ذكرى ميلاد السيد المسيح لها وقع ومذاق خاص عند المسيحيين وغير المسيحيين دائما. فهي تعيد الى اذهان البشرية شخصية الطفل الذي كرهه العالم ورفضه من اللحظة الاولى لولادته. غريب الاطوار والسيرة ، جاء من خارج الزمن لهذا العالم المادي المحدود، لم يكترث لذاته (الانا) بل ضحى بنفسه من اجل تعليم البشرية طريق الخلاص والحياة .
يسوع المسيح كتلة من المحبة (روح) ظهرت في عالمنا، كي لا فقط تزرع الشعور الجديد لدى الانسان بل تُحَسِسه بانه ليس تراب وماء فقط كما هي الشجرة، وليس كل في ما طبعه حيواني او غريزي فقط ، انما هو صورة الخالق، المبدع، المخفي عن الانظار. لا يمكن ندركه او نكتشفه إلا حينما يكون لنا حالة الاستقرار الداخلي، و التناغم مع جميع البشر والبيئة المحيطة بنا.
ندركه او نحس به حينما يكون احترام الحياة وقيمتها فوق كل القيم، وحينما يكون الاخر قريبا لنا بالحق من غير حق!.
حينما يكون الفقير والمريض والارملة واليتيم في مقدمة الموائد الفاخرة ويخدمهم اصحاب الملايين والقادة السياسيين الكبار والبابوات والبطاركة ورجال الدين من كافة الاديان والعلماء .
حينما يسال الواعظ او الخطيب نفسه (وهو على منبر الوعظ) كما من كلام الذي يقرأه على مسامع الاخرين هو يطبقه ويقبله ويقوم به في هذه الايام حياته.
كفرد كم من روح الكبرياء والانانية تستطيع قلعها من داخلك، كم من السقطات تستطيع الاعتراف بها امام الله في الدينونة التي تقيمها لنفسك في هذه الايام .
اخواني من المسيحيين وغير المسيحيين تمر علينا ذكرى الميلاد في هذه السنة مملوئين من المرارة والالم بسبب الجروح التي ضربت كنيسة المسيح في الشرق( العراق وسوريا ومصر ولبنان) على يد الارهابين او المصابين بجنون الموت على سوريا الجريحة والربيع العربي الذي لم يبدا لحد الان. لنا الامل ابواب الجحيم لن يقوى عليها، وان هؤلاء المخرفين الذين يتحدثون بإسم الله وفكرته سيتندمون كما تندم احفاد اتاتورك وقادته على جرائم اجدادهم بحق المسيحيين (اجدادنا) في الحرب العالمية الاولى(1)
تمر علينا ذكرى عيد الميلاد في زمن فقير للمفاهيم الانسانية والتعايش في بلادنا في الشرق الاوسط ، زمن مملوء من التناقضات والوهم والتركيز على لذة اللحظة فقط، زمن لا احد يحتمل المسؤولية الاخلاقية سواء كانت من المسيحيين او اخواننا المحيطيين بنا، صراع بين الذاتية الغربية والخرف الشرقي الذي يناقض الواقع العلمي الذي يستخدمونه!
نتمنى ان تزيل انوار مغارة الميلاد اثار هذه الافكار المدمرة ، وتجلب انوارها في بيوتكم نور الحب وفرحة الامل والفرح مسرة الحياه، وان تجعل من ايامكم كلها اعيادا، ان تجلب هذه المغارة لنا القناعة بأن الكثيرة ليست هي الحل، وانما الاكتفاء هو العلاج ، في هذا العالم الذي احرقته المظاهر البراقة الفارغة ، وان مرض العصر (الازدواجية) مرض فتاك يخلق وهم وصراع داخلي ضد ارادة الخير في ذاتنا حان وقت اقتلاعه.
كل عام انتم وكل من يقرا هذه الكلمة القصيرة بالخير والسعادة.
.....................
1- قبل اسبوع (حيث صرح وزير خارجية تركيا قبل ايام) قال: "ان ترحيل المسحيين في الحرب العالمية الاولى لم يكن عمل انساني
0 comments:
إرسال تعليق