على أرض موحشة في ظلمة تملا المكان ، تحت سماء ملبدة بالغيوم وطقس قارس لا يبين فيه فصل من آخر فالعصر كله واحد رعد وبرق ومطر متجمد في السماء آبى أن يهطل على الأرض
وقف الصغار مشدوهين وأعينهم جمدت دموعها كلٌ في شان يغنيه عن الآخر ، الكل يفكر ماذا يصنع بعد الأم ؟
اكتشفوا اخيرا وبعد ربع قرن من الزمان انها ليست أمهم ؟ هي من اختاروها وقد طلقوا اباهم من قبل ؟ جعلوها سيدة أكوانهم .. تأمر لتطاع في آفاقهم الرحبة ، فإلى مَنْ يهرولون ليضعوا في جيوبها ما جادت به أرضهم ، هي تقف في آخر الطريق مبتسمة في هدوء لترمي في أفواههم كسرة خبز
فآه وآه حينما تظهر الحقيقة عارية والعري أصبح سمتهم فلقد سقطت آخر ورقة توت فوقفوا عارين أمام الحقيقة المرة
لم تعد أمهم المختارة مَنْ يزود عنهم طمع الجيران ؟ ومَنْ يزود عنهم لؤم البراري ولياليها القارصة ؟
اختاروا جميعا منذ ربع قرن من الزمان عدوهم يطعمونه ليفتك بهم جعلوه الأم والآب و روحهم القدس يلبون بإشارة وإن لم تنطق سيدة الكون ( ماما أمريكا )
فجأة اكتشفوا الحقيقة التي تناسوها واخيرا بعد أن سحبتهم كالانعام تركتهم في وسط الصحراء بلا دليل أو رفيق فقط الضياع والظلمة الحالكة والمجهول
خذلتهم تركتهم أمام شعوبهم والضعف والخزي يملأهم جميعا فلقد أعلنت على لسان وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون انها فشلت في إقناع الطفلة المدللة لتجميد الإستيطان
أمريكا أدارت ظهرها للعرب ووضعت الجميع وكل العرب في نهاية اللعبة - لعبة الماما والصغار- والحق أقول إنه لأكبر مأزق فرض على العرب الصاغرين لا خروج منه
كانوا يفكرون بفكر بيل كلينتون وألعابه ما بين شرق اوسط جديد ومنتديات اقتصادية تجمع أموالهم ، ويأتمرون بأوامر جورج بوش الأب قبل ظهور الابن ، ورسموا الآمال العريضة بعد وعود القديس أوباما التي راحت أدراج الرياح بعدما خذلهم ... تركهم أمام مقصلة التاريخ وهم – كل العرب مجتمعون -لا يساوون نعل حذاء جندي اسرائيلي
والكل يسأل لمَ ؟ ماذا فعلنا ؟ ما جرمنا ؟ كي ترمينا ماما التي لم نمنع عنها دولاراتنا او براميل البترول ؟ ملكناها الأرض والعرض ؟ لمَ ؟
لم يدركوا أن بلاد العم سام في طريقها إلى الزوال انهارت فعليا لتبق فقط أمام مريديها شكلاً ، لم يدركوا أن لكل عصر قواعده وقوانينه
فأمريكا تموت إكلينيكيا والعرب مازالوا يرتمون تحت قدميها لقد ماتت الإرادة فلا تلومن الرجال فمنذ ربع قرن أو يزيد هي مَنْ تفكر تضع الأجندات ونحن جميعا نمتلك وفقط رد الفعل الإيجابي لم نملك يوما سلبية واحدة في أجندة قائمة ، لقد أقام سياسته الداخلية –إنعاش المريض إكلينيكيا- على العرب فقط العرب ، فلخروجه من مأزق أزمة الركود والديون الأمريكية هو أن يرفع سعر برميل النفط إلى أقصى سعر ممكن في وقت زمني قصير ليهبه في خزائن العرب ليردوه إليه سريعا كي يتعافى الاقتصاد الأمريكي بعد ضخ البترودولارات إليه ؛ ولذلك رأيناه في أول قمة العشرين يظهر بها ينحني مقبلاً يد الملك عبد الله أكبر مخزن عربي فهو وحده ممثلا للبترودولارات قادرا على تنفيذ استراتيجيته ، هذا كان ظن اوباما
مع الوقت فشلت تلك الاستراتيجية فمردودها كان أقل مما طمح إليه أوباما فأضعفه داخليا ، ناهيك عن زيادة نفوذ الحزب الجمهوري وخير دليل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي بل إن أوباما نفسه فقد شعبيته داخل الحزب الديمقراطي نفسه فظهر داخل الحزب اتجاها جديدا ينادي بأطروحات خارجية وداخلية عكس ما يصنع أوباما مما يعني الموت الفعلي للدور السياسي الأمريكي القائم
وقد أوضح فشل أمريكا في الضغط على اسرائيل حجم ضعف أوباما أمام القوى الجديدة داخل بوتقة السياسة الأمريكية
كما يظهر للعيان ملامح استراتيجية أمريكية جديدة داخليا وخارجيا تعد منذ فترة بحكومة الظل كما يسميهم الدكتور زكريا الملكاوي في كتابه عن الحادي عشر من سبتمبر " حكام الظل متخذي القرارات الكبرى بعض النافذين في السياسة جزئيا والاقتصاد بشكل اكبر ، وشركات الأسلحة وتجارها "
هناك شيئا جديدا سيظهر خلال المدى الزمني القريب وبالتحديد في الأشهر القليلة القادمة
ويعزز ما نذهب إليه تسريب معلومات ويكليكس المشهورة فإني أرى أن تلك التسريبات مقصودة عمدا من جهة ما في الولايات المتحدة – حكومة الظل الفعلية – التي تتفق مصالحها مع الحزب الجمهوري واليمين الأمريكي المتطرف ومع المجموعة التي ظهرت في الحزب الديمقراطي المناوئة لأوباما فما يصنعون كأنه كرسي في الكلوب كما يقول المصريون
فهو إعادة بناء بعد تدمير القديم بما يعنى انتهاء لعصر دبلوماسي وبناء سياسة خارجية جديدة تتمثل في مزيد والمزيد من الحروب كي تنعش الاقتصاد المدمر وتدور عجلته بشكل جديد سيتغير الشكل بدلا من تدخل الألة العسكرية الأمريكية بشكل مباشر كما حدث في حربي العراق وأفغانستان لكنها ستكون بشكل تأجيج لصراعات موجودة بالفعل في العالم الاسلامي وسيقوم بعض الحلفاء كالطفلة المدللة وغيرها بدور النائب عن الآلة العسكرية الأمريكية وخلق نواب جدد وعساكر في منطقتنا كالجيش العراقي
فهل يدرك الصاغرين حقيقة أمهم الغير شرعية وما آل إليه حالها كي تعيش وتخرج من موتها الإكلينيكي ؟
مدير تحرير مجلة الفكر الحر
0 comments:
إرسال تعليق