خواطر عن وطن عربي ينتهي/ فراس الور
في قلبي غصة حزن كبيرة...فقد انهار بيتنا آخيرا من حولنا...و القصة ليست عبارة عن أسمنت مغشوش أو غش بمواصفات المواد المستخدمة...فبيتنا هذا ليس مصنوع من مواد صلبة كالتي نشيدها لتحمينا من عواصف الشتاء المريرة و حرارة الصيف الكاوية...هنالك بيت معنوي يضمنا اليه في كل يوم نستيقظ به من النوم...مع إطلالة شمس الصباح البهية و هي تفرد اشعته بحنو في افق الرحمن الرحبة و الواسعة كرحمته تعالى...مع كل خطوة رقيقة يأخذه غزال الغاب ليقترب من بحيرة ماء نقية لترتوي منها نفسه الطمأه...مع كل تغريدة حنونة أتية من عصافير البراري في غابات الرحمن تعالى و هي تستيقظ لتغسل النوم عنها بندى الطبيعة العذب...و هي تغني لصباح جديد من بين الأغصان الموردة بالحياة...من بين ثنايا قفزاتها الناعمة و الخجولة التي تغازل بها رقة أعشاشها التي صنعتها بصبر و من دون ملل على أغصان الشجر المثمر...
البيت الذي نأوي اليه في كل يوم سماءه سرمدية لا حدود لها فتعكس مدى جبروت الرحمن فقد بسطها بيديه و قدرته الرهيبة و التي لم يدركها البشر إلا من خلال قلوب نقية وقعت بغرام عظمة صنيع يديه...عظمة خَلًدَتْهَا الكتب السماوية و حفر اياتها المؤمن الذي يسبح القدرة الإلهية في قلبه و خفظها بعقله...جدران هذا البيت صنعها الزمان مع مرور السنين و حفظها من النسيان فهي صفحات التاريخ الذي خط الزمن بها ما أقترفناه بأيدينا كبشر...لتكون مدونة الى حين سيطلبها الرحمن في يوم الدينونة ليحاسب كل واحد على افعاله...الجدران هذه قد تكون كالمقصلة على رقبة من حطمها و هدم هذا البيت و قد تكون ستر على من سندنها كي لا تنهار...ارض بيتنا هذا غابات الوطن العربي بأشجارها و حشيشها الأخضر و تربتها الحمراء الخصبة نزرعها بأيدينا...هذه ليست أحجية أو حزوره...فهذا البيت هو بلادنا العربية...برية كبيرة تأتي بنفس أهمية بيتنا الإسمنتي الذي يأوينا من خشونة الطبيعة...فما الفائدة...أن يكون لدينا بيت اسمنتي قد تقلعه من جذوره عواصف الحروب الطائفية القاتلة...مارد له يدين جبارة نصنعه بقلة محبتنا لبعض و بواسطة الطائفية البغيضة ليقتل سعادتنا...ليقتل ألفتنا مع بعض...ليفتك بحاضرنا و يجعله ملطخ بالدماء البشرية...ليقتلع حتى الأمل في غد قد يملئه سلام و طمأنينة لأولادنا...فهل تملكتنا الأنانية لهذه الدرجة؟ ايامنا الحالية مليئة بالحوادث الدموية و رسمنا غد قد يغتاله ما نزرع من خضومات في ايامنا الحالية؟
ماذا فعلنا ببيتنا الكبير الذي تسكنه اللأمة العربية...فقد تحولة غاباته العامرة بالحيوانات الأليفة الى مقابر تخلو من تغاريد العصافير البهيجة و غزلان البحيرات العذبة...فهاجرت تلك العصافير الى بلاد بها سلام أكثر و اشتاق حشيش الغاب الى لمسة اقدام غزلان البراري و بيوت سنجاب الحقول الأليف...فتكت الحروب و القنابل بِصِحَةْ التربة و الاراضي لدرجة أنه كرهتها زهور الحقول و غادرت ديارنا رحيقها العَطِرْ...بل ترفض أن تنبت بالحياة من جديد...حتى وحوش الغاب قد غاردت الى ديار غريبة قد تجد بها قوت لها و لأشبالها...ألوف من البشر هاجرت بيتها و مساكنها الى ديار غريبة هربا من الموت و آلآت الدمار التي أقتلعتهم من جذورهم...فهذه البيوت لم تكن لهم فحسب..بل لأجداهم القدماء..تخضبت اراضينا بدماء أولادنا و نحن نهتف بشعارات بها كل شيئ إلًا الإنسانية و الرحمة...شعارات تخلو من الرحمة الإلهية...فهل قتل البشر من أعمال الرحمة الإلهية؟
الله غرز الحياة بالأرض لكي نرعاها فقد تركها بين ايادينا كالوديعة...فما أقترفته ايادينا لا يُغْتَفَرْ على الإطلاق...فهدمنا بيتنا الوحيد بهذا العالم لقلة تسامحنا مع بعض...لقلة وُسْع قلبنا مع بعض...لقلة تفهمنا للإنسانية التي تجمعنا و تُقَوِيْ لحمتنا...فلم نفهم هذه المعاني السامية في نفوسنا كبشر لنستبدلها بشعارات لا تخدم حَقْن الدماء إطلاقا...يقول الله بالإنجيل "إلا تروا طيور السماء لا تزرع و لا تحصد و اباكم السماوي يقيتها" فالله إذ يُطْعِمْ الطَيْر الذي لا عقل له و لا دين له ليحيا بسلام الا يريد لنا أن نحيا بسلام مع بعضنا كبشر؟ كيف نقتل ما يريد الله أن يعيش...
كفا دمارا و حروب...فنريد أن نحيا بسلام، كفا إكراما للحياة التي زرعها الله و خلقها من عدم و اسقاها من غيث السماء لتنبت العشب و الشجر و ثماره ليقتات منها الإنسان و الحيوان...فالله يهب الخليقة الحياة بسخاء لتترعرع بين ربوع الاراضي بغاباتها الفسيحة لتحيا...فيأتي الكره بقلب الإنسانية و أنانية البشر و قلة تسمحهم مع بعض ليأخذها بكل همجية...كفا نريد أن نحيا بسلام و طمأنينة بالوطن العربي...فبما نفتخر كعرب...بأننا قتلة؟ ألا يجدر بنا أن نفتخر بالتَحَضُرْ الذي تنعم به بلاد الغرب؟ ألا يجدر بنا أن نفتخر بالسلام؟ أنقف عند قوة التسامح التي تبني و نترك الحرب المدمرة،
اسأل هنا السؤال المهم...ماذا جلبت لنا الطائفية لبلادنا؟ حياة سياسية مشوشة؟...اقتصاد ضعيف؟...حرب و دمار مزقت أجسادج أهالينا؟...عدم قدرتنا كعرب تقدير و تَقَبُلْ ثقافات الشعوب المحيطة بنا؟..التكفير؟ ماذا تنفع كل هذه وسط عالم قرر منذ خمسين عام التخلي عن هذه اللغة لتنفتح الشعوب الإنسانية على بعضها البعض بهدف التقليل من الحروب و الإحتقانات و الإبتعاد عن الأجواء التي أشعلت الحروب العالمية السالفة...لتبقى منطقتنا الوحدية الغارقة بدوامات الطائفية بصورة عبثية...كالزوان الذي ينبت بأرض خصبة ليقتل ورود الحقل...فالى من نصغي؟ في القرآن الكريم في الإسلام يقول الذكر الحكيم "وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" من صورة النور الآية رقم 22، من يسامح من قلبه سيغفر الله له كثيرا...
0 comments:
إرسال تعليق