إنها الحقيقة المرة التي لا نستطيع إغفالها، ولا نقوى على تجاوزها، ولا تعجبنا نتيجتها ولا ظواهرها، ولكن يجب علينا الاعتراف بها، والإقرار بحقيقتها، فلا يجرمننا شنآنُنا للإسرائيليين على ألا نعترف بالواقع، وألا نسلم بحقائق الأمور، فالإسرائيليون يتوحدون ويتفقون، والفلسطينيون يتفرقون ويختلفون، الإسرائيليون مهمومون بأزمتهم الدولية، وبالعزلة الدولية التي فرضت عليهم، وبالمشاكل التي خلقتها حكومتهم، ويواجهون الشعب الفلسطيني بأحلامه وطموحاته ومقاومته، ويخططون للسيطرة على المزيد من الأراضي الفلسطينية، لبناء مستوطناتٍ جديدة عليها، وتوسيع القائم منها، والفلسطينيون مهمومون بمشاكلهم الحزبية، قلقون على مصالحهم الشخصية، منساقون وراء إرادة غيرهم، وغير مبالين بصورتهم وسمعتهم لدى شعبهم وأمتهم، ولا بحجم الضرر الذي اصاب قضيتهم نتيجةً لخلافاتهم وصراعاتهم.
رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي يصفه البعض بأنه حريصٌ على منصبه، ومتمسكٌ بكرسيه، وهمه الأكبر أن يبقى رئيساً للحكومة الإسرائيلية، يسعى جاهداً لتوسيع حكومته، وتصليب مواقفه، وتحصين سياسته، لتنفيذ الأهداف الإسرائيلية، وحماية الأطماع التاريخية للحركة الصهيونية، فهو يحصن حكومته بشخصياتٍ إسرائيلية قوية، تؤمن بالحرب، وتخطط للمزيد من السيطرة، وتعرف أهدافها بدقة، وتنفذ سياستها دون تردد، لهم خبرة في الحرب والقتال، ولديهم رصيدٌ كبير في الظلم والاعتداء، ولكنهم يعتقدون أنهم يخدمون دولة "إسرائيل" وشعب "إسرائيل"، ولهذا يتفقون ويتحدون، ويتجاوزون خلافاتهم، ويقفزون على خصوصياتهم، وعلى هذه القاعدة ألحق نتنياهو بحكومته قبل أن يلتحق به أيهود باراك زعيم حزب العمل، الكثير من صقور السياسة الإسرائيلية، الذين يتطلعون إلى خدمة كيانهم وشعبهم بإخلاصٍ وولاء.
بنيامين نتنياهو حريصٌ أن يحافظ على منصبه رئيساً للحكومة الإسرائيلية، ولكنه أكثر حرصاً على وحدة حكومته، وسلامة بلاده، وأمن مواطنيه، وهو على أتم الاستعداد لأن يقدم المزيد من التنازلات لحلفائه وشركائه، كي يضمن جمعهم، ويحول دون فرقتهم، ويعزز بهم صفه، ويقوي بهم توجهات حكومته، وهو يعلم أنهم جميعاً يحرصون على مصلحة دولتهم، وأمن مواطنيهم، ومن أجل هدفه العام يحترم حلفاءه وخصومه، ويقدر جهودهم جميعاً التي تصب في مصلحة بلاده، فلا يضيق ذرعاً بهم، ولا يستشيط غضباً عليهم، ولا يلاحق نشطاءهم، ولا يعتقل أنصارهم، ولا يشي بأحدٍ منهم، ولا يشدد الخناق على جمعياتهم ومؤسساتهم، ولا يحول دون حريتهم في التعبير عن مواقفهم وأراءهم، كما أنه على أهبة الاستعداد لأن يقدم التنازلات لشركائه وحلفائه، فيمنحهم وزارات، ومناصب حكومية رفيعة، ويشاركهم في قراره السياسي والأمني، ويؤمن بأنه وهم شركاء في دولتهم، فمصلحتهم واحدة، وهمومهم واحدة، ولهذا ينبغي أن يشركهم في كل قرار يتعلق بشؤون كيانهم.
وفي الجانب الآخر من المعادلة يقف الفلسطينيون مختلفون متفرقون متناحرون متنازعون، يتنابذون بالألقاب، ويشتم بعضهم بعضاً، ويتبادلون الاتهامات، ويتراشقون في مختلف وسائل الإعلام، يجردون الحملات الإعلامية والتحريضية على أسسٍ باطلة، ولا يترددون أن يسيؤوا لأنفسهم وشعبهم في كل المجالس، وفي حضرة الغرباء والأجانب، يشكون بعضهم البعض للأخوة والأشقاء والغرباء، ويكشفون عن العيوب، ويفضحون السرائر، ولا يبالون بصورة الشعب الفلسطيني المعاني، يتسابقون في السباب، ويتنافسون في الشقاق، ولكنهم أبعد ما يكونون عن الوفاق والاتفاق، يرفضون الوحدة، ويمتنعون عن اللقاء، ويأبون المصالحة، ويترفعون عن المسامحة، ويحرصون على الخصومة، ويبتعدون عن مصلحة شعبهم وقضيتهم ووطنهم، لمصالح شخصية وفئوية وحزبية، يرفضون أن يقدموا لأنفسهم تنازلاتٍ هي لصالح شعبهم، ويتمسكون بشروطٍ والتزاماتٍ مفروضةٍ عليهم، يعلمون أنه لا يراد لهم أن يتفقوا، وأن عقباتٍ كثيرة توضع في طريق وحدتهم، ولكنهم يتبنون بعنادٍ وإصرار الشروط، ويلتزمون بالحدود والحواجز.
الإسرائيليون يتحدون ويتفقون، ويجلبون الحمائم والصقور، كلهم يعملون معاً من أجل صالح كيانهم، ويأتون بالأقوى عندهم ويسمونه عليهم، رئيساً لحكومتهم، أو زيراً لدفاعهم، أو خارجيتهم، والمعيار عندهم هو مقدار الإخلاص والولاء والخدمة لـ"إسرائيل" وشعبها، ونحن نجاهد لنمزق وحدتنا، ولنباعد بين أنفسنا، ولنزيد في الشقة بيننا، ونفتح السجون لنزج بها بخيرة أبناء شعبنا، ونعتدي على الجمعيات والمؤسسات وبنى المجتمع الخيرية، ونقدم مصلحة عدومنا على مصالح شعبنا، فننسق معه، ونتعاون معه، ونعمل من اجله، بينما شعبنا يعاني من الاحتلال واعتداءاته، ويقاسي ويلات القصف والقتل والاعتقال، ويدفع وحده ثمن الفرقة والاختلاف، ويؤدي ضريبة الانقسام والصراع، ولا يوجد من يأبه به وبهمومه، ولا من يسعى لصالحه وشؤونه، وأرضه مازالت محتلة، وحقوقه ضائعه، وأبناؤه رهن السجون والمعتقلات، وجيش الاحتلال يجتاح ويقصف ويقتل ويدمر ويخرب.
الإسرائيليون يتحدون معاً باتجاه الحرب، والمزيد من القتال والاعتداء، وباتجاه تحصين صفوفهم، والحيلولة دون تقديم أي تنازلاتٍ، أو الخضوع لأي ضغوطٍ أو إملاءاتٍ دولية أو أمريكية، وهم يتطلعون إلى إستعادة هيبتهم العسكرية، وإلى تحسين صورتهم الدولية، ويكذب نتنياهو وباراك عندما يعلنان أن شراكتهما معاً هي من أجل عملية السلام، وحتى تتواصل المسيرة السلمية، وحتى يبقى باب المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي مفتوحاً وغير مغلق، فكلاهما لا يسعى للسلام، ولا يحرص على مصالح الشعب الفلسطيني، ولا تهمه المفاوضات، وغير معني بإعادة الحياة إلى العملية السلمية، خاصةً أن الحكومة الإسرائيلية قد أصبحت بمن انضم إليها من حزب العمل، أكثر قوة، وأكثر استقراراً، وأقل عرضة لهزات حجب الثقة.
الفلسطينيون أجدر بالاتفاق، وأولى بالوحدة من غيرهم، إذ أن قواسم الاتفاق بينهم أكبر بكثير من أسباب القطيعة والاختلاف، فهم في أمس الحاجة لمواجهة العدو الإسرائيلي وهم صفاً واحداً، وكلمةً موحدة، وإرادةً واحدة، وليس هناك ما يبرر اختلافهم وتمزقهم، فأهداف شعبهم لم تتحقق، وأرضهم لم تتحرر، ودولتهم لم تنشأ، ومعتقلوهم لم يتم الافراج عنهم، وشعبهم في غزة محاصر، ومدنهم مازالت تجتاح وتستباح، وأبناؤهم يقتلون ويعتقلون، وعدوهم لا يفرق بينهم قتلاً واعتقالاً، فلماذا الفرقة، ولماذا الانقسام.
0 comments:
إرسال تعليق