تقرير مفوضية التدقيق بين التخويف والحقيقة/ عباس علي مراد

يوم الخميس الأول من أيار أطلقت الحكومة الفيدرالية تقرير مفوضية التدقيق ،التي كلفتها وضع دراسة عن الوضع المالي والإقتصادي للبلاد. يتألف التقرير من 900 صفحة ويتضمن 86 توصية تشمل كافة جوانب الحياة الإقتصادية، الإجتماعية، التربوية، الصحية، العائلية، الضريبة ، الاجور والإنتاج.
تتألف المجموعة التي كلفتها الحكومة  وضع التقرير من بيروقراطيين وسياسيين محافظين بالإضافة الى خبراء من مجلس الأعمال الاسترالي، وهم والمفوض طوني شيبرد الرئيس السابق لمجلس الأعمال وكان من  اشد معارضي الحكومة العمالية السابقة لوضع مشروع كونسكي للتعليم والمشروع الوطني لتأمين المعاقين، بيتر بوكسول موظف سابق عمل لسبع سنوات في صندوق النقد الدولي وكان مدير مكتب بيتر كوستيلو أثناء وجوده في المعارضة، طوني كول موظف سابق وعمل لمدة عامين في البنك الدولي كما عمل سكرتير لوزير الخزينة الأسبق بول كيتنغ، روبرت فيشر المدير العام السابق لوزارة الصناعة والتنمية الريفية في غرب استراليا وأماند فانستون وزيرة سابقة في حكومة هاورد من عام 1996 الى العام 2007.
يبدو من التوصيات التي رفعها التقرير ان البلاد على شفة كارثة اقتصادية واتبعت المفوضية اسلوب الإنتقائية في التوصيات التي وضعتها، فمثلاً اوصت برفع سن التقاعد الى 70 عاماً في اواسط القرن الحالي اي حوالي عام 2050، فرض رسم على زيارة الطبيب بقيمة 15 دولاراً، زيادة رسوم المديكير على أصحاب الدخل المرتفع الذين لا يحملون بوليصة تأمين صحي خاص، التوصية بزيادة الرسوم على الطلاب الجامعيين حيث تساهم الحكومة حالياً  ب59 %  والطلاب 41%  وفي حال تبنت الحكومة التوصيات تصبح  مساهمة الحكومة45 % مقابل 55% للطلاب، ادخال المنزل العائلي في اختبار الدخل للمتقاعدين، الغاء علاوة العائلة فئة (ب) والتشدد في منح فئة (أ)، تخفيض الحد الأدنى للأجور من 622$ أي 56% من متوسط الأجر الأسبوعي الى 44 % ليصبح 488$  على ان يتم التغيير على مدى العشر سنوات القادمة ،حيث يرى التقرير ان الحد الأدنى للإجور في استراليا هو الأعلى في الدول المتقدمة ،ويعتقد مجلس اتحاد نقابات العمال انه في حال تبني توصيات تقرير مفوضية التدقيق  فإن الحد الانى سيصبح بمستوى عام 1998.
أخفق التقرير في النظر في بعض الإعفاءات الضريبية منها الإعفاء لمعاش الإدخار التقاعدي والذي يكلف الخزينة 35 مليار دولار سنوياً، أعفاء المستثمرين في قطاع القعارات المعروف NEGATIVE
 GEARING والاعفاء  على مكاسب رأس المال ، ولم يتطرق التقرير الى سعي الحكومة لإلغاء الضريبة على قطاع التعدين او استبدال الضريبة على الكربون بما يعرف بالفعل المباشر لمحاربة انبعاث الكربون في الجو والتي ستكلف الحكومة 2.55 مليار دولار ففي السنوات الاربع الاولى من الخطة الحكومية تدفع للشركات لحثها على تخفيض انبعاث الكربون في الجو، علماً ان العائدات التي يؤمنها  وقف تلك الاعفاءات للخزينة تفوق العائدات التي ستؤمنها الاقتطاعات التي اوصى بها التقرير اذا ما تم تبنيها من قبل الحكومة  .
وزير الخزينة جو هوكي والذي منذ تسلمه منصبه لم يتوانَ عن شن الحملات التخويفية من وضع الإقتصاد والعجز في الميزانية والتي يقول انه ورثها عن الحكومة العمالية السابقة علماً ان العجز تضاعف خلال 6 أشهر من عمر الحكومة الحالية، سارع الى القول بأن هذا التقرير موجه للحكومة وغير صادر عنها، في محاولة لإستيعاب النقمة الشعبية خصوصاً بعد تراجع الحكومة عن وعدين انتخابيين، الوعد الأول هو فرض ضريبة الدين بنسبة 1% على أصحاب الدخل الذي يتراوح ما بين 80.000 $ الى 180.000$  و2% على من يفوق دخلهم 180.000$ ، وقد حاول رئيس الوزراء اللعب على الجانب اللغوي للحد من تداعيات قرار حكومته حيث سمى الضريبة رسم مؤقت لأنها ستفرض لمرة واحدة ولمدة 4 سنوات، أما الوعد الثاني فهو تراجع الحكومة عن تنفيذ وعدها بالنسبة لإجازة الأهل وتخفيضها من 150.000$  اي (75 الف دولار عن 6 اشهر اجازة) الى 100.000$  أي (50 الف دولار عن 6 اشهر)، هذا الوعد الذي اعتبره رئيس الحكومة طوني ابوت بأنها حقوق للنساء العاملات وليست تقديمات من الضمان الإجتماعي علماً ان تقرير مفوضية التدقيق قد اوصى بخفضها الى قرابة 30.000$ عن 6 اشهر  .
نشير هنا الى ان الحكومة واثناء حملتها الانتخابية العام الماضي قالت انها لن تفرض ضرائب جديدة ولن تقتطع اية اموال من القطاع الصحي والتعليم ولن تدخل اية تعديلات على معاشات المتقاعدين.
وقد اثارت قضية ضريبة الدين حفيظة نواب المقاعد الخلفية في تحالف الأحرار الوطني لعدم استشارتهم واطلاعهم على المشروع، وفي تعليق ملفت لأحد نواب المقاعد الخلفية والذي طلب عدم ذكر اسمه، سمى رئيس الوزراء بإسم طوني غيلارد نسبة الى تراجع رئيسة الوزراء السابقة عن وعدها حين قالت ان حكومة ترأسها لن تفرض ضريبة الكربون والتي عادت وتراجعت عن وعدها، وقد استغلت المعارضة انذاك هذا التراجع وخصوصاً زعيمها رئيس الوزراء الحالي طوني ابوت  الامر الى اقصى حد.
بالعودة الى تقرير مفوضية التدقيق، لا شك ان الحكومة ستأخذ ببعض التوصيات وسترجئ بعضاً منها وسستعامل بحذر مع البعض الآخر خوفاً من التداعيات السياسية، خصوصا ان رياح استطلاعات الرأي الاخيرة لم تجري بما تشتهيها سفن الحكومة .وقد رأينا ما حصل على شاشة تلفزيون (اي بي سي) اثناء عرض برنامج سؤال وجواب الاثنين 5/5/2014 الذي كان من ضمن ضيوفه وزير التعليم الفيدرالي كريستوفر باين  حيث اخذت مجموعة من الحضور تطالب الوزير والخروج من القاعة، وقد يكون ذلك عينة مصغرة على ما ينتظر الحكومة في وضع ميزانية قاسية وتبني توصيات مفوضية التدقيق بحذافيرها.
السؤال البديهي والذي يفرض نفسه، هل تعيش استراليا كارثة اقتصادية كما تحاول الحكومة تصوير الوضع؟!
لا شك ان هناك عجز في الموازنة، لا شك ان نسبة الدين ستزداد اذا لم تتخذ الحكومة اي اجراء للحد من الإنفاق، خصوصاً بعد تراجع الدخل الحكومي من 26% الى 23% من الناتج القومي علماً ان الانفاق ما زال على نفس المستوى 25% ،وهذا هو الوتر الذي تضرب عليه الحكومة في تضخيم العجز والدين حيث تعتقد ان الدين قد يصل الى 400 مليار دولار عام 2024 اذا استمر سير الأمور على ما هو عليه الآن.
كل المؤشرات تشير الى ان الوضع الإقتصادي ليس بذلك السوء، فحسب توقعات صندوق النقد الدولي للإقتصاد العالمي الشهر الماضي، ان الدين في استراليا في السنة الماضية كان 13% نسبة الى الدخل القومي وسيرتفع الى 20% عام 2019 اذا لم يُتخذ اي إجراء مقارنة مع المانيا 53%، بريطانيا 84.5%، الولايات المتحدة 83%، كندا 39%، اوروبا واليابان 100%.
وحسب وكالات التصنيف الإنتمائي العالمية الثلاث الأساسية، ما زالت استراليا تحتفظ بتصنيف (أأأ) مع ست دول اخرى فقط، عليه نرى ان التحرك مطلوب لكن من ضمن خطط تضمن استمرار النمو وإصلاحات هيكلية، والحفاظ على مستوى معيشة مقبول مع بعض التضحيات بدل تقديم بعض المسكنات التي لا تحل المشاكل. وبإنتظار ارقام الميزانية في 13 أيار لا نريد ان نحكم على النوايا ،رغم الحملة التخويفية التي تقوم بها الحكومة لأنها قد تقدم على وضع ميزانية اكثر اعتدالاً من الميزانية الخطابية لأن حزب العمال وحزب الخضر والنقابات ومجلس الخدمات الإجتماعية الاسترالي والطلاب ومجموعات ناخبة  غيرها  قد يلحقها الضرر من ميزانية قاسية، سوف يعمدون الى الإستفادة بالحد الأقصى سياسياً من اي هفوة من هفوات الحكومة كضريبة الدين، وعندئذ سيشرب رئيس الوزراء طوني ابوت من نفس الكأس الذي سقى منه رئيسة الوزراء السابقة جوليا غيلارد وقد يكون لذلك تداعيات سياسية على حزب الأحرار ورئيس الوزراء شخصياً ..

سدني
Email:abbasmorad@hotmail.com       

CONVERSATION

0 comments: