الجزء الثاني والأخير ..
إستمر إبن الشيخ الكبير وإخوته وعائلاتهم بمشاركة أهالي الواحة بتلقي العزاء في وفاة الشيخ لمدة سبعة أيام .
كان من الطبيعي أن يذهب الإعرابي وبقية أولاده للقيام بواجب التعزية للرجل الذي أنقذه وأنقذ عائلته من الموت جوعا لسوء ألأحوال الجوية وعدم نزول الأمطار في ذلك الجزء من الصحراء .
لكن الشيء غير العادي أن يذهب في اليوم السابع ، راكبا فرسه و أولاده فوق خيولهم والسلاح على أكتافهم ، وكأنهم ذاهبون لإستعراض عضلاتهم وقوتهم حتى يهابهم الناس ويخشون بطشهم الذي أصبح حديث أهل الواحة .
وقف الإعرابي أمام خيمة العزاء دون أن يترجل من فوق فرسه وأولاده خلفه .
في داخل الخيمة وسط الحزن على فقدان الشيخ لم يهتم أحد لا بالإعرابي ولا بأولاده ، ويبدو أن الإعرابي كان ينتظرهم يهرعون إليه ويرحبون به .
حاول إبن الإعرابي الكبير التحرش بالموجودين ليسيء إلى إبن الشيخ والعائلة . لكن الأعرابي أشار إليه بيده ليبقى مكانه ثم ترجل من فوق الفرس . فما كان من أولاده إلا متابعة والدهم وترجلوا من فوق خيولهم وساروا خلفه والسلاح فوق أكتافهم مما أثار حفيظة إبن الشيخ ومن معه.
شعر الإعرابي بعدم إهتمام إبن الشيخ به ولا بأولاده فحياهم بإلقاء السلام عليهم . لم يلتفت إليه إبن الشيخ أو من الذين معه .
حاول أيضا أن يجلس إلى جوار إبن الشيخ . لكن رجال إبن الشيخ منوعه ، فتكهرب الجو . لكن سرعان ما تمكن أبناء الشيخ من السيطرة على الجميع وأخذ السلاح منهم .
إستمر إبن الشيخ في جلسته والإعرابي واقف شبه مقبوض عليه بعد أن تم تفتيشه وأخذ السلاح منه كما فعلوا مع أولاده .
إستمر إبن الشيخ في الحديث الذي كان يتحدث به عن المرحوم والده ، ملمحا أن سبب موته كان بسبب غدر وخيانة من آواهم وعطف عليهم وأحضرهم إلى الواحة.
كذلك أشار بإصبعه إلى الأعرابي وبتهكم قال :
ـ هذا الإعرابي وبنوه أنقذهم أبي من جوع وموت محقق . فماذا قدم الإعرابي وأولاده للمرحوم والدي الشيخ ولأهل الواحة ؟
قبل أن يفتح الإعرابي فاه معترضا . قال له إبن الشيخ :
ـ إخرس ولا تفتح فمك. أتيت الأن في اليوم السابع للعزاء دون حمرة خجل أو كسوف ؟ والأمَرُ من هذا جئتم حاملين سلاحكم لتهديدينا في عقر ديارنا . هل لك أن تشرح لنا سبب مجيئك للتعزية بهذه الصورة المخزية والناكرة للجميل ؟
حاول أن يتكلم الإعرابي . لكن المعزين إعترضوا على السماح له بالكلام .
وقف أحد كبار أهل الواحة موجها حديثه للحضورو لأبناء الشيخ قائلا :
ـ نحن لسنا في إحتياج إلى السماع لما سيقول . جميعنا يعلم أنه وأولاده خانو الأمانة ولم يحترموا هيبة الشيخ ولا عائلته ولا الطيبين من أهالي الواحة . بل عاثوا في الأرض فسادا دون إحترام لأحد .
تزوج أبناء وبنات الشيخ من أبناء هذا الإعرابي وبناته . لكنهم لم يحترموا هذا الشرف العظيم الذي نالوه من هذا التزاوج . بل أساء كل منهم أو منهن إلى بنات الشيخ أو أولاده الذكور .
إسمحوا لي في محضرنا هذا بعد السماح من إبن المرحوم الشيخ أن أعلن الأتي :
أولا : تم إختيار الإبن الأكبر للشيخ ، شيخا على الواحة . وبهذا يكون الأمر أمره والكلمة كلمته .
ثانيا : أحب أيضا أن أعلن أمامكم جميعا أنه بينما كان الإعرابي قادما إلى هنا مع أولاده . كانت الأوامر من الإبن الأكبر للمرحوم الشيخ قد صدرت بالقبض على جميع أولاده وبناته وزوجاته ووضعهم في أماكن عليها حراسات مشددة ، بعد أن تم تفتيش خيمهم وأخذ كل ما وجد لديهم من أموال وذهب وفضة وغير ذلك مما نهبوا من أهالي الواحة .
ثالثا : أترك الأمر لشيخنا الوقور والمسئول عن الواحة وأهالي الواحة ، ما يريد فعله مع هؤلاء الخونة والذين لا أمان لهم .
صاحت الجموع :
ـ أقتلوهم .. أقتلوهم بالرجم أمام بقية أولادهم وبناتهم وأزواجهم وزوجاتهم . ليعلم العالم أجمع المحيط بنا ما هو جزاء الخائن الذي أويناه وأطعمناه وصاهرناه . لكنه ظهر على حقيقته هو وأولاده .
وقف الشيخ الشاب فخاطب الجموع قائلا :
ـ وليت عليكم وأنا منكم وإبن شيخكم الطيب الذ تحنن على هذا الرجل وأطعمه وأواه حتى إسترد عافيته وقدرته على العودة إلى حيث أتى وأرسل معه شقيقيّ دون أن يظهرا أنهما أبناء الشيخ . بل أكثر من هذا أرسل معهم جمالا محملة بكل ما تحتاجه عائلة الإعرابي من مؤن هم في أشد الحاجة إليها . وأمرهما إذا أظهر رغبة في العيش معنا هو وعائلته فاحضروهم معكم ليعيشوا معنا يأكلون ما نأكل ويشربون ما نشرب ولهم ما لنا وعليهم ما علينا .
لكن لا أدري أي شيطان جعل الإعرابي يتحول من رجل طيب يريد العيش والحياة الكريمة له ولبنيه وبناته وزوجاته ، إلى مجرم لص لا يبالي بأحد جُلَ همه أن يغتني دون أن يعمل عملاً يشرفه ويشرف عائلته . مع الأسف تمسكن حتى تمكن وظهرت حقيقته .
لعلمكم جميعا المرحوم أبي كان يعلم بكل ما يفعل الإعرابي وأولاده ولم يفعل شيئا غير أنه طلب من إخوتي طلاق نسائهم بنات الإعرابي ، والعكس مع أخواتي النساء الطلاق من رجالهن أبناء الإعرابي . لأنه لا يشرفنا التزاوج منهم .
تم ذلك بالفعل . لكن الإعرابي لم يعجبه الحال فزاد من نشاطه ضدنا وضد أهل الواحة .
أسألكم جميعا ماذا نفعل بهم . وقبل أن تجيبونني أستأذنكم سأوجه سؤالي للإعرابي أولا .
ـ يا إعرابي ماذا تريدنا أن فعل معك وعائلتك بعد أن تأكد لنا عدم ولائكم لأهل الواحة التي أنقذتكم من هلاك مؤكد ؟
الإعرابي : لا طلب لنا سوى ألعفو عنا طامعين بكرمكم الذي أكرمتمونا به . أعترف لكم جميعا بأننا أخطأنا وتبنا الأن ونعدكم بعدم العودة إلى هذا الفعل مرة أخرى .
أحد أبناء الواحة :
ـ هذا هراء .. كيف نثق بخائن خان الأمانة هو وعائلته ؟ كيف ؟
الإعرابي : هذا وعد مني ومن عائلتي وعهد علينا . إن حنثنا بالوعد والعهد إفعلوا بنا بما تشاؤن من عقاب .
الشيخ الشاب : كفى كلام الأن . خذوهم إلى خيمة السجن واتركوني مع إخوتي وكبار رجال الواحة .
جلس الشيخ الشاب مع إخوته وكبار رجال الواحة للتشاور وأخذ الأراء فيما يمكن فعله مع الإعرابي وعائلته .
أغلب الأراء كانت غاضبة وتطلب القصاص . أما الشيخ الشاب فكان له رأي آخر يخالف أراء الجميع بما فيهم إخوته . فقال لهم :
ـ جميعنا يعلم بما قام به المرحوم والدي الشيخ مع الإعرابي وعائلته . وهذا فعل الخير الذي قابله الإعرابي بالشر . العقاب الوحيد الذي سنوقعه عليه وعلى عائلته هو " صمت برهة " ثم استمر في الحديث .
الدرس الذي يجب علينا أن نتعلمه جميعا هو العفو عند المقدرة . العفو هنا ليس عفوا متسامحا أو متجاهلاً أفعال الإعرابي وأولاده . والعفو أيضا لا يعني السماح لهم بإستمرارية البقاء في الواحة .
لذا قراري هو منحهم ما يكفيهم من مؤن واحتياجات وطردهم من الواحة في حراسة مشددة ليعودوا إلى حيث كان الإعرابي يعيش . ومن يحاول العودة متسللاً يتم القبض عليه وسجنه إلى الأبد .
صاح الجميع في سوط واحد :
هذا هو العدل المتسامح الذي علمه لنا المرحوم شيخ الواحة .
تمت
ـ أعتذر منكم ومن السادة القراء لتوقفي عن الكتابة لفترة لا أعرف مداها لظروف خاصة. شكرا لكم ..
أنطوني ولسن
o7 / 08 / 2014
0 comments:
إرسال تعليق