نعيب على القوى التكفيرية والسلفية ممارساتها القمعية في الغاء الآخر الحداثي والعصري، ونختلف معها جذريا وهي تمارس العنف والارهاب في فرض فكرها الظلامي، مستغلة بذلك الدين الذي صارت -هذه القوى- بإسمه ترتكب الجرائم وتجر المجتمعات التي تستولي عليها كما نشهد في سوريا الى خارج التاريخ الانساني.
ولا نحسب الخطوات التي أقدمت عليها السلطات الثقافية السعودية بمنع مئات العناوين لكتب مشاركة في معرض الرياض للكتاب بذريعة مخالفتها للمفاهيم الدينية والسياسية والفكرية السائدة في المملكة، الا من ضمن هذا الفكر الظلامي التكفيري، الذي لا يريد الإعتراف بفكر الآخر. بل نرى في هذه الخطوات بأنها الأخطر لأنها تسري تحت مظلة قانون في دولة ذات سيادة وتقيم علاقات تحالفية مع أكبر دولة عصرية تعتبر الدفاع عن الحرية والديمقراطية قضيتها الاولى.
ما أقدمت عليه السلطات الثقافية السعودية يعتبر خطوة الى الوراء. خبط في الظلام، يضاف الى سجلها الأسوَد الذي إن بدأ من منع المرأة من قيادة السيارة، فأنه لن ينتهي الى منع كتب فكرية ودواوين شعرية لرواد محسوبين على الحداثة العربية.
والتركيز على بعض الألفاظ في قصائد محمود درويش لأعلان زندقته ما هو الا عين الزندقة التي لا ترى في شعر درويش بأنه حمل القضية الفلسطينية بكل أبعادها السياسية والانسانية.
كانت سلطات الاحتلال الاسرائيلية في وقت من أوقات عطاءه الابداعي تمنع قصائد درويش لاسباب احتلالية ولاخفاء وجهها القبيح الذي كانت تصوّره القصائد، فأين يتقاطع رجال المحتسبة السعوديون مع مقص الرقيب الاحتلالي؟
ان كميات الكتب التي منعت اثناء المعرض، وتلك التي منعت من الدخول سلفا الى المملكة تعتبر بمثابة مجزرة ثقافية ضحيتها الفكر التنويري والنهضوي المتجدد والذي يساير روح العصر. وكأن برجال الشرطة الدينية الذين جالوا بشكل مكثّف في أروقة المعرض يريدون ان يحييوا عصر محاكم التفتيش سيئة الصيت التي أسّستها الكنيسة الكاثوليكية ونشطت في القرنين السادس والسابع عشر في محاربة اي فكر جديد لا يتوافق مع الكنيسة ونعتته بالهرطقة. وفي وقت من الاوقات أُستعملت هذه المحاكم كأداة سياسية لملاحقة المعارضين لحكم الامراء والملوك.
فأية ثقافة تريدها المملكة، وسجلها الدولي ملطخّ بخرقها قوانين حقوق الانسان، وخاصة حقوق المرأة التي تمنع عنها حريتها، وأي فكر وسلطاتها تكمم الافواه وتقف بالمرصاد لحرية التعبير وتحاكم المدوّنين المعارضين داخل بلادها، فيما هي مع الحرية والديمقراطية في دول عربية أخرى.. مثل سوريا.
هذه الازدواجية السياسية في تكييل المعايير لا تبدو مقنعة، وليست هي الطريق الى ثقافة ترفع من شأن المجتمع السعودي الى مثال عصري يمكن ان تتباهى به المملكة كما هي تتباهى بالشوارع والعمران الشاهق.. والمليارات التي تبذر بكل سفاهة. ثم يتحدثون في المملكة عن ثقافة سائدة، أي ثقافة؟!
* كاتب فلسطيني
0 comments:
إرسال تعليق