هل ما تصنعه الجزيرة عمل وطني وقومي مسؤول.؟/ محمد داود
لن نندفع لمهاجمة أو مساندة الجزيرة على صنعها المجحف والسخيف بحق مشروعنا الوطني الفلسطيني أو بما تنقله من متابعة توتيرية للأحداث العربية وتعليقاتها المنحازة والتي أعتدنا عليها في خطابها الإعلامي المنحرف، بقدر ما نحن هنا في محل دفاع عن نزاهة قضيتنا وعن شرف رموزنا الوطنية بل قوميتنا العربية التي تذبح من الوريد إلى الوريد على خشبة الجزيرة من كافة النواحي "سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وفكرياً ودينياً وأمنياً ... روحياً وعلمياً وعقلياً وجسدياً، و..." حتى أصبحت القضية الفلسطينية مجرد ملهاة أو ورقة مساومة بين أزقة الدول والقنوات التلفزيونية والصحف اليومية والأسبوعية الصفراء التابعة والغير تابعة، حتى حققت مصالح دول وولاءات سياسية وحزبية ضيقة. بل مزاجات أحزاب وآراء شخصيات رخيصة غير ناضجة تفتقر لمعرفة مفهوم علم السياسة أو الانتماء للوطن والقومية العربية؛ تجردت من كل معاني القيم والأخلاق وحتى الدين، همها الوحيد هو كيف تثير إزعاج الرأي العام لتصدح عبر نجومها في سماء الإعلام، ومن أجل تحقيق أرباح مادية ومكاسب مالية، بينما هي في الحقيقة تزيد الشعب الفلسطيني والعربي ألماً وتشرذماً وضعفاً.
فقبل أشهر تعرض الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" شخصياً إلى موجة من الشائعات والنقد الجارح والتشكيك الذي يفتقر للقيم الأخلاقية والمهنية لما تحمله العبارات من مضمون باطل ما أنزل الله به من سلطان بثت عبر قناة الجزيرة الفضائية، وما هي إلا أيام حتى تعرضت القيادة الفلسطينية من جديد لهجمة شرسة من التشكيك وشاهدنا سيل من الاتهامات حتى حصحص الحق، فارتد المغرضين على أدبارهم فيما صنعوا خاسئين خاسرين خائبين، وقد كان موقف الجزيرة التي أغلقت مكاتبها في عدد من الدول العربية بسبب مواقفها السلبية والمثيرة للفتنة والخلافات السياسية والاجتماعية والدينية والمذهبية، وبث الكراهية والطائفية هو لسان حالها، ولكن فلسطينياً بعد أن توفرت الأرضية الخصبة لها وجدت قناة الجزيرة مرتعاً لها، كي تعبث من جديد في خلط الأوراق الفلسطينية كما يصنع إعلام الاحتلال واللعب على التناقضات والخلافات، لنشر الأفكار المعادية لعقيدة الشعب الفلسطيني، وللوحدة الوطنية والحرية والديمقراطية وكأن هذا ما ينتقص إليه شعبنا، فأعطي لها التفويض لخلق مزيداً من الانتهاك لكرامة الإنسان الفلسطيني وقضيتنا الوطنية المحفوفة بدماء الشهداء الزكية.
إن اللعب بمصير الشعوب والطعن بوطنيتهم هي كمن يمس كرامتهم وشرفهم، وسياسة الردح والتخوين الممزوجة بستار حرية الكلمة والتعبير والوطنية والقومية أكلت من الشعب الفلسطيني وقضيته التاريخية الكثير، ويكفي نار الانقسام الذي سوق له للخلاص من المشروع الوطني الفلسطيني، فأصبحنا سلعة رخيصة يمارس بحقنا شتى الجرائم وأبرزها مجزرة غزة وضياع للقضية وحصار وتجويع ومتاهة سياسية وجغرافية، كذلك الأمر في مصر الكنانة التي تشهد هي الأخرى توتر وفوضى عارمة، بعد أن مزجت مطالب المتظاهرين بالانفلات الأمني والبلطجة، والخشية بأن تنحدر الأوضاع وتتجه نحو الطريقة العراقية، وهكذا لم يفهم بعد أمنيات الجزيرة وتحريضها المستمر فقررت مصر إغلاق قناة الجزيرة ووقف عمل مراسليها، لطغيانها الإعلامي .
أما فلسطينياً فما أقدمت عليه القناة مؤخراً لم يأتي من فراغ وهناك أوساط سياسية دفعت وساهمت في إعداد الوثائق وصاغتها بمزاج يثير غضب الرأي العام لتبحث لها عن أرضية للمس بأحد أركان الشرعية الفلسطينية بما يندرج في إطار سياسة البديل والإحلال المتبعة على قدم وثاق وهو أيضاً يمثل تخطي لحدود شرف المهنة وللميثاق الصحفي والمسؤولية المهنية والموضوعية الذي من شأنه النأي عن التشهير والتجريح وإثارة الأحقاد والنعرات والمفاهيم التي تكرس الكراهية والفرقة، بوصف القيادة الفلسطينية بالمفرطة بالثوابت الوطنية، والذي يعد أيضاً مساساً لكرامة كل فلسطيني في الداخل والشتات يستهدف تصفية القضية الفلسطينية؛ لاسيما وأن التركيز على الوثائق الخاصة بالمطالبة الإسرائيلية تجاه المفاوض الفلسطيني الملتزم بسقف سياسي ثابت دون تفريط، قدم الشهيد ياسر عرفات روحه فداءً لها، والتهديد بتصفية الرئيس عباس ورموز وطنية.
كان لابد بأن تبحث قناة الجزيرة عن فتح أوراق أو بث برامج تعمل على إنهاء القطيعة بين الأقطاب السياسية الفلسطينية دعماً (لجهود الحوار ولتحقيق التصالح الوطني)، وتعزيز الانتماء الوطني والشراكة السياسية لتحقيق الطمأنينة الشعبية، وأعمار غزة وعرض برامج وأخبار تكشف النقاب عن الممارسات الإسرائيلية وجرائمها اليومية المختلفة من قتل واجتياحات واعتقالات وتدمير للممتلكات واستيطان، لمعرفة حجم وهمجية السياسة الإسرائيلية التي تهدف إلى تهويد القدس والضفة، حتى نحظى بإعلام يحقق الغايات الوطنية والقومية والإنسانية والدينية النبيلة والدفاع عن وجودنا الوحدوي الديمقراطي الحر الكريم والمثمر، فلسطينياً وعربياً وإسلامياً.
كاتب وباحث
0 comments:
إرسال تعليق