أربعون عاماً من المقاومة والممانعة ما بين تل الزعتر والرمل/ محمد فاروق الإمام

أربعون عاماً ونحن والعرب والعالم نسمع عن ممانعة النظام السوري ومقاومته لمخططات الدولة العبرية والصمود في وجهها، ودعمه لفصائل المقاومة الفلسطينية واحتضانها، ودعم المقاومة اللبنانية وتمرير السلاح الصفوي لها عبر الأراضي السورية، والسوريون بما فيهم الطبقة الحاكمة والدائرين في فلكها، دون البسطاء منهم والجهلة وأنصاف المتعلمين وهم الغالبية العظمى ممن ينتمون لهذا النظام، ومعظم الفلسطينيين والعرب يعرف بطلان هذه الدعاوي وكذب هذه الأقاويل التي لا تتجاوز الشعارات والأغاني والأفلام والمسلسلات والمسرحيات والاحتفالات والمؤتمرات والمسيرات المبرمجة، التي تحمل صور بشار وأعلام البعث والعلم السوري المنبطح على رؤؤس المسيّرين لمسافة أميال، إمعاناً في إذلال هذا العلم الذي لم ينبطح مثل هذا الانبطاح المذل المخجل إلا في عهد نظام المقاومة والممانعة بعد أن سهل وزير الدفاع، الرئيس الراحل فيما بعد (1970-2000)، اللواء حافظ الأسد للصهاينة أن يدوسوه بنعالهم في الخامس من حزيران عام 1967 بعد تسليمه القنيطرة لهم والانسحاب من مرتفعات الجولان دون دفع أو مدافعة.
كما قلت السوريون يعرفون حقيقة هذا النظام المقاوم والممانع، وما جعلهم يصمتون على تلك الأكاذيب كل هذه السنين تلويح النظام بمناسبة وبغير مناسبة بالعصا الأمنية الغليظة التي يمتلكها، وقد ذاق السورين فعلها على ظهورهم حتى تقوست في السجون والمعتقلات والمنافي، ونزفت دماؤهم أنهاراً في مجازر ومذابح وحشية راح ضحيتها ما بين عامي 1980-1982 أكثر من أربعين ألفاً، واختفى في السجون ما يزيد على عشرين ألفاً، لم يعرف لهم أثر هل هم في عالم الأحياء أم الأموات حتى اليوم ونحن في العام 2011.
السوريون يعرفون أين كانت الساحات التي كان النظام السوري يمانع فيها ويقاوم، إنها ساحات المخيمات الفلسطينية في لبنان وسورية، فقد حاصرت قوات حافظ الأسد، التي دخلت لبنان بحجة وقف الحرب الأهلية فيه، مخيم تل الزعتر الذي يضم ثلاثين ألفاً من الفلسطينيين حتى سقط في (12 /8 /1976 ) بعد حصار دام اثنين وخمسين يوماً من الحصار الوحشي، وقد مات فيه حوالي ثلاثة آلاف مدني معظمهم ذبحوا بعد سقوطه، كما يروي الكاتب البريطاني باتريك سل في كتابه (الأسد.. الصراع على الشرق الأوسط).
ونشرت وكالة الصحافة الفرنسية يوم (29/9/1976) تصريحاً لشمعون بيـريـز وزير دفاع العدو الصهيوني السابق يقول فيه: "إن هـدف إسرائيل هو نفس هدف دمشـق بالنسبة للمسألة اللبنانيـة"، وقال أيضاً: "يجب أن نمنع وقوع لبنان تحت سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية".
وجاء في كتاب (وجاء دور المجوس) ص 418 عن إسحق رابين رئيس وزراء العدو الصهيوني السابق قوله: "إن إسرائيل لا تجد سبباً يدعوها لمنع الجيش السـوري من التوغـل في لبنـان، فهذا الجيـش يهاجم الفلسطينيين، وتدخلنا عندئذ سيكون بمثابة تقديم المساعدة للفلسطينيين، ويجب علينا أن لانزعج القـوات السـوريـة أثناء قتلها للفلسـطينيين، فهي تقوم بمهمـة لا تخفى نتائجها الحسنة !! بالنسبة لنا".
وهكذا كانت ساحات نظام المقاومة والممانعة في عهد الأسد الأب مخيمات الفلسطينيين في لبنان، واليوم ساحات المقاومة والممانعة في عهد الأسد الابن هي مخيمات الفلسطينيين في سورية حيث تحاصر قواته بكل آلتها العسكرية المدمرة التي أدارت ظهرها للجولان حيث تبني فيه قوات العدو الصهيوني جداراً فولاذياً، تحسباً للبديل الذي سيأتي بعد الإطاحة ببشار حليفها الذي لم تتمكن من الدفاع عنه، يعزل تلك الأرض الغالية عن الوطن مؤكداً ضمها إلى كيانه، تحاصر مخيم الرمل في اللاذقية وتدك منازل الصفيح المتهالكة على رؤوس الفلسطينيين العزل براً وبحراً عقاباً لهم على رفضهم أن يكونوا أداة قمع لأشقائهم السوريين خدمة للنظام الباغي، الذي يستبيح الدم السوري في طول البلاد وعرضها منذ أكثر من خمسة أشهر، فيموت في المخيم من جراء القصف من يموت ويفر من يتمكن من الفرار إلى المجهول في عملية تطهير عنصري ما شهدتها سورية منذ أن وجدت.
هذه هي ساحات قتال النظام المقاوم والممانع الذي تنافح عنه أبواق قم وحرسها الثوري والضاحية الجنوبية وميليشياتها، وبعض المغفلين من بقايا البعثيين، وبعض السذج من القوميين في بعض البلدان العربية، الذين لا يزالون يعتقدون أن نظام دمشق هو الذي يقود خط الممانعة والمقاومة في الوطن العربي، ويتباكون على سقوطه ورحيله، دون أن تحركهم مشاعرهم المتلبدة صيحات الألم التي تطلقها حرائر الشام على أبنائها وآبائها وإخوانها وأزواجها، والحزن على نزيف الدم الذي يجري أنهاراً من أجساد إخوانهم السوريين منذ أكثر من خمسة أشهر!!

CONVERSATION

0 comments: