شهداء خالدون... ومحطات نضالية مميزة/ راسم عبيدات

.... شهر نيسان هذا شهرالشهداء الرموز والعناوين الخالدين في سفر النضال الوطني الفلسطيني،شهداء تركوا بصماتهم واضحة وعميقة على مسيرة الكفاح والنضال الوطني الفلسطيني،حفروا تاريخهم وسجلهم وخلودهم في عمق ذاكرة شعبنا ووعيه بأحرف من نار ودم،قدموا أرواحهم شهداء على مذبح الحرية، بلا تردد او خوف او رهبة من الموت،وما زال شعبنا وثورتنا وفصائلنا تسيرعلى نهجهم ودربهم وثقافتهم ورسالتهم،وتستذكر تاريخهم ومحطاتهم النضالية في كل قضايا شعبنا المفصلية حيث الصمود والعطاء والتضحية،كانوا الرموز والعناوين وبقوا خالدين في سفر النضال والثورة،أجسادهم غادرت بفعل سرمدية الموت،ولكن بقيت الذكرى والفعل والعمل والسيرة والمسيرة تحفظها الأجيال المتعاقبة من شعبنا عن ظهر قلب.

ففي شهر نيسان ترجل أميرالشهداء أبو جهاد شهيداً في تونس على يد فرق الاغتيال والموت الإسرائيلية،أبو جهاد كان مهندس الانتفاضة الأولى- انتفاضة الحجر-،وهو الذي كرس حياته لقضية شعبنا والنضال في سبيل حريته،فأبو جهاد حتى لحظة اغتياله كان حريصاً على متابعة تطورات الانتفاضة الفلسطينية،وهو في منفاه القسري لم يكن بالمتابع للأحداث في الأراضي المحتلة،بل لعب دور القائد والموجه والمحرك والمحرض،يتابع ادق تفاصيل العمل الانتفاضي في الارض المحتلة،من حيث تشكيل وتوجيه القيادة الوطنية الموحدة واللجان الشعبية والقوات الضاربة،وأيضاً هو أحد قادة معارك الصمود في بيروت إبان الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982،حيث كان صموداً غير مسبوق من قبل المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية لمدة 88 في وجه أعتى آلة حرب عسكرية في الشرق الأوسط،بدون حاضنة ودعم عربي،بل لا نبالغ اذا ما قلنا خذلان وتآمر عربي على الثورة الفلسطينية،وأبو جهاد – خليل الوزير،لم يرى الثورة الفلسطينية ...أنها ثورة بندقية وفقط،..بل تعامل دوما أنها ثورة ثقافية،اجتماعية،إنسانية،حضارية كاملة..وأنها لا تقبل الضرب او القسمة او الطرح..بل تقبل وفقط الجمع على أرضية وعلمية التفاضل والتكامل...وأبو جهاد كان قائداً من طراز خاص،يحظى بإجماع فتحاوي وفصائلي،فهو كان قائد القطاع الغربي ونائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية،وكان يؤمن بأنه بدون الوحدة الوطنية لن تستطيع الثورة الفلسطينية أن تحقق أهدافها،وهو من قاد استعادة وحدة منظمة التحرير بعد دورة المجلس الوطني الفلسطيني الانقسامية في عمان،حيث خاض الحوارات والنقاشات المطولة في عدن وبراغ وغيرها مع القوى الديمقراطية الفلسطينية من أجل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية،وكان دورة الوحدة الوطنية في الجزائر،تلك الدورة الوحدوية ما كان لها ان تتم لولا الكثير من الجهد الذي لعبة القائد الشهيد،وابو جهاد تختزن الذاكرة عنه الكثير من المآثر والبطولات،فهو كان العقل المدبر والمخطط للعديد من العمليات النوعية التي نفذتها حركة فتح،ولعل أشهرها "سافوي" وكمال العدوان التي قادتها دلال المغربي وشارك في الكثير من المعارك الكرامة وايلول وحرب لبنان وغيرها.

ولأن أبو جهاد أقرن القول وبالفعل،ولكونه يحظى ليس بثقة فتح قيادة وقواعد والفصائل الفلسطينية،بل بثقة الجماهير التي رأت فيه قائداً قريبا منها ويعبر عن همومها وآلامها وطموحاتها،وكذلك بسبب عقليته العسكرية وخبرته وتجربته وحنكته،كان الهدف المركزي للاغتيال من قبل أجهزة المخابرات الإسرائيلية،حيث استشهد في تونس 14 من نيسان 1988 برصاص المخابرات الإسرائيلية وفرق موتها،والجميع يذكر يوم دفنه في دمشق العشرين من نيسان/1988،حيث كان ذلك اليوم يوما عربياً مشهودا،رفرفت فيه روح الانتفاضة وتكرس فيه الشهيد رمزا خالدا من رموزها،عندما غصت دمشق لوحدها بأكثر من نصف مليون شخص ملأ هديرهم شوارع المدينة العريقة.

رحل ابا جهاد شهيداً قاتل حتى قطرة الدم الأخيرة...وان لم يكن حتى الطلقة الأخيرة...،نعم انه حقاً الوطني المعبر عن فلسطين العربية ..: بداية الرصاص..، أول الحجارة..، أصدق الكلام..،

"أصمد أصمد يا رفيق مثل الراعي في التحقيق"شعار يردده الرفاق في الجبهة الشعبية لتحريرفلسطين"...هذا الشعار هو دعوة صريحة لتحريض الرفاق على الصمود والتضحية،فالجبهة الشعبية أرست قواعد الصمود وعدم الاعتراف في أقبية التحقيق،وكانت تربي أعضاءها على الصمود وعدم الاعتراف،وهي من رفعت شعار"الاعتراف خيانة"،وكانت تعبأ رفاقها على هذا الأساس وهذا الشعار الناظم،وكان يخصص جزءمن الاجتماعات الحزبية لذلك ولنقاش تجارب الثوريين العرب والعالمين،حيث تجربة فوتشيك وغيره،وحصيلة تجارب مجموعة من الرفاق صيغت في اكثر من كراس وكتاب منها فلسفة المواجهة والسجن ليس لنا وغيرها وعمدت هذا الشعار بالشهداء في أقبية التحقيق الشهداء محمد الخواجا ومصطفى العكاوي وابراهيم الراعي وخليل ابو خديجة وغيرهم،وابراهيم الراعي"أبو المنتصر"واحد من أساطير الصمود في أقبية التحقيق،صمد وانتصرعلى جلاديه،فكان الرمز والعنوان،وأصبح صموده وتجربته في التحقيق والصمود تدرس ويسترشد بها الأسرى في السجون وأقبية التحقيق،وكذلك رفاق الجبهة وأنصارها والمناضلين من الفصائل الأخرى،فما ان يذكر الصمود في أقبية التحقيق حتى يقترن ذلك بالراعي"ابو المنتصر"،واقتداء به أطلق العديد من أسرى ومناضلي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين اسم منتصر على مواليدهم الذكور،وكما للمقاومة رموزها وعناوينها،وكذلك للصمود والتضحية رموز وعناوين،والراعي شرب حليب النضال ورضعه مبكراً،وتربى على المقاومة والصمود،فهو في تجربة اعتقالية سابقة،وعندما أرادت حكومة الاحتلال في أوائل الثمانينات، أن تلمع روابط القرى المقبورة كبديل عن منظمة التحرير الفلسطينية، في احتفال أقيم لتلك الغاية،افرجت من خلاله عن بضعة عشرات من الأسرى الفلسطينيين،كان اسم الرفيق الشهيد واحد من الأسرى المنوي الإفراج عنهم،ولكنه رفض ذلك وأبى أن يكون تحرره عن طريق قوى عميلة ومشبوهة،فقد ألقى كلمة في ذلك الحفل قال فيها،بأن هؤلاء لا يمثلون شعبنا،بل يمثلون أنفسهم ومنظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني،ونتيجة لذلك أعادته إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية الى المعتقل،وقد عاد مرفوع الراس منتصراً.

ابو المنتصر كان مناضلاً من طراز خاص،عمد انتماؤه وقناعاته بأعلى درجات التضحية،الاستشهاد في سبيل وطنه وقضيته وثورته،وحماية وصيانة رفاق حزبه ودربه وأسرارهم،هو انتمى عن قناعة وإيمان راسخين،لم ينتمي طمعا في وظيفة او مركز او جاه او مرتبة،انتمى من اجل أن تنتصر وتحيا فلسطين ويحيا حزب الكادحين حزب الشهيد القائد ابو على مصطفى والأسير القائد سعدات والمؤسس الراحل الكبير حكيم الثورة وضميرها جورج حبش.

ربحي حداد "أبوالرامز" واحد من أهم عناوين الحركة الأسيرة الفلسطينية ومرجعياتها،وهوالمؤدلج والمنظم لمنظمات الجبهة الشعبية في الاسر،في وقت غابت فيه الثقافة والوعي،"ابو الرامز" لم ينتمي للعمل الثوري والنضالي مع ميلاد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين،بل كان عضوا في الإطار الطلابي لحركة القوميين العرب،وشارك في العديد من مظاهراتها وفعالياتها سواء تضامنا مع الثورة الجزائرية او تأيدا لمنظمةالتحرير الفلسطينية ويقول رفيق دربه أبو خالد سمارو"أبو أمل" في مقاله له عن الرفيق القائد الشهيد بعنوان"حكيم وراء القضبان.....قصتي مع الشهيد ربحي حداد " ابو الرامز"كان الاكثر تميزا بسريته وكتمانه وابتعاده عن مظاهر الاستعراض التي يعتبرها مرضاً عضالاً مضراً بل مميتا للعمل السري،كان يقرأ بنهم،كثير المطالعة والقراءة للكتب الفكرية والسيرة الذاتية للقادة العظام،نعم ابو الرامز كما عرفته واحد من القادة الذين اعتز وافتخربهم،رحل ولم توفه لا الجبهة ولا الثورة حقه،بل في زمن الاستعراضية والعلنية،حاول البعض ان ينالوا منه ومن قناعاته،وابا الرامز،كان رمزا وعلماً للصمود في أقبية التحقيق الصهيونية،وفي قيادة المعارك الاعتقالية في السجون،وكان يمثل الرمز والعنوان والقدوة والمثال والعطاء والتضحية للرفاق،وكان شعاره الخالد في السجون"أعطني جريدة أعطيك حزباً منظماً قويا" ولكونه قائد تنظيمي من طراز خاص استهدفته مديرية مصلحة السجون وأجهزة مخابراتها في النقل القسري من سجن لأخر،ولكنه لم يكل ولم يهدأ،فكانت هموم الحزب في رأس سلم اولوياته،كان همه أن يبني حزبا قائماً على أسس ومفاهيم حزبية بعيدا عن الشللية والعقلية التامرية والوصولية والانتهازية والنفعية،والقيادة عنده عنت وتعني عملاً مستمراً وعطاءاً مستمراً،لا نمطية وتكلس وقلة انتاج وجاه ووجاهة وفشخرة واستعراض .

ابا الرامز لم يتخلف عن أي من معارك النضال والتضحية والفداء،بل كان دائماً في المقدمة وبين الجماهير،وعندما اجتاح شارونا لضفة الغربية في عام 2002،كان ابو الرامز في مقدمة المقاومين الميدانيين على رغم من كبر سنه ومرضه بفعل رطوبة السجن وطول فترة الاعتقال،الا انه ذهب للبلدة القديمة من نابلس ليضحي ويستشهد دفاعا عن مدينته وحزبه وثورته وقضيته بكل طواعية. واختم بما قاله عنه رفيق دربه ابو امل" كان ربحي عنيدا بعناد صخور عيبال وجرزيم ويؤمن بان هزيمة شارون ستبدأ من البلدة القديمة في نابلس فحاول جاهدا تجميع كافة الشرفاء في بوتقة واحدة للدفاع عنها لكنه استشهد واقفا كزيتونة خضراء قبل تحقيق الحلم في 6/4/2002.

CONVERSATION

0 comments: