قدم للحوار: د. أفنان القاسم
أجرى الحوار: د. أفنان القاسم
كاتب الحوليات هو المدون للأخبار، ومحمد حسنين هيكل في سلسلة كتبه "المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل" يقوم بدور المدون، إلا أن قلمه السيال يتواضع هذه المرة، فيترك المجال للموثق، ولا يجعلك تغرق في محيطات اللطم اللفظي، ولكنه في توثيقه هذا يؤكد ولا يفند، يعرض ولا يكشف، يوصل ولا يزعزع، إنها طريقته ذاتها منذ بداياته ومقاله الأسبوعي في الأهرام، يقول كل شيء من أجل ألا يقول شيئا، وكل شيء يمر كمنظّر لعبد الناصر، للناصرية، وبالتالي كممهد للهزيمة التي تمت وحتى آخر لحظة على أساس أنها انتصار ما بعده انتصار. محمد حسنين هيكل بحضوره كان ولم يزل –فهو يدخل اليوم كل بيت من شاشة الجزيرة- أخطر من الحضور الإسرائيلي في ضمير الفرد العربي، لأنه يغوص في الوعي بوصفه حاثا ومحرضا بناء على خطأ إيديولوجي ومعرفي ودلالي، فالهرم الفكري الذي له يقوم على أطروحات كلها زائفة أو مزيفة للواقع وللتاريخ وشائهة أو مشوهة للحقيقة وللعلاقات التي فيها وما بينها، لأنها كلها تنهل من سيميائية قومية قومجية الأمة فيها كتلة متراصة من الحديد الخام والإيمان نسخة سلبية ثابتة والصراع صراع الكل للكل الكل العربي والكل الصهيوني وقد شمل هذا الكل كل الأمريكان وكل الإنجليز وكل سكان عطارد والمريخ دون أن تكون هناك إشارة واحدة إلى فروق طبقية وفكرية وحتى مزاجية أو أخرى إلى حكام متسلطين انهزموا وأفراد مستضعفين هُزّموا، يكفي أن نقرأ عنوان كتابه "المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل" لنقف على نهج التعميم والتفخيم والتفخيخ الذي يتّبعه اتباع أي كاتب من كتاب الخطاب السائد، لأنهم الحكام العرب وليس العرب الذين فاوضوا ولأنهم القادة الصهاينة الذين فاوضوا وليس الإسرائيليين تحت كناية إسرائيل. هذا الفكر القومي القومجي الذي انهزم والذي لم يزل يراهن على أمة تنهض من الرماد وعلى تعويذة تقيم الوحدة من المحيط إلى الخليج بين شعوب لا يجمعها أدنى جامع لا اللغات ولا المصائر ولا الأماني التي لا توجد إلا في رأس محمد حسنين هيكل ومن لف لفه من الطوباويين، ويجمعها البؤس والاستغلال والظلم وأحلام الإطاحة بأنظمة رثة هي هنا في خدمة النظام الأمريكي الرأسمالي العالمي تماما مثلما هي إسرائيل في خدمته، كل حسب طريقته، ومن يعتقد بقوة إسرائيل وعنتريتها وعنجهيتها أو بلوبيها هو واهم لا ريب لأن ما يجري على الأرض بخصوص النظام الإسرائيلي والأنظمة العربية لهو تنفيد للمشروع الأمريكي في السيطرة على الثروات والإنسان وتحقيق لمصالح الدولار فقط لا غير...
التقينا الدكتور محمد حسنين هيكل في المطعم العربي –عربي واعتقدنا عن خطأ أن هذا ليس صدفة لمنظّر العروبة- الذي كان يأكل فيه الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتيران…
* لماذا هذا المطعم دكتور هيكل؟
. لأني أريد أن آكل من طبق الكسكسي الشهي الذي كان يحبه الرئيس ميتيران وسماه صاحب المطعم بكسكسي الرئيس.
* أليس هذا بسبب رغبتك في إهدائه كتابك التي لم تتحقق قبل موته مثلما أهداك كتابه؟
. وهذا أيضا، رمزيا وكأني أهديته كتابي الذي أحمله في حقيبتي منذ سنين (يخرجه) خذه هو لك بشرط أن تقرأه، يهمني أن يقرأ كتبي الرؤساء والعباقرة.
* أشكرك على رشقي بحبر العبقرية، ولكني عبقري برشوة أم بدون رشوة؟
. بالاتنين (يضحك) كان عبد الناصر يقول للسادات عندما يأتي ليسمع ما أقوله من فلسفة وتنظير له "اتركنا شويه بقى يا محمد" فيرد عليه السادات "أنوه محمد فينا؟" كان لاصقا كالصمغ وغيورا كما كان يغير كهنة رمسيس من قرب أحدهم من رمسيس فيما بينهم.
* وما العلاقة دكتور هيكل بالعبقري برشوة والعبقري بدون رشوة؟
. العلاقة هي أنا (يضحك).
* ماذا فعلت كتبك في الغرب وأنت خطابك القومي لا يلفت هنا انتباه أحد؟
. لم تفعل شيئا وهذا شيء مهم جدا ويمثل نجاحا كبيرا.
* مثل نجاح كتبك ومقالاتك في مصر والعالم العربي.
. (بعد أن يأكل ثلاث ملاعق كسكسي أو أربعة بسرعة هائلة) الحقيقة أنني كاتب مهم لهذا السبب، ولأنني لن أصبح أبدا إدوارد سعيد آخر أو شيخ عبد الباسط عبد الصمد آخر، أنا في الأنتروبولوجيا وحدي وفي التجويد وحدي ولو كتبت الرواية لتفوقت على نجيب محفوظ لأنني وحدي حتى في ميدان الخيال، لهذا أنا وحدوي تحت معنى العزلة التي تحمله مفردة وحدة ومعنى اتحاد العرب من المحيط إلى الخليج (يضحك) عرب إيه ووحدة إيه وبطيخ إيه إسأل ماركس عن الحقيقة تجدها عنده.
* ولكن دكتور هيكل كنت أظن...
. أنا مش قلت لك إني وحدي على الرغم من أنني أضع التجربة الشيوعية في الاتحاد السوفياتي سابقا جنبا إلى جنب التجربة النازية في ألمانيا الهتلرية سابقا، معلش عدم المؤاخذة، فأنا وحدي... آه يا وحدي، غناها لي محمود درويش الله يرحمه، ده كان شيوعي وحده هو الآخر.
* والجزيرة دكتور هيكل؟
. ( يكون على وشك ابتلاع ملعقته فيسعل) الجزيرة مالها؟ ديه تجربة من تجارب وحدي الناجحة جدا جدا جدا بغض النظر عن كونها من تأسيس الموساد، ما إحنا كده بنحارب الموساد من جواه وبننتصر لأول مرة في تاريخ العرب منذ جمال عبد الناصر على إسرائيل... بالرمز طبعا.
* شكرا لك دكتور هيكل.
. شكرا لك، وما تنامش لما تقرأ الكتاب بتاعي، ده ميتيران فضل الموت على ألا يقرأه.
ramus105@yahoo.fr
www.parisjerusalem.net
افنان القاسم
0 comments:
إرسال تعليق