اعتادت دولة الإحتلال
أن تحقق إنتصاراتٍ مدويَّة في معركتها مع الشعب الفلسطيني داخل الأمم المتحدة، فهي
التي انتزعت اعترافاً دولياً مزيفاً بوجودها وإن كان مشروطاً، وهي التي تتنكر
للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني على مدى سنوات إنشائها في العام 1949 مدعومة من قبل
الدول الحلفاء في المؤسسة الدولية..، إلا أن المعركة الطاحنة الإعلامية السياسية
والدبلوماسية والقانونية التي انتصر فيها مركز العودة الفلسطيني في لندن بتحقيقه
اعترافاً أممياً بعضويته في الهيئة الإستشارية للمجلس الإقتصادي والإجتماعي التابع
للأمم المتحدة، قد أعاد الموزين وخلط الأوراق من جديد خاصة ان اللوبي الصهيوني وفي
حملة شعواء إعلامية وسياسية وقانونية ودبلوماسية استخدم فيها جميع أدواته وعلاقاته
ومحاولات الضغط على الدول لعدم التصويت لصالح القرار قد باءت جميعها بالفشل..!
أن يصبح المركز
في هذا المكان داخل المنظومة الدولية، وأن يكون أول منظمة غير حكومية إستراتيجيتها
حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم داخل فلسطين المحتلة عام 48، هذا يعني بأنه
قد بات بالإمكان التواصل المباشر مع الدول والمنظمات الأعضاء لتأصيل وشرح وتقديم الرواية
الفلسطينية الحقيقية بأبعادها المختلفة وبلسان اللاجئين أنفسهم بعد أن كانت تُسمع
من قبل الرسميين فقط، ومسرحاَ مفتوحاً ومشرعاً للرواية الصهيونية المزيفة على لسان
ممثلي دولة الإحتلال في المنظومة الدولية والحلفاء، وأصبح بامكان المركز أن يدخل إلى
مقرات الأمم المتحدة ويشارك في الندوات والمؤتمرات والمحاضرات.. التي تعقد في
اروقة المنظمة الدولية وينظم الأنشطة المماثلة..!
بتحقيق هذه
الخطوة المتقدمة لفلسطين، تكون قد سقطت هالة التأثير المتميز لنفوذ دولة الإحتلال
في الأمم المتحدة، وهي لا تقل أهمية عن سقوط هالة "الجيش الذي لا يقهر"
والذي تغنى بها الإحتلال الإسرائيلي لعقود كـ "بعبع" يخيف به دول
المنطقة، فقد سقطت تلك المقولة أمام ضربات المقاومة الفلسطينية واللبنانية وتحولت
دبابة الميركافا الأسطورة العسكرية لجيش الإحتلال إلى كرة تتقاذفها أقدام
المقاومين، وتحول الجندي الصهيوني المدجج بأحدث أنواع الأسلحة المدعومة من أمريكا
وغيرها من الدول العظمى الى فأر يهرب من الميدان أمام ذكاء ودهاء وابداعات
المقاومة وتغيير كفة الموازين..!
يشكل هذا الإنتصار
التاريخي للشعب الفلسطيني والإختراق غير المسبوق، بارقة أمل لأكثر من ثمانية
ملايين لاجئ فلسطيني في أماكن اللجوء والشتات ليس لهم من مطلب سوى العودة وسيفتح
الباب أمام محاولات جديدة لمنظمات غير حكومية أخرى للسير على نفس الخطى، وهذا ما
نتطلع إليه كلاجئين فلسطينيين، فعصر المعجزات قد ولّى وحل محله عصر المعادلات،
والخاسر من بحساباته خلل، وقناعتي - وبشكل نسبي- أن الخلل فينا أفراداً ومجموعات،
نتحرك ولكن قلما نحسن الرماية فيتكرر الحراك ويتكرر وتغمرنا نشوة منفصلة لا تلبث
إلا أن تتبخر.. لماذا؟ لأن الحراك ينبع من الذات وردات الفعل وليس بالوعي والقرار
الجماعي الفاعل والمتفاعل المبني على أسس إستراتيجية، وهو بالضبط سر إحباطاتنا
المتتابعة، لكن الذي حققه مركز العودة يعتبر استثناءً بعد حوالي العشرين سنة من
العمل الدؤوب..!
تم تصنيف المركز
إرهابياً منذ العام 2010 وعلى لسان "وزير الدفاع" الإسرائيلي آنذاك
ايهودا باراك، ومنذ ذلك الحين وحملات التشويه التي يقودها الكيان الصهيوني بحق
المركز لا تتوقف، ومارس نفوذه لتعطيل التصويت منذ خمسة سنوات هو تاريخ تقديم طلب
الإنضمام، متهماَ المركز بدعم الإرهاب وارتباطه بحركة حماس، إلا أن جميع تلك الادعاءات
قد سقطت. تلقى الكيان الصفعة الاولى صبيحة الأول من حزيران/يونيو 2015 حين حصل المركز على توصية بمنحه عضوية "المركز الإستشاري
في المجلس الإقتصادي والإجتماعي التابع للأمم المتحدة كمنظمة غير حكومية" بعد
حصوله على 12 صوت ومعارضة 3 وامتناع 3 وغياب دولة واحدة. ولم يكد حبر
"التوصية" أن يجف إلا وبدأت معه الماكينة الإعلامية الصهيونية بحملات
التشويه وحرف البوصلة والمسار..، إلا أن وخلال هذه الفترة ما ين الأول من حزيران/يونيو
ومساء العشرين من شهر تموز/يوليو 2015 تاريخ المصادقة النهائية على انضمام المركز،
كان اللعب متشعباً وعلى مستوى الكبار، فقد وقَّع أكثر من مائة برلماني أوروبي على مذكرة
تدعم إنضمام المركز إلى الهيئة الإستشارية وهي لا شك إضافة نوعية هامة في سياق دور
الندية التي يمارسها المركز لا بل يُظهر مؤشر الحجم في توضيح والتأثير وإقناع
الدول والنخب وصناع القرار بأهمية انضمام المركز وفضح زيف وتشويه ما يقوم به
اللوبي الصهيوني..!
لا شك بان دولة
الاحتلال قد تلقت ضربة قاسمة، فقد اصبح في الملعب الدولي أكثر من لاعب، وبعد أن أيدت
16 دولة انضمام المركز منها روسيا والصين والسودان وجنوب إفريقيا والبرازيل والأرجنتين
وباكستان وتونس والكويت..، وصوتت 13 دولة ضد الإنضمام منها أمريكا وبريطانيا وإيطاليا
واليونان واستراليا والنمسا وفرنسا..، وامتنعت 18 دولة عن التصويت منها اليابان
والهند والسويد وسويسرا.. يرفع من سقف التحدي لمركز العودة والشعب الفلسطيني لتحقيق
الأهداف الإستراتيجية، ويضع الجميع أمام المزيد من الإستحقاقات والسيناريوهات من
العدو والصديق..!
*كاتب
وباحث في الشأن الفلسطيني
بيروت
في 21/7/2015
0 comments:
إرسال تعليق