هل بدأت ملامح سقوط الحضارة الإنسانية تظهر اخيرا ؟! انه مجرد سؤال، ولكن هل من سؤال آخر أخطر منه، وكأنما يتساءل المرء متى ستقع الضربة النووية؟ او متى تصطدم الأرض بكوكب آخر؟ ان خطورة الوضع الذي عاشته البشرية في هذا العقد جعلتهم يشعرون بحالة قلق، لهذا طرح هذا السؤال في كثير من المناسبات.
تمر الحضارة الإنسانية في منعطف خطير في هذه الأيام، قد يقود في النهاية إلى سقوطها حسب آراء بعض المفكرين والمصلحين الاجتماعيين، فقبل نصف قرن كتب الكاتب الإنكليزي كولن ولسن كتابه المشهور تحت عنوان "سقوط الحضارة" محذراً احتمالية خطر سقوط الحضارة الغربية المبنية على القيم الفردانية، وذلك من خلال تناوله سيرة عدد كبير من المبدعين والعباقرة في التاريخ الحديث، الذين انتهت حياتهم في الانتحار والموت في البؤس من شدة فقرهم، او اصابتهم بحالة الإحباط النفسي بعد انعزالهم من المجتمع، بعد عجزهم من مواكبة مسيرة الحياة في الحضارة الحديثة المبنية على الفلسفة المادية والفلسفة الفردانية.
من ملامح سقوط الحضارة الإنسانية في هذه الأيام ايضاً هي ظهور حركة الدواعش التي ظهرت في الآونة. ومن منا لم يسمع بهذا البدعة الرجعية او السلفية او الهرطقة؟ اقل ما يقال عن اصحابها، انهم قتلة الأبرياء والأطفال وكبار السن وكل شخص يعارضهم، عن طريق السيوف والسكاكين او الرمي بالرصاص او الحرق، او تفخيخ النفس وتفجيرها في وسط الأسواق او الدوائر الحكومية، او انهم مدمري الاثار والحضارة. حجتهم في فعل لهذه الاعمال القبيحة، هي إن الاخرين لا يستحقون الحياة، لأنهم يختلفون عنهم في ديانتهم او في عبادتهم أو في طريقة ممارسة طقوسهم الدينية أو ارتداء ملابسهم او عيشهم. بل يتجرؤون بالادعاء ان الله امرهم قتل كل نفس لا تسير في طريقه، اي طريق الذي وضعته هذه الحركة الرجعية او الهرطقة الحديثة في عصر كل مظاهره مادية بحتة. الامر الذي جعل العالم أن يصحو من سباته بعد ربع قرن من الهدوء، من بعد زوال الصراع الاشتراكي الرأسمالي والعيش بهدوء.
لكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه مرة أخرى، لماذا ظهرت هذه البدعة بهذه القوة وبهذا الرداء، أي رداء الفكر السلفي الرجعي الذي مضى عليه قرون طويلة الذي لا يلائم الحياة العصرية حتى في ارياف أي بلد من العالم الثالث؟!!. بإختصار ان هذه البدعة لم تظهر من لا شيء، انما كانت مطمورة في طيات الزمان وظهرت الان كنتيجة لرد فعل لعوامل كثيرة، من أهمها هي نظام العولمة والسياسة الدولية للتحالفات الدولية وقذارتها.
ان العالم يشبه قطعة قماش يمسك بطرفيها المجتمع الغربي والمجتمع الشرقية، وكل واحد يسحب من جانبه بكل قوته بغية ان يمزق أكبر رقعه منها. فالحضارة الغربية المنفتحة المبنية على الفلسفة الفردانية وتقديس قيمها على اساس الحرية والديمقراطية وحقوق الفرد، تريد ان يتوسع هذا النظام ليصل الى جميع القارات والشعوب كل البيوت بل تريد جعل تربية الاطفال تتم بموجب هذه الافكار، على أساس ان هذا النظام عادل لأنه يمنح فرصة التنافس بين جميع افراد المجتمع، بالتالي تعطي منتوج أفضل كفاءة واقل كلفة. ولكن الخطورة في هذا النظام من سيكون صاحب القرار؟ وهل سيكون لقيم والعادات والمشاعر والتعاليم الدينية أثر فيها؟ هل سيكون للضمير والاخلاق والقيم مكانة في قلوب مشرعي القوانين تلك الحضارة او الذي يتخذون القرار الذي لا بد ان يتم اتخاذه من قبل جهة ما.
اما المجتمع الشرقي المعتمد على الفكر الديني الذي مضى عليه قرون عديدة، لازالت الكثير من القيم والتقاليد والتعاليم المعتمدة فيه في قوالبها القديمة لا يستطيع احد ان يمسها بسبب ترسخها في المجتمع، هناك نسبة كبيرة من هذا المجتمع فيهم تخلف بل يقدوسون التخلف،قسم متدين من جراء الخوف من العقاب، بدون ان يعرف السبب او الغرض من عبادته والفائدة المرجوة من اتباعه لتعاليم هذه الديانة، فمعظم أفكارهم او قراراتهم ترجع جذورها الى النزعة القبلية الغريزية والانتقام وسلب ممتلكات الاخر، التي لا تعطي الفرد اي حق في التفكير ، على أساس ان مصلحة المجتمع اهم من مصلحة الفرد، التي هي بالحق مناقضة عن القيم الإنسانية او الفلسفة الموضوعية، التي تعطي لكل فرد حقه الوضعي في الوجود بالتالي، حقه في الفكر والعمل والاختيار.
من الملاحظ هنا ان بعض الفئات من المجتمع الشرقي مثل الدواعش، يعانون من ازدواجية مقيتة، فعلى الرغم من انها تتبنى وتقبل كل ما تنتجه الحضارة الغربية او الإنسانية بصورة عامة في نفس الوقت ترفض المبدأ الذي أدى الى حصول هذا التغير، لأنها اصلا لا تعطي أي قيمة للحقائق العلمية التي وصلتها العلوم الإنسانية والتي عليها ترتكز الحضارة الإنسانية الحالية اليوم.
لكن اين سيقود بنا هذا الصراع؟ وما تأثيره على الإنسانية؟ لمن ستكون الغلبة؟ بلا شك من الناحية الفلسفية الوجود ليس له معنى مالم يكن فيه صراع، بل لا تحصل اي ظاهرة فيزيائية او كيمائية او بيولوجية الا بوجود الصراع في قلبها، فكما يرافق أي جسم ظله، كذلك الوجود مقرون بحالة صراع.
اما ما شدة تأثيره على البشرية؟ ذلك واضح من رجوع الانسان الى الأفكار السلفية القديمة البالية البعيدة من روح العصر وامكانيات الانسان المعرفية، فالصراع بين نظام الفردانية ونظام التوتاليرية (الشمولي) سيكون قائم الى ان يتم خلق نظام آخر يوفق اخر الاثنين او يزيل أحدهما تماما لعدم ملائمته العصر. خلال فترة هذا الصراع سيكون هناك خسائر ومعاناة وبؤس وقتل وجرائم يقوم بها الانسان سواء كان باسم الله او باسم المصلحة العامة، لكن في النهاية سيستقر المجتمع على موقف قد لا يريده لكن يقبل به، لان احداث أخرى مهمة وخطرة ستحصل امام البشرية، حينها سيتوقف الصراع ويذوب أحدهما في الاخر بدون حصول عملية تنقية او بلورة بصورة صحيحة للعملية، أي بدون وصل الظاهرة الى هدفها النهائي التي كانت تود الوصول اليه. بهذا لن تكون هناك غلبة مطلقة وانما غلبة نسبية، بدليل ان الحاضر الذي نعيشه الان، مملوء من الشوائب وشذوذ الماضي. ولكن لحين حصول هذا التوفيق او الاعتدال نحتاج الى وقت طويل، فاسلم طريق للبشرية بناء مجتمعات او مستعمرات بشرية مختلطة وبحسب دساتير متطورة حسب المعرفة والخبرة والحاجة التي تعطي للفرد والمجتمع حقهما معا بصورة انسيابية وموضوعية.
0 comments:
إرسال تعليق