تمرد.. تمرد.. وعدوى التمرد/ راسم عبيدات

عندما إلتقيت في اثينا عدد من قادة تمرد المصرية،لا اخفيكم سراً بأنني كنت متشككاً في قدرة تلك الحركة،بان تحدث تغيراً جوهرياً واستراتيجياً في مصر،اقرب منه الى الزلازل الذي ستطال تداعياته وتأثيراته ليس مصر وحدها،بل كامل المنطقة العربية،وحتى الواقعين الإقليمي والدولي،ولم اكن واصلاً الى قناعة بان مشروع الإخوان سيسقط وينهار بهذة السرعة وهذا الزمن القياسي،بسبب قوة الدفع التي تقف خلف هذا المشروع داخلياً وعربياً وإقليمياً ودولياً،ولكون حملة هذا المشروع قد نجحوا في خداع وتضليل الناس ووظفوا الدين لخدمة اغراضهم السياسية،وأستغلوا العمل الاغاثي والاجتماعي لدعم مشروعهم في وسط القطاعات الشعبية والجماهيرية والناس البسطاء،ورغم إنكشاف زيفهم وكذبهم ودورهم واهدافهم وتخليهم عن شعاراتهم وبرامجهم التي استخدمت كغاية لتبرير الوسيلة من اجل الوصول الى السلطة،إلا انني كنت ارى بان سقوط هذا المشروع لن يتم بهذه السهولة والسرعة،بل سيعجل بسقوطه،هزيمة المشروع المعادي في سوريا،والتي تشكل حركة الإخوان المسلمين رأس حربة فيه.
المهم تحليل قادة تمرد ورؤيتهم وإطلاعهم على الأمور عن قرب وكثب،ومعرفتهم بالواقع،قادت الى صحة تحليلهم ورؤيتهم،وكانت الحشود الشعبية والجماهيرية المطالبة بسقوط مرسي ورحيل الاخوان،تفوق حتى توقعات حركة تمرد نفسها،فالحشود البشرية،ربما هي الأكبر في التاريخ البشري،وما حدث لا اعتقد بان علم الاجتماع ودراسة علم الثورات،ستجد له تفسيرات وفق قوانين الثورات المعروفة،رغم ان ثورة 25 يناير/2012 المختطفة والمغتصبة من قبل الإخوان،كانت بروفة لهذه الثورة العظيمة،ولكن هناك شيء يجب ان يجري تعلمه ودراسته بشكل معمق من هذه التجربة والثورة،فهذا علم ودراسة ومنهج،يجب إضافتها الى علوم الثورات والكتب والدراسات،لكي تشكل المرشد والملهم والدليل، لما ستكون عليه الثورات القادمة.
المهم حركة تمرد المصرية،هي حركة شبابية سياسية خارج إطار الحزبية،تتواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي،بدأت تؤطر وتهيكل نفسها،على قاعدة وطنية مصر واستقلالها وعدم تبعيتها لأمريكا،ورفضها لإتفاقيات "كامب ديفيد"،ورفضها للتفريط بالسيادة والكرامة الوطنية المصرية،ورؤيتها تتكثف بانه لا خيار لمصر إلا ان تكون دولة وطنية لكل مواطنيها،تستوعب كل مكونات ومركبات المجتمع المصري،وإلا بدون ذلك فإنها ستغرق في الفتن المذهبية والطائفية،ويتهددها خطر التفتيت والتقسيم،وعلى الصعيد الاجتماعي فهي اقرب الى القوى اليسارية بعدائها للراسمالية وسياسة السوق،لكونها تنحدر من طبقة البرجوازية الصغيرة في موقعها الأدنى،ورؤيتها تحتاج الى إنضاج حول الصراع الطبقي والتفاوت في الثروات الاجتماعية.. والمشكلة التي ستواجها حركة تمرد،هي في غياب القيادة القادرة على السير بالثورة الى نهاياتها،والتي تتطلب منها العمل على ردم هذه الثغرة،والعمل على خلق قيادات ثورية قادرة على ان تقود المركب والثورة إلى بر الأمان،حيث ان بعض القوى وبالتحديد جبهة الانقاذ وفلول النظام السابق،ستحاول ان تستثمر هذه الثورة وتستغلها من اجل أن تقفز الى عربة القيادة والإستيلاء على الثورة،ولذلك من غير الجائز ان يجري إعادة إنتاج النظام القديم،لأن ذلك سيجعل المفاضلة ما بين حكم وسلطة الإخوان وما بين الليبراليين المحدثين وفلول النظام البائد .
إن نجاح حركة تمرد في إسقاط حكم الإخوان في مصر،كان بمثابة الملهم والمرشد لرفاقهم في تونس،الذين يواجهون نفس الخصم فهم من قادوا الثورات والتغير،ولكن من اعتلى على قمة تلك الثورة وحرفها عن اهدافها،وجيرها لمصالحه واجنداته،هم جماعة الإخوان المسلمين،حيث تجري عملية أخونة السلطة والدولة،وشن حرب لا هوادة فيها على القوى العلمانية والتقدمية والثورية،والتي بلغت ذروتها بتورط النظام في قتل القائد التونسي المعارض البارز واحد قادة الجبهة الشعبية شكري بلعيد،كما ان تونس أصبحت رهناً لمشيخة النفط القطرية،بحيث تتحكم في سياساتها وقرارتها،وهذا برز من خلال تورط النظام في الحرب على سوريا،حيث مئات"الجهاديين" الذين إستغلهم الإخوان وقطر لجهة عوزهم وفقرهم وضللوهم وخدعوهم وأرسلوا للذبح في الشام تحت شعار خادع وكاذب "الجهاد" وإعلاء"راية الإسلام"،وكذلك الفتاوى للتونسيات بالذهاب الى سوريا ل"الترفيه"على "المجاهدين" وإشباع غرائزهم وجوعهم الجنسي عبر ما يسمى ب"جهاد النكاح".
إن من هم بحاجة اكثر الى حركة تمرد،هم الشعب الفلسطيني،حيث ان هناك سلطتين تتنازعان وتتصارعان على المصالح والإمتيازات والإستثمارات(سلطتان تحت الإحتلال وبدون سيادة فعلية)،وإن إختلفت درجة الخضوع للإحتلال،وقد نمت هناك في كلا الطرفين فئات منتفعة ومستفيدة من الإنقسام،فئات تنتفع وتستثمر وتحتل مواقع قيادية وتخلق لها مكانة إقتصادية وسياسية وإجتماعية على حساب الشعب الفلسطيني ومصالحه العليا،وتنصب من نفسها قيادات للمشروع الوطني الفلسطيني،وهي اول من يعمل على تصفيته وتدميره،ولذلك هنا اكثر الساحات التي يجب ان تحظى بالتمرد،تمرد على السلطات القائمة،لدفعها من اجل ان تنهي ظاهرة الإنقسام المدمرة،التي تفتك بالجسد الفلسطيني وتزيده ضعفاً على ضعف،ومن ثم العمل على إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وفق برنامج سياسي يقوم على اساس الصمود والمقاومة، برنامج تلتف حوله كل مكونات الشعب الفلسطيني المعنية بالتحرر والحرية من قوى واحزاب ومؤسسات مجتمع مدني،وعلى ان يصار الى إنتخاب قيادة فلسطينية بشكل ديمقراطي،فالسلطات القائمة كفت على ان تكون قائدة  ل ومعبرة عن اماني وطموحات الشعب الفلسطيني،فهي جزء من الأزمة وليس الحل،وعليها ان تخلي الميدان لمن هم قادرين على ان يقودوا هذا المشروع الوطني الى بر الأمان،فهي سلطات فاقدة شرعيتها القانونية والدستورية،ولا يحق لها ان تستمر في إغتصاب قيادة هذا الشعب وإستثمار نضالاته وتضحياته خدمة لأجنداتها ومصالحها وإستثماراتها وفئويتها،وتغليف ذلك بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني.
وعلى القوى الشابة التي تقود المناشطات والفعاليات الوطنية في الشارع الفلسطيني،ان تأطر وتنظم نفسها بشكل اوسع وانضج،وان تعمل على خلق قيادات تكون قادرة على ان تشكل بديلاً جدياً وحقيقياً،لكل الأصنام والقيادات المتكلسة وغير المنتجة،والتي البعض منها أصبح منها معيقاً ومانعاً وحجر عثرة لعملية التطوير والتغير والنهوض،ليس فقط لأوضاع حزبة وحركته التنظيمية،بل للمشروع الوطني الفلسطيني.
الان بالضرورة ان تأخذ حركة التمرد الفلسطينية دورها،وان لا توقف فعلها وحركتها،حتى يتم القضاء على الإنقسام وكنس وإسقاط كل حواضنه وأباطرته وملوكه وحيتانه،فهم يريدون له أن يبقى ويستمر ويترسم ويتشرعن،حتى يستمر مشروعاً إستثمارياً يدر عليهم دخلاً ومالاً ومصالحاً وإمتيازات وإستثمارات.

CONVERSATION

0 comments: