جمانة والكاروك الأزرق/ كريم عبدالله

( نصّ بوليفوني ثلاثي الأبعاد )
آآآآآآآآآآآآآآآهٍ إنّهُ الحنين العميق لأحضانِ الطفولةِ الدافئة ينبشُ بقوّةٍ هذا الشيب النابتَ بعدَ الخمسين , فــ ذاكَ صوتُ أمي موغلاً في نبضاتِ الصباح  كــ رنينِ الجرسِ العجوزَ في مدرسةِ ( التوحيد )* البعيدة جداً يهزّهُ ( العم صالح )* فــ يبدّدُ  هجوعها بينَ أشجارِ النارنج وحكايات لا تنتهي , ايّةُ نشوةٍ تغمرُ الليلَ  حينَ تلامسُ التعاويذَ المعلّقةِ على خيطٍ رفيعٍ تستعذبُ طردَ المرضَ والجنَّ والسحرَ والحسدَ ! و كيفَ يجتمعُ ( الحرمل )* البريّ والبخور الهنديّ وآية الكرسي تحتَ الوسادة تبعثُ إبتسامة في الشفتين ! التمائم  كانتْ تجلو البصرَ وتستبقي أسرارها تكبرُ , لماذا للآنَ صوتُها يتردّدُ وكــ أنَّ الكروموسومات عشقتْ بحّتهُ فــ أنبسطَ على حبالِ صوتي ( دللّول ... دللّول يــ الولد يبني دللّول .... عدوكْ غريب وساكنْ الجول ... دللّووووووول .... دللّوووووووووووووووول ... لووووووول .... ووووووووووول .... )* فــ يحتضنُ الإزدحامَ في شرفاتِ الأحلام يتشمّمُ عطرَ ( لنْكْ الدنيا )* يستطيبُ الهدوءَ في الأكياسِ الورقيّة , أينَ شلاّلات الحنانِ تتصفّحُ السنين في ترنيماتِ أمي ؟ وأيُّ سعادةٍ ستورّثُ الــ ( خَمْسْ فلوسْ )* حينَ تضمّها يدٌ صغيرة ترقصُ بــ غنجٍ بعدما تخرجُ بــ أبّهةٍ مِنْ جيبِ أبي في معطفهِ العسكريّ الأنيقَ تزيّنهُ الأزرارَ اللمّاعة مِنْ كثرةِ ( البوليشْ )* ! أرّقني كثيراً وجهكِ الضحوكَ يا ( جمانة )* والمهدُ الحديث يحتفلُ بــ صوتكِ منتشياً ويسرقُ الوقتَ المعتّقَ بــ لهفةِ العيون .
........................
حين إحتضنت حفيدتي ( جمانة ) وهي في المهد غمرني حنين عنيف الى ايام طفولتي والى مهدي الخشبيّ ( الكاروك ) باللهجة العامية العراقية , فقد كان ملوّن بالاصفر والاخضر والابيض لكن اللون الازرق هو الغالب .
التوحيد : مدرستي الابتدائية .
العم صالح : فراشة المدرسة في ذلك الحين .
الحرمل : نوع من النباتات .
دللّول : ترنيمة عراقية تتغنى بها الامهات على اطفالهن .
لنْكْ الدنيا : نوع من الفاكهة .
خَمْسْ فلوسْ : عملة عراقية قديمة قليلة القيمة .
البوليشْ : كان يستخدمه والدي يلمّع الازرار به .

بغداد
العراق


اللعب بسايكس بيكو أم اللعب عليها/ كميل العيد

 تعج مواقع الانترنت والصحف العالمية الأكثر شهرة ولا سيما تلك المرتبطة بمراكز أبحاث ودراسات ذات طابع استعماري بعشرات الفرضيات المقرونة بمخططات عن مستقبل خارطة المنطقة العربية ولا سيما المشرقية منها ونجحت هذه المواقع إلى حد ما في صناعة مزاج عام عند بعض العرب وخاصة السوريين منهم يقبل بصياغات وتعديلات جديدة على اتفاقية سايكس بيكو تقوم على إحداث دويلات جديدة على أنقاض الدول القائمة للخروج من عنق الزجاجة التي وصلت اليه الأزمة ولا سيما في سورية , دويلات تم إعطاء كل منها لون يميزها عن الأخرى على الخريطة الافتراضية وهذه الألوان تضفي على الخارطة التقسيمية جمالية تساعد في قبول الناظر لها لفكرتها.
 تذكرني هذه الخرائط بحكمة عظيمة تعلمناها من إحدى الراهبات عندما كنت طالباً في في الصف الخامس الابتدائي بمدرسة اللعازرية يدمشق والتي كانت تدرسنا مادتي التاريخ والفنون الجميلة حيث أتت الراهبة إلى الصف بثوب من القماش ومقص ثمين وابرة وخيط رخيصين وشرحت لنا كيف نحول هذه القطعة القماشية لبدلة جميلة نقدمها لأحد أطفال المخيمات الفلسطينية بمناسبة العيد . فتناولت مقصها الثمين وبدأت تقص قطعة القماش الكبيرة إلى قطع أصغر وما أن انتهت من قص القماش رمت المقص الثمين على الأرض وأخذت الإبرة والخيط وبدأت بتجميع تلك القطع لتصنع منها بدلةً رائعةً وما أن انتهت من الإبرة حتى غرستها في الغطاء الذي تضعه على رأسها والتفتت إلينا وسألت من يعرف لماذا رميت المقص الثمين جانباً واحتفظت بالإبرة زهيدة الثمن ووضعتها على غطاء رأسي , وعندما عجزنا عن الإجابة قالت إن المقص الثمين هو الذي قصٌ قطعة القماش الكبيرة وفرقَها وجعل منها قطعاً صغيرة بينما الإبرة الزهيدة الضعيفة والخيط الرخيص هما اللذان جمعا تلك القطعة لتصبح بدلةً جميلةً. واسترسلت الراهبة تقول هنا ندخل على درس التاريخ ففي عام 1920 أصدر قائد الجيوش الفرنسية في سورية الجنرال غورو مراسيم تقضي بتقطيع سورية إلى دولة لبنان الكبير ودولة حلب ودولة العلويين ودولة الدروز إضافة للإدارة الذاتية في الجزيرة, فالاستعمار الفرنسي يا أبنائي هو المقص الذي حاول تقطيع أوصال بلادنا, أما الناس البسطاء من أبناء الشعب فبمحبتهم وعنفوانهم وبديهيهم كانوا الإبرة الضعيفة التي قامت بإعادة جمع الكثير مما قطَعه المقص الفرنسي وحولته لفسيفساء جميل.
 وإذا أردنا أن نسقط الماضي على الحاضر ورغم أن دعاة التقسيم يزعمون في حججهم بأن الواقع الذي فرضته الحرب في سورية بعد أربعة سنوات من اندلاعها وظهور التيارات الإسلامية الراديكالية الاقصائية المتطرفة الرافضة لوجود الآخر يجعل حل الأزمة مستعصياً دون اللجوء إلى شكل من أشكال التقسيم أو الكانتونات الإدارية, فإني أقول بأن التقسيم في سورية أمر مستحيل وهو سيفشل لأسباب كثيرة منها:
1- إن سورية بحدودها الجغرافية الحالية لا تحتمل أي تعديل لسايكس بيكو عليها وان أية محاولة لعب بهذه الورقة ستؤدي عاجلاً أم آجلاً لانهيار سايكس بيكو وبعض حدوده ولا سيما بين سورية والعراق والتوجه نحو خطوات وحدوية قد لا يقوى النظام الدولي والإقليمي على مقاومتها والوقوف بوجهها .
2- إن مكونات وفسيفساء المجتمع السوري متداخلة فيما بينها وتحتضن بعضها البعض فلا توجد مدينة سورية إلا وفيها كل مكونات الشعب السوري ولا يوجد مكون لا يحتضن ضمنه من المكونات الأخرى وبالتالي أي تفكير بأي شكل من أشكال التقسيم الطائفي أو المذهبي وإن نجح على حين غرُة فإن مصيره الفشل الذريع.
3- إن التركيبة الاجتماعية والسكانية في سورية بغالبيتها العظمى لا تسمح بانعزال أو انفصال أي مكون أثني أو طائفي أو مذهبي أو عقائدي عن المجموع وبالتالي ورغم الجراح ستبقى سورية جامعة لكل مكوناتها في بوتقة واحدة هذا ما عَلَمَنا إياه التاريخ والجغرافية والسياسة وإذا شاء البعض اللعب على هذا الوتر ولا سيما في سورية والعراق فسيكون هذا بمثابة البداية لانتحار سايكس بيكو وبناء مجتمع مشرقي عربي جديد موحد منزه عن الطائفية والعشائرية متمسك بحقوق الإنسان محافظاً على الرسالات السماوية التي هي إضافة لإلوهيتها جزء من تراثه الذي نقله للبشرية.

إلَيْكِ/ حاتم جوعيه

وَيُطلُّ صوتُكِ مِن  نوافذِ غُرفتي  قبلَ  المَسَاءْ 
فيشعُّ في نفسي المُنى  وَيُشعُّ  في قلبي الرَّجَاءْ 
وَأراكِ  أجملَ غادةٍ  هَبَطَتْ عَليَّ  مِنَ  السَّماءْ
وأراكِ  في  قلبي   وفي  عَيْنَيَّ   رمزًا  للوفاءْ 
وَتُسَيِّجِينَ    حدائقا    غنَّاءَ    تزدادُ    ازدِهَاءْ 
وَتُشَيِّدِينَ    معابدًا    للحُبِّ    تشمخُ     للعَلاءْ 
وَتعُودُ  لي الآمالُ  سكرى  مثلَمَا  كانتْ  مَساءْ 

أنتِ  الحياةُ   وفي  عُيونِكِ  مَبعَثٌ   بعدَ  الفناءْ  
أنتِ  الحَياةُ  وأنتِ  كلُّ  الكونِ  يا  نَبْعَ  اشتِهَاءْ 
هَزَّ الغرامُ  جوارِحِي ..أصبَحْتُ في شبهِ انتِشَاءْ 
وَمِنَ العيونِ السُّودِ  ذُقتُ الحُبَّ  حتَّى  الإرتِوَاءْ   

عَيناكِ...وابتَسَمَ  الضّياءُ  وَهَزَّنِي  سحرُ الضّيَاءْ 
عيناكِ   يا   لَهُمَا   وَيَحلُو  في   سبيلِهِمَا   الفِداءْ 
أنتِ   الشُّمُوسُ  فتَبْعَثيِنَ الفجرَ  في  ليلِ  الشَّقاءْ 
أنتِ   البداية ُ  والنهايةُ ...  أنتِ   للقلبِ   انْتِمَاءْ 
القلبُ  يخفقُ  إنْ   مَرَرْتِ  وَيستقي   مُرَّ  البَلاءْ 
خطواتُكِ   السَّكرى    مُوَقَّعَةٌ    بألحانِ    الغناءْ 
خطواتُكِ السَّكرى  نشيدُ  الخُلدِ  في هذا  الفضاءْ 
أنتِ  الصَّديقةُ  والحبيبةُ .. أنتِ  لي  كلُّ  الرَّجَاءْ 
ماذا   أقولُ  وكلُّ  أشعارِ  الهَوَى  ضاعَتْ  هَباءْ 
طالَ  المَدى  وَرسائِلي في الحُبِّ  ما أجدَتْ دَواءْ 
سَأظلُّ  باسمِكِ   مُنشِدًا  ما  زالَ  خَيْطٌ  مِنْ  بقاءْ 

إلى الاخوان.. موتوا بغيظكم‏/ أشرف دوس

ستقدم مصر هدية للعالم، مبروك لمصر والمصريين افتتاح قناة السويس الجديدة التي لن تسهم فقط في التجارة العالمية، وإثراء الخدمات، ولكن أيضًا ستساهم في تحسين حياة الناس من خلال إيجاد فرص عمل وتقديم الخدمات، وأكثر من ذلك فهي ليست ممرا مائيا، إنها رمز لمصر الجديدة وإرادة الشعب المصري.

كل التحية للشعب المصري الحر صاحب أقدم وأعرق حضارة في تاريخ البشرية.. بنى الأهرام وحفر قناة السويس وأقام السد العالي وحفر قناة السويس الجديدة لخدمة العالم كله وعلم الإنسانية أنه إذا أراد فعل، ففي ثمانية أيام جمع أكثر من أربعة وستين مليار جنيه لتمويل حفر القناة الجديدة.

وسيرتفع الدخل السنوي للقناة من 5 إلى 13 مليار دولار بمعدل زيادة قدرها 8 مليارات دولار، المصريونوالجيش بمشاركة بعض الشركات المدنية نجحوا بعد 11 شهرًا فقط من الانتهاء من المشروع العملاق، الذي دشنه الرئيس عبد الفتاح السيسي ليخلق شريان حياة جديدا للاقتصاد المصري الذي عانى بعد ثورة 25 ينايرعام 2011.

ومن مميزات الممر الملاحي الجديد أنه يقلل عدد ساعات سحب السفن من 22 إلى 11 ساعة فقط، لتكون أسرع قناة في العالم تمر منها السفن.

القناة الجديدة ستكون الممر الملاحي الأهم في العالم لكونها تربط البحرين الأحمر والمتوسط و3 قارات ببعضها البعض وهي آسيا وأوربا وأفريقيا، بالإضافة إلى ربط المحيط الهادي بالأطلنطي.

عشقى غريب لهذا البلد بحلوه ومره برجاله ونسائه بمسيحييه ومسلميه بمساجده وكنائسه بواديه وصحاريه، يا حبيبتي يا مصر يا مصر يا حبيبتي يا مصر وتحية للجيش المصري العظيم

تاجر الموت/ احمد الياسري

قصيدة ( تاجر الموت) ومهرجان البياتي الشعري في استراليا  ..! 

- الموتُ في وطني تجارة 
وأنا نبيٌ بابليٌ يعرض التأريخَ
للبيعِ المقدسِ خلف مقبرةِ الحضارةْ

الناس احجارٌ هنا 
وأنا لسانٌ ناطقٌ بالموتِ في عصر الحجارةْ

القبرُ حرٌ ان يشيرَ لمن يراه مناسباً
للدفنِ في وطنٍ قتيل 
 ( والحرُ تكفيه الإشارة ْ) 

بلقيسُ ميتةٌ هنا وهنا رأيت الشعر
يلفظُ ماتبقى من ( نزارهْ) 

أمشي على قدمي لأختصرَ الطريق
فتدوسُني قدمي لتختصرً اختصارهْ

هذي جنائِزُنا معلقةٌ على أملٍ حسينيٍ ذبيح ْ
يمتدُ مابينَ المنارةِ والمنارةْ

اللهُ انزلَ في العراقٍ قيامةً كُبرى لينفجرَ العراق 
فتنفجرُ القيامةُ بانفجارهْ

هو موطنُ الموتِ الإلهيِ المضمخِ بالدعاءْ
هو جنةٌ مقطوعةٌ كاللحمِ من كبدِ السماءْ
هو صدرُ عيسى حيثُ مزقهُ الفداءْ
هو دمعُ زينبَ حينَ تجهشُ بالبكاءْ
هو كل ارضٍ كربلاء

يا تاجرَ الموتِ العنيدْ

لاشيءَ غير الشعبِ يُقتُلُ ثم يولدُ من جديدْ

يختارُ انْ يبقى فيقتلهُ اختيارهْ

لاشيءَ غير الشعبِ تهجرهُ الحمائمُ
ثُمَّ تطحنهُ العمائمُ في دواليبِ النجاسةِ
والطهارةْ

- الحربُ تفترسُ البلادَ بأسرِها 
والساسةُ الاقحاحُ فرسانٌ
ولكن في ميادينِ الدعارةْ...! 

هم يحكمونَ ويسرقونَ وينكحونَ..
ويبلعونَ نزيفَنْا المر
فنبتلعُ المرارةْ

الموتُ في وطني تجارة 
والشعب مغتصب قرارهْ
والأمنياتُ الباكياتُ
-تُسبى وتذبحُ في مدارهْ
الربحُ مكفولٌ إذا 
-أمنّتَ يا وطني الخسارةْ

----------
* قصيدة مستوحاة من قصة حقيقية شارك بها الشاعر بمهرجان البياتي الشعري الذي نظمته رابطة البياتي في استراليا وحصلت على قلادة المهرجان . 

سهام/ عبد القادر رالة

ها أنذا أجيئك مرة أخري وأتنازل عن كبريائي ، لم أكن لأفعل ذلك ! و لا أن أبي فعل ذلك، وجدي أيضا... هاأنذا أجيء وأدق على الابواب المضيئة بحمالك... أجلس و أستريح تحت شجرة السفرجل الوارفة، أنظر الى جذعها...مكتوب عليه  باللاتينية الحرف الاول من اسمي، والحرف الاول من اسمك، وبينهما قلب يخترقه سهم...ذاك عهد الطفولة المقلدة! اني لأتذكر أخي الأكبر لما سألته عن معنى رسم القلب الذي يرسمه العشاق في كل مكان على الشجر وعلى الجدران ؟ ولماذا اتفقوا كلهم على تكرار القلب المصاب بالسهم؟
فغضب وصرخ في وجهي :
ـ اهتم بدراستك ...
ولكني رأيتك تتكلم بسعادة مع فلانة ، ويصفعني بقوة ، ويتوعدني إذ أنا ذكرت ذلك أمام والدي، لكني ما ذكرت  ذلك وإنما كنت أقلده وأرسم القلوب في كل مكان... وفلانة تلك الأن في البيت تطبخ له الأكل اللذيذ ، وتنجب له الأولاد ، وتستقبل الضيوف  ....
     وبما أن أخي لم يرد اخباري فإني سألت صديقه الأثير مروان، فقال ذاك قلب فقلت أعرف لكن ما معنى السهم ؟ فقال تلك أعين الحساد التي تتابع العشاق اينما حلوا واينما ذهبوا...لكن اجابته لم تقنعني...فالإجابة وجدتها عندك لما كبرنا قليلا لما قلت أن كل المحبين يرسمون ذاك السهم ،
إنها سهام القدر التي تصيب القلوب فتفرق بين المحبين ! ولأني لا أريد لذلك السهم أن يخترق قلبي وأنزف دما فإني تنازلت وجئت أدق على بابك... وإني انتظرك كما كنت أفعل وأنا طفل تحت السفرجلة الوارفة...

ثورة 23 يوليو/تموز في ذكراها الثالثة والستين/ محمود كعوش

رغم مرور ثلاثة وستين عامًا على ثورة الثالث والعشرين من يوليو/تموز 1952 بقيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، يمكن القول بلا أدنى تردد أنها لم تزل هي الثورة الأم والعنوان الرئيسي لنضال الشعب المصرى، كما يمكن القول أنها ستبقى حية ونابضة في وجدان هذا الشعب العظيم، باعتبار أنها الثورة الرائدة والحدث الأهم في تاريخ أرض الكنانة الذي غير وجه الحياة فيها.
وليس من قبيل المبالغة القول أن تأثير ثورة 23 يوليو/تموز امتد إلى أبعد من حدود مكانها وزمانها فطال محيط مصر العربي والإقليمي، ومعظم أنحاء المعمورة. وبرغم كل المتغيرات التى شهدها العالم وتلك التي شهدتها الثورة نفسها إلا أنها لم تعزل نفسها عن متغيرات العصر بل تواصلت معها وصححت مسارها لسلامة المسيرة الوطنية المصرية والقومية العربية والأممية على المستوى الدولي، من منطلق حقيقة أن حركة التاريخ تحافظ على استمرارها ولا تعرف التوقف.
التطرق إلى ثورة 23 يوليو/تموز في ذكراها الجديدة بكل ما حفلت به من تجربة فكرية وسياسية كان لها الأثر الأكبر والأقوى في تشكيل التيار الشعبي الناصري على امتداد خارطة الوطن العربي، يستدعي بالضرورة الربط المنطقي والعملي فيما بينها وبين شخصية قائدها الكبير، الذي كان له ولنفر من الضباط الأحرار في الجيش المصري فضل تفجيرها والإطاحة بالملكية الإستبدادية وإعادة السلطة لأبناء الشعب أصحابها الحقيقيين، لأول مرة في تاريخ مصر الحديث.
مما لا شك فيه أن مُضي 63 عاماً على قيام الثورة وخمسة وأربعين عاما على غياب قائدها لم ينالا من بريقهما ووهج حضورهما، أكان ذلك على صعيد مصر أو على صعيد الوطن العربي كله من المحيط إلى الخليج. فعقول وقلوب المواطنين المصريين والعرب لم تزل مشدودة إليهما ولم تزل تنبض بالحب والوفاء لهما. ويدلل على ذلك الإقبال الجماهيري المتنامي على أدبيات الثورة والفكر الناصري والدراسات التي تعرضت لسيرة حياة عبد الناصر كقائد عربي تجاوز بفكره وزعامته الوطن العربي ومحيطه الإقليمي. كما ويدلل على ذلك أيضا تصدر شعارات الثورة وصور قائدها جميع المظاهرات والتجمعات الشعبية التي تشهدها مصر والأقطار العربية الأخرى بين الحين والآخر، تعبيرا عن رفض الجماهير لحالة الخنوع الرسمي العربي والاستسلام للإملاءات الأميركية – الإسرائيلية، وعن رفض السياسات الاستعمارية – الاستيطانية التي تستهدف الأمة والتي تعبر عن ذاتها بشتى الصور وصنوف العدوان وعن السعي وراء الإصلاحات التي تتواءم مع متطلبات العصر.
هذه الحقيقة تستدعي إعادة طرح السؤال الذي اعتدت طرحه كلما تطرقت بحديثي إلى الثورة وقائدها: لماذا كل هذا الحب والوفاء لثورة 23 يوليو/تموز وشخص قائدها العظيم، برغم كل ما تعرضا له من مؤامرات ومحاولات تشويه متعمدة ومقصودة من قبل القوى العربية المضادة والأجنبية الاستعمارية – الاستيطانية، وبرغم مضي وقت طويل على ولادة الثورة وموت قائدها؟ ولماذا تسمرت جميع التجارب العربية الفكرية والسياسية عند أقدام أصحابها وانتهت مع انتهائهم، في حين بدل أن تنتهي تجربة 23 يوليو/تموز الناصرية مع موت صاحبها اتسعت رقعة مناصريها وتضاعف الزخم الجماهيري الذي كان يشد أزرها ليشمل جميع الأقطار العربية بلا استثناء؟
مع قيام الثورة أظهر جمال عبد الناصر براعة مميزة في محاكاة عواطف وأحلام الجماهير المصرية والعربية، وذلك من خلال عرضه لخطوط الثورة العريضة والشعارات الرنانة التي رفعتها، تماما مثلما أظهر براعة مميزة في محاكاة حاجات هذه الجماهير على الصعيدين الوطني والقومي، وذلك من خلال عرضه للأهداف التي حددتها. فقد كان عبد الناصر الإبن البار لتلك الجماهير، وكان المعبر عن آمالها وآلامها، كما وكانت الثورة حلما لطالما راود خياله ودغدغ عواطفه تماماً كما راودت خيال تلك الجماهير ودغدغت عواطفها. والشعارات والأهداف التي تراوحت بين القضاء على الاستعمار والإقطاع والاحتكار وسيطرة رأس المال وإرساء العدالة الاجتماعية والحياة الديمقراطية ورفع مستوى المعيشة وزيادة الإنتاج وإقامة جيش وطني قوي يتولى الدفاع عن مصر والأمة العربية، جاءت بمجملها متناغمة مع أحلام وحاجات المواطنين المصريين والعرب، لأنهم كانوا ما يزالون تحت وطأة الهزيمة العربية الكبرى التي تمثلت بنكبة فلسطين 1948، وتحت وطأة الإفرازات والإرهاصات التي نجمت عنها.
برغم كل السلبيات التي وجدها المحللون في الثورة، إلا أنه كان لها الفضل الكبير في التحولات الوطنية والقومية التي شهدتها مصر والوطن العربي. وإن لم تتوفر لثورة 23 يوليو/تموز الفرص الرحبة التي كانت ستمكنها من تحقيق جميع الشعارات والأهداف التي رفعتها وحددتها وبالأخص في مجال ديمقراطية المؤسسات والفرد لاعتبارات كانت خارج إرادتها وإرادة قائدها، مثل قصر عمريهما وتكالب القوى العربية المضادة والأجنبية الاستعمارية – الاستيطانية عليهما، إلا أنه كان لكليهما فضلاً كبيراً في التحولات الوطنية والقومية التي شهدتها مصر والوطن العربي على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والروحية، خاصة خلال عقدي عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، حيث عرف المد القومي أوج مجده.
ولعل من الإنصاف أن نسجل لثورة يوليو/تموز وقائدها نجاحهما في إعلان الجمهورية وإعادة السلطة لأصحابها الحقيقيين وتحقيق الجلاء وإرساء دعائم الاستقلال وتطبيق الإصلاح الزراعي وتقوية الجيش وتسليحه وإقامة الصناعة الحربية وتأميم قناة السويس وتحقيق الوحدة بين مصر وسوريا وبناء السد العالي وإدخال مصر معركة التصنيع وتوفير التعليم المجاني وضمان حقوق العمال والضمانات الصحية والنهضة العمرانية. ولاشك أن هذه منجزات كبيرة جدا، إذا ما قيست بالمسافة الزمنية العمرية القصيرة للثورة وقائدها وحجم المؤامرات التي تعرضا لها. فالتجربة الثورية الناصرية لم تكن بعد قد بلغت الثامنة عشر من عمرها يوم اختطف الموت قائدها وهو يؤدي دوره القومي دفاعا عن الشعب الفلسطيني وقضيته وثورته. إلا أنها وبرغم ذلك، استطاعت أن تفرض ذاتها على الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج من خلال طرحها مشروعا نهضويا قوميا عربيا حقيقيا، لطالما حلمت به هذه الجماهير وأحست بحاجتها الماسة إليه، ومن خلال حمل قائدها أعباء قضايا الأمة والتعبير عن آمالها وشجونها حتى اللحظات الأخيرة من حياته.
لقد مثلت ثورة 23 يوليو/تموز 1952 نتاج مرحلة تاريخية بالغة التعقيد عرفت جملة من المتغيرات الإقليمية والدولية التي فرضتها نتائج الحرب العالمية الثانية، مثل بروز الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي (الذي كانت تشكل روسيا الحالية الجزء الأهم منه والأكثر تأثيراً فيه) كقوتين عظميين، ومثل حدوث نكبة فلسطين وولادة الكيان الصهيوني العنصري في قلب الوطن العربي. لذا كان بديهيا أن تتشكل مع الثورة الحالة النهضوية القومية الوحدوية البديلة للواقع العربي القطري المفكك والمشرذم. وكان بديهيا أن تتشكل معها الحالة الثورية الوطنية التقدمية البديلة لحالة التخلف والإقطاع والاستبداد والرأسمالية الغربية والشيوعية الشرقية، من خلال بروز عبد الناصر كواحد من الأقطاب العالميين للمثلث الذي أسهم في ولادة معسكر الحياد الإيجابي الذي تمثل بمجموعة دول عدم الإنحياز.
فعلى مدار خمسة وأربعين عاما أعقبت رحيل عبد الناصر، منيت جميع التجارب الفكرية والسياسية العربية بالفشل الذريع، لأنها لم تستطع تشكيل البديل الذي يحظى بثقة الجماهير العربية وتأييدها، بل على العكس من ذلك قادت الأمة إلى العديد من الخيبات المؤلمة. وقد أخذ على تلك التجارب منفردة ومجتمعة أنها بدل أن تتناول التجربة الناصرية بوضعيتها الثورية وشخصية قائدها الفذة بالتقييم المنطقي المجرد والنقد الموضوعي البناء على ضوء نجاحاتها وإخفاقاتها والظروف الداخلية والإقليمية والدولية لغرض تصحيحها والبناء عليها، إختارت مواجهة الجماهير بمفاهيم جديدة إتسمت بروحية إنقلابية تصادمية وتغيرية، الأمر الذي أدى إلى لفظ الجماهير لتلك المفاهيم والعمل على إسقاطها وبقائها على وفائها للثورة وتجربتها وقائدها.
أليوم ونحن ننظر بحزن وأسى إلى ما آلت إليه الأوضاع العربية بفضل الخريف العربي الذي هبت رياحه المدمرة على العديد من البلدان العربية ولم تزل، أعيد طرح السؤال الذي لطالما طرحته من قبل: ترى ألم تحن لحظة الحقيقة التي يفترض معها أن يعترف المصريون والعرب بحالة التميز التي شكلتها ثورة 23 يوليو/تموز، بتجربتها وشخص قائدها، والتي يمكن أن يخطوا معها خطوة إلى الأمام تحفزهم على تقييمها ونقدها بشكل بناء وموضوعي لأخذ العبر من نجاحاتها والمبادرة بتصحيح إخفاقاتها ووضعها موضع التطبيق العملي والبناء عليها، لإخراج الوطن والأمة مما هما عليه من تفكك ووهن وضعف واستكانة، ولتحقيق الربيع العربي الحقيقي الذي انتظرناه طويلاً !!

يوليو/تموز 2015
محمود كعوش
كاتب وباحث فلسطيني مقيم في الدنمارك
kawashmahmoud@yahoo.co.uk

مركز العودة يحقق إنتصاراً إستراتيجياً لفلسطين في الأمم المتحدة/ علي هويدي

اعتادت دولة الإحتلال أن تحقق إنتصاراتٍ مدويَّة في معركتها مع الشعب الفلسطيني داخل الأمم المتحدة، فهي التي انتزعت اعترافاً دولياً مزيفاً بوجودها وإن كان مشروطاً، وهي التي تتنكر للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني على مدى سنوات إنشائها في العام 1949 مدعومة من قبل الدول الحلفاء في المؤسسة الدولية..، إلا أن المعركة الطاحنة الإعلامية السياسية والدبلوماسية والقانونية التي انتصر فيها مركز العودة الفلسطيني في لندن بتحقيقه اعترافاً أممياً بعضويته في الهيئة الإستشارية للمجلس الإقتصادي والإجتماعي التابع للأمم المتحدة، قد أعاد الموزين وخلط الأوراق من جديد خاصة ان اللوبي الصهيوني وفي حملة شعواء إعلامية وسياسية وقانونية ودبلوماسية استخدم فيها جميع أدواته وعلاقاته ومحاولات الضغط على الدول لعدم التصويت لصالح القرار قد باءت جميعها بالفشل..!

أن يصبح المركز في هذا المكان داخل المنظومة الدولية، وأن يكون أول منظمة غير حكومية إستراتيجيتها حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم داخل فلسطين المحتلة عام 48، هذا يعني بأنه قد بات بالإمكان التواصل المباشر مع الدول والمنظمات الأعضاء لتأصيل وشرح وتقديم الرواية الفلسطينية الحقيقية بأبعادها المختلفة وبلسان اللاجئين أنفسهم بعد أن كانت تُسمع من قبل الرسميين فقط، ومسرحاَ مفتوحاً ومشرعاً للرواية الصهيونية المزيفة على لسان ممثلي دولة الإحتلال في المنظومة الدولية والحلفاء، وأصبح بامكان المركز أن يدخل إلى مقرات الأمم المتحدة ويشارك في الندوات والمؤتمرات والمحاضرات.. التي تعقد في اروقة المنظمة الدولية وينظم الأنشطة المماثلة..!

بتحقيق هذه الخطوة المتقدمة لفلسطين، تكون قد سقطت هالة التأثير المتميز لنفوذ دولة الإحتلال في الأمم المتحدة، وهي لا تقل أهمية عن سقوط هالة "الجيش الذي لا يقهر" والذي تغنى بها الإحتلال الإسرائيلي لعقود كـ "بعبع" يخيف به دول المنطقة، فقد سقطت تلك المقولة أمام ضربات المقاومة الفلسطينية واللبنانية وتحولت دبابة الميركافا الأسطورة العسكرية لجيش الإحتلال إلى كرة تتقاذفها أقدام المقاومين، وتحول الجندي الصهيوني المدجج بأحدث أنواع الأسلحة المدعومة من أمريكا وغيرها من الدول العظمى الى فأر يهرب من الميدان أمام ذكاء ودهاء وابداعات المقاومة وتغيير كفة الموازين..!

يشكل هذا الإنتصار التاريخي للشعب الفلسطيني والإختراق غير المسبوق، بارقة أمل لأكثر من ثمانية ملايين لاجئ فلسطيني في أماكن اللجوء والشتات ليس لهم من مطلب سوى العودة وسيفتح الباب أمام محاولات جديدة لمنظمات غير حكومية أخرى للسير على نفس الخطى، وهذا ما نتطلع إليه كلاجئين فلسطينيين، فعصر المعجزات قد ولّى وحل محله عصر المعادلات، والخاسر من بحساباته خلل، وقناعتي - وبشكل نسبي- أن الخلل فينا أفراداً ومجموعات، نتحرك ولكن قلما نحسن الرماية فيتكرر الحراك ويتكرر وتغمرنا نشوة منفصلة لا تلبث إلا أن تتبخر.. لماذا؟ لأن الحراك ينبع من الذات وردات الفعل وليس بالوعي والقرار الجماعي الفاعل والمتفاعل المبني على أسس إستراتيجية، وهو بالضبط سر إحباطاتنا المتتابعة، لكن الذي حققه مركز العودة يعتبر استثناءً بعد حوالي العشرين سنة من العمل الدؤوب..!

تم تصنيف المركز إرهابياً منذ العام 2010 وعلى لسان "وزير الدفاع" الإسرائيلي آنذاك ايهودا باراك، ومنذ ذلك الحين وحملات التشويه التي يقودها الكيان الصهيوني بحق المركز لا تتوقف، ومارس نفوذه لتعطيل التصويت منذ خمسة سنوات هو تاريخ تقديم طلب الإنضمام، متهماَ المركز بدعم الإرهاب وارتباطه بحركة حماس، إلا أن جميع تلك الادعاءات قد سقطت. تلقى الكيان الصفعة الاولى صبيحة الأول من حزيران/يونيو 2015 حين حصل المركز على توصية بمنحه عضوية "المركز الإستشاري في المجلس الإقتصادي والإجتماعي التابع للأمم المتحدة كمنظمة غير حكومية" بعد حصوله على 12 صوت ومعارضة 3 وامتناع 3 وغياب دولة واحدة. ولم يكد حبر "التوصية" أن يجف إلا وبدأت معه الماكينة الإعلامية الصهيونية بحملات التشويه وحرف البوصلة والمسار..، إلا أن وخلال هذه الفترة ما ين الأول من حزيران/يونيو ومساء العشرين من شهر تموز/يوليو 2015 تاريخ المصادقة النهائية على انضمام المركز، كان اللعب متشعباً وعلى مستوى الكبار، فقد وقَّع أكثر من مائة برلماني أوروبي على مذكرة تدعم إنضمام المركز إلى الهيئة الإستشارية وهي لا شك إضافة نوعية هامة في سياق دور الندية التي يمارسها المركز لا بل يُظهر مؤشر الحجم في توضيح والتأثير وإقناع الدول والنخب وصناع القرار بأهمية انضمام المركز وفضح زيف وتشويه ما يقوم به اللوبي الصهيوني..!

لا شك بان دولة الاحتلال قد تلقت ضربة قاسمة، فقد اصبح في الملعب الدولي أكثر من لاعب، وبعد أن أيدت 16 دولة انضمام المركز منها روسيا والصين والسودان وجنوب إفريقيا والبرازيل والأرجنتين وباكستان وتونس والكويت..، وصوتت 13 دولة ضد الإنضمام منها أمريكا وبريطانيا وإيطاليا واليونان واستراليا والنمسا وفرنسا..، وامتنعت 18 دولة عن التصويت منها اليابان والهند والسويد وسويسرا.. يرفع من سقف التحدي لمركز العودة والشعب الفلسطيني لتحقيق الأهداف الإستراتيجية، ويضع الجميع أمام المزيد من الإستحقاقات والسيناريوهات من العدو والصديق..!

*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني

بيروت في 21/7/2015

بغداد في حلّتها الجديدة/ كريم عبدالله

( لغةُ المرآيا والنصّ الفسيفسائي )
وأنتِ المغضوبِ عليها تنتظرينَ العطايا تأتيكِ بالبريدِ الدولي يغربلُ وجهَ دجلةَ سهمٌ نابتٌ في العيونِ لعلكِ تغنينَ أيّتها الفالتة مِنْ جهنم العمياء ! مَنْ يعيدُ بيرقكِ والدهشة تنتشلُ مِنَ الهاويةِ صباحكِ المشرق بأحلامكِ المنهوبة و تموز عادَ شيخاً هرماً عجوز ! لا ترحلي ( ننماخ )* إنْ أجدبتِ السماء يوماً وبيوت الفقراء غيماتهم العقيمة تمشّطُ أشجار الصنوبر وجذورها تبحثُ عبثاً عنْ نبعٍ يتفقدُ مفاتيحَ مباهجكِ . لماذا أنتِ غريبة دائماً وأحلامكِ يتناهبها قطاع الطرق  ! تتوسدينَ وحدتكِ وتحتمينَ مِنْ رصاصاتِ الغدرِ  بابنائكِ اليافعين , تتيهينَ في حزنكِ الطويل للصبرِ تغزلينَ رداءَاً وحرائقكِ كثيرة يجدّدها الملثّمون , حيثُ لا فرحة تتهادى في أزقتكِ المحرومة مِنَ الأبتسام , كيفَ يؤتمنُ على صباحكِ والذئاب حولَكِ تنتظرُ ساعةَ الصفر ! . ستبقينَ تليّنينَ هذه العتمة يا لهفة العشّاقِ ويستقطرُ عشقكِ يملأُ حقائبهم ,  الثكناتُ على إمتدادِ طريقِ عودتكِ عجيبُ أنْ تتحدّى زرقةَ عينيكِ وتدسُّ فيهما الرمادَ , مازلتِ تجيدينَ تفريغَ الحزن والفرات يمسحُ عنْ وجه القمرِ دخانَ المدافع . سينقشعُ البياضَ مِنْ عينيكِ وتردّدينَ ( إحنا ياما للحبايب
                           شكثرْ وشكدّْ سامحينهْ
                                       شفنهْ منهم كلْ مصايبْ
لكن نحبهم بقينهْ )*
سيحملُ الحصّادونَ خيباتهم معهم , قدركِ أنْ تهتكينَ أستار قسوتهم و تنجبينَ صبحاً جديداً زاهياً يركضُ في حقولِ القمح يحملُ أفراحَ نيسان , أيّتها المبلولةُ بأريجِ الحضاراتِ يامَنْ تعمّدها الآلهة ستتأبطينَ المحنةَ تحرسكِ نجومَ السماء ويتطايرُ السخامُ مِنْ حيطانكِ المتعبة وتُخضّبُ بالحنّاء مِنْ جديد .

ننماخ : وتعني في اللغة السومرية القديمة في بلاد الرافدين ( العراق  قبل الميلاد ) المرأة العظيمة أو السيدة العظيمة ولها معبد باسمها, وكانت النساء البابليات يجلسن في هذا المعبد لمرّة واحدة في السنة.
إحنا ياما للحبايب ............... : مقطع من قصيدة ( مسامحين ) للشاعر العراقي الشعبي ( زامل سعيد فتاح )

بغداد
العراق


المفاوض الايراني يحاصر نظيره الفلسطيني/ نقولا ناصر

(الاصطفاف الفلسطيني مع محور عربي معارض للاتفاق الدولي على البرنامج النووي الإيراني معناه الرهان على حصان خاسر فشل في منع التوصل إلى الاتفاق ومن المؤكد أنه لن ينجح في منع تنفيذه)

النجاح التاريخي الذي أنجزه المفاوض الإيراني يوم الثلاثاء الماضي بعد ما يزيد على عشر سنوات من التفاوض على برنامج بلاده النووي يسلط الأضواء الساطعة على الفشل التاريخي والاستراتيجي للمفاوض الفلسطيني في إحراز أي تقدم لتحقيق ما دون الحد الأدنى من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني الذي لا يسعه التهرب من المقارنة بين أداء المفاوضَيْن.

إن التلاسن وتبادل القصف الإعلامي والاتهامات حد الإسفاف والمعارك "القضائية" والإقالات والاستقالات التي تعصف ب"معسكر الحياة مفاوضات" في منظمة التحرير الفلسطينية هي جميعها علامات تشير إلى تفكك هذا المعسكر وانهياره، وهذه نتيجة منطقية وموضوعية ل"الاعتراف صراحة بأن خطتنا السياسية منذ (توقيع اتفاق) أوسلو حتى الآن قد فشلت فشلا ذريعا وتاما وإن رهاننا على حل يؤدي إلى إنهاء الاحتلال عن أرض وطننا عبر المفاوضات كسبيل أوحد انهار كليا" كما كتب أمين عام اللجنة التنفيذية المقال للمنظمة ياسر عبد ربه، فالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله كما يقول المثل العربي.

والمفارقة أن الأطراف المتساقطة التي تنهش بعضها في "معسكر الحياة مفاوضات" في منظمة التحرير قد انقسمت إلى فريقين أحدهما يصر على الاستمرار في استراتيجية "المفاوضات كسبيل أوحد" بالرغم من فشلها "الذريع والتام"، كما تفعل الرئاسة الفلسطينية.

والفريق الثاني يسطو على مطالب فصائل المقاومة الأعضاء وغير الأعضاء في المنظمة التي تدعو إلى "إنقاذ وتجديد مشروعنا الوطني" على أساس "الشراكة الوطنية الشاملة" و"استعادة الوحدة" الوطنية و"تأسيس مركز قيادي موحد من خلال الدعوة إلى عقد الإطار القيادي المؤقت" للمنظمة الذي تم التوافق عليه في اتفاقيات المصالحة الفلسطينية كما كتب عبد ربه، أو هو في أحسن الأحوال يغازل دعوة القيادي الفتحاوي الأسير مروان البرغوثي إلى استراتيجية تدمج بين التفاوض وبين المقاومة الوطنية والشعبية.

وكان يجري مؤخرا لفظ الفريق الثاني خارج دائرة القرار في ما يجري وصفه كصراع على سلطة تعترف صراحة وعلنا بأنها لا تتمتع بأي سلطة في ظل الاحتلال الإسرائيلي أو كصراع على "خلافة" الرئيس محمود عباس في قيادة المنظمة والسلطة وحركة فتح.

إن التناقض الصارخ بين الممارسة السياسية الفعلية طوال السنوات الماضية للأسماء التي تمثل العناوين الرئيسية لهذا الفريق الثاني وبين دعواتهم المستجدة التي تفتقد الصدقية بمزاودتها على المعارضة المقاومة لاستراتيجية "المفاوضات كسبيل أوحد" هو تناقض ينم عن انتهازية سياسية سافرة لا يمكن اتهام الرئاسة الفلسطينية بها، إذ بغض النظر عن الاتفاق او الاختلاف مع استراتيجية الرئيس عباس فإن التزامه باستراتيجية "المفاوضات كسبيل أوحد" يمثل موقفا مبدئيا له لم يحد عنه طوال مسيرته السياسية.

فعبد ربه كان جرافة إعلامية وسياسية وثقافية، وسلام فياض كان كاسحة ألغام مالية وحكومية، ومحمد دحلان كان رأس حربة أمنية واستخبارية في حملة منظمة تستقوي بعلاقات دولية وعربية مكشوفة على المقاومة الفلسطينية وتسترشد بشروط دولة الاحتلال الإسرائلي التي تبنتها اللجنة الرباعية الدولية لمطاردة المقاومة في الضفة الغربية وتصفيتها أو محاصرتها في قطاع غزة، وقد كان هذا الفريق احتياطيا جاهزا لإجهاض اتفاقيات المصالحة الوطنية قبل ان يجف حبر التوقيع عليها.

غير أن الضجيج الإعلامي الناتج عن هذا الصراع الفعلي أو المفتعل بين الفريقين يغطي أو يستخدم للتغطية على الاستحقاقات الوطنية الأهم للتغيير في الاستراتيجية والقيادات على حد سواء.

فالمفاوضات على "حل الدولتين" قد أصبحت عقيمة ومدمرة للقضية الوطنية الفلسطينية حتى لو استؤنفت لأن مثل هذا "الحل غير قابل للتنفيذ" ولأن "موت حل الدولتين أصبح حقيقة لدى كل مطلع على حقيقة الوضع على الأرض" كما كتب الوزير الأردني السابق مروان المعشر يوم الأربعاء الماضي، داعيا إلى "مقاربة أردنية جديدة لا تنظر لإسرائيل على أنها شريك في عملية السلام"، وفلسطين الآن أحوج كثيرا من الأردن إلى مقاربة كهذه تفك الشراكة الاسمية مع دولة الاحتلال في يسمى "عملية السلام".

لكن منظمة التحرير في وضعها الراهن ليست مؤهلة ل"القيام بالتغيير والتجديد والإصلاح والمراجعة" وانتظار "أن تقوم اللجنة التنفيذية" للمنظمة بذلك ليكون "مفتاح الحل بيد من أوصلنا إلى ما نحن فيه" هو ضرب من "الأوهام فعلا" لأن "علينا أن نواجه الحقيقة بأن الكيان الذي تمثله المنظمة شرعي ولكنه يعاني من موت سريري ... ومن الطبيعي أن يكون الحل من خارجها" كما كتب مدير عام مركز "مسارات" الفلسسطيني هاني المصري يوم الثلاثاء المنصرم.

وهذا الواقع يستدعي في الحد الأدنى تنحي "من أوصلنا إلى ما نحن فيه" وتحويلهم في أحسن الحالات إلى فريق استشاري خبير في تقديم المشورة حول أفضل السبل للفشل الذريع في المفاوضات كي يتجنبها المفاوضون في المستقبل، ويظل تنحيهم استحقاقا قائما بانتظار التوافق الوطني على بديل لهم.

لقد نجح المفاوض الإيراني لأنه استند في مفاوضاته إلى مقايضة سلاح نووي لم يمتلكه لكنه امتلك الخبرة والخبراء والامكانية لصنعه بحق امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية ومعها امتلاك قراره الوطني الحر والمستقل.

وفشل المفاوض الفلسطيني لأنه تخلى عن المقاومة وقدراتها ودخل المفاوضات وهو مجرد من سلاحها فلم يستطع مبادلة وقفها بإنهاء كامل للاحتلال.

ويضفي اتفاق الثلاثاء الماضي على البرنامج النووي الإيراني صفة استعجال ضاغطة على استحقاق التغيير في القيادة الفلسطينية واستحقاق التوافق على استراتيجية فلسطينية بديلة.

فهذا الاتفاق قد نقل إيران من ركن أساس في ما سماه الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو. بوش عام 2002 "محور الشر" إلى شريك للولايات المتحدة وأوروبا في المحافظة على السلم والأمن الإقليمي في الوطن العربي ومحيطه، بحيث لم يعد من المصلحة الوطنية الفلسطينية الاستمرار في التهرب من التعامل مع إيران خشية الاتهام الأميركي – الأوروبي بالتعامل مع "محور الشر" الإيراني الذي كان قبل الاتفاق متهما أميركيا واوروبيا بدعم "الإرهاب"، أي المقاومة الفلسطينية واللبنانية، ضد الاحتلال الإسرائيلي ودولته.

إن خضوع أي قيادة فلسطينية حالية أو في المستقبل لضغوط أي محور عربي معارض للاتفاق الدولي على البرنامج النووي الإيراني يعني الاصطفاف إلى جانب محورعربي ينسق حاليا مع دولة الاحتلال أو يسعى إلى إنشاء جبهة معها لإجهاض الاتفاق، وهذا معناه الرهان على حصان خاسر فشل في منع التوصل إلى الاتفاق ومن المؤكد أنه لن ينجح في منع تنفيذه.

فاي اصطفاف فلسطيني إلى جانب أي جبهة عربية كهذه مع دولة الاحتلال يعني فقط استعداء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الموقعين على الاتفاق، ناهيك عن روسيا والصين، وهذا هو للمفارقة ذات "المجتمع الدولي" الذي خذل مفاوض منظمة التحرير والذي ما زال مفاوض المنظمة يراهن عليه.

إن منظمة التحرير ومفاوضوها، وكذلك "بعض" القيادات المعارضة لهم في المقاومة التي تراهن اليوم على علاقاتها مع دول خليجية معارضة للاتفاق، يجدون أنفسهم الآن على مفترق طرق حاسم يخيرهم بين تأييد لا لبس فيه للاتفاق والاصطفاف إلى جانب الموقعين عليه وبين معارضته والاصطفاف إلى جانب دولة الاحتلال والمنسقين العرب معها في محاولة إسقاطه.

* كاتب عربي من فلسطين 
* nassernicola@ymail.com

هل إنتصر مسار "أورانيوم" وانهزم مسار كامب ديفيد؟/ راسم عبيدات

إتفاق تاريخي....ونهاية حصار ظالم إمتد لأكثر من خمسة وثلاثين عاماً....ونصر ايراني  وهزيمة اسرائيلية بإمتياز ....ومعادلات جديدة وتحالفات جديدة ستبرز في المنطقة...معادلات رؤيتي تقول بأن ايران انضمت لنادي الكبار الستة لكي يصبحوا سبعة على مستوى العالم،ايران قوة إقليمية متسيدة في المنطقة،ومقرر في قضاياها...وسوريا قوة حاسمة في المشرق ...والمقاومة بكل قواها تصعد وتتسع حضوراً وتأثيرا وتزداد قوة وصلابة...اسرائيل يتراجع دورها،فهي لم تعد  صالحة لخوض الحروب العسكرية بعد فشلها في الحرب العدوانية التي شنتها بالوكالة لأول مرة في تاريخها نيابة عن كل القوى الإستعمارية وفي المقدمة منها امريكا على حزب الله وقوى المقاومة  في تموز/2006،حيث لم تستطع ان تستولد الشرق الأوسط الكبير الذي نادت به وزير خارجية أمريكا انذاك "كونداليزا رايس"...السعودية المرتجفة والمرتعبة من الإتفاق ستبقى دفيئة وعنوان الإرهاب الذي سيرتد الى نحرها ويحرقها،كذلك هي غارقة في  اليمن وتستنجد بمن يمد لها طوق النجاة او النزول عن الشجرة،وهي تستجدي بوتين لكي ينقذها من هذه الورطة.
منذ توقيع اتفاقية "كامب ديفيد" في 17 سبتمبر/1978 والتي ارتد فيها نظام السادات المغدور على الحقبة الناصرية،وما عنت تلك الإتفاقية من خروج لمصر بثقلها العسكري والسياسي والبشري من معادلة الصراع العربي- الإسرائيلي،،وتغير في دور ووظيفة النظام العربي الرسمي وبنيته،ومن ثم اندلاع الثورة الخمينية في ايران عام 1979،برزت تجليات الصراع واضحة بين مسارين،مسار يريد ان يفرض وجود اسرائيل في المنطقة العربية والإسلامية كمقرر ومتسيد وذات شرعية،ومسار آخر يقول بأن اسرائيل مولود لقيط خارج التاريخ والجغرافيا.منذ توقيع "كامب ديفيد" وقيام الثورة الخمينية..جرت حروب على كل الجبهات بين المسارين،ومارس أصحاب نهج ومسار "كامب ديفيد" الكثير من الحروب متعددة الأشكال ضد أصحاب نهج"اورانيوم" من أجل تحقيق نصر ساحق عليهم،وتعميم نهج وثقافة الإستسلام والإستنعاج ،ثقافة "كامب ديفيد" و(99)% من أوراق الحل بيد أمريكا،فكانت حرب عام 82 وإجتياح بيروت،وفرض حكومة لبنانية موالية لإسرائيل وتأتمر بأمرها،وكذلك تم توريط العراق من قبل أمريكا ودول مشيخات النفط في حرب مع ايران امتدت لثماني سنوات،حرب أنهكت البلدين،واستنفذت الكثير من ثروات وخيرات وقدرات ومقدرات الشعب العراقي،لكي يجري بعد ذلك محاصرة العراق ومن ثم إحتلاله،بحجج وذرائع واهية،ثبت زيفها وكذبها امتلاك العراق للسلاح النووي،ولتهدد امريكا سوريا بنفس المصير،وتفرض عليها الكثير من العقوبات الإقتصادية والتجارية والحصار،ومن ثم توجه لها الإتهامات بقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري،فرأس سوريا كما هو رأس ايران وحزب الله وكل قوى المقاومة العربية،بما فيها الفلسطينية مطلوبا،ورفع رئيسي الولايات المتحدة السابقين جورج بوش الابن والأب،شعار من ليس معنا فهو ضدنا،وشدد الحصار على البلدين وجرى تطويق ايران عبر الضفتين الأفغانية والعراقية،وسوريا أصبحت محاطة بحلفاء امريكا،وتم تصنيفهما على أنهما دول محور الشر مع كوريا الشمالية.
حروب تصاعدت من اجل فرض الهزيمة والإستسلام على محور المقاومة في المنطقة،وبما يجعلها تخضع بالمطلق للهيمنة والسيطرة الأمريكية والإستعمارية،وتكون"اسرائيل" عصاها الغليظة لضرب أي حالة نهوض قومي عربي محتملة في المنطقة.فكانت حرب "اسرائيل" بالوكالة في تموز/2006 على حزب الله والمقاومة وسوريا كحلقة مركزية،تلك الحرب فشلت وكانت هزيمة مدوية لأمريكا و"اسرائيل"،تقرير لجنة "فينوغراد"الإسرائيلي و"بيكر – هاملتون" الأمريكي.
أمريكا و"اسرائيل" ومعها مشيخات الكاز والنفط العربي ومعهم العثمانيون الجدد،ومعهم معاهد الدراسات والأبحاث الإستراتيجية الأمريكية ومطابخ المخابرات الأمريكية والغربية، قالوا بأنه من أجل إلحاق هزيمة شاملة بمعسكر ومحور طهران –سوريا – حزب الله، فلا بد من حرب كسر عظم،تعيد رسم خرائط وجغرافية المنطقة على أساس تفكيك وتركيب الجغرافيا العربية على تخوم وفواصل المذهبية والطائفية والثرواتية،فكانت ما يسمى  ب"ثورات" الربيع العربي،وشعبنة الفتنة المذهبية (سني- شيعي)،فكان تصدير الإرهاب وحروب الفتن المذهبية،تحصد الأرواح وتحرق البلدان وتدمر بلا هوادة الدول ومؤسساتها وتفكك جيوشها وتقتل بشرها وتشردهم،وتنهب خيراتها وثرواتها،وتمارس عمليات تطهير عرقي بحق الأقليات،ناهيك عن هدم وتدمير حضارات انسانية ممتدة لألآف السنين،حروب وإرهاب وفتن طالت تونس ومصر وليبيا والعراق وسوريا واليمن ووصلت لشواطىء فلسطين،ولكن كل ذلك لم يفلح في كسر صمود لا ايران ولا سوريا ولا اليمن ولا حزب الله،حلقة بقيت صامدة ومتماسكة.
بعد محادثات مكثفة ومتواصلة إمتدت في فينا لسبعة عشر يوماً،واضح بأن وصفات وزير الدفاع الأمريكي السابق رامسفيلد" «إن ما لا تحله القوة يحله المزيد من القوة» وغيره من المتطرفين من أمثال كيسنجر وروس وأنديك وهنتنغتون وفوكوياما ومادلين أولبرايت،وكوندوليزا رايس وبول وولفوفيتز،قد فشلت فشلاً ذريعاً،حيث جرى الإعتراف بحق ايران في إمتلاك برنامج نووي للطاقة السلمية،وبرفع لكل العقوبات الإقتصادية والمالية عنها،وبما يحرر الكثير من مليارات الدولارت المحتجزة لها في البنوك والمؤسسات الدولية،وبأنها قوة إقليمية يجب ان تراعى مصالحها في المنطقة.
نعم توقيع التفاهم النووي يعلن انتصار مسار "ايرانيوم" والهزيمة لمسار "كامب ديفيد"،هناك الكثيرون سيخرجون من الحلبة وسيدخل لاعبون جدد لوراثة الدور والمكانة الأمريكية في المنطقة روسيا والصين ومعهما ايران وسوريا،سوريا بعد هزيمة الإسلام السياسي في أنقرة،جماعة الإخوان المسلمين،حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان،وخروج السياسة الخارجية التركية من تحت سيطرة الإخوان،وإنتصار ايران التي ربطت سوريا مصيرها بمصير قيادتها وخيارها،وغرق السعودية في الوحل اليمني،فهذا يعني بأن توقيع التفاهم النووي مع إيران يعني بداية النهاية للحرب التي شنّت عليها ضمن الحرب الشاملة على معادلة «إيرانيوم»، وهي حرب تضع أوزارها اليوم.
إن شعار دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي السابق " إن ما لا تحله القوة يحله المزيد من القوة" قد سقط الى غير رجعة،وكذلك نرى بأن ما قاله سماحة السيد حسن نصر الله بأن دولة الإحتلال الإسرائيلي أوهن من بيت العنكبوت وبأن "إسرائيل" مولود لقيط خارج التاريخ وخارج الجغرافيا  تثبت صحتها شيئاً فشيئاً،وبأن ايران اليوم "اورانيوم"هي ليست ايران ما قبل توقيع التفاهم النووي.

يا قلب خبرني/ محمود شباط

يا قَـلـب ..
خَـبّـرنِـي عَـن اللي تَـاعْـبَـكْ
ولا تـزيـدْ عـبْء مْـصَاعْـبِـي ....
بْـمْـصاعْـبَـكْ
أنْـتـا أنـا
بْـبُّـؤسْ وهَـنـا
وان كـنْـتْ خَـايِـف إنَّـك تْـسَـمِّـي
لَـمِّـحْ ...
يـمْـكِـنْ نْـشَخِّـصْ
سَـوا منْ شُـو إجَـا هَـمّكْ ... 
حتى كـبِـرْ هَـمِّـي
لَـمِّـح ...
من حَـقْـنَـا نْـتُوهْ بْـحـلْـم وَرْدِي 
بْـجَـنِّـه عـ نَجْـمة صُـبح مـنْـفـردِه 
لَـمِّـح ... عن اللي تاعْـبَـك

يـمْـكِـنْ بـصِدْفـِه نَـعْـرْفُـو
إرمي الـكُـرَه عَـ مَـلْـعَـبُـو
زيـحَـا يا قَـلْـبِـي
عَـن خَضَار مْـلاعْـبَـكْ
و منْ شَـانْ نـخْـلَـصْ 
من جَـحِـيم مْـصَاعْـبِـي
و مْـصاعْـبَـكْ
يا قَـلـب خَـبّـرنِـي عَـن اللي تاعْـبَـكْ.

الخبر في 15/07/2015

تخاريف يومية/ فاطمة الزهراء فلا

علي جناح شوق كسير
وقلب أسير
علموه كيف ينأي عن الحب
وقلموا أظافره وبتروا ساقيه
فلم يواصل المسير
وبات دمعه في عينيه وطن
وهل يغادر الأم الوليد
وهل يذوب في الصيف 
كما في البرد الجليد
تصوفت في عشقك أنا
وبات لي كالدم في الوريد
وإن يغادرني تسافر الأحلام
ويرحل من دنياي أي عيد
اعتدت طيفك انا نسمة سحر 
تظمأ للزهروترقص لك كيفما تريد
وتحسست شعري ووترا ولحنا
غنيته للريح أجمل نشيد
ربة تناغي عاشقها الذي
كان يوما علي ركبتيه يجثو
ما بين النشوة والعنفوان
يخاف أن يمس الزهرة فتذبل
مع إن أصابعه كانت تسحرها
وتحيل أنوثتها ربيعا يشرق
مع كل فجر جديد
يا ألقا تجلي فوق خريطتي
وكنت كالبحر زادي الوفير
وخيالي المجنح وتخاريفي اليومية
عند كل أصيل
جنية البحر ومرفأ النوارس
تجذبني حكاياتك 
وأغزل منها أثوابا من الحلم
الذي ضاع في عناوين المدن

السُّخْرِيَة ُوَالسُّخْرُ،إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ 1/ كريم مرزة الأسدي

الحلقة الأولى 

1 - المدخل :
قال  أعشى باهلة (1) يرثي المنتشر بن وهب ، وتذكر بعض المراجع أنهما أخوان  لأم  ، وقيل الشعر لأخت المنتشر الدعجاء بنت وهب بن سلمة الباهلية (2) ، وأنا للأعشى أميل ! من البحر  البسيط   :
إنى أتتني لسانٌ لا أسرّ بها  *** منْ علُ لا عجبٌ فيها ولا سَخَرُ
فبت مرتفقاً للنجم أرقبــــــهُ  ******حيران ذا حذر لو ينفع الحذر
وجاشت النفس لما جاء جمعهم  ***  وراكب جاء من تثليث معتمرُ
يأبى على الناسِ لا يلوِي على أحدِ ** حتى التقينا وكانت دوننا مضرُ
  نقلت الأبيات الثلاثة الأولى كما يرويها أبو عبيد البكري في  (فصل مقاله...) إذ يقدم لها قائلاً :  أما قول أعشى باهلة فإن صلته وإصلاح إنشاده (3) ، ويذكر الأبيات السابقة  .  
القصيدة من روائع رثاء الشعر الجاهلي الخالدة ، خلود الأعشى لا الدعجاء ، ولو كانت للدعجاء لنالت شهرة الخنساء ، ولا نريد من القصيدة إلا مطلعها ، لأنه تضمن كلمة (سَخَرُ ، أو  سُخْرُ على رواية ثانية ) ، وجدُّنا في السُّخْرِ، وسخريتُنا في الجدِّ ، ولله سرّ في خلقه ، وللإنسان سرّ في خبثه ، ونحن بين بين لتسوية الأمرين  !! ،المهم لابد أن نعرج على البيت  استطراداً لماماً ، والإطناب عادتي أحياناً للإفادة والاستفاضة ، من النواحي التاريخية واللغوية والبلاغية والنحوية والعروضية  . 
تاريخياً : قال أبو العباس المبرد في (كامله ) : من أخبار هذا المنتشر المرثي كان " أحد رجليي العرب. قال الأخفش: هو منسوب إلى الرجل، وهم السعاة السابقون في سعيهم ، وكان من خبره أنه أسر صلاءة بن العنبر الحارثي، فقال: افتد نفسك. فأبى، فقال: لأقطعنك أنملة أنملة، وعضواً عضواً ما لم تفتد نفسك؛ فجعل يفعل ذلك به حتى قتله، ثم حج من بعد ذلك المنتشر ذا الخلصة - وهو بيت كانت خثعم تحجه، زعم أبو عبيدة أنه بالعبلات، وأنه مسجد جامعها، فدلت عليه بنو نفيل بن عمرو بن كلاب الحارثيين؛ فقبضوا عليه، فقالوا: لنفعلن بك كما فعلت بصلاءة. ففعلوا ذلك به، فلقي راكب أعشى باهلة، فقال له أعشى باهلة: هل من جائبة خبر؟ قال: نعم، أسرت بنو الحارث المنتشر، وكانت بنو الحارث تسمي المنتشر مجدعا، فلما صار في أيديهم قالوا: لنقطعنك كما فعلت بصلاءة، فقال أعشى باهلة يرثي المنتشر ...
لغوياً : قوله: إني أتتني لسان يقال : هو اللسان وهي اللسان. فمن ذكر فجمعه ألسنة، ونظيره حمار وأحمرة، وفراش وأفرشة، وإزار وآزرة؛ ومن أنث قال: لسان وألسن ، كما تقول: ذراع وأذرع ، وكراع وأكرع ؛ لا تبالي أمضموم الأول كان أو مفتوحاً أو مكسوراً إذا كان مؤنثاً، ألا ترى أنك  تقول: شمال وأشمل قال أبو النجم :
يأتي لها من أيمن وأشمل " (4)
كما ترى يرى المبرد في ( كامله) ، وغيره مثله ،أن ( اللسان ) كلمة تُذكّر وتُؤنّث ، وبالتالي هي مؤنث  " إني أتتني لسان " لماذا لا ، والعرب الأقحاح  القدماء لهم الحق فيما ينطقون ، وهم حجّة علينا ، واللغة لغتهم على الفطرة دون تهجين   ؟!! 
بلاغياً : وهنالك رأي بلاغي وليس بلغوي صرف ،  إذ جاء في القرآن الكريم - الشعراء 84 - " وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ "   والمراد باللسان القول ، وأصله جارحة الكلام . قال القتبي : وموضع اللسان موضع القول على الاستعارة ، وقد تكني العرب بها عن الكلمة . (5) ، وعلى هذا " أتتني لسان "   بمعنى ( أتتني كلمة).   
نحوياً : وقوله : من علُ يقول : من فوق . فإذا كان معرفة مفرداً بني على الضم. كقبل وبعد. وإذا جعلته نكرة نونته وصرفته، كما قال جرير :
إني انصببت من السماء عليكم  ***  حتى اختطفتك يا فرزدق من علِ
والقوافي مجرورة. وإن شئت رددت ما ذهب منه. وهي ألف منقلبة من واو، لأن بناءه فعل من علا يا فتى، قال الراجز :
وهي تنوش الحوض نوشاً من علا  *** نوشاً به تقطع أجواز الفلا (6)
وفذلكة الأقوال كما جاء في شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك :  إن كلمة قبل تخفض بالكسرة إذا أضيفت وذكر المضاف إليه، كما هو معلوم ، وتجر كذلك بالكسرة إذا حذف المضاف إليه ونوى لفظه، ومن هذا قول الشاعر:
 وَمنْ قَبْلِ نَادى كلُّ مولى قرابة  *** فما عَطَفتْ يَوْماً عَليهِ العَوَاطفُ
وتجر كذلك بالكسرة مع التنوين إذا حذف المضاف إليه ولم ينو لفظه ولا معناه ومنه ما في القراءة الشاذة لله الأمر من قبلٍ ومن بعدٍ، وتبنى على الضمة إذا حذف المضاف إليه ونوى معناه دون لفظه، ومن هذا قوله تعالى:  " وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا " ، ( المائدة 77) 
وأشار ابن مالك في (ألفيته) إلى هذا في باب الإضافة : 
واضمم بناء (غيرا) إن عدمت ما****** له أضيف ناويا ما عدما
(قبل) كغير (بعد) (حسب) (أولُ)**** ودون والجهات أيضاً و(علُ)
وأعربوا نصباً إذا مـــــا نكرا ******** (قبل) وما من بعده قد ذكرا (7)
عروضياً :  ابن الشجري في ( مختارات شعره..)  يشبّع ضمة ( علُ) ، وكذلك الأمر في بعض المراجع الأخرى ، فيكتب البيت المطلع كالتالي:
إنِّي أتتني لسانٌ لا أسرُّ بهــــا  *** من علْوُ لا عجبٌ منها ولا سخرُ (8)
 وأنا  مع مَن نقلت عنه في بداية مقالتي ، أي دون الحاجة لإشباع الضمة ، لأن إشباعها ليس من الضرائر الشعرية ، ولو أن الأشباع أطرى نغماً ، وأكثر وزناً ، البيت من البحر البسيط كما أسلفت ، و " مِنْ علُ لا " وزنها (مفْتعلن) ، وهي من جوازات ( مستفعلن) في البحر البسيط ، و " منْ علْو لا " وزنها (مستفعلن) ، ولكن لا يوجد مبرر للإشباع ، نعم عند الضرورة يجب أن يلفظ ، بل ويكتب الإشباع ، ومثله الإختلاس في الشعر ، ولو أنني أتساهل في الأمر أحياناً ، وأتغاضى عنه  كي لا  يشكّ القارئ الكريم متوهماً الخطأ أنّى خلط بين اللغة والعروض ، ولله الأمر من قبل ومن بعد !!
ماذا بقى لدينا ، وما نريده من البيت المطلع ، بقى علينا جمانة القصيد من المطلع الفريد ، ألا وهي كلمة ( سخر) .
2 سَخَرَ ...السُّخْرُ ...السُّخْرِيَةُ ..لغوياً
  كلُّ ما مرَّ علينا من ( السُّخْرُ وَالسُّخْرِيَة ُ  وسَخَرُ)   مأخوذ من مادة (س خ ر) التي تدل على احتقار واستذلال وهزئ وتهكم - ويمكن أن نضيف حسب اجتهادنا - تطويع ، بل إجبار وقهر واستعباد  !!، ، ولا تتخيل مادة (  س خ ر ) واشتقاقاتها تختص بالإنسان فقط ، بل يتجاوز مداها لتصل الحيوان والجماد ، فالكون والدنيا معه بكل مكوناتهما يخضعان لمبدأ القوي والضعيف ، ويصل الأمر إلى الله عز وجل القوي الجبار الذي يسخر كلّ شيء ويذلله ، إذ  يقول للشيء كن فيكون   !! إليكم الآن :
(سَخَرَ) : فعل ثلاثي لازم ويتعدى بحرف  ، المصدر (سُخْرُ، السُّخْرُ ) ، والاسم (سُخْرِيَة السُّخْرِيَة) . 
يقول الرازي في ( مختار صحاحه )  : " س خ ر : ( سخر ) منه من باب طرب و ( سخرا ) بضمتين و ( مسخرا ) بوزن مذهب . وحكى أبو زيد : ( سخر ) به وهو أردأ اللغتين . وقال الأخفش : ( سخر ) منه وبه وضحك منه وبه وهزئ منه وبه كل يقال ، والاسم ( السخرية ) بوزن العشرية و ( السخري ) بضم السين وكسرها وقرئ بهما قوله تعالى : ليتخذ بعضهم بعضا سخريا . و ( سخره ) ( تسخيرا ) كلفه عملا بلا أجرة وكذا ( تسخره ) . و ( التسخير ) أيضا التذليل . ورجل ( سخرة ) كسفرة يسخر منه و ( سخرة ) كهمزة يسخر من الناس " . (9)  . 
وقال الجوهري يقال سخرت منه وسخرت به كما يقال : ضحكت منه ، وبه ، وهزئت منه ، وبه .   
وقال الفراء : يقال سخرت منه ولا يقال سخرت به ، قال تعالى :" يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم " (10) وأنا مع رأي الفراء ، لأن سخرت بـه أقسى معنوياً ، وأذل إنسانياً من سخرت منه !! (11)
ومما جاء في ( اللسان ) سخر : سَخِرَ مِنْهُ وَبِهِ سَخْرًا وَسَخَرًا وَمَسْخَرًا وَسُخْرًا ، بِالضَّمِّ ، وَسُخْرَةً وَسِخْرِيًّا وَسُخْرِيًّا وَسُخْرِيَّةٌ : هَزِئَ بِهِ ; وَيُرْوَى بَيْتُ أَعْشَى بَاهِلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ :  
إِنِّي أَتَتْنِي لِسَانٌ ، لَا أُسَرُّ بِهَا ** مِنْ عَلْوَ لَا عَجَبٌ مِنْهَا وَلَا سُخْرُ
وَيُرْوَى وَلَا سَخَرُ ... وَقَالَ الرَّاعِي :  
تَغَيَّرَ قَوْمِي وَلَا أَسْخَرُ ** وَمَا حُمَّ مِنْ قَدَرٍ يُقْدَرُ 
  قَالَ الْأَخْفَشُ : سَخِرْتُ مِنْهُ وَسَخِرْتُ بِهِ ، وَضَحِكْتُ مِنْهُ وَضَحِكْتُ بِهِ ، وَهَزِئْتُ مِنْهُ وَهَزِئْتُ بِهِ ، كُلٌّ يُقَالُ : وَالِاسْمُ السُّخْرِيَّةُ وَالسُّخْرِيُّ وَالسِّخْرِيُّ ، وَقُرِئَ بِهِمَا قَوْلُهُ تَعَالَى : لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ; وَفِي الْحَدِيثِ : أَتَسَخَرُ مِنِّي وَأَنَا الْمَلِكُ أَيْ أَتَسْتَهْزِئُ بِي . وَإِطْلَاقُ ظَاهِرِهِ عَلَى اللَّهِ لَا يَجُوزُ ؛ وَإِنَّمَا هُوَ مَجَازٌ بِمَعْنَى : أَتَضَعُنِي فِيمَا لَا أَرَاهُ مِنْ حَقِّي ؟ فَكَأَنَّهَا صُورَةُ السُّخْرِيَّةِ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ ; قَالَ ابْنُ الرُّمَّانِيِّ : مَعْنَاهُ يَدْعُو بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَى أَنْ يَسْخَرَ .... 
وَالسُّخْرَةُ : الضُّحْكَةُ . وَرِجْلٌ سُخَرَةٌ : يَسْخَرُ بِالنَّاسِ . وَفِي التَّهْذِيبِ : يَسْخَرُ مِنَ النَّاسِ وَسُخْرَةٌ ، يُسْخَرُ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ سِخْرِيٌّ وَسُخْرِيَّةٌ مَنْ ذَكَّرَهُ كَسَرَ السِّينَ ، وَمَنْ أَنَّثَهُ ضَمَّهَا ، وَقُرِئَ بِهِمَا قَوْلُهُ تَعَالَى لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَالسُّخْرَةُ مَا تَسَخَّرْتَ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ خَادِمٍ بِلَا أَجْرٍ وَلَا ثَمَنٍ . وَيُقَالُ : سَخَرْتُهُ بِمَعْنَى سَخَّرْتُهُ أَيْ قَهَرْتُهُ وَذَلَّلْتُهُ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ; أَيْ ذَلَّلَهُمَا ، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ مَسَخَّرَانِ يَجْرِيَانِ مَجَارِيهِمَا أَيْ سُخِّرَا جَارِيَيْنِ عَلَيْهِمَا . وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ : جَارِيَاتٌ مَجَارِيَهِنَّ سَخَّرَهُ تَسْخِيرًا كَلَّفَهُ عَمَلًا بِلَا أُجْرَةٍ . وَكَذَلِكَ تَسَخَّرَهُ . وَسَخَّرَهُ يُسَخِّرُهُ سِخْرِيًّا وَسُخْرِيًّا وَسَخَرَهُ : كَلَفَّهُ مَا لَا يُرِيدُ وَقَهَرَهُ . وَكُلُّ مَقْهُورٍ مُدَبَّرٍ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ مَا يُخَلِّصُهُ مِنَ الْقَهْرِ ؛ فَذَلِكَ مُسَخَّرٌ . وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ; قَالَ الزَّجَّاجُ : تَسْخِيرُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ تَسْخِيرُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ لِلْآدَمِيِّينَ ، وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِي بُلُوغِ مَنَابِتِهِمْ وَالِاقْتِدَاءُ بِهَا فِي مَسَالِكِهِمْ ، وَتَسْخِيرُ مَا فِي الْأَرْضِ تَسْخِيرُ بِحَارِهَا وَأَنْهَارِهَا وَدَوَابِّهَا وَجَمِيعِ مَنَافِعِهَا ; وَهُوَ سُخْرَةٌ لِي سُخْرِيٌّ وَسِخْرِيٌّ ، وَقِيلَ : السُّخْرِيُّ ، بِالضَّمِّ ، مِنَ التَّسْخِيرِ ، وَالسِّخْرِيِّ ، بِالْكَسْرِ ، مِنَ الْهُزْءِ ، وَقَدْ يُقَالُ : فِي الْهَزْءِ سُخْرِيٌّ وَسِخْرِيٌّ وَأَمَّا مِنَ السُّخْرَةِ فَوَاحِدُهُ مَضْمُومٌ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي ; فَهُوَ سُخْرِيًّا وَسِخْرِيًّا ، وَالضَّمُّ أَجْوَدُ . أَبُو زَيْدٍ : سِخْرِيًّا مَنْ سَخِرَ إِذَا اسْتَهْزَأَ وَالَّذِي فِي الزُّخْرُفِ : لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ; عَبِيدًا وَإِمَاءً وَأُجَرَاءَ ، وَقَالَ : خَادِمٌ سُخْرَةٌ وَرَجُلٌ سُخْرَةٌ أَيْضًا : يُسْخَرُ مِنْهُ . سُخَرَةٌ بِفَتْحِ الْخَاءِ يَسْخَرُ مِنَ النَّاسِ . وَتَسَخَّرْتُ دَابَّةً لِفُلَانٍ أَيْ رَكِبْتُهَا بِغَيْرِ أَجْرٍ ; وَأَنْشَدَ  
سَوَاخِرٌ فِي سَوَاءِ الْيَمِّ تَحْتَفِزُ
وَيُقَالُ : سَخَرْتُهُ بِمَعْنَى سَخَّرْتُهُ أَيْ قَهَرْتُهُ . وَرَجُلٌ سُخْرَةٌ يُسَخَّرُ فِي الْأَعْمَالِ وَيَتَسْخِرُهُ مَنْ قَهَرَهُ وَسَخَرَتِ السَّفِينَةُ أَطَاعَتْ وَجَرَتْ وَطَابَ لَهَا السَّيْرُ ، وَاللَّهُ سَخَّرَهَا تَسْخِيرًا . وَالتَّسْخِيرُ : التَّذْلِيلُ . وَسُفُنٌ سَوَاخِرُ إِذَا أَطَاعَتْ وَطَابَ لَهَا الرِّيحُ . وَكُلُّ مَا ذَلَّ وَانْقَادَ أَوْ تَهَيَّأَ لَكَ عَلَى مَا تُرِيدُ ، فَقَدْ سُخِّرَ لَكَ . (12)
فذلكة الأقوال ، وكلمات ذات صلة :
 السُخْر : تَهَكُّمُ ، هُزْؤُ.
و السُّخْرَةُ من يَسْخَرُ منه الناسُ.
فلانٌ سُخَرَة : يضحك من الناس.
 استسخرَ بـ : استسخرَ من يَستسخِر ، استسخارًا ، فهو مُسْتسخِر ، والمفعول مُستسخَرٌ به.  
 استسخر بمنافسِه : استسخر من منافسه سخِر منه ، هزِئ به  " وَإِذَا رَأَوْا ءَايَةً يَسْتَسْخِرُونَ "
سُخرة: ( اسم )  
الجمع : سُخُرات و سُخْرات 
سُخَرة ، سُخرة 
السُّخْرَةُ : ما سَخَّرْتَهُ من دابة ، أَو رجل بلا أَجر ولا ثمن . 
أعمال السُّخْرَة : أعمال بدون أجر مفروضة على من يقوم بها . 
رجال السُّخْرَة : العبيد والأرقّاء . 
نظام السُّخْرة التأجيريّ : نظام يتمّ من خلاله تسخير مدين من قبل مقرضه حتى يتمّ دفع الدين .
اِستَسخَرَ اِستسخار تَسَخَّرَ تَسخير سَخَرَ سَواخِرُ سُخْرِيَة سُخْرِيّ سُخرة ساخِر مَسْخَرة مَسْخور مَساخِرُ مُتسخَّر مُسَخَّر مُسْتسخِر مُمسخَر.
سخر :  
  سخره : كلفه ما لا يريد .
  سخره : قهره . 
 سخره عليه : سلطه عليه .
 سخر الحيوان : ذلـله 
سخَّرَ  
سخَّرَ يُسخِّر ، تسخيرًا ، فهو مُسخِّر ، والمفعول مُسخَّر
 سخَّر الشَّخصَ 
 كلّفه ما لا يريد وقهره  
 كلّفه عملاً بلا أجر : شخص مسخّر  
 سخَّر الشَّيءَ : ذلّله وأخضعه ويسّره : سخَّر اللهُ قُوى الطبيعة في خدمة الإنسان ، فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ "  ، " وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ " " 
 سخَّر الشَّيءَ عليه : سلَّطه عليه  " فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ . سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ "
س خ ر ، فعل : رباعي متعد بحرف . سَخَّرْتُ ، أُسَخِّرُ ، سَخِّرْ ، مصدر تَسْخِيرٌ
 . أنَا لاَ أسْخَرُ مِنْ أحَدٍ  : لاَ أُمَازِحُ ، لاَ أُدَاعِبُ أَحَداً ، لاَ أهْزَأُ مِنْ أَحَدٍ  
 س خ ر  ، فعل : خماسي لازم متعد بحرف  ، تَسَخَّرَ ، يَتَسَخَّرُ ، مصدر تَسَخُّرٌ   يَتَسَخَّرُهُ فِي كُلِّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِهِ : : يُكَلِّفُهُ عَمَلاً بِلاَ مُقَابِلٍ .  
. تَسَخَّرَ مِنْهُ  : هَزِئَ بِهِ . تَسَخَّرَ بِهِ 
وقال الفيروزابادي : سياقة إلى الغرض المختص به قهرا ، والمسخر هو المقيض للفعل ، والسخري : هو الذي يقهر لنا بإرادته ، وسخرت منه :  
أي سخرته للهزء منه ، ويقال : رجل سخرة لمن يسخر كبرا ، وسخرة كصبرة لمن يسخر منه . والسخرية أيضا فعل الساخر  . 
وقول الله - عز وجل - : فاتخذتموهم سخريا ( المؤمنون / 110 ) بالضم والكسر  ، حمل على التسخير وعلى السخرية ، ويدل على الوجه الثاني ( السخرية ) قوله بعده وكنتم منهم تضحكون ( المؤمنون / 110 ) 7 ، وقال القرطبي في تفسير هذه الآية : فرق أبو عمرو بينهما ( أي بين القراءتين ). (13)
ونحن نفرق بين السخرية لغوياً والسخرية اصطلاحاً ، وأول الغيث قطرٌ ثم ينهمرُ!!!!!انتظروا...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
(1) أعشى باهلة، وهو عامرُ بن الحارث، وكنيته أبو قحافة يرثي المنتشر بن وهب الباهلي، ومنتشر من السعاة السباقين في سعيهم؛ قتله بنو نفيل بن عمرو بن كلاب .
(2) الدعجاء بنت وهب بن سلمة الباهلية، من قيس عيلان. شاعرة بليغة من أهل العصر الجاهلي. اشتهر من شعرها رثاؤها لأخيها المنتشر، وكان يغير على بني الحارث بن كعب، يقتل ويأسر، فرصدوه حتى أخذوه وقطعوه إرباً إربا، بثأر من قتل منهم .
 (3)  فصل المقال في شرح كتاب الأمثال : أبو عبيد البكري - تحقيق إحسان عباس - ج1 ص 509 - ط 1 - 1971م - دار الرسالة  بيروت ، جاء مطلع البيتين الأولين في ( موسوعة الشعر العربي الفصيح ) - ( الشعر الفصيح) - - العصر الجاهلي - أعشى باهلة ( الديوان) :
إنّي أَتَتني لِسانٌ مَا أُسَرُّ بها *** من عُلوَ لا عَجَبق فِيهَا ولا سَخَرُ 
جَاءَتْ مُرَجِّمَةً قَدْ كُنْتُ أَحْذَرُها *** لو كانَ يَنْفَعُني الإِشْفَاقُ والحَذَرُ 
(4)  الكامل في اللغة والأدب : أبو العباس المبرد - 1 /319  - الوراق - الموسوعة الشاملة . 
(5) تفسير القرطبي : محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي - ج 13 - ص 106 - دار الفكر.
(6) الكامل في اللغة ...م . س .
(7) شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك : م 2 ص 71 - 72 .
(8) مختارات شعراء العرب لابن الشجري - القسم الأول - ج 1 ص 8  - الموسوعة الشاملة .
قصيدة أعشى باهلة .
(9) مختار الصحاح : محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي - المكتبة العصرية- الدار النموذجية سنة النشر: 1420هـ / 1999م - باب السين - س خ ر.
(10 ) الحجرات - 11 .  
(11) نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (ص) :عدد من المختصين بإشراف الشيخ / صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي - الصفحة  5497 -  الناشر : دار الوسيلة للنشر والتوزيع ، جدة الطبعة : الرابعة -
(12) لسان العرب : (أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ( ابن منظور) ج 7 - ص 145 - 2003 م - دار صادر .
(13) راجع :
 - فصل المقال  : البكري م. س .  
 - نضرة النعيم ...م. س . وعنه ، وعن المراجع  راجع أيضاً :
 (أ) الصحاح 2 / 679  
 مقاييس اللغة لابن فارس 3 / 144 (ب)  
 (ج) الصحاح 2 / 680 ، وقد حكى ذلك عن أبي زيد - وذكر أن تعديته بالباء أردأ اللغتين . 
. (د) لسان العرب 4 / 352 
 (هـ) بصائر ذوي التمييز 3 / 203  
 (و) بصائر ذوي التمييز 3 / 203  


ليلة قدر/ ماهر طلبه

حين استمع إلى خطبة إمام المسجد؛ عادت له طفولته.. مدرس التربية الدينية.. التى مازالت علامات عصاه تلون روحه وذاكرته.. كثيرا ما حدثهم عن ليلة القدر، وكثيرا ما قال لهم انتظروها فى العشر الأخيرة من رمضان، وكثيرا ما ظل ساهرا..
 لم يكن يومها قد فتح بعد صفحة الأحلام.. لكن هذا المدرس فتح له بابها.. فكان يتمنى أن يقابل ليلة القدر ليطلب من الله أن يختفى مدرسه من حياته، أو يُدخل آياته فى قلبه فلا ينساها ويهرب من مصير دائما ما يقابله فى كل حصص الدين... ذكره إمام الجامع بالحلقة المدورة فى السماء.. الضوء الذى ينير فجأة.. باب الأحلام الذى يُفتح فتتحقق كل الأمانى والامنيات... 
دخل حجرة نومه.. شاهد على سريره شيئا ما يتحرك.. لم يدرك ما يشاهده فى أول الأمر... لكنه لم يتسرب إلى قلبه الخوف قيد أنملة.. لذلك اقترب.. كانت هى... حلم قديم وقد انزاح عنه وعنها الغطاء.. فبدت أمامه دوائر من الضوء الأبيض الناصع... تأملها طويلا.. يعرف أنها تظهر كلمحة عين.. لذلك أسرع برفع يده للدعاء... فتحت عيناها على صوته المرتفع.. ورسمت على وجهها ابتسامة حانية.. فزادت مساحة الضوء حول وجهها الصبوح.. دعته إليها... انزل يده المرفوعة بالدعاء... استجاب. 

mahertolba@yahoo.com

في ذكرى يوم القدس العالمي/ راسم عبيدات

 صرخة مدوية اطلقها الراحل الكبير الإمام الخميني في السابع من آب لعام 1979م،بإعتبار الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك من كل عام،يوماً  عالمياً لنصرة القدس،يوماً تخرج فيه الجماهير العربية للشوارع والساحات والميادين العامة للتعبير عن غضبها والإحتجاج على ما تتعرض له المدينة من عمليات تطهير عرقي، وأسرلة وتهويد تطال كل معالم وجودها من بشر وحجر وشجر،عملية يراد منها نفي وجودنا المتجذر في هذه المدينة وتزوير تاريخنا والسطو على تراثنا وآثارنا وكل معالم حضارتنا العربية والإسلامية،حتى مسجدنا الأقصى يريدون تقسيمه زمانياً ومكانياً تمهيداً لهدمه وإقامة ما يسمى بالهيكل المزعوم مكانه.

تأتي الذكرى السادسة والثلاثون ليوم القدس العالمي والكثير من العرب أضاعوا البوصلة والهدف،فليس فقط لم تعد القدس قبلتهم وقضيتهم المركزية،بل هي القضية الفلسطينية برمتها،والأخطر من ذلك أن تنتقل العديد من الدول العربية من مرحلة العداء مع الإحتلال الصهيوني الى مرحلة التطبيع والتعاون والتنسيق معه في ظل إستمرار إحتلاله لفلسطين والقدس واراض دول عربية أخرى،ولتصل الحالة العربية الى درجة غير مسبوقة من الإنهيار والتفكك والتدمير الذاتي  بفعل الحروب المذهبية والطائفية التي أدخلتها فيها قوى الإستكبار والطغيان العالمي،وفي مقدمتها امريكا ودول اوروبا الغربية خدمة لمشاريعها ومخططاتها واهدافها في المنطقة،أهداف تتلخص في تفكيك وإعادة تركيب الجغرافيا العربية على حدود الفواصل والتخوم المذهبية والطائفية،لكي تقوم بدل الدول المركزية المدمرة والمفككة جيوشها وبالذات( العراق،سوريا ومصر) كيانات اجتماعية هشة غير مالكة لإرادتها وقرارها السياسي ولا مسيطرة على خيراتها وثرواتها.

قبل ما يسمى ب"ثورات الربيع العربي" كانت العديد من الدول العربية تحيي هذه الذكرى بالشعارات والهتافات والمسيرات والمظاهرات والتي جزء منها مدجن،ويجري تحت سقف وعيون مخابرات الأنظمة العربية،لكي تمتص غضب الجماهير،ومن اجل أن تقوم بتفريغ شحنات غضبها وعواطفها ومشاعرها،ولكن بعد أن نجحت القوى الإستعمارية وبمشاركة ادوات عربية،وبالذات الخليجية منها،في نقل الفتنة المذهبية (سني- شيعي) والطائفية (مسلم – مسيحي) من المستوى الرسمي الى المستوى الشعبي،فإن العديد بل أكثر دول النظام الرسمي العربي،لم تعد ترى في "اسرائيل" عدوها الأول،وبدلت وغيرت قواعد الصراع وحرفته عن أساسه من صراع- عربي- " اسرائيلي" الى صراع عربي – ايراني "فارسي" وبذلك هي لم تعد ترى في صرخة  الراحل الإمام الخميني،أي قيمة او معنى،بل تقوم بمهاجمة هذه الدعوى،والتي تعتبرها خدمة لأجندات مذهبية،والأخطر من ذلك انه على جبهة أصحاب القضية المركزية،ومن هم يكتون بنار الإحتلال وإجراءاته وممارساته العنصرية والقمعية والإذلالية وجرائمه المرتكبة بحقهم وحق قدسهم،فإن حالتهم وأوضاعهم الداخلية،ليس بأفضل ولا احسن من الحالة العربية والإسلامية،حيث الإنقسام المدمر يتكرس ويتعمق ويتشرعن،والحالة الفلسطينية تزداد ضعفاً على ضعف،حيث تغيب الرؤيا والإستراتيجية الموحدة،ولا تظهر في الأفق القريب اي بوادر لإنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة لا على صعيد المؤسسات ولا الجغرافيا،والوضع الداخلي ينذر بإنفجار مدمر،نتيجة ارتفاع حدة الشحن والتراشق الإعلامي والتحريض والمناكفات بين طرفي الإنقسام،والأخطر من ذلك أنه في ظل إحتدام الصراع بين طرفي الإنقسام على سلطة منزوعة الدسم،الإحتلال يتحكم في برها وبحرها وجوها وحتى حركتها وتنقلاتها ليس الخارجية فقط،بل والداخلية منها،تجري عمليات إعتقال سياسية متبادلة في الضفة الغربية وقطاع غزة،ونحن ما زلنا تحت الإحتلال....؟؟؟؟

ولكن ما يبعث التفاؤل والأمل في الذكرى السادسة والثلاثون لصرخة الإمام الخميني،بأن بذور الثورة التي زرعها واطلق شرارتها،أثمرت وتثمر أزهار يانعة،فها هي ايران،رغم كل ما تعرضت له على مدار سبعة وثلاثين عاماً من حصار مدمر بكل أشكاله وترهيب وترغيب أمريكي - غربي استعماري،لمنعها من حقها في إمتلاك التكنولوجيا النووية،بفضل قوة وصلابة ومبدئية قيادتها،وإمتلالكها للإرادة والصمود تفرض شروطها على قوى النهب ولصوص الإستكبار العالمي،لكي تسلم تلك الدول بحق ايران في إمتلاك برنامج نووي سلمي،يلبي إحتياجاتها من الطاقة والإستخدامات غير العسكرية للتصنيع النووي.

 ايران اليوم أضحت قوة مركزية في المنطقة،قوة مقررة ولاعب رئيسي ،لا يستطيع أحد ان يتجاهلها، من افغانستان وحتى اليمن وفلسطين،فهي تعلمت كيف أن تقول لا،وعملت على ترجمة هذه اللاء الى فعل على أرض الواقع،لم ترتعش قيادتها سياسياً،ولم تقدم تنازلات تضر بسيادتها أو حقوقها.

منذ صرخة الإمام الخميني،وحتى اللحظة الراهنة،اسرائيل تضخ مليارات الدولارات من اجل تهويد المدينة،وزرعها بالمستوطنات،ونحن نعقد القمم العربية والإسلامية حولها،وتجتمع اللجان المسماة باسمها،وتقر دعماً للقدس،لا يصل منه إلا النزر اليسير،وأغلبه يتبخر بعد إنتهاء تلك القمم وإجتماع تلك اللجان.

القدس تضيع،ونحن نسير على نفس النمط والوتيرة والنهج"جعجعات" و"هوبرات" إعلامية وتصريحات ومقابلات صحفية،وشعارات وبيانات شجب وإستنكار،ونخوض جدال بيزنطي حول جنس الملائكة ذكر ام انثى.

نحن بحاجة الى الخروج عن ما هو مألوف،نحن بحاجة الى مواقف عملية،تخرج عن كل الأشكال والسياقات القديمة،بدل المبالغ التي تصرف للصراخ والهتاف وغيرها،تبرعوا بتلك المبالغ من اجل شراء منازل وبيوت وعقارات في القدس وأوقفوها،تبرعوا من اجل إقامة مشاريع إسكان في القدس،تحمي الأرض من خطر المصادرة،تبرعوا من اجل بناء مدارس في القدس،تثبت الطلبة في مدينتهم،وتحمي ذاكرتهم ووعيهم من خطر التشويه والإحتلال،فإحتلال الوعي أخطر من إحتلال الأرض.

الإمام الخميني أطلقها صرخة مدوية،حولوا صرخة هذا الإمام الى أفعال حقيقية،فالتاريخ لن يرحم احدا منكم في حال ضياع القدس،وبدل الأموال التي تصرفونها على تدمير بلدانكم،وقتل أبنائكم بها،يا ليت لو تصرفون الجزء اليسير منها لدعم صمود المقدسيين وبقائهم في قدسهم وعلى أرضهم.

رسالةٌ إلى الكاتب الاستاذ جورج هاشم/ فؤاد نعمان الخوري

استاذي الكريم
أحيّيك بدايةً وأبارك لك بصدُور مولودك الجديد "خارج السرب"؛ يعيش ويهزّ لأخوته حتى تصير كتبك سرباً تفرح به الاشجار وسطوح القرميد. كما اهنّئك بنجاح حفل إطلاقه، وهذا ما يُثلج القلب ويشدّ العزائم ويُبقي على الأمل بقيام حركة ثقافية جادة في هذه الديار.
اكتب اليك اليوم، وأنا لستُ بناقدٍ، فلا يمكن للشاعر أن يكون ناقداً محايداً وموضوعياً كما تقتضي الأصُول. حسبي أن اسجّل انطباعات شخصية، بصدقٍ ومحبة. كما في كل نشاط، يختلط الغثّ بالسّمين، ومن الحكمة أن أُضيء على السمين من إسهامات المشاركين، من خلال كلمتَيْ الدكتور رغيد النحاس والدكتور بول طبر.
بدا لي خلال تلك الأمسية أن النحاس أحاط بمواضيع كتابك وتفاصيله بحسّ أكاديمي رائع، فكان مرهفاً وعميقاً ومنطقياً. وكأني به قد طوّق الكتاب بذراعيه، وسار به مزهوّاً. وكانت لغته العربية صافية كالبلور، تحدوها لهجة شآمية محببة أَضفت عليها مسحة جمال وإلفة. وكم أصاب في تركيزه على "السخرية الودّية" في كتاباتك، كما فعل صديقنا المرحوم بطرس عنداري من زمان، وكلاهما في الهمّ شرقٌ...أطال الله بعمر الدكتور رغيد!
أما صديقنا الزائر الدكتور بول طبر، فقد عرف كيف يُدخِل السياق التاريخي والحيّز الجغرافي/ الديني في مقاربته للكتاب.  فمن كارل ماركس الذي دعا الى فعل التغيير بدل التنظير، إلى الاضاءة على الخلفية التنويرية لنشاطك الأدبي، بدا الطبر شريكاً في مسيرة التغيير. وكم كان موفقاً في استلهام اسمك في الاشارة الى تفرّدك الخلاّق: فرأى في اسمك الأول (جورج) جذورك المارونية الضاربة في جرد تنورين...لكن اسم عائلتك (هاشم) أوحى بخروجك من "السرب" العائلي والجغرافي والديني الى رحاب العروبة المستنيرة، شأن موارنة كثُرٍ حملُوا لواءها وأبدعوا في لغتها ودافعوا عن مستقبلها.
ولقد لفتتني إشارتك الى أناسٍ "لم يأخذوا حقّهم" في هذه البلاد، فاسمح لي أن اسأل: عن أي حق نتكلم يا صديقي؟ هل حق الاعتراف يُستجدى أم يُنتزَع انتزاعاً؟ لماذا توجيه اللوم دائماً إلى الآخرين، بدل النظر بامعان الى ما نكتب ونقدم لهم؟ برأيي المتواضع، القصيدة الجيّدة لا تحتاج إلى بطاقة تعريف؛ اما اللغة الخشبية في كتابات "جاهلية" لا تعانق هموم العصر، فلا حق لها في الشكوى من تجاهلها...و الحديث يطول.
وبعد يا صديقي،
كتابك الكبير أتعبني، وحرف طباعته الصغير أرهق عينيّ رغم النظّارتَيْن الجديدتَيْن. لماذا لا تنشر كتاباتك في كتابَين اثنين، فنحظى بلقائك مرّتين؟
أشدّ علي يدَيك، والسلام عليك!

فؤاد نعمان الخوري
9 تموز 2015