الجزائر
يتميز العالم بصفة عامة منذ نشأته بصنفين رئيسيين من الشعوب:
- الشعوب التي تؤمن بدين سماوي أوكتاب منزّل تدخل في إطار المؤمنين بالأديان السماوية التوحيدية ، وهي الإسلام والمسيحية واليهودية، تؤمن بوحدانية الله عز وجل وبالرسالة الإلهية المنزّلة، والتي سنركز عليها دراستنا هذه خاصة الدين الإسلامي وما يتعرض له من مضايقات وعراقيل مغرضة.
- والشعوب التي تبتعد تماما عن الصنف الأول كونها ليس لديها أي اعتقاد تجاه الأديان السماوية المنزّلة سواء أكانت وثنية أم ملحدة.
فلا مجال لذكرها هنا، حيث أن السائد اليوم في مجتمعاتنا العربية أو غير العربية، لا يرى من الأديان سوى التوحيدية منها، والمقيمة في مجتمعاته.
مع انتشار الديانة اليهودية التي تعتبر الديانة التوحيدية الأولى، اتخذ التوحيد منحى جديدًا، فقد صار الله عندهم هو الإله الوحيد والخالق الذي يقيم عهدًا شخصيًا مع الإنسان من خلال تسليمه بوحدانية الإله، والتزام وصاياه وتعاليمه في وصفها للخير المطلق. مع اليهودية تكرست الكتب المقدسة التي مثلت التوراة أول تجميع لتعاليم الله المنزّلة على يد أنبيائه. والجدير بالذكر أن اليهودية تعرضت لانشقاقات وبروز تيارات مختلفة على امتداد تاريخها، وعانت من عراقيل و اضطهادات، لا سيما مع العالم المسيحي في أوروبا الغربية، والشيوعية في أوروبا الشرقية. وعززت لاحقًا انغلاق اليهود في جماعات عرقية وعنصرية تمارس عبادتها ونشاطها في إطار مغلق، لا يهمّها التبشير كما هو الشأن في الدين المسيحي، مما جعل سكان العالم ينظرون إلى اليهود نظرة ريبة وشكوك تذهب إلى أنهم يتآمرون في الخفاء ضد المصلحة العامة، وخير ما يروى عنهم معاناتهم مع ألمانية الهتلرية وأسطورة "الهولوكوست" ومع الاتحاد السوفياتي تحت حكم ستالين وبعده، بحكم أفكار ما يسمى ب"المعاداة للسامية". مع العلم أن هذا الدين شهد حركة إصلاحية منتصف القرن التاسع عشر دعت إلى تطويره برفض التلمود من الناحيتين العقائدية والعملية، ونبذ فكرة انتظار مسيح يعيد اليهود إلى أرض فلسطين، وعدم الاعتراف بوطن غير ذاك الذي ينتمون إليه بالولادة والهوية، لكن هذه الدعوة أُجهضت لصالح انبعاث الحركة الصهيونية وقيام دولة إسرائيل على "أرض الميعاد" كما كانوا يتوعدون بذلك في معتقداتهم.
أما المسيحية فإنها تمثل مرحلة متقدمة أكثر كمالاً من اليهودية في مسألة التوحيد، حيث يقوم الإيمان المسيحي على فكرة تجسيد الله وظهوره للناس في شخص يسوع المسيح المخلص لكون المسيح عاش في عالم اتّسم بالاضطراب السياسي والنزاع بين المجموعات والقبائل. فقد ارتأى أن يتم تبشيره من خلال الصلة المباشرة بالناس، والسعي إلى تغيير معتقداتهم وسلوكهم. لعل شخصية المسيح وطريق الحياة التي سلكها، تمثل أهم ما في تعاليمه الدينية والخلقية حيث قال "إن الله هو الخالق، والضابط لكل شيء، وهو الحاكم، والخير المطلق والعدل المطلق والمحبة المطلقة". على غرار اليهودية، تعرضت المسيحية منذ تاريخها ونشأتها إلى بعض التزوير في الكتاب المقدس (الإنجيل) ولانشقاقات وانقسامات وصراعات داخلها جعلتها "مسيحيات متعددة".
ولكن كلا العقيدتين لم تتعرضا في عصرنا هذا للكراهية والمضايقات والحقد والعنصرية والمعاملات السيئة مثل ما يتعرض له الدين الإسلامي الحنيف المتسامح معهما.
إن الديانة التوحيدية الأخيرة التي أرساها القرآن الكريم في دين الإسلام تتميّز في التوحيد المطلق. هذا التسليم التام من الإنسان تقابله رحمة واسعة من الله، بحيث تتشكل العقيدة الإسلامية من الوحي الذي نقله الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والذي اختاره الله لنشر تعاليمه بين البشر إذ أنها تقوم على التسليم بأن الله واحد لا شريك له، مترجمة ذلك بالإيمان والعبادة والإحسان، وأن أول عناصر الإيمان هي الشهادة بالله ورسوله محمد (ص) وبالتوحيد.
والجدير بالذكر أن المسلمين يشكلون ثاني مجموعة عقائدية في العالم من حيث العدد بعد النصارى، ويبلغ عددهم حوالي مليار وخمس مائة مليون نسمة...يعيش ثلثا المسلمين في آسيا ويتوزعون في 29 دولة وتبلغ نسبتهم في هذه القارة 27 بالمائة من السكان، ويقطن الثلث الباقي في إفريقيا و يتوزعون في 30 دولة بحيث أنهم يشكلون حوالي 60 بالمائة من سكان هذه القارة. وفي أوروبا يقيم أكثر من 23 مليونا من المسلمين، وهناك حوالي 10ملايين يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية وبضعة ملايين يقيمون في أمريكا الجنوبية.
في العموم، نرى أن إسم الإسلام منهج وعقيدة يشمل كل الأديان ويختمها بنزول القرآن الكريم بحيث أن الله عز وجل ذكر في كتابه المنزّل أن الإسلام ورد على ألسنة كل الأنبياء الذين سبقوا سيدنا محمد (ص) منذ قدم العصور إلى عصر النبوة المحمدية، من عصر سيدنا نوح إلى عصر سيدنا إبراهيم ثم سيدنا يعقوب، وأبنائه، مرورا من سيدنا موسى إلى سيدنا عيسى، عليهم السلام...إذ أن القرآن يجمع كل قضايا الأمة وانشغالاتها وعلاقتها مع الله في قضية واحدة ويوجهها إلى النبي محمد (ص) وأتباعه مبيّنا أنه لم يشرع لهم دينا جديدا، وإنما هو دين الأنبياء من قبلهم، مصداقا لقوله عز وجل: "آمن الرسول بما أنزل من ربّه والمومنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله..." وقوله عز وجل: "إن هذه أمّتكم أمة واحدة وأنا ربّكم فاعبدون". وقوله عز وجل: "قولوا آمنّا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيّيون من ربّهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون."
إذن، إن الإسلام بمفهومه العام جاء كمتمّم للأديان السماوية التي ذكرناها، بل هو الدين المشترك الذي هتف به كل الأنبياء الذين سبقوا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهذا ما يجهله أو لا يريد أن يفهمه أهل الأديان السماوية الأولى من اليهود والنصارى، حبّذا لو فهموا ذلك جيدا.
من هذا المنطلق، ارتأينا أن نتطرق في دراستنا هذه إلى موضوع شائك في أتم الخطورة يتداوله الرأي العام في العالم الغربي مدفوعا بعناصر يهودية عنصرية ومسيحية متطرفة حاقدة على هذا الدين، وهو ظاهرة الإسلاموفوبيا. وعلى الرغم من ضعف العالم الإسلامي والعراقيل التي يعرفها وكثرة مشاكله والأزمات التي يواجهها، ورغم تشتّته وتبعيته المحتومة للغرب وتخلفه التكنولوجي، إلا أن الغرب يعتبر أن الإسلام هو عدوّه الأول بعدما كانت الشيوعية هي العدوّ الأول قبل انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين، أي بعد نهاية الحرب الباردة.
في الحقيقة، إن عداء الغرب للإسلام ليس وليد اليوم، وإنما هو قديم يرجع إلى عصر الفتوحات الإسلامية الكبرى. فما إن بدأت حركة الفتوحات حتى توجهت الأنظار إلى المسلمين وعقيدتهم. ومنذ ذلك الحين اشتعلت جذورا لحقد في نفوس الأوروبيين ولم تهدأ حتى يومنا هذا، بل كانت تزيد حركة ودرجة ليزيدها حقدا وكراهية.
والدليل القاطع على ذلك أنه صدر في باريس سنة 1928 كتاب بعنوان: "البحث عن الدين الحقيقي"، حيث صدرت له مطبوعات عديدة نشرت من أجل رواجها في المؤسسات التعليمية، وقد ورد في محتواها ما يلي: "إن الإسلام ظهر في القرن السابع للميلاد ومعه ظهر عدو جديد". كما ظهر كذلك في مجلة العالم الإسلامي التنصيرية التي تصدر بالإنجليزية في عددها الخاص بأبريل 1930: "إن شيئا من الخوف يجب أن يسيطر على أوروبا، ولهذا الخوف أسباب، منها أن الإسلام منذ أن ظهر في مكة لم يضعف عدديا ، بل ظل دائما في ازدياد واتساع، وأن الإسلام ليس دينا فحسب، بل من أركانه الجهاد ولم يحدث قط أن شعبا دخل الإسلام ثم تنصّر." وكذلك ما صرّح به الرئيس الأمريكي نيكسون في كتابه: "الفرصة الأخيرة" حيث قال أن بعد سقوط الشيوعية لم يعد هناك عدوّ للغرب سوى الإسلام." فلنتذكر أن أول عمل قامت به الإدارة الفرنسية بعد احتلال الجزائر سنة 1830 هو تحويل مسجد كتشاوة الذي شيده الأتراك إلى كنيسة، كما أصدرت إدارة البريد الفرنسية آنذاك طابعا تذكاريا يمثل الهلال يسقط إلى قاع البحر، في حين أن الصليب يرتفع أعلى ليغمر بسناه الأفق. كذلك أعلن أحد ملوك إسبانيا أمام البابا أن إسبانيا جنّدت نفسها حتى تغرس الصليب في إفريقيا...وحتى عندما انتهى العمل بحفر قناة السويس أرسل "ديلسبس" برقية إلى البابا أعلن فيها: "إن الطريق إلى قلب العالم الإسلامي أصبح ممهّدا".
فما سبب كل هذا الحقد الغربي على الإسلام؟ في الحقيقة إن الأسباب كثيرة، ولا يسعنا الحال إلى ذكر كل ما قام به الأوروبيون والمعمّرون الغربيون من حقد قديم قدم الزمن في تنفيذ عدة مخططات كانت تهدف إلى إفناء المسلمين وإبادتهم وإحراق الحرث والنسل واستباحة المحرّمات وهتك الأعراض منذ أن دخل الصليبيون القدس سنة 1099، وكذا لما سقطت غرناطة تحت أيدي الإسبان الحاقدين سنة 1492، كان هؤلاء المسيحيون يستعملون كل طرق التعذيب، والاضطهاد، والتقتيل، وحتى من سمّوهم ب"الموريشكيين"، أي العرب المتنصرين تحت التعذيب والتنكيل لم يتركوهم سالمين. فكانوا يعدمونهم بالجملة أو يبيعونهم عبيدا أو يجمعونهم في سفينة ويغرقونهم جملة أو ينفونهم إلى أي مكان بعد مصادرة أموالهم، إلى ما فعله الاستعمار الغاشم الفرنسي والبريطاني والبلجيكي والإيطالي والبرتغالي في بلاد المسلمين ، وما فعله الصرب مع قتل آلاف المسلمين لم يرحموا فيه لا الأطفال ولا النساء الذين لجأوا إلى الكنائس والمساجد كمعابد دينية من المفروض أن لا تمسّ بأذى. والقائمة طويلة لا تنتهي في بضعة سطور...
إذن، القضية ليست دينية عقائدية، بل هي سياسية عنصرية محضة هدفها فرض الهيمنة الغربية على العالم الإسلامي، وتمزيقه، وضرب وحدته، وتشويه فكره وعقيدته المتمثلة بالتوحيد ومنهج الحق في الدين والدنيا.
اليوم، ونحن في عهد ما يسمى بالديمقراطية والعولمة وانتشار العلم والتكنولوجيا، ها هي ظاهرة تطغى على المجتمع العربي-الإسلامي، ألا و هي ظاهرة الإسلاموفوبيا. أثيرت في الآونة الأخيرة هذه الظاهرة واحتدم حولها جدل واسع النطاق، حيث تعددت الآراء وتباينت وجهات النظر حول الظاهرة وأسبابها وتداعياتها. ومن خلال استعراض أهم الأسباب التي أدت إلى نشأة هذه الظاهرة وتناميها، يبدو في الغالب أن عنصر المؤامرة والكيد للإسلام والمسلمين حاكما لأغلب التصريحات المنتشرة في الغرب تارة، و بثنائي الجهل والتعصب مع الابتعاد كل البعد عن الدين المسيحي من قبل الغرب الذي تركه باسم الحريات والديمقراطية والانحلال تارة أخرى.
قد يتساءل البعض ما مصدر هذه الكلمة التي تعني الخوف غير المبرّر من الإسلام والمسلمين في البلدان الغربية، أصحاب النظريات الديمقراطية وحرية الأديان والاعتقادات كما يدّعون في وسائل الإعلام. للإجابة عن هذه التساؤلات ، نستطيع أن نقول أن الاسلاموفوبيا ((islamophobia، "هذا المصطلح الانجليزي الغربي الذي ظهر في الثمانينات وانتقل إلي جميع اللغات في التسعينات واتسع استعماله بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية "يرتبط بتنامي المشاعر السلبية ضد الإسلام والمسلمين في المجتمعات الغربية وتشكيل هذه المشاعر أساسا لانطلاق سلوكيات غربية مجحفة بحقوق الأطراف المسلمة".
وأول من قام بتعريف هذا المصطلح هو البريطاني رونيميد تروست وأول من استعمل اللفظ عند الكتّّاب الفرنسيّين ماليه إميل في مقال بعنوان "ثقافة ووحشية" نشره في جريدة لوموند الفرنسية عام 1994 .
ومن أشهر علماء الاجتماع الذين عالجوا هذه الظاهرة البروفسور فيلهلم هايتماير حيث وضع الاسلاموفوبيا في مصاف الظواهر الاجتماعية المشهورة مثل العنصرية أو كراهية الأجانب أو العداء للسامية. وكذا الفيلسوف وعالم الدين الكاثوليكي هاينز بيليفيلدت الذي أصبح منذ سبتمبر2003 أول أستاذ كرسي ألماني لحقوق الإنسان وسياسة حقوق الإنسان في جامعة إرلانغن-نورينبيرغ بألمانيا. كما هو الشأن للكاتب السويدي هينينغ مانكل Henning Mankell الذي يتفاعل بقوة تجاه كراهية الإسلام التي تتصاعد شيئا فشيئا في بلاده بحيث أنه يعتبر أن بلاده تنتهج طريقا خاطئا في تدخلها في الصراع العنصري المتطرّف، بحيث أنه لم يفاجأ على الإطلاق إثر الهجوم الذي وقع السبت 11 ديسمبر 2010في ستوكهولم، حيث أنه كان متوقعا جدا مثل هذه الأحداث بعد التزام السويد إلى جانب الولايات المتحدة في حربها ضد أفغانستان، كما يعتقد أن هناك مخاوف من أن بلاده ستكون أكثر فأكثر ضحية لارتفاع التطرف، إذ أن العنف يُولّد العنف المضاد.
تؤدي هذه التساؤلات وغيرها إلى نتيجة مفادها أننا إزاء مفهوم ملتبس سواء على مستوى المعنى أو مسيرة تطوره؛ فمن ناحية يصف بعضهم الإسلاموفوبيا بأنها عبارة عن تفاقم مشاعر العداء تجاه الإسلام وما يصاحبه من مظاهر تعد واضحة على المسلمين وحرياتهم ومقدساتهم. بيد أن هذا التوصيف يقع في تماس بالغ مع مفهوم "التحامل على الإسلام" والذي يُقصد به وجود نية مبيّتة لدى الآخرين لوصف الإسلام بما ليس فيه، كمرادفته بالإرهاب، والعنف، وعدم التعامل بالديمقراطية، وعدم التعامل بالموضوعية في مناقشة مسائله والتعرض لقضاياه، ومن جهة أخرى الخوف من انتشاره واحتضان العالم الغربي أفكارا غريبة عنه..
كيف تكونت ظاهرة الإسلاموفوبيا في العصر الحديث؟ وهل ما تزال في سياقاتها المعرفية مرتهنة بالفعل لإرث الكراهية ضد الإسلام منذ العصور الوسطى؟ أم أن ثمة جهات عليا تعمل على إطلاق العنان للخوف من الإسلام وتطال عليه في آن واحد؟!. يمكن القول إننا عندما نتحدث بالفعل عن تنامي موجة العداء للإسلام، إنما نتحدث عن تكوين نمطي مسبق وخلفيات مفبركة مُحمَّلة بالعديد من القناعات المغلوطة ومُنطلِقة من مفاهيم موروثة منذ القرون الوسطى كما ذكرناه آنفا، ناهيك عن استغلال الصهيونية العالمية لأفكارها الحاقدة على العرب والمسلمين واستثمارها في كل زمان ومكان مع خلفيات مبيّة، لا سيما في تأثيرها على المجتمع الأمريكي وبالخصوص على المحافظين الجدد الذين انصاعوا وانقادوا لأفكار المسيحية المتطرفة والتيار الصهيوني منذ أحداث سبتمبر 2001 التي يعتقد أنها مفبركة لضرب الإسلام وتعاليمه الحنيفة..
وانطلاقا من الرؤى السابقة يرى "المصابون بالإسلاموفوبيا" من سكان الغرب، (وكأنه مرض) أن"العداء للإسلام والمسلمين والتحيّز ضدهم أمر طبيعي ورد إثر أفعال وتصرفات تلقائية على طبيعة المسلمين الشريرة". لذا فهم يساندون التمييز ضد المسلمين وحشد قوى الغرب في حرب ضد الإسلام وأتباعه خوفا من انتشاره بحيث أصبح هناك خلط عند سكان الغرب "بوحشية المسلمين" الذين أرادوا أن يدمّروا الحضارة الأمريكية وبالتالي الحضارة الغربية.
بالطبع، من تداعيات هذا كله، تمثل المعتقدات السابقة أساسا لتصرفات تمييزية عنصرية ضد المسلمين، قد تأخذ صورة المطالبة بسياسات تحد من حقوق وحريات مسلمي الغرب المدنية، أو تخضعهم لمراقبة متزايدة من قبل السلطات الأمنية. وقد تأخذ صورة انتشار لمشاعر سلبية تجاه المسلمين داخل المجتمعات الغربية كرفض العيش بجوار جيران مسلمين، ورفض بناء المساجد في فرنسا وألمانيا، ومنع الحجاب في المدارس والبرقع في الأماكن العمومية، ومنع المآذن في سويسرا، والمؤسسات الإسلامية في هولندا وأمريكا (وهما البلدان المتأثرتان بكثرة بأفكار اليهود الصهاينة المتشددين)، والإساءة للرسول الأكرم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عبر الصور الكاريكاتورية في الدانمرك والسويد، إلى غير ذلك من الإساءات والعراقيل والإهانات والمراقبات التفتيشية في الموانئ والمطارات الغربية والكيد لهذا الدين ومشاعره المقدسة...
ومن جملة القراءات المختلفة لأسباب صعود ظاهرة الإسلاموفوبيا في يومنا هذا ما يلي:
- قراءة ثقافية حضارية قديمة ترى أن صعود الإسلاموفوبيا هو انعكاس لمشاعر سلبية عميقة مدفونة منذ القدم في وعي المواطن الغربي ضد الإسلام والمسلمين، وتعبير عن تحيز تاريخي وثقافي ضد الإسلام كدين وضد المسلمين وحضارتهم الخاصة التي يرون أنها تتنافى مع الحضارة المسيحية كون المسلمين لا يندمجون بسهولة مع الحضارة الغربية بتقاسم معيشتهم كونهم لا يذوبون أبدا في الحضارة الغربية.
- قراءة سياسية ترى أن ظاهرة الإسلاموفوبيا هي نتاج لبعض الأحداث الدولية التي أثرت بقوة على العلاقات بين العالم الإسلامي والمجتمعات الغربية خلال السنوات الأخيرة، ومن ضمنها هجمات الحادي عشر سبتمبر 2001 وما تبعها من هجمات أخرى هنا وهناك كون منفذيها رفعوا شعارات إسلامية وضربوا مجتمعات غربية مختلفة مثل إسبانيا، وبريطانيا، وإطاليا، والسويد، ومناطق أخرى استغلها المتطرّفون الغربيون والصهاينة ضد الإسلام كدين، وانتشرت بصفة أخرى تأثرت في انعكاسها على المثقفين والرأي العام الغربي الذي لا يعرف شيئا عن الدين الإسلامي ولا حتى عن دينه المسيحي الذي تركه يتلاشى ويذوب في ثقافة العصرنة وثقافة ما يسميه بتعاليم الحرية المطلقة، بحيث وصل به الحال إلى الاعتداء المطلق على تعاليم الإسلام وضرب رموزه الأساسية مثل استعمال الرسوم الكاريكاتورية في الدانمرك ضد الرسول الأكرم سيدنا محمد(ص) تحديا للدين الإسلامي واستفزازا لمشاعر المسلمين.
أضف إلى ذلك الأزمة التي صنعها زعيم حزب "من أجل الحرية" اليميني الهولندي المتطرف الذي صرّح في رسالة مفتوحة في صحيفة الفولكس كرانت فيلدرز بدعوته إلى منع تداول القرآن الكريم في هولندا وصرح أنّ القرآن كتاب يدعو للعنف، وقارن بين المصحف الشريف وكتاب أدولف هتلر "كفاحي"(Mein Kampf) وأزمة تصريحات البابا بنديكت السادس عشر حول الإسلام، وأزمة الحجاب في فرنسا، وتصريحات بعض القيادات الغربية الدينية والسياسية المسيئة للمسلمين. هذا، إضافة إلى بعض المشكلات الثقافية الدولية التي أثرت سلبا على العلاقات مع الدول والشعوب الإسلامية.
-أما القراءة الثالثة- وليست الأخيرة– المطروحة في هذا المجال فهي قراءة اقتصادية واجتماعية ترى أن صعود الإسلاموفوبيا خلال السنوات الأخيرة انعكاس لبعض التغيرات المجتمعية الكبرى التي لحقت بالمجتمعات الغربية والإسلامية خلال العقود الأخيرة، وعلى رأس هذه التحولات تراجع قوى اليسار الغربي التقليدية التي سادت خلال النصف الثاني من القرن العشرين والتي كانت تساند الحركات التحررية من ويلات الاستعمار الغربي وسيطرة الإمبريالية الأمريكية بمبدأ تكريس المساواة وحقوق الإنسان والتحرر من القيود الرأسمالية ونفوذ الشركات المتعددة الجنسيات. مقابل هذه التيارات كلها، نرى صعود قوى اليمين الرأسمالي والثقافي والديني المتطرف الذي تغلّب في الغرب. يقابله تطرف معاكس في العالم الإسلامي خلال الفترة ذاتها التي تكاد تفرض أن الخلاف الثقافي بين المسلمين وأبناء المجتمعات الغربية خلاف حتمي يكاد يعفي المسلمين من مسؤولية فهم المجتمعات الغربية وتفاصيل ما يدور فيها، كما تعفيهم من سبل توعيتها بصورة الإسلام الصحيحة خاصة في ظل تنامي أعداد المسلمين في الدول الغربية، وانفتاح أعداد متزايدة من أبناء تلك المجتمعات على فهم الإسلام والمسلمين، وتنامي قوى العولمة والاتصالات بما يسهّل عملية التواصل مع الآخر وتوعيته.
إن رواج مصطلح الإسلاموفوبيا هو في الحقيقة انعكاس لتنامي ظاهرة يبحث لها الغرب عن تسمية مناسبة له لما يتميز به هذا الأخير من انغلاق على النفس، وقد يختلف البعض حول دقة المصطلح، ولكن هناك شعور متزايد بالظاهرة نفسها تذكّر الأجواء التي سبقت استعمال مصطلح "العداء للسامية " (l’antisémitisme) مع ظهور النازية قبل الحرب العالمية الثانية، ثم مع ظهور الثورة البلشفية في الاتحاد السوفياتي سابقا وبعدها مع انتصار الحلفاء على النازية وانقسام العالم الأوروبي بين المعسكرين الشرقي والغربي وبروز العداء للشيوعية كمنهج عقائدي وكمنهج اقتصادي جاء يضايق الحضارة الغربية.
كل ما في الأمر أن الإعلام الغربي المتطرف، و على رأسه الإعلام الصهيوني المؤثر هو المسؤول الأول والمحرك الأساسي لهذه الكراهية ضد الإسلام، وهو الذي يغذّي بحقده المسموم هذه الكراهية والعنصرية. فمباشرة إثر تفجيرات 11 سبتمبر 2001 قام بإلصاق تهمة الإرهاب إلي الإسلام والمسلمين قبل أن تجرى أي تحريّات أمنية تجاه المتسبّبين الحقيقيين في هذه العمليات الإرهابية بالرغم من أن الكثير من المسلمين لقوا حتفهم في هذه الأحداث. والغريب في الأمر والذي يطرح عدة تساؤلات هو أنه ما يسمى بالإرهاب صار يحصد من الضحايا المسلمين ما لا يعد ولا يحصى، وكأن يد العدوّ صارت تختار أهدافها لتكيد أكثر فأكثر للإسلام أينما وُجد أثره.
وها هو الآن يجدد ترويج المصطلح بانحياز كامل للمعارضة المسيحية المتطرفة والمتأثرة بنفوذ اللوبي الصهيوني الذي يبذل كل ما أوتي من قوة لتكريس مخططاتها الشيطانية من أجل عرقلة أي إنجاز لصالح المسلمين. نشهد من خلاله اليوم رفض بناء مركز إسلامي في منطقة "الغراوند زيرو" بنيويورك بالرغم من موافقة عميد بلدية نيويورك ورضا الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي يريد من خلال ذلك ربط أواصر العلاقات بين الأديان وتشجيع حوار الحضارات. بل ذهب هذا الحقد إلى درجة تعطيل أي مشروع علمي من شأنه أن يساهم في التطوير التكنولوجي والنووي السلمي للدول الإسلامية. وما يكيدون به لباكستان وبالخصوص لإيران في شأن برنامجه النووي (الذي ما فتئ ينادي بأنه سلمي) لخير دليل على درجة الكراهية للمسلمين بحيث حاول المغرضون من خلال هذا كله اغتيال العالم الجليل الباكستاني ، صانع القنبلة النووية الباكستانية، كما اغتالت أيادي الغدر الصهيونية عالما فيزيائيا وعضوا في الجمعية النووية الإيرانية في تفجير منفصل وقع في طهران مؤخرا حسب وكالة "فارس" للأنباء قُتل على إثره في انفجار قنبلة ألصقها شخصان كانا يستقلان دراجة نارية وهي تسير في شمالي شرقي طهران. ناهيك عن العراقيل والمضايقات التي يتعرض لها هذا البرنامج النووي السلمي الذي هو حق شرعي لجميع الدول، سواء بصفة علانية بما يسمى مفاوضات مجموعة "خمسة زائد واحد"، أو خفية عبر التشويش الإلكتروني الذي تقوم به الأيادي الصهيونية من داخل إسرائيل. أضف إلى ذلك ما يقوم به التيار اليميني المتطرف في فرنسا تحت قيادة حزب جان ماري لوبان وابنته في شن حملة عنصرية ضد المسلمين القاطنين في فرنسا سواء فيما يخص الحجاب، أو تسويق مأكولات الحلال، أو الصلاة في الشوارع المجاورة للمساجد باعتبارها كلها بمثابة "احتلال للحضارة الللائكية الفرنسية"...
هذا، وقد أظهر مؤخرا استطلاع للرأي أجراه مركز«الدراسات العربي الأوروبي» ومقره باريس إثر استهداف كنيسة الإسكندرية بمصر، أن الهدف المباشر من ترهيب المسيحيين العرب هو تشويه صورة العربي المسلم. وأضاف المركز في بيان وزع مؤخرا أن أكثر من 71 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع رأوا من خلال هذا كله إلصاق صفة التطرف والإرهاب به ومن ثم إلحاق العار بالأمة الإسلامية بإظهارها كأنها عنصرية غير قادرة على التسامح وغير مؤهلة لاستيعاب مفهوم العيش المشترك . وبالتالي، بتشويه صورة الإسلام يسعون جاهدين لفسح المجال للدول الأجنبية من أجل التدخل في الشؤون الداخلية لهذه البلدان بحجة حماية المسيحيين العرب مع العلم أن المسيحيين الذين يعيشون منذ القدم مع إخوانهم المسلمين لا يرون أي حاجة في طلب حمايتهم من الغرب أو من بابا الفاتيكان، كما صرح بذلك القديس القبطي للكنيسة في مصر. كما أن أكثر من18 في المائة يعتقدون أن إسرائيل لها يد في هذه العمليات المشبوهة و مصلحة كبيرة في انشغال العرب بالقتال الطائفي من أجل إتلاف القضية الفلسطينية و غض النظر عن أبشع الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني يوميا في الأراضي المحتلة. أما حوالي 10في المائة يرون أنه لا أحد يرهب المسيحيين العرب ولكن البعض من الطوائف والأقليات العربية قابل للتواطؤ والتعامل مع القوى الغربية لتنفيذ أهداف إستراتيجية مدروسة. وخلص المركز إلى نتيجة مفادها أن ما يتعرض له المسيحيون العرب مؤخرا لأشكال متعددة من الترهيب، وخاصة في العراق ومصر والسودان بات يستدعي طرح الكثير من علامات الاستفهام حول خلفية هذه العمليات الإرهابية، والجهات التي تقف وراءها. وما مخطط تفكيك السودان الأخير وفصل الشمال العربي المسلم عن جنوبه الذي يقطنه المسيحيون والوثنيون لخير دليل على ما يحاك على الأمة العربية والإسلامية.
مما يجعل، في آخرالأمر، المواطن العربي والإسلامي تتبادر إلي أذهانه تساؤلات حول استراتيجية موحّدة وخطة إعلامية شاملة للدول العربية والإسلامية تجاه هذه الحملات الغربية والصهيونية المغرضة سواء أكان ذلك ضمن جامعة الدول العربية أو ضمن منظمة المؤتمر الإسلامي، أو ضمن جمعيات ومنظمات ومجتمع مدني غيور على قيّمه ومعتقداته الغالية كما فعله اليهود في تقنين نصوص دولية تجرّليوم ية" اليهود في تقنين نصوص دولية تجرم كل من يتعامل ب/ا يسيء م كل من يتعامل بما يُسيء "للسامية". بينما تتحدى إسرائيل اليوم المجتمع الدولي برمّته بدون أن تخضع للقوانين الدولية التي كانت هي تنادي بها من منطلق "المسكين المظلوم" سواء تجاه منظمة الأمم المتحدة أو تجاه الوكالة الدولية للطاقة النووية، عكس ما تفعله الدون الإسلامية التي تتعامل مع القوانين الدولية، وذلك في ظل تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا والعنصرية. ليس هذا فحسب ، بل إن بعض المحللين الذين يراقبون الوضع بدقة واهتمام يعتقدون أنه من المحتمل أن يؤدي هذا كله إلى بروز تيارات إسلامية وتنظيمات أكثر تشدّد وتطرّف سوف تستهدف القوات والمصالح الغربية سواء أكان ذلك داخل الدول العربية والإسلامية التي تحتضن مصالحها أو خارجها، وبالتالي قد تلتفت الأنظار لإبرام علاقات اقتصادية وتجارية مع العالم الآسيوي الذي ليس له أي مصلحة في شن مثل هذه الكراهية وهو يمثل دول صاعدة متحصّلة على التكنولوجيا مثله مثل الغرب. هذه الحركات والتيارات الإسلامية ستكون لاعبا كبيرا في المستقبل القريب، وقد ذكر ذلك المحلل السياسي عدنان الروسان في كتابه: "صلبان وعمائم " قبل أكثر من أربع سنوات من الآن وتنبأ بما يحصل اليوم، كاستقراء موضوعي للأحداث والمعطيات، حيث قال: "ربما يستطيع الكثيرون من المتطلعين عن الأحداث اليوم أن يؤكدوا أن السياسة الأمريكية والتأثير اليهودي سواء في أمريكا أو في العالم الغربي هما في حالة جزر وانحسار، وسيكون المسرح مهيئا للتأثير بأنظمة متشددة كما يحدث الآن في لبنان"- حسب اعتقاده. وهذا كله في آخر المطاف لا يخدم الديمقراطية ولا حرية المعتقدات ولا حقوق الإنسان التي يتغنى بها الغرب ولا التقارب بين الأديان ولا حوار الحضارات كما يريدها كل مجتمع متحضّر.
الهوامش
1. القرآن الكريم.
2. بشر بن فهد البشر، "أساليب العلمانيين في تغريب المرأة المسلمة"، دار المسلم ، الرياض، 1994.
3. أ.د. محمد سهيل طقوش، "ـاريخ المسلمين في الأندلس"، دار النفائس، بيروت، 2010.
4. د. صالح بن فوزيان الفوزيان، "كتاب التوحيد"، مؤسسة الحرمين الخيرية، الرياض، بدون تاريخ.
5. الطاهر بدوي، "حالة المسلمين اليوم وأزمات الأسرة المعاصرة"، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1985.
6. د. عماد الدين خليل، "هجمات مضادة في التاريخ الإسلامي"، مكتبة النور، قسنطينة، 1989.
7. محمد عطية الحكيم، "مرض الإسلاموفوبيا عندما يعود من جديد"- شبكة الإعلام العربية، (30-08-2010).
8. علاء بيومي، "صعود الإسلاموفوبيا في الجتمعات الغربية". مجلة "المعرفة" الإلكترونية، 12-10-2006 .
9. محمد حلمي عبد الوهاب ، "الإسلاموفوبيا وسياقاتها المعرفية". إسلام أون لاين- مارس. 30- 2008.
10. حوار مع عالم دين كاثوليكي وفيلسوف ألماني هاينز بيليفيلدت حول الإسلام والحقوق الأساسية "ظاهرة الإسلاموفوبيا...عنصرية تتنكر بعباءة الليبرالية"- : أجرى الحوار: كريستيان رات- ترجمة يوسف حجازي،تاغز تزاينتونغ، 2010. مجلة القنطرة ، تاريخ الصدور 11.01.2010.
11. هاينز بيليفيلدت ، "المسلمون في كنف الدولة العلمانية- فرصة للاندماج من خلال الحرية الدينية"، دار ترانسكريبت، 2003 .
0 comments:
إرسال تعليق