لم يعد يعيب مصر السيسي أحكام الإعدام بالجملة والتي شملت المئات من طيف سياسي محدد، ولم يعد يعيب مصر السيسي القمع الممنهج الذي تواجه به أجهزته الأمنية بعصاها الغليظة كل الأطياف المعارضة، ولم يعد يعيب مصر السيسي عمليات التحرش الجنسي بحق الفتيات المصريات في واضحة النهار في الساحات العامة والشوارع المكتظة بالمارة تحت سمع وبصر أجهزة الأمن والتي يشارك أكثرها في مثل هذا الفعل البهيمي، ولم يعد يعيب مصر السيسي تكميم الأفواه وملاحقة الإعلاميين وإغلاق القنوات التلفزيونية المعارضة وحتى الحيادية وسجن واعتقال العاملين فيها، ولم يعد يعيب مصر السيسي إغلاق المئات من المساجد والجوامع والزوايا ومنع الصلاة وإلقاء الخطب فيها، ولم يعد يعيب مصر السيسي تسريح ومنع آلاف الخطباء والأئمة الأزهريين من أداء مهامهم الدينية، ولم يعد يعيب مصر السيسي منع المسلمين من الاعتكاف بالمساجد إلا بعد أخذ الإذن من دوائر الأمن وموافقتها، ولم يعد يعيب مصر السيسي إغلاق معبر رفح وخنق أهلنا في غزة الصامدة والتنسيق الأمني مع العدو الصهيوني للتضييق على إخوتنا الفلسطينيين، ولم يعد يعيب مصر السيسي التضييق على اللاجئين السوريين وحرمانهم من الإقامة وملاحقتهم واعتقالهم، ولم يعد يعيب مصر السيسي تجييش الآلاف من المثقفين المنحرفين والفاشلين ليكونوا أبواقاً لأباطيله وأكاذيبه، ولم يعد يعيب مصر السيسي الالتفاف على الثورة العظيمة التي أطاحت بنظام مبارك القمعي الفاسد، وذبح أول تجربة ديمقراطية عرفتها مصر في العصر الحديث.
مصر السيسي اليوم هي ضحية عصابة من العسكر المستظلين بخيمة بعض السياسيين الشواذ والمنحرفين والفاشلين الذين لفظهم الشارع المصري ولم يمنحهم ثقته في أي عملية انتخابية خاضها بعد ثورة 25 يناير، العسكر الذين حرفوا الثورة وانقضوا عليها وأعادوا عقارب الساعة إلى الوراء وفتحوا أبواب الحكم والسلطة لرجال العهد البائد ليعودا إلى تسنم المناصب الوزارية لينتقموا من الشعب المصري الذي ثار عليهم وفضح أفعالهم.
وشر البلية ما يضحك أن أحد أساتذة الجامعات في مصر الدكتور نصار عبد الله أستاذ الفلسفة بكلية الآداب بجامعة سوهاج والشاعر المعروف خرج علينا بما أسماه التجربة البرازيلية للتخلص من أزمة أطفال الشوارع.
وجاء الحل الذي طرحه الدكتور الهمام لحل مشكلة أطفال الشوارع في مصر اقتداء بما فعلته حكومة البرازيل، حسب مقال نشر يوم أمس الجمعة 20/6/2014 في جريدة "المصري اليوم" والمتلخص "بقتل آلاف الأطفال في الشوارع كما فعلت شرطة البرازيل، في حملة مسعورة شنتها عليهم، وسط صمت كل القوى السياسية والإعلامية، وحتى منظمات حقوق الإنسان؛ لأنهم جميعًا يعلمون ما تشكله ظاهرة أطفال الشوارع -حسب وصفه- من خطورة".
وأضاف نصار في مقاله، "أن السلطة القضائية - برغم بحور الدم - لم تقدم شرطيًا واحدًا للمحاكمة، وهكذا انتهت مشكلة أطفال الشوارع"، بل ويؤكد نصار في مقاله "أن البرازيل تحولت إلى دولة متقدمة، وقضت على الظاهرة بسبب توافر – إرادة الإصلاح - وإيجاد حلول لمشكلاتها المزمنة"، مؤكدًا "أن هذا هو الدرس الذي ينبغي أن يعيه كل من يحاول أن يتعلم شيئًا ما من التجربة البرازيلية".
ودعوة نصار للاقتداء بما فعلته البرازيل هو تحريض على الكراهية والقتل، ومنافياً لما قاله الله تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) وقال: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيرا)، والمعيب والمقزز أن جريدة المصري اليوم قررت حذف المقال بعد نشره وقد انطلقت الرصاصة بالفعل إلى صدر أطفال الشعب المصري عبر هذا المقال المغلف بالدم والدعوة إلى سفكه، وعللت قرار حذفه بقولها:
"إيماناً من الجريدة بالعهد الذي قطعته للقارئ، وكما اعتادت فتحت صفحاتها أمام كل الأقلام في مختلف الاتجاهات دون سقف إلا ما يخالف القانون، وتجديداً لهذا الالتزام، وبناء على ردود الأفعال غير المرحبة بمقال الدكتور نصار عبد الله، أستاذ الفلسفة بجامعة سوهاج "أطفال الشوارع: الحل البرازيلي"، عرضت إدارة الجريدة المقال المذكور على الشؤون القانونية للمؤسسة، التي نصحت إدارة الجريدة بحذف المقال لما يحتوي عليه من تحريض على العنف".
ولو رجعنا إلى الدراسات التي تهتم بشؤون الطفل في مصر لوجدنا أن الفقر يلعب دوراً خطيراً في تزايد ظاهرة أطفال الشوارع فربما هو أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور هذه الظاهرة واستفحالها بهذا الشكل، حيث أنه يدفع فقر الآباء لإلقاء أولادهم إلى الشارع والبداية تكون في تشغيلهم في بيع بعض السلع البسيطة على أرصفة الشوارع مثل مناديل الورق أو حتى حلوى الأطفال كما يدفعونهم أيضا للتسول، وهذا يؤدي بهؤلاء الأطفال إلى وجودهم بمفردهم لساعات طويلة في الشوارع، مما يعرضهم للعديد من المخاطر من قِبل أُناس معدومي الضمير، سواء كانت هذه المخاطر الاغتصاب، أو الاستغلال الجنسي لهم، أو استغلالهم في الإتجار بالمخدرات، أو التسول لحساب أحد .
فيما أشارت دراسات أخرى إلى أن المشاكل الأسرية كالعنف بين الزوجين والتي لا يخلو بيت منها الآن تكون بمثابة الدافع والحافز الذي يدفع الأطفال إلي الهروب من البيت واللجوء إلي الشارع، بالإضافة إلي أن معظم هذه المشاكل تنتهي بالطلاق الذي ارتفعت نسبته في مصر إلى 45% أو الانفصال بين الزوجين وبالتالي ضياع الأطفال.
ومن هنا تتحول براءة الأطفال هذه إلى قوة تدميرية لا أحد يعرف أين ستنفجر المرة القادمة خصوصاً وأن كلفة استقطابهم من أي جهة معادية لا تتكلف سوى 50 جنيها، هي في نظرهم ثمن بيع انسانيتهم بل ووطنهم خصوصاً وأنهم إفراز طبيعي للجهل والفقر والتهميش والبطالة الذي رسّب داخلهم عدم الانتماء لهذا البلد، ومن ثم يسهل توجيههم للقيام بأعمال غير مشروعة لعدم وجود انتماء لديهم تجاه الوطن فبداخلهم حقد تجاه المجتمع وتجاه الناس، وهم معذورون بسبب نشأتهم والظروف الصعبة التي عاشوا فيها وخرجوا بسببها للشارع ونظرة الناس لهم، والخطر الأكبر هو سهولة تحريك أولاد الشوارع واستخدامهم بسهولة في توقيت معين.
وقد فرضت ظاهرة "أولاد الشوارع" نفسها على مسرح الأحداث خلال أحداث ثورة 25 يناير 2011 التي وجدوا فرصة ذهبية ليطفوا على السطح في أمان، فهذه هي المرة الوحيدة التي شعروا فيها بقوتهم ودورهم فالمتتبع لهم منذ الثورة سيجد أن لهم خيمة ثابتة لم تتزحزح بميدان التحرير منذ 25 يناير، وهم لا يخفون سعادتهم الغامرة بالثورة ووجودهم بين الثوار حيث لا يسألهم أحد عن أصلهم ولا يصفهم بأولاد الشوارع.
فيما أشارت دراسات أخرى أنه من الصعب المساواة بين البلطجية وأولاد الشوارع، فالبلطجية صنعهم نظام مبارك السابق ويستخدمهم بعد تدريبهم وتأهيلهم وهم يعرفون ماذا يفعلون، لكن أولاد الشوارع مغيبون وعندما يتم تأجيرهم للتخريب بمقابل يقومون بهذه الأعمال وهم يتصورون أنها من قبيل البطولة، ولكى تعالج هذه الظاهرة كان على الحكومة المصرية والنخب المصرية أن تفتش عن أنجع الوسائل التي تكفل رعاية هؤلاء الأطفال ليكونوا ذخيرة لمصر وعنصر بناء، لا أن يكون القتل والذبح هو الطريق الأنجع والسريع لحل هذه المعضلة التي تعاني منها مصر.
0 comments:
إرسال تعليق