حفلة شاي ثكنة مرجعيون/ محمود شباط

كثيرون منا يتذكرون ما دبَّجتهُ وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي عن تلك "الحفلة" التي تناول خلالها جنود العدو الشاي في ثكنة مرجعيون أثناء عدوان تموز 2006. كثرت حملات التخوين التي صارت بسهولة "شربة الماء" وساد الغموض إلى أن قدم العميد عدنان داوود، قائد القوة الأمنية المشتركة في الجنوب، تقريراً إلى وزير الداخلية بالوكالة في حينه، أحاله إلى رئيس مجلس النواب الذي بدوره أحاله إلى لجنة الدفاع والأمن البرلمانية، ونشرته صحيفة "الأخبار" في 01 أيلول 2006.
إذاً نحن أمام تقرير ذي صفة وطابع رسميين موثق بأدلة ومدعم بشهود وليس "خربشات فاسبوكية" غير مسؤولة. عَبَرَ التقرير القنوات الرسمية ووصل إلى الجهات المعنية الرسمية نواباً ووزراء، وكذلك الإعلاميين والمتعاطين بالشأن العام، بكافة مشاربهم السياسية وانتماءاتهم الحزبية، ولم يتم دحضه أو التشكيك بمضمونه. ألا يعني عدم دحضه من قبل أحد بأنه حقيقة لا لبس فيها وغير قابلة للطعن بها ؟.
أهم ما جاء في التقرير، وباختصار شديد، هو أن عدد عناصر القوة الأمنية المشتركة لم يكن يتجاوز 350 عنصراً لدى كل منهم رشاش ومسدس ووحدة نارية، وبأن مبنى الثكنة قديم متهالك وسماكة سقفها لا يتعدى 10 سم، وبالقرب منها يتجمع حوالي خمسة آلاف مواطن معظمهم من النساء والشيوخ والأطفال، أي أنها غير صالحة للعمليات الحربية عداك عن أنها كانت قد أصبحت تحت الإحتلال، وبأن قرار المقاومة بمثابة انتحار قد يودي بالجميع إلى القتل أو الجرح أو الأسر.
كنا نتمنى أن تكون تعليقات أشاوس الحرب بالمناظير الفايسبوكية أكثر حكمة وإنصافاً وخالية من الافتراءات الغريزية المنحازة والمترعة بالتجني على العميد داوود، وكنا نتمنى أن يتذكروا أو يذكروا بأن العميد داوود رفض في البداية تقديم الشاي ولكنه ساير على مضض ضابط القوات الدولية الذي أصر على تقديم الشاي، وحين قال الضابط الإسرائيلي للعميد " إياك أن تضع لنا السم في الشاي" فرد العميد عليه : " يا ريت قادر".
وكما أن "إماطة الأذى عن الطريق صدقة" فإن إماطة التجني عن المظلوم ووقف نحر الحقيقة صدقة. انتظرنا طويلاً كي نسمع العميد داوود يرد على المفترين ولكن، وبقدر ما نعلم، يبدو بأنه آثر أن يبقى سائراً بقافلته دون اكتراث بما يحدث حولها، بقي الكبير كبيراً ولم ينزل إلى درك ممن كانوا حول القافلة. فتحية إكبار لحضرة العميد الذي اتبع بحكمة ما قاله الشاعر:
الرأي قبل شجاعة الشجعان/ هو الأول وهي المحل الثاني / فإن هما اجتمعا لنفس حرة حرة/ بلغت من العلياء كل مكان. 
ألا تستحق تلك الحكمة التي أثمرت إنقاذ الأرواح وتجنب الخسائر المؤكدة شكر "أشاوس الفايسبوك" بدل انتقاداتهم وتخويناتهم؟ ألا تستأهل تلك الـ "يا ريت قادر" التي صفع بها العميد داوود وجه الضابط الإسرائيلي أن يذكرها ولو واحد فقط ممن سخَّروا أقلامهم وضمائرهم وعقولهم للهذر والتخوين وتجريد خلق الله من وطنيتهم ومواطنيتهم بخفة صبيانية؟ ألم تستوقف الكتبة والمستكتبين مسألة عدم تسليح عناصر القوة الأمنية بغير الرشاش والمسدس والوحدة النارية؟ ومن المسؤول عن ذلك التقصير؟ مقصوداً كان أم غير مقصود؟ بالتأكيد ليس العميد داوود.
أسئلة برسم الإجابة عليها ممن لديه ما لا نعرفه.
أختم بالآية الكريمة " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيَّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين".

CONVERSATION

0 comments: