بعد أخذ ورد وشروط وشروط مضاده وجلبة هنا او هناك،وتسارع عجيب غريب في طرح وتغيير الأسماء،التي كان واضحاً بأن هناك اطرافاً عربية وإقليمية ودولية تشارك في طرحها وتزكيتها،بما يجعلنا نجزم بأن هناك مشروعاً سياسياً يجري إخراجه،وهذا المشروع حمل موافقة حماس وحواضنها من الإخوان المسلمين والأطراف العربية والإقليمية المتماهية معها فكرا ورؤيا،وحماس تدرك جيداً أن موافقتها على ما يسمى بحكومة الوفاق او اتفاق الإطار،والذي عندما نتمعن في تركيبة الحكومة المشكلة برئاسة الدكتور رامي الحمدالله،نجد بان ما جرى ليس أكثر من تعديل وزاري محدود،ولكن قيمة وأهمية ذلك تكمن في موافقة حماس على ذلك ومباركتها لها،فهي أصبحت جزء من هذه الحكومة،ومن سياستها،فما يسمى بالوزارات الأساسية او السيادية،وهنا لا توجد سيادة،هي نفس أسماء حكومة الحمد الله،والذي أضيف له وزارة الداخلية،الخارجية والمالية والقدس والسياحة نفس الأشخاص،وباقي الوزراء من "التكنوقراط" المحسوبين على الرئيس وبرنامجه،وبالتالي صراخ وجلبة بعض قادة حماس،بعد تشكل الحكومة بأن الدكتور رامي الحمد الله قد انقلب على المصالحة،ليس دقيقاً فهم يعلمون جيداً،بأن المشروع السياسي الذي وافقوا عليه،يشترط عدم وجود وزارة أسرى،حيث ان اسرائيل أثارت مثل هذه القضية سابقاً وحرضت عليها،وبالتالي حتى لا تظهر هذه الحكومة بانها تدعم ما يسمى بالإرهاب والإرهابيين،وحتى تنال رضى الأمريكان واوروبا الغربية،وتقبلها اسرائيل، جرى التخلي عن وزارة الأسرى،وهنا نشدد على مدى الخطر في الموافقة على هذا الشرط،حيث انه يعني التنازل عن ان أسرنا هم أسرى حرية ومعتقلين سياسيين وأسرى حرب.
إن المتمعن في تشكيلة الحكومة وبرنامجها،يجد بأن حماس قد قدمت تنازلات كبيرة جداً،وتلك التنازلات ليس لأن حماس زاهدة ولا تريد السلطة،بل هي الأكثر تشبثاً بالسلطة،وتقديمها للتنازلات وقبولها بحكومة تمثل الرئيس وبرنامجه،كانت مجبرة ومرغمة عليها،بفعل التطورات العربية والإقليمية المحيطة بها.وبالذات في مصر وسوريا،ففي مصر سقطت حكومة الإخوان بقيادة مرسي،والتي كانت تراهن عليها حماس،بأن تشكل حاضنة قوية لها،وجاء السيسي المتعارض فكرياً وسياسياً ومجتمعياً مع حماس،وشدد الحصار على حماس والقطاع،فاغلق ودمر اغلب الأنفاق،والتي كانت تشكل شريان حماس المالي والتجاري الرئيسي،والذي يؤمن لها ملايين الدولارات للصرف على حكومتها وأجهزتها وأفرادها،وكذلك النظام السوري الذي كانت تراهن على سقوطه،كما اوهمتها قطر وتركيا وغيرها من مشيخات النفط،مما جعلها تنقلب على المحور الذي قدم لها المأوى والدعم المالي والعسكري والسياسي والإسناد وحرية الحركة،وفي المقدمة منه سوريا،ولتنتقل الى النقيض خدمة لمصالحها وأجنداتها،حيث انتقلت لحلف مشيخات النفط وتركيا،هذا الحلف الذي خيب آمال حركة حماس،وادخلها في أزمة عميقة،حيث لم يقدم لها أي دعم جدي وحقيقي لا مالي ولا عسكري ولا غيره،ووجدت حماس نفسها مثل مصيفة الغور" لا نالت لا بلح الشام ولا عنب اليمن"يضاف لذلك توقف ايران على خلفية ذلك عن دعمها مالياً،وحتى عسكرياً،حيث كانت عمق ذلك أزمتها المالية.
واضح من تشكيلة الحكومة ومن برنامجها،وما قاله الرئيس ابو مازن خلال ترأسه اليوم الإثنين،الاجتماع الأول لحكومة الوفاق الوطني بعد أدائها اليمين الدستوري في مقر الرئاسة بمدينة رام الله ان "الحكومة الجديدة ملتزمة بمبدأ الدولتين على حدود 1967، كما أنها ملتزمة بالاعتراف بدولة إسرائيل ونبذ العنف واحترام الاتفاقات الموقعة، بما فيها قرارات الرباعية الدولية. "وقال" نحن ملتزمون بما قلناه ونفذناه وهو التنسيق الأمني بيننا وبين إسرائيل حماية لمصالح شعبنا"، مشيرا إلى أن التنسيق يأتي في هذا الإطار.وهذا يعني العودة للمفاوضات،ولذلك ما كانت تقوله حماس وتصوغه من حجج وذرائع،وما تطلقه من تصريحات هو ليس إلا لذر الرماد في العيون،فالآن تماهى برنامج حماس مع برنامج أبو مازن.
رغم ان اسرائيل في اجتماع "الكابينت" اليوم الإثنين، قد اتخذت قراراً بمقاطعة "حكومة الوفاق"،واعتبرتها حكومة ارهابية،إلا أن ما صدر عن امريكا من تصريحات بأنها ستستمر بالتعامل مع حكومة الوفاق ودعمها،ولكنها ستراقب عملها،وكذلك أوروبا الغربية والتي قالت بأنها ستتعامل مع حكومة الوفاق أيضاً،فهذا مؤشر جدي على أن هناك مشروع سياسي قد جرى التوافق عليه،ورفض اسرائيل مرتبط،بأعلى درجة من الإبتزاز عبر الضغط على أمريكا وأوروبا الغربية لتأجيل إعترافهم بحكومة الوفاق،وإبتزازها سياسياً للإعتراف بكل الإتفاقيات والإلتزامات السابقة.
قطر ومشيخات النفط وجماعة التتريك،لن يقدموا الدعم المالي المجاني لا لحماس ولا لحكومة الوفاق،بل كل ذلك مرتبط بأثمان سياسية،فقطر لن تدفع رواتب (40000) من موظفي أجهزة حماس،من اجل إعدادهم لمحاربة ومقاومة اسرائيل،بل وفق ما يجري الإتفاق عليه مع أمريكا،وأي دولة أخرى عربية أخرى لن تقدم ملم واحد دون إذن أمريكي وخارج حدود الدعم والصرف المتفق عليها وبعلم ومراقبة اسرائيل.
كلنا يتمنى أن ينتهي الإنقسام وتتم المصالحة،وأن لا تبقى الأمور في إطار محاصصة فصائلية،تحكمها المصالح الحزبية والفئوية الضيقة،مصالحة تتم وفق مصالح الشعب الفلسطيني،مصالحة يتلمس نتائجها على أرض الواقع،فهناك الكثير من المشاكل والهموم الإقتصادية والإجتماعية المثقل بها شعبنا،وتحديداً في قطاع غزة،حيث الحصار وإغلاق المعابر والبطالة والفقر،وعدم إدخال مواد البناء من أجل الإعمار، وأزمات مستديمه من إنقطاع الكهرباء وتقيد حرية الحركة والتنقل وغيرها.
نعم نحن الآن في مرحلة إتفاق إطار،وما جرى قد ينتكس في أي لحظة،ولذلك من الضروري للنجاح في ذلك،أن يتم رسم استراتيجية فلسطينية موحدة يتوافق عليها الجميع،ولا يحق لأحد أن يختطف القرار الفلسطيني،ويضع نفسه فوق قيادته الجماعية أو فوق قرارات مؤسساته التي يطالب بإحترامها،ويكون اول من يخرقها.
مرحلة خطرة جداً وبحاجة الى أعلى درجات الإنتباه والحذر،فهناك الكثير من الأمور التي تجعلني متيقن،بأن هناك مشروعاً سياسياً يجري طبخه،يحمل في طياته مخاطر جدية على مشروعنا الوطني الفلسطيني.
0 comments:
إرسال تعليق