غزة إلى أين؟!/ سامي الأخرس


شغلتنا كثيراً الأمور السياسية العامة بين المصالحة الوطنية المفقودة في صحراء التيه الحزبية الحمساوية الفتحاوية، واستحقاق أيلول الذي بأحسن أحواله لن يخرج عن مكاسب إعلامية لن تفيد أو تجدي بالواقع الفلسطيني سوى مزيداً من الغموض، وتهنا بين القضيتين في التحليلات والإستفاضة في دراسة أمريهما والتسابق فيما بيننا في تحقيق شيء يحسب لنا كأصحاب أقلام، ومواقف وآراء، متناسين الجانب الأهم في الرابط بين السياسة والإجتماع، وهذا دؤبنا في الآونة الأخيرة حيث أن الخشية من طرفي الإنقسام جعلتنا نرى الأمور بعين واحدة لا ترى سوى نصف الحقيقة، وتعطيل باقي حواسنا الأخرى عن إستدراك حقيقة الأمور الاجتماعية في غزة البقعة التي تحوينا على أقل قدر.
تغتصبنا الآه التي نتجرع علقمها لحظة تلو أخرى دون أن نستطيع الصراخ من الألم تحت دعاوي من وهم خيالنا بأن الوقت وقت مصلحة وطنية عليا، علينا أن ننحي به القضايا الإجتماعية الأخرى جانباً لكي نستطيع إنجاز الأهم في مسيرتنا الوطنية التي تركل من قدم لقدم في ملعب حماس وفتح، فأصبحنا أشبه بأمراء الأقلام، الذين يخدعون ويخادعون شعبهم في لحظة غفوة من الوعي الإجتماعي والشعبي الذي يستصرخ من ضنك الحياة.
لست بصدد تناول البطالة كآفة اجتماعية ضربت جذور الحياة الفلسطينية في غزة، وجعلت من البيوت عروش مشيدة بالخراب والدمار والجوع وخاصة في شهر رمضان المبارك، وإفترست جيل من الشباب أغلقت بوجهة كل الأبواب والسبل لحياة كريمة، فلم يجد فسحة من الحياة حتى بالتعبير عن ألمه، فإن صرخ يتهم بالتآمر على الحكومة، أو الإنتماء لرام الله، بالرغم من أن هذا الكبت يخلق حالة من الإنفجار مهما تم قمعها، وما الحالة العربية الثورية الحالية إلا جزء منها التمرد على الواقع الإجتماعي المذري الذي وجدت به الشعوب العربية، في أوج الفقر والبطالة والإضطهاد، ولكن هل يعقلون؟!!!
غزة مدينتا الصغيرة الجميلة بالعذابات، المنهارة كلياً بخدماتها الإجتماعية، والتي تعيش تحت رحمة الشركات الإستثمارية الكبرى أمثال شركة الطاقة الفلسطينية التي تستنزف العقل والوجدان بأساليبها القهرية الممارسة ضد المواطن الغزاوي من خلال قطع التيار الكهربائي يومياً لأكثر من عشر ساعات متواصلة، وفصل متقطع يتجاوز الخمسة ساعات أخرى، مع التمايز بين المناطق في فصل الكهرباء حسب المنطقة ومن يقطنها، وهل يوجد بمنطقة ما مسؤول أو عناصر تابعين للحزب الحاكم ولهم سطوتهم على الشركة أم لا؟ بالرغم من أنه لا يوجد مشكلة في مصادر التيار الكهربائي حيث أن ثمن الكهرباء يتم استقطاعه من رواتب الموظفين بضعف الفاتورة الأصلية أي بمبلغ(170 شيكل) من كل موظف، مع العلم أن العديد من المنازل بها أكثر من موظف وربما ثلاثة أو أربعه، وإستهلاكها الشهري للكهرباء لا يتجاوز (100 شيكل) أي أن المواطن مدين للشركة بمبالغ كبرى، وهذا وسط صمت ورضى حركة حماس وحكومتها، لأنها هي المستفيد من ما يدفع لها من شركة الكهرباء كضرائب، وما دامت الضرائب تذهب لصندوق الحكومة، فالشعب يحرق بلهب تموز، ويصوم على الشوم ويفطر على الشموع، فلم ينتخبها الشعب إلا لتحقيق الإنقسام، وإستحلابه بالضرائب التي تدخل جميعها صندوق الحكومة ولا يصرف منها على البنى التحتية شيء، بل هي لرفاهية الحكومة وعناصر حركة حماس فقط.
ليت الأمر يقتصر عند هذا الموضوع، لبررناه بالحصار المبرر الأقوى لنا ولكل الجباه والمتلاعبين بقضيتنا، ولكن الأمور أصبحت تنطبق على كل الشركات الخاصة التي تستحلب المواطن، فمثلاً وبقضية موازية لقضية الكهرباء هاي هي شركة الإتصالات الفلسطينية، تقدم خدماتها بأسعار مضاعفة للمواطن مثلاً كخدمة الإنترنت التي تقدم بأسعار مرتفعة جداً، وخدمة رديئة جداً، حيث تقوم الشركة بتقديم خدماتها لكل من يطلب دون تطوير هذه الخدمات أو توسيع مجالها، وكل ما يعنيها أن تقدم تقريرها السنوي للمساهمين بنسبة أرباح تضاهي أكبر الشركات العالمية، ونفس الشيء ينطبق على الحكومة صمت القبور لأنها تجبي الضرائب من هذه الشركة، وتحقق مكتسبات تملئ صندوقها بالأرباح والدولارات والعملات الصعبة، وهو الهدف المبتغى والمراد، والمواطن لمن يشكو عملاً بالمثل " لمين أشكيك يلي أبوك الحكومة"، وهو نفس ما ينطبق على شركة جوال الإتصالات الخليوية التي تقدم خدماتها بأغلى الأسعار، دون السعي أو المحاولة لتطوير هذه الخدمات في ظل سياسة الإحتكار الممارسة، والسلطة الغريبة التي تتمتع بها شركة جوال في الحكومتين، وسط صمت القبور أيضاً.
هذا الجانب يقابلة أو يحاذيه إرتفاع مرعب ومخيف بالأسعار الإستهلاكية والخدماتية، بالرغم أن معدلات الفقر تفترس الواقع الغزاوي، والمساعدات التي يعايرنا العرب بها والعالم بجلبها لغزة، تذهب لجميعات النهب المدنية التي تعمل تحت مسمع ومبصر الحكومة دون حراك، لأنها تقاسمهم بهذا النهب الممارس، ولم تكلف نفسها بسؤال مدير أو مديرة جميعة أو مؤسسة مدنية من اين لك هذه الثروات التي تراكمت؟ ومن أين هذه العقارات التي تسجل بإسم هذه الجميعة وإستعمالاتها للقائمين المعتمدين عليها فقط، مثل السيارات وأجهزة الكمبيوتر، وغيرها الكثير الكثير من مبوقات اللصوص.
لم يعد بنا أن نكتب ونحلل سياسة ونحن نرى بأم العين أحوال أهلنا في غزة، في ضنك الحياة والقمع والترهيب، والإبتزاز لكل مقومات حياتهم، وهؤلاء ممن يدعون الثقافة يخادعون ويخدعون شعبنا بالكتابة بإسم السياسة والتحليلات السياسية، شأنهم شأن الأحزاب الخرساء التي تدعي إنها معارضة ووطنية ومقاتلة، وهي فعلاً وعملاً شريكة بما إنها تتمتع بكل الإمتيازات الحياتية والسياسية والإجتماعية.
لم يعد لدينا مجال للصمت أمام نهب الحكومة وإستبدادها، وفرضها الضرائب المرعبة والمخيفة ضد شعب لا فرص للحياة لديه، ونهب مساعداته وبيعها أو توزيعها على من يبدون الولاء والبراء لعصاة الجلاد، كما لم يعد لدينا مجال للصمت ضد شركات البغو والإحتكار مثل " شركة الطاقة، وشركة الإتصالات، وشركة جوال"، وكذلك ضد البلديات التي لم تقم بأي مشاريع حيوية لصالح المدن سوى القيام بمشاريع إستثمارية تدر على خزائنها الضرائب والمدخولات، وللناظر بحياد يذهب لبحر محافظة رفح ويتجول في محافظة رفح ليرى بأم عينه البنى التحتية للمدينة والحال التي وصلت إليه.
ولنا بقية للحديث

CONVERSATION

0 comments: