المناضل ناصر ابوخضير ذلك الرجل في الزمن الرديء/ راسم عبيدات


...... الرفيق المناضل ناصر ابوخضير من قرية شعفاط في القدس،والقابع في سجون الاحتلال الآن،والذي ترافقت أنا وإياه والمرحوم الدكتور احمد المسلماني في أكثر من "رحلة" اعتقالية عشناها بحلوها ومرها،يعود قسراً اليوم إلى سجنه بدوننا فالرفيق احمد اختطفه الموت مبكراً،وكان رحيله المبكر هذا خسارة كبيرة وثقيلة علي شخصياً وعلى مؤسسة لجان العمل الصحي التي بغيابه غابت فيها وعنها العديد من القيم والمبادئ التي غرسها وناضل من أجلها وكذلك غيابه كان خسارة للقدس التي بكته وودعته بالآلاف يوم رحيله،أما أنا فقد طحنتني الحياة والتفت إلى هموم ومشاكل مجتمعية وجماهيرية،وبقي الناصر حاملاً للراية في هذا الزمن الرديء رافعاً شعار هذا زمن المغارم لا زمن المغانم،زمن فيه القابض على المبدأ كالقابض على الجمر،ومن المفارقات العجيبة هنا أننا عندما اعتقلنا معاً في حزيران/ 2005 وعزلنا الاحتلال عن قصد وعمد في معتقل المسكوبية مع الأسرى الجنائيين كنوع من العقاب وزيادة في إذلالنا وامتهان كرامتنا،كان الأسرى الجنائيين متعجبين ومستغربين أن يكون هناك أسرى أمنيين وفي هذا العمر،على اعتبار أن أعمارنا جاوزت العقد الخامس،وكنا نسمعهم يقولون " في حدا في هالزمن بيجي على السجن أمني"،وكلامهم معناه أن مرحلة الانهيار هذه وما حمله أوسلو لشعبنا من دمار وانهيار قيمي وأخلاقي وتفكك وتحلل تنظيمي وسياسي واجتماعي،عكس نفسه سلباً على كل أبناء شعبنا الفلسطيني،بحيث أضحى الانتماء الوطني ومقاومة الاحتلال مسبة وشتيمة،واذكر أنا شخصياً عندما اعتقلت أن هناك من محيطنا الاجتماعي من كان يقول للأهل والعائلة "بستاهل اي هوه شو ضايع لوه،واللي بنسجن في هالزمن بتروح عليه" وأن أتفهم ان تصدر مثل هذه الأقاويل عن معتقلين جنائيين وأناس بسطاء ،ولكن في اعتقال ناصر الأخير هو وغيره تعالت الكثير من الأصوات المنددة والشاجبة حتى في الدوائر القريبة،والمنتقدة لناصر والساخطة عليه،وكأن ناصر ارتكب جريمة او حمل عاراً،وتلك الانتقادات لم تصدر عن معتقلين جنائيين وأناس بسطاء،بل من قيادات وكادرات وطنية ومجتمعية،وهذا يدلل على مدى حالة الانهيار التي وصلتها الحالة الفلسطينية،وهنا اشدد أن السبب الرئيس والمباشر هنا هو أوسلو الذي قال عنه بيرس ثعلب السياسة الإسرائيلية أنه الانتصار الثاني لدولة إسرائيل،وثانياً حالة الانقسام الفلسطينية،وثالثاُ ما مثلته السلطة القائمة من نموذج يفتقر الى المصداقية والطموح وعدم قدرتها على حماية أمن الوطن والمواطن،ناهيك عن تنامي حالة التجييش القبلي والجهوي والعشائري في المجتمع الفلسطيني،في ظل سلطة احتضنت وخدمة تلك المليشيات،ناهيك عن تنامي واتساع ظاهرة الفساد والذي وصل حد المأسسة والتنظيم والهيكلة.

ناصر قضى أكثر من ثلاثين عاماً في مقاومة ومقارعة الاحتلال،لم يكن ولن يستكين،وهو بالمناسبة ينتمي الى عائلة وأسرة مناضلة،حيث الكثير من أبناء العائلة عرفوا طريقهم الى سجون الاحتلال،كما هو الحال عندنا في العائلة،وكذلك أسرته فزوجته المناضلة عبير،اعتقلت أكثر من مرة وتحملت الكثير الكثير،وذاقت مرارة التعذيب والقيد والتحقيق والسجن،ومثلت حالة صمود وتحدي قل نظيرها في المجتمع الفلسطيني،وشهادة حق فهي امرأة بعشرة رجال،امرأة تمتلك الجرأة والشجاعة ولا تخشى من قول الحقيقة،وأحياناً يكون ظلم ذوي القربى لتلك المرأة أشد أثراً عليها من ظلم الاحتلال،وهي تنكر ذاتها في سبيل مصلحة المجموع،وكذلك هن بنات ناصر وشقيقاته وأسرته.

ناصر دائماً في حالة ثورة وغضب،ثورة على الواقع على الاحتلال على الحركة الوطنية على الحزب،وهو عصبي حاد المزاج يثور بسرعة ويخرج في بعض الأحيان عن طوره،ولكنه سرعان ما يهدأ ويعود كالحمل الوديع،وبحكم ما ربطتني به من صداقة وعلاقة اجتماعية ،فأنا أعترف بأننا كنا أنا والمرحوم الدكتور المسلماني وفي إطار قتل الوقت في معتقل المسكوبية نستفز ناصر الى أقصى حد حتى يخرج عن طوره،وأيضاً في جلسات السمر كنا نقول له تعال يا ابو عنان نستعرض الأيام الخوالي،ويبدأ ابو العنان بسرد القصص والمغامرات وما أن ينهي حتى يقول جاء دوركم الآن فنقوم بتغير الموضوع،وهنا يعصب ويقول بستاهل ما أنا مسحوب من لساني،ومن الطرائف التي حصلت معنا في المعتقل،فقد كنا في المسكوبية بعد جلسة محكمة نستعد للصعود الى سيارة"البوسطة" والتي قبل صعودها نتعرض إلى جولة تفتيش جسدي والذي كان يقوم بالتفتيش جندي من الفلاشا،ومن ضمن ما كان يسألني "وين ساكن" وبما أنه لا يجيد اللفظ بشكل سليم وكرر السؤال أكثر من مرة" وأنا أكثر من مرة قلت له ليس لدي سكين،وأثار غضبي فقلت له حل عن "بي.." ليس لدي سكين ،فتدخل أبو العنان وقال لي أنه يسألك وين ساكن،وأبو عنان قال فرصة ولاحت يا ابوشادي،فما أن عدنا الى معتقل عسقلان،وخرجنا الى "فورة السجن" ساحة التنزه ،وإذا أبو عنان يجمع الأسرى القدماء من حوله فخري ونائل البرغوثي والقرعوش وابو الناجي وفيصل ابو الرب وغيرهم ويروي لهم ما حصل معي في التفتيش في المسكوبية،وفي حادثة أخرى وأثناء مكوثنا في غرفة 10 في المسكوبية تمهيداً للسفر الى سجن عسقلان بعد المحكمة،كنت قد قمت بتهريب زجاجة دواء سائل للسكري،وكنت محتاراً في كيفية إخفاءها وإدخالها،وتطوع الرفيق ناصر وقال أنا لدي دواء لقطرة الأذن وأجيد العبرية فسأخفيها وأنقلها لك،وعندما وصلنا الى سجن عسقلان ووضعونا في القفص تمهيداً لإدخالنا الى السجن،وكان المسؤول عن القفص واحد من الجنود الهنود الذي كان بينه وبين ناصر مشكلة،حيث تعمد تأخير إدخال ناصر رغم محاولته الدخول،وبقي آخر معتقل ناصر وفي أثناء التفتيش عثروا على قنينة دواء السكري،وأخذوها للفحص،وهم كانوا يحضرون لقمعة لناصر،فما أن دخل الغرفة حتى عادوا وأخرجوه منها،وأبلغوه بأنه قام بتهريب مادة أستون لعمل مادة متفجرة،ورغم الحديث عن أن هذه دواء للسكري إلا أنه عوقب لمدة ثلاثة أيام في الزنزانة على هذه الخلفية،وتعرض لمحاولة للاعتداء عليه من قبل السجانين.

وناصر يبقى مناضلاً صلباً وعنيداً،غيوراً على شعبه وبلده وقدسه،قدسه التي كان يتألم كثيراً،عندما أصبح يرى أن الحثالات تصول وتجول فيها،وأن الجراذين في زمن الردة أصبحت تطل برؤوسها علناً من جحورها وتنتظم في مليشيات وعصابات تمارس البلطجة والزعرنة على المواطنين تعتدي على ممتلكاتهم وأرضهم،تزور وتعربد وتستولي على أراض الناس البسطاء والغلابا،بدعم الاحتلال ومساندته،وجهات نافذة عشائريا وسلطوياً،وناصر لقاء مواقفه ووقوفه ضد تلك العصابات والمليشيات يدفع الثمن سجناً وسنوات من عمره،ولكن رغم كل ذلك يبقى ابو العنان مشعلاَ من مشاعل الحرية،ليس بحاجة لشهادة من أحد،ومن يريد المزايدة على أبو العنان فها هو الميدان رحب وواسع،فطريق النضال طويل وشاق ومحفوف بالمخاطر والأخطاء.


CONVERSATION

0 comments: