عيونهم، ويضحكون ملء أشداقهم، يأكلون ويشربون ويسهرون ويتسامرون ويدخنون الأركيلة، ويرتادون المسابح المغلقة والصالات الرياضية المزودة بكل جديدٍ وحديثٍ مما يرفه عن النفس، وينشط الجسد، ويبعث في النفس حيويةً جديدةً، وأملاً في الحياة الرغيدة، وكأنَّ شعبهم لا يعاني، وأهلهم لا يشكون، وعندهم ما يسري ويخفف عنهم، وقد نسوا أن من سبقهم من القادة كان لا يبتسم وفي رعيته من يبكي، ولا يشبع وغيره جائع، ولا يأكل إداماً ولحماً بينما غيره لا يجد مثله أو أقل منه، ولا ينام إن كان في بلاده من يشكو الحاجة، أو يئن من المرض، أو يكابد الجوع والفقر. 
الفلسطينيون لا يحتاجون وسيطاً لأن يأخذ بأيديهم إلى جادة الصواب أو يضعهم على الطريق المستقيم، أو يقدم لهم المساعدة لينير لهم الدرب ويدلهم على الصواب، فهم يعرفون تماماً أن شعبهم يتطلع إلى الحرية، ويريد الانعتاق من نير الاحتلال الذي ما زال جاثماً على صدورهم، يحتل أرضهم، ويطارد سكانها، ويغتصب حقوقهم، ويقتل أبناءهم، ويريدون أن يتخلصوا من الحصار، وينطلقوا من الأسر الذي يقيدهم، والقيد الذي يكبت حريتهم، ويريدون حكومةً واحدةً، صاحبة سلطةٍ وصلاحياتٍ واضحة، تدير شؤون الوطن، وتعلي أركانه وتثبت بنيانه، وتساعد أبناءه، وتنظر في حاجاتهم، وتعمر ما خربه العدوان، وتعيد اللحمة والوحدة إلى شطري الشعب جغرافياً وسكانياً، الذين انقسموا بين الفرقاء، وتشتتوا بين المختصمين، فضاعت حقوقهم، وتمزقت بلادهم، ودمرت حياتهم وفقدوا مستقبلهم.
أركان المصالحة تقوم على قيادةٍ رشيدةٍ واحدة، تنتخب من الشعب، ويختارها أصحاب الحق في الوطن والشتات، في انتخاباتٍ حرةٍ ونزيهةٍ، شاملةٍ وكاملة، تنتج حكومةً واحدةً محترمةً ومقدرة، تحترم خيارات الشعب، وتلتزم بحقوقه، ولا تفرط في ثوابته، ولا تعتقل أبناءه ولا تعذبهم، وتوقف الاعتقالات المتبادلة، وردود الأفعال الكيدية، ولا تكون للعدو شرطة، وفي يده عصا، يهزها وقت شاء ويضرب بها من يريد، وتسهر على راحته، وتضمن أمنه وسلامته، وتنسق معه لمصالحه، وتقبل باعتداءاته ولا تعترض على سياسته، ولا تقوى على مواجهته خوفاً أو رهباً، أو طمعاً في عطاء لن يكون، ومنحةٍ لن تتحقق.
لم يبق مكانٌ لم يلتقِ فيه الفرقاء الفلسطينيون، ولم تبقَ عاصمةٌ عربية وإسلامية لم تستضف الأطراف الفلسطينية المتنازعة فيما بينها، فقد التقوا في العاصمة السنغالية دكار وفي مكة المكرمة والدوحة والقاهرة وبيروت، وفي مخيم الشاطئ على أرض الوطن في غزة، وغداً في موسكو، وربما بعد غدٍ في مكانٍ آخر، ولكنهم لم يصلوا إلى إتفاق، أو لم يلتزموا باتفاق، ولم يطبقوا شيئاً مما تم التوقيع عليه، وكأن حبر التوقيعات مغشوش لا يصمد ولا يدوم، ولا يطلع عليه نهار، ولا تشرق عليه شمس. 
ليست المشكلة في المكان أبداً، إنما هي في النوايا دوماً، فهي محل الثقة وموضع الاختبار، فالفلسطينيون ليسوا في حاجةٍ إلى راعٍ وسيطٍ أو مكانٍ محايد، ففي أرضهم متسعٌ للقاء، وبينهم عددٌ كبيرٌ من الحكماء، إنما هم في حاجةٍ إلى مصالحةٍ صادقةٍ دائمةٍ واضحةٍ، تقوم على أساسٍ متينٍ من الصراحة والوضوح، بعيداً عن الغبن والخداع، ومحاولات التصيد والإخضاع، تضمن مستقبلهم، وتؤمن سلامتهم، وتوفر لهم فرص العمل الكريم، والعيش الرغيد، ويتعلم خلالها أبناؤهم، ويتزوج شبابهم، ويطمئن شيوخهم، وتهنأ بالعيش أمهاتهم ونساؤهم، ويمضي اتفاقهم ليصنع شراكةً في الوطن، ورفقةً في السلاح، وأخوةً في المقاومة.

دائما معي/ عيسى القنصل

رسالة قصيرة من صديقي الغالي الشاعر عيسى القنصل هزتني ورمتني في بحور الحزن والالم، وجعلتني أصرخ: ما أرخص الانسان. فلقد أخبرني أن رفيقة عمره وملهمته الشعرية، ماتت في فياضانات هيوستن. ألا رحمك الله أيتها "الرائعة" أم عصام كما يحلو لعيسى أن يناديك.. فلقد كنت القصيدة الأروع في حياته، وستبقين هكذا، فحبيبة الشاعر لا تموت. وخير دليل على ذلك ما كتب:

اراها  فى ثنايا   البيت  رائعتي  

برغم  الموت  والتابوت ِ  والكفن  ِ  

تناديني   بنغمتها   

لقهوتنا  ..

وحبات  ٍ مغسلة ٍ من  العنب  ِ  

فناكلها  ُ  

وفي  الاعماق  ضحكتنا  

تعالت عمق  ( مطبخنا  ) 

بلا  الم ٍ من  الايام  والزمن  ِ 

نهاد  ُ  كنت ِ مركبتي  

وطائرتي  ..

جناحي  فى  فضاء العمر والكون ِ  


اراها  جانبي  دوما  

بمركبتي  ..بفرشتنا  ..

ببستان ٍ معبقة  جوانبه  

باعشاب ٍ وازهار ٍ ..

جميل  العطر واللـــــــــــــــون ِ 

نهاد  انت  قافيتي  ..

واغنيتي  ..وما  احلاك ِ من  لحن ِ 

نهاد  ُ  اننى كهل  ُ  

ولا اقوى على الاحزان  ِ والمحـن ِ 

فقلبي  دون  عاشقتي  

واعصابي  ..ممزقة ُ 

كانّي  داخل  ُ  الكفـــــــــــــــــــــــن ِ  

نهاد  ُ  مت ِ  مسرعة  ً  

تركت ِ بداخلى  وجع  ُ 

كعاصفة  ٍ وبركان  ٍ وينبوع  ٍ 

من  التمزيق ِ فى بدنـــــــــــــــــــــي  

غريب  ُ  امر  عالمنا  

فكم  نسعي    بقوتنا  

لنبني  بعض  احلام  ٍ 

ولا ندرى  بان  الموت ..يخطفنا  

على عجل  ٍ  بلا  اذن  ِ  

ستبقي  دائما  جنبى  تراقبني  

وتنصحني  ..

بان  ابقي  بلا وجع  ولا  حزن  ِ  
**
الم وحسره  

فى  رثاء  ام  عصام  الرائعة  


يا دموع  العين ِ هلّي  //  واحرقي  لحم الخدود ِ

وانثري حزني  بعنف ٍ // فوق  اكتاف ِ البعيـــــدِ

فالذى يبكيه  شعري  //  كان  نبضا ً في وريـدي

والذي انعيه  حرفا ً  //كان  عنوان  وجـــــــــودي

كنت  اجري فى حياتي //قاطفا شوك  الـــــــورود

لا ارى نورا  بدربي   //  بل  سدودا  فى ســــدود  ِ

خطوتي  بالعمر ِ رعب ُ //واختناق ُ  بالقـــــــيود ِ

ثم  جاءت كشعاع  ٍ عطفها  نبع  ُ  فريــــــــــــــــد ِ

لا تبالي فى  صعاب  ٍ    همها بذل  ُ  المزيـــــــد ِ

كيف  انعى نصف  عمري  // ضاع  حرفي وقصيدي

يا  نهاد  لا  تغيبي  ///  ارجعى  قربي  وعــــودى

يا  نهاد ُ  يا  نهاد  ُ  //  كيف  ابقى كوحيــــــــــــــد ِ

يا  الهى  يا  الهى     ليس  شعرى  فى جحــــــود

اتما  بركان حزن ٍ   جاء  فى عنف ٍ  شديــــــــــــد ِ

كانت  الانسان  فيّــا        وثمارا ً  للوعــــــــود ِ

قلبها  فجرُ  لعمرى    عطفها  عطر ُ  الورود ِ

لا ترى  بالعمر ِ الا   سعيها  نحو  الجديـــــــــــــدِ

فى عطاء ِ وعطاءٍ   لشباب ٍ  ووليــــــــــــــــــــــدِ

لم  ترى  بالعمر الا   بذلها كل  الجهــــــــــــــود

لعطاء ٍوعطــــــاء ِ    بل  مزيدا ً للمزيـــــــــــــــد ِِ

يا  نهاد ُ كنت عندى    رمزنا نحو الخــــــــــلود

قد  تعاضدنا  لنبنى     بيتنا   بين  الـــــــــــوجود ِ

خاليا  من كل  بغض ٍ  يحتوى  عطر  الورود  

بين احفاد ٍرأينا          بينهم بيت  القصيـــــــــــد ِ

نقطف الايام َ جهدا  ً   نعطهم  ثمر  الجهــــــود ِ

لا نبالى  من  صعاب ٍ او عيون  ٍ  للحســـــــــود ِ

فارجعي  من  عمق  قبر  ..عانقيني  من  جديد

دونك  الايام  تبقى    بعض  ماء ٍ  فى  الوريد  ِ

فارجعى الصخب لبيتى    لا تغيبي  عن  وجـودي

قراءةٌ نقديّة في قصيدةِ (مُزنّرٌ بمئزرِ ملاكي) للشّاعرة آمال عوّاد رضوان/ هيام مصطفى قبلان

مُزنّرٌ بمِئزرِ ملاكي!/ آمال عوّاد رضوان
مَفتونٌ أنا.. بلَيلِكِ العاري يَلبسُني عَهدًا
يتأبَّطُني على حافَّةِ الأُفُقِ
أَنا المَسكونُ بِمَلامحِ براءتِكِ!
لكِن وَحْيكِ الأَرعنَ.. راعٍ وَحشيٌّ ثائرٌ
يَ تَ وَ ا ثَ بُ
مِن
مَرعًى
إلى
مَرمى
يُطاردُ قطعانَ تراتيلي
في مَعابرِ مَعابدي
يُثيرُ غُبارَ أَنفاسِكِ
على مَرمى خُطى القُرنفلِ!
يا البرِّيَّةُ الشّهيّةُ
بِرِئَةٍ مَفتونةٍ.. شَهقتُكِ حُبّا
لِمَ زَفرْتِني هزيمةً مُحرَّمةً.. في أَزقّتِكِ الزّهراءِ
تُطوِّقينَني بِأَزيزِ الرّموزِ؟!
كنتُ حلزوْنةً.. تغُطُّ بسُباتِكِ
بابَ قَوْقَعَةٍ.. قرعتِ
غِشاءَ دهشَةٍ.. شققتِ
تُنبينَها بشذراتِ رِهامِكِ الأَوّلِ
وَهادرةً
سرَتْ بِعوْسجي حرارةُ رذاذِكِ المُترنِّم
أَعرى مِن مِغزلٍ انزلقتِ
إلى محبرتي البيضاء
حُروفًا رثّةً.. ا نْ تَ ثَ رْ تِ
تتدَحرجينَ
على أَشواكِ نِداءاتي الموشومةِ.. 
بِالفقدِ!
بِأَقْلامِ تَمَرُّغِكِ الْوَدِيعِ
قَ لَّ مْ تُ .. أمْواهَ خُطاكِ
و ا قْ تَ فَ يْ تُ
سُلالةَ خوفي المَخبوءِ 
بزهرِ الزّعرور!ِ
أنا الطّاعنُ بالمآسي
بأَسفارِ صُفصُفِ الفِراخِ
هَ رَّ بْ تُ كِ.. زقزقةَ إيمانٍ
وَبرحيقِ توْبةٍ.. رقّيتُكِ
لِتُموْسقيني بغيبوبَتي
غديرًا يُناهِدُ غديرَكِ
لكِنّكِ.. 
مَضيتِ بطباشيري الحزينةِ 
تترَصّدينني
تَرسُمينَ أَنينَ أحلامي الزّرقاءَ
سَيفًا.. يُغازلُ صيفًا ماضيًا في قلقي!
يا المُعجزةُ المُزدهرةُ في ثنايا بَعثي!
بتُؤدةِ الشُّموسِ المُبتلّةِ بالضّياءِ
امْتشقتِ شقاوةَ طاؤُوسِكِ
لتَغزِلَ عُيونُ أرياشِكِ قصائِدي المَخروطيّةَ
أنجُمًا مَسحورةً
تُ
عَ
لِّ
قُ
نِي
في رِقعةِ سمائِكِ سَريرًا  
مَــــثــــ   ــــــقُـــوبًــــا
تَغفو فيهِ حسَراتي!
أَلا يَبزُغُ لحدي الماكرُ مُكلّلًا
بقزَحِكِ التَّوأم!؟

في المجموعةِ الشّعريّةِ "رحلةٌ إلى عنوانٍ مفقود" للشّاعرة آمال عوّاد رضوان، تنهضُ طفلةُ الرّمادِ لتُلملمَ حلمًا سُفِكَ على أعتابِ وطنٍ صعقَهُ النّزفُ، وتثاءبَ على دمعِهِ الانتظار، تحمِلُ نايَ الحزن لتصنعَ مِن المستحيلِ إشراقاتِها المجنّحة، فتتصاعدُ بها إلى لغةِ الجنون والحُلم، تُمارسُ هناكَ طقوسُ التّطهيرِ مِن أجل ولادةٍ نقيّة، تطلُّ ببهجتِها مِن نافذتيْن، تهشّمَ على زجاجِهما الممنوع والمغيّب، باعتبار أنّ الجنونَ والحُلمَ يُشخّصانِ عالميْنِ مِنَ المُحرّم والمحظور، قد تعتبرُهما الشاعرة مُحفّزيْن للتمرّدِ والتّعبيرِ عن الفقدِ والغياب.
الجنونُ في رحلةِ آمال هو التّحرّرُ مِن النّمطيّةِ، والانطلاقُ في الإيقاع الذي شكّلَ في قصائدِها لغةً إبداعيّة مغايرة، تجاوزت المألوفَ عليه مِن أبعادٍ وانزياحات، وصورٍ شعريّة، ومِن تغريبٍ للذات المتكلّمةِ التي استبدلتْها بصوتٍ ذكوريٍّ في قصائدِها. وعلى حدِّ تعبير ميشال فوكو:   "إنّ الجنونَ يُعدُّ أحدُ أشكالِ العقل، حين يندمجُ فيهِ صانعًا إحدى قواهُ الخفيّة، أو لحظةً مِن لحظاتِ التّجلّي وبشكلٍ متناقض".
ولا ننسى أنّ الكتابةَ بلغةِ الجنون والحُلم تُثري مِن الدّلالاتِ والرّمز، لتعديلِ المُنكسِر والمُهشّم الذي تراهُ الشاعرة، فالحُلمُ يأخذنا إلى البحثِ عن الذاتِ الحقيقيّة، كي نستطيعَ أن نُشيرَ إلى أماكنِ الضّعفِ فينا مِن خيبةٍ وفقدان وخسارة، فيتّحدُ الحُلمُ بالجنون رغبةً في المغامرةِ في لحظاتِ رحيلِ الرّوح مِن الجسدِ أثناءَ النّوم، فإنّهُ أشبهُ بتعويضٍ عن الواقع المُعاش في الحُلم الكتابيّ الإبداعيّ وحلم اليقظة، ومِن هنا تحاولُ آمال خلْقَ توازنٍ نفسيٍّ للذّاتِ لتنقيّتِها، مِن خلالِ التّخيّلِ الأفضلِ، ومن خلال اللّجوءِ إلى حضنٍ ومكانٍ تُحقّقُ فيهما رغبتَها المتمرّدة.
أعودُ إلى مقولةِ ماكسيم جوركي: "جئتُ للعالم لكي أختلفَ معه"، وذلك يقودُنا إلى اللّغةِ المتمرّدةِ بشهوةِ الكلام المتزنّرةِ بمفرداتٍ تجاوزت الجُملة العاديّة، ومِن هذا المنطلق فضّلتُ أن أتناولَ قصيدةً مِن المجموعة، قد تتوافقُ بصورةٍ أو بأخرى معَ الرّغبةِ بالخروج عن المألوفِ لتحقيقِ المستحيلِ عندَ الشاعرة، مُزّنَّرٌ بِمِئْزَرِ مَلاَكِي ص91:
مفتونٌ بليلِكِ العاري يَلبسُني عَهدًا/ يَتأبّطُني على حافّةِ الأفق/ أنا المسكونُ بِملامحِ براءتِكِ! لكِن/ وَحْيَكِ الأرعنَ راعٍ وَحشيٌّ ثائر/ يَ تَ وَ ا ثَ بُ/ من مرعًى إلى مرمى/ يُطاردُ قطعانَ تَراتيلي/ في معابرِ معابدي/ يُثيرُ غُبارَ أنفاسِك/ على مَرمى خُطى القرنفلِ!
لغةٌ ساخنة تلتقطُ تمزّقاتٍ جريحةٍ بضميرِ المتكلّم الرّجل في القصيدة، وبتوجّهِ الدّالّ للمدلول بكتابةٍ تدهشُ بمتناقضاتِها، حين يكون الفاعلُ المتكلّمُ هو المفتونُ بليلِها العاري، ليتحوّلَ اللّيلُ إلى فاعلٍ آخرَ يُرخي على المتكلّمِ رداءً يلبسُهُ، كما وثيقةُ التّعهّدِ إلى الأبد، بالرّغم مِن أنّهُ مفتونٌ بالعُري، إلاّ أنّهُ يقودُنا إلى اللّذةِ، حين يتأبّطُ اللّيلَ صديقًا له ليصلَ إلى حافّةِ الأفق، لتبدُوَ اللّذةَ هنا وليدةَ الرّغبة، بتفادي لحظاتٍ قادمةٍ تُراودُ المسكونُ بملامحِها البريئة، و"لكن"؛ المَفصَلَ بينَ الشّعورِ باللّذةِ وبين وحْيِها الأرعن، إذ تتغيّرُ لهجةُ الخطابِ في النّصّ، حيث لحظة الكشْفِ تُثيرُ في القارئِ الخوْفَ مِن هذهِ اللّغةِ الحَرونِ المُتمرّدةِ للشّاعرة، فالوحيُ ما هو إلاّ "راعٍ وحشيٌّ ثائر"، أمّا ملامحُها البريئة التي سكنت العاشقَ، فتتحوّلُ إلى ملامحَ ثائرةٍ هائجةٍ تتواثبُ لمطاردةٍ وحشيّةٍ، مِن المرعى الوديع إلى المرمى، حيثُ يُطاردُ الرّاعي قطعانَ تراتيلِهِ في معبدٍ، يتحوّلُ إلى ساحةِ معركةٍ شبيهةٍ بمطاردةِ ثيرانٍ يَعلوها الغبار، وما الغبارُ الاّ أنفاسها الثائرة، فيناديها: "يا البريّة الشّهيّة"، التي ليست على مرمى حجر، بل على بُعدِ خطوةٍ مِن القرنفل، بينَ لحظةِ الحُلم وتحقيقِهِ، تنفلتُ "الشّهقة مِن رئةٍ مفتونةٍ حُبّا بها "، وهي "تزفرُهُ هزيمةً مُحرّمة":
يا البرّيّةُ الشّهيّةُ/ بِرئةٍ مفتونةٍ شهقتُكِ حُبّا / لِمَ زفرْتِني هزيمةً مُحَرّمةً في أزقّتِكِ الزّهراءِ/ تُطَوّقينني بأزيزِ الرُموزِ؟
وكأنّ الرّموزَ في لغةِ الجنون والحُلم تُطلقُ رصاصاتِها، مُعلنةً عن الحدّ الفاصلِ بين المُحرّمِ والمرغوب. وهنا لا بدّ أن أتوقّفَ للتنويهِ، بأنّ آمال أكثرتْ مِن استخدام حرف الزّاي، الذي يُعدُّ مِن الحروفِ الأسليّة، ومصدرُها مِن "أسلة" اللّسان؛ أي طرفهُ الآخَر؛ إذا كانَ يابسًا على النطقِ بحروفِ الصّفير، مثل "السّين والصّاد والزّاي"، وهي الحروفُ الأسليّة.
وفي بحثِ الصّوتيّاتِ لابن جني في كتابه "سرّ صناعةِ الإعراب" عرض، ذكرَ أحوالَ الحروفِ منفردةً، أو منتزعة مِن أبنيةِ الكلمةِ التي هي مصوغة فيها، ودراسةُ الحروفِ يَعتبرُها ابنُ جني علمًا قائمًا بحدّ ذاتِه، لا يقلُّ أهمّيّة عن الصّرفِ والنّحو، واكتفى ابنُ جني بذِكر الأعضاءِ التي تؤلفُ الجهازَ الصّوتيّ على حدّ قوله: "الصّدر والحلق والفم والأنف".
وكانَ العربُ قد خصَّوْا كلَّ قسمٍ مِن أقسام اللّسانِ باسمٍ خاصّ فقالوا:"عكدة اللسان" أيّ أصله، "أسلة اللسان" أيّ طرفُه الآخر اليابس عن النطق بحروف الصّفير، وهذا ما نحن بصددِهِ هنا.
هكذا بتكرارِ حرفِ الزّاي في الأبيات التي أمامَنا دلالةٌ، على أنّ الحلمَ والأملَ كالفرحِ المكبوتِ المبحوحِ اليابس تحت اللسان، فحرفُ الزاي كالصّاد والسّين، حيثُ يلتقي طرفُ اللّسان بالأسنان، بغضّ النّظرِ من التقاءِ مقدم اللّسان باللّثة، وهذا الالتقاءُ هو الذي يُحدِثُ احتكاكًا يُؤدّي إلى النّطق بالزّاي والصّاد والسّين، حيثُ أنّ حرفَ الزاي المتكرّرَ حرفٌ مجهور، أي في حالِ النّطقِ بالصّوتِ المجهور، تقتربُ الأوتارُ الصّوتيّة أثناءَ مرورِ الهواء، فيضيقُ الفراغ ولا يَمرُّ النّفَسُ إلاّ باهتزازِ الأوتار، فتحدثُ عندَها ظاهرة "الجهر،sonorite"، والتي يُرافقها ما يُشبه "النفخ" دونَ أن يكون لها الضّغطُ نفسُه، كحرف الزاي والظاء والذال والضاد، وجميعُها حروفٌ مجهورة كالتي وردت في الأبياتِ الشّعريّة وأقتبس:
"زفرْتِني، أزقّتُكِ الزّهراء، بأزيز الرّموز".. وهي طبعًا عكسُ الصّوتِ المهموس الذي لا تهتزّ له الأوتارُ الصّوتيّة في حالةِ النطق، وهنا النّشيجُ والتشنّجُ الوتريُّ أدّى إلى ضيقٍ في النّفس، يكادُ يصلُ إلى الاختناق والتقطّع، دلالةً على الصّوتِ الأخرس نطقا.
كذلك أكثرتْ مِن الأوصافِ والانزياحاتِ لخرْقِ جدارِ الرّموز، وتذويتِ اللّغة ببصمةٍ تُحيلُنا إلى مُعجمٍ خاصّ بالشّاعرة، مِن نحْتٍ في الجَمال والأنين والحزن والألم.
أمّا الزّمنُ فمُتحوِّل، نرى المتكلّمَ يعودُ إلى الماضي، فيأخذنا إلى عالمٍ تقاطرَ فيهِ الحُلمُ الورديّ برغم الحزن، بتوظيفِ رموزٍ تزحفُ بنا إلى تصويرٍ لانفعالٍ داخليّ، منحَ الضّميرَ المتكلّمَ رؤيةً أخرى، تلاقحت فيها المجازاتُ والأبعادُ لحدِّ السّعادةِ الوهميّة، وبجُنوحٍ وصْفيٍّ لمشهدٍ يُصوّرُ تلكَ المُتخيّلة.
للشّاعرة آمال عوّاد رضوان مفرداتٌ شعريّةٌ خاصّة مثل: "القوقعة، الغشاء، الشذرات، العوسج، المغزل"، فترسمُ مشهدًا رائعًا لعمليّةِ ألمٍ لذيذٍ بكلّ مُعاناتِه، استحضرت فيهِ "الحلزونة" كرافدٍ مُحرِّكٍ لتعريةِ النّداءاتِ الموشومةِ بالفقدِ والحرمانِ وانزلاق المشاعر فتقول:
كنتُ حلزوْنةً تغُطُّ بسُباتِكِ/ بابَ قوقعةٍ.. قرعتِ/ غِشاءَ دَهشةٍ.. شققتِ/ تُنْبينها بِشذَراتِ رِهامِكِ الأوّل، وَهادرةً/ سرَتْ بعوْسجي حرارةُ رذاذِكِ المُترنّم!
لماذا اختارت آمال الحلزونة؟ مِن المعروفِ أنّ القواقعَ تعيشُ داخلَ أصداف، وأصدافُ القواقع تُماثلُ في التركيب أصدافَ المَحارِ واللّزيق، ويوجد داخل القوقعة قلبُها ورئاتها وجميعُ أعضائِها الهامّة، ويستطيعُ القوقع عادة إصلاحَ الصّدفة إذا كُسرت، ولكن إذا كان الكسْرُ خطيرًا ولم يستطع القوقع إصلاحَهُ، فانّه عادةً يموت.
لقد وظّفت شاعرتُنا في هذه الأبياتِ أفعالًا لاءمت الإيقاعَ الرّاقصَ السّريعَ، في وصفِ صورةٍ شعريّةٍ لانزلاق الحبيبة إلى عالم العاشق الذي اخترقتْ بابَ قوقعتِهِ، بعدَ أن كان في سباتٍ عميق، وشقّتْ غشاءَ دهشتِه، والغشاءُ في الحلزونة متواجدٌ على فتحةِ القوقعة، ليحمي الحلزونة مِن الجفافِ عند سباتِها، لذا فقد كانت الحبيبةُ بالنّسبةِ له رذاذَ المطرِ الأوّل الهادر الذي شقّ غشاءَ قوقعته برذاذِهِا الحالم المترنّم، لتُرطّبَ جفافَ عمْرِهِ، وانزلقتْ بهدوءٍ إلى "محبرتِهِ البيضاء النقيّة:
أَعرى مِن مِغزلٍ انزلَقتِ/ إلى محبرَتي البيضاء/ حُروفًا رَثّةً/ ا نْ تَ ثَ رْ تِ/ تتدحرجينَ/ على أَشواكِ نداءاتي الموْشومةِ بالفقد/ بأقلامِ تَمرُّغِكِ الوديعِ / قَ لَّ مْ تُ/ أمواهَ خُطاكِ/ و ا قْ تَ فَ يْ تُ / سُلالةَ خوْفي المخبُوءِ بزهرِ الزّعرور!ِ
إذن؛ لقد كانَ لها المخلّصَ مِن سيْرِها على الأشواك، حينَ انزلقتْ إلى محبرتِهِ النّاصعةِ النّقيّةِ بحروفِها الرّثّةِ، وبأقلام تمرُّغِها الوديعِ الجميلِ السّاكن، حين قلّمَ مياهَ خطواتِها واقتفى أثرَها.
هنا في هذه الصّورة؛ "قلّمتُ أمواهَ خطاك"، تناصٌ من عجائب السّيّد المسيح حين مشى على سطح الماء، فالسفينة التي كان تلاميذه في داخلها قد صارت في وسط البحر، ويظهر أن الريح كانت مضادّة، فكانت تعاكس السفينة وتلعب بها، حتى كادت تنقلب، فخاف التلاميذ خوفًا عظيمًا، وظنّوا أنّ نهايتهم قد اقتربت، وعندما رأى المسيح تلاميذه في خوفهم، أراد أن يهدّئ من روعهم، فذُهل إليهم ماشيًا على الماء، "فلما أبصره التلاميذ ماشيًا على البحر اضطربوا قائلين: إنه خيال.. ومن الخوف صرخوا، فللوقت كلّمّهم يسوع قائلًا: تشجعوا أنا هو.. لا تخافوا (متى 14: 26-33).
وتضيفُ الشّاعرة: و ا قْ تَ فَ يْ تُ / سُلالةَ خوْفي المَخبوءِ بزهرِ الزّعرور!
وكأنّه الأبُ المُخلّصُ الذي جاءَ إلى الكينونةِ، ليقتفيَ أثرَ سلالةِ خوفِهِ مِن المخبوءِ له "بزهر الزعرور"! الزّعرورُ نبتة كانت تُعرَفُ في القرون الوسطى كرمزٍ "للأمل" وتأخيرِ العِلل، وتستخدمُ اليومَ أيضًا لاضطراباتِ القلب ودورانِ الدّم وبخاصّةٍ الذّبحةِ الصّدريّة، وتزيدُ مِن تدفّقِ الدّم إلى عضلاتِ القلبِ، وتُعيدُ الخفقان السّويّ إليه.
الزّعرورُ مِن فصيلةِ الورديّاتِ، وهي أشجارٌ حُرجيّةٌ متوسّطةُ الحجم فروعُها تنتهي بشوك، وأوراقُها مُجنّحةٌ صلبة كالجلد، تزهرُ أزهارًا بيضاء، وأوراقُ الطّلع فيها ورديّةٌ أو حمراء، وأثمارُها كرويّةٌ حمراء، تنبتُ في أسيجةِ الأشجارِ والغاباتِ الصّغيرة، وهناك خبّأ العاشقُ خوفَهُ، وبحثَ عن الأملِ داخلَ زهرةِ الزّعرور، ويُقالُ أيضًا أنّ للزعرورِ فائدةٌ تداوي مرضَ الشّرج والشّفاء منه، وفي الحالتيْن؛ فانّ هذه الصّورةَ بمثابةِ تأكيدٍ على حبِّهِ وتضحيتِهِ في سبيلِ إنقاذِها، هو الذي كانَ يُؤمنُ بها وقد تابَ على يديْها، بعدَ أن غرفَ مِن مآسي الحياة أشقاها:
أَنا الطّاعنُ بالمآسي/ بأسْفارِ صُفصُفِ الفِراخِ/ هَ رَّ بْ تُ كِ/ زَقزقةَ إيمانٍ/ وبرَحيقِ توْبةٍ رقَّيتُكِ/ لتُموْسقيني بغيبوبَتي/ غديرًا يُناهِدُ غديرَكِ!
هذا هو المفتونُ بليلِها العاري قاسى المصاعبَ والمآسي بأسفارِهِ، منذ أن كانَ فرخًا يرفرفُ ولم ينبتْ زغبُهُ بعد، وهي تأتي تخترقُ حياتَهُ، لتعلّمَهُ كيفَ يتوبُ على يديْها، هي القدّيسة التي رقّاها مِن العين، لتتموسقَ في داخلِهِ في لحظاتٍ مِن غيبوبةِ الحلم، فيُناهدُ غديرُها غديرَه، ويُردّد: لكنّكِ/ مضيْتِ بطباشيري الحزينةِ.. تترَصّديننِي/ ترْسمينَ أنينَ أحلامي الزَرقاءَ/ سيْفًا../ يُغازِلُ صيْفًا ماضيًا في قلقي!
كالفرسِ الحرون تمضي تترصّدُهُ ، ترسُمُ لهُ أحلامَهُ التي تئنّ، وكأنّها السّيفَ الحادّ القاطعَ الذي يُغازلُ صيفًا يَمرّ في قلق.
يا المُعجزةُ المزدهرةُ في ثنايا بعثي!/ بتُؤدةِ الشّموسِ المُبتلّةِ بالضّياءِ/ امْتشقتِ شقاوةَ طاؤوسي/ لتَغزلَ عُيونُ أَرياشِكِ قصائدي المخروطيّةَ/ أنجُمًا مَسحورةً/ تُ عَ لِّ قُ نِي/ في رِقعةِ سمائِكِ/ سريرًا  مَثــ  ـــــقوبًا/ تغفو فيهِ حسَراتي!
كالمعجزةِ هي.. ستزهرُ أيّامَهُ، هي البعثُ الذي سيُعيدُهُ للحياةِ مِن جديد، وببطءٍ تتحرّكُ الشّموسُ التي تبلّلت بالضّياء، هكذا وبكلِّ مراوغةٍ وبشقاوةِ الطاؤوس الذي بعيونِ أرياشِهِ أثّرت على قصائدِهِ، لتغزلَها وتجعلَها أنجمًا مسحورة. وقد وظّفت الشّاعرةُ الطاؤوسَ رمزًا للشّقاوةِ بعرْضِهِ المُخادع، وهو ينشُرُ ذيلَهُ على شكلِ مروحةٍ، كأنّهُ يُقابلُ أنثاهُ، ويُحاولُ أن يُريَها وسامتَه حتى تُغرَم به، وقد اختارت الشاعرةُ ذكرَ الطاؤوس، لأنّهُ حين ينشرُ ذيلَهُ، تظهرُ العيونُ الكثيرة ببريقِها السّاحرِ على ذيلِهِ، فالألوانُ الزّاهية التي نراها هي نتيجة انعكاس الضّوء، وانكسارِهِ على السّطوح المختلفةِ للرّيش، ممّا يمنعُ لونُهُ الحقيقيّ البنيّ مِن الظّهور، وهذا دلالة على العرض السّحريّ المُخادِع منها، والذي رفعَهُ كالأنجم، وعلّقَهُ في رِقعة سمائِها، وألقاه على سريرٍ مثقوبٍ مهترىءٍ تغفو عليه حسراتُهُ، بات يهدّدُهُ بالسّقوطِ مِن عليائِها والموت، و(سريرًا  مَثــ  ـــــقوبًا) رسمٌ بالكلمات، فيتساءلُ متحنّنًا: أَلا يَبزُغُ لحدي الماكرُ مُكلَّلًا/ بقزحِكِ التّوْأمِ!؟
حتّى وهو على فِراشِ الموت يَحملُ الأملَ، بأن يبزغَ قوسُ قزحِها ثانية، ليُكلّلَ بهِ لحدَهُ! صورةٌ مدهشةٌ لانكسارِ الحُلم، واحتقانِ الأملِ داخلَ روحٍ تتزنّرُ بمئزرِ ملاك.
وبعودةِ إلى عنوانِ القصيدة "مُزنّرٌ بمئزرِ ملاكي" أتساءل: هل يمكنُ للعنوانِ أن يتنبّأ بحقلٍ دلاليٍّ للنّصّ؟ هنا أعتقد أنّ العنوانَ يَدرجُ في بابِ العناوينِ التّأويليّةِ، والّتي هي أكثرُ الأنواع قدرةً في تنبّؤِ الحقلِ الدّلاليّ، وقد نجحت الشّاعرة آمال عوّاد رضوان في اختيارِ العنوان، الذي شكّلَ محورًا أساسيًّا في مبنى القصيدة التأويليّ، وبرسْمِ مساحةٍ شاسعةٍ مِن الرّموزِ والإيحاءاتِ والأبعادِ الدّلاليّة.