عباس الحربي... في طلّتهِ صورة للوطن الشامخ/ الأب يوسف جزراوي

كنتُ أسمع عنه واشاهد صورته عبر شاشة التلفاز العراقي، يشاركني فى ذلك آلاف المثقفين وملايين العراقيين ممن أعجبوا بفنه واهتموا بمتابعة موهبته ونصوصه الدرامية. شاهدته أول مرّة في المسلسل العراقي الشهير "رجال الظل" الذي قُدمَه تلفزيون العراق في النصف الثاني من تسعينيات الفرن الماضي. ثم رأيته في سيدني يوم فاجأني بحضوره في حفل توقيع كتبي (المبدعون غرباء عن هذا العالم، اوراق متناثرة، ملحمة البحث عن النصف الآخر) بتاريخ 12/11/2011  في قاعة كنيسة مريم العذراء التابعة لكنيسة المشرق الآشورية بسيدني. مضت الشهور والتقيته مجددًا في مهرجان الإبداع لمؤسسة العراقيّة بتاريخ 8/3/2012 يوم جرى تكريمنا. وعلى هامش المهرجان تبادلنا الكلام ليمتد بنا الحديث عن هموم الوطن حين باح لي عمّا يختلج في اعماقه قائلاً: "يا صديقي لنُفكّر، ولنكتب، ولنكشف هواجسنا ولواعجنا للناس. فالوطن يحتاج منّا دائماً، أينما كنا كمثقفين، إلى نظرةٍ شاملةٍ من خارجِ إطار المشكلة حتّى لا نكون أسرى للعلاج السطحي ونذهب لترقيع المشكلات بالحلول الوقتية دون الأخذ في الاعتبار أنَّ استعراض المشكلة وهضم مسبباتها هما اللذان يولدان لنا التغيير ويبعثان إلينا بالوجوه الجديدة  ليجلبا الحلول الصحيحة لمآزق الوطن المتكررة".
أما أنا فقلت بصوت خنقته العبرات: وما الفائدة من التغيير؟ فقد يتغير الأشخاص وتتبدل الأسماء، ولكن يظلّ المضمون، كما هو، بسلبياته وعلله وأمراضه، فلا نتجاوز ما نحن فيه ليبقى الإصلاح وهمًا نعيش به وليس هدفًا يتحقق لنا. إنَّ تاريخ الشعوب محكوم بتطور الأفكار قبل أنْ يكونَ محكومًا بتغيير الأشخاص وتباين الوجوه، والعبرة دائمًا بالجوهر وليست أبدًا بالمظهر. فقد رحل عن وطننا ديكتاتور ليحل عوضًا عنه المئات ممن كانوا معارضيه، فساروا على خطى اقسى من خطواته وأفسد. ربتَ الرجل على كتفي الأيمن "وقال: صح لسانك يا أبانا".
وما زلت مدينًا لأخي الكبير الكابتن سعدي توما  ضمن ما أدين به له، بأنّه كان سببًا  في توطيد علاقتي الثقافية بصديقه المخرج أبو مروة منذ سنوات يوم كنتُ أحد أعضاء مؤسسة أفاق للثقافة والفنون.
إنّني اليوم بصددِ الكتابة عن فنان عراقي جمعتنا بيادر حروفه ونصوصه في مواسم حصاد غلال المعاني أمام الشاشة المسطحة وعلى خشبات مسرح المهجر الاسترالي. تبارى كثيرًا في ساحات الفن ، فجرحه الزمن في معارك عديدة  دون أن يرفع رايته البيضاء، واستمر في تطويع الكلمة وهو يحول  مآسي العراقيين إلى انجازات ثقافية وفنية كبيرة بواسطة أعماله المسرحية والتلفزيونية التي عالجت العديد من المواضيع المهمة  والقضايا الساخنة في حياة الفرد العراقي.
هو أسمٌ لامع من كتّاب الدراما العراقيّة المعاصرة لا يمكن  تجاوزه أو اهماله لأيّ سبب كان. هادنته اللغة العربية حين طوع مفرداتها. بدأ ممثلاً في العديد من المسرحيات والمسلسلات، ثم مارسَ الإخراج المسرحي والتلفزيوني، فسطع اسمه كشعلة من نور.
فمن يكون  ذلك الفنان  الذي سقنا عنه تلك المُقدّمة؟
إنَّه الفنان عبد العباس عبد جليو سويلم. أسمه الفني عباس الحربي. من مواليد سوق الشيوخ- محافظة ذي قار 1\ 7\1951. انهى دراسته الاولى في مدرسة التاجي الابتدائية ومن ثم مدرسة المآرب في بغداد  1965 .
عام 1966 واصل الدراسة في متوسطة القادسية، وانهى دراسته الثانوية في ثانوية الشعب المسائية في بغداد عام 1971. التحق بخدمة العلم -العسكرية- عام 1972  ونُسّبَ إلى العاب الفرقة السادسة من اللواء 25 الالي، وتم تسريحه من الخدمة عام  1974، ليلتحق بمعهد الفنون الجميلة / قسم الدراسات المسائية  عام 1975.  ونظراً لموهبته الواعدة تم تعينه في وزارة الشباب مدربًا للفنون المسرحية  بعد حصوله على شهادة أفضل مُخرج شابّ في مهرجان بغداد الأول للمسرح عام  1974. وقد جرى انتدابه إلى وزارة التربية بعد إلغاء الوزارة المذكورة ليعمل بصفة مدرب للفنون (مشرف فني)، كان ذلك عام 1987. 
تخرج من معهد الفنون الجميلة/ قسم الدراسات المسائية  في الموسم الدراسي 1979-1980. وفي اوقات دراسته ألفَ واخرج المسرحيات التالية:
 - " المدمن " لفرقة المسرح العربي تأليف توفيق البصري 1975 ( إخراج).
- "جان دارك" تأليف جان انوي، عُرضت على مسرح معهد الفنون الجميلة عام 1976 (إخراج).
- "النهر الأخضر" عرضت على خشبة فرقة مسرح الاطفال عام 1977 . ( تأليف وإخراج).
" قصّة حديقة الحيوان " تأليف أدوارد البي، بطولة طارق هاشم وظافر جابر1979 (إخراج).
" نفط نفط " إخراج الراحل قاسم محمد 1979 (تأليف).
في عقد الثمانينيات من القرن المنصرم قدّم المسرحيات التالي ذكرها:
" الحضيض " تأليف مكسيم غوركي، إخراج عباس الحربي وهي  أطروحة تخرجه 1980.
" الرسالة " كتب نصها واخرجها لفرقة المسرح العربي 1984.
" الدرس شاغر " عرضت في مهرجان بغداد المسرح الثاني عام 1987 . (تأليف وإخراج).
" الخبب الاعرج " من تأليفه، واخراج الأستاذ سامي عبد الحميد 1985 .
"بير وشناشيل" كتب نصها وقام باخراجها الراحل الدكتور عوني كرومي عام،1988 وحازت على جائزة المركز العراقي للمسرح .
"الرداء" الفها واخرجها  للفرقة القومية للتمثيل. بطولة فيصل جواد و ليلى محمد.  حازت تلك المسرحية على جائزة الإبداع الكبرى من وزارة الثقافة والإعلام العراقيّة عام 1988.
"البيت القديم" عرضت في مهرجان بغداد الثالث للمسرح عام 1986 . (تأليف وإخراج).

في بغداد عمل عضوًا في فرقة المسرح الشعبي، ورئيسًا لفرقة المسرح العربي، ومن ثم  مُديرًا لشعبة المسرح في وزارة الشباب. يشغل الآن منصب رئيس فرقة مسرح افاق في استراليا.
أما أهم الاعمال التلفزيونية ونصوصه الدرامية:
مسلسل " الحواسم" ،" الساعة صفر "، " قميص من حلك الذيب " التي اخرجها جميعها المخرج علي أبو سيف.
مسلسل (ثمنطعش ) إخراج عدنان ابراهيم.
مسلسل (طريق نعيمة )، أخرجه حسن الماجد.
وغيرها من المسلسلات: السرداب، فلوس بوك، على شواطئ دجلة، متى ننام؟.
هرب من العراق عام 1999 بعد أن طاردته السلطات بسبب مسرحية النهضة التي دارت احداثها عن كراج النهضة في بغداد، ألتي تضمنت إنتقادات وجهها لنظام الحكم السابق في العراق. استقر في عمان إلى عام  2005 وهناك اقام مهرجان اوراك الذي جمع فيه الأساتذة: اياد البلادوي، حيدر كريم ،اسماعيل  فاضل، حيدر عباس وغيرهم. كتب مسلسلات بدوية لشركات اردنية سوقتها لدول الخليج.
هاجر إلى استراليا مع عائلته عام 2005. وفي بلاد الكنغر  قدّم اعمالاً مسرحية متواصلة:
" الرسالة الثانية " من إخراج منير العبيدي وبطولة الممثلة القديرة سهام السبتي/ 2006 .(تأليف)
" ماذا افعل بأجنحتي " تأليف الشاعر اللبناني ماهر الخير إخراج عباس الحربي /مسرح الاوبرا هاوس / 2012 .
 " المنطقة الصفراء " لفرقة اوروك المسرحية / 2008، ( تاليفًا واخراجًا).
 " السندباد " فرقة اوروك المسرحية / 2009    ( تاليفًا واخراجًا).
 "امراة وثلاثة وجوه"  فرقة افاق الاسنرالية ( تاليفًا واخراجًا).
"عشاء كلكامش" التي عرضت على هامش حفل ثقافي لمؤسسة آفاق عام 2013، حيث أبدع فيها الحربي مخرجًا وتألق خلالها منير العبيدي ممثلاً وقارئًا للنصوص.
"اسماك" تاليف وتمثيل عباس الحربي اخراج منير العبيدي  التي عرضت في شهر نوفمبر 2014 على خشبة مركز الفنون التابع لبلدية فيرفيلد، في ليلة تألق فيها الحربي الذي كان الممثل الوحيد على خشبة المسرح الذي صمم ديكوراته الرسام العراقي حيدر عباس العبادي. جسدَ عباس الحربي دور سويلم، الذي خاطب ذاته وهو يستعرض ذكرياته  المثخنة بجراحِ الزمن مقلبًا صفحاته في بلدٍ عاث به السياسيون والحكام فسادًا وقادوه من القمة إلى القاع. ولا بُدَّ هنا من أن أُسجلَ اشادتي  بمخرج العمل الأستاذ منير العبيدي الذي  إبدع وامتع الجمهور في تلك القاعة التي احتضنت نخبة من رموز المشهد الثقافي العراقي والعربي في سيدني. ومن طرائف تلك الليلة إنني ذهبت للعرض المسرحي صحبة الأب شاهر مرجي، فصادفني عند بوابة قاعة العرض الأساتذة: سعدي توما، انطوان القزي، صباح عبد الرحمن. جلسَ القزي عن يميني وكنت اترجم وأفسر له المفردات العراقيّة التي وجدَ صعوبة في استيعابها، ومن تلك المفردات التي ولدت الطرفة:( يمة سويلم تعال جاي". فأستفسر القزي عن معنى مفردة ( جاي)، ومضى للقول: "هل يقصد بها الشاي؟". حبستُ الضحك في داخلي، ووضحت له الأمر بأنّ مفردة (جاي) يراد بها (هنا).  إبتسمَ الرجل وهمس في اذني: "اوف يا أبونا اديش لهجتكم صعبة".
كتبَ أكثر من 25 عملاً للتلفاز والمسرح العراقي والخليجي خلال مشواره الفني، ويعتقد الحربي إنّ أهم مسرحياته:
-مسرحية (النهضة) التي الفها وعرضها في بغداد عام 1997 بطولة عواطف السلمان. وبسبب تلك المسرحية المذكورة  تعرض الحربي إلى استجوابٍ من قبل سلطات النظام السابق وكانت سببًا لتركه الوطن. عرضت هذه المسرحية في  كردستان العراق في مهرجان المدى عام 2004.
-مسرحية (ماذا أفعل باجنحتي؟) التي اخرجها على خشبة مسرح الاوبراهاوس في سيدني. وهي من تاليف الدوبلوماسي اللبناني ماهر الخير. ورغم أن الحربي يعد أول مخرج عراقي تُقدم اعماله في الاوبرا هاوس، لكنه لم يكن موفقًا في تلك المسرحية، حيث لم يخرج كلّ طاقاته للجمهور. ربّما بسبب فقر النص الذي كان على هيئة قصائد شعرية مفتقرًا إلى القصّة والحبكة أو بسبب شحة الممثلين المحترفين أو لعلَّ المؤلف متذوق للشعر لا يلم بابعاد المسرح؟ مجرد رأي.
حاز على العديد من الجوائز أذكر هنا ابرزها:
جائزة افضل مخرج مسرحي عام 1977 عن مسرحية " انغام الحرية " في مهرجان بغداد  المسرحي.

جائزة افضل كاتب مسرحي عام 1986 عن مسرحية " بير وشناشيل" إخراج عوني كرومي .

جائزة الإبداع الكبرى من وزارة الثقافة العراقيّة لمسرحية الرداء كأفضل منجز مسرحي لعام  1998.
       جائزة مدينة فيرفولد الاسترالية كأفضل ناشط مسرحي 2007 .
        درع الإبداع من مؤسسة العراقيّة للثقافة والفنون / سيدني 2012.
       درع الإبداع من منتدى الجامعيين العراقي / سيدني 2015
 كتب نصوص الفلمين التاليين: " أحزان الفصول " إخراج صلاح كرم.  " الرقعة " إخراج ظاهر الأمام. كما أنيطت به  مهمة تجسيد إحدى شخصيات  فيلم فتى الصحراء.
    جسدَ ادوارًا لشخصيات متباينة يوم وقف على خشبة المسرح ممثلاً في المسرحيات القادم ذكرها: مسرحية عطيل، تألق سعيد محاد، شمشون ودليلة، ثورة الزنج، ثورة الموتى، المومس الفاضلة، نفط نفط،،اسماك. كما ومثل ادوارًا متنوعة في المسلسلات التالية: رجال الظل، قميص من حلك الذيب،الشيخة، صدى الماضي، بلال الحبشي، فلوس بوك، الملك فاروق.                      
لقد عايش أبو مروة أحداث بلده في عمان ومن منفاه الاختياري في أُستراليا؛ فشغل الشأن العراقي حيزًا كبيرًا وواسعًا من نصوصهِ الدرامية واعماله المسرحية الحديثة. والحال، لقد ظلّ عباس الحربي طوال غربته بل قُل على مدارِ سنوات حياته مهمومًا بشؤون الوطن المصلوب وشجون الإنسان العراقي، بشكلٍ أثر على حالتهِ النفسية إلى حدٍ أنَّ الأرق يقض مضجعه طوال الليل، ساهرًا مع قلمه يدون تفاصيل المشهد العراقي المُعاصر إلى ساعات الصباح الأولى.  
هو العراقي  الطيب الذي عرفته  منذ سنوات مضت وعملت معه في مؤسسة آفاق للثقافة والفنون وفي لجنة تحضير إنطلاق فعاليات مؤسسة سواقي. زاملته والتقيته في أكثر من محفل ثقافي وأمسيات أدبية، فتيقنت من حسه الفني الفريد ومذاقه الشعري المتميز  ونظرته الثقافية وروحه الوطنية الصادقة وحبه للناس وشغفه بالحياة.
وأذكر للحربي أنّه حدثني أكثر من مرّة، تارة  ليطلب مني إيقاد شمعة  والدعاء  لعائلته الفاضلة، وتارة أُخرى مستفسرًا عن الوقت الذي تشرع فيه أبواب الكنيسة لزيارتها صحبة بناته المباركات للتبرك من السيّدة مريم العذراء. وفي حين أخر باحثًا عن مطبعة متعرفًا مني على آليات طباعة الكتب لغرض طباعة أحد مؤلفاته.  ولقد شرفني الرجل بحضوره مع اعضاء مؤسسة آفاق لحفل توقيع كتابي الأخير بتاريخ 19/9/2014، ومن ثم وجه لي دعوة غذاء صحبة الكابتن سعدي توما والشاعر حيدر كريم واعضاء مؤسسة آفاق للثقافة والفنون في منزل الدكتورة العامر سحر الصوميدي، يوم عرض عليّ وعلى الشاعر حيدر كريم العودة إلى المؤسسة المذكورة والعمل تحت خيمتها، لكننا اعتذرنا بخلق رفيع بعد أن تعهدنا بتقديم المساعدة حين تطلب منّا. واذكر أنني في ذلك اللقاء الثري عرضت على الحربي وسائر الحضور فكرة إقامة مهرجان كبير تحت مسمى (مهرجان البياتي) يتم خلاله استعراض اشعار البياتي وتلقى بعض من قصائده ويتبارى الشعراء والأدباء العراقيين والعرب في التغني بمنجزاته ويُكرم من يستحق التكريم. فوجدت التحمس والإستعداد من الجميع دون أيّ خطوات عملية تُذكر إلى يومنا هذا، وهكذا كانت الحال يوم عرضت الأمر على الأستاذ موفق ساوا رئيس مؤسسة العراقيّة للثقافة والإعلام واعضاء مؤسسة سواقي للثقافة والفنون، فكانت الإنطباعات تدور في نفس الفلك!.
عندما يتكلم الحربي يصغي له الخصوم والمؤيدون؛ ففي حديثه دُررّ الكلام. يوجه إنتقاداته في اللقاءات الرسمية واعماله المسرحية والتلفزيونية بنفس القدر الذي يقول به في الجلسات الثقافية والأحاديث العامة، ولا يملك المستمع إلاّ أنْ يحترمه وأنْ يجله على صراحته البنّاءة. يُعبر عمّا في قلبهِ مباشرة وينطق بمّا في عقلهِ دون مواربة. قادر على الإفصاح عمّا يريد، بل هو يرمي بالآراء والأفكار السياسية والإجتماعية دون تحفظات ذاتية، ويوجه انتقادات حادة بلسانٍ لاذع عندما يرى خطأ واضحًا أو خللاً مستمرًا، غير عابىء إلا بالحق. وأذكر أنّه في التحضيرات الأخيرة لمسرحية عشاء كلكامش وقبيل العرض بساعات قليلة، وجدته يصرخ على أحدهم،  حين مزاحه في معترك زحمته الفنية ودربكته الإخراجية قائلاً: "توقف رجاءً. هذا مزاح في وقت الجد". فخيم الصمت المطبق على من كانوا في القاعة.
فنان عراقي  رفيع القدر، معتزًا بقيمتهِ وقامتهِ الفنية. طيب القلب، لا يحمل ضغينة لأحد، لا يعرف معنى للحقد أو الكراهية، له القدرة على التفاهم مع الآخرين. شديد العفوية وكثير النسيان، لكنه متوهج الفكر كثير العطاء،. يتمتع بعقليةٍ متقدةٍ أقرب ما تكون إلى مزرعةٍ للرؤى ومصنعٍ للأفكار. يعتز به أصدقاؤه وزملاؤه والعراقيون جميعًا.
يقضي جُلَّ أوقات النهار في المقهى صحبة الأصدقاء، يتأمّل إنطباعات الناس عمّا جرى ويجري في بلدهم الأم –العراق- ويستمع لحديث العابرين من المارة، وحين يعود لمنزله تجده غارقاً في سيل من الأوراق  يكتب نصوصه المسرحية أو التلفزيونية  بلغة موزونة غير فضفاضة وبعبارات لا تحتمل إلاّ ما جاءت به؛ فللرجل رؤية فنية مشرقة، قادرة على إطفاء نيران  الساسة العراقيين التي اشعلوها خلال  تناحرهم وعراكهم على كرسي السلطة، في عراكٍ أشبه ما يكون بعراكِ الديوك. فلا يختلف اثنان على قولي بأنَّ الحربي قام  بوظيفة جندي المطافئ في الأحداث الطائفية  عبرَ مسلسلاته في سنوات القتل والدماء والهجرة التي مرّت على العراق والعراقيين.
اتيت هنا على تسجيل ذكريات وليست مذكرات عن  رائدٍ من روادِ المسرح العراقي، أخفى نفسه بثوب التواضع، وتنحى جانبًا عن بهارجِ الشهرة ، وركلَّ بقدميه أضواءها. في طلتهِ صورة للوطن الشامخ.
لله درّك يا عباس الحربي بعد أن قدمت للعراقيين الفن الأصيل.. فكنت ولا زلت الوميض في عتمة الوطن.

CONVERSATION

0 comments: