مـــــــلاك .. فــي فجـــر المحروســة/ صبحة بغورة

عندما تجلى وبرق ، صعق ، ثم تفتق وترقرق ، وانساب رويدا فسال وغمر..ثم رق وبالمسامات اليابسة رفق ، فما جف الضرع وما الزرع غرق ،إذ كان ترياقا منساقا قدرا ، لمريضة انتظرته حولا ، داؤها كان حقا ، ودواؤها كان عليه حقا ، حول كامل لا زكاة فيه ولا صدقة ، كلما ارتفع أنينها زادوها فقرا ، كلما تطلعت للخلاص أرهقوها رهقا ، وما أن أوشكت على الهلاك حتى جاءها الملاك فجرا فكان خلاصها قضاء وقدرا .
عندما  بدا الخلط الذي لا ينم عن معرفة ووعي وهدف خاض في مسائل أولئك الذين يجهلون مغزاها ولا يجيدون معناها بين تطبيق السلطة كمفهوم وبين تحقيقها كممارسة ، حينها انكشفت عورة سياسة الاحتلال بالتعاون وجعل الدين أداة استقواء وإقصاء ، انقلب السحر على الساحر بانفلات عقد السيطرة على التنازع التأويلي بينهم . إنها مجرد بداية " المكيافيلية السياسية " التي شيطنت الفكر وعطلت العقل وكممت الأفواه وكبحت العواطف وحرمت الأحاسيس الرقيقة وأحالت الحياة كلها جحيما .إنها مرحلة الدخول في " الغيبوبة السياسية " لما يكون المقصد شيئا بينما يكون المنطوق شيئا آخرا . 
عندما لم يقاوم البسطاء إغراء الخطابة وسحر اللحظة اندمجوا في التيار بشكل صوفي تضاعف معه الوجد حين امتزج به حنين للتاريخ ، وبدا التلاعب بالعواطف كحديث من القلب ، حينها وضع المتآمرون العبث في مكانه في دائرة السياسة ،وشكلوا "الطائفية السياسية "مزيجا من السياسي والديني والمذهبي .. والعشائري ، وبين الحسد والتطلع تأرجحت الغيرة السوداء، فاختنقت الكلمات ،وأصبح الصمت يشبه التأييد، ومارس رياضيو السياسة هواية"ركوب الأمواج السياسية" أو فن استغلال الفرص واستثمار ما تجود به اللحظات التاريخية .
وعندما  استحال خفاء الحق على الجميع، واستغرق المخلصون في طبيعة عوالم البشر، وسبحوا في أعماق الفكر، حط ملاك الفجر وكان على المتآمرين عصيا بعدما ظنوا أن هوانها على الناس أمر مقضيا ، فحصحص الحق والباطل زهق ، وعلم الظالمون أي منقلب ينقلبون، وجدها المخلصون خرابا وزادها المتآمرون كما أرادوها أطلالا ، لم يكن وجود في الأصل للشر  ولكنه ظهر فقط لما غاب الخير ، حمل ملاك الفجر كل الخير ، فكان خيرا على خير في ذاته و أدواته وفي أهدافه، وبسهولة تلمس البسطاء سبيله لأنهم أحسوه وأدركوه فتمسكوا به بعد اشتياق دام حولا كاملا. 
عندما حل ملاك الفجر بها ، كان منها ابنا ، فصار لها بارا ، جاءها كفارس من ندى، إذ يحمل أحلاما لكنه لا يسوق أوهاما، أمنياتها أوامر واجبة ،وعليه التنفيذ، لأن قلبه مسكون بعشقها، فلها كتبت القصائد، والذكر في القرآن شرفها، وبالخير عليها أوصى الرسل والأنبياء، فهي أرض الكنانة المحروسة.             
  

CONVERSATION

0 comments: