يجب أن يعرف كل مسلم أن قضية فلسطين ليست كسائر قضايا الاحتلال, فنحن كمسلمين وكذلك غير المسلمين مبتلون بمصيبة هذا الاحتلال الجائر لأرضها المقدسة، ونسأل الله أن لا يدرك الفشل مساعينا في سنة الابتلاء. معلوم أنه من المستحيل أن يتفضل الله علينا بتحرير فلسطين الأسيرة وعودتها إلى ديار المسلمين كمكافأة لنا منه من غير أن يرَى من أنفسنا تطبيقا عمليا لمفهوم ( الجهاد الأكبر ) كسبيلٍ لإدراك الفلاح واستحقاقٍ لتوفيقه إلى نصرٍ عزيز، ولن نبلغ شرف هذا الجهاد أبدا من غير أن نحيي في أنفسنا منهج عقيدة التوحيد في سائر بلداننا الإسلامية حياة عملية وواقعية - فهنا وهنا فقط - يفيض الله علينا بثمار العزة ولا أعز علينا لا شك من تحرير زهرة المدائن لنزين بها مدائننا إن شاء الله تعالى. فإذا ما كان مهر فلسطين عروس الأرض هو أغلى المهور فلن ندركه أبدا إلا بالسير في طريق الجهاد الأكبر، والذي يعد أعلى مراتب الجهاد في ديننا، ويتحقق بمجاهدة النفس على شهواتها، والصبر على تحمُّل أعباء الدعوة إلى الله وممارسة تطبيقات المنهج، ودفع كل ما يلقيه الشيطان خارج أعتاب القلب ليطمئن فيبذل نبضه وحياته في سبيل إعلاء راية هذا الدين القيم. إن ساسة هذا العصر جهلوا أو تجاهلوا هذه الحقيقة، وكذلك الكثير من أولياء المسلمين وحكامهم أبوا إلا الدخول في جحر الضب، ولم يهدءوا حتى ألقوا برعيتهم معهم في ظلمته، فأصبحوا في معظمهم كأهل الكهف, ولكن نومتهم في هذه المرة هي نومة عجيبة ومختلفة، وتعد آية من آيات الله للمتأملين والموقنين, وحسبنا في ذلك فهم قوله تعالى( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ) الآية ( 9 ) الكهف,.. والمعنى وكما ذكر المفسرون, أن يا محمد هناك آياتٌ أعجب من آية أهل الكهف, ولعلنا الآن نعيش في زمن بعض هذه الآيات العجيبة لمن شاء الله وأكرمه ليرى بعيون قلبه، وكفى بها من نور يُرى به، يقول الحق سبحانه ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) صدق الله العظيم. أما عن ( الجهاد الأصغر ) وهو جهاد المعتدين المحتلين، والاستعداد لمواجهتهم وقتالهم فلا ينبغي أن نبدأ به إلا بعد بلوغ النفس لجهادها الأكبر، كي يكون الانقياد عن يقين، والبذل عن رضا واطمئنان، وذلك في حينه إن شاء الله، لينال به المجاهد في سبيل ربه أعلى مراتب الجنة مع الصديقين والشهداء. فبالجهاد الأكبر نصبح جديرين بنعت الله لنا كخير أمة أخرجت للناس حاملة رسالة الإسلام للآخرين بعد تجسيدها في أنفسنا من خلال قيمها ومفاهيمها وأفكارها على أرض الواقع لتكون حجة على غير المسلمين الذين سمعوا عن الإسلام ولم يشاهدوه في ممارسة عملية كمنهج حياة تتحلى به أمته, بينما الحجة ما تزال علينا أمام الله جل شأنه، لأننا لم نقم بتبليغهم الرسالة وفق مراد الله تعالى وتعاليم قرآنه وسنة نبيه, بل صرفناهم عنها وفتناهم بأنفسنا, وأضللناهم عن الحق باستهتارنا واستخفافنا بآيات ربنا ومنهجه القويم, قال تعالى ( ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا...) الآية ( 5 ) الممتحنة. أما عن تبليغ الرسالة تبليغا شفويا وفق مراد حكام الملك الجبري فهي أصواتٌ لا تخرج من قلب ولا تصل إلى قلب، لأنها لم تخرج يوما في سبيل الله ووفق مراده سبحانه. إن قضية فلسطين ليست قضية وطنية وحسب بل هي أيضا قضية إسلامية وكذلك عالمية أممية إنسانية, والذي لا ريب فيه أن سائر الأمم قد لحقت بهم المصائب من الصهاينة لعنهم الله، وتضرروا ضررا بالغا منذ احتلال أرض فلسطين والتي جعلوا منها وكرا لمؤامراتهم وقد تجلت آثارها على العالم، وتمثلت في فقر ٍوبطالةٍ وتشرد وعنوسة وتلوث وكراهية ومنازعات ومشاحنات وحروب وثورات غير مبررة لبعض الدول لإحكام السيطرة عليها - ومن هنا - فنحن ندعو الدول المتضررة من هذا الكيان الصهيوني لمطلبٍ واحد، وذلك بأن يتخذوا موقفا سياسيا وإنسانيا عادلا لأصحاب الحق، تلك الدول التي احتلت الصهاينة أراضيها تحت وطأة السلاح فأصابوا وقتلوا من قتلوا، وأسروا وطردوا الكثير من خيرة أبنائها خارج حدود أوطانهم. فهل حان لنا أن نصلح الأرض من بعد إفسادها من قبل يهود الإفساد ومن أعانهم، ومن بعد زمنٍ انصرفنا فيه عن معايشة القرآن وهدْي آياته وتطبيق منهجه وممارسته بواقع حياتنا. ألا إن حينها سوف يمن الله علينا ويوفق المسلمين وأبناءهم لإزالة هذا الأذى الذي لحق بديارهم لينالوا فضلا من الله وتوفيقا وقبولا لهم. ما تزال العروس بالانتظار يا أهل الدار, فأبسطوا بين يديها مهرها الغالي، وجاهدوا أنفسكم، وأروا الله منها خيرا، عسى أن يرد بأسه الشديد عنكم، وينصركم على القوم المجرمين, والله ولي التوفيق .
– الكويت.
Sahib-12@hotmail.com
0 comments:
إرسال تعليق