قلق واسع يجتاح مختلف الأوساط العربية الرسمية خاصة، من انفصال جنوب السودان، وتحوله إلى حدود جديدة بين العالم العربي وأفريقيا.
مشكلة جنوب السودان، أرهقت السودان كله، بحروب أهلية لم تتوقف تقريباً منذ عشرات السنين معظم سكان من المسيحيين ، وهو يعاني من تمييز سلطوي وديني مؤلم . حكومات السودان لم تنفذ في الجنوب أي مشروع اقتصادي يستحق الإشارة لدرجة أن كل الطرق المعبدة في جنوب السودان لا تتجاوز 60 كيلومترا ، والجنوب غني بالأراضي الزراعية التي لم يستغل منها حتى اليوم إلا 30% ، وهي أراضي خصبة، وأيضا جنوب السودان مليء بالثروات الطبيعية ، فعدا النفط هناك الذهب والألماس والعديد من المعادن الثمينة مرتفعة الثمن التي لم تستغل حتى اليوم إطلاقا.
لماذا الانفصال ؟
عندما تكون السلطة المركزية أسيرة فكر ديني متزمت وتطبق سياسة تمييز عنصرية، الى جانب غياب النظام الديمقراطي والفساد الواسع في قمة النظام ، فمن الواضح أن المشاكل مع الأقليات ستحتل مساحة كبيرة من اهتمام الدولة، والاهتمام الذي أعنيه ليس الاعتراف بحقوق الإنسان والقانون الدولي والحريات، بل إتباع نهج القمع والاستبداد والابادة الجماعية،وما زلنا نتابع الجرائم التي ترتكب في دارفوار، وهذه الحالة رافقت السودان منذ أيام استقلاله الأولى.
بالطبع يؤلمنا تفتيت السودان ويؤلمنا أكثر إن السنوات تمضي والسودان بوضع اقتصادي من سيء إلى أسوأ، وبحروب أهلية مدمرة، وكل محاولات تطبيق الشريعة الإسلامية في دولة متعددة الديانات، أو غير متعددة الديانات، تعني محاولة حلق مقاييس متشابهة للتفكير والعقائد وهو أمر مستحيل وثبت فشله وعقمه.
تاريخ العلاقات بين الشمال والجنوب السوداني يشير فقط إلى أن الحكم المركزي لم يلتزم بالاتفاقات التي وقعت مع الحركات الجنوبية، وعلى راسها وقف سياسة الاستبداد، وإنهاء القتال، وخلق ظروف لتطوير جنوب السودان وشماله، ومع ذلك نقضت حكومات السودان كل الاتفاقات الموقعة.
البعض يحاول البحث عن دور إسرائيلي أو دور استعماري أو دور مسيحي دولي. كل هذه المحاولات عقيمة جداً، وإذا كان من دور لإسرائيل أو الغرب أو المسيحية الدولية، فإن سياسات الشمال الظالمة هي التي مهدت الطريق لمثل هذا الواقع، وما زاد الطين بلة تبني نظام البشير لحكم الشريعة؟ بل في تصريحاته الأخيرة يعبر عن سعادة معينة بأنه بعد الانفصال سيبني دولة إسلامية. بمعنى أنه يدفع نحو الانفصال في سبيل هدفه الأعظم بناء دولة السودان الإسلامية.
ما يجري في السودان خطره يجب أن يفتح عيون الشعوب العربية كلها، بأن تجزيء أوطانها أضحى سهلاً بسابقة جنوب السودان، وأن الحل لهذا الخطر الداهم، هو في جوهر نظام الحكم.
الأكراد في العراق أيضاً يلوحون بحقهم في تقرير المصير، أي الاستقلال عن دولة العراق. لماذا لا يستقل أيضاً أكراد سوريا وينضموا لدولة الأكراد العراقية؟ هل واقعهم في سوريا أفضل من واقع سكان جنوب السودان مع حكومة البشير؟!
الأمازيغ( سكان المغرب الأصليين) أيضاً في المغرب العربي يعانون من سياسات تمييزية لا يمكن احتمالها.
الأقليات المسيحية في مصر والعراق تعاني من واقع صعب وبالغ الخطورة. وإذا لم تقم الأنظمة بتوفير الحماية، ورفع المظالم، وإقرار المساواة بنظام حكم مدني علماني ديمقراطي، فسيكون من الغباء أن يظلوا تحت حكم أنظمة لا توفر الأمن إلا لرجالها.
حين نتحدث أحياناً عن الأمن العربي لا تقصد مواجهة التحديات العسكرية والعلمية والتكنلوجية والاقتصادية التي تطرحها إسرائيل مثلاً ، والتي فشل العالم العربي في مواجهتها فشلا مخجلا.إنما توفير الأمن للمواطن بممارسة حقوقه المشروعة بدون تمييز. وضمان تلبية الضرورات الأساسية لكل مواطن، والحق في العمل والتعليم، والحق في الضمانات الاجتماعية والصحية والتقاعد ومختلف أشكال التأمينات والحق الإنساني في السكن والمياه وخدمات النظافة، كل هذه الحقوق تبدو غائبة من العالم العربي، وتحويل مفهوم الأمن العربي إلى مفهوم سياسي عسكري، هو أيضاً غائب عن الواقع العربي.
في التلخيص الأخير، لو كنت جنوبياً في السودان، لما اخترت الا الانفصال!!
ولو كنت قبطياً في مصر أو العراق لدعوت لطرح موضوع الحصول على شكل من أشكال الحكم الذاتي، وتنظيم ميليشيا خاصة وأجهزة خاصة لضمان الأمن والحماية.
نفس الأمر في المغرب العربي مع الأمازيغ.
هل هذا هو الحل الوحيد؟!
بالطبع لا، ولكن مع استمرار تسلط أنظمة عربية طائفية، قبلية، فاسدة، لا أرى حلولاً أخرى في المدى القريب!!
ثورة الجياع في المغرب العربي
الانتفاضتان لفقراء تونس والجزائر تشكلان علامة فارقة في التاريخ العربي الحديث، الفقر والبطالة وغياب مشاريع التطوير، وتدني مستوى الحياة ، وغياب الدمقراطية وفساد الأنظمة وصل إلى درجة لا يمكن احتمالها.
هذا الانفجار الشعبي يرعب كل الأنظمة العربية التي لا تختلف في واقعها، وواقع الجماهيرفيهاعن تونس والجزائر.
أرى ظاهرة مباركة يجب تطويرها لتشمل العالم العربي، وتطيح بكل أنظمة الفساد العربي، التي لا يقلقها الا استمرار سلطتها، مهملة لحقوق الانسان والمواطن الأولية.
إن حقائق الواقع الاجتماعي العربي مرعبة جداً.
هناك أكثر من 30 مليون عاطل عن العمل،وعشرات ملايين الجائعين (عدا الفقراء) وإذا لم يوفر العالم العربي 5-6 ملايين فرصة عمل جديدة سنوياً، ستواجه المجتمعات العربية كارثة إنسانية مدمرة.
توقعات العديد من الباحثين إن البطالة سترتفع في مصر وتونس والمغرب عامة بنسبة 50% خلال السنوات القادمة، وفي دول أخرى مثل سوريا، حيث نسبة الولادة المرتفعة، ستزداد البطالة حسب التوقعات بنسبة 100% حتى العام 2015.
ماذا أعدت الأنظمة العربية لمواجهة الفقر والبطالة والتخلف العلمي والتعليمي والاقتصادي؟!
في مجال التعليم يعاني العالم العربي من تخلف برامج التعليم، ونقص في المدارس وهناك ملايين الأطفال خارج مناهج التعليم. مستوى الجامعات العربية في الحضيض الأدنى مقارنة مع دول العالم، مستوى الأبحاث العلمية من أدنى المستويات بالمقاييس الدولية، ولا يتعدى التوظيف في الابحاث العلمية نسبة ال 0.1%- 0.2% من المنتوج الوطني بينما دولة مثل إسرائيل توظف 15 مرة أكثر من كل العالم العربي في الأبحاث العلمية، هذا عدا الأبحاث العسكرية والتطوير لوسائل وتكنولوجيا عسكرية. في مثل هذا الواقع لا حل إلا خروج الجماهير إلى الشارع .
حان الوقت لأحداث انطلاقة قومية اقتصادية ثقافية علمية عربية، تضع المواطن في رأس سلم أولوياتها وتخرج العالم العربي من الحضيض إلى مكانة محترمة بين دول العالم.
0 comments:
إرسال تعليق