آسيا وبراءات الإختراع/ د. عبدالله المدني

تـُعرف براءة الإختراع بأنها حق إمتياز خاص يمنح بشكل رسمي لمخترع في فترة زمنية محددة مقابل سماحه للعامة بالإطلاع على الإختراع. وهذا الحق الذي يــُمنح لصاحب الإختراع يعني في حقيقة الأمر منع الآخرين من صناعة أو إستخدام أو عرض أو بيع ذلك الإختراع دون الحصول على إذن مسبق وموافقة رسمية من صاحب البراءة.
وفيما يتعلق ببراءات الإختراع العالمية لعام 2012 حصدت دول شرق آسيا المراكز السبعة الأولى ضمن قائمة العشرة الأوائل. فعلى حين ذهب المركز الأول للولايات المتحدة الأمريكية بفضل شركة "أي بي إم" (6487 براءة) حلّت كوريا الجنوبية في المرتبة الثانية مباشرة عبر شركة «سامسونغ» للإلكترونيات (5081 براءة) ونالت اليابان المراتب الثالثة والرابعة والخامسة، عبر شركات "كانون" (3174 براءة) و"سوني"(3031 براءة) و"باناسونيك (2613 براءة) على التوالي. وعاودت أميركا الظهور في المركز السادس، عبر شركة "مايكروسوفت" (2613 براءة)، والمركز العاشر عبر شركة "جنرال إليكتريك" (1652 براءة). كما عاود اليابانيون الظهور في المركز السابع عبر شركة "توشيبا" (2447 براءة)، وعادت كوريا الجنوبية لتظهر مجددا في المركز العاشر عبر شركة "إل جي" للإلكترونيات (1624 براءة). أما تايوان فاحتلت المركز الثامن بفضل شركة "هون هاي بريسيجن" العسكرية (2013 براءة).
وإذا ما تجاوزنا المراتب العشر الأول، فإننا نجد أيضا حضورا متميزا للشركات الآسيوية ولاسيما اليابانية منها. إذ ذهبت المرتبة 11 إلى شركة "فوجي" (1535 براءة)، والمرتبة 12 إلى شركة "سيكو" (1461 براءة)، والمرتبة 13 إلى شركة "هيتاشي" (1436)، والمرتبة 14 إلى شركة "ريكو" (1410 براءة)، والمرتبة 19 إلى شركة "تويوتا" (1275 براءة)، والمرتبة 23 إلى شركة "هوندا"(1132 براءة)، والمرتبة 24 إلى شركة "شارب"(1118 براءة)، والمرتبة 44 إلى شركة "ميتسوبيشي"(696 براءة)، والمرتبة 45 إلى شركة "فوجي زيروكس"(686 براءة). كما إحتلت المراكز 43، و47، و50 شركات كورية جنوبية، في حين ذهب المركز 47 إلى شركة تايوانية. خلاف ما سبق، نجد كندا في المرتبة الـ29، وألمانيا في المرتبة الـ30، والسويد في الـ35، وهولندا في الـ36، والصين في الـ40، وفرنسا في الـ49.
هذا ما خلص إليه البيان الذي تنشره شركة "أي إف آي كلايمز" سنويا منذ عام 1955 ، الأمر الذي يؤكد مجددا حقيقة دامغة هي أن العالم يتجه شرقا من بعد عقود من إتجاهه نحو الغرب.  وفيما يتعلق بالغرب الأوروبي فإن النتائج الباهتة التي حققها مقارنة بالشرق الآسيوي على نحو ما إستعرضناه في الأسطر السابقة، ربما كانت هي الدافع وراء إستعجال دول الإتحاد الأوروبي في أواخر العام المنصرم في الإتفاق على شهادة براءة الإختراع الأوروبية الموحدة من أجل حماية أفضل للإختراعات في أوروبا وبتكاليف أقل، علما بأن هذه الدول إختلفت على تفاصيل الإتفاقية لمدة 30 عاما، بل أن دولتين منها (إيطاليا وأسبانيا) ما زالتا تقاومانها، وفضلتا البقاء خارجها، إحتجاجا على حصر ترجمة براءات الإختراع في اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية.
أما بالنسبة لوضع العرب فالأفضل للمرء ألا يتحدث عنه لأنه مخجل ومحبط جدا. فتكنولوجيات العصر كما كتب "جهاد الخازن" في صحيفة "الحياة اللندنية (19 يناير 2013) صارت في رحلتها من الغرب إلى الشرق "تمر فوق رؤوسنا في الشرق الأوسط ، من دون أن تتوقف عندنا ولو لإعادة التزود بالوقود للرحلة الطويلة". ويضيف الخازن ساخرا كعادته "أين كنا والتكنولوجيا ترتحل شرقا، ربما كان الأمر أنها عبرت بعد الظهر ونحن نيام. وبعضنا يقول أننا نيام حتى وعيوننا مفتوحة لأن العقل نائم او في غيبوبة". وللإنصاف فإن هذا لا يعني عدم وجود عقول عربية تستطيع مجاراة عقول الآخرين شرقا وغربا في الأختراع والإبتكار، وإنما يعني عدم توفر البيئة النموذجية، والتشريعات المحكمة، والدعم والرسمي، وغيره من متطلبات وحوافز الإبداع، مما يدفعها إلى الهجرة بعيدا إلى أوطان تستغل مواهبها وتنسب إختراعاتها لنفسها.
وقد سبق ان أكدت وكالة الإستخبارات الوطنية الإمريكية (آي إف آي) ظاهرة توجه العالم شرقا كظاهرة غير المسبوقة في تاريخ العالم المعاصر من خلال تقرير إستراتيجي حمل عنوان "إتجاهات عالمية 2030 : عوالم بديلة". وهي لئن حذرت في هذا التقرير من ظهور عالم جديد برؤوس متعددة قوية في مجال براءات الإختراع والتكنولوجيات المتقدمة، متخذة من توسع وبروز شركة "لينوفو" الصينية العاملة في مجال الكمبيوترات المكتبية والمحمولة وسواها كدليل، فإنها أكدت من جهة أخرى أن الولايات المتحدة ستظل في المدى المنظور (رغم كل أزماتها وتراجع أداء إقتصادها) قوة لا يستهان بها في هذا المجال بفضل شركاتها العاملة في المعلوماتية، وعلى رأسها شركة "آي بي إم" الشهيرة. فهذه الشركة العالمية، التي إشتهرت بإختراع أول كمبيوتر مكتبي في التاريخ، سجلت رقما قياسيا في عدد براءات الإختراع تجاوز الربع مليون براءة. وتلي "أي بي إم" في الاهمية، بطبيعة الحال، شركتان أمريكيتان هما: "غوغل" صاحبة مؤشر البحث الأشهر على الإنترنت، والتي زادت براءات الإختراع المسجلة بإسمها بنسبة 170 بالمائة خلال عام، ثم شركة "أبل" صاحبة "الآي فون" و "الآي باد"، والتي حققت زيادة في براءات الإختراع بنسبة 68 بالمائة.
وتقرير وكالة الاستخبارات هذا، لا يمكن التشكيك فيه لأنه أعد بقصد التحذير لمن يعنيه الأمر في واشنطون من إحتمال خسارة الولايات المتحدة مستقبلا لموقعها الرائد لجهة براءات الاختراع الخاصة بصناعة المعلوماتية ووسائطها، وإن كانت اليوم تتمتع بما لا تتمتع به غيرها من الدول لجهة كونها مالكة لإقتصاد فريد من نوعه، وقدرات تصديرية هائلة، ومخزون ضخم من المواد والسلع الرئيسية في التجارة العالمية (قمح، دواء، سلاح)، ناهيك عن سيطرتها على مصادر المواد الخام للصناعة في العالم، وإعتماد جل دول المعمورة على عملتها في المبادلات التجارية.
ويمكن القول أن ما يجعل الأمريكيون والغربيون عموما متوجسين هو ما صدر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية (منظمة تابعة للأمم المتحدة أطلقت في عام 1978 بهدف تفعيل معاهدة للتعاون حول تسجيل براءات الإختراع وحمايتها، وتضم في عضويتها 177 دولة و161 منظمة غير حكومية كمراقب) في عام 2011 من أن الصين قد عززت موقعها في تسجيل براءات الاختراع برفع مستواها بنسبة 29.7 بالمائة خلال عام، فيما شهدت الولايات المتحدة إنخفاضا بنسبة 11.4 بالمائة في الفترة ذاتها (وإن إحتفظت بالموقع الأول عالميا بتسجيلها 45800 براءة إختراع، أي خمسة أضعاف ما سجلته الصين). وقتها قال المدير العام للمنظمة "فرانسيس غري" أن تلك الحقائق تشير إلى شيء واحد هو "الأداء القوي لدول شرق آسيا التي باتت شركاتها تدرك أن الإبتكار هو الطريق الأنجع للخروج من أزماتها".

د. عبدالله المدني
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: يناير 2013
البريد الالكتروني:ELMADANI@BATELCO.COM.BH

CONVERSATION

0 comments: