استعرت الأزمة اللبنانية بخطوة استقالة وزراء حزب الله، والوزير المحسوب على رئيس الدولة، وأسقطت الحكومة اللبنانية.
العديد من المواقع وصفت ما يجري بأنه بداية الانقلاب العسكري لحزب الله ضد مؤسسات الدولة اللبنانية.
من الواضح أن إسقاط الحكومة، يعني تفريغ الساحة السياسية اللبنانية من سلطة تتولى مسؤولية تداعيات القرار ألاتهامي للمحكمة الدولية حول مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وحتى لو استمرت حكومة الحريري بتصريف أمور البلاد، فلن تكون لها صلاحيات أكثر من إدارة بلا صلاحيات اقتصادية أو سياسية أو قضائية.
هذا الأمر يعني أنه نشأت في لبنان اليوم سلطتان، سلطة حزب الله المعتمدة على قوة عسكرية، وسلطة شكلية تسمى حكومة "تصريف الأعمال" . وليس سرا ان الجيش اللبناني اضعف من ان يواجه حزب الله لفرض الشرعية اللبنانية .
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن لماذا فشلت الوساطة السعودية السورية؟!
والسؤال الأهم: لماذا يخاف حزب الله من تداعيات صدور القرار ألاتهامي للمحكمة الدولية إذا كان يصر أنه بريء من مؤامرة اغتيال رفيق الحريري؟!
بات واضحاً، أن المحكمة الدولية تجاوزت الواقع السياسي اللبناني. بمعنى أن قراراتها التي ستصدر لن تتأثر بما يجري على الساحة اللبنانية، وحتى بظل طلب رسمي من الحكومة اللبنانية بإبطال المحكمة، المحكمة لن تستجيب لأن صلاحياتها تتجاوز أي طلب حكومي أو رئاسي لبناني.
لا شك أن الحديث عن حزب الله بات يشكل دخولاً إلى نفق مغلق وطريق مليئة بالمطبات.
الصورة التي اكتسبها حزب الله ، بعد صموده وتصديه البطولي بكل المعايير أمام عدوان إسرائيل، وإنزاله خسائر لم تتوقعها إسرائيل،ولا سابقة لها بها نسبيا. والدرس السياسي والعسكري الذي قدمه للعالم العربي والشعوب العربية، حول إمكانية الصمود والرد بقوة على المنتصرين دوماً على الجيوش العربية وحكام الأنظمة العربية، بات يشكل في الوعي العربي هالة مقدسة تسقط كل انتقاد سياسي عقلاني لأي خطوة يتخذها الحزب في الواقع اللبناني، وذلك ليس فقط بضغط قوته العسكرية، وقدرته على الإطاحة العسكرية بكل القوى السياسية التي تمثل الأكثرية في لبنان، وترفض أن تخضع لسيطرة حزب الله السياسية، تحت حراسة حرابة، بل بسبب الهالة المقدسة التي أكسبته شعبية عربية واسعة، باتت تتغاضى عن أي تصرف سياسي شاذ ومخالف للشرعية اللبنانية.
من هنا صعوبة التعبير أحياناً عن موقف سياسي سليم، متجرد من الهالة المقدسة التي اكتسبها حزب الله بجدارة في مواجهة إسرائيل، ولكن لا يمكن جعل ذلك "فيتو مطلق" على الواقع السياسي اللبناني.يسمح له بأن يضرب بعرض الحائط بشرعية الدولة اللبنانية .
اللعبة السياسية الديمقراطية في لبنان، يجب حمايتها من تدخل السلاح، أي سلاح كان، إن كان سلاح حزب الله أو أي تنظيم آخر.
إن خوف حزب الله مد قرارات المحكمة الدولية، يثير أسئلة مشروعة كثيرة، ترى ما هي الخطوة التالية بعد إسقاط حكومة الحريري؟!
لن يوقف أي انقلاب في لبنان صدور قرارات المحكمة الدولية. حتى لو قامت حكومة برئاسة شخصية سنية خاضعة لميول حزب الله، وهذا أمر يبدو بعيداً عن الواقع السياسي وتوزيعة القوى السياسية في لبنان، ولكن رغم افتراضنا ذلك، ستظل المحكمة الدولية حرة من أي تغيير كان داخل الساحة السياسية اللبنانية.
من الواضح أن لسوريا دوراً في هذه الأزمة، لم يُسهل الوصول الى اتفاق مع السعودية، لتجاوز الأزمة اللبنانية، ويبدو أن الشرط الوحيد الذي يصر عليه الطرفان السوري وحزب الله، هو وقف صدور القرارات الاتهامية للمحكمة الدولية.
ومع ذلك تبدوا لي أن كل الخيارات المفتوحة أمام حزب الله وحلفائه في لبنان أحلاها مر أيضاً.
هناك إجماع دولي على دعم حكومة الحريري ورفض لأي محاولة انقلابية عسكرية، من هنا لم يختار حزب الله تحريك قوته العسكرية، بل اختار الشكل السياسي المعتمد على قوته العسكرية، باستقالة وزراءه واستقالة الوزير (بيضة القبان) المحسوب على رئيس الدولة، والذي شكل غطاء صورياً بعدم انتمائه لحزب الله. واستقالته تعتبر الفاصل الدستوري في سقوط الحكومة.
ويسأل السؤال: ماذا بعد؟!
الحل أمام حزب الله ليس سهلاً. حليفه الجنرال ميشيل عون، طالبه بتحرك عسكري، ولكن حزب الله أكثر عقلانية من شريكه الذي لا يفكر إلا برئاسة الدولة ولو على خراب بصرى.
هل سيؤدي انقلاب عسكري ينفذه حزب الله إلى تغييرات في الخارطة السياسية في لبنان؟! أم سيقود ذلك الى تدخل قوى أجنبية، بما فيها إسرائيل، بخطوة لن تخدم إلا إسرائيل على كل المستويات السياسية والعسكرية؟
لا أعتقد أن حزب الله جاهز لمثل هذه المغامرة،وتقديري ان الشيخ حسن نصرالله لن يتورط في معركة خاسرة من هذا النوع ، لأنها ستكون انتحارا سياسيا . ولكن الأمر يتعلق أيضاً بالتأكيد باستعداد سوريا لأزمة بالغة الخطورة لا أحد يعلم اتجاهات تطورها العربية والمنطقية والدولية.
ربما تطمح سوريا إلى طلب من حكومة لبنان يعود بموجبها الجيش السوري من أجل "فرض النظام" وعملياً السيطرة على لبنان وتحويله إلى ولاية سورية. حتى حزب الله يخاف من هذا الاحتمال.
ربما من السهل البدء بأزمة سياسية،او عسكرية... ولكن يبدوا أن الأصعب معرفة الخروج منها، خاصة في ظل أوضاع شرق أوسطية ودولية لن تقف على الحياد، وواقع سياسي بالغ التركيب والتعقيد، كما هو الحال في لبنان.
0 comments:
إرسال تعليق