مزامير السيارات التي لم تتوقف دفعتني للوقوف على الشرفة لأعرف ما يدور في الشارع، حيث أن ضجيجها المتواصل ليس هو كالمعتاد موكب مرور لمسئول أو شخصية.. أو موكب زواج يمر في الشارع كما اعتاد الغزيون أن يرافق العروسين عدد من السيارات بما فيها شحن يحمل فرقة ضخمة من الطبالين ونافخي البوق.. إنها دقيقة وربما أكثر قليلا فيبتعد العرس عن بيتي.. هذه المرة ليست كالمعتاد؛ استمرت أبواق السيارات بالزعيق لما يزيد عن العشرين دقيقة.. سيارات بأشكال متعددة ترافقها دراجات نارية وسيارات شرطة، مسئولين ومن العامة.. رفعت عليها أعلام تركيا وعلم أو علمين لفلسطين، والأكثر كانت الرايات الخضراء إشارة باستقبال حركة حماس أو حكومة غزة لأسطول الحرية.. وطبيعيا أن هذا الموكب قادما من الحدود المصرية مارا بمدينة رفح وخانيونس والمناطق الوسطى ثم مدينة غزة..
لم يكن بمقدوري عدّ سيارات الأسطول من بين السيارات المحلية الكثيرة، لكنه كان من بينها سيارات إسعافات عديدة، وشاحنات متوسطة وسيارات جيب وأتوبيسات صغيرة وأخرى شخصية.. بعضها يحمل صناديق ومغلفات لا نعرف ما بداخلها... والباقية كانت تقل الشخصيات المشاركة في أسطول الحرية والتي استطاعت الوصول لغزة.. وهنا نثمن عاليا مشاعر هؤلاء وتضامنهم مع أهلنا في غزة، ونقدر لهم مواقفهم المشرفة وتجشمهم لعناء السفر والمخاطر المحدقة بجولاتهم، كما لا ننسى الشهداء منهم الذين سقطوا في عرض البحر بيد القراصنة الإسرائيليين عندما هاجموا السفينة التي كانت تقلهم.. كل التحية والتقدير لهم ولكل من يقف في وجه الظلم والعدوان.. لكن يا سادة! كل ذلك لم يغير شيء من واقع أهل غزة؛ فالعالم كل العالم بات يعرف حجم المعاناة التي يعانيها أهل غزة من جوع وفقر وظلمة كهرباء ونقص في الأدوية والعلاج وسجن كبير وتهجير لأبنائها ووقف التعمير والبناء، ومن ثم تحويل كل الأيدي القادرة على العمل إلى أشكال غير إنسانية وغير منتجة.. كلها تعاني من أمراض نفسية صارت مزمنة ويصعب علاجها.. والأهم من ذلك والأغرب أيضا! في أنكم تقدموا المساعدة لسلطة ليس لها أي سلطة أخرى سوى الضغط على شعبها بمزيد من القهر والظلم والإحباط !
شريان الحياة، وأسطول الحرية .. السفينة الجزائرية رست في ميناء العريش وأفرغت حمولتها تمهيدا لنقل المساعدات الإنسانية إلى غزة .. السفينة الليبية كذلك.. السفينة السورية أيضا، والسفينة اللبنانية وغيرها، وغيرها... أصبحنا لا نعرف كم عددها؟؟ وأهل غزة لم يصلهم أي شيء من المساعدات.. ولم يلمسوا أي شيء، سوى الزيادة في قهرهم عندما يرون أشخاصا يركبون سياراتكم التي تبرعتم بها.. أو قدمتهم فيها وتركتموها في غزة.. أو سلمتموها لحكومة حماس كي تزيد من قبضتها وطاغوتها على أهل غزة..! لا أحد يعرف ما هي نوع المساعدات وحجمها التي أفرغتها السفن ونقلت إلى غزة.. إذا كانت مساعداتكم هي من الأدوية؛ فأين هي؟ وأين ذهبت؟ أو أين خزنت؟؟ وكذلك باقي المواد التي أرسلت إلى غزة لا أحد يعرف أين هي؟؟ ولمن توزع؟ بغض النظر عن الإشاعات التي تروج بين الناس بين الحين والآخر..! من المفترض أن يلمسها المواطن الغزي حتى إن لم توزع على الجميع؛ لكننا في السابق كنا نرى ونشاهد طوابير من الناس يستلمون المساعدات سواء عن طريق الحكومة، أو المؤسسات الخيرية.. كنا نلاحظ الطرود تحمل علم الدولة المتبرعة، أو شعار المؤسسة أو الجهة المتبرعة.. أما اليوم في عهد (حكومة غزة) التي تجبي ضرائب شتى من الشعب المحاصر لا نرى من تلك المظاهر أي شيء سوى السيارات الفخمة التي يركبونها.. إذن يا أسطول الحرية ويا شريان الحياة شعب غزة لا يحتاج سياراتكم؛ لأن ذلك سوف يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.. وشكرا لجهودكم الكريمة والتي لن ينساها شعب غزة..!
0 comments:
إرسال تعليق