ميزانية اللامساواة والنكث بالوعود/ عباس علي مراد

لا اقتطاع من ميزانية التعليم،لا تخفيض من ميزانية الصحة، لا تغييرات على نظام التقاعد ،لا تعديل في ضريبة السلع والخدمات (جي اس تي) لا اقتطاع من ميزانية اذاعتي أي بي سي وأس بي اس.
رئيس الوزراء طوني ابوت (اس بي اس 6/9/2013) 
لا شك ان اصلاح الوضع المالي وإعادة الفائض للميزانية واجب أية حكومة ،سواء كان من خلال فرض ضرائب جديدة او الحد من المصاريف والانفاق ،ولكن عند إتخاذ تلك الاجراءات يجب الاخذ بعين الاعتبار استمرار النمو ألأقتصادي حتى لا يصاب الاقتصاد بالركود او ان يترك تداعيات على الوضع ألأجتماعي للمواطنين.
الميزانية التي قدمتها الحكومة الفيدرالية ألأسبوع الماضي كانت مفاجئة بقساوتها، رغم التسريبات التي سبقتها للحد من تأثيراتها على الرأي العام،لكن تلك التسريبات لم تثمر فقد ترك اعصار الميزانية خلفه العديد من الضحايا والتداعيات اولها، الثقة التي كان يعول عليها رئيس الوزراء طوني ابوت اثناء حملته الانتخابية للوصول الى الحكم حيث انه لم يخلف بوعد انتخابي واحد بل بعدة وعود دفعة واحدة ،وقد حاولت الحكومة ان تستنجد باللغة من خلال اللعب على الكلام للتغطية على تراجعها عن وعودها ألأنتخابية وفرض ضرائب جديدة واقتطاع خدمات وتقديمات كانت وعدت بعدم مسها أثناء الحملة ألأنتخابية السنة الماضية، والتي ثبتنا بعض منها في مقدمة المقال مستعملة مرادفات عدة لكلمة ضريبة في محاولة لذر الرماد بالعيون ،فقد استعملت الحكومة كلمات مثل :اصلاح ،تعديل ،تغيير،رسوم،مؤشر وغيرها رغم ان وزير الخزينة جو حقي عاد واقر بأنه ضرائب في برنامج سؤال وجواب على تلفزيزن أي بي سي الاثنين 19/5/2014.
وقد طاولت رياح الميزانية القطاع الصحي من خلال فرض ضريبة زيارة الطبيب بقيمة 7 دولارات وغيرها على صور الاشعة وزيادة على اسعار الدواء،ولم يسلم العاطلون من العمل حيث ادخلت تعديلات كثيرة على طريقة حصولهم على علاوة البطالة ،حيث اصبح على الباحث عن عمل اذا كان تحت سن الثلاثين ان ينتظر 6 أشهر للحصول على العلاوة ومن هم بين سن 22 و25 فسوف يحصلون على علاوة الشباب والتي تقل قميتها ب 46 دولار عن علاوة البداية الجديدة ،ولم تنج العائلات من  الاستقطاع حيث تم تخفيض السقف الذي يؤهل العائلات للحصول على علاوة العائلة (الجزء بي) الى 100.000 دولار والغاءها عندما يصبح عمر اصغر طفل 6 سنوات بدل 16 سنة،وقد اتت اقتطاعات  الميزانية على الطلاب الجامعيين حيث سيسمح للجامعات بفرض الرسوم التي تراها مناسبة وكذلك سوف يتم رفع نسبة الفائدة على الديون التي يحصل عليها الطلاب من( هكس) وحتى الولايات ستخسر 80 مليون دولار خلال العشر سنوات القادمة والتي كانت تحصل عليها من الحكومة الفيدرالية لدعم قطاعي الصحة والتعليم، وأعادت الحكومة العمل بمؤشر الاسعار في زيادة سعر المحروقات الذي كانت قد جمدته حكومة جون هاورد على 38.1 لكل ليتر من البترول، واما المتقاعدين فبالإضافة الى رفع سن التقاعد الى 70 ابتداءاً من العام 2035 فهناك تعديلات على دخل المتقاعدين ابتداءاً من العام 2016، حيث ستصبح الزيادة على معاشاتهم حسب نسبة التضخم وليس حسب زيادة نسبة الحد الأدنى للإجور، اقتطاع 16500 وظيفة من القطاع العام غيرها وغيرها.
 وفي محاولة سياسية مكشوفة من الحكومة وحتى تظهر بمظهر العادلة في ميزانية اللامساواة لجأت الحكومة وبعد نكثها بوعد انتخابي آخر الى فرض ضريبة  العجز2% على اصحاب الدخل الذي يزيد عن 180000$ سنوياً لمدة اربع سنوات، اي ستنتهي بعد الإنتخابات القادمة، عكس الإقتطاعات التي ستبدأ بعد ذلك التاريخ لأن الحكومة تحاول ان توهم نفسها قبل المواطنين بأنها لم تخلف وعودها الإنتخابية، مع العلم ان ما يقر في الميزانية بموجب مرسوم لا يمكن اعادة النظر فيه الا اذا عاد حزب آخر الى الحكم، اجمالاً سوف تطال الضرائب الجديدة والإقتطاعات والتي بلغت 0.8% من الدخل القومي حوالي 2 مليون عائلة.
 نشير الى ان الحكومة لم تدخل اي تغيير على نظام الضرائب الذي يطال معاش الإدخار التقاعدي (سوبر) وربح رأس المال والتخفيضات التي يحصل عليها المستثمرون في القطاع العقاري negative
 gearing  والتي يستفيد منها الاغنياء، مع الاشار الى ان   20%  الاوائل  من اجمالي السكان يحتفظون ب62% من الثروة في البلاد بينما  يحتفظ الفقراءب 20 % بواحد بالمئة  فقط  .
وكما يقول المثل "اول الغيث قطرة" فإذا ما استطاعت الحكومة تمرير هذه الميزانية في مجلس الشيوخ وهو ما تدور حوله شكوك كثيرة بسبب معارضة حزب العمال والخضر وحزب بالمر المتحد للضرائب المقترحة وأهمها ضريبة زيارة الطبيب وتعديل نظام التعليم الجامعي، سوف تلجأ الحكومة في المراحل القادمة الى تعديل قوانين اماكن العمل وضريبة السلع والخدمات GST ، تعديل قوانين الضريبة، واعادة النظر بالنظام الفيدرالي والعلاقة مع الولايات في محاولة سياسية واضحة لإبتزاز الولايات التي اجتمع رؤساؤها الأحد في 18/05/2014 في سيدني ووقفت بشبه اجماع ضد اجراءات الحكومة وطالبت رئيس الوزراء الفيدرالية لعقد اجتماع طارئ لمجلس وزراء الولايات المعروف ب (كوواك).
بعيداً عن الإصطفاف السياسي فإن هذه الميزانية شئنا ام ابينا تعتبر تاريخية لأنها  تشكل محاولة جادة لتغييراسلوب العيش الذي نعرفه منذ عدة عقود من خلال التغييرات والتعديلات الذي ذكرنا بعضها ولأنها إعادة  الإصطفاف الايديولوجي والطبقي واعادة التوازن السياسي لحزب العمال الذي عانى من تداعيات الخلاف بين جوليا غيلارد وكيفن راد خلال السنوات السبع الماضية، وقدمت للعمال فرصة سياسية مهمة وهذا ما اظهرته آخر استطلاعات الرأي تقدمهم بأربع نقاط على الاحرار بعد فرز الاصوات التفضيلية 56% للعمال مقابل 44% للأحرار(س م ه 19/5/2014 الصفحة الاولى) حيث اذا استطاعوا ان يبنوا عليها شريطة ان يكونوا على مستوى التحدي ومصارحة المواطنين الذين فقدوا الثقة بالسياسيين من كلا الجانبين بعيداً عن المخاطبة اللغوية الرنانة ،وعليهم ان لا يتبعوا اسلوب "العمل ماشي والحال ماشي" لأنهم اذا فعلوا ذلك يكونون قد اسدوا اكبر هدية سياسية  وللمرة الثانية لطوني أبوت الذي وصل الى الحكم على الجثة السياسية لإثنين من رؤساء وزراء استراليا العماليين، وعندها سوف يستمر وزير الخزينة جو حقي في تدخين سيجاره دون ان يسأله احد كم زيارة للطبيب يكلف ثمنه كما فعل عندما قارن زيارة الطبيب بثمن كأسين من البيرة او ثلاث زيارات مقابل علبة من السجاير.
اخيراً وحول امكانية ذهاب الحكومة الى انتخابات مبكرة في حال فشلها في تمرير الميزانية في مجلس الشيوخ  اعتقد ان هذا الامر لن يحصل في ظل استطلاعات الرأي  التي تظهر عدم رضى المواطنين عن الميزانية  حيث يرى 63% انها غير عادلة  و74% يعتقدون ان وضعهم سيكون اسوأ  (س م ه 19/5/2014) لانها تشكل انتحار سياسي ولا اعتقد ان رئيس الوزراء سيقدم على هكذا خطوة  حتى لو اضطر للتراجع عن  او تعديل بعض بنود الميزانية تحت ضغط المعارضة وضغط زملاءه داخل حزب الاحرار 
لكن الشيء الوحيد المؤكد ان على رئيس الوزراء الاستفادة من مخصصات الميزانية التي خصصها لرقص البالية حتى يتعود الرقص على ايقاع استطلاعات الرأي والتي قد تؤدي الى اعادة سيناريو (راد -غيلارد )لكن بنكهة احرارية هذه المرة لأن الحزب لا يحتمل خسارة الانتخابات  القادمة وبعد دورة انتخابية واحدة !     

سدني 
Email:abbasmorad@hotmail.com

CONVERSATION

0 comments: