يوم الأربعاء 27 آب جرى احتفال مهيب بتسليم واستلام منصب رئيس الجمهورية التركية بحضور لفيف من رؤساء الدول والحكومات والأحزاب والهيئات الأممية والمحلية تجلت فيه الديمقراطية في أقصى حدودها وقد غمرتها مشاعر الحميمية المتبادلة التي تربط بين رئيس صاعد ورئيس انتهت ولايته، ولا أبالغ إذا قلت أن هذا الاحتفال كان عرساً ديمقراطياً بامتياز. يحق لتركيا وشعب تركيا أن يفخر بما وصلت إليه الدولة التركية من رقي وحضارة ومدنية واستقرار ونهضة ونماء جعلتها دولة مهيبة الجانب ووضعتها في مصافي الدول المتقدمة المخطوب ودها شرقاً وغربا.
فمبارك لتركيا وشعب تركيا برئيسها الصاعد ورئيسها الذي انتهت ولايته وقد تبسم لها الدهر حتى بانت نواجذه ومن حقها أن تفخر بما تحقق لها على يد هذه الثلة المباركة من أبنائها الغر الميامين أصحاب الأكف البيضاء والعقل المستنير والقلب الكبير.
تابعت احتفال التنصيب حتى اللحظات الأخيرة محدق العينين بكل التفاصيل والحركات والهمهمات، وغمرتني مشاعر الغبطة على كل ما تشاهده عيناي، ولم أستطع أن أحبس دموعي التي سالت على الخدين فرحاً بما أرى وألماً عما جرى ويجري في بلدي سورية.. سورية التي تستحق ما يجري في تركيا وليس ما يجري على يد سفاحها نمرود الشام، وأستذكر رجالات سورية العظماء الذين لا يقلون جدارة وحكمة وفكراً وعقلاً عن هؤلاء الرجال العظماء الذين منحهم القدر لتركيا لتصل إلى ما وصلت إليه.. أستذكر رجال سورية العظماء (شكري القوتلي وهاشم الأتاسي وسعد الله الجابري ورشدي الكيخيا ومعروف الدواليبي وعصام العطار وناظم القدسي وفارس الخوري) والمئات غيرهم من الذين ملؤوا ساحات الفكر والسياسة في سورية منذ فجر الاستقلال وإلى يومنا هذا، ولم تتح لهم الفرصة لقيادة سورية لتصل إلى ما وصلت إليه تركيا من نمو ورقي واستقرار وعلو كعب!!
آه يا بلدي على كل الذي جرى ويجري عليك وقد عاصرت حلوك ومرك وفرحك وترحك فلا أزال أذكر كيف سرت في مقدمة موكب السائرين في حضرة رئيس الوزراء سعد الله الجابري في ساحة الحرية بحلب يوم الاحتفال الأول لعيد الجلاء عن سورية عام 1947، وشاهدت كتائب الجزم التي قادها الضابط الأرعن حسني الزعيم لمحاصرة القصر الجمهوري عام 1949، ومن بعده سامي الحناوي عام 1949، ومن بعده أديب الشيشكلي عام 1949-1954، ومن بعده الضباط البعثيون المغامرون الصغار عام 1958 ومن بعدهم ضباط الانفصال 1961_1963، ومن بعدهم ضباط اللجنة العسكرية الطائفية البعثية عام 1963 ثم حركة شباط البعثية 1966، فحركة حافظ الأسد الغادرة عام 1970 ليقود سورية إلى النفق المظلم الذي نعيشه اليوم ونتقلب في أتون مياهه الآثنة، ولا أغالي إن قلت أن سورية لم تعش إلا سنوات قليلة من بعد الاستقلال نعمت فيها بالاستقرار والأمن والأمان وتنسمت الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية من خلالها، وقفزت لتنافس الدول المتطورة في تلك السنوات القليلة والتي جعلت مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا يتعجب من تطور وتقدم سورية عندما زارها ويطلق مقولته الشهيرة: (إن شاء الله بعد خمسين سنة ستصل ماليزيا إلى ما وصلت إليه سورية)، وهذه السنوات الذهبية هي: (1945-1949 و1954-1958 و1961-1963) فقط منذ الاستقلال وحتى اليوم وعمر الاستقلال هو: (69 سنة).. آه يا بلدي!!
أختم مقالي بتهنئة الشعب التركي مجدداً متمنياً له مزيداً من التقدم والنماء والرفاه والاستقرار والأمن والأمان، ومتمنياً لتركيا السلامة والحفظ وعلو البنيان في ظل القيادة الحكيمة والوطنية التي تقود سفينتها إن شاء الله إلى بر الأمان.
0 comments:
إرسال تعليق