جمانة والكاروك الأزرق/ كريم عبدالله

( نصّ بوليفوني ثلاثي الأبعاد )
آآآآآآآآآآآآآآآهٍ إنّهُ الحنين العميق لأحضانِ الطفولةِ الدافئة ينبشُ بقوّةٍ هذا الشيب النابتَ بعدَ الخمسين , فــ ذاكَ صوتُ أمي موغلاً في نبضاتِ الصباح  كــ رنينِ الجرسِ العجوزَ في مدرسةِ ( التوحيد )* البعيدة جداً يهزّهُ ( العم صالح )* فــ يبدّدُ  هجوعها بينَ أشجارِ النارنج وحكايات لا تنتهي , ايّةُ نشوةٍ تغمرُ الليلَ  حينَ تلامسُ التعاويذَ المعلّقةِ على خيطٍ رفيعٍ تستعذبُ طردَ المرضَ والجنَّ والسحرَ والحسدَ ! و كيفَ يجتمعُ ( الحرمل )* البريّ والبخور الهنديّ وآية الكرسي تحتَ الوسادة تبعثُ إبتسامة في الشفتين ! التمائم  كانتْ تجلو البصرَ وتستبقي أسرارها تكبرُ , لماذا للآنَ صوتُها يتردّدُ وكــ أنَّ الكروموسومات عشقتْ بحّتهُ فــ أنبسطَ على حبالِ صوتي ( دللّول ... دللّول يــ الولد يبني دللّول .... عدوكْ غريب وساكنْ الجول ... دللّووووووول .... دللّوووووووووووووووول ... لووووووول .... ووووووووووول .... )* فــ يحتضنُ الإزدحامَ في شرفاتِ الأحلام يتشمّمُ عطرَ ( لنْكْ الدنيا )* يستطيبُ الهدوءَ في الأكياسِ الورقيّة , أينَ شلاّلات الحنانِ تتصفّحُ السنين في ترنيماتِ أمي ؟ وأيُّ سعادةٍ ستورّثُ الــ ( خَمْسْ فلوسْ )* حينَ تضمّها يدٌ صغيرة ترقصُ بــ غنجٍ بعدما تخرجُ بــ أبّهةٍ مِنْ جيبِ أبي في معطفهِ العسكريّ الأنيقَ تزيّنهُ الأزرارَ اللمّاعة مِنْ كثرةِ ( البوليشْ )* ! أرّقني كثيراً وجهكِ الضحوكَ يا ( جمانة )* والمهدُ الحديث يحتفلُ بــ صوتكِ منتشياً ويسرقُ الوقتَ المعتّقَ بــ لهفةِ العيون .
........................
حين إحتضنت حفيدتي ( جمانة ) وهي في المهد غمرني حنين عنيف الى ايام طفولتي والى مهدي الخشبيّ ( الكاروك ) باللهجة العامية العراقية , فقد كان ملوّن بالاصفر والاخضر والابيض لكن اللون الازرق هو الغالب .
التوحيد : مدرستي الابتدائية .
العم صالح : فرّاش المدرسة في ذلك الحين .
الحرمل : نوع من النباتات .
دللّول : ترنيمة عراقية تتغنى بها الامهات على اطفالهن .
لنْكْ الدنيا : نوع من الفاكهة .
خَمْسْ فلوسْ : عملة عراقية قديمة قليلة القيمة .
البوليشْ : كان يستخدمه والدي يلمّع الازرار به .

بغداد ـــ العراق

التدخل الروسي....وتراجع مكونات العدوان/ راسم عبيدات

روسيا تدرك تماماً بأن الحرب التي يخوضها الجيش والشعب والقيادة السورية ضد قوى الإرهاب ومكوناته والقوى المشاركة به بشكل مباشر وغير مباشر،هي ليست حرباً فقط للدفاع عن سوريا وشعبها ووحدتها الجغرافية،بل هي أيضاً دفاعاً عن الأمن القومي الروسي،فسوريا هي القاعدة والمنفذ البحري الوحيد لروسيا على البحر المتوسط،ولذلك لا تكمن اهميتها الإستراتيجية في ذلك فقط،بل هي تمكن روسيا من الدخول على امن اوروبا وشمال أفريقيا،وسوريا لها دور بارز ومحوري في الحرب على الإرهاب والتوازنات في التحالفات.

المتتبع للمواقف الغربية والأمريكية وتوابعها إقليمياً وعربياً يجد بأن حالة من الإرباك والتشوش والتناقض والرفض والهجوم والتشكيك تسود تلك المواقف على ضوء القرار الروسي ليس فقط بتزويد سوريا بأسلحة حديثة ونوعية،بل إرسال قوات روسية قتالية برية وجوية وبحرية الى  سوريا لتكون جاهزة وفي خدمة القرار الروسي في الحرب على المنظمات الإرهابية المنتشرة في سوريا وبغض النظر عن تسمياتها "داعش"، "نصرة" ، "جند شام"،"فتح الإسلام" وقاعدة وأية متفرعات إرهابية اخر،حيث الدوائر الأمنية والعسكرية والسياسية الأمريكية والأوروبية الغربية وتوابعها وما يندرج تحت مظلتها  وفي خدمتها من رجال صحافة واعلام وكتاب،إنبروا  للهجوم على القرار الروسي،فتارة يقولون بأن روسيا ستكون جزء من غرفة عمليات مشتركة مع الأمريكان لمحاربة "داعش" فقط،لأن بقية التنظيمات الإرهابية مثل النصرة هي إرهاب معتدل من وجهة نظرهم،وسيكون لها دور في الحل السياسي القادم،ناهيك عن التشكيك في قدرة روسيا على محاربة الإرهاب دون مساعدة امريكية وغربية،وبأنها ستغرق في المستنقع السوري كما غرق الإتحاد السوفياتي سابقاً في المستنقع الأفغاني،والخطوة الروسية في التدخل العسكري في سوريا من شأنها تعقيد الوضع وتاخير الحل السياسي في سوريا،حتى ان نتنياهو المربك طار الى موسكو للوقوف على حقيقة الموقف الروسي،وهو الذي بات يدرك بأن زمن العربدة الإسرائيلية في الأجواء السورية وقصفها لأهداف هناك بحجة محاربة الإرهاب ومنع وصول او تزود حزب الله بأسلحة استراتيجية أصبح لها حدود واضحة من الان فصاعداً،وحديث نتنياهو  عن تنسيق روسي- اسرائيلي بشأن الطلعات الجوية فوق سوريا،وبأن سوريا لن تفتح جبهة الجولان امام عمليات المقاومة ضد "اسرائيل" وان الهدف الروسي هو محاربة الإرهاب،جاءت لكي تخفي فشل نتنياهو وعجزه عن إقناع الروس بمشروعية تخوفاتها الأمنية،وليس نتنياهو وحده من هو قلق من الخطوة والقرار الروسي،فتركيا التي كان خليفتها يحلم بالصلاة في المسجد الأموي "لص مصانع حلب"،وفي اقتطاع جزء من الأراضي السورية من خلال دعم امريكا واوروبا الغربية لمشروعه بإقامة منطقة عازلة  وآمنة في الشمال السوري،بات يدرك بأن فشله في كل ذلك سيعيد لتركيا دورها وحجمها الطبيعي،هذا الدور الذي تعاظم وانتفخ قبل التدخل الروسي المباشر،وبنى أردوغان رهاناته عليه للفوز في الإنتخابات المبكرة في تشرين ثاني القادم،سيجد نفسه أمام استحقاقات قد تجر عليه هزيمة اكبر في هذه الإنتخابات، ومن فشل الى فشل اكبر،قد يطيح بحزب العدالة والتنمية الأردوغاني،وينهي الى غير رجعة حقبة الإخوان المسلمين.

وكذلك ليس القلق فقط ينتاب "اسرائيل" وتركيا فالسعودية وبقية مشيخات النفط التي كانت تقول لحلفائها وشركائها من التنظيمات الإرهابية على الأرض السورية بأنه لا حل سياسي للأزمة السورية إلا برحيل الأسد،فهي باتت الان امام مستجد جديد بعد التدخل الروسي،ولا مجال للإستمرار في التمسك بمثل هذا الموقف،وخصوصاً بأن مكونات العدوان الرئيسية  من امريكا الى اوروبا الغربية فحتى الأمين العام للأمم المتحدة تبدلت رؤيتها ومواقفها بشأن الحل السياسي في سوريا، فقد نتج عن القرار الروسي بالمشاركة المباشرة في الحرب على الإرهاب في سوريا واقع سياسي جديد في سورية وحولها، يكون فيه الحديث عن شروط غربية تتصل بموقع الرئيس السوري لإطلاق العملية السياسية نوع من الهراء والسخف. ولهذا أطلق ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ولأول مرة منذ الأزمة قولاً مفيداً يقول فيه «إنّ مصير الأسد يقرّره الشعب السوري حصراً»، وتبعه في ذلك مسؤولون غربيون من أكثر من دولة حيث صرحوا بمرارة قائلين: «إنّ اشتراط تنحّي الأسد لإطلاق العملية السياسة هو أمر هراء وغير واقعي».

والمتغير هذا ليس هو الوحيد الذي قاد وسيقود اليه الموقف والقرار الروسي،بل هو سيعري أمريكا وحلفائها من الحرب على الإرهاب،حيث هم يخوضون حرب بهلوانية استثمارية في الحرب على "داعش" ضربات محدودة غير فاعلة ومؤثرة،وكذلك تقديم الدعم ل"داعش" من جهة اخرى،فهنا ستكون حرب حقيقية على الإرهاب،وستنشأ جبهة إقليمية لها قوامها ومحورها روسيا – ايران – سوريا وحزب الله،وربما يكون العراق  جزءاً منها وسيكون الباب مفتوحاً لمكونات اخرى لكي تكون جزءاً من هذه الجبهة على ضوء التطورات في اليمن،وهذا من شأنه ان يغيير من خارطة ومعادلة التحالفات والتوازنات الإستراتيجية في المنطقة،والتي قد ترجح تدريجياً لصالح محور المقاومة.

والمتغير الاخر الواضح هنا ،ان التدخل العسكري الروسي في سوريا،يرسم سقوفاً لأدوار دول الإقليم "المتورطة" في الأزمة، ويضع قيوداً لا يمكن إنكارها، على "هوامش" الحركة والمناورة التي طالما تمتعت بها هذه الأطراف طوال السنوات الخمس الفائتة، والمؤكد أن موسكو ستعلب من الآن وصاعداً، دور "ضابط إيقاع" الأحداث والتطورات في سوريا، وحتى إشعار آخر.

هذه المستجدات الناشئة عن الموقف الروسي بالتدخل العسكري المباشر في الحرب على الإرهاب في سوريا،جعلت المواقف الأمريكية والأوروبية الغربية و"اسرائيل" والتوابع من جماعة التتريك ومشيخات النفط والكاز تمتاز بالتناقض والرفض والتشكيك والهجوم على هذه الخطوة النوعية الروسية،لكونها تخلق واقع تنسيق ميداني بين روسيا ومكونات محور المقاومة بما فيها ايران وحزب الله،وكذلك جزء منها له علاقة بحرب اعلامية تضليلية وحرب نفسية ،لخلق نزاعات او خلافات بين روسيا واطراف حلف المقاومة،لكي تختلف ولا تنجح في مهمتها ومسعاها في الحرب الحقيقة على الإرهاب.

رغم كل هذه الحرب والهجوم والتشكيك والرفض الأمريكي والأوروبي الغربي  للقرار والموقف الروسي،إلا أننا نرى بأن المنطقة الآن أقرب من أي وقت مضى لحلول سياسية من  صنعاء وحتى دمشق 
تحترم إرادة الشعوب وسيادتها، وتضع حداً للإرهاب والتطرف الديني، وتعيد للمنطقة أمنها واستقرارها تحفظه قوة ذاتية وتحالفية لا يكون لأميركا وأتباعها سيطرة أو نفوذ عليها.

التظاهرات بالعراق اليوم/ حسين محمد العراقي

خرج آلاف العراقيين مجددا الجمعة 18 أيلول 2015 في بغداد ومدن أخرى احتجاجا على الفساد في مؤسسات الدولة ونقص الخدمات المطلوبة خصوصا الكهرباء داعين إلى الكشف عن المسؤولين ومعاقبتهم وخرجت أكبر المظاهرات في بغداد حيث تجمهر المحتجون في ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية وهم يرفعون أعلاما عراقية ولافتات كتب عليها "باسم الدين سرقونا الحرامية"، و"المتحاصصون هم سراق العراق" في إشارة إلى المحاصصة بين الكتل السياسية الذي بني عليها نظام الحكم في البلاد منذ 2003  أن خلية الأزمة التي شكلها حيدر العبادي مؤخرا من مجموعة من الوزراء والمستشارين تعكف على بلورة مجموعة جديدة من القرارات والإجراءات على شكل مراحل ضمن الإصلاحات السياسية التي يعمل عليها العبادي علماً أن الأصلاحات التي قام بها رئيس الوزراء حيدر العبادي  والحكومة لا ترتقي للمستوى المطلوب وغيرمجدية  ووعود فضاضة وهذا ما أقتبسه وأستشفه  وأستقاه الشعب  للأسف الشديد  وبالتالي أصبحنا قيادة بلا شعب وشعب بلا قيادة أضف إلى ذلك القانون  ضائع  اليوم ويجب أن يكون سائد عادل وصحيح  اليوم في بلدنا ويجب القضاء على كل الفاسدين بدء من هرم الدولة إلى أصغر موضف  ليتعض الآخرون ؛؛؛
 أن المشهد اليوم بالعراق لا يسر الناضرين  بدليل الشعب  يشكي ويأن الفقر والعوز حتى وصل الأمور بالإنسان أن يصل إلى مستوى التسول ببلد خيراته لا يعلم بها إلا الله من نفط وزراعة  وماء والبطالة كُثر كذلك يشكي المواطن من تهميشه من قبل الحكومة والسلطة القائمة تقود البلد السبب الذي أدى إلى الكثير من الشعب  العراقي يترك وطنه ويقصد الهجرة ومنهم الكفآءآت والكثيرمنهم غرقوا في البحار وأصبحوا منحة غذائية لأسماك القرش علماً أن  الإعلام  سلط الضوء عليهم  وغاص بغمار معاناتهم نهاراً جهاراً  وشاهدهد العالم بأسره ؛؛؛
يوم ذاك وفي العهد الغابر  وعلى كُثر الإيلام التي مرت بنا  كشعب  مكممة أفواهنا من أن نقول الحقيقة وعلى أثر الضغوط قلنا ((أللهم مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين ))ويقصد الشعب صدام حسين على كثر ما يحمل من قلب جاحد على الشعب...أما اليوم فقلنا الحقيقة ووضحنا السلبيات التي مرت بالشعب والمبينة أعلاه لكن للأسف لا حياة لمن تنادي علماً أن القيادة السياسية الحالية جائت ومسكت زمام الأمور بالعراق بلا مبدء ولا قضية لأنهم أوصلوا به العراق اليوم إلى مستوى الحضيض السؤال المطروح للقيادة العراقية الحالية  أنتم قمتم  بخلع صدام حسين من السطلة عن طريق الأمريكان فأنتهى صدام من المشهد العراقي  وكان المفروض أنتم اليوم تكونون أسمى وقدوة لهذا الشعب المعذب الذي عانى الأمرين  وآخر المطاف لم يجني منكم الشعب غير الُذل والهوان وسوف يُعثركم على ما مر به من ويلات من  خلال سياستكم  وسترون النهاية  وأن الصبح  لقريب؛؛؛
حذرنا أن هذه الأيام هي أيام صعبة منذ سنوات فعمر حكومة العبادي لن تكمل مدتها القانونية الا بسقوطه كل هذا نتاج ما عملوا من أفساد وفساد طيلة أكثر من عشر سنوات مضت فانتفخت بطونهم بالسحت والزقوم مما سرقته أحزاب السلطة والتسلط التي تدعي الجهاد ونصرة المظلوم بمختلف أتجاهاتها من مجلسية الى دعوة حتى وصلت الى حد الأستهتار والأستهزاء بابسط حقوق الشعب وها هو الشعب بشبابه اليوم ينطلق أنطلاقته الأولى التي لن تتوقف باذن الله تعالى الا بعد أن تكنس ما في المزبلة الخضراء من أنقاض ونفايات أطاحت بسمعة العراق حاضراً ومستقبلاً حتى أنطلقت نكات أممية ودولية على العراق حين وصف من باب النكتة أن يغير أسم جمهورية العراق إلى جمهورية علي بابا والحرامية  وبالتالي لن يتوقف هذا الزحف من اليوم حين تعرت كل الطبقة الحاكمة المستغلة للسلطة لها ولعويلاتها حتى أستحقرت الشعب وأذلته بابسط مقومات العيش وليس الحياة أن تتوقف ولو فتحت جبهة اخرى من جبهات المواجهة مع مرتزقة المنطقة الخضراء الذين اذاقوا الشعب الويلات أكثر مما اذاقه لهم سلفهم صدام وان صبر الشعب اليوم انتهى ولن يوقفه شلة ممن انهزموا امام داعش بوضح النهار حتى سلموا الموصل وثلث العراق وستكون مطالب الشعب محاسبة الذين باعوا العراق فاصبح بما يمتلكه من ثروات وطن خرده بين الاوطان والشعوب.......

    h.s332@yahoo.com

عيد الاضحى المبارك/ رفيق البعيني

سيدي العيد
كنا صغارا ننتظرك والفرحة تغمرنا فتمتلىء جيوب ملابسنا (الجديدة ) بالنقود وغرفنا بالهدايا.
 نسرع في ركوب المراجيح المنصوبة لنا خصيصا. ونتدافع لشراء ما لذ وطاب وتوفر من الالعاب. ونرقص ونغني على اصوات ونور المفرقعات.
وكنا كبارا نزور ونستقبل الأهل والاصدقاء ونمد الولائم وكعك العيد ونتبادل عبارات التأهيل والمعايدة بقلوب ملؤها السعادة  ووجوه تعلوها البسمات، وتطلعات ينعشها الأمل.
أما اليوم! فشتان بين الثريا والثرى 
فما عاد أولادنا يلعبون، ولا عادت المراجيح تنصب، ولا عاد للالعاب وهجها ورونقها.
ولا عاد كبارنا يتبادلون أحاديث المحبة والسلام التي اعتادوا عليها بل استرسلوا بترداد اخبار القتل والدمار والتشرد والمصائب والرزايا التي لحقت بهم او بجيرانهم او بعروبتهم التي أضحى ربيعها مرعبا وحالكا وداميا.
يستمعون للمذياع ويشاهدون التلفاز، يتناقشون ويحللون آفاق المستقبل والقادم من الايام علهم يجدون للاستقرار أملا ولليلهم الحالك نهاية.
عاش سيدنا ابراهيم المحنة عندما أمر بالتضحية بابنه اسماعيل فافتداه الله بان يذبح شاة عوضا عنه ففعل وانتهت محنته.
أما نحن فمتى تنتهي محنتنا ومتى يعود أطفالنا من بيوت الحرمان والمخيمات وأزقة التشرد الى مراجيحهم؟
ومتى يتوقف هذا الكابوس والدمار في بلادنا العربية ويعود أملها بالربيع العربي للانتعاش؟.
ومتى يشعر ساستنا في لبنان بمسؤولياتهم وتتحرك ضمائرهم فينتخبون رئيسا لجمعوريتهم ويضعون حدا لفسادهم وجشعهم ؟ 
متى يرفعون النفايات التي أضحت وصمة عار على كل لبناني؟
متى يصلحون نظامهم السياسي ويطبقون قوانينهم ودستورهم ويريحون هؤلاء الشباب والقوى الأمنية من عناء الحراك المستمر والحؤول دون اختراقه واستغلاله او تحويله الى شغب وخراب؟  
أملنا بالله سبحانه وتعالى كبير ونرجوه ان يأمر بشاة نذبحها ليعود الاطفال الى مراجيحهم والكبار الى ولائم استقرارهم وسلامهم.
وكل عام وانتم بألف خير

ختام ملتقى المصورين الرياضيين العرب بنجاح وحضور عربي كبير/ عبدالواحد محمد

 اختتمت امس الاول في قاعة فندق دراغون أمواج في المنامة عاصمة مملكة البحرين أعمال الملتقى الخامس للمصورين الرياضيين العرب الذي نظمته لجنة الاعلام الرياضي البحرينية بأشراف الاتحاد العربي للصحافة الرياضية بمشاركة 16 دولة عربية مثلها ما يزيد عن 50 زميلة وزميل خرجوا بالفوائد والمكتسبات التي تثري مسيرة عملهم في مجال التصوير الرياضي بعد التقدم الواسع الذي شهدته المهنة في الفترة الاخيرة ..وكان الزميل محمد جميل عبد القادر رئيس الاتحاد العربي للصحافة الرياضية قد اشاد في كلمته خلال الحفل بالتجاوب الكبير والاهتمام الذي ابداه المشاركون في الملتقى خلال الندوات وورشة العمل التي اقيمت مثلما عبر عن تقديره للمحاضرين الذين قدموا كل ما هو جديد ومفيد الامر الذي من شانه ان ينعكس على مسيرة رفاق مهنة الصحافة الرياضية في الوطن العربي مقدرا دور لجنة الاعلام الرياضي البحرينية في استضافة احد انشطة الاتحاد العربي المهمة مؤكدا بأن الاتحاد سوف يواصل النهج نفسه باقامة مثل تلك الملتقيات سواء كان للمصورين او الاعلاميين ولمختلف الوان الرياضة حتى يزيد من منسوب الخبرة لدى المصورين والاعلاميين على حد سواء ..ثم تولى مع الزملاء محمد المالكي نائب رئيس الاتحاد الدولي للصحافة الرياضية و طلال ال الشيخ نائب رئيس الاتحاد العربي للصحافة الرياضية ومحمد قاسم رئيس لجنة الاعلام الرياضي في البحرين توزيع شهادات المشاركة واوسمة الاتحاد العربي المذهبة لكافة المشاركين وتكريم عدد من الشخصيات الرياضية والجهات الداعمة ... وكانت محاضرات اليوم الاخير قد تواصلت حيث استعرض المحاضر التونسي الطاهر الجويني مع الزملاء المصورين العديد من الصور الرياضية الملتقطة من الملاعب المختلفة خلال ورشة العمل التي اقيمت في اليوم الاخير من الملتقى والتي شهدت تفاعلا كبيرا ونقاشا مستفيضا بعد ان قام المشاركون كذلك بتطبيق عملي خلال احدى المباريات المحلية وعرضوا نتاج عملهم امام الحضور ...بدوره نبه البحريني علي الحلواجي خلال محاضرة حملت عنوان اساسيات التصوير الرياضي الى اهمية ان يختار المصور الرياضي الكاميرا الحديثة ذات السرعات العالية مستعرضا الانواع العديدة للكاميرات والعدسات المناسبة لانواع الرياضة كافة حتى تساعد المصور على التقاط الصور الفنية الجميلة والمعبرة الى جانب اهمية ان يكون المصور الرياضي ملما بالحدث الذي سيتولى تصويره والرياضات الاخرى على وجه الخصوص واخذ الاعتبار لعامل الوقت بالحضور قبل وقت مقبول من موعد انطلاق الحدث ...وكان المصري حسام فضل قد قدم نماذج مختلفة من الصور المهمة التي التقطها حلال مسيرته في عالم التصوير الرياضي خلال محاضرته التي حملت عنوان التصوير الرياضي في الصحافة وشدد على اهمية ان يتمتع المصور الرياضي بالنباهة والمتابعة الحثيثة لمجريات المباريات حتى يكون قادر على اصطياد الصورة المعبرة والتي لا تقتصر بالضروة على ما يجرى في الملعب من احداث وانما التوجه الى اركان اللعبة من مدربين وحكام وجماهير وهناك سوف يجد المصور ضالته من خلال لقطة معبرة قد تغني عن كل ما يجرى في الملعب.... جائزة افضل صورة رياضية وجرى خلال حفل ختام الملتقى الاعلان عن الفائز بجائزة افضل صورة رياضية عربية خلال العام الحالي والتي نظمها الاتحاد العربي للصحافة الرياضية بمشاركة كبيرة من المصورين الرياضيين العرب حيث فاز بالمركز الاول المصور المغربي احمد عقيل مكاو الذي استحق جائزة الاتحاد العربي وقدرها الف دولار في حين فاز المصور الاردني امجد الطويل بالمركز الثاني والسعودية الشريفة منال الدباغ بالمركز الثالث ...وكانت لجنة الاختيار التي شكلها الاتحاد العربي برئاسة رئيس لجنة المصورين الرياضيين العرب عبد القادر بلمكي والامين العام للاتحاد العربي للصحافة الرياضية الناطق الاعلامي عوني فريج الذي افضى بالخبر ورئيس لجنة المصورين الرياضيين البحرينين على الحلواجي قد استعرضت الصور التي قدمها الزملاء وعددها 70 صورة ليصار الى فرز الصور المطابقة للاسس والمعايير التي تم وضعها من قبل اللجنة والتي تمت على مراحل ثلاثة قبل ان يتم الاعلان عن صاحب افضل صورة رياضية عربية وكانت لجنة المصورين في الاتحاد العربي للصحافة الرياضية قد عقدت اجتماعها على هامش الملتقى برئاسة عبد القادر بلمكي وحضور رئيس الاتحاد والامين العام وناقشت العديد من المواضيع واوصت باقامة ملتقى للمصورين الرياضيين الشباب في الوطن العربي .. 
اعلامي عربي 
abdelwahedmohaned@yahoo.com

ديوان "وأنت وحدك أغنية" حالة من الإبداع الشعري في مسيرة الشعر العربي الحديث/ رائد الحواري

هذا الديون الثالث** الذي نتناوله للشاعر "فراس حج محمد"، وهو الأكبر، حيث يتجاوز عدد صفحاته ثلاثمائة وسبعين صفحة، وما يحسب للشاعر أنه قدم لنا نفسه بطريق جديدة وبأشكال متباينة، فمرةً نجده متمرداً وأخرى أسيراً، ومرة يطالب بالحب والعشق، وأخرى يكفر بهما، ونجد التباين في شكل تقديم القصائد، فالبعض منها سهل، يمكننا مسك القصيدة وتأملها كيفما نريد، والبعض الآخر لا يمكننا تأملها إلا وهي محلقة فوقنا، فهي تأبى النزول وكأنها نجمة، وكلما حاولنا الاقتراب منها وجدنا المسافة التي تفصلنا عنها ما زالت على حالها، لكننا نبقى متعلقين بها، فهي تجذبنا بتألقها ونورها.
في هذا الديوان يتجاوز الشاعر ذاته، يتمرد حتى على نفسه، فيقدم لنا قصائد بلغات متعددة، بأفكار وصور متباينة، يتلاعب بالألفاظ بطريقة تظهر قدرته الإبداعية وكأنه من خلالها يتباهى أمامنا قائلا: "هذا أنا لا أشبه أحداً ولا أحد يشبهني". 
بكل تجرد الديوان أكبر من أن أتناوله بالتحليل، لما فيه من فنية متميزة، ولغة فريدة وصور أدبية، وتلاعب بالألفاظ، لكنني كنت وعدت الشاعر بالحديث عن ديوان "وأنت وحدك أغنية"، من هنا سأحاول قدر ما أستطيع أن أتحدث عن بعض ما فيه، وليس كل ما فيه، فهو كبير ويصعب علي الإلمام بكل ما فيه.
المطر والاغتسال
يتحدث الشاعر في غالبية القصائد عن المطر/ الماء/ الاغتسال، وكأن هناك هاجساً يدفعه لذكر الماء والاغتسال، وكأنه يريد أن يطهر ذاته من شيء غير طاهر أقدم عليه، وأيضا يريد تطهير ذلك الشيء كذلك، من هنا وجدنا العديد من القصائد كانت تتحدث عن الماء والاغتسال.
وهذا ما يدفعنا للعودة إلى فكرة ملحمة جلجامش عن الاغتسال؛ فعندما تأنسن (أنكيدو) كان المرأة صاحبة الدور الرئيسي والمهم في تهذيبه، لكنه لم يتحول إلى إنسان حقيقي إلا بعد أن اغتسل ودهن جسده بالزيت، وهناك فكرة التعميد بالماء في الديانة المسيحية والتي تعود في أصلها إلى تعميد السيد المسيح بماء نهر الأردن، وعندما جاء الإسلام اشترط على كل من يريد أن يدخل في الدين الإسلامي بعد أن ينطق بالشهادتين أن يغتسل ليتطهر، وكأن الماء يجعله ولد من جديد.
ففكرة الاغتسال لها جذور عميقة في الأفكار الدينية وأيضا في الموروث الثقافي في المنطقة العربية، فكأن الشاعر من خلال هذا التركيز ـ إن كان يعي ذلك أم لا- على فعل الاغتسال ولفظ الماء والمطر يقدمنا من جديد من فكرة الاغتسال والتطهر والأنسنة، فيقول في قصيدة "البحر":
الآن تذهب نحو البحر
في البحر
مع موج يزلزل كل أقدامي
في الماء يغسلها
يذهب عن مناشفها الحبب
وحبّات العرق الرياضية
يستعرضها بنشوته يقبلها
يمرر يعضه فيها
ويكتب آخر مائه فيها. ص12
الماء وأثره على الجسد من تطهير وشفاء وتمتع ولذة، فهو الحياة للجسد وهو السيد الذي له الحق في ملامسة المحرم والممنوع، وهنا في هذه القصيدة يحمل الماء صفة الرمزية التي ستأخذنا نحو عالم الجنس والشهوة، فالفكرة تأخذنا نحو العلاقة بين الرجل والمرأة، كما أن آخر مقطع في القصيدة "ويكتب آخر مائه فيها" تحمل معنى العلاقة الجنسية وأيضا العلاقة الأدبية بمعنى ويكتب آخر قصيدة فيها/ عنها.
الشاعر يقدم لنا مفهوما جديدا للاغتسال بحيث يكاد ينفرد بهذا الطرح والمتمثل في قصيدة "على أنفاسي الحرى" فيقول:
لا تغسليني إلا في ماء الحياة
واغتسلي بكل عضو يرتوي مني على مهل الأناه" ص81و82
فهنا وحّد/ دمج/ تداخل فعل الاغتسال بالجسدين بحيث كلّ منهما يغتسل ويغسل الآخر، وهذا التصوير يمثل ذروة التألق عند الشاعر فنحن المتلقين للنص الشعري أصبحنا نشاهد جسما واحدا وليس جسمين، فكليهما يغسل ويغتسل، يأخذ ويعطي، وهذا التصوير متماثل مع الآية القرآنية من سورة البقرة 187، "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصيام الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنّ"، فهنا قدم لنا الشاعر استخداما جديدا لمعنى الآية، وكأن هذا المشهد هو تفسير أو يتماثل مع تفسير الآية.
كما قلنا في السابق يحاول الشاعر ـ أحيانا ـ أن يجعل الماء يقوم بدور الرجل، أو ينوب عنه في أخذ ما يريد من جسد المرأة، فنجده يقدم لنا بعضا من هذه التورية، فيقول في قصيدة "أنت والمطر وأنا":
تغلغل القطرات في أنسامها
وتعبّ من نفَس الريح الخفيفة!
....
عرفت بأن البحر فيّ أنا
وأنثاي اشتهاء
تعرت مثل موج مثل ضوء
مثل روح مثل بحر  مثل ماء
الآن مدبرة بصورتها
فيسرقها منها المطر
بدت لا شيء يسترها سوى الماء
والضوء وعيناي وغيمات أخر
بدت فرعاء تثنيها مدغدغة الماء اللعوب
مصافحا أشياءها من متنها
أو شعرها أو ما تكامل بعد ذلك
فيبرق جسمها الفضي 
شعشاعا يسيل من الجنبين ماء
النشوة الكبرى. ص139- 141
فالماء ناب عن الشاعر بما أراده من المرأة، أو أن الماء شارك الشاعر بما يريده منها، فالماء والشاعر يقومان بالفعل عينه، ويأخذان ما يريدانه من المرأة.
كما يؤكد الشاعر قيام الماء بالدور، بالإنابة عنه في قصيدة "دقيقتان جميلتان من عمر الزمن"، فيقول:
دقيقتان وكل شيء مكتمل
الماء يسكن إذ يسيل على الشفاه
يحس بدفء الدفقة الأولى. ص175
هناك العديد من الشواهد في الديوان التي تتحدث عن فعل الماء على جسد المرأة، وسنكتفي بهذا لننتقل إلى الوقت الذي أرادنا الشاعر أن نتأمله معه ومع الحبيبة.
الوقت
في العديد من القصائد كان الشاعر يذكر لنا وقت الصباح أو المساء، فنكاد لا نجد أحداثا خارج هذين الوقتين، فكل الأحداث متوقفة عليهما، فيقول في قصيدة "مساء العاشرة":
عندما يأتي المساء عند العاشرة 
كانت هنا
تركت على جنبيّ بعض أنين
كانت تنام على يدي
تأتي إلي بوحيها في بيت شعر. ص83
فتحديد الوقت مهم جدا للشاعر، ففيه يجد المحبوبة، وفيه يستمتع معها، وفيه يطور قدراته الشعرية، فيكتب أجمل القصائد عنها ولها وفيها. 
وفي قصيدة "شيء من صباح" يقول:
هذا الصباح
سأخلع عني الياء الملحقة بي
أتعرى من كل ما عدا لا شيء مني
أنزع ما تكاثر في جثتي من طيور الحجل
هذا الصباح أعلن أنني لا أشبه الأشياء
ولا الأشياء تشبهني. ص143.
من خلال تركيز الشاعر على وقت الصباح والمساء يريدنا أن نكون يقظين وفي كامل عافيتنا الجسدية والنفسية حتى نتأمل معه ما يقدمه لنا من صور ومشاهد وأحداث وأقوال ففي الصباح تكون الحيوية في كامل عافيتها، وفي المساء يكون التأمل في أفضل حالاته.
محو الجغرافيا
الجغرافيا مفقودة تماما من الديوان، ولم يذكرها إلا في قصيدة "مقاطع من سيرة حب" فيقول فيها: 
هي غيمة في الأفق ماطرة النسيم
على الربى من أرض كنعان القديمة 
في سهول من حنين
هي موج بحر كامل متجذر
من أرضها حتى الشواطئ في يافا وحيفا. ص294 و295.
وبقية الديوان كانت الجغرافيا غير حاضرة بتاتا، فقد كرّس الشاعر حديثة عن المرأة ووجعه، رؤيته عنها، مشاعره الجياشة، نظرته الجديدة عنها، من هنا نستطيع القول إن الشاعر تمرد على ذاته في هذا الديوان من خلال محو/ إلغاء الجغرافيا والتركيز على الأنا وهي فقط، فكان بذلك يقدم نصا خارج الجغرافيا وأقرب إلى الإنسانية منه إلى هموم فرد/ شخص يعيش في جغرافيا محددة.
تقمُّص حالة الأنثى
قدرة الشاعر على الحديث بلسان المرأة يعدّ حالة إبداعية تضاف إلى هذا الديوان، فهناك أكثر من موضع استطاع الشاعر أن يقدم لنا هذه الحالة، فيقول في قصيدة "مرة واحدة": 
فلتقضميه بشهوة وجمال
والروح كأس ثمالة
فاجرعيني مرة واحدة. ص11.
فهنا الفعلان "فلتقضميه، فاجرعيني" يدلان على فعلين متعلقين بالأنثى رغم أن السارد هو الشاعر، لكن المدلول متعلق بالأنثى. وفي قصيدة "الفكرة" يقول:
لعل صديقتي تأتي وتشعلني كما قالت
لعل الغيمة العليا تغسّلني إذا شاءت
لعل البدر يغمرني ينور اللحظة التاهت. ص16.
هنا كانت الفكرة أوضح بتقمص دورة الأنثى فكل الأفعال التالية "تشعلني، تغسلني، يغمرني" متعلقة الأنثى ولا لبس فيها، كما أن مدلولها يختص بالأنثى، ويمكن أن تكون هذه الأفعال قد استخدمها الشاعر في اللاوعي، من هنا لا يمكننا التأكد تماما من هذا الأمر، لكنه في قصيدة "هل كنت أنثى؟" كان صريحا فقال:
كل ما فيّ مذكر ومنكر
غير أنت .. القصيدة.. اللغة.. اللحظة
..... 
غير أنت القصيدة سر الشاعر المذكر
قد تأنثت في وريقات وشرنقة ووردة" ص100.
هذا الحديث يؤكد لنا حالة التقمص، أو جعل الذات تحسّ/ تفكر/ تتصرف/ تتحدث بالشاعر الأنثى.
قدرات الشاعر على استخدام/ التلاعب باللغة
هناك قصيدة استثنائية كتبها "فراس حج محمد" يريد من خلالها أن يبين قدراته على استخدام اللغة في الشعر، وأيضا يريدنا أن نتأمل ونتوقف عند هذا الإبداع فلا نمر عليه مرور الكرام، فكانت قصيدة "الشيء" تمثل إحدى العلامات البارزة في تألق الشاعر، إن كان على مستوى الألفاظ أو الفكرة، فيقول فيها:
شيء من الشيء يأتيها فيأتيني 
شيء لشيء وشيء للمجانين
أنفذت وردتها في نصل شيئتها 
فانتابه الشيء من شيء يشاهيني" ص235.
فلا يمكنننا إلا أن توقف عند القصيدة متأملين معجبين بطريقة استخدام الألفاظ وأيضا الزخم العددي لحرف "الشين" وللفظ "الشيء" الذي استخدمه الشاعر فتكاد تكون القصيدة درسا في الإبداع واستخدام الألفاظ والحروف.
التأثر بالقرآن الكريم
العديد من القصائد تجعل المتلقي يشعر بوجود تأثر بالقرآن الكريم، والشواهد عديدة في الديوان، منها المباشر وغير المباشر، فيقول في قصيدة "أرجوان":
ربما هي مرة
أو مرتان
فكرت في النهر
كيف أعبره
والبحر ذاك كان فيه سفينتان
فكرت فيك لأزرع الريحان بين يديك
فاستطال العشب اليابس في فمي
وفح الأفعوان
فيضة في بعض آن
ربما عابرا في مهرجان" ص49 و50.
فهنا التأثر بسورة الرحمن كان واضحا ولا لبس فيه، إن كان من خلال محاكاة الآيات، أم من خلال استحضار عين الألفاظ، فهنا يدعونا الشاعر إلى التقدم من هذه السورة تحديدا لما فيها من جمالية لغوية، وفنية في استخدام الكلمات والمعاني.
ويقول في قصيدة " العشاق مرضى بالكلب":
"العشاق مفتونون في النواصي الخاطئة الكاذبة" 151
"يفعلون ما لا يقولون" ص152.
وهناك العديد من هذه الشواهد التي تؤكد تأثر الشاعر بالقرآن الكريم.
تأثر الشاعر بما كُتِب سابقا
عالم الشعر لا بد أن يكون له امتداد وتواصل مع الماضي، وأيضا مع الحاضر، وكذلك لا بد أن تتوافق المشاعر الإنسانية عند العديد من الشعراء وإن اختلف الزمن، فالشعراء وحدهم من يستطيعون أن يرسموا لنا بالكلمات، ويستحضروا الألفاظ والكلمات ويقدموها لنا بشكل جديد، وأن أعطونا الفكرة عينها.
الحالة التي مر بها الشاعر جعلته يستخدم التعبير عينه الذي استخدمه الأخطل الصغير في قصيدة "عش أنت" التي قال فيها:
أنقى من الفجر الضحوك فـهل أعرت الفجر خدك
وأرق مـن طبع النسيم فـهل خلعت عليه بردك"
هذا المشهد المتألق قدمه لنا "فراس حج محمد" بهذا الشكل:
يشتاقها الماء والدفلى ونرجسة 
حلو النسيم انتشى من حلو معناها
والفجر يغسل عند الصبحِ جبهته 
بالورد منها جميلا في محياها. ص161.
وهذا يؤكد أن المشاعر الإنسانية تتماثل، واللغة والألفاظ تفرض ذاتها على الشاعر لكي يستخدم ما استخدم سابقاً، إن كان على دراية بما كتب أم لا، فالألفاظ واللغة واحدة، لكن طريقة تشكيل الأبيات تتباين بين الشعراء ولكلّ واحد منهم أسلوبه وطريقته في التصوير.
أعتقد بأن هذا التنوع والتشكيل في استخدام الألفاظ بين الشعراء يثري اللغة، وأيضا يفتح الباب لكل من يريد أن يبدع ويرسم بالكلمات. 
في النهاية نقول بحيادية: هذا الديوان يمثل حالة إبداع متميزة في الشعر العربي الحديث وأعتقد بأن الشاعر استطاع أن يضع له بصمة واضحة في القصيدة العربية الحديثة وأن يرفع اسمه عاليا بين الشعراء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الديوان صادر في رام الله عن دار ليبرتي بوكس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، الطبعة الأولى، 2015.
** تناولت سابقا بالقراءة ديوان الشاعر الأول "أميرة الوجد" والديوان الثاني "مزاج غزة العاصف".

خطأ المراهنة العربية والفلسطينية على الأمم المتحدة/ صبحي غندور

ستعود القضية الفلسطينية من جديد إلى أروقة الأمم المتحدة مع نهاية هذا الشهر الذي يشهد انعقاد دورة الجمعية العامة، رغم تكرار هذا الأمر عشرات المرات في العقود الستة الماضية دون تنفيذ الحدّ الأدنى من قرارات دولية متعدّدة بشأن حقوق الشعب الفلسطيني، والذي يعاني بعضه المقيم على أرضه من عسف الاحتلال، وبعضه الآخر من ظلم وقهر اللجوء والتشرّد في بقاع العالم لأكثر من ستين عاماً.
"الأمم المتحدة" هي التي شرّعت أصلاً الوجود الإسرائيلي على أرض فلسطين، ولم تُجبر هذه المؤسسة الدولية "وليدها الأممي المصطنع" على احترام وتنفيذ أي قرارات صادرة عنها!. ولم تنفّذ أي حكومة إسرائيلية قرارات عديدة صادرة عن "الجمعية العامة" أو عن "مجلس الأمن" خاصّة بالقضية الفلسطينية!.
لكن الملفت للانتباه أنّ انعقاد "الجمعية العامة" هذا العام يحدث في ظلّ تطوّرٍ هام هو توقيع الاتفاق الدولي مع إيران بشأن ملفها النووي، وبعد خلافٍ كبير بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو حول كيفيّة التعامل مع الملف الإيراني.  
طبعاً، ليست هي المرّة الأولى التي تتباين فيها المواقف بين واشنطن وتل أبيب، فقد حدث ذلك في مطلع عقد التسعينات بين إدارة جورج بوش الأب وبين حكومة شامير، ثم تكرّر الأمر في نهاية العقد نفسه بين إدارة بيل كلينتون وحكومة نتنياهو، كما حدث خلاف علني كبير بين الولايات المتحدة وإسرائيل في العام 1956 حينما رفض الجنرال أيزنهاور العدوان البريطاني/الفرنسي/الإسرائيلي على مصر، وأجبر آنذاك إسرئيل على الانسحاب من سيناء.
لكن رغم هذه الخلافات المؤقتّة التي حدثت وتحدث بين الحليفين الأميركي والإسرائيلي، يظلّ الضغط الإسرائيلي الفاعل حاضراً داخل الولايات المتحدة، من خلال العلاقة القوية مع أعضاء الكونغرس، وبواسطة الهيمنة على معظم وسائل المال والإعلام في أميركا، حيث تصبح السلطة التنفيذية في أميركا أسيرة ضغوط السلطة التشريعية و"السلطة الرابعة" أي الإعلام. وعندها لا يكون الفرز فقط بين حزبٍ حاكم وآخر معارض، بل يتوزّع "التأثير الإسرائيلي" (كما هو أيضاً في قوى الضغط الأخرى) على الحزبين "الديمقراطي" و"الجمهوري" معاً، فنرى عدداً لا بأس به من "الديمقراطيين" يشاركون في ممارسة الضغط على إدارة أوباما لصالح "اللوبي الإسرائيلي"، علماً بأنّ تعثّر "الرؤية الأوبامية" بشأن "الملف الفلسطيني" ليس سببه حصرا حجم تأثير "اللوبي الإسرائيلي"، فهناك طبعاً "مصالح أميركية عليا" ترسمها قوى النفوذ المهيمنة تاريخياً على صناعة القرار وعلى الحياة السياسية الأميركية، وهي قوى فاعلة في المؤسسات الأميركية الكبرى.
والمعضلة أيضاً هي في الاختلال الكبير بميزان "الضغوطات" على الإدارة الأميركية لجهة حضور "الضغط الإسرائيلي" وغياب "الضغط العربي" الفاعل، ممّا يسهّل الخيارات دائماً للحاكم الأميركي بأن يتجنّب الضغط على إسرائيل ويختار الضغط على الجانب العربي، والطرف الفلسطيني تحديداً، وهو الطرف المستهدف أولاً من قِبَل إسرائيل، كما هو "الحلقة الأضعف" في أي تحرّك أميركي دبلوماسي بالمنطقة. وهو ما حصل مؤخّراً حينما أسقطت واشنطن شرط تجميد المستوطنات داعيةً السلطة الفلسطينية لاستئناف المفاوضات بلا شروط، ومطالبةً الدول العربية بخطوات تطبيع مع إسرائيل لتشجيع الطرف الإسرائيلي!.
ثمّ كيف يمكن الآن المراهنة على الأمم المتحدة وعلى مجلس الأمن إذا كانت غالبية القوى السياسية الإسرائيلية ترفض وقف الاستيطان والانسحاب من القدس وحقّ العودة للفلسطينين، وهي القضايا الكبرى المعنيّة بها أي مفاوضات أو "عملية سلام" مستقبلية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي قبل إقامة الدولة الفلسطينية؟! ثمّ كيف يأمل الفلسطينيّون بموقف أميركي فاعل إذا كانت إدارة أوباما قد تجنّبت ممارسة أي ضعط فعلي على إسرائيل رغم التباين مع حكومتها بشأن المستوطنات، حيث تراجعت واشنطن ولم تتراجع تل أبيب؟!. 
ربّما تأمل الآن الدول الغربية باستثمار نتائج ما حدث ويحدث في البلاد العربية من تهميش للقضية الفلسطينيّة ومن تفجير لصراعات وحروب أهلية عربية ومن غياب لمرجعية عربية فاعلة، من أجل تعميم التطبيع "العربي والإسلامي" مع إسرائيل قبل انسحابها من كل الأراضي العربية المحتلّة في العام 1967، وذلك عبر دفع إسرائيل لقبول "المبادرة العربية" بعد إجراء تعديلاتٍ على بعض نصوصها!. 
أين هي الضغوط الفلسطينية والعربية على الإدارات الأميركية وعلى عموم الدول الغربية التي دعمت إسرائيل منذ نشأتها؟!، ولماذا يحصل التسهيل العربي الدائم للرغبات الأميركية الممزوجة بشروط إسرائيلية، ممّا يُؤدّي عملياً إلى ضعف الموقفين العربي والأميركي معاً؟!.
فما حدث من "أزمات معنوية" بين أوباما ونتنياهو هو ليس بين "الدولتين": أميركا وإسرائيل، بل بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو. ومردّ ذلك هو الأجندة الخاصّة بكلّ طرف حول أوضاع الشرق الأوسط ككل. فالتزامن بالوصول إلى الحكم في العام 2009، الذي حدث بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو، لم يرافقه توافق في الأجندات المرحلية. فبينما جاءت إدارة أوباما على شعارات رفض الحروب والسعي لمعالجة الأزمات الدولية عبر التفاوض، وصل نتنياهو للحكم بفضل غالبية متطرّفة من الناخبين الإسرائيليين، بعضهم يريد تهجير الفلسطينيين من الضفّة ومن أراضي العام 1948، ويرفض الاتفاقات الموقّعة مع السلطة الفلسطينية. أيضاً، وهذا هو الأهم، فإنّ حكومة نتنياهو التي أرادت التملّص من مسيرة التسوية مع الفلسطينيين، راهنت على دفع أميركا والغرب إلى مسيرة حرب مع إيران ومن يقف معها عربياً. 
وهاهي إسرائيل تراهن الآن على انقسامات وصراعات في الجسم الفلسطيني وفي عموم المنطقة العربية، وتجد مصلحةً كبيرة حالياً في الأحداث الدموية الجارية بالمشرق العربي وانعكاساتها على المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، كما أنّ إسرائيل مستفيدةٌ جداً من تصاعد الصراعات العنفية في المجتمعات العربية عموماً، ومن الانقسام الحاصل في المنطقة بشأن العلاقات مع إيران. 
إسرائيل بمختلف حكوماتها راهنت على تجزئة المجزّأ عربياً، وشجّعت كل الحركات الانفصالية بالمنطقة كالتي قامت في جنوب السودان وفي شمال العراق، وأقامت إسرائيل "دولة لبنان الحر" على الشريط الحدودي لها مع لبنان في ربيع العام 1979 كمدخل لمشاريع التقسيم الطائفي الذي أعدّت له منذ حقبة الخمسينات من القرن الماضي.
فإسرائيل التي رفضت وترفض قرار تقسيم فلسطين (رقم 181)، وهو الاسم الذي أطلق على قرار الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة والذي أُصدر بتاريخ 29 نوفمبر 1947، هي نفسها التي عملت وتعمل على تقسيم البلاد العربية، إذ أنّ قرار تقسيم فلسطين يعني إعلان حدود دولية للدولة الإسرائيلية، ووجود دولة فلسطينية مستقلّة على ما هو أـشمل بكثير من الضفة الغربية وغزّة، كما يعني وضع مدينة القدس وجوارها تحت الوصاية الدولية، وهي أمور كلّها مرفوضة من كلّ الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
إنّ الضغط الأميركي والدولي المطلوب على الحكومة الإسرائيلية يحتاج أولاً إلى ضغط فلسطيني وعربي على واشنطن وعلى المجتمع الدولي عموماً من خلال توفير وحدة موقف فلسطيني مدعوم عربياً، ومترافق مع تجميد كل أنواع العلاقات الحاصلة بين إسرائيل وبعض الدول العربية، ومتزامن مع استمرار حق خيار المقاومة المسلّحة والشعبية ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، وبأن لا تكون هناك أي مفاوضات فلسطينية مع إسرائيل ما لم يتمّ الوقف الكامل والشامل لكلِّ عمليات الاستيطان في كلّ الأراضي المحتلّة، إضافةً إلى إنهاء الحصار القائم على قطاع غزّة. بذلك تكون هناك مصداقية للموقفين الفلسطيني والعربي، وتكون هناك خطوات عربية جدّية داعمة للضغط الأميركي "المعنوي"، الذي يمكن أن تمارسه إدارة أوباما لأمدٍ قصير على حكومة نتنياهو.

*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن
Sobhi@alhewar.com

البحرين تحتضن ملتقى المصورين الرياضيين العرب الخامس/ عبدالواحد محمد

يؤمن أن الصحافة الرياضة  العربية نهار دائم الزميل الاستاذ محمد جميل عبدالقادر رئيس الاتحاد العربي للصحافة الرياضة بوافر جهده وعمله الدوءب !
تفتتح في مدينة المنامة عاصمة مملكة البحرين صباح الثلاثاء 15 / 9 / 2015 م المقبل أعمال الملتقى الخامس للمصورين الرياضيين العرب الذي تستضيفه لجنة الاعلام الرياضي في مملكة البحرين خلال الفترة من 14 وحتى 17 من شهر سبتمر ايلول الجاري وينظمه الاتحاد العربي للصحافة الرياضية ضمن سلسلة انشطته الخاصة بتعزيز الجوانب المهنية للاعلاميين والمصورين الرياضيين من مختلف انحاء الوطن العربي ...وكانت 16 دولة عربية شقيقة قد اعلنت في وقت سابق مشاركتها في الملتقى الذي سيقام في قاعة فندق دراغون أمواج عبر الزميلات والزملاء توفيق علي ال خاتم وعيسى عبدالله الدبيسي وقاسم العنزي ومحمد العبدان والشريفه منال الدباغ "السعوديه" عصام الدين الحاج محمد الامين ومحمد اسماعيل صادق حسن "السودان" امجد الطويل ومعتصم المالكي "الاردن" حسام محمد علي فضل " مصر" نور الدين الديان ونور الدين بلحسين وعبدالله غاير وابراهيم ايت سمر ومصطفى حبيس ومحمد السائل وعبد القادر بلمكي "المغرب" مختار هميمه وصالح الحبيبي "تونس" حامد سعود العميري "الكويت" يوسف عيسى شاهين وزيدان زكريا محمد الرازم "فلسطين" عبادة رياض وجعفر سعاده "الجزائر" ناجي هلال سليمان طاهر "ليبيا" خالد محمد المسلماني "قطر" ناصر المنصوري وعادل النعيمي "الامارات" احمد بن مالك الفارسي وسعيد بن خلف البحري "سلطنة عمان" وداد حشيشو "لبنان" قحطان سليم يوسف ود.عمار طاهر "العراق" الى جانب عدد كبير من الزملاء من الدولة المنظمة البحرين ... ويشتمل الملتقى على العديد من المحاضرات النظرية والعملية التي تختص باحدث تقنيات العصر في مجال التصوير..هذا وستقام على هامش الملتقى بعض النشاطات الاخرى المصاحبة منها اقامة مسابقة لاختيار احسن صورة رياضية عربية الى جانب اقامة معرض الصور الرياضية من اعمال المصورين العرب سيتم عرض انتاجهم امام وسائل الاعلام خلال اقامة الملتقى.بعد ان تلقى الاتحاد العربي وعبر لجنة المصوريين الرياضيين العرب مجموعة مميزة من الصور الرياضية التي قام الزميلات والزملاء المصوريين بالتقاطها خلال البطولات والدورات والمناسبات الرياضية المختلفة .. وكان الاتحاد العربي للصحافة الرياضية قد اعتمد البرنامج الرسمي للملتقي الذي يفتتح صباح الثلاثاء حيث يشتمل على العديد من المحاضرات والندوات والتطبيقات العملية التي يلقيها عدد كبير من المختصون في هذا الجانب منهم الزميل طلال ال الشيخ نائب رئيس الاتحاد العربي للصحافة الرياضية الذي سيتحدث عن أهمية التصوير الرياضي في الاعلام الرياضي والطاهر عمر الجويني الذي سيتطرق في محاضرته الى التطور التكنولوجي الذي صادف مهنة التصوير الرياضي وحسام فضل الذي سيتحدث عن تجربته الواسعة في التصوير الرياضي ..وخليل حيدر ندوم عن تفاصيل التصوير الفوتوغرافي ...وحسب الزميل عوني فريج الامين العام للاتحاد العربي الناطق الاعلامي الذي افضى بالخبر فان الملتقي سوف يشتمل كذلك على اقامة ورشة عمل خاصة بالتصوير الرياضي للمشاركين باشراف الاستاذ الطاهر عمر الجويني الى جانب جلسة الجوار المفتوحة التي يشارك فيها رئيس الاتحاد العربي للصحافة الرياضية الزميل محمد جميل عبد القادر ورئيس لجنة الاعلام الرياضي البحريني الزميل محمد قاسم ورئيس لجنة المصورين الرياضيين العرب الزميل عبد القادر بلمكي ... وكانت لجنة الاعلام الرياضي في مملكة البحرين قد واصلت تحضيراتها خلال الفترة الماضية لتحقيق استضافة مميزة لملتقى المصورين الرياضيين العرب حيث بدأت اللجان الفرعية المختلفة التي شكلتها لجنة الاعلام الرياضي بمهامها مبكرا بهدف تسهيل مهمة الضيوف المشاركين خلال الملتقى من مختلف الدول العربية والذين سيبدأ توافدهم اليوم يتقدمهم نائب رئيس الاتحاد الدولي للصحافة الرياضية محمد المالكي ورئيس الاتحاد العربي للصحافة الرياضية الزميل محمد جميل عبد القادر ونائبه السعودي طلال آل الشيخ والأمين العام للاتحاد عوني فريج الى جانب عدد من المدعوين ...وكان الزميل فهد بوشعر عضو لجنة الاعلام البحريني قد اشار في وقت سابق الى أن اللجنة رفعت أقصى درجات التأهب والاستعداد لإنجاح فعاليات الملتقى وإظهار الاستضافة بالصورة المشرفة التي تعودت عليها مملكة البحرين بحق ضيوفها مشيرا الى ان الاتحاد العربي للصحافة الرياضية وضع ثقته في البحرين لاستضافة هذا الحدث عطفا على النجاحات الكبيرة التي حققتها اللجنة خلال الفترة الماضية باستضافتها العديد من الأحداث الكبيرة والهامة والتي سيتبعها تحقيق نجاحات أخرى على مستوى الفعاليات التي وضعتها اللجنة ضمن خطة نشاطها للعام الحالي 2015 لتصب جميعها في قنوات تخدم مسيرة الاعلام الرياضي.... بدوره عبر الزميل محمد جميل عبد القادر رئيس الاتحاد العربي عن سعادته الكبيرة باقامة هذا الملتقى الذي شهد في السنوات الماضية نجاحا لافتا باعتباره يحاكي شريحة مميزة من زملاء المهنة الذي لايقل عملهم من حيث الاهمية عن عمل رجال الصحافة واشاد بالجهود الكبيرة التي بذلتها لجنة الاعلام الرياضي في البحرين لاخراج هذا الحدث بالصورة التي تليق بالتنظيم المميزالذي عودتنا عليه البحرين ...
اعلامي عربي 
abdelwahedmohaned@yahoo.com

حدث ظهرا/ ماهر طلبه

الشمس كانت حارقة، الجو خانق، الأتوبيس مزدحم، وهي كانت واقفة تنز ماء من مسام جلدها، حين وفجأة وقف خلفها هو، حاله كان كحالها تماما، الماء ينز منه ويندفع.. رغم الزحام لم يحاول أن يلتصق بها رغم الشيطان الذى يوسوس له، ورغم انتظارها الذى كان يبدو واضحا من تأهبها لرد الصاع صاعين.. ربما تكون رائحة العرق هي ما منعه، وربما تكون "الخنقة" المحيطة بالجميع والتي لم يكن واحدا منهما في حاجة لزيادتها.. لكن هذا لم يمنعه أو يحرمه من أن يلاحظ قطرات العرق التي تندفع من فروة رأسها سالكة طريقا عبر عمودها الفقري تاركة بصماتها على بلوزتها الصفراء، حتى وصلت إلى بنطالها الأسود وهناك اختفت في الشقوق والأحافير، فتوقف ولم يترك لخياله مجالا لتتبع باقي الطريق، لكنه لاحظ أن ما يشبه سرسوبًا من المياه يندفع عبر عموده الفقري هو الآخر، وأنه وصل بسرعة إلى قدمه وغادرها إلى أرضية الأتوبيس.. فتنبأ بأن ماءها هو الآخر يتبع نفس المسار، وأنه  الآن ربما يكون مفارقا لها، ملتصقا بأرض الأتوبيس، فانحنى برأسه سامحا لجسمه بخلق المسافة الكافية كي يرى أرضية الأتوبيس، فابتعدت –هي- بحركة مفاجئة بوسطها للخلف، خالقة دائرة من الفراغ تشبه بطن الحامل، عندها اندفع ماؤه مسرعا فى اتجاه مائها.


إلى الماءِ يسعى.../ د. عدنان الظاهر

لا أعرفُ  اسمَ الشاعر الذي قال ذاتَ يوم وما أبلغ ما قال :
إلى الماءِ يسعى مَنْ يَغصُّ بلقمةٍ
إلى أينَ يسعى مَنْ يَغصُّ بماءِ ؟
هذا هو حالنا اليوم وحال متظاهري العراق شيباً وشبّاناً وصبيةً من كلا الجنسين ... يفوّضون رئيس الوزراء السيد حيدر العبادي ويشيّمونه ويسبغون عليه ما يستحق وما لا يستحق من خصال ومزايا ونعوت وشيم وبطولات كأنهم يجهلون حقيقة الرجل ومن أتى به رئيساً للوزراء وكيف أتى وتسنم هذا المنصب وتحت أية ظروف. وكأنهم ـ لشديد الأسف ـ يجهلون أنَّ الرجل جزء من معدن وطينة وخامة النسيج السياسي الذي حكم العراق بعد سقوط البعث وسلطان صدام حسين. أجل يا سادة، ما هذا الرجلُ إلاّ واحداً منهم فيه ما فيهم وفيهم ما فيه عضواً قيادياً في حزب الدعوة فكيف تطالبونه بالقيام بثورة إصلاحية هو في واقعه الراهن أعجز من أنْ يقوم حتى بالجزء اليسير الهيّن منها. كيف تطلبون منه أنْ يحاكم حيتان الفساد وعلى رأسهم السيد نوري كامل المالكي وهذا أقدم منه في حزب الدعوة وأعلى شأناً وأرسخ قدماً وأكثر عُصبة وأتباعاً وحاشية ومنتفعين وفاسدين ومفسدين ؟ كيف تطلبون من رجل مقيّد اليدين أنَّ يفك أسر المظلومين وكيف تطلبون من رجل عاجز أنْ يثور ضد الظالمين ؟ كيف تطلبون من ظمآن جرعة ماء ؟ إنه واحد منهم وليس أكبرهم ولا أقواهم شوكةً ولا أكثرهم جاهاً وسطوة وهذه جميعاً أمور واضحة ومفهومة منذ البداية لذا أحسب أنَّ مبتدأ التظاهرات مخطوء أساساً وغير عملي أعني ما رفعوا من شعارات وما وجهوا من نداءات فالماء الذي طالبوا به غصّوا به وكما قال الشاعر المتنبي مخاطباً سيف الدولة الحمداني :
يا أعدلَ الناسِ إلاّ في محاكمتي
فيكَ الخصامُ وأنتَ الخصمُ والحكمُ
قد لا يكون السيد العبادي خصماً ظاهراً للمتظاهرين وضد ما يطلبون لكنه ليس الرجل الذي عليه يعوّلون وإليه يصبون فالأوضاع السائدة اليوم في العراق أكبر منه ومما فيه من طاقات وما لديه من صلاحيات. الرجل مطوّق ومُكتّف ( مكلبج ) تحيط به زُمَرٌ من رفاقه من كبار السُرّاق والفاسدين في أخلاقهم وفي تصرفاتهم وفي نواياهم. والرجل قبل وبعد ذلك يعرف مقدار طول قامته وطول باعه من بين الباقين وكمهندس لديه القدرة على حساب موازين القوى وقدرة تحمّله للضغوط والتحديات ويعرف أكثر من ذلك ما فيه من طاقات ومن قدرات على الحركة والمناورة وهي ضيقة جداً بحكم كونه عضواً في حزب الدعوة كغيره من قيادات الصف الأول وهم كثرة ويعرفهم جيداً الدكتور سليم الحسني. 
يا سادتي المتظاهرين الحالمين بالإصلاحات ... لا تسرفوا بالتفاؤل ولا تبالغوا بالمطالب ولا يمرّنَّ بخواطركم أنَّ العبادي يجرؤ أو يستطيع تقديم المالكي أمام المحاكم على كارثة سقوط محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار وباقي المدن العراقية في كركوك وديالى ولا أنْ يحاسبه على مليارات الدولارات التي سُرقت أو نُهبت أو اختفت ولا يستطيع أنَّ يحاسب أيّ واحد من أتباعه والمحسوبين عليه من وزراء ووكلاء وزارات ومفتشين عامين وسفراء وقادة عسكريين وتجّار ومدراء بنوك ناهيك عن تقديم ولده أحمد للقضاء ومساءلته عمّا يملك من أموال وعقارات داخل وخارج العراق.
العبادي لا يستطيع وأنتم يا سادة تحمّلونه ما لا يُطيق وتطلبون منه ما لا يستطيع وقديماً قيل : إذا أردتَ أنْ تُطاع فَمُرْ ( أُأمرْ )  بما يُستطاع !
لا تظنوا يا سادة أنَّ العبادي رجل بارع في إمتصاص النقمة والغضب الجماهيري فالذين حوله من أُولي البأس والقوة مُكلفون بذلك متبعين أسلوبي اللين تارة والقوة تارة أخرى وراقبوا سلوك قوات الأمن وعصابات الأحزاب الدينية وخاصة حزبي الدعوة والمجلس الأعلى وتواطؤ بعض عناصر الشرطة والجيش المكشوف مع هذه العصابات.
أنفضوا أيديكم من العبادي ولا تعوّلوا عليه كثيراً أو قليلاً. كفّوا عن مخاطبة الموتى وفكّروا بأساليب أخرى للثورة والإصلاح علماً أنَّ زمن الإصلاح قد فات ومضى وانقضى ولا رجاء فيه وإلاّ فما نتوقع من بناء أساسه فاسد متعفن متفسخ ؟ حكومات يديرها عراقيون حكموا العراق نتيجة لإحتلاله من قبل أمريكا وحلفائها. عراقيون كان أغلبهم يعيش خارج العراق نصّبهم المحتل وزراءَ ورؤساءَ وزارات وسفراءَ وأغدق عليهم الأموال فقد أعطى الحاكم المدني بريمر مليار دولار لكل وزير في وزارة السيد أياد علاّوي ولا أحد يدري كيف صُرفت هذه الأموال الطائلة وفي أية وجوه تمَّ صرفها فلا وصولات ولا مذكّرات صرف ولا هم يحزنون !
يا سادة متظاهرون : لا تغيّر مظاهراتكم الوضع الراهن في العراق ولا إعتصاماتكم ولا عصياناتكم فالتغيير في بلدان مثل العراق يتم عن طريقين إما بالإنقلابات العسكرية أو بالتدخل الخارجي الأجنبي وقد حصل الإثنان في تاريخ العراق المعاصر. لكنَّ هذين الطريقين اليومَ مسدودان أمام أي مسعى للتغيير لأنَّ الجيش وقوات الأمن والشرطة مصطفة مع النظام القائم ومنتفعة منه إلى أقصى الحدود وخاصة كبار القادة والصفوف المتوسطة فيهم. عرف هؤلاء اللعبة فدخلوا الأحزاب الدينية الحاكمة وتحصنوا مستغلين حاجة هذه الأحزاب لهم ولخبراتهم السابقة زمان حكم حزب البعث ولتأمين مواقع هذه الأحزاب عسكرياً ومدنياً فضلاً عمّا في حوزتها من مليشيات عسكرية وعناصر أمنية خاصة. وماذا عن الطريق الثاني البديل للتغيير، أعني التدخل الأجنبي ؟ جواب هذا السؤال يعرفه القاصي والداني وهو أنَّ أمريكا وحلفاءها لا نيّة لهم لقلب وتغيير النظام الحاكم في العراق اليوم رغم ما فيه من عيوب ورغم كل ما جرى على أيدي زعمائه من سرقات وفساد سياسي ومالي وإداري وأخلاقي ذلك لأنَّ أغلب ما كانت تطمع أمريكا وحلفاؤها به قد تحقق، فها هو العراق مُمزّقٌ ضعيف ثلث أراضيه مُحتل متورط في حرب دفاعية ـ هجومية ضدَّ غُزاة دواعش فيهم عراقيون تستهلك هذه الحرب أغلب موارده المالية والعسكرية والبشرية وتشغله عن التفكير والمساهمة في أي جهد آخر يخدم القضية الفلسطينية مثلاً أو القتال مع الجيش السوري دفاعاً عن هذا البلد العربي الشقيق المجاور للعراق. فضلاً عن هذا كله فلأمريكا اليوم قواعد عسكرية على الأرض العراقية وبضعة آلاف من الجنود والمستشارين العسكريين وسفارة لا تضاهيها أية سفارة أمريكية أخرى في العالم وامتيازات تمس صميم سيادة العراق على أرضه وأجوائه الإقليمية والسفير الأمريكي في بغداد يصول ويجول ويتدخل في صلب شؤون العراق الداخلية فماذا تريد أمريكا أكثر من هذا ؟ لقد حقق لها إحتلالها العراق الكثير وما زالت تبغي الأكثر. لكل هذه الأسباب فلا من سبيل للتفكير بإمكانية أو رغبة أمريكا بتغيير الحكومة العراقية ومجمل العملية السياسية التي وضعت أسسها غير السليمة منذ البداية حيث المحاصصة الطائفية والقومية والدستور المحشو بالألغام والعثرات.
في ضوء هذه الحقائق ماذا عساكم فاعلين يا متظاهرون ويا قادة التظاهرات الشعبية الحاشدة وهل تأملون أنْ تؤدي هذه المظاهرات إلى  قيام تغيير جذري وإصلاحات ثورية تهز النظام القائم وتهد أسسه المتهرئة المتعفنة ؟ متى أصلح فاسدٌ متعفنٌ نظاماً فاسداً أكثر منه عفونةً ... متى ؟
من حقكم أنْ تسألوا وما الحل ؟ سؤال وجيه ووارد وأصارحكم القول إني مثلكم حائر محتار في أمر العراق ـ اللغز وكيف الخروج مما يحيط ويُحيق به من مخاطر ومنزلقات تهدد أسس وأصل كيانه كبلد موحّد له مياه وأجواء إقليمية وسيادة على كامل ترابه وإيقاف نزيف هجرة شبابه ومثقفيه وفيهم لا ريبَ كفاءات وكوادر مُدرّبة مؤهّلة أنفق العراق على تأهيلها الكثير. ما الحل يا شباب ويا أبطال أحرار ما الحل ؟ يرى كثيرون أنَّ الحل الأنجع هو في تشريع قانون تشكيل الأحزاب وقانون إنتخابات مجلس النواب ثم إعادة كتابة دستور عصري دمقراطي يكتبه خبراء عراقيون قانونيون ودستوريون متخصصون وأساتذة الجامعات من ذوي الخبرة والتخصص. هل هذه مقترحات قابلة للتنفيذ يتمخض عن تطبيقها عراق جديد خالٍ من المحاصصة عراق لكل العراقيين وليس حِكراً على أعضاء وأعوان الأحزاب القابضة بأسنانها على مقاليد الأمور فيه ؟
أرجو أن لا يظننَّ أحدٌ أني ضد هذه التظاهرات والإحتجاجات ... أنا فيها ومنها ومعها لكني أخشى من مغبّة الملل ونفاد الصبر من كلا الجهتين المتظاهرين والحكومة. الحكومة القائمة غير قادرة على تنفيذ مطاليب الجماهير المحتجّة بحق ومشروع كل الشرعية ما تطالب به هذه الجماهير ووراءها غالبية كبيرة من العراقيين المحرومين من خيرات العراق والمظلومين في كافة العهود. أنا معكم قلباً وسيفاً لكني أخشى إستدراجكم وإيقاعكم في فخ غير محسوب تجهلون طبيعته ولا تعرفون عواقبه. وأخشى ما أخشاه ( وأتمنى أنْ لا يقع ) هو التصادم الدموي العنيف مع قوات الجيش والشرطة لا تربحون منه شيئاً بل وستخسرون الكثير فالكفّتان ليستا متكافئتين من حيث القوة والسلاح والتنظيم. وراءكم شعب أعزل فقير ووراء قوات الجيش والشرطة دولة وحكومة تساندها أمريكا بكل ما بحوزتها من قوى وأموال وخبرات ومشاريع قصيرة وأخرى بعيدة المدى.
أخيراً أتساءل : 
1ـ ما مقدار تأثير العامل الإقليمي المحيط بالعراق على إمكانية ووتائر حصول التغيير الجذري الثوري المنشود ؟
2ـ هل نظام المحاصصة الطائفية والقومية والإثنية السائد اليوم نظام تؤيّده وتقف بقوة وراءه أنظمة وبلدان محيطة بالعراق أو حتى بعيدة عنه؟
3ـ هل هناك إمكانية حقيقية لتحوّل عراق اليوم إلى عراق مدني علماني خالٍ من المحاصصة ومبدأ التوافقات ؟
4ـ هل سيسعى العراق المدني العلماني المأمول والمطلوب إلى إلغاء ما أبرمت حكومات سابقة مع أمريكا من إتفاقيات عسكرية وأمنية وإخراج ما أدخلت أمريكا من جنود ومستشارين وإلغاء ما منحت نفسها من إمتيازات وحصانات ضد مصلحة وسيادة العراق ؟

فعل السرد الذاتي في رواية "يوميات مطلقة" لهيفاء بيطار/ عبد القادر كعبان

من تقع عيناه على عنوان رواية "يوميات مطلقة" لهيفاء بيطار سيداخله تساؤل مباشر منذ الوهلة الأولى: هل هي سيرة ذاتية للكاتبة؟ وحتما سيكتشف الإجابة فور قراءة أولى صفحاتها لأنه سيجد نفسه أمام فعل السرد الذاتي أين تعكس صاحبتها جملة من المشاعر والعواطف والمواقف المريرة من حياتها في صورة تستبطن أغوار النفس وخلجاتها حيث تقول: "...وبين وقت وآخر أفتح غطاء العلبة، وألقي نظرة على كومة السنين المتكومة في العلبة، وأبتسم ابتسامة تحمل جزءا كبيرا من السخرية، لا. ابتسامتي ليست مجرد ابتسامة ساخرة، إنها ابتسامة من اكتشف الحقيقة ولو متأخرا.. الحقيقة العارية الفجة القبيحة..." (ص 7).
منذ البداية سيكتشف القارئ أن الكاتبة لا تكشف عن إسمها بعينه داخل المتن الروائي وكأنها تحاول التخلص من ذلك الإعتراف حتى لا يكون حجر عثرة أمام عملية التخييل الذي تسمح به ثنائية النص الذي ينتمي إلى جنس السيرة الذاتية وكذا الرواية في آن واحد كما يظهر جليا عنوان هذه الأخيرة على الغلاف الخارجي.
تضعنا رواية "يوميات مطلقة" في البيت العائلي للبطلة و الذي تظهره كمكان تعود إليه بين فينة وأخرى لا لتصوير جدرانه وأثاثه، بل استعملته كوسيلة للحديث عن سيرتها الشخصية منذ بداية ظهور بوادر الطلاق في حياتها وهي أم لطفلة صغيرة حيث نقرأ مايلي: "...إلى متى؟! وشبابي المدفون بين عجوزين شبعا من الحياة، وأنتفض واقفة وأنسحب من الصالون، وأنا أحس أن بخار الانفجار أخذ يخرج من صدري صاعدا إلى أنفي وفمي وأذني، وأدخل غرفة نومي، وأنظر لنفسي في المرآة فتطالعني صورة امرأة جامدة الملامح، شفتاها مطبقتان ولكن لو انفرجتا لخرجت من بينهما حمم..." (ص 13).
إمرأة شابة مهجورة في الثلاثين من عمرها تكاد تختنق من مرارة وحدتها لا تجد بين يديها حلا غير الكتابة كمتنفس لتخفف من عبء يثقل كاهلها كي لا تستسلم لفكرة الإنتحار حيث تقول الساردة: "لقد آلمتني هذه التشوهات كثيرا، لدرجة فكرت مرارا بالانتحار، وكنت أتخيل كيف أدور من صيدلية إلى صيدلية، أشتري الدواء المهدئ والمنوم، الذي سأتناول كمية كبيرة منه ليريحني من عذابات لا ترحم..." (ص 7-8).
تبدو جماليات البوح والإفضاء والحميمية موجودة بقوة في هذا العمل الروائي بشكل يجذب القارئ ليتخيل حياة الكاتبة أمام عينيه دون أقنعة ولا رتوش: "أعود إلى بيت أهلي، أعتني بالصغيرة الحلوة، أدفن رأسي في صدرها وبين ذراعيها، وأقول لها هيا طبطبي على رأس الماما، لأني أنا الصغيرة وأنت الماما، أنت الملجأ، والملاذ والأمل، أنت حبي الكبير الذي يفيض من صدري ويغمر الدنيا..." (ص 17).
لقد استطاعت الذاكرة أن تلعب دورا مهما في "يوميات مطلقة" حيث رسمت طريقا إلتفافية تعكس بها أحاسيس المرارة والغضب التي تعيشها البطلة وتأتي الصورة واضحة على لسان الساردة كالآتي: "وخرجت مسرعة أريد أن أقتحم بيتي، وفوجئت أنه غير القفل، وأن المفتاح الذي معي لم يعد يفتح، والتهبت بالغضب أكثر وأكثر، وما من نتيجة ترجى." (ص 37).
تبدو الرواية باحثة عن حقائق البطلة أين نجد ذلك جليا منذ الصفحات الأولى وهذا يتضح جيدا لكل من يتأمل التغيرات الطارئة على حياتها، فهي تعيش بين الحيرة والهجران وخاصة فيما يتعلق بمصير طفلتها الصغيرة "لمى"، ولكن كل هذا يدفعها للتمسك بالأمل لأن الحياة لا تتوقف وتقرر فجأة السفر لتتخلص من كوابيس لا ترحم: "...كانت مشاعري تخفق مضطربة كأنفاسي اللاهثة، واحترت في تفسيرها، أهي رغبة بالضحك أم البكاء، ولكن دفعة من الدموع المباغتة سقطت بغزارة من عيني، واحتجت لبذل مجهود كبير كي أبتلعها للداخل، وأشعلت سيجارة وأخذت أنفث الدخان وأراقبه كيف يخرج من فمي كثيفا ثم يتلاشى ذائبا في العدم كهمومي تماما." (ص 45). 
يصطدم القارئ بالواقع في مشاهد عديدة في "يوميات مطلقة" تتركه في دهشة منسوجة بالإحباط والألم في آن واحد لما بات يعيشه شباب اليوم في وطننا العربي كقول الساردة: "ليتني كنت أبالغ، لكن هذه الحالات أخذت بالازدياد، خاصة أن الزواج صار أزمة حقيقية أساسها اقتصادي، وماذا تفعل الفتيات حين يتحول الزواج إلى حل مستحيل، أو صعب التحقيق، كنت أتساءل كيف ستعيش هذه الشريحة المتزايدة من الفتيات والشبان، وقد صار الزواج حلما مستحيلا؟..." (ص 64). 
إن توسع آفاق وعي البطلة وعمق رؤاها النافذة في صميم الحياة يعبر عن نضج كبير في شخصيتها حيث تقول: "ورغم أن كل الناس يعرفون ازدواجيتهم ونفاقهم وكذبهم وغشهم، إلا أنهم يحسنون مداراته وتغليفه بقشرة سميكة عاتمة، وتبطينه ببطانة لا تشف، أما أنا التي رفضت القشرة والبطانة وعشت بعفوية البلهاء أو الفنانين البوهميين، أرسم إيقاع حياتي معجونا بالنور والشمس وهواء الجبال العالية، فقد أرعبتهم وأثرت مخاوفهم لأنهم شموا رائحة خاصة يخشون أن تقتلهم، رائحة الحرية." (ص 81).
إن المبدعة السورية هيفاء بيطار في رواية "يوميات مطلقة" تنقل لنا نموذجا حيا و صادقا، لحقيقة إمرأة واجهت شبح الطلاق في مجتمع عربي لا يرحم هذه الحالة من النساء للأسف الشديد، و كل ذلك جاء بأسلوب جذاب و ممتع سيحرك حتما عقل الإنسان للتفكير بمصير كل طفل يجد نفسه في النهاية ضحية لتلك العلاقة الزوجية الفاشلة دون سابق إنذار. 

لا يريدونها لأنها مدارس وطنية/ جواد بولس

لا أذكر أنني عانيت كما عانيت في اليومين الأخيرين. أتنفس أخبارًا سوداء ورملًا خبيثًا، يتسلّل إلى صدري المريض ويشلّه.

الأطباء يمنعوني من مغادرة بيتي، ويجزمون أن لمن خسر مثلي، مناعته وشباب رئتيه فليست له هوامش للمناورة ولا فسحة للتحدّي. بيتي حصني، وقلمي ملجأ عجزي. 
بدأت أكتب مقالتي الأسبوعية، ومواقع الأخبار تنقل، برمادية طاغية، خبر فشل المفاوضات ما بين الأمانة العامة للمدارس الأهلية المسيحية وممثلي الوزارات الإسرائيلية المختلفة، حيث جرت يوم الأربعاء، التاسع من أيلول، في القدس.
أحاول أن أهرب ممّا تمليه شؤون الساعة. أسرح في تفاصيل لقائنا الزاهي ليلة أمس، مع الكاتب والصحفي العتيق فيصل حوراني، الذي أكرمنا، وحلّ ضيفًا على جليلنا فزاده شممًا وعطرًا ووجعًا. 
يستقبل ميلي عددًا من بيانات المناصرة والتضامن، يعلن مطلقوها عن تأييدهم لنضال المدارس الأهلية في إسرائيل، ومعظمهم يؤكد على دور تلك المدارس الوطني عبر التاريخ. لا تغيظني النصوص، فأنا مولع باللغة وبالإنشاء إذا كان بديعًا وخصيبا، ولكنني أحسست بالحزن، كلّما كشطتُ عن كلماتهم رقيقةً، وبالحسرة، كلما سلخت عن حروفهم نقطة أو ضمّة. نحن لغتنا، وليحيَ الضياع. 
آمنت دائمًا أن الصدفة في الحياة ملكة، وهي فوق كل تدبير.
يدق جرس بابي، فأفتح ليدخل خليل عاصي، رجل من سمرة بلدي، في منتصف سبعينياته، دمث رقيق، أعرفه بعيدًا وهو قريب، وأعرف أنه صديق عمي المريض. يجلس وفي عينيه بريق أولاد ينتظرون مرور صوت بائع العنبر أمام بيتهم، يسألني عن صحة رفيقه، يقلق من جوابي، ويتمنى له السلامة ووافر الصحة. يستدرج رأيي فيما يجري بقضية المدارس الأهلية، ويتساءل متظلّمًا ومستفهمًا، لماذا لا يسمّونها مدارس مسيحية أهلية، فأنا تعلّمت في مدرسة قريتنا "البصة"، وكان اسمها "المدرسة الأسقفية الوطنية"، ومنها تخرج قبل يوم هجيجنا في عام النكبة جهابذة فلسطين. أجيبه ولا أجيب، ويجيبني كما أجيب، يودّعني، ويترك بين يدي ظرفًا، وفيه مجموعة من كراريس لم يبق فيها الدهر إلّا أشباه ألوان، وكنزًا من العزّة الغابرة والحنين الذي لا يشيخ.     
أعود إلى نفسي. من العسير أن نتكهن كيف ستنتهي هذه الأزمة، فعلى الرغم من عدالة ما تطالب به المدارس الأهلية المسيحية، سيضعف بالقريب العاجل، برأيي، موقف إداراتها، إذ لا يعقل أن يستمر الرهان على إضراب وقوده ثلاثة وثلاثون ألف طالب لن يقامر أحد على مصير عامهم الدراسي، حتى وإن بدا، اليوم، أنهم، وعائلاتهم، على استعداد للمضي في هذه المسيرة والتضحية بالكثير.
إنه زمن الغبار، حيث يصير الاستلباس والالتباس مخلّصين للبشر. فما هي هذه المدارس التي يتحدّثون عنها، وبعضهم يصر أن يصِمها بدينها أو يُجزيها لدينها، فهي، لهذا ولذاك، مسيحية، وآخرون، وسطيون مرتاحون ظرفاء، يصرّون أن ينصفوها على طريقتهم، فهي بعرفهم أهلية فقط، وغيرهم، موضوعيون، لا يترددون بتسمية الولد باسمه، فهي، كاسمها، أهلية مسيحية! والخلاصة، لمن لم يقرأ المكتوب أن القصة، على ما يبدو، ليست قصة رمّانه.. كما كانت تقول لنا جدّاتنا، بل قد تكون نهاية/بداية حكاية بير الزيت الفلسطينية. 
 فمن قريب تبدو هذه الأزمة كبداية لنهاية حقبة مُطّت فصولها بشكل غرائبي قد يحفز دارسين لسبر مفاعيلها ودواعيها، فالمدارس الأهلية المسيحية الأولى نشأت في فلسطين في معطيات كانت في حينه من موجبات الساعة، وشروط ولادة طبيعية، عاشتها فلسطين التي كانت مدارسها فقيرةً وعبارةً عن مؤسسات موروثة من عهد كان يلفظ آخر أنفاسه، ولم تعد تلائم هوية مجتمع بدأ في العشرينيات والثلاثنينات من القرن الماضي، يتلمس عوده الوطني ويتحسس وثبته القومية العربية.
"إن حق لي أن أشير إلى طابع للحركة الفكرية في فلسطين، قلت غير متردد إن طابعها للمدارس والتهذيب، ففلسطين الأن في طريقها إلى المدرسة..إن لم تكن قد أصبحت فيها"، هكذا يفتتح الاستاذ الكبير حبيب أفندي خوري (كما جاء في الأصل) مقالة عنونها، "المدارس الوطنية" ونشرها في رسالة كانت تصدرها، بشكل دوري، مدرسة قرية البصة الجليلية، التي أسسها ورعاها مطران العرب غريغوريوس حنا حجار عام ١٩٢٧، وأسماها "المدرسة الاسقفية الوطنية"، وكما جاء في فصل سمّى أهداف المدرسة، كتب القائمون عليها مؤكدين: "وغاية المدرسة الرئيسية تربية التلامذة تربية صالحة وطنية تكفل لهم أن يكونوا في الحياة رجالًا يعتمد عليهم في كل الأعمال".  
قد تختلف ماهية المدارس المسيحية الأهلية القائمة اليوم عن أمهاتها من زمن التأسيس، وذلك بالأساس لاختلاف الحاضنة التي ولدت في حضنها والدفيئة التي نمت في ظلّها تلك المدارس قبل عام النكبة، واستحالة مقاربتها مع ما استجد بعد عام النكبة؛ مع أن القائمين على إدارات هذه المدارس المسيحية الأهلية التي استمرت بعطائها في العهد الجديد، عدّوا، في أغلب الأحيان، شخصياتٍ وطنيةً تقدمية، ليس أقل، إن لم يكن أكثر، من بعض من أداروا المدارس الحكومية العربية الإسرائيلية.
وبعودة الى مقالة الأستاذ حبيب خوري من عام ١٩٤٣ نستطيع أن نفترض أن ما كان قائمًا وزرع في رحم هذه المدارس، ما زال مستوطنًا هناك، كالجينات لا تهلكها عواتي الزمن، مهما تبدلت الأحوال، "فلقد كان السواد الأعظم من مدارسنا إلى ثلث قرن خلا إما حكوميًا أو أجنبيًا، أما الآن، فقد ظهرت تباشير الدور القومي وهو الدور الطبيعي المعقول وهبّت الامة تتحفز له.."، أقرأ وأصرخ، فان اردنا، اليوم، أن نبكي، فلنبكِ على وطن ذبح ولننحْ على أمّة جهلت، وليس على مدارس ما زالت تؤمن بالغد والزهر والقلم! 
هكذا، إذًا، فهمت في حينه الأمة دور مدرسة أسقفية وطنية كانت تعي ما قد يستثيره اسمها من التباس فنوّهت في قانونها الواضح وبالبنط العريض: "ولئن كان اسم المدرسة يدلّ على أنها طائفية إلّا أنها تعامل جميع تلامذتها على اختلاف مذاهبهم ومراتبهم معاملة متساوية مشبعة بروح الإخاء وبالتهذيب الصحيح". 
كم كنت أرجو أن يتسع مقال أسبوعي لمراجعة تلك الكراريس الكنز التي تركها الخليل، ابن البصة بين يدي، لأشرككم في غبطتي، وتروا معي كيف تكون مدرسة أسقفية مرجلًا لصهر الرجال الرجال، وكيف كان يؤم سراة القوم مهرجانات فرحها الكبير ليؤازروها ويحتفل  الطلاب تارةً وينهلوا من "الخطيب المفوه الاستاذ رشيد الخوري" وبعده بعام يتفقهون على "المحامي القانوني الكبير الاستاذ أحمد الشقيري"، حينها قد تتيقنون مثلي أن القضية لم تكن، وهي ليست، بالاسم أو الوصف أو اللقب، بل هي بما تُحشى به عقول البشر، وما ينكأ به دهر جروح بلد ويجود به قدر؛ فالمدرسة كانت مسيحية لكنها كانت في البداية والنهاية وطنية، ومن أسسها أقسم أن يبني الانسان أوّلًا، وبعده فليكن فلسطينيًا عربيًا مهذبًا عصاميًا متسامحًا غيورًا مستقيمًا، وأقسم، كذلك، أنهم للوطن، وهو عندهم في مكانة لا تدانيها مكانة، وقبلها كان الدين مهذّبًا ومرشدًا وجسرًا وبانيًا القيم. 
أعود إلى صمتي. "كذا أنا يا دنيا" كان عنوان مقالة خص بها الأديب الفلسطيني أحد أعداد رسالة مدرسة البصة الأسقفية. "أكره أن يخاف الإنسان ولو سقطت عليه السماء"!
 حض السكاكيني جيل ذلك الزمن، وأردف "أكره الذين يزدهيهم شيء". أقول لنفسي، لو تخيلته اليوم  أكان كتب لطلابه ويقول: قد نجد ما تختلف به مدارس اليوم المسيحية الأهلية عن مدارس ذلك الزمن، لكنّها لا تنفرد بما تختلف فيه عن سائر المدارس الحكومية أو الأهلية غير المسيحية، أو المسلمة أو اليهودية، ولن يستعصي على محقق جاد أن يجد كثيرًا مما يميّز هذه المدارس الأهلية المسيحية ويزكيها بأنها أهل لتحمل تاج مدرسة البصة الاسقفية الوطنية، فلربما لأنها ما زالت مدارس مسيحية أهلية ووطنية، لا يريد لها البعض أن تستمر وتبني ذلك الإنسان الحر والوطني الحق. 
قلت ربما! فكذا أنا يا دنيا.. "ولا عاش من يمشي على الأرض خائفًا أو مزهوًا"، ورحم الله زمن السكاكيني.

من نحن؟/ كميل العيد


بالأمس البعيد عندما كنّا مستعمرين ومحتلين أطلقنا على حالنا اسم (الفاتحين) ففتحنا الأندلس ودول شبه جزيرة البلقان ووصل أسلافنا إلى الصين. واليوم نعود للبلاد التي فتحناها، ولكن يا خجلتاه نعود بعنوان جديد اسمه (اللاجئون). بالأمس كنّا نتباهى بقيم الشجاعة والمروءة وإكرام الضيف وإغاثة الملهوف، واليوم غابت المروءة ولم يعُد لدينا ضيف، وأصبحنا ننادي يا مغيث. لم يعد هناك طريقة هلاك إلا وسلكناها، فإضافة للآلاف الذين يسقطون يومياً في ميادين القتال والمعارك، والآلاف الذين سقطوا في الشوارع والطرقات وعلى مقاعد الجامعات والمدارس، هناك آلاف أخرى ماتوا غرقاً في المحيطات والبحار، وآلاف ماتوا قهراً على ما آلت إليه البلاد وحسرةً على الخسائر، ولا ننسى الذين عذبوا ونحروا كالخراف في الساحات وعلقوا على أعمدة الكهرباء وأسوار الحدائق، وجديدنا بالقتل الموت حشراً وخنقاً بالشاحنات في المغتربات ناهيك عن الحوادث، أما الباقون منّا على قيد الحياة، فينتظرون دورهم ويتضرعون إلى الله، لكي لا يحصل قاتلوهم على براءة اختراع بفنون جديدة في القتل والجهاد والنكاح وفنون الهمائج. فكل طرق الموت المكتشفة ذقناها وجربت فينا، فنحن شعب تاه في الغابات والبحار نحن هوليوود، ونحن كل أفلام الرعب السابقة والقادمة. نحن باخرة التايتنك واحد، والتايتنك اثنين وثلاثة وأربعة و... إلى اللانهاية، نحن فيلم المخرج جيمس واتكينز (المرأة ذات الرداء الأسود)، نحن فيلم قائمة القتل لبيل ويتلي، وفيلم مواجهات خطرة لمينيهان وأورتيز، نحن كل أفلام الرعب التي لفت الأرض ولكن بدون خدع بصرية، نحن الذين غدر بهم إخوانهم العرب قبل غيرهم، نحن العبء البشري على العرب والعالم، نحن العبرة للآخرين، نحن لو لم نكن نحن لشُنَّت من أجلنا حروب عالمية.
 نحن الحضارة السومرية والبابلية والأكادية والآشورية والحيثية والأمورية والحورية والميتانية، نحن اخترعنا الأبجدية واعتنينا بزراعة الكروم والتين والزيتون وأول من درس الحبوب وطحنها، نحن من صنع الزجاج والنسيج وصبغنا الأقمشة، نحن من ارتقى بفن الملاحة واكتشفنا رأس الرجاء الصالح، نحن الذي قال عنهم ديورانت في قصة الحضارة (ربطوا الشرق بالغرب من سواحل سورية إلى سواحل المتوسط وشرعوا ينتشلون أوروبا من براثن الهمجية).
 ولكن وعذراً على الاستعارة من أنتم؟ 
 أنتم دبي التي تخطط لاستضافة مئة شركة هندية وتمتنع عن مساعدة وإيواء سوري واحد. أنتم الخليجيون الذين تُقبلون على شراء العقارات في المملكة المتحدة ومدينة كان وغيرها، وتبخلون بوردة ترمونها في البحر أسفاً على السوريين الذين تزهق أرواحهم كل يوم، أنتم السعوديون والقطريون الذين تنفقون المليارات لتسليح مجموعاتكم في سورية وغير مستعدين لشراء سترة نجاة لسوري فار بالبحر من جحيم الحرب التي أشعلتموها.
 فليسمع العالم كله ليسمع القريب والبعيد، أن جثث السوريين التي التهمتها الحيتان وسمك القرش والتي تقاذفتها الأمواج إلى الشواطئ قد طهرت البحار والمحيطات من نجسكم، إن السوريين الذين قتلوا في الشاحنة داخل النمسا وهم يكافحون من أجل الحصول على ذرة هواء يستنشقونها ستلعنكم وتلعن حضارتكم، أن روح الشهداء الذين يسقطون يومياً بسبب الدعم والرشاوى الذي تقدموها لأتباعكم ستنتقم منكم وتحرقكم، أن أوجاع المخاض ستزول وستنهض سورية وترمم جراحها وتحرق الحقد وصانعيه، وسيشع نور سورية وتشرق شمسها في كل بلاد العرب وتحرق جميع الذين حاولوا العبث بها وبشعبها، وستنتهي الحرب مهما طالت.
 إن قبورنا المنتشرة في أرجاء المعمورة وفي البحار والوديان ستنبت فيها شقائق النعمان التي سيفوح عبقها في كل مكان. فنحن نموت كالشموع لننير الدروب للعرب الذين خذلونا والبشرية التي صدمتنا نموت واقفين، نموت شامخين! لعل في لهيب جرحنا مشاعل!! تهتدي بنورها الجموع.

لماذا ترجم الديراني قصائد شربل بعيني؟/ الأب يوسف جزراوي

منذ عصور سحيقة والأدب السرياني هو النافذة الضوئية في ليل المعرفة الإنسانية، وقد لا يغيب عن العارفين أنّ الأدب السرياني وحركات الترجمة لدى السريان قديمة كقدّم التاريخ، لكنها  نشطت في أزمنة كثيرة ولنا أسماء لامعة في هذا المجال نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: مار افرام السرياني الملقب بـ (كنارة الروح) ، حنين بن إسحق الطبيب والأديب السرياني، يعقوب السروجي، أبو الفرج عبد الله بن الطيب الكاهن والمترجم العلاّمة، 
ومن المعاصرين: عادل دنو، نزاز ديراني، أديب كوكا، نمرود صليوا.....وقد لا يختلف إثنان على قولي : إنّ بغدادَ في عهد خلفاء بني العباس باتت ملتقى لمحبي الثقافة والعلم والحكمة، ومن يتتبع تاريخ هذه المرحلة سيرى أن كلّ شيء كان يبدو مهيئًا لأفتتاح عهد حضاري جديد، فانفتحت الأبواب على مصراعيها أمام أصحاب الفكر  والعلم والأدب، فتمكنوا من الكشف عن مواهبهم وتطوير علومهم بفضل احتضان  بعض خلفاء بني العباس لهم، ويشهد التاريخ أيضًا بأنّ العالم اجمع مدين لبغداد التي اصبحت إبّان تلك الفترة أمّ الدنيا ومحط الانظار،  فقد كانت جسر الصلة بين ثقافات عدة منها: اليونانية والسريانية والعربية.. ولا عجب ان قلت ان الفضل في ترجمة الكتب الفلسفية والتاريخية والأدبية والطبية من اليونانية إلى السريانية ومن ثم إلى شقيقتها العربية يعود إلى الفلاسفة والأدباء والأطباء السريان . وهنا نود تعميم حقيقة جليلة مفادها: إنَّ كلّ تقدم وازدهار حصل في تلك الفترة لهو بفضل الجهود الجبارة التي بذلت من قبل ابناء بغداد من علماء على اختلاف مللهم ونحلهم ومذاهبهم، وبشكل خاص السريان منهم، وذلك خلال حُقبتين مرت بهما بغداد في العهد العباسي فكملت احداهما الأخرى، 
الحقبة الأولى اشتهرت بعصر الغرس وبذر البذور، أما الحقبة الثانية فكانت للحصاد وجني الثمار، أقول هذا وعيني موجهة صوب الديراني في محاولته المعاصرة الخلاّقة ولكن بشكلٍ معكوس، إذ من المعهود والمألوف هو أن تتم الترجمة من اليونانية أو السريانية إلى العربية، لكن الأمر أبهرني وأدهشني حين علمت من صديقنا واستاذنا الشاعر شربل بعيني عن مساعي صديقنا المشترك الأديب العراقي السرياني نزار حنّا الديراني، بترجمة  بعض أشعاره من العربية إلى السريانية.
ونزار الديراني لمَن لا يعرفه، هو اديب سرياني مرموق، عراقي الهوية إنساني الجنسية، اسمه وصورته رافقا اسمي وصورتي في بعض المجلات والنشرات التي كانت تصدر في العراق منذ دراستي اللاهوتية ومطلع رسالتي الكهنوتية، واذكر  أنني ذات يوم استلمت هوية إنتماء إلى  اتحاد الكتّاب والأدباء السريان في العراق برقم عضوية 41 مؤرخة في 15/8/2004/ الصفة كاتب، تحمل توقيع الكبير نزار الديراني رئيس الإتحاد.. 
مضت السنون وعادت المراسلات بيننا، عسى أن تكون  بداية عهد جديد لصداقتنا الأدبية والإنسانية، وادرج هنا مقتطفات من رسالة صغيرة ارسلها لي قبل بضعة أسابيع خلت، جاء فيها: 
"الأب يوسف الجزيل الاحترام..
حين كنت في بغداد وقبولك عضوا في اتحادنا انقطعت اخبارك عني، في حينها سالت بعض الاباء ممن كانوا في دورتك، فعلمت انك مسافر، ولكن لم أدر ألى أين. أرجو أن تكون هذه فاتحة الاتصال بيننا .
تحياتي واشواقي". 
ولعلّي ابوح بسرٍ  هنا: حين جاءني صوت الديراني  عبر الهاتف شعرت أن صوتًا من عصر الثقافة وزمن  الحلم الجميل قد دغدغ مسامعي، سيّما حين حدثني عن فاعلية عضويتي في الاتحاد المذكور وتكليفي بالتشاور مع الاديب السرياني عادل دنو  في مناقشة السبل الانجع لفتح فرعٍ للاتحاد في استراليا.
لقد عرفت نزاز عن طريق رسالة الأدب وميادين الكلمة، وتوطدت المعرفة بيننا بواسطة الأب سامر  صوريشو الراهب، ومع كرّ الأيام وفرّها  لمست في جعبته  كلمة مرموقة كلّما كتبَ عن أدب او عن أديب، لا يمشي في تبعية أحد، ولا يُفرض عليه موضوع، عرفته حرًا في أختيار الموضوعات التي يؤمن بها، وهو يحلق بعفوية وقناعة وجرأة في سماء الشعر والأدب. إنّه المتألم وحبّ العراق يؤرقه، كانت الكتابة متعته ووسيلته في اسعاد القارئ، يكتب عن الحياة، لأن الحياة تضج فيه وتدله على كتاباته.
أبصر الديراني النور في منطقة دير ابون- زاخو 1956، حاصل على بكلوريوس إدارة واقتصاد- الجامعة المستنصرية في بغداد. عضو اتحاد الادباء والكتّاب السريان وعضو اتحاد  ادباء العرب منذ عام 1985، عضو جمعيات ادبية وثقافية عديدة، منها: عضو مكتب الثقافة السريانية في الاتحاد العام للادباء والكتّاب العراقيين، جمعية اشور بانيبال،رئيس اتحاد الادباء والكتّاب السريان منذ عام 2003- 2010 وعلى مدى ثلاثة دورات متتالية. نائب الأمين العام لاتحاد الادباء والكتّاب في العراق منذ عام 2004- 2010.
عمل عضوًا في تحرير مجلة ( قالا سوريايا، الاديب السرياني ومديرًا للتحرير، ربانوثا، الاديب العراقي. القى العديد من المحاضرات والندوات واشترك في العديد من الاماسي الشعرية داخل العراق وخارجه.
له عشرون مطبوعًا، يعد كتاب (شهيد من ديرابون) باكورة اعماله 1984، وكتاب ( شربل بعيني ومعاناة الهجرة) آخر مطبوعاته الحالية 2015.
يهرب الديراني بشكل متواتر إلى عزلته وبين جوانحه تتراقص كلماته، يمتشق القلم حين يجد دموعه تجري مع مداده ، لتخط فوق القرطاس حكاية وطن يدعى العراق. ينسج في مهجره وغربته الاليمة داخل الوطن قصيدة الدهر على جبين الاتقياء، فو يخشى أن يدخل الوطن في متاهات الذاكرة ليصبح مجرد ذكرى.
لقد كتبتُ هُنا كلّ ما اعرفه عن الأستاذ نزار حنّا يوسف الديراني، الكاتب العراقي والشاعر السرياني والأديب الإنساني، إذ أنّني أحتار من أين آتيه وكيف أجازيه، لأنه وبِلا مغالاة أحد أشهر الأقلام السريانية في العالم.
أما الشاعر الكبير شربل بعيني فهو غني عن التعريف، إنه  لبناني المولد، عراقي الدم، أسترالي الجنسية، ألتقى بالديراني في عروس الشرق بغداد عام 1987، إذ التقيا وجهًا لوجه في المربد الشعري. ذلك هو الشاعر الإنسان الذي امتدحه كبار الشعراء بدءًا من نزار قباني، مرورًا بالبياتي والجواهري، وصولاً إلى الكبير يحيى السماوي الذي اطلق عليه لقب عميد الأدب المهجري في استراليا.
انقطع ودّ الإتصال بين الشاعرين منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي إلى قبل  سنوات خلت، تجددت الصداقة بواسطة صديق ثالث وهو: د. موفق ساوا.  وإذا بالديراني  يفاجئ البعيني بكتابٍ جمع بين دفتيه إنتقاءات شعرية، حيث انتقى الديراني  جميع مراحل حياة الشاعر اللبناني شربل بعيني وقصته مع الوطن وقرفه من الغربة. وكأن قصائد البعيني كانت لسان حال الديراني في غربته عن بغداد.  لقد كتبَ شربل ما بقي من ذكرياته مع المعاناة في ذاكرة الجسد ، أما نزار فقد برع في  ترجمة تلك الذكريات، كيف لا. وهي ذكريات عمر اكلته الغربة.
والآن إليكم الأسباب التي دفعت الديراني للقيام بمحاولته الخلاّقة:
يقول الديراني :
"منذ مطلع السبعينات وحين استهوتني الساحة الثقافية وبالاخص الشعر ، اطلعت على الكثير من الشعر العربي بدءا" من المعلقات فتلمست في حينها ان غالبية الشعراء المتميزين هم اللذين اطلعوا على الشعر العالمي اعني قصائد الشعوب الاخرى ، فبدأت اقرأ الكثير مما يترجم الى العربية وعلمت في حينها كم نحن بأمس الحاجة الى ان ترجمة ذلك الى لغتنا السريانية التي كانت يوما الجسر الذي يربط الشرق بالشرق والشرق بالغرب ... والتاريخ يشهد على المساحة التي احتلها السريان في علم الترجمة  فكان هذا الشعور ينمو في داخلي ، ولان بدايتي كانت كتابة الشعر العربي فسهل علي تذوق هذا الشعر وترجمته ...
في الثمانينات حالفني الحظ ان التقي واصادق شاعرا لبنانيا قادما من استراليا في مهرجان المربد الذي كان ما يميزه وما يشجعنا المشاركة فيه هو التقاء شعراء من خارج العراق لنتعرف على تجربتهم الشعرية وخصوصا كنا نحن اغلبية شعراء العراق نعيش في قفص كبير ، ولم اكن ادري في حينها لماذا تميزت صداقتي مع الشاعر شربل بعيني اكثر من الاخرين علما انني كنت احاور واتعرف على العديد من الشعراء الاخرين من امريكا وكندا ومصر وتونس و...
وحين تناولنا اول كأس من مشروب العرق تمازجت عناصر الكتابة لدينا وتحول الشعور والدافع للكتابة الى جسر يربطنا وحتى بعد ان عاد الى وطنه الجديد استراليا ، فتبادلنا مطبوعاتنا وكانت اول بادرة منه حين كتب في صحيفة استرالية بالعربية عن كتابي (الكيل الذهبي في الشعر السرياني) وحين قرأت قصائده عرفت السر الذي دفعني باتجاهه اكثر من غيره ، وكيف لا يتمازج شعورنا ان كنا معاً نرى مصيرنا ومصير الانسانية في الشرق الاوسط واحد، وكلانا يتحدر من جذر عميق لالاف السنين لشجرة عملاقة تنتشر جذورها ما بين العراق ولبنان وسوريا وجزء من تركيا وبلاد فارس و... وكنت اعرف ما الذي يعني ان يحضر الشاعر جزءا من تراثه الى عصرنته فكان زميلي ينقل جزءا من هذا التراث من خلال لغة شعبية بسيطة كنت اتلمس فيها العديد من مفردات لغتي فاحسست برسالته التي يريد ان يلفت انظارنا بها الى جذورنا وهذا كان من بين العناصر التي جمعت معاناتنا رغم الاف الكيلومترات التي تفصلنا ...
وبسبب المأسي التي حلت بالعراق بعد مطلع التسعينات انقطعت اخبارنا ومراسلاتنا .... فبعد طبع ترجمتي الاولى (من الادب العربي الحديث) التي كانت تجمع بين دفتيها اسماء كبار الشعراء العرب من جيل السياب بادرت لترجمة قصائد لجيل ما بعدهم وكانت قصائد زميلي شربل تدغدغني ولكن بسبب الظروف التعيسة التي حلت بالعراق بعد الاحتلال الامريكي جعلتني اترك بيتي ومكتبتي ومسوداتي في بغداد واعيش الفصل الثاني من معاناة الغربة في قرية تقع في اقصى الشمال (المثلث الحدودي تركيا سوريا العراق ــ وهي مسقط راسي حيث كانت قبل ان تسلبها منا الحكومة بسبب التعريب اية من الجمال)،  بعد ان عشت الفصل الاول من هذه المعاناة في بغداد وهذا ما كان يجمعني وزميلي شربل . لذا التجأت الى الانترنت لاستل بعض قصائده وخصوصا الجديدة منها فتلذذتها اكثر من السابق لاني وجدت في غربته الثانية (المهجر) جبلا من المعاناة فكان لي بمثابة مرآة كبيرة اجد فيها معاناتي الحالية والمستقبلية فترجمت بعضها في كتابي (من الشعر العربي الحديث)
ولكن طالما كان يعيش احدنا في الاخر ويتذوق مأساة الغربة حالفنا الحظ ان نلتقي من جديد ولكن في هذه الحالة من خلال الانترنت، فطلبت منه ان يرسل لي بعض قصائده لاترجمها بديوان مستقل، فمثلما اجد نفسي فيها هكذا سيجد القارئ من بني قومي نفسه فيها...
عندما كنت اقرأ قصيدته (ارزتنا) كنت اجدها وكأن شاعرنا يريد ان يقول عوضا عني ها هي رموزنا ( الثور المجنح، اسد بابل، الجنائن المعلقة ...) تئن وتختلج وتتنفس انفاسها الاخيرة وهذا ما حصل بفعل داعش وبسبب الهجرة والانقسام ففقدت ما كان يربطها بصلابة جذورها وارضها لذا ارتجفت امام الريح وكأن الشاعر قد رأى وتنبأ بمستقبل حضارتنا وتراثنا العريق.
وحين كنت اترجم قصيدته (رسالة الى فخامة الرئيس) كنت احس وكاني انا الذي يكتب الرسالة لا مترجم لها، فكل واحد منا يحتاج ان يكتب رسالة كهذه الى فخامة الرئيس على شرط ان لا يكون من بين الذين يصفهم الشاعر بانهم  يَتَقَاذَفُونَ الشَّتائِمَ ، يَتَلَفَّظُونَ دَائِما بِحُرُوفِ الْكُرْهِ وَالتَّحْقِيرِ ، وكيف لي ان لا اجد نفسي في شعره وهو يقول ما يقوله ابناء شعبي وهم يتظاهرون ( بِلادُنا، فَخامَةَ الرَّئيسْ..بِحاجَةٍ إِلى قِدِّيسْ) وهذه رؤية ثانية . وكم نحن اليوم نتشوق لنقول لوطننا وحكومننا ما قاله الشاعر في قصيدته حب في لندن (قولي: أُحبُّكَ..) وهكذا حين كنت اترجم قصيدته دراجات امستردام تيقنت فعلا ما الذي جمعني واجتذبني الى الشاعر شربل بعيني في منتصف الثمانينات، حيث نتقاسم كلانا نفس الشعور فهو يكتب في المهجر قصيدته (دراجات امستردام) وانا اكتب في بلدي الذي اصبح هو الاخر مهجرا لي قصيدتي (مهدي ) سوى انه استخدم مفردة الدراجة والدولاب كويسلة لحفظ ونقل حُبَيْباتِ الْعَرَقِ الْمُتَصَبّبَةِ من عرق جبين اجداده وهم يصنعون التاريخ في لبنان ،لِتُنْعِشَ بِها أَزْهارَ الْعاشِقيَن ساعاتِ الْجَفاف. اما انا فقد استخدمت المهد وعقرب الساعة لاعكس صور حبيبات الدم وصور السيف الذي كان يقطع رؤوس اجدادي ... وهكذا في بقية قصائده لذا حين كنت اترجم قصائده لم اجد نفسي غريبا عن شعره ولم احتاج الى قاموسٍ لانه لم يكن يصنع الكلمة بل ينحتها .."

ما سطرته أنامل الزميل الديراني لم تشفِ غليلي ولم تروِ ظمإي، فعاودت الإستفسار بهذه الرسالة:
عزيزي استاذ نزار المحترم
لقد ايقنتُ من أجوبتك السابقة بأنَّ المعاناة المشتركة كانت سببًا دفعك للترجمة، أو بمعنى آخر  انَّ معاناة شربلنا وهمه الوطني وهو  يعيش لبنانيته من قارة تقبع في آخر العال،، قاداه للحنين والتغني بوطنٍ هرب من ساسته وحكّامه إلى غربةٍ جعلته يتعلق بمرابع صباه  أكثر من ايّ وقت مضى، ولعلّه سبقكَ في ترجمة هذه المعاناة والمشاعر إلى  صورٍ شعرية وزجلية. وكأني بك وجدته  يُجسد شعريًا مأساة بلد الرشيد ومنارة المجد التليد. ولكن الّا يوجد بعد أدبي أو بلاغة صورية حفزتك لتخطو مثل هذه الخطوة؟ فربّما الكثير من الشعراء الشرق اوسطيين المغتربين كتبوا عن هول الازمات في بلدانهم؟ فلماذا قصائد شربل بعيني تحديدًا؟ ما الذي وجدته في أدبه؟ فمثلا شاعر العرب الاكبر نزار القباني سبق تجربة عميد ادباء مهجرنا الاسترالي شربل بعيني بهذا المجال بقصيدته عنترة.
ودعني أكون اكثر وضوحًا: ما الذي وجدته في أدبه مغايرًا ومتميزًا عن شعراء كتبوا عن التجربة ذاتها؟
فجاءني الجواب كالاتي:
عزيزي الأب يوسف الجزيل الاحترام
"أنا لم ادخل في التفاصيل، فما قلته يحمل بين طياته حداثة بمعنى الكلمة، فعندما قلت انه استخدم تعابير شعبية في قصائده هذا يعني انه مازج البعد الواقعي مع الرؤية المستقبلية، وهذه احدى معالم الحداثة في الشعر، فهي تشبه عملية استخدام القناع والاسطورة، وعندما اقول انسجامه مع معاناة الانسان فهذا يعني انه ارتقى لمرحلة اعلى من المدرسة الغنائية من ذوات الانا.  وهكذا.. ترجمتي هذه لم تكن دراسة نقدية بل هي بداية الانجذاب، فعندما تجد لوحة تستهويك الصورة أولا لتقف ومن ثم تتأمل ...ما قصدته كان يشمل البعد الحداثوي في اللغة التي خلصها من كلاسيكيتها الممقوتة والشكل الذي اعطاه فضاءً واسعا ومضمونا جديدا واقعيا ".
 والحال بين العربية والسريانية كان تلاقح للروئ وتنقيح للأفكار بين شاعرين من العراق ولبنان،  كلاهما لخص المأساة بطريقته الخاصة. إنّها محاولة رائعة آمل ان تلحق بها وتتبعها محاولات أخرى في المستقبل إن قيض لك الله الأمر.
في الختام أمضي للقول:
حقًا غريبة هي الغربة، تجعلنا نحّن لوطنٍ هربنا من جحيمه إلى قرفها؛ غربة تجعلك مزروعًا في كلّ فضاءات العالم؛ ولكن ماذا ينفع المرء لو انتشر في كلّ الأوطان وخسر وطنه!  فيقيني أيها العزيزان الديراني والبعيني، أننا لم نخلق لنكون شتاتًا في الأرض ولم تلدنا أمهاتنا لنوقد شمعة عن روح الوطن في صومعة التشرد. 
طوبى للعراق وللبنان اللذين انجباكما وهنيئًا للكلمة بكما. وشكرًا لمحبوبتي بغداد التي جمعتكما.

مواقـف شخـصية صارت تجارب حـياتية قـد تـفـيـد بعـضاً من أبناء الجالية 1/ مايكـل سـيـﭘـي

الحـلقة الأولى 

بعـد الخـدمة العـسكـرية الإلزامية صدر أمر وزاري في عام 1973 بتعـيـيني مـدرساً في الكـوت ، وتـنـقـلتُ بـين إدارات مـدارس مخـتـلفة لأسباب متباينة حـتى 1992 حـين غادرتُ العـراق ... أربع سنـوات أولى في ثانـوية كـنتُ أذهـب إليها في الغالب مشيا عَـبر سـدة الكـوت ... والسنة الأخـيرة في مـركـز المدينة أصِل إليها بـدقائق قـليلة .
في بغـداد سنة واحـدة في متوسطة / حي جـميلة ( لي تجـربة أخـرى منـذ الساعة الأولى فـيها سنأتي إليها لاحـقاً ! ) لم تكـن مشجعة لي ولا يحـق لي النـقـل منها إلاّ بتـوصية المشرف العام المخـوّل فـخـيّـرته إما نـقـلي أو إستـقالـتي ، فـنـقـلـني إلى إعـدادية الجمهـورية قـضيت فـيها سنة واحـدة فإبتـدأت الحـرب الإيرانية وكـثرت الشواغـر في المدارس ولابـد من سـدّها فإنـتـقـلتُ إلى إعـدادية قـرطاجة القـريـبة من سـكـني / الحـبيبية ، أصِل إليها مشيا بـ 16 دقـيقة ، وبعـد 8 سنوات تحـولت بناية مـدرسـتـنا إلى مـركـز مهـني فإنـتـقـل طلابنا ومِلاكـنا الـتـدريسي إلى إعـدادية في مدينة الثورة ، وفي أثـنائها كان سكـني قـد تغـيّـر فإنـتـقـلتُ إلى إعـدادية قـريـبة / الـدورة / ميكانيك / حي آسيا ..... تخـللت هـذه السنين خـدمة عـسـكـرية إحـتـياط لمدة سنـتين كاملـتين في الجـبهة مع خـبرات حـلـوة .
وبالمناسبة ، إن المـدرس هـو قائـد داخـل صفه ، والمـدير قائـد داخـل مـدرسته ، وهـكـذا الملك قائـد في دولته ، وعـليه كـل واحـد منا قائـد في مساحة عـمله ، فلا يمكـن للمـدير أن يـدخـل عـشـوائياً داخـل الصف وأنا فـيه إلاّ بإذنٍ مني ، أما إذا كان هـناك عـنجهي لا يـبالي بالتعـليمات وينـطلق من منـصبه الأعـلى وقـوته فـيتجاوز عـلى حـقـوق المـدرس أو أي موظف أدنى منه منـصباً فـتـلـك مسألة أخـرى ... ونـتـذكـر أن صدام قال يوماً : عـلى كـل واحـد أن يتـصرف كـقائـد في موقعه !! بل وذهـبَ أبعـد حـين أمر كـل مسؤول كـبـير أن يمارس وظيفـته من موقع أدنى للإطلاع عـلى ظروف العـمل . 
****
( بوش ) كـلمة شعـبـية تعـني في القاموس العـربي : (1) إزدحام ، كـثرة ..... أما الـدارج بـين العـراقـيّـين فـتعـني (2) إستيكان أو قـدح فارغ بعـد شـرب الـﭼاي منه فـنـقـول جـيب البوش أو غـسّـل البوشات ...... ولكـن تستخـدم سخـرية وإنـتـقاداً بمعـنى (3) رخاوة ...... وهـذا نريـده في مقالـنا .
هـناك ظاهـرة مألـوفة قـد تـكـون طبـيعـية وهي أن الشـد والحـزم والخـنـق والمراقـبة والضبط واليقـظة والضغـط والإلحاح والتـوتـر ، كـلها تميل بمرور الزمن إلى التراخي والإنـفـكاك أو التراجع عـن هـذه الحالة أو تـقـليلها !! يعـني حـين تـشـد رزمة بحـزام وتـتـركها فلا يزداد شـدّ الحـزام ، بل بالعـكس يتراخى ذاتياً بعـد فـتـرة بسبـب الحـركة والتغـيرات المناخـية كالحـرارة والبرودة ..... ولأجـل ذلك حـين نـشـد جهازاً أو صنـدوقاً عـلى قاعـدة أو عـلى عـربة متـنـقـلة بإستخـدام الـبراغي ، فإن الـتـنـقـل والإهـتـزاز والتـقـلبات الجـوية من تمدد وتـقـلص تسبِّـب زعـزعة وضعـف قـوة شـد البرغي وكأنه يميل إلى حـل نـفـسه ، أي يتراخى مما يجـعـل الشيء المشـدود يتحـرّك من مكانه بعـض الشيء ونسمع صوتاً عـنـد تـنـقـله .... فلإعادة تـثـبـيته مرة أخـرى يحـتاج إلى أن نـشـد البرغي قليلاً بإستخـدام ( سْـﭘانة ، دَرنـفـيس ، ألِـن كِي ) فـكأنـنا نأخـذ رخاوته ونـزيل قـلقـلته .... فـنـقـول بالعامية : أخـذنا بوشه أو ضبّـيناه سِـنـّـين يعـني شـدّيناه دَورتين ..... 
أما البرغي المشـدود بثبات وقـوة ، فإنه لا يتراخى مع الزمن رغـم الحـركة والإهـتـزاز وتغـيـرات الجـو ، فلا يكـون بحاجة إلى شـد ولا يتطـلب أن يأتي شخـص ويأخـذ بوشه !!!! وللعـلم إن صلابة ونـوعـية معـدن الـبرغي تـلعـب دَوراً مهماً في ثباته عـلى شـدّه ........ والآن حان وقـت السؤال : أين مواقـف الحـياة من كل هـذا يا تـرى ؟ أين ربّاط الكلام ونحـن في زمن الربـط ؟ . 

كـنت شاباً بعـمر قـبل منـتـصف العـشرينات حـين تعـيَّـنتُ مـدرساً طريّ الوجه نحـيف الجـسم سريع الحـركة وحـتى صوتي لم يكـن فـيه بحّة كاهـل أثـقـلته تجارب الحـياة ، بمعـنى أن مظهـري لم يكـن مَهـيـباً ولا محاطاً بأبّهة ، وهـناك مقـوله عـنـد الطلاب الوقـحـين ضعـيفي النـفـوس رديئي التربـية ، يستبقـون المـدرس الجـديـد في المـدرسة بقـولهم (( نأخـذ بوشه ــ يستـغـلـون رخاوته أو تـسامحه )) كي يهابهم ويواصلـوا وقاحـتهم فـيحـدّوا من سلطته عـليهم ويصبح بالتالي أضحـوكة بـينهم ........ 
إن الـدرس الأول للمدرس الجـديـد في المدرسة هـو الـذي يحـسم الموقـف ، فإما يأخـذون بوشه أو هـو الـذي يأخـذ بوشهم جـميعهم طيلة سنين عـمله ( ليس فـقـط في تلك المـدرسة ) وإنما في تلك المـدينة وأبعـد منها ......
من جانب ثاني عـلى المـدرس تجَـنـُّـب المشاكـل كي لا تـؤخـذ نـظرة سلـبـية عـنه ، وفي الحـقـيقة هـو صراع ما بـين المـدرس والطالب بـوجـود المـدير الـذي له تأثير عـلى العـملية بـدون شـك ..... فما الـذي يجـب أن أعـمله وأنا حـديث العـهـد في الحـقـل الوظيفي ؟ كـيف أسلك كي أكـون متـوازناً ؟ 
في دواخـلي لا أريـد التجاوز عـلى القانـون والسلطة ، وبالمقابل لا أسمح لأحـد أن يـدوس عـلى كـرامتي ، إذن يتـطلب مني أن أكـون حـذراً رزناً في سلوكي وتـصرّفي في اللحـظات الحاسمة عـنـد الحاجة ، فإما أن أفـرض نـفـسي عـلى الوقـحـين الطلاب في مجال عـملي وأكـون محـتـرَماً غـصباً عـنهم ... أو أستـرخـص شخـصيتي فأصبح ألـعـوبة بأيـديهم .... والعِـبرة هي في أول طلعة عـلى المسرح أمام الجـمهـور عـنـد بـداية المسرحـية .  
كان أول درس لي كـمدرس حـين دخـلـتُ الصف الرابع الثانـوي (  Year 10 ) رأيتُ المراقـب واقـفاً أمام السبورة وبـيـده وردة حـمراء ــ لم أكـتـرث لها ــ صاح قـيام ! قام الطلاب ، سلمتُ عـليهم ثم قـلت تـفـضلوا إجـلـسوا .... وبدلاً من أنْ يـذهـب المراقـب إلى مقـعـده بقي واقـفاً ، ومن براءة نيتي تـصوّرتُه يحـتـرمني وينـتـظر إيعازاً مني فـقـلتُ له : تـفـضل إجـلس .. فـرمقـني بنـظرة فـطيرة ! ثم رفع الوردة إلى أنـفه ! وصار يشمشم بها ! وهـو ينـظر إليّ أثـناء مشيه إلى مقـعـده في مؤخـرة الصف .... أعـتـرف لكم بأنه إستـفـزني ولكـني تمالكـتُ أعـصابي لأنه ليس معـقـولاً أن يستخـف بمدرسه ، وأنا لا أعـرف أحـداً ولا يعـرفـوني .... بقي الطلاب ينـتـظروني لأعـرّف نـفـسي لهم ولكـني بقـيت ساكـتاً أفـكـر بسرعة كـيف أتـصرف أمام هـكـذا مشهـد . 
فإنْ تجاهـلت حـركـته وعـبَّـرتها عـليه وعـفـوتُ عـنه سيقـول للطلاب ( شـفـتـو شـلـون أخـذت بوشه ؟ ) وإنْ ردعـته فإني سأخـلق مشكـلة منـذ الـدرس الأول في حـياتي ، قـد تـؤثـر سلـباً عـلى الـتـقـرير الـذي سيكـتبه المـدير عـني وأنا تحـت التجـربة لمدة سنة واحـدة ( حـسب التعـليمات ) ثم أثـبَّـتْ في الوظيفة ... فـصرتُ حائـراً والطلاب صافـنين ! وأنا في هـذه الأثـناء أخـطو خـطواتي أمام السبورة أحـدّق عـلى الأرض ، لكـني في النهاية قـرّرتُ الردع !! ولا تهـمني العـواقـب والـتـداعـيات ، فأنا مستـعـد أن أشتغـل عاملاً كادحاً بكـرامة أفـضل من مـدرس ماخـذين بوشه . 
تـقـدمتُ إلى مؤخـرة الصف حـيث مقـعـد المراقـب وسألته هـل أنت مراقـب ؟ قال نعـم .... ﮔـوم عـلى حـيـلك ، فـوقـف ... سألته : ماذا كـنـتَ تـقـصـد بتـلك الحـركة التي عـملتها والوردة بـيـدك ؟ قال : ما بـيها شي أستاذ ... فـفاجأته بضربة كـفٍ قـوية غـير متـوقعة عـلى وجهه الأيسر ، فـتـفاجأ هـو والطلاب ... كـررتُ سؤالي له : ما بـيها شي ؟ قال : نعـم ما بـيها شيء ! فألحـقـته بأخـرى عـلى وجهه الثاني وقـلت : أﮔـعُـد كـن حـذرا مرة أخـرى .... سـكـتَ ولم ينـطق بحـرف واحـد طيلة سنـوات وجـوده في المـدرسة . 
إن سلوكي هـذا سـواءا كان قانـونيا أم لا ، فأنا تـصرّفـتُ وصارت عِـبـرة كافـية لجـميع الطلاب عـلى مـدى خـمس سـنـين ولم تـصادفـني مشكـلة إطلاقاً ، فحَـميتُ نـفـسي أنا المسيحي الوحـيـد في مـدرسة طلابها يرسمون الخـناجـر والمسـدسات عـلى الرحلات وبـيئة المنـطقة عـشائرية غـير مثـقـفة غـنية عـن الـبـيان !! وعـلى أثـرها صار الطلاب يحـكـون فـيما بـينهم لسنـوات قائلين أن هـذا المـدرس يـبـسط .. وأود أن أكـون صريحاً الآن وأقـول : كان في تلك الأيام قانـون ودولة ووزير ورئيس ومؤسّسات ، أما الـيوم لو كـنتُ في العـراق لا أستـطيع أن أسلك ذات السلوك . 
الخلاصة : 
عـلى القائـد الحـكـيم الرزن مهما كان قـوي الشخـصية ، أن يردع الوقحـين النمامين المنافـقـيـن في أول موقـف معـهم لأن ذلك سيكـون مقـياساً لشخـصيته عـنـدهم ، بل عـليه أن لا ينـتـظر وإنما يخـلـق موقـفاً وهـمياً ليعَـبِّـر فـيه عـن قـوة شخـصيته فـيهابـونه ، وإلاّ سيأخـذون بـوشه مـدى عـمره ... وتجارب الحـياة ستـثـبت ذلك لكـل قائـد ، نعـم ستـثـبت ذلك لكـل قائـد .... والله المعـين .