مع زيارة الوزيرة كلينتون لمحطات الارتكاز الصهيو – صليبي
بداية يجدر بنا أن نعترف ب(المزايا) التي تتمتع بها السيدة وزيرة الخارجية هنري رودهام كلينتون كوزيرة لخارجية الولايات المتحدة الأمريكية مقارنة بكل من سبقها ممن شغلن أو شغلوا هذا المنصب الرفيع في هذا البلد الكبير؛لأن جميعهم كانوا مجموعة من الحثالات والكذابين الذين لا يجيدون إلا تشويه صورة بلادهم التي لا تحتاج إلى المزيد من القبح وسوء السمعة.
إن الوزيرة المحترمة تقدم إلى المنطقة بكل الأدب والدماثة الدبلوماسية التي تنسينا كل الحقارة التي كانت تمثلها كونداليزا رايس ومادلين أولبرايت وكل أو معظم عناصر الإدارة التي عملت معها هاتين الوزيرتين سيئتي الذكر والنهج والأداء المهني الذي كان ينضح قذارة وسوء طوية، هما وكل من أحاط بجورج دبليو بوش الابن لمدة ثماني سنوات عجاف من تاريخ العالم الذي ابتلي بريادة وهيمنة تلك الإدارة الفاسدة على مقدرات تلك الدولة العظمى،مما شحن الأجواء بكل ما من شأنه تشويه صورة بلادهم التي كان يفترض فيها أن تقود العالم بنفس القيم التي أسست عليها دستورها في مؤتمر فيلادلفيا من عام 1778م،وكما حرص عليه الكثير من رؤوسائها المحترمين الذين كانوا يحترمون رمزية البيت الأبيض حيث يقيمون،وما ينبغي عليهم نحو العالم الذي حاولوا أن يقودوه نحو الحرية والديموقراطية والسلم من المنظور الذي تنبع منه قيمهم الأولية الأولى ،والذي يشكل قاسمًا مشتركًا للشعوب المتطلعة نحو الحرية والتنمية الحقيقية والتقدم في سياق علمي سلمي عام يشمل كل البشر،تلك القيم التي قادت وأملت سلوكهم الوطني والدولي حتى الرئيس المميز داويت أيزنهاور في الخمسينيات،وبعدها هوت بالتدريج مستويات سمعة بلادهم بتسنم سدة الرئاسة من قبل شخصيات تدنت وانحطت سلوكيًا ووظيفيًا مما سمح للإفساد الصهيوني اليهودي بالسيطرة عليهم نتيجة لضعفهم القيمي ،وانحطاطهم الوظيفي وتخبطهم في اتخاذ القرارات الفارقة في تاريخ بلادهم وتاريخ العالم.
هيلري رودهام كلينتون تنحدر من الأصول الأيرلندية بما تمثله من قيم متعالية على الثقافة الأنجلوسكسونية أو اللاتينية أو الثقافة المهجنة الخليط التي دخلت البيت الأبيض مع شخصيات غير محترمة شوهت فلسفة التنوع العرقي،وفرضت الدعوة إلى ضرورة التدقيق في التاريخ الشخصي لكل مرشح يتجرأ على التقدم للترشيح لمنصب الرئاسة بعيدًا عن تأثير المال والإعلام اللذين تسيطر عليهما الأفعى اليهودية المتوطنة حاليًا في الولايات المتحدة ،ونجم إفسادها في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية .
بهذه المقدمة المناسبة نتتبع رحلة السيدة الوزيرة كلينتون مبتدئة باليمن حيث فريق يتشبث بالتجاوزات الدستورية،وتغلي جماهير شعبه بكل ما يثير الريبة في ثوابت سياساته التي تسعى للسيطرة على موارد البلاد،وتستحوذ على مقدراته،وقد عمل على تهييج أكثر من جهة من هذا الشعب ليصل في النهاية إلى تجريم من يعتبرهم أعداء،ويستقبل السيدة كلينتون كحليف في مواجهة عدو افتراضي مشترك أطلقوا عليه القاعدة والمتشددين والإرهابيين ،ووجد الرئيس علي عبد الله صالح نفسه قريبًا من ممثلة السياسة الخارجية الأمريكية ،ليستعين بها على المعارضة ،ويؤلبها على شعبه الذي استفزه بكل مستهجن من التشريعات الدخيلة على الحياة النيابية،وبكل أساليب الاستئثار بالسلطة والموارد التي تفجرت في بلاده،فيمنح من يشاء،ويمنع عمن لا يهوى،وليوصل بعض جبهات المعارضة إلى أن تتجرأ على الكيان الوحدوي ويطلب الانفصال إمعانًا في إضعاف هذا الجزء من الأمة العربية التي ابتليت بالطغيان والتسلط متحدية الجذور والقيم العروبية الأصيلة التي كانت ولا زالت اليمن منبتها ومنبعها.
حلت وزيرة الخارجية الأمريكية السيدة هيلري رودهام كلينتون في العاصمة اليمنية صنعاء ضيفة ثقيلة على كثير من مكونات الغالبية العظمى للشعب المنهك من عمق الخلافات والصراعات والإهمال المتعمد ممن احتكروا قراره وزيفوا إرادته،الشعب المثقل بنتائج الأحداث الدموية اليومية في الصراع بين قوى الشعب وقوى التجبر والاستحواذ والاستقواء بالأجنبي ،حيث تجرأ العربي على قتل العربي ،واستحل المسلمون دماءهم ،وهانت عليهم حياة إخوانهم من الجنود والضباط ،وخرجوا من أُنْس الطاعة إلى وحشة المعصية النكراء .
ومرت السيدة وزيرة الخارجية على عُمان في محطتها الثثانية فكالت المديح والإطراء على ما تعيشه ،ونالت عُمان بذلك شهادة حسيرة وسلوك عمل النظام فيها طويلاً من أجل هذه الغاية،وفي محطتها الثالثة حطت في العاصمة القطرية الدوحة حيث وقفت في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس وزراء قطر تملي السياسات ،وتلملم أذيال الهزيمة التي نتجت عن اللطمة التي وجهتها قوى المعارضة اللبنانية الوطنية إلى السياسة الامريكية وعملائها وصنائعها في لبنان العروبي الحر،وفي كلا العاصمتين دشنت الحلف القائم بين النظام العربي الرسمي والولايات المتحدة الأمريكية مع ما يعتور هذا الحلف من عوامل الضعف والاستضعاف والتبعية غير المبررة لأقوى قوة تناصر الظلم على شعوب الأمة العربية والإسلامية، ثم كانت الأستاذة الموجهة لمنتدى المستقبل بحضور شخصيات وممثلين من أبرزهم أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى دون أن نفهم ما الذي يجنيه معالي الأمين العام للمنظمة التي يرأسها ولمصلحة شعوبها من هذا الحضور البروتوكولي أكثر من استخدام حضوره كدليل على تمرير مضمون البدعة الجديدة التي جاءت السيدة الوزيرة للدعاية لها وهي بدعة الشرق الأوسط البديل.
بدعة الشرق الأوسط الجديد مرة أخرى !
وفي اليوم التالي بشرت وزيرة الخارجية ببدعة الشرق الأوسط الجديد الذي دفنه الشعب العربي بعد اكتشاف خبث الطوية في الدعوة إليه ، ونعيد التذكير بهذه البدعة التي تصر الإدارات الأمريكية المتعاقبة على الاندفاع فيها وهم يعلمون تمام العلم أنهم إنما يلوكون مفاهيم لقنتها لهم لاسياسات البريطانية ذات الخبرة أكثر منهم بخبايا تراتيب الأوضاع في المنطقة العربية،إن الدعوة الجديدة إلى الشرق الأوسط الجديد إصرار على إدخال الكيان الصهيوني المحتل في الكيان العربي الذي يرفضه شعبيًا ودينيًا ويرى فيه النقيض الديني والوجودي على الرغم من كل محاولات التطبيع،إن بدعة الشرق الأوسط الجديد عبارة عن مفهوم لتغريب النخب العربية والمثقفين العرب عن المصطلحات الحقيقية التي تربطهم ،وإضعاف الروابط التي توحدهم وأعني الوطن العربي والوحدة العربية والمنطقة العربية التي توشك أن تكون جزءًا من تراث الماضي .
يا للحكمة والرحمة عندما ننتظرها من عدو!
وما ينبغي تسجيله في هذا المقام هو شعور بالعار والاندحار والبوار والذلة والخسران عندما تأتي وزيرة خارجية الولايات المتحدة لتقدم المواعظ والدروس الأخلاقية للقادة العرب ،وتحذرهم من الاضطرابات إذا ما قاموا بما ينبغي عليهم أن يفعلوه تجاه شعوبهم التي لا تجد لقمة العيش في الغالب .
فيا لله كيف تقسو قلوب العرب والمسلمين على إخوانهم وأرحامهم وأقاربهم ومواطنيهم إلى الدرجة التي تتجرأ فيها السلطات على قتلهم وسفك دمائهم ،ثم تأتي هيلري رودهام كلينتون لتحذير القادة العرب (المحسوبين على قلعة الشيطان طبعًا)من شعوبهم المقهورة المطحونة تحت حجر رحا التسلط والظلم والاستبداد الجاثم على صدورهم ،وليس لهم من هَمٍّ إلا التحايل للبقاء على كرسي الحكم أطول مدة ممكنة!!!
فلماذا لم تنصح مسز كينتون الرئيس اليمني بضرورة أن ينفذ ويطبق الشروط الأساسية للديموقراطية(الصورة المعاصرة للشورى) التي اتخذها وسيلة للحكم ؟ولماذا لم تذكره وهو مجتمع إليها في قصر الرئاسة بأن ألف باء الديموقراطية هو إتاحة الفرصة الحقيقية لتداول السلطة ،ونشر قيم المساواة وتكافؤ الفرص في توزيع الثروة واحترام خصوصيات الشعب الثقافية والخيارات اللامركزية في أرجاء الوطن اليمني العزيز؟ولماذ اقتصرت زيارتها على الاطمئنان إلى أن ما يجمع نظام علي عبد الله صالح هو الحرب على ما يطلقون عليه القاعدة التي برر بها الطرفان في الماضي وفي الحاضر قتلهما للأحرار من الشعب اليمني العظيم؟
مؤشرات هجمة صهيو – صليبية حقيقية بثوب جديد
تتجمع حاليًا مؤشرات وأدلة حقيقية على هجمة صهيو – صليبية علنية سافرة ،ومن هذه الأدلة والمؤشرات :
- منهج وخطط البابا بنديكتوس السادس عشر الصليبي التوراتي الذي بدأ عهده بحملة تشويه وكذب صريح على الإسلام ونبيه الكريم،سكوته على المريب عن إساءات الإعلام الغربي نحو افسلام ونبيه،والافتتان باليهودية الأرثوذكسية الأصولية،وتدشينه للحلف غير المقدس مع ما سماه (الشعب اليهودي) من فوق قمة جبل نيبو بالاردن .
- غزو أفغانستان2001م بحجج لم يجرِ مجرد التحري في مدى صدقها ،وإلصاق جريمة برجي التجارة بالإسلام والمسلمين على عهد إدارة رئيس أمريكا جورج بوش الابن.
- ثم غزو العراق 2003م بذرائع منهجية من الكذب الرسمي .
- محاولة تدمير المقاومة اللبنانية تموز 2007م.
- التواطؤ الأوروبي الأمريكي اليهودي على حصار غزة منذ فوز حماس انتخابات حرة ونزيهة عام 2006م ،ثم تدميرها ديسمبر 2008م – يناير 2009م .
- تقزيم القضية الفلسطينية لتصبح مجرد دعوة لوقف استيطان يهودي إحلالي لم يتوقف في أي لحظة،وفي مفاوضات مباشرة غير مباشرة لم تتوقف،وتنسيق أمني علني وسري وعلى كل المستويات،وأسوأ وأقبح ما فيه ظهور من يدافعون عنها كضرورة من ضرورة الحياة لجواسيس أوسلو وسماسرة بيع الوطن.
- اقتطاع جنوب السودان بعد تنصيره وتسليحه، لإضعاف الشمال العروبي المسلم.
- التمهيد لاقتطاع دار فور وتصويره بأنه مسألة إجرائية.
- في ضوء التقدم بشكل صريح لإشاعة الفوضى في القطر المصري تحت ذريعة حماية المسيحيين فيه كما دعا إلى ذلك بنديكتوس السادس عشر بعد حادثة كنيسة القديسين.
- الدوران على الصف العروبي ودوره في بلاد الشام،ومحاولة إفشال المبادرة السعودية السورية في تسوية الأوضاع في لبنان سلميًا وفي إطار عربي،وبطريقة مريبة تذكرنا بالأحداث التي أعقبت غزو العراق للكويت عام 1990 م ،وشل دور الجامعة العربية آنذاك.
- إشعال تونس الخضراء،وتجويع شعب أغنى البلاد العربية المغاربية في الجزائر،واستعصاء مشكلة الصحراء الغربية على الحل.
- محاولة سلخ نصارى البلاد العربية عن مجتمعاتهم باستغلال الأحداث التي استهدفتهم،وتشجيعهم على الاستقواء بالخارج،وخلق التناقض بينهم وبين إخوانهم المواطنين من المذاهب والطوائف الأخرى.
- إضعاف الروابط الوطنية في مقابل إحياء وتقوية الروابط الطائفية والدينية وروابط القليا على حساب الانتماء للوطن.
- محاول تحييد وحصار وإرباك قلب الأمة المتمثل في مراكز القوة الحقيقية واحتواء بعض الأطراف وسقوطها في مخطط الاستحواذ الصهيو- صليبي الذي تشكل السياسة الأمريكية الحالية أداته الصريحة ،وشواهد ذلك تتمثل في رحلة الوزيرة كلينتون إلى صنعاء والدوحة لتكريس النظامين فيهما،وتقديمهما كنموذجين للتعاون مع الإدارة الأمريكية المتصهينة ،مع تجاهل دور قوى الرمكز العربية المتمثلة في المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا.
- محاولة الظهور بمظهر القوة المتحكمة في الأحداث الكبرى التي وقعت في تونس والجزائر.
- تصوير دورها باعتباره الحاسم في صناعة وتوجيه الأحداث في المنطقة العربية ،وكأن البلاد العربية ولايات أمريكية وليست أرض ووطن أمة تسبق أمريكا بعشرات القرون ، مع ما تمثله من عمق تاريخي وثقل إستراتيجي ووزن ثقافي على كل الصعد.
- احتضان بعض الأنظمة التي تمارس التسلط والتجبر والطغيان على شعوبها ،وتقوم بمنع قوى الشوب العربية الحقيقية من القيام بدورها في قيادة شعوبها نحو تحقيق التنمية الحقيقية والاستفادة من موارد بلادها.
تشخيص عناصر وأبعاد الغزوة الصهيو - صليبية
- إن الهجمة الصهيو – صليبية كالنهر الثلجي الذي يقوم بصقل الصخور وتركها نظيفة ، ويجرف كل ما يعترض طريقه ويتركها رواسب وشواهد على تتابع الزمن لا غناء فيها،وليس هو مجرد هجرة يهودية أو تغلغل نفوذ صهيوني،أو استثمارًا اقتصاديًا،أو مصالح مشتركة،أو تبعية سياسية للإدارات الأمريكية المتعاقبة،وليس هو تحالف ضد عدو مشترك مصطنع كما يحاول الصهاينة وحلفاؤهم المتصهينين تشخيصه فيما يعرف بالقاعدة والإرهاب أو خطر إيران،أفيقوا قبل فوات الأوان.
- أيها القادة في شعوب الأمة العربية،وفي قياداتها الفكرية،ونخبها الثقافية كلكم مدعوون في هذه الظروف العصيبة إلى إعادة قراءة عوامل قوة الأمة،وتحديد نقاط ضعفها،وفضح كل المتواطئين مع مكونات الهجمة الصهيو – صليبية ،وعلى القيادات والنخب أن تستجمع طاقاتها في وجه الهجمة الصهيو – صليبية الحالية وأول ما ينبغي الانتباه إليه هو الاتفاق المطلق على نقطة البداية في تشخيص تلك الهجمة التي تتدحرج لتشكل كرة ثلج تبدأ من نقاط الضعف في البناء الثقافي العربي التي أضحت نقاط ارتكاز محورة للانقضاض على ما يعتبره الصهاينة والإمبرياليون مناطق نفوذ تزداد اتساعًا في كل يوم .
- إن من أهم مؤشرات الحياة في أمة من الأمم أن تعيَ وتعترف أنها تواجه خطرًا حقيقيًا،إن المة العربية تعيش حالة أزمة حقيقية في ظل نظم استبدادية تتجاهل أبسط مقومات الحياة في شعوبها .
- إن الشخصيات المستنسخة في دوائر اتخاذ القرار ،والتي اقتصرت أدوات التعامل لديها مع شعوبها على المنطلق الأمني الذي يزرع الريبة وعدم الثقة التي تنتهي إلى التصادم وتقتيل الناس وتعذيبهم لمجرد التفوه بكلمة حق أو إبداء رأي،وتتذكر بعد فوات الأوان ما كان ينبغي عليها فعله في تقديم الخدمات الأساسية،وتوفير مقومات الحياة الكريمة لشعوب أعز أمة كرمها الله بالإسلام وبسيد الأنبياء وببيته العتيق في حماها،ووفر لها الكنوز التي ذخرها لها في برها وبحرها وسمائها وأنهارها.
- علينا جميعًا واجب البحث في القواسم المشتركة التي جمعت الأمة في كل عصورها،وكانت على الدوام جُدرَ حماية لأبنيتها الثقافية والاجتماعية.
- علينا أن ننطلق من المبادىء الإنسانية الفطرية الأولى إذا أعوزنا فهم قواسم أمتنا المشتركة،وعجزنا عن اعتبارها مقومات لجمع صفوفنا ،وتوحيد غاياتنا.
- نحن أغنى أمة على وجه الأرض في أصولها الفكرية،وفي المقومات الحضارية،وفي الموارد الاقتصادية،وفي مقومات بناء أكبر قوة على وجه الأرض من شأنها أن تجلب الاحترام والهيبة للأمة التي ينخر فيها سوس الضعف والوهن،وتتكالب عليها الأمم،وتهدد حاضرها ومستقبلها،وتنهب ثرواتها،وتستبيح مقدرات شعوبها .
- توجد مبادىء عقلية أولية تصلح لتكون أصولاً نبني عليها الحياة العربية ،وأذكر هنا بالأصول المنهجية التي لا يختلف عليها اثنان ؛لأنها أمور عامة مشتركة بين جميع العقول ،وتستند إلى الفطرة ،ولا تتأثر بالتباين الثقافي الذي ينشأ من تشتت مصادر البناء العقلي ،ويخضع لتقلبات الأهواء .
الانتحاء نحو الجذور
من الظواهر الأولية البسيطة التي كشف عنها علم النبات فيما يتعلق بالنبات الأخضر خاصة ظاهرة تُعرف بالانتحاء الضوئي،ومفادها أن أحد شروط النمو الطبيعي السليم للنبات الأخضر هو توفر عنصر الضوء لكي تتم ظاهرة التمثيل الضوئي أو التمثيل (الكلوروفيلي) التي تصنع غذاء النبات.
إن النبات الأخضر يبحث عن الضوء لكي يقوم بصناعة غذائه،وعند اعتراض أي مانع يحول بينه وبين الضوء تراه ينتحي نحوه ،ويميل بكل مكوناته ليؤمن حاجته من الضوء ،وهذه معلومة أولية يدرسها طلاب المدرسة الإبتدائية في سعي المنهج التعليمي للتأسيس للتفكير العلمي الذي يتعود معه الطالب منذ نعومة أظفاره على التفسير السببي للظواهر الطبيعية،وتتراكم هذه الخبرات في هذا الاتجاه حتى يتمكن الإنسان المتعلم في النهاية أن يكتسب خواص التفكير العلمي السببي السوي في فهمه وتفسيره للظواهر ،وفي محاولاته لمواجهة المشكلات التي تعترضه في مزاولته لمهنته ،في كافة الأدوار الاجتماعية التي تتطلب مثل هذا النوع من التفكير،وعندما تخضع عمليات التربية والتنشئة الاجتماعية في نظام تعليمي ما،ويتلقى أبناء جيل واحد من شعب من الشعوب أو أمة من الأمم تعليمًا موحدًا ذا خصائص متقاربة تتبنى هذا الاتجاه من التفكير المنظم ،فإنه يتوقع أن تكون مخرجات هذا النظام التعليمي جيلاً تتوفر لديه خصائص التفكير السببي الذي يمكنه من فهم قضايا مجتمعه.
المطلوب حاليًا أن ننتحي إلى ثوابت حياتنا وثقافتنا،والانحياز إلى جدورنا وأصولنا كما تفعل الشعوب والجماعات الأخرى حتى تلك التي تنبع أصولها من مناهج الشر والباطل وتتكون من توليفة من الخرافات والساطير وأعمال لاسحر التي لا يوافقها عقل ولا منطق،وهو حال معظم أمم الأرض في هذا الزمان،وعلينا أن نتفق على قاسم مشترك نشخص في ضوئه الأعداء الذين تجمعوا في الأنموذج الصهيو- صليبي الذي ينجذب إليه قطاع كبير يتعاظم يومًا بعد يوم من جماهير الشعوب العربية التي تفتقد إلى القيادات الوطنية الحقيقية التي تلتزم بتأمين حاجات الجماهير ،وتحرس مصالحها،وتصون مستقبل أجيالها.
عندما ظهر عبد الناصر في الأمة العربية في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين الماضي ،وحقق لها عزتها وكرامتها بدحر أعدائها وهزيمتهم في كل موقع دنسوه، قام أدعياء الفهم ومدعو العلم بمناصبته العداء،حتى إذا ارتقى شهيدًا بأيدي من يدعي الانتماء إلى هذه الأمة من الجواسيس وعملاء الصهيونية العالمية انقلب كل من جاء بعده على ثوابت المنهج البطولي،وألصقوا به كل نقائصهم ،ونسبوا إليه كل مظاهر التخريب الذي أحدثوه في شعوب المة التي التفت يومًا ما حول شخصيته الصادقة الشجاعة ،فالرائد لا يكذب أهله ،والشعوب تحس وتميز الرائد الصادق من الكاذب المحتال النصاب المفرط .
سودوا صفحة الرجل،وسفهوا منهجه في مقارعة الباطل حتى سلموا قياد الأمة للغزاة اليهود الصهاينة،وتحالفوا مع قيادة الشياطين القادمين من قلعة الفساد واللامعيارية المعاصرة في الولايات المتحدة الأمريكية الحليف والداعم الرئيس للغزوة الصهيو - صليبية الراهنة التي تتحالف فيها المسيحية البطرسية البندكتوسية الوثنية المتنكرة لتعاليم نبي الله الكريم عيسى بن مريم على رسولنا وعليه وعلى أمه الصلاة والسلام،مع الصهيونية الأرثوذكسية المادية العنصرية المحاربة لمنهج الله ورسوله وعدوة الإنسانية وناشرة الرعب والجريمة والفساد في الأرض،المجافية والمزيفة والمزورة لكل علم صحيح جاء به موسى عليه السلام وأنبياء الله المسلمين الذين تابعوا منهجه بشارة بأخيهم نبي آخر الزمان محمد بن عبد الله النبي القرشي العدناني العربي من عمهم إسماعيل بكر أبيهم إبراهيم عليهم جميعًا الصلاة والسلام.
الانحياز للحق ومبادىء المنهج القويم في التفكير والفعل
إذا أعوزت الأمة القدرة على تحكيم أحكام دينها الحق في تنفيذ شرع الله ،والانتصار لمنهج سيد الأنبياء في توفير أسباب القوة ،والتأسيس لعوامل البناء والتنمية وكراهية الظلم ،ونشر العدالة ،والتخلص من نزعات الاستبداد والأثرة التي جرتها على الشعوب عوامل الجشع والتعصب الحزبي المقيت ،والانحياز للقبيلة والطائقة ،وغفلت بذلك عن الاستجابة لنداء إرادة الحياة التي يشترك فيها الإنسان مع بقية الكائنات الحية ،.
إذا كان ذلك كذلك أفلا تدبرنا جميعًا المبادىء الأولية البسيطة التي تقوم عليها الحياة ،وهي مبادىء معرفية تحوز على الاتفاق والإجماع لأنها مبادىء فطرية أولية .
المبادىء المنهجية التي تصلح كأسس للفكر والعلم والعمل :
1. الإلهي مقدمٌ على البشري.
2. الأَوَليُّ مقدم على الثانوي.
3. البسيط مقدم على المركب.
4. الأصيل مقدم على الطارىء.
5. الثابت مقدم على المتغير.
6. الفطري مقدم على المكتسب.
7. البَدَهي مقدم على البُرهاني.
8. القديم مقدم على الجديد.
9. المُثْبِت مقدم على النافي.
10. اليقيني مقدم على الظني.
11. الأصلي مقدم على الفرعي.
12. الدائم مقدم على المؤقت.
13. الكليُّ مقدم على الجزئي.
14. الضروري مقدم على الحاجي والتحسيني.
لنتأمل في هذه المبادىء الأولية ونتخذها أسسًا لفهم وتفسير الأزمة الفكرية والوجودية التي تمر بها شعوب الأمة العربية،أقترح هذه المبادىء لتكون قواسم مشتركة للحوار الفعال في بحثنا عن تأصيل جدُر الحماية في وجه الهجمة الصهيو- صليبية الحالية.
تشكل هذه المبادىء أسسًا لمنهج يؤسس لتكوين جدار حماية فكري قابل للتطبيق لمواجهة العدو الصهيو- صليبي.
الأعداء الصهيو – صليبيون أسسوا لمحاور ارتكاز في نقاط الضعف القيمي في أطراف وطن الأمة،وتصيدوا الشخصيات ذات المستوى المنخفض من الانتماء والالتزام بثوابت الأمة،والتف حول هذه المحاور كل مشبوه الأصل،دنىء المنطلق،حاقد على ما تمثله العروبة وشعوبها من ثقل حضاري وإنساني بعد أن أكرمها الله بمحمد وبحفظ وحيه بلغتها وبالقادة العظماء الأبطال الذين بلغوا رسالة بأمانة وصدق قولي وفعلي،وكانوا وقود الحروب التي دافعوا بها عن حق شعوب الارض لنبذ الأنداد والأوثان والسعادة في العبودية لله وحده،وها نحن نعيش الاختراق اليهودي الصهيو – صليبي من ثغرات الضعف والوهن ،ويقدم إلينا اليهود في وثائق صليبية يصلون بها إلى كل زاوية من زوايا وطننا الكبير الذي كان حصنًا منيعًا طوال القرون الماضية.
إن شعوب الأمة ونخبها وقياداتها البطولية لا تزال بخير ،وما أحداث تونس الشعبية البطولية إلا أنموذج فذ وبرهان فرد من بين البراهين التي تثبت أن الشعوب تصنع المعجزات ،وينبغي أن نعي الدرس الذي علينا أن نتعلمه من أحداث الشعب العربي البطل في تونس الخضراء وهو أن الظلم إلى زوال،وأنه كلما تعاظم الضغط من رموز الاستبداد اقتربت لحظة الانفجار التي لا تقف في وجهها كل قوى التجبر والظلم،وأن الإنسان مهما عظم وتعملق وحارب منهج الله القويم ،وتجاهل المبادىء الفطرية والسنن الإلهية الثابتة في الكون والحياة فإن مصيره لا يختلف عن مصير الجبابرة الذين رصد القصص القرآني سيرهم وسجل تفاصيل منطفهم الذي قادهم إلى الهلاك.
وأخيرًا .. فإن الموقف الطبيعي المطلوب هو موقف نباتي فطري طبيعي فيه ينتحي العرب نحو مواطن القوة ،فيقاوموا عدوهم ويتحصنوا ضد نوازع التفكك والتصارع الذاتي ،والتحلل القيمي ،والتضاعف في وجه العدو الصهيو صليبي،ومقارعة الاستبداد الذي عمل على تنميته وتقويته وتغذيته العدو الصهيو صليبي الحليف الدائم لرموز الاستبداد والأثرة والظلم.
وباختصار يجب العودة إلى تحكيم تعاليم الإسلام،وصيانة الوحدة الوطنية في الوطان ،بحفظ حقوق المواطنين من غير المسلمين من أتباع الأديان فهم أمانة في أعناقنا،ووصية ربنا وربهم الله القوي القاهر الرحمن الرحيم،وشركاؤنا في صنع الماضي والحاضر والمستقبل،حذار من الإساءة إليهم أو الانجراف وراء مكائد شياطين الإنس من اليهود والمتهودين الذي لا يفرقون بين مسلم ومسيحي ويهودي كتابي في تيار جرائمهم ضد الإنسانية.
هذا والله أعلى وأعلم ،وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصجبه وسلم.
(... والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .)(يوسف 21)
0 comments:
إرسال تعليق