الأنتخابات المصرية والأقباط/ أنطوني ولسن

جرت الأنتخابات المصرية لأعضاء مجلس الشعب المصري هذه المرة على غير عادتها فقد تمّت تحت سمع وبصر "رجال القضاء المصري " وأيضا على ثلاث مراحل وهذا ما لم يحدث من قبل لا في عهد الرئيس مبارك وبالطبع ليس في عهد سابقيه .
فرح كل محب للوطن بهذا التغيير في أسلوب الأنتخابات واطمأنت الأحزاب لأنها ستجد مكاناً لها تحت قبة البرلمان وتستطيع أن تناقش التشريعات الخاصة بالوطن في حرية كفلها لها القانون والدستور،بالأضافة الى عدد ممثلي هذه الأحزاب الذين سيكونون مما لا شك فيه قوة معارضة تعارض الحزب الوطني الذي يرأسه رئيس الجمهورية.وخاصة بعد ما نشر علناً عن فضائح لعدد كبير من البرلمانيين أعضاء الحزب .
كما أن تأكيد السيد رئيس الجمهورية على نزاهة الأنتخابات،جعل جزءاً من النسيج الوطني المصري كان قد ابتعد عن الساحة السياسية لمعرفته بعدم النجاح مسبقاً في أي انتخابات نيابية في مصر للهلوسة الدينية التي تمر بها البلاد هذا التأكيد من السيد الرئيس جعل هذا الجزء يتشجع ويتقدم عدد من أبنائه الى ترشيح انفسهمسواء كمستقلين أو من أحزاب وأهمها "حزب التجمع الوحدوي التقدمي" وأعني بهذا الجزء الذي لا يتجزأ من النسيج الوطني المصريأقباط مصر
أقباط مصر الذين احتاروا في طريقة العيش والتعايش في وطنهم مصر المحروسة التي فتحت ذراعيها للجميع دونما تفريق بين لون أو جنس أو معتقد . مصر البوتقة التي انصهرت فيها كل الأجناس على مدى سبعة آلاف سنة .
أقباط مصر ضاعوا وسط هرطقات المتأسلمين وديكتاتوريات الحكام الذين عملوا على عدم الأهتمام بهذا الجزء الذي لا يتجزأ لبنية المجتمع المصري ، فتركوا الحبل على الغارب لكل من هبّ ودبّ لأهانة الأقباط والتجرؤ على وصفهم بالكفر .. والخيانة .. بل إستباحة أموالهم وأعراضهم ودمائهم .
فكر الحزب الوطني الذي يرأسه رئيس الجمهورية في خطة جهنمية يدخل بها الأنتخابات هذه المرة . فعمل أولاً على إلغاء حزب العمل لأنه حزب اسلامي .. ولا تريدالدولة أن يكون للأقباط حزب كما هو للمسلمين . ثانياً عمل الحزب على التخلص من بعض العناصر التي أصبحت عبئاً على الحزب ووصمة عار على الحكومة والسياسة المصرية ، فسمحت لكل مرشح دخل الأنتخابات بصفة مستقل ان تُقبل عضويته في الحزب الوطني بعد نجاحه في الأنتخابات . ثالثاً سمحت الحكومة لجماعة " الأخوان المسلمين " بالترشح كمستقلين ، ويبدو أن هناك اتفاقاً قد تمّ بين الحزب الوطني والجماعة وافقت فيه الجماعة على عدم ترشيح أي من أفرادها في دوائر أقطاب الحزب حتى لا ينتخب هؤلاء الأقطاب وينجح أعضاء الجماعة " الأخوان المسلمون " المحظورة .
وقد تمّ للحزب الوطني ما أراد .. فنجح كل الأقطاب وسقط الباقون في الأنتخابات . وقد حصل الحزب الوطني على 196 مقعداً من أصل 444 مقعداً ز وحصل المستقلون وبقية الأحزاب على 248 مقعداً .. وفجأة تحول من الـ 248 من المستقلين وغيرهم 213 مرشحاً بعد الأنتخابات وأنضموا الى الحزب الوطني . وبهذا يكون الحزب الوطني 409 مقاعد من عدد 444 مقعداً .. أي أن المعارضة من أحزاب وغير أحزاب فقط على 35 مقعداً نصفهم من جماعة " الأخوان المسلمين " المحظورة ، والنصف الأخر لبقية الأحزاب .
بهذا يكون الحزب الوطني .. الحزب الحكومي الرسمي قد حصل على أغلبية ساحقة في مجلس الشعب ولكن بطريقة غير شرعية وغير شريفة . فقد خُدع الشعب " وليست هذه المرة الأولى التي يُخدع فيها الشعب المصري " . فأدلوا بأصواتهم لمن ظنّوا أنهم مستقلون .. ولا يوجد قانون أو عُرف يسمح للناجح من المرشحين أن يغير الفئة التي قدم نفسه بها للشعب .
أعتقد أن فقهاء القانون والقضاء لن يقبلوا هذا الوضع . لأنه من الواضح ان مجلس الشعب المقبل لا يتمتع بالدستورية القانونية للغش الذي حدث من قبل الحزب الوطني الحاكم والذي يرأسه الرئيس محمد حسني مبارك .
قبل أن أعود الى الأقباط في تلك الأنتخابات ، أحبّ أن أقول لجماعة " الأخوان المسلمين " المحظورة في مصر .. مبروك .. لقد استطعتم أن تحققوا الجزء الأكبر من مخطط الجماعة للوصول الى الحكم بدخولكم بشكل منظم وترشيحكم لشباب لم يسبق لهم مواجهة الحكومة أو دخولهم السجون أو المعتقلات أو حتى الأشارة الى أنهم من الجماعة . ما فشلتم في تحقيقه قبل وبعد 1952 .. فقد حققتموه عام 2000 .
أما عن الأقباط فنهنئهم على الخروج من دائرة الظلام التي حبسوا أنفسهم داخلها عهود حكم رجال الثورة .
في ختام الحديث عن الأنتخابات المصرية والأقباط أرجو أن تتسع لي صدوركم لأنقل لكم صورتين لما حدث لمرشحي الأقباط .
الصورة الأولى على لسان الدكتور رفعت السعيد .. " في دائرة بندر المنيا في مصر اشتد الهوس في الحملة الأنتخابية وانتابتها حمى مجرمة تحاول شقّ الصف الوطني وتقسيم المواطنين الى مسلم ومسيحي . فالسيدة المرشحة دبّرت أو سمحت لمنا صريها بتسيير حفنة ممن لا نحتاج الى وصفهم كي يهتفوا علناً ضد الوحدة الوطنية ، وضد النسيج المصري الواحد وضد مرشحناً كل ذنبه أنه مرشح مصري مسيحي تجمعي تصور ان من حقه ان يرشح نفسه في الأنتخابات وهو ما يكفله له الدستور والقانون ، وتكفله له قبل ذلك سماحة الأخوان الحنيف . فعلها الدكتور وجيه شكري ساويرس ورشح نفسه ونال أصواتاً صعدت به الى مرتبة الأعادة والى مرتبةأعلى بكثير من الستّ الهانم التي شعرت بضعف نتائجها فتصورت ان بالأمكان أن تصعد ولو على جثة الوطن .. " .
والصورة الثانية والتي حدثت بين مرشحين في حي الوايلي بالقاهرة أحدهما مسلم مرشح الحزب الوطني الأستاذ أحمد فؤاد عبد العزيز ، والآخر مسيحي الأستاذ منير فخري عبد النور ، والمنشور الذي قام بتوزيعه المرشح المسلم الأستاذ أحمد فؤاد عبد العزيز على أهالي حيّ الوايلي هذا نصّه :" بسم الله الرحمن الرحيم من القرأن الكريم .
ولن ترضى عنك اليهود والنصارحتى تتبع ملّتهم ، ( البقرة 120 ) .
" لقد كفر الذين قالوا أن الله هو المسيح بن مريم ( المائدة 73 ) .
لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة ( المائدة 73 ) .
يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين ( المائدة 52 ) .
اتقوا يوما ترجعون فيه الى الله ثم توفي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ( البقرة 281 ) .
وبعد فالموحدون بالله تعالى كثيرون فاحسنوا الأختيار منهم .
فالمؤمن كما وصفه المعصوم صلى الله عليه وسلّم ليسفطناً ، احترسوا أيها المسلمون من الخطر القادم من أبناء صهيون في صورة الفتنة وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها .
ارجعوا الى الوراء وأهم تلك الأحداث :
** أحداث البوسنة والهرسك .
** أحداث سيراييفو .
** أحداث حرب الخليج .
** أحداث الشيشان .
** أطفال الحجارة .
** تمزيق الدولة العربية والأسلامية .
وبعد أهالي دائرة الوايلي الشرفاء وأنتم لستم كما وصفكم رئيس حزب الوفد بالهمجية والتخلف فهل أنتم توافقون على هذه الصفة غير اللائقة . أم نحن جميعاً يداً واحدة ولكم الأختيار " .
انتهى المنشور نقلاً عن مقال للأستاذ مجدي خليل نشرته الزميلة " المصري " التي تصدر في سدني .. ولا تعليق عندي ...
" الهيرالد "ـ رسالة لبنان والشرق الأوسط
1 / 12 / 2000
هذا المقال من ذاكرة كتاب " المغترب " الجزء الرابع الصادر في سيدني / أستراليا
2002
أردت فقط إعادة نشره وأترك للقراء المقارنة بين ما كان يحدث أيام مبارك
وما يحدث هذه الأيام وحكم جماعة " الأخوان المسلمون " المحظورة برئاسة الدكتور محمد مرسي وإشراف فضيلة المرشد العام .

CONVERSATION

0 comments: