إسرائيل ماضية في حربها الشاملة على شعبنا الفلسطيني في القدس،حرب تستهدف كل مقومات ومكونات الوجود العربي الفلسطيني،حرب على الجغرافيا والتاريخ والتراث والحضارة والمقدسات والوجود،حرب على البشر والحجر والشجر،حرب إلغاء وجود وأسرلة وتهويد وتطهير عرقي،حرب لا احترام فيها لا لمواثيق ولا قوانين ولا لأعراف دولية،حرب فيها خروج سافر ووقح على الشرعية الدولية.
ورغم كل ذلك ما زلنا نتحدث عن المفاوضات والعملية السلمية كخيار استراتيجي وأغلقنا الباب أمام الخيارات الأخرى وبالذات خيار المقاومة،وكل ذلك من أجل وعود فارغة وجوفاء هي سلسلة من الوعود والمبادرات الأمريكية- الأوروبية والمندرجة والمتدحرجة في إطار سياسة تلك الدول الاستمرار في إدارة الأزمة،وبما يخدم مصالحها ومصالح إسرائيل في الدرجة الأولى،ولمنع تدهور الأوضاع إلى مرحلة قد ينتج عنها فوضى شاملة في المنطقة ،أو حدوث تغير في خارطة المنطقة يشكل خطر جدي على المصالح الأمريكية فيها ،أو يمس بوجود إسرائيل وقوة ردعها وهيمنتها،وبما يشكل تعزيز لحضور ووجود وانتصار معسكر المقاومة عربياً.
وما تقوم به إسرائيل حالياً وما تنفذه على الأرض في مدينة القدس،ليس بحاجة لاستمرار اللازمة والأسطوانة المشروخة من بيانات شجب واستنكار وعبارات إدانة وغيرها من الكلام الإنشائي الذي لا يساوي قمة الحبر الذي يكتب فيه،ولا الحديث اللفظي والشعاري عن الدعم لأهل القدس وسكانها،بل بحاجة الى خطوات عملية وجدية وتغير جذري في الرؤى والاستراتيجيات والمواقف والقرارات،ترتقي الى مستوى ما ترتكبه إسرائيل من جريمة حرب بحق المدينة المقدسة،جريمة تستدعي دعوة مجلس الأمن الدولي للانعقاد تحت البند السابع،هذا البند الذي يبدو أنه خاص بالعرب والمسلمين فقط،فما يجري هو بحد ذاته التطهير العرقي وتغير لمعالم وتاريخ وتراث وجغرافية وهوية المدينة المقدسة،وأعمال عنصرية بامتياز،فهدم مقر المفتي وفندق شبرد في الشيخ جراح يؤشر جيداً على ما ترسمه وتخطط له إسرائيل بحق القدس وسكانها العرب الفلسطينيين،فالمخطط واضح هو إقامة حزام استيطاني داخلي كالخاتم يطوق القرى العربية المحيطة بالقدس ويمنع ويحد من توسعها وتمددها،وبما يمكن من محاصرة سكانها ودفعهم لمغادرة القدس، فمقر المفتي وفندق الشبرد تم هدمهما،وعشرات المنازل العربية في الشيخ جراح تم الاستيلاء على جزء منها وسيتم استكمال الاستيلاء على البقية وبما يمكن من إقامة حي استيطاني كبير،وهذا يجد له امتدادات مع الحي الاستيطاني الذي تجري إقامته على قمة جبل الطور،حيث تخطط إسرائيل للسيطرة الكاملة على فندق الأقواس السبعة وتخضعه لسيطرتها الكاملة وربما كما هدمت فندق شبرد تهدمه وتقيم حي استيطاني مكانه،ليتم ربط ذلك بالحي الاستيطاني في رأس العامود"معاليه زيتيم"،والذي يخطط له الارتباط مع الأحياء الاستيطانية في منطقة سلوان بعد عملية هدم حي البستان في سلوان وطرد وترحيل سكانه العرب،على أن ترتبط تلك المستوطنات مع الأحياء والبؤر الاستيطاني في جبل المكبر،والتي يجري ربطها مع الأحياء الاستيطانية في منطقة إمليسون وصور باهر وجبل أبو غنيم وكذلك ربطها مع الأحياء الاستيطانية في منطقة بيت صفافا وبالذات مع مستوطنة جيلو.
كل هذا المخطط يتوازي مع رسم المخططات العملية من قبل الجهات والمنظمات الاستيطانية المدعومة والمصادق عليها من قبل المستوى السياسي،من أجل الشروع في خطوات هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم مكانه،فمسألة هدم المسجد الأقصى أو إعادة تقسيمه لم تعدد مسألة نظرية،بل هي مسألة وقت فهناك خطط وسيناريوهات عملية،وما يجري حول وأسفل المسجد الأقصى من حفريات وأنفاق وإقامة كنس هي مقدمات عملية من أجل انهيار المسجد الأقصى والسيطرة عليه.
وسياسة التطهير العرقي والأسرلة والتهويد في القدس لها أكثر من تجلي وعنوان،حيث من الواضح أن سياسة الإبعاد تزداد حدة وشراسة،وفي هذا الإطار أقرت لجنة الداخلية التابعة للكنيست قانون سحب "المواطنة" الإسرائيلية تمهيداً لإقراره بالقراءات الثلاثة في الكنيست ،وخصوصاً بعد موضوعة نواب القدس،وأصبحت تطال كل من يتصدى أو يقاوم سياسات الاحتلال أو حتى من يدافع عن وجوده وأرضه في مواجهة سياسة الهدم والطرد والترحيل،فالمواطن عدنان غيث عضو لجنة حي البستان مهدد بالإبعاد لمدة أربعة شهور عن القدس والمواطن نضال أبو غربية مجرد اعتصامه احتجاجا على هدم مقر المفتي وفندق شبرد أبعد عن القدس لمدة ستة شهور والحبل على الجرار والقائمة طويلة وستطول الكثير من النخب المقدسية ونشطاء العمل الو طني والمجتمعي على مختلف تسمياتهم.
هذا غيض من فيض وأمثلة قليلة على الكثير من إجراءات وممارسات الاحتلال بحق المقدسيين،والتي تستدعي من الجانب الفلسطيني سلطة ومنظمة وأحزاب وفصائل ومؤسسات مجتمع مدني، أن ترسم إستراتيجية مواجهة أساسها وعمادها،دعم وإسناد جدي وحقيقي للمقدسيين في الصمود والمقاومة،وعلى أن يترافق ذلك بتثبيت عنوان ومرجعية موحدة وعملية في كل ما يتعلق بالشأن المقدسي وطنياً وسياسيا وكل ما يتعلق بالهموم الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية،وحتى يكون الجهد والفعل منتجين،فهذه المرجعية يجب أن يكون لها أذرع تنفيذية في كل أحياء وقرى مدينة القدس تقف على هموم واحتياجات الناس.
وفي الجانب العربي والإسلامي واللذان لا يعول عليهما كثيراً ،فبالضرورة مواصلة الجهد والعمل عليهما،من أجل اتخاذ مواقف عملية ترتقي الى مستوى الحدث والمسؤولية،وكذلك مواصلة فضح وتعرية إسرائيل أمام الهيئات والمؤسسات الدولية،ومطالبة تلك المؤسسات بتحمل مسؤولياتها تجاه ما يمارس من تطهير عرقي بحق المدينة المقدسة وسكانها العرب،وأيضاً على الصعيد الأوروبي فمن الهام جداً شن حملة واسعة تحمل الإتحاد الأوروبي المسؤولية عن ما تمارسه وتقوم به إسرائيل من ممارسات وإجراءات قمعية وعنصرية بحق شعبنا الفلسطيني عامة والمقدسي خاصة،فأوروبا الغربية هي من تدعم وتبرر لإسرائيل إجراءاتها وممارساتها وتوفر لها الدعم والحماية هي وأمريكا من أية قرارات أو عقوبات دولية عقاباً لها على خرقها الفاضح والسافر لحقوق الإنسان وقرارات الشرعية الدولية،وإسرائيل لو لمست موقف دولي جدي من خرقها وخروجها عن وعلى القانون الدولي لما تجرأت على الاستمرار بذلك،والمسؤولية هنا عربية إسلامية قبل أن تكون دولية،فلو كان هناك مواقف عربية وإسلامية جادة،تعاقب أمريكا وأوروبا الغربية على انحيازها السافر لإسرائيل من خلال تهديد مصالحها في المنطقة،لحدث تغير جدي وحقيقي في مواقفها واستراتيجيتها.
ويبقى العامل الهام في الصمود والمقاومة مقدسياً،هم أهل القدس فهم رأس الحربة في الدفاع عن عروبة وهوية مدينتهم،والدفاع عن وجودهم وأرضهم ومقدساتهم،وهذا الصمود والبقاء بحاجة الى توحد وعمل جماعي يصهر كل الجهود والطاقات في بوتقة واحدة.
0 comments:
إرسال تعليق