التيفو ودوخة العراقي/ الدكتور رافد علاء الخزاعي

دائما يراجعنا في العيادات الخاصة واستشاريات المستشفيات الحكومية  مرضى يشكون من الصداع او الدوخة وأسهل تشخيص لحالتهم هو التيفو كما يسموه البغادة واغلب العراقيين  ويسميه المتعلمون مرض التايفؤيد او الحمى التايفويدية وقد اطلق عليه هذا الاسم لان اعراضه مشابه  قبل اكتشاف المضادات الحيوية في اربعينات القرن الماضي يشابه مرض التايفوس او التيفوس او الحمى  النمشية(Typhus) وهو مرض تسببه الريكتسيا وهي جرثومة اقرب للفايروس من البكتريا وينتقل عن طريق قمل البدن وكان منتشرا ولازال في بلاد الافغان وايران.
 ان حمى التايفؤيد او الحمى التيفية( typhoid fever) هو من الامراض المتوطنة في العراق ويعتبر ايضا من الامراض المعدية عن طريق المياه والاشربة والاطعمة الملوثة بجرثومة بكتيريا الساليمنولا  التايفيؤيدية او مايسمى العصيات التيفية وهي عادة تتلوث من براز  وبول والسوائل او الافرازات الجسدية حاملين المرض او المصابين به خلال فترة الحضانة او المرض او مابعد المرض ما يسمى حاملين المرض حيث تبقى هذه البكتريا المسببة له تتكاثر في مرارة الانسان لان سائل المرارة هو البيئة المثالية للتكاثر لها.
وتعتبر الحمى التيفية من اقدم الامراض على وجه الارض حيث كان مع الطاعون والكوليرا وشلل الاطفال يتناوب في القضاء على السكان ويسبب الوفيات لمدن كاملة وجيوش كاملة ,  حيث  ذكر المؤرخ اليوناني الناجي من وبائية حمى التايفؤيد التي اصابت اثينا  [ثوسديدس]حول 430–424 قبل الميلاد،  ان هنالك طاعون مدمرة، فيه البعض يعتقدون أنه حمى التيفوئيد، قتل ثلث سكان أثينا، بمن فيهم زعيمهم بيريكليس. تحول موازين القوى من أثينا إلى سبارتا، إنهاء "عصر ذهبي بريكليس" الذي اتسمت هيمنة أثينا في العالم القديم.
لقد ظل الباحثون والعلماء يعتقدون ان الطاعون هو السبب الرئيسي لتدمير اثينا  ولكن  مع الأكاديميين  والدراسات العلمية الحديثة وعلماء الطب النظر في التيفوس الوبائي السبب الأكثر احتمالاً. ومع ذلك، دراسة عام 2006 اكتشاف الحموض مماثلة لتلك البكتيريا المسؤولة عن حمى التيفوئيد.
ويحال هذا المرض الأكثر شيوعاً من خلال عادات النظافة الصحية السيئة والأوضاع الصحية العمومية؛ خلال الفترة قيد البحث،  حيث كان شعب اثينا  محاصراً داخل "جدران طويلة" ويعيشون في الخيام وفي ظروف معيشية وبيئية سيئة.
وبلغ متوسط معدل وفيات حمى التيفوئيد في شيكاغو في أواخر القرن التاسع عشر، 65 من كل 100 ألف شخص سنوياً. وكان أسوأ عام 1891، عندما كان معدل الموت التيفودية 174 كل 000 100 شخص ولكن الان بفضل التطور الطبي والتشخيص المبكر وامكانيات العلاج السريعة معدل الموت التايفؤيدي 22 كل مائة الف شخص في البلدان النايمة و 5حالة وفاة لكل مليون شخص للبلدان المرتاحة والمتطورة , وانا في حياتي المهنية الممتدة  لمدة ستة وعشون سنة شاهدت او سجلت حالتين وفاة لمرض التايفؤيد المؤكد بالفحص المختبري من خلال زرع عينة من دم المصاب احدها في مستشفى القوة الجوية سنة 1990 وكان مريضا نقل يعاني من نزف من الجهاز الهضمي مع حمى عالية وحالته حرجة سريريا حيث كان التشخيص الاولي هو ثقب الامعاء وهي من حالات مضاعفات التايفويد المتاخرة في حالات عدم اخذ العلاج الكافي والحالة الثانية شخصتها في العيادة بعد احتلال بغداد مباشرة في حزيران 2003 لمريض من مدينة الكوت وكان مصابا بالسحايا الدماغية التايفؤيدية وقد توفي المريض في مستشفى الجملة العصبية في العناية المركزة وقتها بعد اربعة ايام من التشخيص رغم الجهود الطبية والعلاجية. 
يعتبر  حامل المرض يسمى «حامل التيفوئيد» كل شخص يتمتع بحد معقول من العافية ومع ذلك تتخذ عصيات المرض من جسده ملجأوهو مثل لغم متحرك في المجتمع وقد سجلت قصة ماري مالون الايرلندية المهاجرة الى امريكا والتي تعمل طباخة في احدى المطاعم نيويورك قد سجلت لها عدوى لثلاثة وخمسين شخصا وثلاث وفيات بسب تلوث الطعام المعد من قبلها  الى الزبائن وقد سميت قصتها اعلاميا باسم تايفؤيد ماري وقد منعت من العمل في المطابخ ولكنها عادت مرة اخرى للعمل في مطعم اخر باسم مستعار مما سبب موجة وبائية اخرى اضطرت السلطات الصحية الى حجرها وتوفيت بالتهاب رئوي بعد 26 سنة من الحجر الصحي وهي اول امراءة اجريت لها عملية استئصال المرارة لغرض معالجتها من حمل المرض وتكاثر الجرثومة.
لقد تم اكتشاف المسبب لمرض التايفويد من قبل الطبيب البيطري الامريكي دانيال سالمون (1850-1914) ومن اسمه استمدت اسم البكتريا سالمونيلا  التيفية والمشابه للتيفية المسببة لمرض التايفويد وهي  عصيات سلبية الغرام(الصبغة)، لاهوائية مخيرة. أغلب أنواعها قادر على الحركة بفضل الأهداب المحيطية.
أغلب السلمونيلات ممرضة، ويتعلق إمراضها بوجود مستضدات H الهدبية العطوبة بالحرارة والمستضدين الكربوهيدراتيين O وVi. كما ان السلالة غير التيفودية العدوى يمكن ان تسبب (التهاب المعدة والأمعاء) او التسمم الغذائي يكون بداية الظهور : عموما خلال 8-12 ساعة بعد تناول الطعام. الأعراض: ألم في البطن والاسهال، وأحيانا الغثيان والقيء. الأعراض تستمر ليوم أو أقل، وعادة ما تكون خفيفة. يمكن أن يكون أكثر خطورة في كبار السن أو الوهن.
 ان اعراض مرض التايفؤيد تبداء تدريجيا في المريض بعد فترة حضانة من 7-14 يوم :
 الحمى الطويلة وهي حمى تدريجية الارتفاع اي في اليوم الاول 38 درجة مؤية وفي اليوم الثاني 38.5درجةوهكذا تتصاعد درجة الحرارة تتدريجيا مما تجعل المريض يتكيف مع درجة الحرارة المرتفعة ولا يشتكي منها ولكن يشتكي من الصداع وهذه ايضا الحمى تشابه مع اعراض ضربة الشمس مما يتهمون الشمس بانها المسبب الرئبسب وهو اعتقاد خاطى وقد زادوا ايغالا في اتهام الشمس واسموها شمس الباقلاء مع موسم نضوج الباقلاء الخضراء وهو شهر مايس وحزيران. ولكن مع هذا الارتفاع في درجة حرارة الجسم ولكن نبض ودقات القلب تبقى محافظة على وتيرتها  حيث من المعلوم كل درجة واحدة تترتفع في الجسم يزداد النبض 15 نبضة في الدقيقة ومن الطرائف الطبية ان احدى المرضى الراقدين في مستشفى المجيدية الملكي مدينة الطب الحالية كان يعاني من نزف الجهاز الهضمي وكان يشرف على علاجه عاشق بغداد الدكتور سندرسن باشا مؤسس كلية طب بغداد  ومن اجراءات الفحص كان فحص الشرج عن طريق الاصبع  وعندما وضع سندرسن اصبعه في شرج المريض تحسس بارتفاع درجة حرارة المريض العالية وحسب النبض للشريان القريب من الشرج وجده بطيئا صاخ انه التايفؤيد وقد سرت هذه حول نطاسيته انه شخص التايفويد عن طريق فحص الشرج. ومن الاعراض الاخرى للتايفويد:
    القيء.
    فقدان الشهيه .
    خمول عام
    الآم شديده في المعده و الأمعاء
    تورم الغدد اللمفاوية.
    الرعشة.
    الإسهال.
    بقع وردية على الصدر تتحول إلى اللون الدموي .
وقد يحدث صداع ونزف من الأنف وترتفع الحرارة اكثر كل يوم حتى تصل احيانا الى 40 درجة مئوية, وتكون اعلى في المساء, وتضعف الشهية للطعام ويتغلف اللسان والأسنان والشفاه بترسبات بنية.والاصابة بالاسهال شائعة, لا سيما في البداية،لكن قد يحدث إمساك, وتكون رائحة البراز كريهة جدا, وينتفخ البطن ويصبح طريا مؤلما عند لمسه، وعند بداية الأسبوع الثالث من المرض تأخذ الحرارة عادة في الانخفاض تدريجيا.
وخلال مرحلة المرض المبكرة يكون الوجه متوردا والعينان براقتين, ولكن في الاسبوع الثاني يصير تعبير الوجه فاترا شاحبا تعبا انا اطلق عليه شبها مثل وجه المصري المتعب.
والسعال شائع إلى حد ما واصوات في الصدر مشابه للربو القصبي،لا سيما في المرحلة المبكرة, وبشكل عام يكون الجلد جافا لكن قد يحدث تصبب للعرق في مرحلة متأخرة من المرض.
تختلف أعراض حمى التيفوئيد وخطرها اختلافا كبيرا وقد تكون بدايتها على شكل تشنجات وصداع حاد وهذيان.
وقد تنشأ مضاعفات خطرة مثل النزف المعوي وثقب الامعاء ويحدث ذلك عادة خلال الاسبوع الثالث للمرض, ومما يشير إلى نزف الامعاء هبوط مفاجئ للحرارة ونبض ضعيف وسريع في القلب وافراز قاتم اللون من الاحشاء ،كما يشير الى ثقب الامعاء الم مفاجئ في البطن ينتشر بسرعة وهبوط سريع في الحرارة ونبض ضعيف وسريع.
ان الاعراض السريرية للتايفؤيد لاتخفى على الطبيب المتمرس والحاذق مما يولد تشخيصا سريعا للحالة والبدء بالعلاج المبكر مما يقلل من حدة المرض ومضاعفاته وتأتي الأعراض تدريجيا ان لم يتم علاج المريض من المرحله الأولى .
ان الاعتماد على اختبار فيدال  او ويدال (widal test)يساعد في التشخيص ولكن لا يمكن الاعتماد عليه، لانه يعطي نتائج سلبيه وايجابية خاطئه.
لذا فهو فقط يعطي احتمال وجود المرض وهو يعتبر الان من الطرق البدائية في التشخيص و لانعول عليه كثيرا وانما الان من خلال تقنيةPCR وتقنية استكشاف الاجسام المناعية المستضادة للسلمونيالا ويكون التشخيص المؤكد عن طريق زرع عينة من دم المصاب او افرازاته والتاكد منها عبر تقنية PCR أفضل معيار للتشخيص هو القيام بأخذ عينه من المريض والقيام بزرع حقل بكتيري(culture)لعزل الميكروب(بكتريا السالمونيللا)المسبب للمرض، فاذا كان الاسبوع الأول من المرض تؤخذ عينة دم، وعينة براز إذا كان في الاسبوع الثاني، وعينه بول في الاسبوع الثالث.أفضل عينه للتأكيد البكتريولوجي هي عينه نخاع العظام لانها تظهر الميكروب حتي ولو كان المريض ياخذ المضادات الحيوية.
 ان الوقاية خير من العلاج عبر غسل اليدين والتاكد من سلامة الغذاء والمشروبات والمياه  والاغذية الملوثة, تدني مستوي النظافة الصحية وجودة الطبخ للطعمة. عدم الاهتمام بالنظافة الشخصية. تلوث المياه السطحية والمياه الدائمة (مثل خراطيم المياه في الحمام أو موزعات المياه غير المستخدمة). هذا ويمكن للبكتيريا السالمونيلا البقاء على قيد الحياة عدة أسابيع في بيئة جافة وعدة أشهر في الماء. الفقاريات المائية، ولا سيما الطيور والزواحف، هي ناقلات مهم من السالمونيلا. يمكن العثور على السالمونيلا في المواد الغذائية، خصوصا في اللحوم والحليب والبيض. كما ان مصادر إنتاج الطعام الخام متداخلة في تفشي الاصابة بالسالمونيللا تشمل البطيخ والطماطم وبراعم البرسيم وعصير البرتقال. اللحوم النيئة والدواجن والحليب ومنتجات الألبان الأخرى، والجمبري، وأرجل الضفادع، والخميرة، جوز الهند، والمعكرونة، والشوكولاتة هي الأكثر شيوعا.وفجص العاملين في المطاعم واماكن تجهيز الطعام من خلال اجراء فحوصات دورية للتاكد من خلوهم من هذه الجرثومة او المرض.
ان التطور في العلاج الطبي والدوائي عبر وصف المضادات الحيوية المناسبة من حيث الجرعة العلاجية وفترة التداوي لمدة 10-14 يوم يعطي نتائج جيدة في الشفاء ومنع عودة المرض مجددا وايضا من خلال اعطاء اللقاحات في المناطق المتوطنة مثل العراق وان اول لقاح للتايفؤيد اكتشف في عام 1897،  من قبل"رأيت إدوارد المروث" تطوير لقاح فعال وهو اللقاح الحي الذي يؤخذ عن طريق الفم. في عام 1909، قام فريدريك ف راسل، طبيب "الجيش الأمريكي"، تطوير لقاح التيفوئيد اﻷمريكية ويسمى لقاح الحمى التيفية متعدد السكريات ويوخذ عن طريق حقن تحت الجلد وبعد ذلك بعامين أصبح له برنامج التلقيح الأول الذي تم تحصين جيش كامل. القضاء التيفوئيد اعتباره سببا هاما من الاعتلال والوفيات في الجيش الأمريكي وقد قامت شركات الادوية بتطوير لقاح عن طريق الهندسة الوراثية قليل المضاعفات حيث لازلنا نتذكر حملات التلقيح في المعسكرات والمدراس واعطاء الطلاب والجنود اجازة بسبب التلقيح ومما يسبه من الم عضلي وارتفاع درجة الحرارة ولكن مع اللقاح الحالي تكون الامور ميسرة وبدون اجازة او استراحة.
على المريض ان يتناول الاغذية السهلة الهضم مثل عصير البرتقال والليمون والعسل الاسود واللبن والبطاطا المسلوقة والموز والشوربات والحساء ويتغذى بصورة اعتيادية مع تحسن حالته الصحية.
 ان اغلب العراقيين حاليا يشكون من الصداع السياسي ودوخة السياسين وكما ان الشمس برئية من حمى التايقؤيد فان السالمونيلا ايضا برئية من دوخة العراقيين....

CONVERSATION

0 comments: