مات أبو ماهر اليماني، الرجل الذي لا اعرف عنة الكثير، لذلك لن اختار الكلمات في وداعة، لأنني لا أكرة أن انعي الحجارة الكبيرة، واكره التفتيش بين الكلمات عن الأحبة الذين اثروا فينا وفي حياتنا فهم اكبر من الكلمات، لذلك سأطلق العنان لبساطتي لأنني انتمي إلى البسطاء الذين عاش بينهم أبو ماهر اليماني خلال حياته النابضة بالحياة، واليوم من حق البسطاء وواجبهم أن يقول كلمتهم بجباة مرفوعة ومشاعر تختلجها الغربة لا ترحل وعزز فينا ثقافة العودة للجليل الذي أحببت، وليافا وعكا التي لازمتك وسمحاتا التي تتحضر لاحتضانك، لا ترحل وتترك من أحبوك وأحببت.
قد لا يتذكرك قادة الزمن الجديد، قد يستنسخوا الكلمات، وقد تضيق صدور وترتاح أخرى، لا تستغرب يا سيدي، فنحن نعيش زمن التناقضات، زمن الثورة التي تنهش ذاتها، وزمن الفكرة المفرغة من الفكرة، يا سيدي غادر عالمنا بلا أسف ولكن تذكرة بين الحين والأخر ونحن رفاق اللجوء، لا تحرمنا إطلالتك حتى لا يجرفنا طوفان الهزيمة، وحتى تبقى الذكرى فينا، فنحن بدون الذكرى مجرد كتل بشرية.
يا أبو ماهر اليماني، أنت يا أيها الذي امتلك جدلية الحياة والموت، وعرفت أن الحياة موقف وقضية وعمال وفقراء وارض وإنسان،هذا ما قالوا عنك، وهكذا سمعنا عنك يا أخر الحناظله الذين حملوا الوطن في حياتهم غير أبهين بواقعية المهزومين، يقولوا كلمتهم ويغادروا دون أن يلتفتوا للخلف، وكأنهم يرسمون المستقبل برحيلهم المأساوي.
يا ابن الجليل لا تمت فما زال بقية من وقت، وما زالت هناك قضية تتكالب عليها الأمم، ولا زال الحلم بنبض وجعنا في قلوب المشتتين، لا تمت وتعال لتنام نومتك الأخيرة على شاطئ حيفا، تعال واستحضر برتقالها وعبق السنين، وارسم على جباة المسحوقين بعض الأمل وقل لهم إنكم حتما لمنتصرين، قل لهولاء الذين اعايهم طول الانتظار إن الوطن ليس ببعيد فيعشوه ليعيشكم.
في مقبرة الشهداء نهاية المطاف، حيث شهداء الثورة الفلسطينية قلبا وقالبا، تحتضنك أيادي الرفاق الذين عايشوك وعايشتهم، فها هو غسان كنفاني في مقدمة المستقبلين وتقف إلى جانية لميس، غسان يقف مبتسماً واثقاً يتحفز لسؤالك عن القضية والخيمة والرجال والبنادق، وفي غمرة السؤال يظهر الكماليين وأبو يوسف النجار ومن خلفهما كوكبة من الذين ساروا إلى الهدف دون تردد يتكئون على عشقهم الأبدي لأرض البرتقال الحزين التي عاشت معهم ورافقتهم في انتظار الانبعاث الكبير عندما يعود التراب إلى التراب ويسقط المستحيل تحت أقدامهم.
هنا في مقبرة الشهداء حيث الوداع على آمل اللقاء قريباً أيها القائد تتقزم الواقعية الجديدة، هنا المقاومة جسداً وروحاً حيث العبق الذي يطغى على المكان والزمان اللذان ركعا لرجال امنوا بفلسطينيتهم وبهدفهم وساروا إلية دون هوادة، هولاء لم يكذبوا ولم يضللوا الكمالين منارتهم التي أرشدتهم لشواطئها ووديانها، وهنا الفكرة المتجددة التي حفرت على جدران التاريخ عزتنا وكرامتنا ، وهنا الوحدة الصخرة التي لا تعرف سوى فلسطين وفلسطين فقط كل فلسطين من بحرها إلى نهرها.
أمام هؤلاء يسقط الانقسام والتكتيك ودولة مكي ماوس، وهنا يتضاءل القادة الجدد فهم جاهلون بالأبجدية والطريق، هنا حيث تلقي يا سيدي عن كاهلك غبار الشتات تأتيك من العدم شوارع يافا وأزقة حيفا والأسوار، هنا لغة اللغات، وهنا ستة عقود من وجع الاشتياق، هنا الأمل الذي لا يموت، وهنا اختصار المسافة وقدسية الموت الذي تفوق على الحياة، وهنا القديسين الذين مشوا في طريقها.
أريد أن أعود اتركوني أعود كانت كلماته الأخيرة ومضى ليلتحق بعشاقها الذين مخلفاً وراءه حباً يتزود به عشاقها في سنواتهم العجاف، لا ترحل أنة زمن الإبادة والموت المجاني وسحق الهوية، وإذا كان لا بد من الرحيل فتعالى وتجول في شوارعها، وقل كلمتك الأخيرة فأنت من امن بان الوطن فوق مصالح الدجالين، وان الأرض لمن يزرعها كرامة ليحصد مجدا، لكنك رحلت لتلتحق بهم، حيث الذين صنعوا لنا المجد وتركوها كما دخلوها كما القديسين، خبزهم كفاف يومهم، لا أجندات ولا مصالح ولا حسابات بنكية ولا تناطح على السلطة.
يا أخر الراحلين في سنوات البرد الذي استوطن القلوب، سلام عليك وعلى من سبقوك إليها وفي عيونهم بقية عشق وسؤال، ترجل وتعال بين الحين والأخر، وامسح عن الجباة تعب السنين، وبشرها بان الوطن على مرمى النظر، وان العودة فكرة والفكرة لا تموت، حذرهم من أبو الخيزران والبنك الدولي والإمارة والتكنوقراط، عرج على "السجون الوطنية" وشارك سكانها وجعهم، وحلق فوق المخيمات وذكرهم بان النصر صبر ساعة، نادي في الناس أن يحذروا الموت الطبيعي، وان يحتفظوا بمفاتيحهم، وقل لهم أن الإنسان القضية لا يموت وأنت يا سيدي قضية ولن تموت
0 comments:
إرسال تعليق