حروب ومعارك طاحنة ستخاض على أكثر من جبهة عربية على مدار الصيف القادم،ومشروع الفوضى الخلاقة الأمريكي الذي يهدف لتفكيك واعادة تركيب الجغرافيا العربية على اساس مذهبي وطائفي وثرواتي،يتقدم خطوات للأمام،وبتسارع كبير اذا هزم السوريون وحزب الله في معركة القلمون،تلك المعركة التي ستكون لنتائجها ابعادها الإستراتيجية،خارج الفضاءين السوري واللبناني لتطال كامل الإقليم،وكذلك هي الحرب العبثية والوحشية التي تشن على اليمن،والتي يبدو بأن الحوثيين قد استوعبوا الضربات السعودية الهادفة لقتل كل ما يدب على الأرض وتدمير كامل البنى المؤسساتية والاقتصادية والتحتية اليمنية والمشافي والمدارس والمطارات..الخ،وهم الان يقومون بنقل المعارك الى داخل السعودية،ويبدو انه لا يوجد في الأفق القريب أي لحلحة او فكفة للأزمات العربية التي وجدت بفعل ما يسمى ب"الثورات العربية" والتي كان التجيير والإختطاف لها من قبل جماعة الإخوان المسلمين كأكبر جماعة ممتدة ومنتشرة جماهيرياً ومنظمة في الوطن العربي،وبفعل حنفيات المال والبنى التحتية والمؤسساتية الدينية والإجتماعية والخدماتية التي انشأتها وراكمتها بفعل المال الخليجي وما تجمعه من مال باسم الدين من مختلف دول العالم،حيث جرت عملية تزاوج لا شرعي بين الأمريكان أصحاب مشروع الفوضى الخلاقة،وجماعة الإخوان الطامحة للحكم لخدمة مشروع حركة الإخوان المسلمين كأولوية على أي مشروع وطني او قومي عربي،فهي لا تعترف بالمصالح الوطنية او القومية لأي قطر عربي،بل مصلحة الجماعة (الإخوان) فوق أي اعتبار،وجرى التشارك مع مشيخات النفط والغاز الخليجية (مال وبترودولار(،وفتاوي "فقه" البداوة من اجل حفظ عروشها وممالكها واقطاعياتها من أي اهتزازات او تأثيرات لما يحدث في المنطقة العربية،مقابل مشاركتها في هذا المشروع تمويلاً وتسليحاً وضخ بشري لكل أشكال وانواع الجماعات الإرهابية بمسمياتها المختلفة العناوين والأسماء لنفس المنتج الوهابي التكفيري،وفي إطار الواقع الملموس وجدنا كيف ان ليبيا التي تم فيها الإطاحة بموافقة ومشاركة امريكية واوروبية غربية بالديكتاتور الراحل معمر القذافي،تلك البلد المفتقرة الى مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة،والتي هي اقرب الى العشائرية والقبلية منها لدولة مركزية،فما ان غادر القذافي،حتى دخلت ليبيا في اتون حروب عشائرية وقبلية،وصراعات بين المليشيات المسلحة والمافيات متعددة الولاءات والإنتماءات على السلطة والنفوذ والثروات،ودخلت ليبيا مرحلة التقسيم الفعلي،وأصبحت ملاذاً لكل أشكال وانواع العصابات والقتلة والمجرمين،ولتزداد مأساة الشعب الليبي جوعاً وفقراً وتخلفاً وجهلاً،ولتصبح الدولة المنتجة والمصدرة للنفط مستوردة له،وتفتقر للأمن والأمان.
اما في العراق فخطر التقسيم تحول الى واقع فعلي.....فأمريكا نائب رئيسها جو بايدن يتحدث عن التقسيم...والبرزاني أثناء وجوده في أمريكا،مقتنصاً فرصة الموقف الأمريكي هذا يقول بأن الفرصة مؤاتية لدولة كردية.....وكذلك هي العشائر والقبائل السنية يستهويها التقسيم،وهناك من يغذي هذا التقسيم من المحيط العربي قبل غيره،يضاف لذلك المسلمون السنة يعانون من أزمة هوية وتمثيل وقيادة وتعدد الولاءات،في حين النظام السياسي القائم والمركبات السياسية الداعمة له،يبدو أن قدراتها على لجم "داعش" ومنع تمددها ودحرها محدودة،وخصوصاً بأن ما يسمى بقوى التحالف لا تستهدف تصفية "داعش" بقدر ما تعمل على تدجينها،وبقاءها مهددة للإستقرار في العراق خدمة لمشروعها في المنطقة
اما سوريا فهي المستهدفة بشكل أساسي بهذه المشاريع الإستعمارية،لكون سوريا تشكل القاعدة المتقدمة للمشروع القومي العربي في المنطقة،وهي من حضنت قوى المقاومة ودعمتها بغض النظر عن انتماءاتها وهويتها السياسية والفكرية،وكذلك سوريا لها اهميتها الجغرافية والسياسية عربياً وإقليمياً ودولياً،ومن هنا كان الرهان الأمريكي- الإسرائيلي- التركي- الخليجي العربي،على كسر وسقوط الحلقة السورية من اجل الإجهاز النهائي على المشروع القومي العربي،ولكن صمود الحلقة السورية،بعثر أوراق الحلف المعادي فتارة يتحدثون عن خيار حل سياسي ببقاء الرئيس الأسد وتارة اخرى يتحدثون عن حل عسكري ينهي حكم الرئيس الأسد، ولعل ما حدث مؤخراً من إندفاعات كبيرة لألآف من القوى الإرهابية من شيشان وتركمان وعرب واجانب،بدعم غير مسبوق عسكرياً ومالياً ولوجستياً واستخبارتياً واعلامياً من قبل جماعة التتريك ومشيخات النفط السعودية وقطر على وجه التحديد،كان يستهدف قلب الموازين العسكرية على الأرض،وخلق مناخات إحباطية في الشارع السوري،مترافقاً مع حملة مضللة عن قرب سقوط النظام السوري،ولكن تلك الحملة التي تشبه ما يسمى بعاصفة " الحزم" السعودي على اليمن فشلت،وإن حققت سيطرة على ادلب والشاغور،لكنها في الميزان العسكري العام لم تحدث أي اختراق جدي،بل ما يجري في القلمون من عملية تطهير لأوكار الجماعات الإرهابية من نصرة وجماعة الفتح وغيرها من التشكيلات الإرهابية،يؤكد بأن النظام وحزب الله مقبلان على معارك طاحنة مع تلك القوى،إنتصارهما فيها يفتح الطريق لعملية تنظيف شاملة للوطن من كل دنس تلك الجماعات الإرهابية،وإن كانت مدة الحسم ستطول،ولكنها ستشكل عمق استراتيجي لقوى المقاومة في مواجهة "اسرائيل" وادواتها في المنطقة.
واليمن ليست بالبعيدة عن هذا الواقع حيث حرب مضى عليها أكثر من ستة أسابيع لا تبقي ولا تذر حرب ابادة ترتكبها السعودية ضد فقراء اليمن،تطال كل شيء مؤسسات مدنية وعسكرية وبنى تحتية ومؤسسات تعليمية ومطارات وموانيء ومشافي،وحتى المساجد لم تسلم من التدمير،ورغم كل الجرائم المرتكبة،ووصول الوضع في اليمن الى مستوى الكارثة الإنسانية،حيث تمنع السعودية بحصارها وقصفها وصول المواد الطبية والإنسانية، ولكن رغم كل ذلك لم يستسلم الحوثيين،ولم يرفعوا الراية البيضاء،ولم ينسحبوا من مراكز المدن،بل يستمرون في التقدم لإحكام السيطرة على الوضع واليمن بشكل كلي،ولم تنجح السعودية بإعادة هادي،أو إجبار الحوثيين على الحوار تحت الحراب في الرياض او أي عاصمة خليجية أخرى تحددها الرياض،بل الحوثيون يستوعبون الضربات السعودية،وينتقلون لمرحلة الرد،وبما يؤكد بأنهم سيكونوا قادرين على فرض شروطهم في التفاوض،ولا مجال لأن يكون اليمن ما قبل ما يسمى ب"عاصفة الحزم"،كما هو عليه بعدها،فلن يكون هناك نظام "كرتوني" يمني يتلقى أوامره مباشرة من الرياض،بل هناك حرب ستطول ستدفع السعودية ثمنها مالآ ورجالاً،وحتى خروجاً على النظام بما يهدد بقاؤه واستمراره،وتشكيل خطراً على وحدته الجغرافية والمجتمعية.
لبنان أيضاً له مشاكله وازمات المتعددة والكثيرة،فلا مشكلة الرئاسة لها حل قريب،حيث الخلافات العربية والإقليمية والدولية تمنع ذلك،وكذلك الأوضاع الأمنية سواء في الداخل أو ما يجري على الحدود مع سوريا،وخطر انتقال الجماعات الإرهابية للبنان،وتفجير الأوضاع الداخلية والأمنية الهشة،وتهديد السلم الأهلي والإجتماعي،ودفع لبنان نحو الاحتراب الطائفي والمذهبي... وإذا كان هذا البلد الصغير قد نجا نسبياً حتى الآن، بفعل "شبكة الأمان" الإقليمية الدولية التي توفر عليها، فليس من المؤكد أن يستمر الحال على حاله، خصوصاً إذا ما تفاقمت الأزمة وبلغ الصراع نقطة "اللا-عودة" او لحظة تكسير العظام.
على الجبهة الفلسطينية نفس المشهد وعلى نحو أسوء،حكومة يمينية متطرفة،تبدد أي آمال بحل للدولتين،بل نتنياهو سيكرس جهد ووقته لتوسيع وتعميق ومواصلة الإستيطان والتهويد،دون الإلتفات لأي مبادرات هنا او هناك فهو يعرف حدود سقفها،وهي تأتي في إطار وسياقات إدارة الأزمة وليس حلها،... أما ملف المصالحة الفلسطينية الداخلية،فهو لا يتقدم،بل الإنقسام يطول ويتعمق ويتسيد بفعل الصراع بين طرف الإنقسام على اقتسام كعكة سلطة خالية من الدسم،وكذلك سياسات المحاور والأجندات والتدخلات العربية والإقليمية لها دور كبير في هذا الشأن.
الأمور قد تندفع الى ما هو أبعد من ذلك على خلفية الصراع في سوريا واليمن،نحو حرب إقليمية شاملة،لا يبقى فيها القرار والمشاركة للوكلاء،بل مشاركة فعلية من قبل الأطراف المتصارعة ايران من جهة والسعودية و"اسرائيل" من جهة أخرى.
0 comments:
إرسال تعليق