بغض النظر عن صحة التسريبات التي تتحدث عن مفاوضات سرية تجري بين طهران وواشنطن في جنيف، ففي العلن تخوض الولايات المتحدة الأميركية وإيران حرباً ضروساً في محاولة من كل منهما كسب ود الصين، التي يتوقف على قرارها في مجلس الأمن فرض العقوبات على ايران او عدم فرضها.
فخمس دول هي اميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا باتت جاهزة لفرض عقوبات قوية على إيران بذريعة انها لم تتجاوب مع الجهود الدولية لوقف برنامجها النووي المشبوه، والموافقة على وضع حد لعمليات تخصيب اليورانيوم التي تقوم بها، والقبول بمدها على مراحل بيورانيوم مخصب من فرنسا او غيرها، وبالسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة بالدخول الى كل منشآتها النووية. ولكن ما يمنع هذه الدول من إحالة ملف العقوبات الى مجلس الأمن هو تمتّع الصين بحق استخدام الفيتو لأنها غير موافقةعلى العقوبات ، وتفضل حل النزاع في هذاالملف عبر الطرق الدبلوماسية وعن طريق المفاوضات من منطلق ان العقوبات لن تؤدي إلا الى إحداث المزيد من التوتر في المنطقة.
ولقد حاولت واشنطن عبر الوسائل الدبلوماسية اقناع الصين بالإنضمام الى الدول الخمس، ولكن دون جدوى، فلجأت بعدها الى استخدام اوراق ضغط على بكين تمثلت في الخطوة الأولى بتسليح جزيرة تايوان بأسلحة متطورة تبلغ قيمتها أكثر من ستة مليارات دولار، وتشمل صواريخ وطائرات متطورة، وكاسحات ألغام، وتكنولوجيا بحرية لتحسين أنظمة القيادة، كما لجأت واشنطن الى استضافة زعيم التيبت الدالي لاما . هاتان الخطوتان أثارتا حفيظة بكين التي تعتبر تايوان والتيبت جزءاً لا يتجزأ من الوطن ومن غير المسموح لواشنطن التدخل فيهما. ولكن ذلك لم يدفعها الى تغيير موقفها الرافض لفرض عقوبات على إيران . وفيما تتعرض الصين لشتى انواع الضغوطات الغربية فإنها بالمقابل تتعرض لإغراءات ايرانية تتعلّق بصفقات اسلحة وبإستثمارات نفطية واعدة .
و يعتبر حجم التعاون الاقتصادي بين الطرفين ضخماً للغاية ويعود في جزء منه إلى الصفقات العسكرية والاقتصادية الضخمة، حيث عقدت الصين مع إيران في أكتوبر/ تشرين الأول 2004 صفقة تراوحت قيمتها بين 70 و100 مليار دولار تقوم بكين بموجبها بشراء النفط والغاز الإيراني، وتتولى تطوير حقل (ياداوران) النفطي. وامتد التعاون ليشمل 100 مشروع آخر في ما يتعلق بالبنى التحتية وقطاع الطاقة الإيراني، كما وقّّع الطرفان في العام 1992 اتفاقية التعاون النووي الثنائية المشتركة، وقد استمرت الصين وفقاً لهذه الاتفاقية بتزويد إيران بالمعدات والمساعدات التقنية خلال عقد كامل .
وتعتبر ايران حالياً ثاني أكبر مصدر للنفط للصين بعد السعودية حيث تؤمن طهران حوالي 11 في المائة من النفط الصيني المستورد من الخارج. ولا تقف العلاقة الصينية الإيرانية عند واردات النفط بل تتعداها إلى نمو مضطرد في العلاقات التجارية التي بلغت قيمتها عام 2009 نحو 22 مليار دولار بتراجع وقدره 23.6% عن المعدلات المسجلة عام 2008. أما بالنسبة للصادرات الصينية إلى إيران، فقد بلغت العام الماضي أكثر من سبعة مليارات دولار بتراجع وقدره 3.0% عن العام الذي سبقه، حيث تتركز الصادرات الصينية على الآلات والمعدات ومحركات السيارات والنسيج والسلع الاستهلاكية.
وقياساً الى حجم العلاقات الإقتصادية بين اميركا والصين التي تصل الى مئات مليارات الدولارات، فإن حجم المبادلات التجارية بين بكين وطهران تبدو متواضعة جداً. ولكن الصين تعي تماماً ان اميركا لن تقدم على أي خطوة ضغط ذات ابعاد اقتصادية ضد الصين لأن هذه الأخيرة اصبحت بفضل استثماراتها في اميركا في صلب بنية الإقتصاد الأميركي، كما ان الودائع الصينية لدى المصارف الأميركية وصلت الى مئات مليارات الدولارات وهي مستثمرة بشكل اساسي في سندات الخزينة التي إذا ما سحبت ستترك انعكاسات كارثية على اسواق المال الأميركية. وهنا تكمن اهمية الورقة التي تمسك بها الصين والتي تجعلها تفكر مطولاً قبل ان تنصاع لأي رغبة سياسية اميركية .
ولعل هذه الوقائع هي التي دفعت بالصين لتجعل من نفسها " جوكر " صالح للإستخدام مع طهران وواشنطن الى ان يتوضح مصير الملف النووي الإيراني، وجدية واشنطن في رسم استراتيجية واضحة بشأنه.
رئيس مركز الدراسات العربي الاوروبي
0 comments:
إرسال تعليق